حلية العلماء في معرفة مذاهب الفقهاء

فصل وَالسّنة أَن يقنت فِي صَلَاة الصُّبْح
رَوَاهُ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ فِي الْقَدِيم عَن الْخُلَفَاء الْأَرْبَعَة رَضِي الله عَنْهُم وَبِه قَالَ مَالك
وَقَالَ أَبُو حنيفَة وسُفْيَان وَالثَّوْري لَا يسن الْقُنُوت فِي الصُّبْح
وَقَالَ أَحْمد الْقُنُوت للأئمة يدعونَ للجيوش فَإِن ذهب إِلَيْهِ ذَاهِب فَلَا بَأْس بِهِ
وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق هُوَ سنة عِنْد الْحَوَادِث لَا تَدعه الْأَئِمَّة وَقَالَ أَبُو يُوسُف إِذا قنت الإِمَام فاقنت مَعَه

(2/111)


وَفِي رفع الْيَد فِيهِ وَجْهَان
أَحدهمَا لَا يرفع الْيَد وَهُوَ اخْتِيَار الشَّيْخ الإِمَام أبي إِسْحَاق وَقَول الْقفال
وَالثَّانِي أَنه يرفع الْيَد وَاخْتَارَهُ الشَّيْخ أَبُو نصر رَحمَه الله وَكَانَ مَالك وَاللَّيْث بن سعد وَالْأَوْزَاعِيّ لَا يرفعون أَيْديهم فِي الْقُنُوت وَمحله بعد الرُّكُوع فِي الثَّانِيَة
وَقَالَ مَالك مَحَله قبل الرُّكُوع
ذكر فِي الْحَاوِي أَنه إِذا قنت قبل الرُّكُوع وَكَانَ شافعيا فَفِيهِ وَجْهَان
أَحدهمَا لَا يُجزئهُ ويعيده وَهُوَ الْمَذْهَب
وَالثَّانِي يُجزئهُ وَلَا يُعِيدهُ
وَفِي السُّجُود وَجْهَان
أَحدهمَا يسْجد لتقديمه على مَحَله
ذكر فِي الْحَاوِي أَنه بِأَيّ شَيْء قنت من الدُّعَاء أَجزَأَهُ عَن قنوته حَتَّى لَو قَرَأَ آيَة فِيهَا دُعَاء كآخر سُورَة الْبَقَرَة أَجزَأَهُ وَإِن لم يتَضَمَّن دُعَاء كآية الدّين فَفِيهِ وَجْهَان
أَحدهمَا يُجزئهُ
وَالثَّانِي لَا يُجزئهُ
قَالَ الشَّيْخ الإِمَام وَهَذَا الَّذِي ذكره عِنْدِي سَهْو على الْمَذْهَب

(2/112)


وَلَا يُجزئهُ غير الْقُنُوت الْمَرْوِيّ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلَو ترك مِنْهُ كلمة سجد للسَّهْو وَكَذَلِكَ إِذا عدل إِلَى غَيره
فَأَما الْمَأْمُوم فقد قَالَ القَاضِي أَبُو الطّيب رَحمَه الله أَنه لَا يحفظ للشَّافِعِيّ رَحمَه الله فِيهِ شَيْء
وَقد رُوِيَ عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا أَنه قَالَ كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يقنت وَنحن نؤمن خَلفه
وَمن أَصْحَابنَا من قَالَ يُؤمن فِيمَا كَانَ دُعَاء من الْقُنُوت دون الثَّنَاء
وَذكر الشَّيْخ أَبُو نصر رَحمَه الله أَن الشَّافِعِي رَحمَه الله أَنه قَالَ إِذا مرت بِهِ آيَة رَحمَه سَأَلَهَا وَكَذَلِكَ الْمَأْمُوم فشرك بَينهمَا فَيَنْبَغِي أَن يكون الماموم بِالْخِيَارِ
وَالْمَرْأَة كَالرّجلِ فِي أَفعَال الصَّلَاة إِلَّا فِي بعض الهيئات وَهُوَ مَا يكون فِي فعله ترك للتستر وقعودها فِي التَّشَهُّد كقعود الرجل وَقَالَ الشّعبِيّ تجْلِس كَمَا يَتَيَسَّر عَلَيْهَا وَكَانَ ابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا يَأْمر نِسَاءَهُ أَن يجلسن متربعات
وَحكى فِي الْحَاوِي أَن صَوتهَا عَورَة وَفِيه نظر فَإِنَّهُ لَو كَانَ عَورَة لما جَازَ سَماع صَوتهَا فِي شَهَادَة وَلَا رِوَايَة وَالله أعلم

(2/113)


- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بَاب صَلَاة التَّطَوُّع
أوكد السّنَن الرَّاتِبَة مَعَ الْفَرَائِض الْوتر وركعتا الْفجْر وَالْوتر آكدهما فِي أصح الْقَوْلَيْنِ وَهُوَ قَول مَالك
وَالثَّانِي رَكعَتَا الْفجْر وَهُوَ قَول أَحْمد
وَقَالَ أَبُو حنيفَة الْوتر وَاجِب وَلَيْسَ بِفَرْض
قَالَ ابْن الْمُنْذر لم يذهب إِلَى هَذَا غير أبي حنيفَة فَإِن قُلْنَا رَكعَتَا الْفجْر آكِد فيليهما الْوتر وَإِن قُلْنَا الْوتر فيليهما رَكعَتَا الْفجْر
وَحكى أَبُو إِسْحَاق عَن بعض أَصْحَابنَا الْوتر ثمَّ التَّهَجُّد ثمَّ رَكعَتَا الْفجْر وَلَيْسَ بِصَحِيح
وَحكى ابْن عبد الحكم وَأصبغ من أَصْحَاب مَالك أَن رَكْعَتي الْفجْر لَيست بِسنة وَإِنَّمَا هِيَ من الرغائب

(2/114)


وَقَالَ أَشهب هما سنة وَأدنى السّنَن الرَّاتِبَة مَعَ الْفَرَائِض ثَمَان رَكْعَات سوى الْوتر رَكْعَتَانِ قبل الصُّبْح وركعتان قبل الظّهْر وركعتان بعْدهَا وركعتان بعد الْمغرب وَالْوتر ثَلَاث رَكْعَات فَيصير إِحْدَى عشرَة رَكْعَة
وَقيل أَقَله عشر رَكْعَات سوى الْوتر فَزَاد رَكْعَتَيْنِ بعد الْعشَاء وأكثرها ثَمَان عشرَة رَكْعَة فَزَاد على مَا ذكرنَا رَكْعَتَيْنِ قبل الظّهْر وَرَكْعَتَيْنِ بعْدهَا وأربعا قبل الْعَصْر وَالسّنة فِي تطوع اللَّيْل وَالنَّهَار أَن يسلم من كل رَكْعَتَيْنِ وَهُوَ قَول مَالك وَأحمد فَإِن سلم من رَكْعَة وَاحِدَة جَازَ
وَقَالَ أَبُو حنيفَة لَا يجوز أَن يسلم من رَكْعَة
فَإِن جمع بَين رَكْعَات بِتَسْلِيمَة جَازَ ويتشهد فِي كل رَكْعَتَيْنِ فَإِن اقْتصر على تشهد وَاحِد جَازَ
وَذكر القَاضِي حُسَيْن رَحمَه الله أَنه إِذا جمع بَين سِتّ رَكْعَات اقْتصر على تشهدين تشهد عقيب الرَّابِعَة وَتشهد عقيب السَّادِسَة فَإِن تشهد عقيب الثَّانِيَة بطلت صلَاته وَشرط أَن يكون بَين التشهدين رَكْعَتَانِ وَلَا تزيد على تشهدين أَيْضا وَالصَّحِيح مَا ذَكرْنَاهُ فَإِنَّهُ أشبه بِالْفَرْضِ وَمَا ذكره تحكم

(2/115)


وَقَالَ أَبُو حنيفَة فِي صَلَاة اللَّيْل إِن شَاءَ صلى رَكْعَتَيْنِ وَإِن شَاءَ صلى أَرْبعا أَو سِتا أَو ثَمَانِي رَكْعَات بِتَسْلِيمَة وَاحِدَة وبالنهار يسلم من كل أَربع
وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد صَلَاة اللَّيْل مثنى مثنى
وَذكر القَاضِي حُسَيْن رَحمَه الله أَنه إِذا أحرم بالنفل مُطلقًا فبماذا ينْعَقد إِحْرَامه فِيهِ وَجْهَان
أَحدهمَا ينْعَقد بِرَكْعَتَيْنِ
وَالثَّانِي ينْعَقد بِرَكْعَة بِنَاء على أَن مُطلق النّذر يحمل على أقل مَا يتَقرَّب بِهِ أَو على أقل مَا فرض فِي الشَّرْع وَفِيه وَجْهَان
قَالَ وَعِنْدِي أَن قَضِيَّة صَلَاة النَّفْل أَن يُصَلِّي أَي قدر شَاءَ مَا لم يقطعهُ بِسَلام وَهَذَا الَّذِي ذكره فِيهِ نظر بل يجب أَن ينْعَقد نفله بِرَكْعَتَيْنِ وَكَذَا يَنْبَغِي أَن يحمل النّذر على مَا ينْعَقد بِالشَّرْعِ فإمَّا أَن يحمل الْمَشْرُوع على الْمَنْذُور أَو فَلَا
وَذكر أَيْضا أَنه إِذا نذر أَن يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ فصلى أَربع رَكْعَات هَل يخرج بِهِ من نَذره فِيهِ جوابان
أصَحهمَا أَنه لَا يخرج من نَذره

(2/116)


فَإِن نذر أَن يُصَلِّي أَربع رَكْعَات قَالَ إِن قُلْنَا إِن نَذره يحمل على وَاجِب الشَّرْع تشهد تشهدين وَإِن قُلْنَا على أقل مَا يتَقرَّب بِهِ كَفاهُ تشهد وَاحِد
قَالَ الشَّيْخ الإِمَام وَعِنْدِي أَن هَذَا يَنْبَغِي أَن يكون إِذا نذر أَربع رَكْعَات بِتَسْلِيمَة وَاحِدَة
وَالصَّحِيح أَن يتَشَهَّد تشهدين
وَذكر أَيْضا أَنه إِذا نذر أَن يُصَلِّي السّنَن الرَّاتِبَة قَائِما أَن من أَصْحَابنَا من قَالَ لَا ينْعَقد نَذره
قَالَ وَعِنْدِي أَنه ينْعَقد نَذره وَهَذَا صَحِيح
وَمَا كَانَ من السّنَن الرَّاتِبَة قبل الْفَرْض يدْخل وقته بِدُخُول وَقت الْفَرْض وَمَا كَانَ بعد الْفَرْض يدْخل وقته بِفعل الْفَرْض ويفوت الْجَمِيع بِفَوَات وَقت الْفَرْض
وَمن اصحابنا من قَالَ فِي رَكْعَتي الْفجْر إِن وَقتهَا يبْقى إِلَى الزَّوَال وَلَيْسَ بِصَحِيح
وَقَالَ أَصْحَاب مَالك إِذا صلى الصُّبْح لم يصل رَكْعَتي الْفجْر

(2/117)


واقل الْوتر رَكْعَة وَأَكْثَره إِحْدَى عشرَة رَكْعَة وَأدنى الْكَمَال ثَلَاث رَكْعَات بتسليمتين وَبِه قَالَ أَحْمد
وَقَالَ أَبُو حنيفَة الْوتر ثَلَاث رَكْعَات بِتَسْلِيمَة وَاحِدَة لَا يُزَاد عَلَيْهَا وَلَا ينقص مِنْهَا وَقَالَ مَالك الْوتر رَكْعَة قبلهَا شفع مُنْفَصِل عَنْهَا وَلَا حد لما قبلهَا من الشفع وَأقله رَكْعَتَانِ
يقْرَأ عندنَا فِي الأولى بعد فَاتِحَة الْكتاب سبح اسْم رَبك الْأَعْلَى وَفِي الثَّانِيَة قل يَا أَيهَا الْكَافِرُونَ وَفِي الثَّالِثَة قل هُوَ الله أحد والمعوذتين وَبِه قَالَ مَالك
وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد يقْرَأ فِي الثَّالِثَة سُورَة الْإِخْلَاص وَحدهَا ذكر القَاضِي حُسَيْن رَحمَه الله أَن من أَصْحَابنَا من قَالَ الْأَفْضَل أَن يُوتر بِوَاحِدَة
وَمِنْهُم من قَالَ ثَلَاث بِتَسْلِيمَة وَاحِدَة
وَالأَصَح أَن يكون بتسليمتين وتشهدين
فَإِن اعْتقد أَنه صلى الْعشَاء فأوتر ثمَّ تذكر أَنه لم يكن صلاهَا فَإِنَّهُ يُصليهَا وَيُعِيد الْوتر وَبِه قَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد
وَقَالَ أَبُو حنيفَة لَا يُعِيد الْوتر
فَإِن صلى الْوتر فِي أول اللَّيْل ثمَّ قَامَ للتهجد فَإِنَّهُ يُصَلِّي مثنى مثنى وَلَا يُعِيد الْوتر

(2/118)


وَبِه قَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك
وَقَالَ أَحْمد رَكْعَة وتره قد انتفضت فيشفعها بِرَكْعَة ثمَّ يتهجد
وَالسّنة أَن يقنت فِي النّصْف الْأَخير من شهر رَمَضَان فِي الْوتر وَبِه قَالَ مَالك
وَعنهُ رِوَايَة أُخْرَى أَنه لَا يسن فِي رَمَضَان أَيْضا
وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد يقنت فِي الْوتر فِي جَمِيع السّنة وَهُوَ قَول أبي عبد الله الزبيرِي من أَصْحَابنَا وَمحله بعد الرُّكُوع
وَمن أَصْحَابنَا من قَالَ مَحَله فِي الْوتر قبل الرُّكُوع بِخِلَاف الصُّبْح وَالْمذهب الأول
وَمن السّنَن الرَّاتِبَة صَلَاة التَّرَاوِيح وَهِي عشرُون رَكْعَة بِعشر تسليمات وَبِه قَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد وفعلها فِي الْجَمَاعَة افضل نَص عَلَيْهِ فِي الْبُوَيْطِيّ
وَمن أَصْحَابنَا من قَالَ فعلهَا فِي الْبَيْت أفضل مَا لم تختل الْجَمَاعَة فِي الْمَسْجِد بتأخره وَالْمذهب الأول
وَقَالَ مَالك قيام رَمَضَان فِي الْبَيْت لمن قوي عَلَيْهِ أحب إِلَيّ

(2/119)


وَقَالَ أَبُو يُوسُف من قدر على أَن يُصَلِّي فِي بَيته كَمَا يُصَلِّي مَعَ الإِمَام فِي رَمَضَان فَأحب إِلَيّ أَن يُصَلِّي فِي بَيته
وَحكي عَن مَالك أَنه قَالَ صَلَاة التَّرَاوِيح سِتّ وَثَلَاثُونَ رَكْعَة تعلقا بِفعل أهل الْمَدِينَة وَإِن فَاتَهُ شَيْء من السّنَن الرَّاتِبَة فَهَل يسن قَضَاؤُهُ فِيهِ قَولَانِ
أَحدهمَا يقْضِي وَبِه قَالَ أَحْمد فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ وَهُوَ اخْتِيَار الْمُزنِيّ
وَالثَّانِي لَا يقْضِي وَهُوَ قَول مَالك
وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق يقْضِي قولا وَاحِدًا
وَذكر فِي الْحَاوِي أَنا إِذا قُلْنَا لَا يقْضِي فَهَل يسْقط فعلهَا بِدُخُول وَقت الصَّلَاة أَو بِفِعْلِهَا فِيهِ وَجْهَان والجميع فَاسد وَإِنَّمَا يخرج بِخُرُوج وَقت الْفَرِيضَة
وَقَالَ أَبُو حنيفَة يَقْضِيهَا مَعَ الْفَرِيضَة إِذا فَاتَت
وَيجوز أَن يُصَلِّي النَّفْل قَاعِدا فَإِذا أَرَادَ الرُّكُوع قَامَ وَقَرَأَ آيَات وَركع وَيجوز أَن يفتتحه قَائِما ويتمه جَالِسا وَبِه قَالَ بعض أَصْحَاب مَالك
وَمِنْهُم من قَالَ لَا يجوز أَن يُتمهَا جَالِسا

(2/120)


وَحكي القَاضِي حُسَيْن فِي فعل النَّفْل مُضْطَجعا فَإِن دخل الْمَسْجِد وَقد اقيمت الصَّلَاة لم يصل التَّحِيَّة وَلَا غَيرهَا من السّنَن
وَقَالَ أَبُو حنيفَة إِذا أَمن فَوَات الرَّكْعَة الثَّانِيَة من صَلَاة الصُّبْح اشْتغل بركعتي الْفجْر خَارج الْمَسْجِد وَلَا يُصليهَا فِي الْمَسْجِد خشيَة أَن يحمل ذَلِك على الرَّغْبَة عَن الْجَمَاعَة وَهُوَ قَول مَالك حَكَاهُ عَنهُ أَصْحَابه

(2/121)


- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بَاب سُجُود التِّلَاوَة
سُجُود التِّلَاوَة سنة للقارىء والمستمع وَبِه قَالَ الْجَمَاعَة
وَقَالَ أَبُو حنيفَة سُجُود التِّلَاوَة وَاجِب فَأَما من سمع القارىء من غير اسْتِمَاع لَا يتَأَكَّد السُّجُود فِي حَقه
وَقَالَ ابو حنيفَة السَّامع والمستمع سَوَاء فِي السُّجُود
وسجدات التِّلَاوَة أَربع عشرَة سَجْدَة على قَوْله الْجَدِيد وَبِه قَالَ أَحْمد وَهُوَ رِوَايَة عَن مَالك
وَقَالَ إِسْحَاق سَجدَات التِّلَاوَة خمس عشرَة سَجْدَة فعد سَجْدَة ص مِنْهَا عِنْد قَوْله {وخر رَاكِعا وأناب} وَاخْتَارَهُ أَبُو الْعَبَّاس وابو إِسْحَاق

(2/122)


وَقَالَ فِي الْقَدِيم سُجُود التِّلَاوَة إِحْدَى عشرَة سَجْدَة فَلم يثبت سَجدَات الْمفصل وَبِه قَالَ مَالك إِلَّا أَنه عد سَجْدَة ص وَلم يعد السَّجْدَة الثَّانِيَة فِي الْحَج من غير عزائم السُّجُود وَوَافَقَ أَبُو حنيفَة مَالِكًا فِي هذَيْن المحلين ووافقنا فِي الْعدَد
وَقَالَ أَبُو ثَوْر سَجدَات التِّلَاوَة أَربع عشرَة سَجْدَة فعد سَجْدَة ص وَلم يعد سَجْدَة النَّجْم وَمَوْضِع السُّجُود فِي حم السَّجْدَة عِنْد قَوْله تَعَالَى {وهم لَا يسأمون} وَبِه قَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد وَرُوِيَ عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا
وَحكي عَن مَسْرُوق أَنه قَالَ كَانَ اصحاب ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ يَسْجُدُونَ فِي الأولى وَهُوَ قَول مَالك
فَإِن كَانَ التَّالِي فِي غير صَلَاة والمستمع فِي صَلَاة لم يسْجد المستمع فِي الْحَال وَلَا إِذا فرغ من صلَاته
وَقَالَ أَبُو حنيفَة إِذا فرغ من صلَاته سجد بِنَاء على أَصله أَن السُّجُود وَاجِب على السَّامع والمستمع فَإِن سجد فِي الْحَال بطلت صلَاته
وَذكر القَاضِي حُسَيْن أَنه لَو قيل لَا تبطل صلَاته لم يبعد وَهَذَا بعيد جدا

(2/123)


وَحكم سُجُود التِّلَاوَة حكم صَلَاة النَّفْل فِي الشُّرُوط
وَحكي عَن سعيد بن الْمسيب أَنه قَالَ الْحَائِض تومي برأسها إِذا سَمِعت قِرَاءَة السَّجْدَة
وَيَقُول سجد وَجْهي للَّذي خلقه وَلَا يقوم الرُّكُوع مقَام السُّجُود
وَقَالَ أَبُو حنيفَة يقوم مقَامه اسْتِحْسَانًا
وَلَا يكره للْإِمَام قِرَاءَة آيَة السَّجْدَة فِي الصَّلَاة
وَقَالَ ابو حنيفَة يكره قرَاءَتهَا فِي الصَّلَاة الَّتِي يسر فِيهَا بِالْقِرَاءَةِ وَلَا يكره فِي الصَّلَاة الَّتِي يجْهر فِيهَا بِالْقِرَاءَةِ وَبِه قَالَ أَحْمد حَتَّى أَنه قَالَ لَو أسر بهَا لم يسْجد
ذكر القَاضِي حُسَيْن أَنه إِذا سجد الإِمَام للتلاوة تَابعه الْمَأْمُوم فَإِن لم يفعل بطلت صلَاته كَمَا لَو ترك التَّشَهُّد مَعَه والقنوت
وَيحْتَمل وَجها آخر أَنَّهَا لَا تبطل
فَإِن سجد للتلاوة فِي الصَّلَاة سجد بتكبير وَرفع بتكبير وَلَا يرفع يَدَيْهِ
وَقَالَ ابو عَليّ بن أبي هُرَيْرَة لَا يكبر للسُّجُود وَلَا للرفع مِنْهُ وَإِن كَانَ فِي غير الصَّلَاة رفع يَدَيْهِ للتكبيرة الأولى وَكبر للسُّجُود وَلم يرفع الْيَد وَيكبر للرفع
وَقَالَ ابو جَعْفَر التِّرْمِذِيّ يكبر تَكْبِيرَة وَاحِدَة للسُّجُود وَلَيْسَ بِصَحِيح

(2/124)


وَفِي افتقاره إِلَى السَّلَام قَولَانِ أظهرهمَا أَنه يسلم وَلَا يفْتَقر إِلَى التَّشَهُّد وَقيل يتَشَهَّد
وَحكى أَبُو يُوسُف عَن ابي حنيفَة أَنه يكبر للسُّجُود وَالرَّفْع وَلَا يسلم وَهُوَ قَول مَالك
وروى الْحسن بن زِيَاد أَنه لَا يكبر إِذا انحط وَيكبر إِذا رفع
وَقَالَ احْمَد يكبر إِذا انحط وَإِذا رفع يسلم
وَذكر القَاضِي حُسَيْن أَنه إِذا كرر قِرَاءَة آيَة سَجْدَة وَكَانَ غير متطهر فَإِنَّهُ يتَطَهَّر وَيَأْتِي بِجَمِيعِ السجدات وَلَا تدَاخل وَكَذَا إِذا سمع آيَة سَجْدَة وَهُوَ فِي الصَّلَاة ففرغ سجد إِذا قُلْنَا أَن النَّوَافِل تقضى وَهَذَا فِيهِ نظر لِأَن الْقَضَاء إِنَّمَا يكون مؤقتا دون مَا يفعل لعَارض والسجدات تتداخل إِذا كرر الْقِرَاءَة قبل أَن يسْجد وَإِنَّمَا يتَكَرَّر السُّجُود إِذا كَانَ قد سجد بعد الْقِرَاءَة خلافًا لأبي حنيفَة فَإِنَّهُ يَقُول السَّجْدَة عَن الْقِرَاءَة الأولى تغني عَن تكْرَار السُّجُود بتكرار الْقِرَاءَة فِي الْمجْلس الْوَاحِد
وَيسْتَحب لمن تَجَدَّدَتْ عِنْده نعْمَة أَو اندفعت عَنهُ نقمة أَن يسْجد شكرا لله عز وَجل وَبِه قَالَ أَحْمد

(2/125)


وَقَالَ الطَّحَاوِيّ أَبُو حنيفَة لَا يرى سُجُود الشُّكْر
وروى مُحَمَّد عَن أبي حنيفَة أَنه كرهه وَهُوَ قَول مَالك وَمُحَمّد لَا يكرههُ
وَيسْتَحب للْمُصَلِّي إِذا مرت بِهِ آيَة رَحْمَة أَن يسْأَلهَا وَإِذا مرت بِهِ آيَة عَذَاب أَن يستعيذ مِنْهُ
وَقَالَ أَبُو حنيفَة يكره ذَلِك فِي الْفَرْض وَلَا يكره فِي النَّفْل

(2/126)


- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بَاب مَا يفْسد الصَّلَاة وَيكرهُ فِيهَا
إِذا قطع شرطا من شُرُوط الصَّلَاة كالطهارة وَنَحْوهَا بطلت صلَاته وَإِن سبقه الْحَدث فَفِيهِ قَولَانِ
قَالَ فِي الْجَدِيد تبطل صلَاته وَبِه قَالَ مَالك
وَقَالَ فِي الْقَدِيم لَا تبطل وَهُوَ قَول أبي حنيفَة وَدَاوُد فيتوضأ وَيَبْنِي على صلَاته
وَقَالَ الثَّوْريّ إِذا كَانَ حَدثهُ رعافا أَو قيئا تَوَضَّأ وَبنى وَإِن كَانَ بولا أَو ريحًا أَو ضحكا أعَاد الْوضُوء وَالصَّلَاة

(2/127)


وَعند مَالك الرعاف لَيْسَ بِحَدَث فَيغسل الدَّم وَيَبْنِي على صلَاته
وَإِن تكلم فِي صلَاته أَو سلم نَاسِيا أَو جَاهِلا بِالتَّحْرِيمِ أَو سبق لِسَانه إِلَيْهِ وَلم يطلّ لم تبطل صلَاته وَبِه قَالَ مَالك وَأحمد
وَقَالَ أَبُو حنيفَة تبطل بالْكلَام وَلَا تبطل بِالسَّلَامِ نَاسِيا فِي غير مَحَله

(2/128)


وَحكي عَن عبيد الله بن الْحسن الْعَنْبَري أَنه قَالَ تبطل الصَّلَاة بِسَلام النَّاسِي أَيْضا
وَإِن طَال الْكَلَام نَاسِيا فَفِيهِ وَجْهَان
أَحدهمَا تبطل صلَاته
قَالَ الشَّيْخ أَبُو نصر وَهُوَ الْأَصَح وَحكي عَن مَالك أَنه قَالَ كَلَام الْعَامِد لمصْلحَة الصَّلَاة لَا يُبْطِلهَا كإعلام الإِمَام بسهوه إِذا لم يتَنَبَّه عَلَيْهِ إِلَّا بالْكلَام
وَحكي عَن الْأَوْزَاعِيّ أَنه قَالَ كَلَام الْعَامِد فِيمَا فِيهِ مصْلحَته لَا يبطل الصَّلَاة وَإِن لم تكن عَائِدَة إِلَى الصَّلَاة كإرشاد ضال وتحذير ضَرِير
وَذكر بعض أَصْحَابنَا أَنه إِذا تنحنح الإِمَام فَمَا يصنع الْمَأْمُوم فِيهِ وَجْهَان
أَحدهمَا أَنه يخرج من صلَاته وَمَتى أَقَامَ على مُتَابَعَته بطلت صلَاته
وَالثَّانِي أَنَّهَا لَا تبطل
وَذكر أَنه إِذا قَالَ حَدثنِي حَدِيثا مُتَفَرقًا لم تبطل صلَاته وَإِن كَانَ مَوْصُولا بطلت صلَاته

(2/129)


قَالَ الشَّيْخ الإِمَام وَعِنْدِي لَا فرق بَين الْحَالين لِأَنَّهُ لَيْسَ بقرآن وَلَا ذكر
فَإِن راى ضَرِير يَقع فِي بِئْر فحذره بالْقَوْل لم تبطل صلَاته فِي اصح الْوَجْهَيْنِ وَهُوَ قَول ابي إِسْحَاق فَإِن نَاب الْمُصَلِّي فِي صلَاته شَيْء
سبح الرجل وصفقت الْمَرْأَة فَتضْرب بطن كفها الْأَيْمن على ظهر كفها الْأَيْسَر وَقيل تضرب بأصبعي يَمِينهَا على كفها الْأَيْسَر
وَذكر فِي الْحَاوِي أَن ظَاهر كَلَام الشَّافِعِي رَحمَه الله أَنَّهَا كَيفَ مَا صفقت جَازَ
وَقَالَ أَبُو سعيد الْإِصْطَخْرِي لَا تصفق بباطن الْكَفّ على بَاطِن الْكَفّ
وَقَالَ مَالك يسبحان جَمِيعًا
فَإِن فهم الْآدَمِيّ بالتسبيح بِأَن استأذنه فِي الدُّخُول أَو سلم عَلَيْهِ فَقَالَ سُبْحَانَ الله بِقصد الْإِذْن لَهُ أَو قصد تحذير ضَرِير من الْوُقُوع فِي بِئْر لم يبطل صلَاته وَلَا سُجُود عَلَيْهِ
وَقَالَ ابو حنيفَة تبطل صلَاته إِلَّا أَن يقْصد تَنْبِيه الإِمَام أَو دفع الْمَار بَين يَدَيْهِ وَكَذَا قَالَ إِذا أخبر فِي الصَّلَاة بِخَبَر يسوؤه فَقَالَ إِنَّا لله وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُون بطلت صلَاته

(2/130)


وَعِنْدنَا إِذا قصد بِهِ قِرَاءَة الْقُرْآن لم تبطل صلَاته
إِذا سلم على الْمُصَلِّي رد بِالْإِشَارَةِ بِيَدِهِ أَو بِرَأْسِهِ
وَحكى ابْن الْمُنْذر عَن جمَاعَة كَرَاهَة السَّلَام على الْمُصَلِّي مِنْهُم عَطاء
وَعَن مَالك رِوَايَتَانِ فِي ذَلِك وَكَانَ أَحْمد لَا يرى بذلك بَأْسا
وَقَالَ ابو حنيفَة لَا يرد
وَحكي عَن عَطاء وَالثَّوْري انه يرد عَلَيْهِ بعد فَرَاغه
وَقَالَ سعيد بن الْمسيب وَالْحسن يرد عَلَيْهِ لفظا
فَإِن شمت الْعَاطِس فِي الصَّلَاة بطلت صلَاته على الْمَذْهَب
وَحكى يُونُس بن عبد الْأَعْلَى أَن الشَّافِعِي رَحمَه الله قَالَ لَا بَأْس بِهِ وَلَيْسَ بِصَحِيح
وَذكر القَاضِي حُسَيْن رَحمَه الله أَنه قَالَ يَرْحَمك الله بطلت صلَاته وَإِذا قَالَ يرحمه الله لم تبطل وَكَذَا إِذا سلم فَقَالَ وَعَلَيْك السَّلَام بطلت صلَاته وَإِذا قَالَ وَعَلِيهِ السَّلَام لم تبطل وَفِي هَذَا نظر لِأَن الْجَمِيع خطاب آدَمِيّ يحصل بِهِ الْجَواب

(2/131)


فَإِن عمل فِي صلَاته عملا من جِنْسهَا فِي غير مَحَله عمدا بطلت صلَاته بِأَن سجد فِي مَحل الرُّكُوع أَو ركع فِي مَحل السُّجُود أَو قعد فِي مَحل الْقيام
وَقَالَ أَبُو حنيفَة لَا تبطل صلَاته مَا لم يُقيد الرَّكْعَة بِسَجْدَة
وَإِن قَرَأَ الْفَاتِحَة مرَّتَيْنِ عَامِدًا لم تبطل صلَاته فِي أصح الْوَجْهَيْنِ وَإِن مر بَين يَدَيْهِ مار فَلهُ دَفعه وَلَا تبطل صلَاته
قَالَ الشَّافِعِي قَالَ أَحْمد يقطع الصَّلَاة الْكَلْب الْأسود وَفِي قلبِي من الْحمار وَالْمَرْأَة شَيْء
وَقَالَ إِسْحَاق يقطعهَا الْكَلْب الْأسود
فَإِن زَاد فِيهَا عملا من غير جِنْسهَا فالفعل الْوَاحِد لَا يبطل وَالثَّلَاثَة تبطل والفعلان لَا يبطلان فِي أصح الْوَجْهَيْنِ
وَذكر القَاضِي حُسَيْن رَحمَه الله أَنه إِذا عمل عملا لَو نظر إِلَيْهِ إِنْسَان ظن أَنه لَيْسَ فِي صَلَاة فَهُوَ كثير وَإِن كَانَ يظنّ أَنه فِي صَلَاة فَهُوَ قَلِيل
وَقَالَ العامري كل عمل يحْتَاج فِيهِ إِلَى يدين فَهُوَ كثير كتكوير

(2/132)


الْعِمَامَة وَعقد السَّرَاوِيل وكل عمل لَا يحْتَاج فِيهِ إِلَى الْيَدَيْنِ فَهُوَ قَلِيل وَمَا ذَكرْنَاهُ فِيهِ نظر
وَإِن أكل أَو شرب عَامِدًا بطلت صلَاته
وَذكر القَاضِي حُسَيْن رَحمَه الله أَنه إِذا وضع فِي فِيهِ سكرة أَو مَا يذوب وَوصل إِلَى جَوْفه فَفِي بطلَان صلَاته وَجْهَان
أظهرهمَا أَنه تبطل
وَحكي عَن سعيد بن جُبَير أَنه شرب المَاء فِي صَلَاة النَّفْل
وَعَن طَاوُوس أَنه قَالَ لَا بَأْس بِشرب المَاء فِي النَّافِلَة
وَلَا يكره قتل الْحَيَّة وَالْعَقْرَب فِي الصَّلَاة
وَقَالَ النَّخعِيّ يكره
فَإِن عد الْآي فِي الصَّلَاة عقدا وَلم يتَلَفَّظ بِهِ إلم تبطل صلَاته وَتَركه أولى

(2/133)


وَقَالَ مَالك لَا بَأْس بِهِ
وَقَالَ ابو حنيفَة يكره ذَلِك وَهُوَ قَول مُحَمَّد
وَقَالَ ابو يُوسُف فِي التَّطَوُّع لَا بَأْس بِهِ

(2/134)


- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بَاب سُجُود السَّهْو
إِذا شكّ فِي رَكْعَة من رَكْعَات الصَّلَاة أَفعَلهَا أم لَا فَإِنَّهُ يَبْنِي الْأَمر على الْيَقِين

(2/135)


وَهُوَ الْأَقَل فَإِن شكّ أَنه صلى وَاحِدَة أَو اثْنَتَيْنِ فَإِنَّهُ يَبْنِي الْأَمر على أَنه صلى رَكْعَة وَبِه قَالَ مَالك وَبِه قَالَ أَحْمد فِي الْمُنْفَرد وَعنهُ فِي الإِمَام رِوَايَتَانِ

(2/136)


إِحْدَاهمَا أَنه يَبْنِي على الْيَقِين
وَالثَّانِي أَنه يَبْنِي على غَالب الظَّن
وَقَالَ ابو حنيفَة إِن كَانَ شكه فِي ذَلِك أول مرّة بطلت صلَاته وَإِن كَانَ الشَّك يعتاده ويتكرر لَهُ يَبْنِي على غَالب ظَنّه بِحكم التَّحَرِّي فَإِن لم يَقع لَهُ ظن بنى على الْأَقَل
وَقَالَ الْحسن الْبَصْرِيّ يَأْخُذ بِالْأَكْثَرِ وَيسْجد للسَّهْو
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ مَتى شكّ فِي صلَاته بطلت
وَإِن نسي رَكْعَة من رَكْعَات الصَّلَاة وَذكرهَا بعد السَّلَام فَإِن لم يَتَطَاوَل الْفَصْل أَتَى بهَا وَبنى على صلَاته وَإِن تطاول الْفَصْل استأنفها
وَفِي حد التطاول أوجه أَحدهَا قَالَ ابو إِسْحَاق إِن مضى قدر رَكْعَة فَهُوَ تطاول وَقد نَص عَلَيْهِ الشَّافِعِي رَحمَه الله فِي الْبُوَيْطِيّ
وَالثَّانِي أَنه يرجع فِيهِ إِلَى الْعرف وَالْعَادَة فَإِن مضى مَا يعد تطاولا اسْتَأْنف وَإِن مضى مَا لَا يعد تطاولا بنى
وَالثَّالِث قَالَ ابو عَليّ بن أبي هُرَيْرَة إِن مضى قدر الصَّلَاة الَّتِي نسي فِيهَا اسْتَأْنف وَإِن كَانَ دون ذَلِك بنى وَلَيْسَ للشَّافِعِيّ رَحمَه الله مَا يدل على ذَلِك

(2/137)


وَقد ذكر فِي حد التطاول الرُّجُوع إِلَى فعل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَإِنَّهُ سلم وَقَامَ وَمَشى فَرَاجعه ذُو الْيَدَيْنِ وَسَأَلَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الصَّحَابَة عَن ذَلِك فَأَجَابُوهُ وَعَاد إِلَى الصَّلَاة فَإِن زَاد عَلَيْهِ فَهُوَ كثير
وَلَو شكّ فِي ترك ركن بعد السَّلَام لم يُؤثر ذَلِك
وَذكر القَاضِي حُسَيْن رَحمَه الله أَنه على قَوْله الْجَدِيد يلْزمه الْإِتْمَام مَعَ الْقرب والاستئناف مَعَ الْبعد وَهَذَا غلط فَإِنَّهُ لَا يعرف الْقَوْلَانِ فِيهِ وَالْمعْنَى لَا يَقْتَضِيهِ
فَإِن نسي فرضا من فروض الرَّكْعَة أَو شكّ فِيهِ وَهُوَ فِي الصَّلَاة فَإِنَّهُ لَا يعْتد لَهُ بِمَا فعله بعد الْمَتْرُوك حَتَّى يَأْتِي بِمَا تَركه
فَإِن نسي سَجْدَة من الأولى فَذكرهَا وَهُوَ قَائِم فِي الثَّانِيَة فَإِن كَانَ قد جلس عقيب السَّجْدَة الأولى خر سَاجِدا فِي اصح الْوَجْهَيْنِ
وَقَالَ ابو إِسْحَاق يلْزمه أَن يجلس ثمَّ يسْجد وَإِن لم يكن قد جلس عقيب السَّجْدَة الأولى حَتَّى قَامَ ثمَّ ذكر فَإِنَّهُ يجلس ثمَّ يسْجد

(2/138)


وَمن أَصْحَابنَا من قَالَ يخر سَاجِدا وَالْأول أصح
وَإِن كَانَ قد جلس عقيب السَّجْدَة الأولى جلْسَة يعتقدها جلْسَة الاسْتِرَاحَة ثمَّ قَامَ وَذكر خر سَاجِدا فِي أحد الْوَجْهَيْنِ
وَقَالَ ابو الْعَبَّاس بن سُرَيج يلْزمه أَن يجلس ثمَّ يسْجد فَإِن لم يتَذَكَّر حَتَّى سجد فِي الثَّانِيَة سَجْدَتَيْنِ فبأيتهما يتمم الأولى يَبْنِي على الْوَجْهَيْنِ فِيهِ إِذا ذكر قبل أَن يسْجد فِي الثَّانِيَة فَعَاد وَإِن لم يكن قد جلس جلْسَة الْفَصْل فعلى قَول أبي إِسْحَاق يعْتد لَهُ بِالسَّجْدَةِ الثَّانِيَة
وعَلى قَول الْأَكْثَر نعتد بِالْأولَى
وَقَالَ مَالك إِذا ذكر بعد الرُّكُوع أَو السُّجُود فِي الثَّانِيَة صحت الرَّكْعَة الثَّانِيَة وَبَطلَت الأولى
وَقَالَ احْمَد إِذا ذكرهَا بعد الْقِرَاءَة فِي الثَّانِيَة بطلت الأولى وتمت الثَّانِيَة
فَإِن ذكر فِي الرَّكْعَة الرَّابِعَة أَنه نسي من كل رَكْعَة سَجْدَة فَإِن كَانَ قد جلس عقيب كل سَجْدَة جلْسَة الْفَصْل تحصل لَهُ رَكْعَتَانِ
وَعند مَالك يَصح لَهُ الرَّكْعَة الرَّابِعَة إِلَّا سَجْدَة ويلغوا مَا تقدم
وَقَالَ ابو حنيفَة يَأْتِي بِأَرْبَع سَجدَات وَيجزئهُ وَهُوَ قَول الثَّوْريّ
وَحكى الطَّحَاوِيّ عَن الْحسن بن صَالح أَنه إِن نسي ثَمَانِي سَجدَات أَتَى بِهن مُتَوَالِيَات وأجزأه
فَإِن نسي خمس سَجدَات من أَربع رَكْعَات وَلم يعرف موضعهَا فَإِنَّهُ

(2/139)


يحصل لَهُ رَكْعَتَانِ إِلَّا سَجْدَتَيْنِ لِأَن أَسْوَأ أَحْوَاله أَن يتْرك من الأولى سَجْدَة وَلم يسْجد فِي الثَّانِيَة وَلَا فِي الرَّابِعَة وَيسْجد فِي الثَّالِثَة سَجْدَتَيْنِ فَإِنَّهُ يتم الأولى بِالثَّانِيَةِ وَيبقى لَهُ الرُّكُوع من الرَّابِعَة
قَالَ الشَّيْخ أَبُو نصر رَحمَه الله يُمكن أَن يكون أَسْوَأ من ذَلِك وَهُوَ أَن يكون قد ترك من الأولى سَجْدَة وَمن الثَّانِيَة سَجْدَتَيْنِ وَمن الثَّالِثَة سَجْدَتَيْنِ وَيسْجد فِي الرَّابِعَة سَجْدَتَيْنِ فَإِنَّهُ يتم الأولى بالرابعة وَيحصل لَهُ رَكْعَة وَاحِدَة
فَإِن نسي التَّشَهُّد الأول فَذكر وَقد انتصب قَائِما لم يعد إِلَيْهِ وَإِن ذكر قبل أَن ينْتَصب قَائِما عَاد إِلَيْهِ
وَحكى ابْن الْمُنْذر عَن مَالك أَنه إِن فَارَقت أليته الأَرْض لم يرجع
وَقَالَ النَّخعِيّ يرجع مَا لم يشرع فِي الْقِرَاءَة
وَقَالَ الْحسن الْبَصْرِيّ يرجع مَا لم يرْكَع
وَقَالَ أَحْمد إِن ذكر بَعْدَمَا انتصب قَائِما قبل أَن يقْرَأ كَانَ مُخَيّرا وَالْأولَى أَن لَا يرجع

(2/140)


وَإِن نسي تَكْبِيرَات الْعِيد حَتَّى افْتتح الْقِرَاءَة فَفِيهِ قَولَانِ
قَالَ فِي الْقَدِيم يَأْتِي بهَا
وَقَالَ فِي الْجَدِيد يسْقط
فَإِن ذكر قبل انتصابه فَعَاد إِلَى الْجُلُوس فَهَل يسْجد للسَّهْو فِيهِ قَولَانِ
أَحدهمَا أَنه يسْجد وَهُوَ قَول أَحْمد
وَالثَّانيَِة لَا يسْجد وَبِه قَالَ الْأَوْزَاعِيّ
فَإِن كَانَ الإِمَام قد نسي التَّشَهُّد الأول فَذكر قبل انتصابه قَائِما وَالْمَأْمُوم قد حصل فِي الْقيام فَرجع الإِمَام إِلَى التَّشَهُّد تَابعه الْمَأْمُوم على اصح الْوَجْهَيْنِ
فَإِن قَامَ إِلَى رَكْعَة خَاصَّة نَاسِيا ثمَّ ذكر فَإِنَّهُ يجلس فَإِن لم يكن قد تشهد فِي الرَّابِعَة تشهد وَسجد للسَّهْو وَإِن كَانَ قد تشهد فِي الرَّابِعَة فَالْمَذْهَب أَنه يجلس وَيسْجد للسَّهْو وَيسلم وَبِه قَالَ مَالك وَأحمد
وَفِيه وَجه آخر أَنه يُعِيد التَّشَهُّد
قَالَ ابو حنيفَة إِن ذكر قبل أَن يسْجد فِي الْخَامِسَة رَجَعَ إِلَى الْجُلُوس على مَا قُلْنَاهُ وَإِن ذكر بعد مَا سجد فِي الْخَامِسَة سَجْدَة فَإِن كَانَ قد قعد فِي الرَّابِعَة قدر التَّشَهُّد فقد تمت صلَاته ويضيف إِلَى هَذِه الرَّكْعَة

(2/141)


رَكْعَة أُخْرَى تَكُونَانِ لَهُ نَافِلَة وَإِن لم يكن قد قعد فِي الرَّابِعَة قدر التَّشَهُّد بَطل فَرْضه وَصَارَ الْجَمِيع نفلا

ذكر فِي الْحَاوِي أَنه إِذا صلى نَافِلَة فَقَامَ إِلَى ثَالِثَة فَلَا خلاف بَين الْعلمَاء أَنه يجوز أَن يُتمهَا أَرْبعا وَيجوز أَن يرجع إِلَى الثَّانِيَة وَيسلم واي ذَلِك فعل سجد للسَّهْو وَالْأولَى أَن يرجع إِلَى الثَّانِيَة
وَلَا فرق بَين صَلَاة اللَّيْل وَصَلَاة النَّهَار
وَقَالَ آخَرُونَ إِن كَانَت صَلَاة نَهَار فَالْأولى أَن يُتمهَا أَرْبعا وَإِن كَانَت صَلَاة ليل فَالْأولى أَن يعود إِلَى الثَّانِيَة
فَإِن نسي تَكْبِيرَة الِافْتِتَاح وَذكر فِي أثْنَاء الصَّلَاة كبر للافتتاح واستأنف الصَّلَاة فِي الْحَال
وَقَالَ مَالك إِن كَانَ مَأْمُوما مضى مَعَ الإِمَام فِي صلَاته إِن كَانَ قد كبر للرُّكُوع فَإِذا فرغ استأنفها
وَعِنْده أَن الْمَأْمُوم إِذا قهقه فِي صلَاته يمْضِي فِيهَا مَعَ الإِمَام وَإِن كَانَت بَاطِلَة فَإِذا فرغ الإِمَام استأنفها
ذكر فِي الْحَاوِي أَنه إِذا نسي سَجْدَتَيْنِ من صلَاته ثمَّ سجد فِي آخر صلَاته سَجْدَتَيْنِ للسَّهْو لم يَقع عَن فَرْضه وَهَذَا فِيهِ نظر بل يجب أَن ينْصَرف إِلَى فَرْضه

(2/142)


وَلَا يتَعَلَّق سُجُود السَّهْو عندنَا بترك مسنون سوى التَّشَهُّد الأول والقنوت وَالصَّلَاة على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي التَّشَهُّد الأول
وَقَالَ ابوحنيفة إِن ترك تَكْبِيرَات الْعِيد سجد للسَّهْو وَكَذَا الإِمَام عِنْده يسْجد للسَّهْو بالجهر فِي مَوضِع الْإِسْرَار والإسرار فِي مَوضِع الْجَهْر
وَقَالَ مَالك إِن جهر فِي مَوضِع الْإِسْرَار سجد سَجْدَتَيْنِ بعد السَّلَام وَإِن اسر فِي مَوضِع الْجَهْر سجد قبل السَّلَام
وَقَالَ احْمَد إِن سجد فَحسن وَإِن ترك فَلَا بَأْس
فَإِن قَرَأَ فِي حَال الرُّكُوع أَو السُّجُود أَو التَّشَهُّد سجد للسَّهْو نَص عَلَيْهِ الشَّافِعِي رَحمَه الله
وَقيل إِن قَرَأَ غير الْفَاتِحَة فَفِي السُّجُود وَجْهَان وَالْمذهب الأول
فَإِن ترك التَّشَهُّد الأول أَو الْقُنُوت فِي مَحَله عمدا سجد سَجْدَتي السَّهْو
وَقيل فِيهِ قَول آخر أَنه لَا يسْجد وَهُوَ قَول أبي حنيفَة
فَإِن أحرم بالصبح فَشك فِي حَال الْقيام أَنَّهَا أولاه أَو ثانيته ثمَّ تذكر أَنَّهَا أولاه أَو ثانيته فِي حَال الْقيام أَو الرُّكُوع أَو السُّجُود قبل أَن يرفع رَأسه من السَّجْدَة الْأَخِيرَة

(2/143)


قَالَ الْقفال لَيْسَ عَلَيْهِ سُجُود
وَلَو تذكر بعد رفع راسه من السَّجْدَة الثَّانِيَة سجد للسَّهْو وَفِي هَذَا نظر فَإِن حَاله بعد الرّفْع كحاله قبل الرّفْع وَأَنه لم يحصل فِي صلَاته زِيَادَة وَلَا نُقْصَان وَلَا تَجْوِيز زِيَادَة وَلَا نُقْصَان
ذكر القَاضِي حُسَيْن رَحمَه الله أَن الإِمَام إِذا قَامَ إِلَى خَامِسَة فَلم يخرج الْمَأْمُوم نَفسه من صلَاته فَإِنَّهُ لَا يُتَابِعه فِي فعله وَلكنه ينتظره قَاعِدا ليتابعه فِي التَّشَهُّد وَيسلم وَيسْجد للسَّهْو مُتَابعَة لإمامه فَإِن لم يسْجد الإِمَام سجد الْمَأْمُوم
فَإِن حضر مَأْمُوم وَالْإِمَام فِي خَامِسَة فَأحْرم يَنْوِي الائتمام بِهِ وَلم يعلم بِحَالهِ اعْتد لَهُ بالركعة وَإِن علم بِحَالهِ فَهَل ينْعَقد إِحْرَامه فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا لَا ينْعَقد
وَالثَّانِي ينْعَقد وَلكنه لَا يُتَابِعه فِي الْأَفْعَال وينتظره قَاعِدا حَتَّى يفرغ من السُّجُود فيتابعه
وَالشَّيْخ ابو نصر رَحمَه الله ذكر أَنه إِذا قَامَ إِلَى خَامِسَة فَإِنَّهُم ينوون مُفَارقَته وَهَذَا هُوَ الصَّحِيح وَمَتى أَقَامَ على مُتَابَعَته بطلت صلَاته وَلَا ينْعَقد إِحْرَامه مَعَ الْعلم بِحَالهِ ابْتِدَاء
وَذكر أَيْضا أَنه إِذا كَانَ خلف إِمَام فَترك سَجْدَة وَقَامَ لم يُتَابِعه الْمَأْمُوم وَلَا ينتظره قَاعِدا بِخِلَاف مَا لوقام إِلَى خَامِسَة فَإِنَّهُ ينتظره فِي التَّشَهُّد قَاعِدا وَكَذَلِكَ إِذا ترك التَّشَهُّد الأول وَعَاد إِلَيْهِ بَعْدَمَا

(2/144)


انتصب قَائِما فَإِنَّهُ ينتظره فِي الْقيام وَهَذَا الَّذِي ذكره فِيهِ نظر فَإِن انْتِظَاره للْإِمَام فِي فعل لَا يعْتد بِهِ على طوله لَا معنى لَهُ وفرقه بَين انْتِظَاره فِي السُّجُود وَالْقعُود تحكم
فَإِن شكّ مَأْمُوم فِي حَال الرُّكُوع هَل قَرَأَ فِي حَال الْقيام أَو لم يقْرَأ اَوْ شكّ فِي حَال السُّجُود هَل ركع أم لَا
فَإِن أخرج نَفسه وَعَاد إِلَى مَا تَركه فَأتى بِهِ جَازَ وَإِن أَرَادَ أَن يعود إِلَى مَا تَركه فَيَأْتِي بِهِ ثمَّ يعود إِلَى مُتَابَعَته بطلت صلَاته
فَإِن تَابع الإِمَام حَتَّى فرغ من الصَّلَاة جَازَ وَلَا يحْتَسب لَهُ بِمَا بعد ذَلِك الرُّكْن فَإِذا سلم الإِمَام أَتَى بِهِ ثمَّ إِن تحقق أَنه لم يتْرك لم يسْجد للسَّهْو
وَإِن كَانَ شاكا فقد قَالَ القَاضِي حُسَيْن رَحمَه الله قد كنت أَقُول قبل هَذَا يسْجد للسَّهْو والآن أَقُول لَا يسْجد وَفِي هَذَا الَّذِي ذكره نظر قَوْله أَنه إِذا عَاد إِلَى مَا تَركه فَأتى بِهِ ثمَّ عَاد إِلَى مُتَابعَة إِمَامه لم يجز قد ذكر أَصْحَابنَا فِي مثله طَرِيقين
وَهُوَ إِذا كَانَ خلف إِمَام فَفعل فَلم يشْعر حَتَّى حصل الإِمَام فِي الرُّكُوع فِي الرَّكْعَة الثَّانِيَة فَهَل يشْتَغل بِقَضَاء مَا فَاتَهُ أَو يُتَابع الإِمَام فِي الرُّكُوع فِيهِ طَرِيقَانِ

(2/145)


أَحدهمَا أَنه على الْقَوْلَيْنِ فِي المزحوم
وَالثَّانِي أَنه يُتَابع الإِمَام فِي الرُّكُوع قولا وَاحِدًا لِأَنَّهُ مفرط فَيَنْبَغِي ان يخرج هَذَا على هذَيْن الطَّرِيقَيْنِ
وَقَوله أَنه إِذا أخرج نَفسه من صلاه الإِمَام جَازَ فَيَنْبَغِي أَن يَبْنِي على مُفَارقَة الإِمَام من غير عذر وَقَوله الأول فِي السُّجُود للشَّكّ أولى وَذكر أَنه لَو كَانَ يُصَلِّي صَلَاة السِّرّ خلف إِمَام فَسجدَ الإِمَام فتابعه يعتقدها سَجْدَة تِلَاوَة فَسجدَ سَجْدَة أُخْرَى لم يُتَابِعه وَلَو تَابعه فِيهَا بطلت صلَاته وَلكنه إِن شَاءَ أخرج نَفسه وَإِن شَاءَ عَاد إِلَى الْقيام وانتظره قَائِما
وَلَو كَانَ هَذَا فِي الرَّكْعَة الأولى فَقَامَ الإِمَام مُعْتَقدًا الْقيام إِلَى الثَّانِيَة تَابعه فِي الرُّكُوع وَالسُّجُود فِيهَا فَإِذا قعد للتَّشَهُّد على ظَنّه أَنه الأول لم يُتَابِعه فَلَو تَابعه بطلت صلَاته وَلكنه ينْتَصب قَائِما فَإِذا وصل إِلَى التَّشَهُّد فِي الرَّابِعَة وَجلسَ للتَّشَهُّد على ظَنّه أَنه تَابعه رَابِعَة فعلى الْمَأْمُوم أَن يخرج نَفسه من صلَاته وَلَا يُتَابِعه وَلَيْسَ عَلَيْهِ سُجُود السَّهْو فِيمَا لحقه وَهَذَا فِيهِ نظر بل يلْزمه إِذا سجد سَجْدَة ثَانِيَة أَن يَنْوِي مُفَارقَته وَلَا ينتظره

(2/146)


وَذكر فِي مَأْمُوم أدْرك بعض صَلَاة الإِمَام فَلَمَّا قعد مَعَه فِي التَّشَهُّد سمع صَوتا فَظن أَن الإِمَام قد سلم فَقَامَ وَأتم صلَاته فَسلم الإِمَام وَجب عَلَيْهِ أَن يُعِيد مَا فعله وَلَا يعْتد لَهُ بِهِ لِأَنَّهُ ساه وَلَيْسَ عَلَيْهِ سُجُود السَّهْو لِأَنَّهُ تَابع الإِمَام وَفِي هَذَا نظر لِأَن قِيَامه بِهَذَا الظَّن يتَضَمَّن مُفَارقَة الإِمَام
فصل إِذا تكَرر مِنْهُ السَّهْو فِي الصَّلَاة
كَفاهُ للْجَمِيع سَجْدَتَانِ
وَحكي عَن الْأَوْزَاعِيّ أَنه قَالَ إِذا كَانَ من جنس وَاحِد كَفاهُ للْجَمِيع سَجْدَتَانِ وَإِن كَانَ من جِنْسَيْنِ كالزيادة وَالنُّقْصَان سجد لكل سَهْو سَجْدَتَيْنِ
وَحكي فِي الْحَاوِي عَن ابْن أبي ليلى أَنه قَالَ يسْجد لكل سَهْو سَجْدَتَيْنِ
فَإِن سجد للسَّهْو ثمَّ سَهَا فَفِيهِ وَجْهَان
أَحدهمَا يسْجد قَالَه ابْن الْقَاص
وَقيل لَا يسْجد
فَإِن سَهَا خلف الإِمَام لم يسْجد فَإِن سَهَا الإِمَام لحقه حكم

(2/147)


سَهْوه فَإِن لم يسْجد الإِمَام سجد الْمَأْمُوم وَبِه قَالَ مَالك وَإِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَن أَحْمد
وَقَالَ الْمُزنِيّ وابو حَفْص الْبَاب شَامي لَا يسْجد وَبِه قَالَ أَبُو حنيفَة وَهُوَ رِوَايَة عَن أَحْمد وَالْمذهب الأول وَإِن سبقه الإِمَام بِبَعْض الصَّلَاة وسها فِيمَا أدْركهُ مَعَه فَإِنَّهُ يسْجد مَعَ إِمَامه إِذا سجد قبل السَّلَام
وَحكى عَن ابْن سِيرِين أَنه لَا يُتَابِعه
وَإِن سجد الإِمَام بعد السَّلَام لم يُتَابِعه فِيهِ
وَعند أبي جنيفة يُتَابِعه لِأَن مَحل سُجُود السَّهْو بعد السَّلَام فَإِن سجد مَعَ الإِمَام قبل السَّلَام وَقضى مَا عَلَيْهِ فَهَل يُعِيد السُّجُود فِيهِ قَولَانِ
قَالَ فِي الْأُم يُعِيد وَهُوَ الْأَظْهر
وَقَالَ فِي الْقَدِيم لَا يُعِيد
فَإِن سَهَا إِمَامه فِيمَا ادركه مَعَه وسها بعد مُفَارقَة فِيمَا بَقِي عَلَيْهِ
فَإِن قُلْنَا لَا يُعِيد سُجُوده مَعَ الإِمَام كَفاهُ سَجْدَتَانِ وَإِن قُلْنَا يُعِيد سُجُوده مَعَه أَو لم يسْجد الإِمَام فالنصوص أَنه يَكْفِيهِ سَجْدَتَانِ وَقيل يسْجد أَربع سَجدَات وَالْأول اصح فَإِن سَهَا الإِمَام فِيمَا لم يُدْرِكهُ الْمَسْبُوق مَعَه فَإِنَّهُ يلْزم الْمَأْمُوم حكم سَهْوه

(2/148)


وَقيل لَا يلْزمه
فَإِن صلى رجل رَكْعَة مُنْفَردا من صَلَاة ربَاعِية وسها فِيهَا ثمَّ نوى مُتَابعَة إِمَام مُسَافر نوى الْقصر فَإِنَّهُ يجوز على أحد الْقَوْلَيْنِ أَن ينْقل صلَاته من الِانْفِرَاد إِلَى الْجَمَاعَة فَسَهَا الإِمَام فَلَمَّا سلم الإِمَام قَامَ الْمَأْمُوم إِلَى رابعته فَسَهَا فِيهَا فَفِيهِ ثَلَاثَة أوجه
أظهرها أَنه يَكْفِيهِ سَجْدَتَانِ
وَالثَّانِي أَنه يفْتَقر إِلَى أَربع سَجدَات
وَالثَّالِث يفْتَقر إِلَى سِتّ سَجدَات
فَإِن أدْرك مَأْمُوم الإِمَام بعد الرّفْع من الرُّكُوع فَإِنَّهُ يحرم ويتبعه فِيمَا بَقِي من الرَّكْعَة من السَّجْدَتَيْنِ وَلَا يحْتَسب لَهُ بهَا فَإِذا فرغ الإِمَام أَتَى بِمَا بَقِي عَلَيْهِ من الرَّكْعَة وَلم يسْجد لذَلِك
وَحكي عَن عبد الله بن عمر وَابْن الزبير رَضِي الله عَنْهُم أَنه يسْجد لذَلِك فِي آخر صلَاته
إِذا شكّ الإِمَام فِي عدد رَكْعَات الصَّلَاة فَهَل يُقَلّد الْمَأْمُومين فِيهِ وَجْهَان حَكَاهُمَا القَاضِي حُسَيْن رَحمَه الله

(2/149)


أَحدهمَا أَنه يرجع إِلَيْهِم إِذا كثر عَددهمْ
وَالثَّانِي أَنه يعْمل بِيَقِين نَفسه
وَكَذَا إِذا شكّ أحد الْمَأْمُومين فِي ذَلِك هَل يُقَلّد الإِمَام وَبَقِيَّة الْمَأْمُومين على الْوَجْهَيْنِ وَإِن كَانَ الْمَأْمُوم وَاحِدًا أَو اثْنَيْنِ لم يُقَلّد بَعضهم بَعْضًا وَسُجُود السَّهْو سنة
وَقَالَ مَالك هُوَ وَاجِب إِذا كَانَ لنُقْصَان
وَقَالَ أَحْمد هُوَ وَاجِب بِكُل حَال
وَقَالَ ابو الْحسن الْكَرْخِي حِكَايَة عَن أبي حنيفَة إِن سُجُود السَّهْو وَاجِب وَلَيْسَ بِشَرْط فِي صِحَة الصَّلَاة
وَمحل سُجُود السَّهْو قبل السَّلَام وَهُوَ قَول الزُّهْرِيّ
وَفِيه قَول آخر أَنه إِن كَانَ لزِيَادَة سجد بعد السَّلَام وَإِن كَانَ لنُقْصَان فَقبل السَّلَام وَهُوَ قَول مَالك

(2/150)


وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالثَّوْري مَحَله بعد السَّلَام بِكُل حَال
وَقَالَ أَحْمد لَا يسْجد قبل السَّلَام إِلَّا فِي الْمَوَاضِع الَّتِي ورد فِيهَا الْأَثر وَاخْتَارَهُ ابْن الْمُنْذر
فَإِن سلم قبل أَن يسْجد وَلم يَتَطَاوَل الْفَصْل سجد وَإِن تطاول الْفَصْل فَفِيهِ قَولَانِ
أصَحهمَا أَنه لَا يسْجد
فَمن قَالَ سُجُود السَّهْو بعد السَّلَام سجد للسَّهْو ثمَّ يتَشَهَّد وَيسلم وَمن قَالَ مَحَله قبل السَّلَام فَإِذا نَسيَه حَتَّى سلم فَإِنَّهُ يسْجد وَيسلم فِي اصح الْوَجْهَيْنِ وَهُوَ قَول مَالك فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ
وَفِيه وَجه آخر أَنه يتَشَهَّد ثمَّ يسلم وَهُوَ الرِّوَايَة الثَّانِيَة عَن مَالك
وَحكم السَّلَام فِي الْجَهْر والإسرار حكم تَسْلِيم الصَّلَاة
وَعَن مَالك فِي ذَلِك رِوَايَتَانِ
إِحْدَاهمَا يخفي السَّلَام
وَسُجُود السَّهْو يتَعَلَّق بِالْفَرْضِ وَالنَّفْل
وَمن أَصْحَابنَا من قَالَ فِيهِ قَول آخر أَنه لَا يسْجد للنفل
فَإِن صلى الْمغرب أَرْبعا سَاهِيا سجد سَهوا وأجزأته صلَاته
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ يضيف إِلَيْهَا أُخْرَى وَيسْجد كَيْلا تكون الْمغرب شفعا

(2/151)


- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بَاب السَّاعَات الَّتِي نهي عَن الصَّلَاة فِيهَا
الْأَوْقَات الَّتِي نهي عَن الصَّلَاة فِيهَا خَمْسَة وقتان نهي عَن الصَّلَاة فيهمَا لأجل الْفِعْل وهما بعد صَلَاة الْعَصْر حَتَّى تصفر الشَّمْس وَبعد الصُّبْح حَتَّى تطلع الشَّمْس وَثَلَاثَة نهي عَن الصَّلَاة فِيهَا لأجل الْوَقْت وَهِي إِذا طلعت الشَّمْس حَتَّى ترْتَفع وَعند الاسْتوَاء حَتَّى تَزُول وَعند الاصفرار حَتَّى تغرب وَلَا يحرم فِي هَذِه الْأَوْقَات فعل الصَّلَاة الْوَاجِبَة وَمَا لَهُ سَبَب من النَّوَافِل
وَرُوِيَ عَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ أَنه دخل فسطاطه فصلى رَكْعَتَيْنِ بعد

(2/152)


الْعَصْر وروى جَوَاز النَّفْل فِي هَذِه الْأَوْقَات عَن جمَاعَة من الصَّحَابَة رَضِي الله عَنْهُم وَهُوَ قَول دَاوُد
وَقَالَ أَبُو حنيفَة فِي الْأَوْقَات الَّتِي نهي عَن الصَّلَاة فِيهَا لأجل الْوَقْت لَا يجوز أَن يفعل فِيهَا شَيْئا من الصَّلَوَات الْوَاجِبَة سوى عصر يَوْمه عِنْد اصفرار الشَّمْس
والوقتان اللَّذَان نهي عَن الصَّلَاة فيهمَا لأجل الْفِعْل لَا يجوز فيهمَا فعل النَّوَافِل وَلَا فعل الْمَنْذُورَة وَيجوز سُجُود التِّلَاوَة
وَقَالَ مَالك يجوز أَن تقضى الْفَوَائِت فِي وَقت النَّهْي وَلَا تفعل النَّوَافِل وَبِه قَالَ أَحْمد إِلَّا أَنه أجَاز فِيهَا فعل رَكْعَتي الطّواف وَصَلَاة الْجَمَاعَة مَعَ إِمَام الْحَيّ وَاخْتلف عَن مَالك فِي صَلَاة الْكُسُوف وَسُجُود الْقُرْآن فِي وَقت النَّهْي
فَإِن نذر فعل صَلَاة فِي وَقت النَّهْي لم ينْعَقد نَذره
وَقيل ينْعَقد وَلَيْسَ بِصَحِيح
وَمن دخل الْمَسْجِد لفرض جَازَ أَن يُصَلِّي تَحِيَّة الْمَسْجِد فِي وَقت النَّهْي وَإِن لم يدْخل إِلَّا ليُصَلِّي التَّحِيَّة فِي وَقت النَّهْي ثمَّ يخرج فَفِيهِ وَجْهَان
أَحدهمَا يجوز
فَإِن صلى رَكْعَتي الْفجْر فَهَل يكره التَّنَفُّل بعْدهَا فِيهِ وَجْهَان
أَحدهمَا يكره وَهُوَ الظَّاهِر وَهُوَ قَول أبي حنيفَة وَأحمد

(2/153)


وَالثَّانِي لَا يكره وَهُوَ قَول مَالك
وَلَا يكره التَّنَفُّل فِي أَوْقَات النَّهْي بِمَكَّة
وَمن اصحابنا من قَالَ يخْتَص ذَلِك بركعتي الطّواف
وَقَالَ ابو حنيفَة وَأحمد تكره بهَا ايضا
وَلَا يكره التَّنَفُّل عِنْد الاسْتوَاء يَوْم الْجُمُعَة لمن حضر الْجَامِع
وَقَالَ ابو حنيفَة وَأحمد يكره
وَمن أَصْحَابنَا من قَالَ من لم يحضر الْجَامِع ايضا يجوز لَهُ التَّنَفُّل فِي هَذَا الْوَقْت وَلَيْسَ بِشَيْء

(2/154)


- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بَاب صَلَاة الْجَمَاعَة
الْجَمَاعَة فرض على الْكِفَايَة فِي قَول اصحابنا يجب إظهارها فِي النَّاس فَإِن امْتَنعُوا قوتلوا عَلَيْهَا وَهُوَ لمنصوص عَلَيْهِ فِي الْإِمَامَة
وَمن أَصْحَابنَا من قَالَ إِنَّهَا سنة وَهُوَ قَول مَالك
وَقَالَ أَحْمد وَدَاوُد إِنَّهَا فرض على الْأَعْيَان وَلَيْسَت شرطا فِي صِحَة الصَّلَاة

(2/155)


وَجَمَاعَة النِّسَاء فِي بُيُوتهنَّ أفضل ولسن فِيهَا فِي التَّأْكِيد بِمَنْزِلَة الرِّجَال وَلَا يكره لَهُنَّ فعلهَا وَلَا تَركهَا وَبِه قَالَ عَطاء وَأحمد
وَقَالَ ابو حنيفَة وَمَالك يكره للنِّسَاء الْجَمَاعَة فِي الصَّلَاة
وَقَالَ الشّعبِيّ يكره للْمَرْأَة الْإِمَامَة فِي الْفَرْض دون النَّفْل
وتقف إمامتهن وسطهن

(2/156)


وَلَا بُد من نِيَّة الْجَمَاعَة فِي حق الْمَأْمُوم وَلَا يفْتَقر إِلَى نِيَّة الإِمَام لَهَا وَبِه قَالَ ابو حنيفَة وَمَالك
وَحكي عَن الثَّوْريّ وَأحمد أَنه لَا تصح الْجَمَاعَة حَتَّى يَنْوِي الإِمَام الْإِمَامَة
وَالْمُسْتَحب لمن قصد الْجَمَاعَة أَن يمشي إِلَيْهَا
وَقَالَ ابو إِسْحَاق إِن خَافَ فَوت التَّكْبِيرَة الأولى أسْرع وَالْمذهب الأول
وَيسْتَحب أَن لَا تفوته التَّكْبِيرَة الأولى مَعَ الإِمَام وَحَتَّى يكون مدْركا لَهَا حُكيَ فِيهِ وَجْهَان
أَحدهمَا أَنه يكون مدْركا لَهَا مَا لم يحصل فِي الرُّكُوع ويحكى عَن أبي حنيفَة
وَالأَصَح أَن يكون مدْركا لَهَا إِذا تَابعه قبل الشُّرُوع فِي الْفَاتِحَة كَذَا ذكر القَاضِي حُسَيْن رَحمَه الله وَلم يذكر لوَاحِد من الْوَجْهَيْنِ دَلِيلا
وَلَو قيل عِنْدِي أَنه يدْرك هَذِه الْفَضِيلَة بِأَن تكون تكبيرته عقب تَكْبِيرَة الإِمَام على مَا جرت الْعَادة بِهِ لم يكن بِهِ بَأْس
فَإِن دخل فِي فرض الْوَقْت فأقيمت الْجَمَاعَة فَالْأَفْضَل أَن يقطعهَا وَيدخل فِي الْجَمَاعَة فَإِن نوى الدُّخُول مَعَ الْجَمَاعَة من غير قطع لصَلَاة نَفسه فَفِيهِ قَولَانِ

(2/157)


قَالَ فِي الْإِمْلَاء لَا يجوز وَهُوَ قَول أبي حنيفَة
وَقَالَ فِي الْجَدِيد يَصح وَهُوَ الْأَصَح وَهُوَ اخْتِيَار الْمُزنِيّ
وَمن اصحابنا من قَالَ إِن كَانَ ركع فِي حَال الِانْفِرَاد لم يجز قولا وَاحِدًا وَقبل الرُّكُوع قَولَانِ
وَمِنْهُم من يَقُول قبل الرُّكُوع يجوز قولا وَاحِدًا وَبعد الرُّكُوع قَولَانِ وَاخْتَارَهُ أَبُو إِسْحَاق وَالْقَاضِي أَبُو الطّيب
فَإِذا قُلْنَا يجوز فَإِن كَانَ قد سبق الإِمَام بِرَكْعَة ثمَّ تبعه فَإِنَّهُ يُتَابِعه إِلَى الرَّابِعَة وَلَا يُتَابِعه بعْدهَا وَيجْلس ويتشهد ثمَّ إِن شَاءَ أخرج نَفسه من مُتَابعَة الإِمَام وَإِن شَاءَ انتظره وَهَذَا فِيهِ نظر بل لَا ينتظره وَيسلم
فَإِن قَرَأَ بعض الْفَاتِحَة فَرَكَعَ الإِمَام ركع مَعَ الإِمَام وَترك بَقِيَّة الْفَاتِحَة على اصح الْوَجْهَيْنِ
فَإِن أدْركهُ وَهُوَ رَاكِع كبر للْإِحْرَام وَكبر للرُّكُوع فَإِن كبر

(2/158)


تَكْبِيرَة يَنْوِي بهَا الْإِحْرَام وَالرُّكُوع لم يجزه عَن الْفَرْض وَهل ينْعَقد لَهُ نفل فِيهِ وَجْهَان
فَإِن رَجَعَ الإِمَام إِلَى الرُّكُوع بَعْدَمَا رفع رَأسه مِنْهُ ليسبح وَكَانَ قد ترك التَّسْبِيح فِيهِ جَاهِلا بِتَحْرِيم عوده فأدركه مَأْمُوم فِي هَذَا الرُّكُوع فتابعه لم يكن مدْركا للركعة بذلك فِي أصح الْوَجْهَيْنِ
وَقَالَ أَبُو عَليّ الطَّبَرِيّ يحْتَمل أَن يُقَال يكون مدْركا للركعة وَلَيْسَ بِصَحِيح
فَإِن أدْرك الإِمَام سَاجِدا كبر للْإِحْرَام وَسجد من غير تَكْبِير وَاخْتَارَهُ الشَّيْخ الإِمَام أَبُو إِسْحَاق
وَقيل يكبر للسُّجُود
وَقَالَ الشَّيْخ ابو نصر وَهَذَا أصح
فَإِن أدْرك مَعَه الرَّكْعَة الْأَخِيرَة كَانَ ذَلِك أول صلَاته فعلا وَحكما وَإِن كَانَ آخر صَلَاة الإِمَام وَمَا يَأْتِي بِهِ بعد مُفَارقَة أخر صلَاته فعلا وَحكما وَبِه قَالَ الزُّهْرِيّ وَاخْتَارَهُ ابْن الْمُنْذر
وَقَالَ أبوحنيفة آخر صَلَاة الامام آخر صَلَاة الْمَأْمُوم حكما اذا كَانَ مَسْبُوقا وَهُوَ قَول سُفْيَان وَأحمد وَمَالك فِي الْمَشْهُور عَنهُ
قَالَ الشَّافِعِي رَحمَه الله فَإِن فَاتَ رجلا مَعَ الإِمَام رَكْعَتَانِ من الظّهْر قضاهما بِفَاتِحَة الْكتاب وَسورَة

(2/159)


فَقَالَ أَبُو إِسْحَاق وَأكْثر اصحابنا إِنَّه يقْرَأ السُّورَة فيهمَا وَإِن كَانَتَا آخر صلَاته
وَمن أَصْحَابنَا من قَالَ إِنَّمَا قَالَ ذَلِك على القَوْل الَّذِي يَقُول إِن السُّورَة تقْرَأ فِي كل رَكْعَة وَالْأول أصح وَيسر بِالْقِرَاءَةِ فِيمَا يَأْتِي بِهِ من الرَّكْعَتَيْنِ نَص عَلَيْهِ الشَّافِعِي رَحمَه الله
وَمن أَصْحَابنَا من قَالَ قد نَص عَلَيْهِ فِي مَوضِع آخر أَنه يجْهر فَيكون ذَلِك على قَوْلَيْنِ
أصَحهمَا أَنه يسر
فَإِن حضر وَالْإِمَام قد فرغ من الصَّلَاة فَإِن كَانَ الْمَسْجِد فِي غير ممر النَّاس كره أَن يسْتَأْنف فِيهِ جمَاعَة وَبِه قَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك
وَقَالَ أَحْمد لَا يكره إِقَامَة الْجَمَاعَة بعد الْجَمَاعَة بِحَال وَهُوَ قَول دَاوُد
وَمن صلى مُنْفَردا ثمَّ أدْرك جمَاعَة يصلونَ اسْتحبَّ أَن يُصليهَا مَعَهم وَحكي ذَلِك عَن عَليّ وَحُذَيْفَة وَأنس رَضِي الله عَنْهُم إِلَّا أَنه حُكيَ فِي

(2/160)


الْمغرب أَنه يُصليهَا ويضيف إِلَيْهَا رَكْعَة أُخْرَى فَتَصِير شفعا كَيْلا تصير الصَّلَاتَان بمجموعهما شفعا وَبِه قَالَ سعيد بن جُبَير وَابْن الْمسيب وَالزهْرِيّ
وَمن أَصْحَابنَا من قَالَ إِن كَانَ صبحا أَو عصرا لم يسْتَحبّ ذَلِك وَحكي عَن الْحسن وَأبي ثَوْر وَالْمذهب الأول
فَإِن صلى فِي جمَاعَة ثمَّ أدْرك جمَاعَة أُخْرَى يصلونَ فَهَل يُصَلِّي مَعَهم فِيهِ وَجْهَان
أَحدهمَا أَنه يُصليهَا مَعَهم وَهُوَ قَول أَحْمد إِلَّا أَنه قَالَ لَا يُصَلِّي الصُّبْح وَالْعصر إِلَّا مَعَ إِمَام الْحَيّ دون غَيره
وَقَالَ مَالك إِن كَانَ قد صلاهَا فِي جمَاعَة لم يعدها لم وَإِن كَانَ قد صلاهَا مُنْفَردا أَعَادَهَا فِي الْجَمَاعَة إِلَّا الْمغرب
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ يُصَلِّي مَا عدا الصُّبْح وَالْمغْرب وَقَالَ أَبُو حنيفَة لَا يُعِيد إِلَّا الظّهْر وَالْعشَاء
وَإِذا صلى ففرضه الأولى مِنْهُمَا وَالثَّانيَِة تطوع وَبِه قَالَ ابو حنيفَة وَأحمد

(2/161)


وعَلى قَوْله الْقَدِيم يحْتَسب الله لَهُ بأيتهما شَاءَ
وَحكي عَن الْأَوْزَاعِيّ وَالشعْبِيّ أَنَّهُمَا قَالَا هما جَمِيعًا فَرْضه
فَإِن أحس الإِمَام بداخل وَهُوَ رَاكِع فَفِيهِ قَولَانِ
أَحدهمَا أَنه يكره انْتِظَاره وَهُوَ قَول أبي حنيفَة وَمَالك
وَالثَّانِي أَنه مُسْتَحبّ وَهُوَ الْأَصَح
وَإِن أدْركهُ وَهُوَ فِي التَّشَهُّد الْأَخير فَفِي انْتِظَاره وَجْهَان
قَالَ الشَّيْخ أَبُو حَامِد لَا يسْتَحبّ قولا وَاحِدًا وَإِنَّمَا الْقَوْلَانِ فِي الْكَرَاهَة
وَقَالَ أَحْمد وَالشعْبِيّ لَا يكره
فَإِن سجد الإِمَام سَجْدَتَيْنِ وَالْمَأْمُوم قَائِم من الرُّكُوع فَفِيهِ وَجْهَان
أَحدهمَا تبطل صلَاته
وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق لَا تبطل
وَحكى الشَّيْخ أَبُو حَامِد رَحمَه الله أَن الشَّافِعِي رَحمَه الله ذكر فِي الْأُم وَالْقَدِيم أَن الْمُسْتَحبّ للْمَأْمُوم أَن يُتَابع الإِمَام فَلَا يتقدمه بركوع وَلَا سُجُود فَإِن رفع الْمَأْمُوم رَأسه من الرُّكُوع قبل رفع الإِمَام فَعَلَيهِ

(2/162)


أَن يرجع فَإِن لم يرجع كرهت وأجزأه وَكَذَا إِن ركع قبله اسْتحبَّ أَن يرجع إِلَى الْقيام حَتَّى يرْكَع مَعَ إِمَامه
وَذكر بعض أَصْحَابنَا الخراسانيين أَنه إِذا ركع قبل إِمَامه أَثم وَلَا يَنْبَغِي أَن يَنْوِي مُفَارقَة الإِمَام بطلت صلَاته
فَأَما إِذا ركع فَظن أَن إِمَامه قد ركع فَعلم أَنه لم يرْكَع فَعَلَيهِ أَن يعود إِلَى الْقيام فَلَو عزم على أَن لَا يعود وَثَبت رَاكِعا حَتَّى يلْحقهُ الإِمَام
فَمن أَصْحَابنَا من قَالَ يحْتَسب لَهُ
وَمِنْهُم من قَالَ يلْزمه أَن يعود قَائِما
فَإِذا قُلْنَا عَلَيْهِ أَن يعود إِلَى الْقيام فقصد ذَلِك فَقيل أَن يعتدل قَائِما ركع الإِمَام فَهَل عَلَيْهِ أَن يعتدل فه وَجْهَان
أَحدهمَا أَنه يسْقط عَنهُ الِاعْتِدَال
وَالثَّانِي انه يلْزمه
فَإِن رفع رَأسه قبل الإِمَام من السَّجْدَة الأولى عمدا وَسجد السَّجْدَة الثَّانِيَة فَهَل تبطل صلَاته فِيهِ وَجْهَان بِنَاء على اصل وَهُوَ أَن الجلسة بَين السَّجْدَتَيْنِ والاعتدال من الرُّكُوع هَل يعد ركنا مَقْصُودا أم لَا فِيهِ وَجْهَان

(2/163)


أَحدهمَا أَنه يعد ركنا مَقْصُودا
وَالثَّانِي لَا يعد
فَأَما إِذا ركع الإِمَام وَلم يرْكَع الْمَأْمُوم مَعَه حَتَّى رفع راسه لم تبطل صلَاته لِأَنَّهُ ركن وَاحِد وَلَو تَأَخّر عَنهُ بركنين بطلت صلَاته هَذَا على طَريقَة القَاضِي حُسَيْن رَحمَه الله فَأَما على طَريقَة الشَّيْخ أبي حَامِد فالتقدم والتأخر سَوَاء
قد ذكرنَا أَن الإِمَام إِذا ركع قبل فرَاغ الْمَأْمُوم من الْفَاتِحَة فَإِنَّهُ يقطع الْقِرَاءَة ويتبعه وَهِي طَريقَة أبي زيد فعلى هَذَا لَو أكمل الْفَاتِحَة وَلم يسْبقهُ الإِمَام إِلَّا بِرُكْن وَاحِد فَصلَاته صَحِيحَة وَإِن سبقه بركنين فَإِنَّهُ يكون كالمتخلف عَن إِمَامه بِغَيْر عذر فَتبْطل صلَاته
وَقيل لَا تبطل
ثمَّ إِن سبقه الإِمَام بِثَلَاثَة أَرْكَان فاشتغل بالرابع فَفِيهِ وَجْهَان
أَحدهمَا تبطل صلَاته
وَالثَّانِي لَا تبطل
وَإِن سبقه بأركان كَثِيرَة وَجرى على نظام صلَاته خلف الإِمَام

(2/164)


كَانَ كَمَا يَقُول فِي المزحوم ثمَّ اخْتلف أَصْحَابنَا فِي الْأَركان الَّتِي لَو سبق الإِمَام بهَا تبطل صلَاته
فَمنهمْ من قَالَ أَن يرْكَع ثمَّ يرفع ويشتغل بِالسُّجُود فَإِن ركع قبل أَن يرفع الإِمَام رَأسه من السُّجُود وَمضى فِي صلَاته وَإِن لم يرْكَع حَتَّى رفع الإِمَام رَأسه من السُّجُود فقد سبقه بِثَلَاثَة أَرْكَان فَتبْطل صلَاته
وَمِنْهُم من قَالَ الِاعْتِدَال لَيْسَ بِرُكْن مَقْصُود وَكَذَا الجلسة بَين السَّجْدَتَيْنِ وَإِنَّمَا يعْتَبر الرُّكُوع والسجدة الأولى وَالثَّانيَِة
فَإِن رفع رَأسه من السَّجْدَة الثَّانِيَة وَقد اشْتغل هُوَ بِالرُّكُوعِ مضى فِي صلَاته وَإِن لم يكن قد اشْتغل بِالرُّكُوعِ فَفِيهِ وَجْهَان
قَالَ وَالشَّيْخ الإِمَام أَبُو إِسْحَاق رَحمَه الله حُكيَ فِي الْمَذْهَب أَنه لَا يجوز أَن يرفع راسه قبل الإِمَام فَإِن فعل لزمَه أَن يعود الى مُتَابَعَته وَهَذَا كُله خلاف ظَاهر كَلَام الشَّافِعِي رَحمَه الله وَالَّذِي حَكَاهُ الشَّيْخ أَبُو حَامِد رَحمَه الله هُوَ الصَّحِيح وَلم يقل اُحْدُ من الْأَئِمَّة أَن التَّقَدُّم بِرُكْن وَاحِد يبطل الصَّلَاة وَالْفِعْل الْوَاحِد من غير جنس الصَّلَاة لَا يبطل الصَّلَاة وَلَا يحرم فِيهَا
فَإِن أحدث الإِمَام فاستخلف فَفِيهِ قَولَانِ

(2/165)


قَالَ فِي الْقَدِيم لَا يجوز ذَلِك
وَقَالَ فِي الْجَدِيد يجوز وَهُوَ قَول أبي حنيفَة وَمَالك وَأحمد
فعلى هَذَا يجوز أَن يسْتَخْلف من كَانَ قد دخل مَعَه فِي الرَّكْعَة الأولى أَو الثَّالِثَة وَلَا يجوز أَن يسْتَخْلف من دخل مَعَه فِي الثَّانِيَة أَو الرَّابِعَة كَذَا ذكر الشَّيْخ الإِمَام رَحمَه الله فِي الْمُهَذّب وَلَا أَدْرِي من ايْنَ أَخذ ذَلِك وَقد ذكر أَصْحَابنَا خلاف ذَلِك فِي الِاسْتِخْلَاف فِي صَلَاة الْجُمُعَة

(2/166)


فَإِن أسلم الإِمَام وَقد بَقِي على بعض الْمَأْمُومين بعض الصَّلَاة فقدموا من يتم بهم الصَّلَاة فَفِيهِ وَجْهَان
أَحدهمَا يجوز
وَالثَّانِي لَا يجوز
فَإِن نوى الْمَأْمُوم مُفَارقَة الإِمَام من غير عذر لم تبطل صلَاته فِي أصح الْقَوْلَيْنِ
وَفِي الثَّانِي تبطل وَهُوَ قَول أبي حنيفَة وَمَالك وَلم يفرق بَين وجود الْعذر وَعَدَمه

(2/167)


- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بَاب صفة الْأَئِمَّة
تصح إِمَامَة الصَّبِي الَّذِي تصح صلَاته فِي غير الْجُمُعَة وَفِي الْجُمُعَة قَولَانِ
قَالَ فِي الْأُم لَا يجوز
وَقَالَ فِي الْإِمْلَاء يجوز
وَقَالَ ابو حنيفَة وَمَالك يجوز أَن يكون إِمَامًا فِي النَّفْل دون الْفَرْض
وَرُوِيَ عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا أَنه قَالَ لَا يؤم حَتَّى يَحْتَلِم

(2/168)


وَلَا تصح إِمَامَة الْكَافِر فَإِذا صلى بِقوم لم يحكم بِإِسْلَامِهِ
وَذكر القَاضِي أَبُو الطّيب أَن الشَّافِعِي رَحمَه الله قَالَ فِي الْمُرْتَد إِذا قَامَت الْبَيِّنَة على رجل بِالرّدَّةِ فَقَالَ ورثته إِنَّه رَجَعَ إِلَى الْإِسْلَام وَأَقَامُوا أَقَامُوا بَيِّنَة أَنهم رَأَوْهُ يُصَلِّي بعد الشَّهَادَة عَلَيْهِ بِالرّدَّةِ صَلَاة الْمُسلمين قبلت تِلْكَ مِنْهُم فَإِن كَانَ هَذَا فِي بِلَاد الْإِسْلَام لم يحكم بِإِسْلَامِهِ
فَمن اصحابنا من قَالَ يجب على هَذَا الْكَافِر إِذا صلى فِي دَار الْحَرْب مثل الْمُرْتَد
وَحكى القَاضِي حُسَيْن رَحمَه الله أَن الشَّافِعِي رَحمَه الله نَص على أَن مُسلما لَو سجد للصنم فِي دَار الْحَرْب لم يحكم بردته وَلَو أَنه فِي دَار الْإِسْلَام ألْقى العسلي على كَتفيهِ وَشد الزنار على وَسطه أَن يحكم بردته
وَقَالَ أَبُو حنيفَة إِذا صلى الْكَافِر فِي جمَاعَة أَو بِجَمَاعَة حكم بِإِسْلَامِهِ وَكَذَا إِن صلى مُنْفَردا فِي مَسْجده وَكَذَا إِن أذن حَيْثُ يُؤذن الْمُسلمُونَ
وَقَالَ أَحْمد يحكم بِإِسْلَامِهِ بِالصَّلَاةِ بِكُل حَال فَإِن سمع مِنْهُ لفظ الشَّهَادَتَيْنِ من غير استدعاء لذَلِك مِنْهُ أَو إِشْهَاد على نَفسه حكم بِإِسْلَامِهِ فِي أصح الْوَجْهَيْنِ وَكَذَا إِن سمع مِنْهُ لفظ الشَّهَادَة فِي الصَّلَاة فَإِنَّهُ على الْوَجْهَيْنِ
فَأَما صَلَاة من صلى خلف الْكَافِر فَإِنَّهُ إِن كَانَ مستترا بِكُفْرِهِ كالزنديق فَفِي صلَاته خَلفه مَعَ الْجَهْل بِحَالهِ وَجْهَان

(2/169)


وَتَصِح إِمَامَة الْفَاسِق وَإِن كرهت
وَقَالَ مَالك لَا يَصح الائتمام بالفاسق بِغَيْر تَأْوِيل وَالْفَاسِق بِتَأْوِيل يُعِيد الصَّلَاة خَلفه فِي الْوَقْت
وَعَن أَحْمد فِي إِمَامَة الْفَاسِق رِوَايَتَانِ
وَلَا تصح إِمَامَة الْمَرْأَة للرِّجَال
وَحكي عَن أبي ثَوْر وَابْن جرير الطَّبَرِيّ أَنه يجوز إمامتها فِي صَلَاة التَّرَاوِيح إِذا لم يكن هُنَاكَ قارىء غَيرهَا وتقف خلف الرِّجَال
فَإِن صلى رجل خلف خُنْثَى مُشكل وَلم يعلم بِحَالهِ حَتَّى فرغ من الصَّلَاة وَجب عَلَيْهِ الْإِعَادَة فَإِن لم يعد حَتَّى زَالَ زَالَ الْإِشْكَال لم تسْقط عَنهُ الْإِعَادَة على الصَّحِيح من الْمَذْهَب
وَفِيه قَول آخر أَنه لَا إِعَادَة عَلَيْهِ
فَأَما المختلفون فِي أَحْكَام الشَّرْع فَإِذا ائتم بِمن يُخَالِفهُ فِي شَرط من شُرُوط الصَّلَاة وَلم يعلم بإخلاله بذلك الشَّرْط فَصلَاته خَلفه صَحِيحه وَإِن علم بِتَرْكِهِ الْفَاتِحَة فَقِيَاس الْمَذْهَب أَن صلَاته لَا تصح
وَحكي عَن القَاضِي حُسَيْن أَن الْأُسْتَاذ ابا إِسْحَاق قَالَ لَا يَصح اقْتِدَاؤُهُ بِهِ قَرَأَ الْفَاتِحَة أَو لم يقْرَأ وَالْأول أصح
فَإِن افتدى الشَّافِعِي بالحنفي فِي صَلَاة الصُّبْح فَأطَال الإِمَام الْقيام فِي الرّفْع من الرُّكُوع بِحَيْثُ يُمكنهُ الْقُنُوت قنت وَلَا شَيْء عَلَيْهِ وَإِن لم يقف

(2/170)


بِحَيْثُ يُمكنهُ الْقُنُوت خَلفه وَأخرج نَفسه من صلَاته وقنت وَلَا شَيْء عَلَيْهِ وَإِن لم يخرج نَفسه من صلَاته وقنت وَالْإِمَام ساجد وَلم تطل الْمدَّة فَالْمَذْهَب أَن صلَاته تبطل وَيحْتَمل أَن يُقَال لَا تبطل
وَإِن ترك الْقُنُوت وَتَابعه فالعراقيون من أَصْحَابنَا قَالُوا يسْجد للسَّهْو
وَقَالَ الْقفال لَيْسَ عَلَيْهِ سُجُود وَهَذَا بناؤنا على اصل وَهُوَ أَن الشَّافِعِي رَحمَه الله اقْتدى بالحنفي فَلم يقْرَأ الْفَاتِحَة
فَعِنْدَ الْقفال صَلَاة الْمَأْمُوم صَحِيحَة
وَقَالَ غَيره لَا تصح وَهَذَا الَّذِي ذكره عِنْدِي فِيهِ نظر
أما قَوْله إِنَّه إِذا أَطَالَ الإِمَام قنت لَا سُجُود عَلَيْهِ خطأ بل يَنْبَغِي أَن يسْجد
وَقَوله إِذا قنت وَالْإِمَام ساجد بطلت صلَاته لَيْسَ بِمذهب
وَقَوله إِذا أخرج نَفسه يُجزئهُ فَيَنْبَغِي أَن يبْنى على الْقَوْلَيْنِ فِي مُفَارقَة الإِمَام لغير عذر
وَأما إِذا تَابعه فحكايته لقَوْل أهل الْعرَاق وبناؤه على أصل لَيْسَ بِأولى من الْفَرْع وَالْأَمر مَبْنِيّ على اعْتِقَاد الْمَأْمُوم دون الإِمَام فِي ذَلِك
وَلَا تجوز الصَّلَاة خلف الْمُحدث فَإِن لم يعلم بِحَالهِ صحت صلَاته فِي غير الْجُمُعَة فَأَما فِي الْجُمُعَة فَإِن تمّ الْعدَد دونه صحت صَلَاة من خَلفه

(2/171)


وَذكر ابْن الْقَاص قولا آخر مخرجا أَنه لَا يَصح لَهُم الْجُمُعَة وَإِن تمّ الْعدَد بِهِ لم تصح الصَّلَاة خَلفه وبقولنا قَالَ أَحْمد
وَقَالَ الشّعبِيّ وابو حنيفَة تبطل صَلَاة من خَلفه بِكُل حَال
وَقَالَ مَالك إِن كَانَ الإِمَام نَاسِيا لحَدث نَفسه فَصَلَاة الْمَأْمُوم خَلفه صَحِيحَة وَإِن كَانَ الإِمَام عَالما بِحَدَث نَفسه بطلت صَلَاة الْمَأْمُوم خَلفه
وَقَالَ عَطاء إِن كَانَ حَدثهُ جَنَابَة بطلت صَلَاة الْمَأْمُوم خَلفه وَإِن كَانَ غَيرهَا أَعَادَهَا فِي الْوَقْت
فَإِن علم الْمَأْمُوم بِحَدَث الإِمَام فِي اثناء الصَّلَاة فَأَقَامَ على مُتَابَعَته بطلت صلَاته فَإِن خرج الإِمَام ليتوضأ وَكَانَ مَوْضِعه قَرِيبا أَشَارَ إِلَيْهِم كَمَا أَنْتُم وَمضى وَتَوَضَّأ إِذا كَانَ ذَلِك قبل الرُّكُوع وَعَاد وَأتم بِهِ الصَّلَاة
وَإِن كَانَ بَعيدا فقد قَالَ الشَّافِعِي رَحمَه الله فِي الْقَدِيم يصلونَ لأَنْفُسِهِمْ
فَمن أَصْحَابنَا من قَالَ إِنَّمَا قَالَ ذَلِك لِأَنَّهُ على قَوْله الْقَدِيم لَا يجوز الِاسْتِخْلَاف
وَمِنْهُم من قَالَ إِنَّمَا قَالَ ذَلِك لِيخْرجُوا من الْخلاف فِي الصَّلَاة بإمامين
وَفِي صَلَاة الطاهرة خلف الْمُسْتَحَاضَة وَجْهَان
أَحدهمَا يَصح كالمتوضىء خلف الْمُتَيَمم

(2/172)


وَتَصِح صَلَاة الْقَائِم خلف الْقَاعِد وَبِه قَالَ ابو حنيفَة وَإِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَن مَالك
وَعَن مَالك رِوَايَة ثَانِيَة أَنه لَا تصح صَلَاة الْقَائِم خلف الْقَاعِد وَهُوَ قَول مُحَمَّد بن الْحسن
وَقَالَ احْمَد وَالْأَوْزَاعِيّ يصلونَ خَلفه قعُودا وَاخْتَارَهُ ابْن الْمُنْذر
وَيجوز للراكع والساجد أَن يأتم بالمومىء إِلَى الرُّكُوع وَالسُّجُود

(2/173)


وَقَالَ ابو حنيفَة وَأَصْحَابه وَمَالك لَا يجوز أَن يكون المومىء إِمَامًا للراكع والساجد فَإِن قدر الْقَاعِد على الْقيام فِي أثْنَاء الصَّلَاة أَو المومىء على الْقعُود أَو الْقيام فَإِنَّهُ يقوم وَيقْعد وَيَبْنِي على صلَاته
وَقَالَ ابو حنيفَة المومىء إِذا قدر على الْقعُود أَو الْقيام بطلت صلَاته وَكَذَلِكَ الْعُرْيَان إِذا وجد ستْرَة والأمي إِذا تلقن بطلت صلَاته عِنْده
وَقَالَ مُحَمَّد فِي الْقَاعِد إِذا قدر على الْقيام بطلت صلَاته أَيْضا فَإِن لم يقم الإِمَام مَعَ قدرته عَلَيْهِ وَعلم الْمَأْمُوم حَاله وَأقَام على مُتَابَعَته بطلت صلَاته
وَقيل تصير صلَاته نفلا ذكره فِي الْحَاوِي وَلَيْسَ بِصَحِيح وَفِي صَلَاة القارىء خلف الْأُمِّي قَولَانِ
أَحدهمَا وَهُوَ اخْتِيَار الْمُزنِيّ أَنَّهَا تصح
وَالثَّانِي وَهُوَ قَول أبي حنيفَة وَمَالك وَأحمد أَنَّهَا لَا تجوز
وَقيل فِيهِ قَول آخر على قَوْله الْقَدِيم أَنه إِن كَانَ فِي صَلَاة يجْهر فِيهَا بِالْقِرَاءَةِ لم يجز وَإِن كَانَ فِي صَلَاة يسر فِيهَا بِالْقِرَاءَةِ جَازَ
وَذكر فِي الْحَاوِي أَنه إِذا علم القارىء بِحَال الْأُمِّي لم تصح صلَاته خَلفه قولا وَاحِدًا وَإِن لم يعلم بِحَالهِ حَتَّى فرغ من الصَّلَاة فَفِي بطلَان صلَاته وَوُجُوب الْإِعَادَة ثَلَاثَة اقوال
فَإِن قُلْنَا إِن صَلَاة القارىء تبطل فَإِن صَلَاة الْأُمِّي لَا تبطل وَبِه قَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد

(2/174)


وَقَالَ أَبُو حنيفَة تبطل صَلَاة الْأُمِّي أَيْضا
حُكيَ عَن أبي حَازِم من اصحابه انه قَالَ إِنَّمَا أبطل صلَاته لِأَنَّهُ يُمكنهُ أَن يَقْتَدِي بالقارىء
فعلى هَذَا يَقْتَضِي أَن لَا يُصَلِّي وَحده
وَقَالَ ابو الْحسن الْكَرْخِي إِنَّمَا ابطل صلَاته لِأَنَّهُ لما أحرم خَلفه صَار متحملا للْقِرَاءَة عَنهُ مَعَ عَجزه فَإِن اخْتلف عَن الإِمَام وَالْمَأْمُوم فَفِيهِ وَجْهَان
أَحدهمَا تصح صلَاته خَلفه
وَالثَّانِي لَا تصح وَهُوَ الْأَصَح إِذا قُلْنَا لَا تصح صَلَاة القارىء خلف الْأُمِّي
فَإِن قَرَأَ الرِّوَايَات الشاذة فِي الصَّلَاة
ذكر القَاضِي حُسَيْن أَن صلَاته لَا تبطل قَالَ وَفِيه أشكال
قَالَ الشَّيْخ الإِمَام وَعِنْدِي انه يَنْبَغِي أَن يُقَال إِن كَانَ يحِيل الْمَعْنى عَن الْقِرَاءَة الْمَعْرُوفَة بطلت الصَّلَاة وَإِن كَانَ لَا يحِيل الْمَعْنى لم تبطل وَيكرهُ
وَيجوز أَن يأتم المفترض بالمتنفل والمتنفل بالمفترض والمفترض بالمفترض

(2/175)


وفرضهما مُخْتَلف إِذا اتّفقت الصَّلَاتَان فِي الْأَفْعَال الظَّاهِرَة وَبِه قَالَ عَطاء وَهُوَ إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَن أَحْمد وَاخْتَارَهُ ابْن الْمُنْذر
وَقَالَ ابو حنيفَة وَمَالك وَهُوَ الرِّوَايَة الْأُخْرَى عَن أَحْمد أَنه لَا يجوز أَن يأتم المفترض بالمتنفل وَلَا المفترض بالمفترض وفرضهما مُخْتَلف
وَيجوز أَن يأتم المتنفل بالمفترض
وَحكى فِي الْحَاوِي الْمَنْع من الائتمام مَعَ اخْتِلَاف الصّفة بِكُل حَال فَلَا يأتم المتنفل بالمفترض وَهُوَ قَول مَالك وَالزهْرِيّ
وَلَا يجوز ان يُصَلِّي الْجُمُعَة خلف من يُصَلِّي الظّهْر
وَمن أَصْحَابنَا من قَالَ يجوز فِي فعل الْجُمُعَة خلف المتنفل قَولَانِ
وَلَا يخْتَلف أَصْحَابنَا بالعراق أَنه لَا يجوز فعل صَلَاة الْكُسُوف خلف من يُصَلِّي الصُّبْح وَلَا الصُّبْح خلف من يُصَلِّي الْكُسُوف وَلَا فعل إِحْدَى الصَّلَوَات الْخمس خلف من يُصَلِّي صَلَاة الْجِنَازَة وَلَا صَلَاة الْجِنَازَة خلف من يُصَلِّي غَيرهَا

(2/176)


وَحكى القَاضِي حُسَيْن عَن الْقفال فِيمَن صلى الْفَرْض خلف من يُصَلِّي صَلَاة الْجِنَازَة أَنَّهَا تَنْعَقِد فَإِذا كبر الإِمَام التَّكْبِيرَة الثَّانِيَة لم يكبر مَعَه وعَلى هَذَا صَلَاة الْجِنَازَة خلف من يُصَلِّي صَلَاة الْفَرْض تَنْعَقِد عِنْده وَالْفَرْض خلف صَلَاة الْكُسُوف على طَرِيقَته تَنْعَقِد وعَلى طَريقَة غَيره فِيهِ وَجْهَان
أَحدهمَا لَا تَنْعَقِد
وَالثَّانِي تَنْعَقِد فَإِذا اشْتغل الإِمَام بِالْقيامِ الثَّانِي فَارقه وَهَذَا القَوْل بعيد عَن الْمَذْهَب جدا
وَذكر أَنه يُصَلِّي الْفَرْض خلف من يُصَلِّي صَلَاة الْعِيد ثمَّ إِن شَاءَ وَافقه فِي التَّكْبِير وَإِن شَاءَ خَالفه
السّنة أَن يؤم الْقَوْم أفقههم وأقرؤهم فَإِن زَاد أَحدهمَا فِي الْفِقْه وَالْآخر فِي الْقِرَاءَة فالأفقه أولى وَبِه قَالَ مَالك وابو حنيفَة
وَقَالَ الثَّوْريّ وَأحمد الأقرأ أولى وَاخْتَارَهُ ابْن الْمُنْذر

(2/177)


فَإِن اسْتَويَا فِي جَمِيع ذَلِك فقد قَالَ بعض الْمُتَقَدِّمين يقدم احسنهم فَمن اصحابنا من قَالَ أحْسنهم صُورَة
وَمِنْهُم من قَالَ أحْسنهم ذكرا
فغن اجْتمع هَؤُلَاءِ مَعَ صَاحب الْمنزل فَصَاحب الْمنزل أولى فَإِن اجْتمع السُّلْطَان مَعَ هَؤُلَاءِ فَهُوَ أولى من صَاحب الْمنزل وَغَيره
وَحكى فِي الْحَاوِي قولا آخر ان صَاحب الْمنزل أولى من السُّلْطَان إِذا حضر عِنْده
فَإِن اجْتمع الْمُسْتَعِير والمعير فِي الدَّار المستعارة فالمستعير أولى فِي أحد الْوَجْهَيْنِ
وَالثَّانِي أَن الْمُعير أولى
فَإِن اجْتمع حر وَعَبده فالحر أولى
وَحكي عَن أبي مجلز أَنه كره إِمَامَة العَبْد
وَقَالَ مَالك لَا يؤم فِي جُمُعَة وَلَا عيد

(2/178)


وَحكي عَن الْأَوْزَاعِيّ أَنه قَالَ أَرْبَعَة لَا يؤمُّونَ النَّاس ذكر مِنْهُم العَبْد إِلَّا أَن يؤم أَهله
وَهل يحْتَاج العَبْد أَن يسْتَأْذن مَوْلَاهُ فِي الْإِمَامَة وَحُضُور الْجَمَاعَة
ذكر القَاضِي حُسَيْن انه إِن كَانَت صلَاته لَا تزيد على صلَاته مُنْفَردا لم يلْزمه الاسْتِئْذَان
قَالَ الشَّيْخ الإِمَام وَعِنْدِي انه إِن كَانَ فِي أول الْوَقْت احْتَاجَ إِلَى اسْتِئْذَانه وَإِن كَانَ فِي آخر الْوَقْت فعلى التَّفْصِيل
وَيكرهُ إِمَامَة من لَا يعرف أَبوهُ وَبِه قَالَ ابو حنيفَة وَمَالك
وَقَالَ أَحْمد لَا تكره إِمَامَته وَرَوَاهُ ابْن الْمُنْذر عَن مَالك وَاخْتَارَهُ
وَكره عمر بن عبد الْعَزِيز أُمَامَة ولد الزِّنَا
فَإِن اجْتمع بَصِير وأعمى فالمنصوص فِي الْإِمَامَة أَنَّهُمَا سَوَاء
وَقَالَ ابو إِسْحَاق الْمروزِي الْأَعْمَى أولى
وَقَالَ الشَّيْخ الإِمَام أَبُو إِسْحَاق الشِّيرَازِيّ رَحمَه الله عِنْدِي أَن الْبَصِير أولى من الْأَعْمَى
قَالَ الشَّيْخ ابو نصر رَحمَه الله والوجهان مخالفان نَص الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ
وَحكي عَن ابْن سِيرِين انه يكره إِمَامَة العَبْد

(2/179)


- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بَاب موقف الإِمَام وَالْمَأْمُوم
السّنة أَن يقف الرجل الْوَاحِد عَن يَمِين الإِمَام
وَحكي عَن سعيد بن الْمسيب انه قَالَ يقف عَن يسَار الإِمَام
وَقَالَ النَّخعِيّ يقف خَلفه إِلَى أَن يرْكَع فَإِن جَاءَ آخر وَإِلَّا تقدم ووقف عَن يَمِينه إِذا ركع فَإِن حضر رجلَانِ اصطفا خَلفه
وَحكي عَن عبد الله بن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ أَنه قَالَ يقف الإِمَام بَينهمَا

(2/180)


فَإِن وقفت امْرَأَة فِي الصَّفّ بَين الرِّجَال لم تبطل صَلَاة وَاحِد مِنْهُم
وَقَالَ ابو حنيفَة تبطل صَلَاة من على يَمِينهَا وشمالها من الْمَأْمُومين وَلَا تبطل صلَاتهَا
فَإِن أَحرمت امْرَأَة خلف الرجل فِي صَلَاة مؤتمة بِهِ صَحَّ إحرامها وَلَا يحْتَاج أَن يَنْوِي الإِمَام إمامتها
وَقَالَ ابو حنيفَة وَأَبُو يُوسُف وَمُحَمّد بن الْحسن لَا يَصح ائتمامها بِهِ حَتَّى يَنْوِي إمامتها
فَإِن وقف خلف الصَّفّ وَحده مقتديا بِالْإِمَامِ كره وأجزأه وَهُوَ قَول أبي حنيفَة وَأَصْحَابه وَمَالك
وَقَالَ أَحْمد تبطل صلَاته

(2/181)


فَإِن دخل الْمَسْجِد فَلم يجد فِي الصَّفّ فُرْجَة فَإِنَّهُ يُصَلِّي وَحده
وَذكر الشَّيْخ ابو حَامِد رَحمَه الله أَنه يجذب رجلا من الصَّفّ ليُصَلِّي مَعَه فَإِن لم يفعل كره
وَحكى القَاضِي ابو الطّيب رَحمَه الله أَن الشَّافِعِي رَحمَه الله نَص أَنه لَا يجذب رجلا وَيقف حَيْثُ شَاءَ
فَإِن وقف الْمَأْمُوم قُدَّام الإِمَام مقتديا بِهِ لم تصح صلَاته فِي أصح الْقَوْلَيْنِ وَهُوَ قَول اب حنيفَة وَأحمد
وَقَالَ فِي الْقَدِيم تصح صلَاته وَهُوَ قَول مَالك

فَإِن حضر رجال وصبيان وقف الرِّجَال فِي الصَّفّ الأول ثمَّ الصّبيان
وَمن أَصْحَابنَا من قَالَ يقف بَين كل رجلَيْنِ صبي ليتعلم مِنْهُم الصَّلَاة وَهُوَ قَول مَالك
فَإِن وقف مَأْمُوم بِجنب الإِمَام ورؤوس اصابعه مَعَ رُؤُوس اصابعه وعقبه مُتَقَدّمَة على عقبه لقصر قدمه فِيهِ وَجْهَان
أصَحهمَا أَنه لَا يَصح اعْتِبَارا بالمساواة فِي الْعقب
وَالسّنة أَن لَا يكون مَوضِع الإِمَام أَعلَى من مَوضِع الْمَأْمُوم إِلَّا أَن يقْصد تَعْلِيم الْمَأْمُومين فَيُسْتَحَب أَن يكون مَوْضِعه اعلى

(2/182)


وَقَالَ ابو حنيفَة وَمَالك يكره ذَلِك بِكُل حَال
وَحكى الطحاوى أَنه يكره إِذا كَانَ ارتفاعه يُجَاوز الْقَامَة
وَقَالَ ابو بكر الرَّازِيّ لَا يعرف ذَلِك
فَإِن كَانَت الْجَمَاعَة فِي الْمَسْجِد فَلَا اعْتِبَار فِيهَا بِالْمُشَاهَدَةِ واتصال الصُّفُوف وَإِنَّمَا يعْتَبر الْعلم بِصَلَاة الإِمَام
وَإِن خرجت الْجَمَاعَة عَن الْمَسْجِد فَإِن اتَّصَلت الصُّفُوف إِلَى من فِي الْمَسْجِد فَالصَّلَاة صَحِيحَة وَإِن كَانَ بَين الصفين فصل قريب وَهُوَ ثَلَاثمِائَة ذِرَاع وَعَلمُوا بِصَلَاة الإِمَام فصلاتهم صَحِيحَة وَهل ذَلِك تَحْدِيد أَو تقريب فِيهِ وَجْهَان
فَإِن كَانَ بَينه وَبَين الْمَسْجِد حَائِل يمْنَع الاستطراق دون الْمُشَاهدَة كالشباك لم يمْنَع صِحَة الائتمام فِي أحد الْوَجْهَيْنِ وَالِاعْتِبَار فِي الْمسَافَة الَّتِي ذَكرنَاهَا بحائط الْمَسْجِد
وَاخْتلف اصحابنا فِي الطَّرِيق الَّذِي أَخذ عَنهُ الشَّافِعِي رَحمَه الله ذَلِك التَّقْدِير

(2/183)


فَمنهمْ من قَالَ أَخذه من جِهَة الْعرف
وَمِنْهُم من قَالَ أَخذه من صَلَاة الْخَوْف ذكر القَاضِي حُسَيْن رَحمَه الله أَنه إِذا وقف الإِمَام فِي الْمَسْجِد وَله بَاب مَفْتُوح عَن يَمِينه أَو يسَاره فَوقف قوم خَلفه ووقف إِنْسَان خَارج الْمَسْجِد فَإِن اتَّصَلت بِهِ الصُّفُوف اتِّصَال المناكب جَازَ فَإِن لم يقف على العتبة أحد وَكَانَ بَين هَذَا الْوَاقِف وَبَين حَائِط الْمَسْجِد فُرْجَة يقف فِيهَا رجل لم يجز صلَاته وَإِن كَانَ مُتَّصِلا بِالْمَسْجِدِ لَيْسَ بَينه وَبَينه فُرْجَة فَفِيهِ وَجْهَان بِنَاء على أَن الِاتِّصَال يعْتَبر بالصف الَّذِي فِي الْمَسْجِد أَو بِالْمَسْجِدِ وَفِيه وَجْهَان وَهَذَا يبطل بِهِ إِذا كَانَ الْبَاب وَرَاء الإِمَام
فَإِن صلى فِي دَار وَبَينهمَا حَائِط غير حَائِط الْمَسْجِد لم يَصح الائتمام وَلَا يخْتَلف أَصْحَابنَا
وَقَالَ مَالك يَصح الائتمام بِهِ إِلَّا فِي الْجُمُعَة إِذا علم بِصَلَاتِهِ
فَإِن كَانَ لَهُ بَاب مَفْتُوح إِلَى الْمَسْجِد يرى مِنْهُ الإِمَام اَوْ بعض من خَلفه فقد قَالَ ابو إِسْحَاق لَا تصح صلَاته حَتَّى تتصل الصُّفُوف بِهِ اتِّصَال الْعَادة
وَقَالَ ابو عَليّ فِي الإفصاح لَا فرق بَين الدَّار والصحراء فِي اعْتِبَار الْقرب والبعد فِي الْجَمِيع وَهَذَا الصَّحِيح عِنْدِي

(2/184)


وَاخْتَارَ القَاضِي حُسَيْن رَحمَه الله قَول أبي إِسْحَاق وَقَالَ الِاعْتِبَار بالأماكن وَهِي ثَلَاثَة
صحراء فَيعْتَبر فِيهَا الْقرب
وابنية بنيت لِلْعِبَادَةِ فَيعْتَبر فِيهَا الْعلم
وابنية بنيت للرفق فَيعْتَبر فِيهَا اتِّصَال الصُّفُوف حَتَّى قَالَ لَو كَانَ الإِمَام فِي الصَّحرَاء وَالْمَأْمُوم فِي الصّفة لم يَصح الائتمام وَهَذَا تحكم
فَأَما إِذا صلى فِي علو دَار بِصَلَاة الإِمَام فِي الْمَسْجِد فقد قَالَ الشَّافِعِي رَحمَه الله وَأما فِي علوها فَلَا يجوز لِأَنَّهَا بَائِنَة من الْمَسْجِد
وَمَعْنَاهُ أَنه لَيْسَ بَينهمَا قَرَار يُمكن اتِّصَال الصُّفُوف فِيهِ
وَذكر القَاضِي حُسَيْن رَحمَه الله أَنه إِذا صلى على سطح دَار فِي جوَار الْمَسْجِد لم يجز إِلَّا على طَريقَة من عَن يَمِينه أَو يسَاره بِصَلَاة الإِمَام فِي الْمَسْجِد مَعَ الْقرب فَإِن كَانَ علو الْمَسْجِد بِحَيْثُ يُحَاذِي راس الْوَاقِف فِي الْمَسْجِد رجل الْوَاقِف على السَّطْح وَلم يكن بَين الْوَاقِف على السَّطْح وَبَين الْوَاقِف فِي الْمَسْجِد فُرْجَة تتسع لوقوف وَاحِد فالاقتداء صَحِيح وَإِن كَانَ بَينه وَبَينه فُرْجَة وَكَانَ الْوَاقِف على السَّطْح على طرف السَّطْح

(2/185)


وَلم يكن بَينه وَبَين الْمَسْجِد فُرْجَة وَإِنَّمَا كَانَ الْوَاقِف متباعدا عَن الْحَائِط فعلى وَجْهَيْن بِنَاء على أَن الْقرب من الْمَسْجِد فَهَل يَجْعَل بِمَنْزِلَة الْقرب من الصَّفّ وَأما إِذا كَانَ الْوَاقِف على السَّطْح متباعدا عَن طرفه بِقدر موقف رجل لم يَصح الِاقْتِدَاء على ظَاهر الْمَذْهَب
وَأما إِذا كَانَ السَّطْح أَعلَى من ذَلِك فَإِن لم يقف على طرف السَّطْح لم يجز إِلَّا على طَريقَة من يعْتَبر الْقرب والمشاهدة وَإِن وقف على طرف السَّطْح فعلى مَا ذَكرْنَاهُ من الْوَجْهَيْنِ فِي اعْتِبَار الْقرب من الْمَسْجِد أَو من الصَّفّ
وَإِن كَانَ السَّطْح خلف الْمَسْجِد وَكَانَ علو السَّطْح بِقدر قامة وَمن فِي الْمَسْجِد وقُوف بِجنب الْحَائِط وَلم يكن بَين الْوَاقِف على السَّطْح والواقف فِي الْمَسْجِد إِلَّا مَا يكون بَين الصفين فالاقتداء صَحِيح وَإِن لم يكن كَذَلِك فعلى مَا ذَكرْنَاهُ
وَإِن كَانَ السَّطْح عَالِيا
فقد قَالَ الشَّافِعِي رَحمَه الله لَا يجزىء
وعَلى طَريقَة من يعْتَبر مُجَرّد الْمُشَاهدَة مَعَ الْقرب جَازَ وَهَذَا التَّفْصِيل الَّذِي ذكره تحكم وهم مُخَالف لنَصّ الشَّافِعِي رَحمَه الله فإمَّا أَن يَقُول بقول عَطاء أَو مَالك أَو يصير إِلَى نَص الشَّافِعِي رَحمَه الله
فَإِن كَانَ بَين الإِمَام وَالْمَأْمُوم نهر أَو طَرِيق صَحَّ الائتمام وَبِه قَالَ مَالك

(2/186)


وَقَالَ ابو حنيفَة وَأحمد يمْنَع ذَلِك صِحَة الائتمام
وَإِن كَانَ الإِمَام فِي سفينة وَالْمَأْمُوم فِي أُخْرَى غير مشدودة إِلَيْهَا وَبَينهمَا مَسَافَة قريبَة صَحَّ الائتمام
وَقَالَ ابو سعيد الْإِصْطَخْرِي لَا يَصح
وَالِاعْتِبَار عِنْد عَطاء الْعلم بِصَلَاة الإِمَام دون الْمُشَاهدَة والحائل وَعدم الْحَائِل وَحكي ذَلِك عَن النَّخعِيّ وَالْحسن الْبَصْرِيّ

(2/187)


- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بَاب صَلَاة الْمَرِيض
إِذا عجز عَن الرُّكُوع وَالسُّجُود لعِلَّة بظهره وَقدر على الْقيام فَإِنَّهُ يجب عَلَيْهِ الْقيام وينحني فِي الرُّكُوع بِحَسب طاقته أَو يحني رقبته
وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأَبُو يُوسُف وَمُحَمّد يسْقط عَنهُ فرض الْقيام فَإِن عجز عَن الْقيام صلى قَاعِدا
وَفِي كَيْفيَّة قعوده قَولَانِ
احدهما أَنه يقْعد متربعا وَحكي ذَلِك عَن مَالك وَأبي يُوسُف وَمُحَمّد وَأحمد وَحَكَاهُ الْحسن بن زِيَاد عَن أبي حنيفَة وَقَالَ إِذا ركع ثنى رجلَيْهِ
وَحكى القَاضِي أَبُو حَامِد عَن الشَّافِعِي رَحمَه الله أَنه يجلس مفترشا وَهُوَ قَول زفر

(2/188)


وَحكى مُحَمَّد عَن أبي حنيفَة أَنه يجلس كَيفَ شَاءَ
وَإِن عجز عَن الْقعُود فقد نَص الشَّافِعِي رَحمَه الله على أَنه يضطجع على جنبه الْأَيْمن مُسْتَقْبل الْقبْلَة فَإِن لم يسْتَطع اسْتلْقى على ظَهره وَرجلَاهُ إِلَى الْقبْلَة وَبِه قَالَ احْمَد وَمَالك
وَقَالَ ابو عَليّ فِي الإفصاح يستلقي على ظَهره وَيسْتَقْبل الْقبْلَة برجليه حَتَّى يكون إيماؤه فِي الرُّكُوع وَالسُّجُود إِلَى الْقبْلَة وَبِه قَالَ أَبُو حنيفَة وَالْأول أصح
فَإِن لم يسْتَطع أَن يومىء بِرَأْسِهِ إِلَى الرُّكُوع وَالسُّجُود أَوْمَأ بطرفه
وَقَالَ ابو حنيفَة إِذا انْتهى إِلَى هَذِه الْحَالة سقط عَنهُ فرض الصَّلَاة
وَحكي عَن مَالك انه إِذا دَامَ بِهِ الرعاف فَلم يَنْقَطِع اومأ إِلَى السُّجُود وأتى بِالْقيامِ وَالرُّكُوع وَفِي الْفرق بَينهمَا نظر
قَالَ فِي الْأُم إِذا قدر أَن يُصَلِّي قَائِما مُنْفَردا يُخَفف الْقِرَاءَة

(2/189)


وَإِذا صلى مَعَ الْجَمَاعَة صلى بَعْضهَا من قعُود فَالْأَفْضَل أَن يُصَلِّي مُنْفَردا
قَالَ الشَّيْخ ابو حَامِد الْإِتْيَان بهَا مَعَ الْقعُود فِي بَعْضهَا فِي الْجَمَاعَة أولى وَحكي أَنه مُخَيّر بَينهمَا والجميع خلاف نَص الشَّافِعِي رَحمَه الله
فَإِن كَانَ بِعَيْنِه وجع وَهُوَ قَادر على الْقيام فَقيل لَهُ إِن صليت مُسْتَلْقِيا داويناك
فقد ذكر الشَّيْخ ابو حَامِد ان هَذِه الْمَسْأَلَة غير مَنْصُوص عَلَيْهَا لِأَصْحَابِنَا
وَقد حُكيَ عَن ابي حنيفَة وَالثَّوْري جَوَاز ترك الْقيام لَهُ
وَقَالَ مَالك وَالْأَوْزَاعِيّ لَا يجوز
قَالَ الشَّيْخ ابو حَامِد هَذَا هُوَ الَّذِي يَقْتَضِيهِ الْمَذْهَب
وَمن اصحابنا من حكى فِيهِ وَجْهَيْن
وَيجب الْقيام فِي الْفَرْض فِي السَّفِينَة مَا لم يخف الْغَرق أَو دوران راسه
وَقَالَ ابو حنيفَة لَا يجب عَلَيْهِ الْقيام فِيهَا

(2/190)


- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بَاب صَلَاة الْمُسَافِر
الْقصر جَائِز فِي السّفر الْجَائِز
وَحكي عَن دَاوُد أَنه قَالَ لَا يجوز الْقصر إِلَّا فِي سفر وَاجِب وَحكي عَنهُ أَنه يخْتَص بسفر الْخَوْف
وَقَالَ عَطاء لَا يجوز إِلَّا فِي سفر طَاعَة فاما سفر الْمعْصِيَة فَلَا يجوز الْقصر فِيهِ وَلَا التَّرَخُّص برخص السّفر بِحَال وَهُوَ قَول مَالك وَأحمد

(2/191)


وَقَالَ ابو حنيفَة يجوز التَّرَخُّص فِيهِ
فَإِن سَافر سفرا مُبَاحا ثو نوى إِتْمَامه لمعصية انْقَطع التَّرَخُّص فِي أظهر الْوَجْهَيْنِ وَهل يجوز لَهُ ان يمسح يَوْمًا وَلَيْلَة فِي سفر الْمعْصِيَة فِيهِ وَجْهَان
فَإِن أَقَامَ فِي بلد لمعصية فَهَل يجوز لَهُ الْمسْح يَوْمًا وَلَيْلَة فِيهِ وَجْهَان
وَإِن تيَمّم فِي سفر الْمعْصِيَة عِنْد عدم المَاء وَصلى فِيهِ فَهَل يجب عَلَيْهِ الْإِعَادَة
فِيهِ وَجْهَان وَفرع على هُنَا إِذا عجز العَاصِي بِسَفَرِهِ عَن اسْتِعْمَال المَاء لجراحة بِبدنِهِ وَكَانَت قد اصابته فِي الْحَضَر يتَيَمَّم وَيُصلي وَلَا إِعَادَة عَلَيْهِ وَإِن كَانَت قد أَصَابَته فِي السّفر فَهَل يُعِيد مَا صلاه بِالتَّيَمُّمِ على الْوَجْهَيْنِ وَهَذَا تَشْبِيه بعيد فِي الْمَعْنى
وعَلى هَذَا قَالَ لَو وثب من بِنَاء عَال لص فأنكسرت رجله فصلى قَاعِدا فَهَل يُعِيد فِيهِ وَجْهَان وَهَذَا أبعد من الأول
وَلَا يجوز الْقصر إِلَّا فِي مسيرَة يَوْمَيْنِ سِتَّة عشر فرسخا وَبِه قَالَ مَالك وَأحمد

(2/192)


وَقَالَ دَاوُد يجوز الْقصر فِي طَوِيل السّفر وقصيره
وَقَالَ الأزوزاعي يقصر فِي مسيرَة يَوْم
وَعَن الزُّهْرِيّ فِي مسيرَة ثَلَاثِينَ ميلًا
وَقَالَ ابو حنيفَة وَالثَّوْري لَا يجوز الْقصر فِي أقل من ثَلَاث مراحل أَرْبَعَة وَعشْرين فرسخا
فَإِن كَانَ للبلد طَرِيقَانِ يقصر فِي احدهما لطوله دون الآخر فسلك الْأَبْعَد لَا لغَرَض سوى الْقصر فَإِنَّهُ لَا يجوز لَهُ الْقصر فِي أحد الْقَوْلَيْنِ وَهُوَ قَول ابي حنيفَة وَاخْتِيَار الْمُزنِيّ
وَالثَّانِي لَا يقصر وَهُوَ اخْتِيَار أبي إِسْحَاق الْمروزِي

(2/193)


فَإِن كَانَ سَفَره مسيرَة ثَلَاثَة ايام فالقصر فِيهِ افضل فَإِن أتم جَازَ وَبِه قَالَ احْمَد
وَفِيه قَول آخر أَن الائتمام أفضل وَهُوَ اخْتِيَار الْمُزنِيّ وَقَالَ ابو حنيفَة وَالثَّوْري الْقصر عَزِيمَة حَتَّى قَالَ أَبُو حنيفَة إِذا صلى الظّهْر أَرْبعا وَلم يجلس بعد الرَّكْعَتَيْنِ بطلت صَلَاة ظَهره وَهُوَ قَول بعض أَصْحَاب مَالك
وَحكى ابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة أَنه قَالَ إِذا جَاوز الجسر أَو الخَنْدَق قصر
وَحكي عَن مَالك رِوَايَتَانِ
إِحْدَاهمَا أَن يُفَارق بُنيان بَلَده وَلَا يحاذيه عَن يَمِينه وَلَا عَن يسَاره مِنْهُ شَيْء
وَالثَّانيَِة أَن يكون من الْمصر على ثَلَاثَة اميال
وروى عَن الْحَارِث بن ابي ربيعَة أَنه أَرَادَ سفرا فصلى بهم رَكْعَتَيْنِ فِي منزله وَفِيهِمْ الْأسود بن يزِيد وَغير وَاحِد من أَصْحَاب عبد الله

(2/194)


وَحكي عَن عَطاء أَنه قَالَ إِذا خرج الرجل حَاجا فَلم يخرج من بيُوت الْقرْيَة حَتَّى دخل وَقت الصَّلَاة فَإِن شَاءَ قصر وَإِن شَاءَ أوفى
وَحكي عَن مُجَاهِد انه قَالَ إِذا خرج نَهَارا لم يقصر حَتَّى يدْخل اللَّيْل وَإِن خرج لَيْلًا لم يقصر حَتَّى يدْخل النَّهَار فَإِن كَانَت قَرْيَة وبقربها قَرْيَة أُخْرَى فَفَارَقَ قريته جَازَ لَهُ الْقصر
وَفِيه وَجه آخر انه إِن كَانَت القريتان متقاربتين لم يجز لَهُ الْقصر حَتَّى يُفَارق الْقرْيَة الْأُخْرَى
فَإِن اتَّصَلت حيطان الْبَلَد بحيطان الْبَسَاتِين والمزارع جَازَ لَهُ الْقصر إِذا فَارق حيطان الْبَلَد
وَذكر القَاضِي حُسَيْن أَنه لَا يجوز لَهُ الْقصر حَتَّى يُفَارق حيطان الْبَسَاتِين
وَحكى بعض اصحابنا أَنه إِذا كَانَ على بَاب الْبَلَد نهر لم يجز لَهُ الْقصر حَتَّى يعبره وَلَيْسَ بِصَحِيح وَإِن كَانَ من اهل الْخيام فحتى يُفَارق جَمِيع الْخيام المجتمعة فِي الْعَادة
وَذكر بعض أَصْحَابنَا أَنه يعْتَبر أَن يُفَارق بيُوت عشيرته وكل مَوضِع هُوَ من مرافقهم مثل مطرح الرماد ومجتمع الْبَهَائِم ومتحدث النادي وَهَذَا فِيهِ نظر
إِذا خرج من بَلَده يَنْوِي الْمقَام فِي بلد آخر عينه فحين قرب مِنْهُ بدا لَهُ من الْمقَام فِيهِ وَنوى الاجتياز مِنْهُ إِلَى بلد آخر فَإِنَّهُ يجوز لَهُ قصر

(2/195)


الصَّلَاة فَإِن رَجَعَ إِلَى بَلَده يُرِيد الاجتياز بِهِ إِلَى بلد آخر لم يجز لَهُ الْقصر مَا دَامَ فِيهِ كَذَا ذكر فِي الْحَاوِي وَفِيه نظر
وَيَنْوِي الْقصر فِي الْإِحْرَام فَإِن لم ينْو الْقصر أَو نوى الْإِتْمَام لم يجز لَهُ الْقصر
وَقَالَ الْمُزنِيّ رَحمَه الله إِذا أطلق النِّيَّة جَازَ لَهُ الْقصر
وَقَالَ المغربي يجوز لَهُ الْقصر وَإِن نوى الْإِتْمَام
فَإِن شرع فِي الصَّلَاة بنية الْقصر فَسَهَا فَصلاهَا أَرْبعا أَجزَأَهُ وَسجد للسَّهْو وَلَو تعمد ذَلِك لم يسْجد
وَحكى ابْن الْمُنْذر عَن الْحسن مثل ذَلِك
وَقَالَ بعض اصحاب مَالك لَا تُجزئه هَذِه الصَّلَاة
فَإِن ائتم بمقيم فِي جُزْء من صلَاته لزمَه الْإِتْمَام وَهُوَ قَول أبي حنيفَة وَأحمد وَدَاوُد
وَقَالَ إِسْحَاق بن رَاهَوَيْه يجوز للْمُسَافِر الْقصر خلف الْمُقِيم
وَقَالَ مَالك إِن أدْرك من صَلَاة الْمُقِيم قدر رَكْعَة لزمَه الْإِتْمَام وَإِن كَانَ دون ذَلِك لم يلْزمه فَإِن ائتم مقيمون بمسافر يُصَلِّي صَلَاة الْجُمُعَة بهم فَأَتمَّ بِهِ مُسَافر يَنْوِي الظّهْر قصرا لزمَه الْإِتْمَام لِأَن صَلَاة الْجُمُعَة صَلَاة مُقيم
وَحكي فِيهِ وَجه آخر أَنه يقصر وَلَيْسَ بِشَيْء

(2/196)


وَقيل إِن هَذَا يبتنى على أَن الْجُمُعَة ظهر مَقْصُورَة فَإِن قُلْنَا إِنَّهَا ظهر مَقْصُورَة جَازَ لَهُ الْقصر وَإِلَّا لم يجز
فَإِن أحرم يَنْوِي الْقصر ثمَّ نوى الْإِتْمَام أم الْإِقَامَة أتم وَمن خَلفه
وَقَالَ مَالك لَا يجوز لَهُ أَن يَنْوِي الْإِتْمَام وَلَا يلْزم الْمَأْمُومين الْإِتْمَام وَإِن لزم الإِمَام بنية الْإِقَامَة وَالْأول عِنْده إِذا نوى الْإِقَامَة وَقد صلى رَكْعَة أَن يَجْعَلهَا نَافِلَة ويستأنف صَلَاة مُقيم
فَإِن سَافر وَكَانَ ملاحا فِي سفينة فِيهَا أَهله وَمَاله فَلهُ أَن يقصر نَص عَلَيْهِ الشَّافِعِي رَحمَه الله
وَقَالَ أَحْمد لَا يقصر
ذكر ابْن الْقَاص أَنه إِذا ائتم مُسَافر بمسافر وَنوى الْقصر فَذكر الإِمَام فِي أثْنَاء الصَّلَاة أَنه كَانَ قد نوى الْإِتْمَام وَكَانَ مُحدثا جَازَ للْمَأْمُوم الْقصر
وَمن أَصْحَابنَا من قَالَ تبنى على صَلَاة الْمَأْمُوم خلف الْمُحدث هَل هِيَ صَلَاة انْفِرَاد أَو صَلَاة جمَاعَة فَإِن قُلْنَا صَلَاة جمَاعَة لزمَه الْإِتْمَام وَلَيْسَ بِشَيْء
فَإِن ائتم مُسَافر بمسافر وَلم يعلم حَاله هَل نوى الْقصر أم لَا فَنوى الْقصر خَلفه جَازَ
وَمن اصحابنا من قَالَ يعلق نِيَّته على نِيَّة الإِمَام
فَإِن أفسد الإِمَام صلَاته وَانْصَرف وَلم يعلم حَاله لزمَه الْإِتْمَام على الْمَنْصُوص وَهُوَ قَول أبي إِسْحَاق الْمروزِي

(2/197)


وَمن اصحابنا من قَالَ يجوز لَهُ الْقصر وَالْأول أظهر
وَقَالَ ابو حنيفَة يلْزمه الْقصر
قَالَ الشَّافِعِي رَحمَه الله فَإِن صلى مُسَافر بمقيمين فرعف واستخلف مُقيما أتم الراعف
فَمن اصحابنا من قَالَ هَذَا على القَوْل الَّذِي يَقُول إِن صَلَاة الراعف لَا تبطل فَيكون فِي حكم الْمُؤْتَم بالمقيم
وَمن اصحابنا من قَالَ يلْزمه على القَوْل الْجَدِيد أَيْضا وَلَيْسَ بِشَيْء وعَلى قَول أَكثر أَصْحَابنَا المُرَاد بِهِ إِذا غسل الدَّم وَعَاد وَاتبع الْمُقِيم وَفِي كَلَام الشَّافِعِي رَحمَه الله مَا يدل عَلَيْهِ
وَحكي عَن أبي حنيفَة انه قَالَ لَا يجب على الْمُسَافِرين الْإِتْمَام
فَإِن ائتم مقيمون ومسافرون بمسافر نوى الْقصر فَسلم الإِمَام وَقَامَ المقيمون لإتمام صلَاتهم فَأَرَادَ أَن يسْتَخْلف مِنْهُم مُقيما يُصَلِّي بهم بَقِيَّة صلَاتهم يَبْنِي على الْقَوْلَيْنِ فِي جَوَاز الِاسْتِخْلَاف إِذا احدث الإِمَام فعلى قَوْله الْقَدِيم لَا يجوز وعَلى قَوْله الْجَدِيد يجوز وَسَيَأْتِي ذكره فِي الْجُمُعَة فَإِن قُلْنَا فها هُنَا وَجْهَان وَلَا يكره لمن يقصر النَّفْل
وَحكي عَن بعض النَّاس انه قَالَ يكره

(2/198)


إِذا أحرم الإِمَام بِالصَّلَاةِ فِي سفينة فِي الْحَضَر فسارت السَّفِينَة لزمَه الْإِتْمَام
ذكر فِي الْحَاوِي إِن هَذَا مَذْهَب كَافَّة الْفُقَهَاء إِلَّا مَا يحْكى شاذا مِنْهُم أَنه يجوز الْقصر وَهُوَ خطأ
إِذا نوى الْمُسَافِر إِقَامَة اربعة ايام غير يَوْم الدُّخُول وَيَوْم الْخُرُوج صَار مُقيما وَبِه قَالَ مَالك
وَقَالَ ابو حنيفَة إِذا نوى إِقَامَة خَمْسَة عشر يَوْمًا صَار مُقيما مَعَ يَوْم الدُّخُول وَيَوْم الْخُرُوج
وَإِن نوى أقل من ذَلِك لم يصر مُقيما وَبِه قَالَ الثَّوْريّ وَاخْتَارَهُ الْمُزنِيّ رَحمَه الله
وَرُوِيَ عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا أَنه إِن نوى إِقَامَة تِسْعَة عشر يَوْمًا لم يقصر وَإِن كَانَ أقل يقصر وَبِه قَالَ إِسْحَاق
وَقَالَ اللَّيْث بن سعد إِن نوى مقَام أَكثر من خَمْسَة عشر يَوْمًا أتم وَقَالَ الْحسن بن صَالح إِن نوى إِقَامَة عشرَة ايام أتم وَفِيمَا دونهَا يقصر

(2/199)


وَعَن الْأَوْزَاعِيّ أَنه قَالَ إِن نوى مقَام اثْنَي عشر يَوْمًا أتم
وَعَن أَحْمد أَنه إِن نوى إِقَامَة مُدَّة يفعل فِيهَا أَكثر من عشْرين صَلَاة أتم وَهَذَا قريب من مَذْهَبنَا
إِذا سَافر إِلَى بلد يقصر فِيهِ الصَّلَاة فَمر فِي طَرِيقه بِبَلَد لَهُ فِيهِ مَال وَأهل فَنزل فِيهِ لم يلْزمه الْإِتْمَام
وَحكي فِيهِ قَول آخر أَنه لَا يجوز لَهُ الْقصر وَلَيْسَ بِشَيْء
فَأَما إِذا نوى الْإِقَامَة على حَرْب أَرْبَعَة ايام فَفِيهِ قَولَانِ
أَحدهمَا أَنه يقصر وتلغو نِيَّته
وَالثَّانِي أَنه يتم
ذكر بعض اصحابنا أَن نَظِير هَذِه الْمَسْأَلَة إِذا نوى إِقَامَة اربعة ايام فِي مَوضِع لَا يصلح للإقامة من جبل أَو بَريَّة فَهَل تَنْقَطِع الرُّخْصَة فِيهِ قَولَانِ وَهَذَا نَظِير بعيد لِأَن الْمُقِيم على الْحَرْب مُقيم بحكمها لَا بِاخْتِيَارِهِ والمقيم فِي الْموضع الَّذِي لَا يصلح للإقامة مُقيم بِاخْتِيَارِهِ

(2/200)


فَأَما إِذا نوى الْإِقَامَة لغير حَرْب من بيع مَتَاع واجتماع رفْقَة وَنوى إِقَامَة أَرْبَعَة ايام لم يقصر
وَإِن نوى أَنه مَتى انتجزت حَاجته سَار وَلم ينْو مُدَّة فَإِنَّهُ يتَحَصَّل فِيهِ ثَلَاثَة أَقْوَال
أَحدهمَا أَنه يقصر إِلَى أَرْبَعَة ايام
وَالثَّانِي أَنه يقصر ثَمَانِيَة عشر يَوْمًا
وَالثَّالِث أَنه يقصر أبدا وَهُوَ قَول أبي حنيفَة فَأَما الْمُقِيم على حَرْب إِذا انتجزت صَار يقصر إِلَى ثَمَانِيَة عشر يَوْمًا وَفِيمَا زَاد على قَوْلَيْنِ