حلية العلماء في معرفة مذاهب الفقهاء

فصل إِذا فَاتَتْهُ صَلَاة فِي الْحَضَر
فقضاها فِي السّفر قَضَاهَا تَامَّة قَالَ ابْن الْمُنْذر لَا أعرف فِيهِ خلافًا إِلَّا شَيْئا يحْكى عَن الْحسن الْبَصْرِيّ
وروى الْأَشْعَث ان الِاعْتِبَار بِحَال الْفِعْل فيقصر

(2/201)


وروى يُونُس أَن الِاعْتِبَار بِحَال الْوُجُوب فِيهِ فَيتم
وَحكى عَن الْمُزنِيّ فِي مسَائِله الْمُعْتَبرَة أَنه يقصر
وَإِن فَاتَتْهُ صَلَاة فِي السّفر فقضاها فِي الْحَضَر فَفِيهِ قَولَانِ
أَحدهمَا أَنه يقصرها وَهُوَ قَول ابي حنيفَة وَمَالك
وَالثَّانِي لَا يقصر وَهُوَ الْأَصَح وَبِه قَالَ أَحْمد وَدَاوُد وَاخْتَارَهُ الْمُزنِيّ
وَإِن فَاتَتْهُ صَلَاة فِي السّفر فقضاها فِي السّفر فَفِيهِ قَولَانِ
أظهرهمَا أَنه يقصرها وَلَا فرق بَين أَن يتَحَلَّل بَين الْقَضَاء وَالْأَدَاء حضرا وَبَين أَن لَا يتحللها حضرا
وَحكي عَن بعض اصحابنا أَنه إِذا تحللها حضرا لم يجز الْقصر وَالْمذهب الأول
وَعَن اصحابنا من حكى فِي ذَلِك ثَلَاثَة أَقْوَال
أَحدهَا أَنه يقصر بِكُل حَال
وَالثَّانِي لَا يقصر بِحَال

(2/202)


وَالثَّالِث يقصر إِذا قضى فِي السّفر وَلَا يقصر إِذا قضى فِي الْحَضَر
قَالَ الشَّيْخ الإِمَام وَعِنْدِي لَو بنى الْقَضَاء فِي الْحَضَر على الْقَوْلَيْنِ فِي الْقَضَاء فِي السّفر كَانَ حسنا فَيُقَال
إِذا قُلْنَا لَا يقصر إِذا قضى فِي السّفر فَإِذا قضى فِي الْحَضَر أولى
وَإِن قُلْنَا يقصر إِذا قضى فِي السّفر فَفِي الْحَضَر قَولَانِ
فَإِن دخل عَلَيْهِ وَقت الصَّلَاة فِي الْحَضَر ثمَّ سَافر جَازَ لَهُ الْقصر
وَقَالَ الْمُزنِيّ رَحمَه الله لَا يجوز لَهُ الْقصر إِذا كَانَ قد تمكن من الْأَدَاء فِي الْحَضَر وَهُوَ قَول أبي الْعَبَّاس
ذكر فِي الْحَاوِي أَنه إِذا سَافر وَقد مضى من أول الْوَقْت قدر رَكْعَة جَازَ لَهُ الْقصر إِلَّا على قَول أبي يحيى الْبَلْخِي فَإِن الْفَرْض عِنْده يسْتَقرّ بِقدر رَكْعَة من أول الْوَقْت فَلَا يجوز لَهُ الْقصر وَيَنْبَغِي أَن يكون هَذَا على قَوْله إِذا كَانَ يُوَافق الْمُزنِيّ فِي السّفر بعد الْإِمْكَان فِي الْمَنْع من الْقصر فَإِن سَافر بَعْدَمَا ضَاقَ وَقت الصَّلَاة جَازَ لَهُ الْقصر
وَقَالَ ابو الطّيب بن سَلمَة لَا يجوز
فَإِن كَانَ بَقِي من الْوَقْت قدر رَكْعَة ثمَّ سَافر فَهَل يجوز لَهُ الْقصر فَإِنَّهُ يَبْنِي على أَنه يكون مُؤديا لما فعله خَارج الْوَقْت وَفِيه وَجْهَان
فَإِن قُلْنَا بِظَاهِر الْمَذْهَب أَنه يكون مُؤديا لجميعها جَازَ لَهُ الْقصر
وَإِن قُلْنَا بقول أبي إِسْحَاق لم يقصر
وَحكى فِي الْحَاوِي فِي ذَلِك قَوْلَيْنِ

(2/203)


أَحدهمَا وَهُوَ الْمَنْصُوص عَلَيْهِ فِي عَامَّة كتبه أَنه لَا يقصر
وَالثَّانِي نَص عَلَيْهِ فِي الْإِمْلَاء أَنه يقصر
فَإِن قدم الْبَلَد وَقد بَقِي من الْوَقْت قدر لَا يَتَّسِع لفعل رَكْعَة فَهَل يثبت لَهُ حكم المقيمين أم لَا فَإِنَّهُ يَبْنِي على أَن إِدْرَاك هَذَا الْقدر من الْوَقْت هَل يتَعَلَّق بِهِ الْوُجُوب أم لَا فِيهِ قَولَانِ وَهَذَا تَخْرِيج بعيد لِأَن إِدْرَاك حكم المقيمين يَكْفِي فِيهِ إِدْرَاك جُزْء من الْوَقْت
فصل يجوز الْجمع بَين الظّهْر وَالْعصر وَالْمغْرب وَالْعشَاء
بِقدر السّفر وَبِه قَالَ مَالك وَأحمد وَأَبُو ثَوْر وَقَالَ ابو حنيفَة وَالنَّخَعِيّ لَا يجوز الْجمع بَين الصَّلَاتَيْنِ بِقدر السّفر بِحَال وَاخْتَارَهُ الْمُزنِيّ
وَفِي الْجمع فِي السّفر الْقصير قَولَانِ
اظهرهما أَنه لَا يجوز

(2/204)


وَالثَّانِي يجوز وَهُوَ قَول مَالك
فَإِذا أَرَادَ الْجمع بَينهمَا فِي وَقت الأولى فَلَا بُد من نِيَّة الْجمع
وَقَالَ الْمُزنِيّ رَحمَه الله لَا يحْتَاج إِلَى نِيَّة الْجمع وَإِنَّمَا يعْتَبر قرب الْفَصْل بَينهمَا
وَفِي وَقت نِيَّة الْجمع قَولَانِ
أَحدهمَا تعْتَبر النِّيَّة مَعَ الْإِحْرَام بِالْأولَى
وَالثَّانِي تعْتَبر قبل الْفَرَاغ من الأولى وَيعْتَبر أَن يقدم الأولى على الثَّانِيَة ويوالي بَينهمَا فَإِن فصل بَينهمَا بتنفل لم يَصح الْجمع
وَقَالَ ابو سعيد الْإِصْطَخْرِي لَا يمْنَع ذَلِك صِحَة الْجمع
فَإِن دخل بلد الْإِقَامَة بعد الْفَرَاغ من الثَّانِيَة وَقبل دُخُول وَقتهَا فَهَل تُجزئه فِيهِ وَجْهَان
أَحدهمَا يُجزئهُ ذكره القَاضِي حُسَيْن رَحمَه الله

(2/205)


وَذكر الشَّيْخ ابونصر رَحمَه الله نَص الشَّافِعِي رَحمَه الله فِي الْمَطَر على مَا يُخَالف ذَلِك فَإِن نوى الْإِقَامَة بعد الشُّرُوع فِي الثَّانِيَة لم يجزه عَن الْفَرْض وَهل تبطل أَو تصير نفلا على قَوْلَيْنِ ذكره القَاضِي حُسَيْن رَحمَه الله
وَيجوز الْجمع بَين الصَّلَاتَيْنِ بِعُذْر الْمَطَر فِي وَقت الأولى مِنْهُمَا
وَقَالَ ابو حنيفَة واصحابه لَا يجوز ذَلِك وَاخْتَارَهُ الْمُزنِيّ رَحمَه الله
وَقَالَ مَالك وَأحمد يجوز الْجمع بَين الْمغرب وَالْعشَاء بِعُذْر الْمَطَر وَلَا يجوز بَين الظّهْر وَالْعصر
وَهل يجوز الْجمع بَين الصَّلَاتَيْنِ فِي وَقت الثَّانِيَة مِنْهُمَا بِعُذْر الْمَطَر فِيهِ قَولَانِ
احدهما يجوز وَهُوَ قَول أَحْمد فَأَما الْوَصْل من غير مطر فَلَا يجوز الْجمع بِهِ
وَقَالَ مَالك وَأحمد يجوز الْجمع بِهِ فَإِن كَانَ فِي مَسْجِد لَيْسَ فِي

(2/206)


طَرِيقه إِلَيْهِ مطر فَفِي جَوَاز الْجمع قَولَانِ
وَلَا يجوز الْجمع لمَرض وَلَا خوف
وَقَالَ أَحْمد يجوز الْجمع للمرض وَالْخَوْف
وَحكى ابْن لمنذر عَن ابْن سِيرِين أَنه قَالَ يجوز الْجمع من غير مرض وَلَا خوف وَاخْتَارَهُ ابْن الْمُنْذر

(2/207)


- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بَاب صَلَاة الْخَوْف
صَلَاة الْخَوْف ثَابِتَة
وَقَالَ الْمُزنِيّ رَحمَه الله هِيَ مَنْسُوخَة
وَقَالَ ابو يُوسُف كَانَت مُخْتَصَّة برَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلَا يُؤثر الْخَوْف فِي عدد رَكْعَات الصَّلَاة
وَحكي عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا أَنه قَالَ صَلَاة الْخَوْف رَكْعَة لكل طَائِفَة وَللْإِمَام رَكْعَتَانِ وَبِه قَالَ الْحسن الْبَصْرِيّ وطاووس
وَلَا تجوز صَلَاة الْخَوْف فِي الْقِتَال الْمَحْظُور
وَقَالَ ابو حنيفَة تجوز

(2/208)


فَإِن كَانَ الْعَدو فِي غير جِهَة الْقبْلَة وَلم يُؤمنُوا وَفِي الْمُسلمين كَثْرَة فَإِن الإِمَام يفرق النَّاس فرْقَتَيْن
فرقة تقف فِي وَجه الْعَدو
وَفرْقَة تصلي مَعَه
فَإِن كَانَت الصَّلَاة رَكْعَتَيْنِ صلى بالطائفة الأولى رَكْعَة وَثَبت قَائِما فِي الثَّانِيَة وأتمت الطَّائِفَة الأولى لنَفسهَا وسلمت وَمَضَت إِلَى وَجه الْعَدو وَأَتَتْ الطَّائِفَة الثَّانِيَة فأحرمت خلف الإِمَام فَيصَلي بهَا الرَّكْعَة الثَّانِيَة
وَهل يقْرَأ الإِمَام فِي حَال انْتِظَار فرَاغ الأولى ومجيء الثَّانِيَة فِيهِ طَرِيقَانِ
أَحدهمَا أَنه على قَوْلَيْنِ
أظهرهمَا أَنه يقْرَأ
وَالطَّرِيق الثَّانِي أَنه إِن أَرَادَ تَطْوِيل الْقِرَاءَة قَرَأَ وَإِن أَرَادَ أَن يقْرَأ سُورَة قَصِيرَة لم يقْرَأ حَتَّى تاتي الطَّائِفَة الثَّانِيَة فَيقْرَأ مَعهَا فَإِذا أَحرمت الطَّائِفَة الثَّانِيَة خَلفه قَرَأَ بهَا وَركع وَسجد وَقعد للتَّشَهُّد وتنهض الطَّائِفَة الثَّانِيَة إِلَى الرَّكْعَة الثَّانِيَة من السُّجُود وَلَا تجْلِس مَعَه فِي أظهر الْقَوْلَيْنِ
وَفِي القَوْل الثَّانِي تجْلِس مَعَه ثمَّ تقوم قبل السَّلَام وَيقف الإِمَام ينتظرها حَتَّى تتمّ الرَّكْعَة الثَّانِيَة وتجلس مَعَه ويتشهد وَيسلم بهَا

(2/209)


فتفارقه هَذِه الطَّائِفَة فعلا لَا حكما حَتَّى يلْحقهَا حكم سَهْوه ويتحمل سهوها والطائفة الأولى تفارق الإِمَام فعلا وَحكما
وَقَالَ مَالك تتشهد مَعَ الإِمَام وَيسلم الإِمَام فَإِذا سلم قَامَت وأتمت لأنفسها
وَهل يتَشَهَّد الإِمَام فِي حَال انْتِظَاره لَهَا فِيهِ طَرِيقَانِ
أَحدهمَا أَنه على الْقَوْلَيْنِ كالقراءة
وَالثَّانِي أَنه يتَشَهَّد قولا وَاحِدًا
وَمن اصحابنا من قَالَ حَيْثُ قَالَ يتَشَهَّد أَرَادَ بِهِ إِذا كَانَت الصَّلَاة صَلَاة حضر ارْبَعْ رَكْعَات فَإِنَّهُ يتَشَهَّد بهم لِأَنَّهُ مَحل تشهدهم فيفارقونه بعده
وَحَيْثُ قَالَ يقومُونَ قبل التَّشَهُّد إِذا كَانَت الصَّلَاة رَكْعَتَيْنِ وَنَحْو قَوْلنَا
قَالَ أَحْمد وَدَاوُد وَهَذِه صفة صَلَاة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِذَات الرّقاع
وَقَالَ ابو حنيفَة يُصَلِّي الإِمَام بالطائفة الأولى رَكْعَة وتمضي إِلَى وَجه الْعَدو وَهِي فِي الصَّلَاة وَتَأْتِي الطَّائِفَة الثَّانِيَة فَتحرم خلف الإِمَام وَيُصلي بِهِ الرَّكْعَة الثَّانِيَة وَيسلم وَترجع الطَّائِفَة إِلَى وَجه الْعَدو وَهِي فِي الصَّلَاة وَتَأْتِي الطَّائِفَة الأولى من وَجه الْعَدو إِلَى مَوضِع الصَّلَاة مَعَ الإِمَام فَتُصَلِّي رَكْعَة لنَفسهَا مُنْفَرِدَة وتسلم وَترجع إِلَى وَجه الْعَدو وَتَأْتِي الطَّائِفَة الْأُخْرَى إِلَى ذَلِك الْمَكَان فتمم صلَاتهَا تقْرَأ فِيهَا والطائفة الأولى لَا تقْرَأ فِي الرَّكْعَة الثَّانِيَة شَيْئا

(2/210)


فَإِن سَهَا الإِمَام فِي الرَّكْعَة الأولى لحق حكم سَهْوه الطَّائِفَتَيْنِ فَإِذا أتمت الطَّائِفَة الأولى صلَاتهَا سجدت للسَّهْو
قَالَ الشَّافِعِي رَحمَه الله وَيُشِير إِلَيْهِم بِمَا يفهمون أَنه سَهَا
وَقَالَ فِي الْإِمْلَاء إِن كَانَ سَهوا ظَاهرا كالقيام فِي مَوضِع الْقعُود لم يشر وَإِن كَانَ خفِيا بِأَن يقْرَأ فِي حَال رُكُوعه اشار وَاخْتَارَ أَبُو إِسْحَاق الْمروزِي هَذَا
وَغَيره قَالَ لَا فرق بَين الظَّاهِر والخفي فِي الْإِشَارَة وَالْأول أظهر
وَإِن سَهَا الإِمَام فِي الرَّكْعَة الثَّانِيَة لحق الطَّائِفَة الثَّانِيَة حكم سَهْوه فَإِذا جلس الإِمَام للتَّشَهُّد فارقته فعلا وانتظرها فَإِذا سجد للسَّهْو سجدت مَعَه فِي أصح الْقَوْلَيْنِ
فَأَما إِذا قُلْنَا إِنَّهَا تُفَارِقهُ بعد التَّشَهُّد فَإِنَّهَا تسْجد مَعَه للسَّهْو ثمَّ تُفَارِقهُ فعلا وَيكون كالمسبوق على مَا تقدم
فَإِن صلى بهم الإِمَام فِي الْخَوْف صَلَاة ابي حنيفَة صحت صلَاتهم
وَفِيه قَول آخر إِنَّهَا لَا تصح
فَإِن فرغت الطَّائِفَة الثَّانِيَة وَجَلَست مَعَ الإِمَام للتَّشَهُّد وَكَانَ الإِمَام قد تشهد قبل إِدْرَاكهَا لَهُ فَسجدَ للسَّهْو فَهَل تتبعه فِي السُّجُود فِيهِ وَجْهَان
أَحدهمَا أَنَّهَا تسْجد مَعَه

(2/211)


وَالثَّانِي أَنَّهَا تتشهد ثمَّ تسْجد بَعْدَمَا يسلم
فَإِذا قُلْنَا إِنَّهَا تسْجد مَعَه فَهَل تعيد السُّجُود إِذا تشهدت على مَا ذَكرْنَاهُ من الْقَوْلَيْنِ
وَالأَصَح أَن تتبعه فِي السُّجُود
فَإِن أَرَادَ أَن يُصَلِّي الْمغرب فِي حَال الْخَوْف صلى بطَائفَة رَكْعَة وبطائفة رَكْعَتَيْنِ وَفِي الْأَفْضَل قَولَانِ
أصَحهمَا أَنه يُصَلِّي بالطائفة الأولى رَكْعَتَيْنِ وبالثانية رَكْعَة وَبِه قَالَ مَالك
فعلى هَذَا تُفَارِقهُ الطَّائِفَة الأولى بعد فَرَاغه من التَّشَهُّد
قَالَ الشَّافِعِي رَحمَه الله فِي انْتِظَار الإِمَام إِن انتظرهم قَائِما فَحسن وَإِن انتظرهم جَالِسا للتَّشَهُّد فَجَائِز
فَمن اصحابنا من جعل فِي الْأَفْضَل قَوْلَيْنِ وَالْأول أصح

(2/212)


وَتجوز صَلَاة الْخَوْف فِي الْحَضَر فَيصَلي بطَائفَة رَكْعَتَيْنِ وبالأخرى رَكْعَتَيْنِ والانتظار على مَا بَينا
وَحكي عَن مَالك أَنه لَا يجوز أَن يُصَلِّي فِي الْحَضَر صَلَاة الْخَوْف وَذكر اصحابه جَوَاز ذَلِك
وَإِن فرقهم الإِمَام أَربع فرق فصلى بِكُل فرقة رَكْعَة وانتظرها حَتَّى أتمت لنَفسهَا ثَلَاث رَكْعَات وَمَضَت إِلَى وَجه الْعَدو وَجَاءَت الطَّائِفَة الْأُخْرَى وَفعل فِي حق كل طَائِفَة مثل ذَلِك فقد زَاد انتظارين على الِانْتِظَار الْمَشْرُوع لَهُ فَهَل تبطل بذلك صلَاته فِيهِ قَولَانِ
أصَحهمَا أَنَّهَا لَا تبطل فعلى هَذَا تصح صَلَاة الطَّائِفَة الرَّابِعَة وَقد فَارق الْبَاقُونَ الإِمَام من غير عذر فَيكون صلَاتهم على الْقَوْلَيْنِ فِي ذَلِك
وَإِن قُلْنَا إِن صَلَاة الإِمَام تبطل فَفِي وَقت بُطْلَانهَا وَجْهَان
وَالْمذهب انها تبطل بالانتظار الثَّانِي وَهُوَ انْتِظَاره لمجيء الطَّائِفَة الثَّالِثَة فعلى هَذَا تبطل صَلَاة الطَّائِفَة الثَّالِثَة وَالرَّابِعَة
وَالْوَجْه الثَّانِي أَنَّهَا تبطل بالانتظار الثَّالِث وَهُوَ انْتِظَاره لفراغ الثَّالِثَة فعلى هَذَا تبطل صَلَاة الطَّائِفَة الرَّابِعَة دون غَيرهَا
وَإِنَّمَا تبطل صَلَاة الْمَأْمُوم إِذا علم بِحَال الإِمَام وبماذا يعْتَبر علمه فِيهِ وَجْهَان

(2/213)


أَحدهمَا يعْتَبر علمه بتفريق الإِمَام النَّاس أَربع فرق
وَالثَّانِي يعْتَبر أَن يعلمُوا أَن ذَلِك مُبْطل لصلاتهم لعسفان فَأَما صَلَاة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعسفان
فشرطها أَن يكون الْعَدو فِي جِهَة الْقبْلَة وَفِي الْمُسلمين كَثْرَة وهم على مستوى من الأَرْض فَيجْعَل الإِمَام النَّاس صفّين وَيحرم بهم جَمِيعًا وَيقْرَأ ويركع بهم جَمِيعًا وَيرْفَع وَيسْجد وَيسْجد الصَّفّ الَّذِي يَلِيهِ مَعَه وَيقف الصَّفّ الثَّانِي يَحْرُسُونَهُمْ فَإِذا رفعوا رؤوسهم من السُّجُود قَامُوا وَسجد الصَّفّ الَّذين حرسوا وَقَامُوا فَيقْرَأ بهم جَمِيعًا ويركع وَيرْفَع بهم جَمِيعًا ثمَّ يسْجد وَيسْجد مَعَه الَّذين حرسوا

(2/214)


فِي الأولى وَيقف الَّذين سجدوا فَإِذا سجدوا وَرفعُوا سجدوا وَرفعُوا ويتشهد بهم جَمِيعًا وَيسلم بهم
وَذكر أَصْحَابنَا أَنه يحرسهم الصَّفّ الَّذِي يَلِيهِ وَيسْجد الصَّفّ الآخر كي يسترونهم عَن الْكفَّار والجميع جَائِز وَهَذَا أحوط
فَإِن حرستهم طَائِفَة وَاحِدَة فِي الرَّكْعَتَيْنِ فَفِي صِحَة صلَاتهَا وَجْهَان بِنَاء على الْقَوْلَيْنِ فِيهِ إِذا فرقهم أَربع فرق
فَإِن صلى بهم صَلَاة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِذَات الرّقاع فِي الْأَمْن فَصَلَاة الإِمَام صَحِيحَة
قَالَ القَاضِي ابو الطّيب رَحمَه الله يَنْبَغِي أَن يَنْبَنِي ذَلِك على الْقَوْلَيْنِ فِيهِ إِذا فرقهم أَربع فرق فِي حَال الْخَوْف فالطائفة الأولى فَارَقت الإِمَام من غير عذر فَفِي بطلَان صلَاتهَا قَولَانِ وَصَلَاة الطَّائِفَة الثَّانِيَة بَاطِلَة
وَقَالَ ابو الْعَبَّاس وابو عَليّ بن خيران فيهمَا قَولَانِ
وَإِن صلى فِي الْأَمْن صَلَاة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعسفان فَصَلَاة الإِمَام وَمن تبعه وَمن تبعه فِي السُّجُود صَحِيحَة وَمن تَأَخّر عَنهُ فِي السُّجُود قد سبق الإِمَام بسجدتين وجلسة
وَمن اصحابنا من قَالَ تبطل صلَاتهم
وَقَالَ ابو إِسْحَاق السجدتان بِمَنْزِلَة الرُّكْن الْوَاحِد والجلسة للفصل

(2/215)


وَذكر الشَّافِعِي رَحمَه الله إِذا أَرَادَ أَن يُصَلِّي بهم الْجُمُعَة فِي حَال الْخَوْف فصلى بطَائفَة رَكْعَة وفارقته وَجَاءَت الطَّائِفَة الثَّانِيَة فصلى بهم الرَّكْعَة الثَّانِيَة صحت الصَّلَاة
وَإِن كَانَ قد صَار مُنْفَردا فِي الرَّكْعَة الثَّانِيَة لمفارقة الإِمَام وَفِي انْتِظَاره مَجِيء الثَّانِيَة
فَمن أَصْحَابنَا من قَالَ ذَلِك جَائِز على أحد الْقَوْلَيْنِ فِي الانفضاض عَن الإِمَام فَإِنَّهُ يُتمهَا جُمُعَة مُنْفَردا
وَمِنْهُم من قَالَ تصح هَا هُنَا قولا وَاحِدًا لأَنهم معذورون فِي مُفَارقَة الإِمَام وَيحْتَاج أَن تكون كل وَاحِدَة من الطَّائِفَتَيْنِ أَرْبَعِينَ فَإِن كَانَت الطَّائِفَة الأولى أَرْبَعِينَ وَالثَّانيَِة أقل
فقد ذكر الشَّيْخ ابو حَامِد أَنه لَا نَص فِي ذَلِك فَتَصِح
وَمن اصحابنا من قَالَ فِيهِ قَولَانِ
ذكر فِي الْحَاوِي فِي تفريقهم أَربع فرق وَجْهَيْن
أَحدهمَا أَنهم معذورون فِي مُفَارقَة الإِمَام
وَالثَّانِي أَنهم غير معذورين فَإِن قُلْنَا إِنَّهُم معذورون لم تبطل صلَاتهم قولا وَاحِدًا
وَإِذا قُلْنَا إِن صَلَاة الإِمَام صَحِيحَة فَهَل تتبعه الطَّائِفَة الثَّانِيَة فِي التَّشَهُّد
فِيهِ وَجْهَان
أَحدهمَا أَنَّهَا لَا تتبعه وَهُوَ الْأَظْهر

(2/216)


هَل يجب حمل السِّلَاح فِي الصَّلَاة فِيهِ طَرِيقَانِ
أَحدهمَا أَنه على قَوْلَيْنِ وَهُوَ الْأَصَح
احدهما يجب وَهُوَ قَول دَاوُد وَالثَّانِي أَنه يسْتَحبّ وَهُوَ قَول ابي حنيفَة
وَمِنْهُم من قَالَ إِن كَانَ السِّلَاح بِمَا يدْفع عَن نَفسه كالسكين وَالسيف وَجب عَلَيْهِ حمله وَإِن كَانَ مِمَّا يدْفع بِهِ عَن نَفسه وَعَن غَيره كالرمح لم يجب
فَأَما حَال الْمُسَابقَة والتحام الْقِتَال فَإِنَّهُم يصلونَ كَيفَ مَا أمكنهم رجَالًا وركبانا مستقبلي الْقبْلَة وَغير مستقبليها قعُودا على دوابهم وقياما على الأَرْض يومئون إِلَى الرُّكُوع وَالسُّجُود برؤوسهم وَيكون فِي السُّجُود أَخفض من الرُّكُوع
وَقَالَ أَبُو حنيفَة لَا يصلونَ فِي حَال الْمُسَابقَة وَلَا مَعَ الْمَشْي ويؤخرون الصَّلَاة إِلَى أَن يقدروا
فَإِن افْتتح الصَّلَاة رَاكِبًا فِي شدَّة الْخَوْف ثمَّ أَمن نزل وَلم يستدبر الْقبْلَة وَبنى على صلَاته

(2/217)


وَإِن افْتتح الصَّلَاة نَازل فخاف فَركب للصَّلَاة اسْتَأْنف الصَّلَاة
وَقَالَ فِي مَوضِع آخر يَبْنِي على صلَاته
فَقَالَ أَبُو إِسْحَاق إِن فعل ذَلِك اخْتِيَارا فِي طلب مُشْرك بطلت صلَاته وَإِن ركب لضَرُورَة بنى على صلَاته
وَمن اصحابنا من جعل ذَلِك على قَوْلَيْنِ
فَإِن رَأَوْا سوادا فظنوهم عدوا فصلوا صَلَاة شدَّة الْخَوْف يومئون إِيمَاء فَبَان انهم لم يَكُونُوا عدوا فقد نَص الشَّافِعِي رَحمَه الله فِي الْأُم على وجوب الْإِعَادَة
وَقَالَ فِي الْإِمْلَاء إِن كَانُوا قد صلوا بِخَبَر ثِقَة فَلَا إِعَادَة عَلَيْهِم فَمن أَصْحَابنَا من قَالَ إِن كَانُوا قد صلوا بِخَبَر ثِقَة فَفِي الْإِعَادَة قَولَانِ وَإِن صلوا بظنهم وَجَبت الْإِعَادَة قولا وَاحِدًا
وَمِنْهُم من قَالَ فِي الْجَمِيع قَولَانِ
أَحدهمَا لَا تجب الْإِعَادَة وَهُوَ اخْتِيَار أبي إِسْحَاق الْمروزِي
وَالثَّانِي تجب الْإِعَادَة وَهُوَ قَول أبي حنيفَة وَاخْتِيَار الْمُزنِيّ
ذكر القَاضِي حُسَيْن أَن نَظِير هَذِه الْمَسْأَلَة الْخُنْثَى إِذا مس رجلا وَصلى ثمَّ بَان أَنه امْرَأَة فِي وجوب الْإِعَادَة قَولَانِ

(2/218)


قَالَ الشَّيْخ الإِمَام أيده الله وَهَذَا لَيْسَ بنظير صَحِيح وَهَا هُنَا تجب الْإِعَادَة قولا وَاحِدًا كَمَا لَو شكّ فِي الْحَدث بعد الطَّهَارَة وَصلى ثمَّ بَان أَنه كَانَ مُحدثا
وَيجوز فعل الصَّلَاة حَال شدَّة الْخَوْف رَاكِبًا جمَاعَة وفرادى
وَقَالَ ابو حنيفَة لَا تفعل فِي جمَاعَة
فَإِن رَأَوْا عدوا فخافوهم فصلوا صَلَاة شدَّة الْخَوْف ثمَّ بَان بَينهم خَنْدَق أَو نهر يمْنَع فَفِيهِ طَرِيقَانِ
أَحدهمَا أَنه على الْقَوْلَيْنِ فِيهِ إِذا رَأَوْا سوادا فظنوهم عدوا
وَالثَّانِي تجب الْإِعَادَة قولا وَاحِدًا
قَالَ الشَّافِعِي رَحمَه الله وَلَا بَأْس أَن يضْرب الضَّرْبَة ويطعن الطعنة فَإِن تَابع أَو عمل مَا يطول بطلت صلَاته
وَحكى الشَّيْخ ابو حَامِد عَن أبي الْعَبَّاس بن سُرَيج أَنه إِن لم يكن مُضْطَرّا بطلت صلَاته وَإِن كَانَ مُضْطَرّا لم تبطل كالمشي
وَمن أَصْحَابنَا من قَالَ إِن اضْطر إِلَيْهِ فعل وَلكنه تلْزمهُ الْإِعَادَة وَذكر أَصْحَابنَا أَن الضَّرْبَة الْوَاحِدَة لَا تبطل وَفِي الضربتين وَجْهَان وَالثَّلَاث تبطل فِي غير حَال الْخَوْف فَأَما فِي حَالَة الْخَوْف فَمن اصحابنا من قَالَ تبطل أَيْضا

(2/219)


وَقَالَ ابو الْعَبَّاس لَا تبطل وَهُوَ الْأَصَح
وَالشَّيْخ ابو نصر اخْتَار أَن يكثر الْعَمَل أَو يقل من غير اعْتِبَار عدد
وَللشَّافِعِيّ رَحمَه الله كَلَام يدل عَلَيْهِ وَهُوَ الْأَصَح رُجُوعا إِلَى الْعرف
وَيحرم على الرِّجَال اسْتِعْمَال الْحَرِير فِي اللّبْس وَالْجُلُوس عَلَيْهِ والاستناد إِلَيْهِ
وَقَالَ ابو حنيفَة يحرم اللّبْس خَاصَّة دون مَا سواهُ فَإِن كَانَ الثَّوْب مَعْمُولا من إبريم وقطن أَو كتَّان وَكَانَ نِصْفَيْنِ حرم لَهُ فِي اُحْدُ الْوَجْهَيْنِ

(2/220)


وَلَا يكره ان يلبس دَابَّته أَو أداته جلد ميتَة من حَيَوَان طَاهِر
وَقيل يكره كَمَا يكره أَن يلْبسهُ فِي نَفسه
وَحكى بَعضهم قَوْلَيْنِ فِي ذَلِك من غير فصل بَين نَفسه واداته وَلَيْسَ بِشَيْء

(2/221)


- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بَاب صَلَاة الْجُمُعَة
الْجُمُعَة فرض على الْأَعْيَان وَغلط بعض أَصْحَابنَا فَحكى أَنَّهَا

(2/222)


فرض على الْكِفَايَة وَلَيْسَ بِشَيْء وَلَا تجب الْجُمُعَة على مُسَافر
وَقَالَ الزُّهْرِيّ وَالنَّخَعِيّ تجب الْجُمُعَة على الْمُسَافِر إِذا سمع النداء
وَلَا جُمُعَة على العَبْد وَبِه قَالَ ابو حنيفَة وَمَالك
وَقَالَ دَاوُد تجب عَلَيْهِ الْجُمُعَة
وَعَن أَحْمد فِيهِ رِوَايَتَانِ
وَقَالَ الْحسن الْبَصْرِيّ وَقَتَادَة تجب الْجُمُعَة على العَبْد الَّذِي يُؤَدِّي الضريبة وَلَا جُمُعَة على الْأَعْمَى إِذا لم يقدر على من يَقُودهُ وَإِن كَانَ لَهُ من يَقُودهُ وَجَبت عَلَيْهِ
وَذكر القَاضِي حُسَيْن أَنه إِذا كَانَ يحسن الْمَشْي بالعصا من غير قَائِد لزمَه وَلَيْسَ بِصَحِيح وَذكر ايضا ان من لَا يقدر على الْمَشْي لزمانة أَو كبر سنّ إِذا قدر على من يحملهُ إِلَى الْجَامِع لزمَه الْقَصْد إِلَيْهِ وَلَيْسَ بِصَحِيح
وَمن كَانَ خَارج الْمصر فِي مَوضِع لَا تجب فِيهِ الْجُمُعَة وَسمع النداء من الْمصر لزمَه الْقَصْد إِلَى الْجُمُعَة وَبِه قَالَ مَالك وَأحمد غير أَن مَالِكًا قدر ذَلِك بِثَلَاثَة أَمْيَال

(2/223)


وَحكي عَن الزُّهْرِيّ أَنه قدره بِسِتَّة أَمْيَال
وَعَن ربيعَة أَنه قدره بأَرْبعَة أَمْيَال
وَقَالَ ابو يُوسُف وابو ثَوْر تجب الْجُمُعَة على من يؤويه اللَّيْل إِلَى منزله ويروى ذَلِك عَن عبد الله بن عمر وَأنس وَأبي هُرَيْرَة
وَقَالَ ابو حنيفَة لَا تجب الْجُمُعَة بِسَمَاع النداء
قَالَ الشَّافِعِي رَحمَه الله فِي بُلُوغ النداء وَتَكون الْأَصْوَات هادئة والرياح سَاكِنة والمنادي صيتًا وَمن لَيْسَ بِأَصَمَّ مستمعا وَيعْتَبر أَن يقف فِي طرف الْبَلَد وَقيل فِي وَسطه وَقيل فِي الْموضع الَّذِي

(2/224)


تُقَام فِيهِ الْجُمُعَة وَلَا يعْتَبر أَن يصعد على مَنَارَة أَو سور
قَالَ القَاضِي ابو الطّيب رَحمَه الله سَمِعت شُيُوخنَا يَقُولُونَ إِلَّا بطبر ستان فَإِنَّهَا مَبْنِيَّة بَين غِيَاض وأشجار تمنع بُلُوغ الصَّوْت
وَيعْتَبر اسْتِوَاء الأَرْض فَلَو كَانَت قَرْيَة على تلة جبل تسمع النداء لعلوها وَلَو كَانَت على مستوى من الأَرْض لم تسمع لم يجب عَلَيْهِم الْجُمُعَة وَلَو كَانَت فِي وَاد لَا تسمع لاستفالها وَلَو كَانَت فِي مستوى من الأَرْض لسمعت وَجب عَلَيْهِم الْجُمُعَة
وَذكر الشَّيْخ أَبُو حَامِد أَن من سمع النداء لعلوه تجب عَلَيْهِ الْجُمُعَة وَمن لم يسمع لاستفالة لَا جُمُعَة عَلَيْهِ
قَالَ الشَّيْخ أَبُو نصر رَحمَه الله وَالَّذِي ذكره القَاضِي ابو الطّيب رَحمَه الله اشبه
وَذكر القَاضِي حُسَيْن إِذا كَانَت قَرْيَة على جبل تُقَام فِيهَا الْجُمُعَة وبحذائها قَرْيَة على جبل آخر تسمع النداء من الْقرْيَة الْأُخْرَى وَبَين الجبلين فِي الْوَادي قَرْيَة لَا تسمع النداء فعلى الَّتِي تسمع النداء حُضُور الْجُمُعَة وَأما الَّتِي فِي الْوَادي بَينهمَا فَفِيهَا وَجْهَان
أَحدهمَا لَا تجب
وَالثَّانِي تجب وَهَذِه الطَّرِيقَة عِنْدِي خَارِجَة عَن الطَّرِيقَيْنِ الْمُتَقَدِّمين

(2/225)


لِأَن على طَريقَة القَاضِي أبي الطّيب لَا تجب الْجُمُعَة على الْقرْيَة الَّتِي تسمع النداء لعلوها على الْجَبَل
وَلَو كَانَت على اسْتِوَاء لم تسمع وَيجب على الْقرْيَة الَّتِي فِي الْوَادي إِذا كَانَت على مَسَافَة لَو كَانَت على اسْتِوَاء لسمعت
وعَلى طَريقَة ابي حَامِد تجب الْجُمُعَة على الْقرْيَة الْعَالِيَة وَلَا تجب على المستفلة وَقد بَينا الصَّحِيح
فَإِن اتّفق يَوْم عيد فِي يَوْم جُمُعَة فَحَضَرَ أهل السوَاد وصلوا الْعِيد جَازَ أَن ينصرفوا ويتركوا الْجُمُعَة
وَمن أَصْحَابنَا من قَالَ تجب عَلَيْهِم الْجُمُعَة وَلَا يسْقط فرض الْجُمُعَة بِفعل صَلَاة الْعِيد
وَقَالَ احْمَد يسْقط فرض الْجُمُعَة بِصَلَاة الْعِيد وَيُصلي الظّهْر
وَقَالَ عَطاء يسْقط الظّهْر وَالْجُمُعَة جَمِيعًا فِي هَذَا الْيَوْم بِفعل صَلَاة الْعِيد
وَمن لَا جُمُعَة عَلَيْهِ مُخَيّر بَين فعل الْجُمُعَة وَالظّهْر فَإِن صلى الظّهْر ثمَّ زَالَ عذره وَالْوَقْت بَاقٍ لم تجب عَلَيْهِ الْجُمُعَة
وَقَالَ ابْن الْحداد إِذا صلى الصَّبِي الصُّبْح ثمَّ بلغ وَجب عَلَيْهِ حُضُور الْجُمُعَة
وَيسْتَحب لأرباب الْأَعْذَار ان يؤخروا فعل الظّهْر إِلَى أَن تفوت الْجُمُعَة ثمَّ يصلونها جمَاعَة

(2/226)


وَقَالَ ابو حنيفَة يكره لَهُم فعلهَا فِي جمَاعَة
قَالَ الشَّافِعِي رَحمَه الله وَاجِب لَهُم إِخْفَاؤُهَا لِأَن لَا يتهموا بالرغبة عَن صَلَاة الإِمَام
قَالَ أَصْحَابنَا هَذَا يَقْتَضِي أَن يكون ذَلِك فِي حق من يخفي عذره فَأَما من كَانَ عذره ظَاهرا فَلَا يسْتَحبّ لَهُ إِخْفَاؤُهَا
وَمن أَصْحَابنَا من قَالَ يكره لَهُم إظهارها بِكُل حَال وَالْمذهب الأول
فَإِن صلى الْمَعْذُور ظَهره ثمَّ حضر الْجُمُعَة فَصلاهَا فَالْأولى فرض وَالْجُمُعَة تطوع
وَقَالَ الشَّافِعِي رَحمَه الله فِي الْقَدِيم يحْتَسب الله لَهُ بِأَيِّهِمَا شَاءَ
وَقَالَ أَبُو حنيفَة يبطل ظَهره بالسعي إِلَى الْجُمُعَة
وَمن كَانَ من أهل فرض الْجُمُعَة لَا يجوز لَهُ فعل الظّهْر قبل فَوَات الْجُمُعَة فَإِن صلى الظّهْر قبل فعل الإِمَام الْجُمُعَة لم تصح فِي اصح الْقَوْلَيْنِ وَهُوَ قَوْله الْجَدِيد وَبِه قَالَ مَالك وَأحمد فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ وَإِسْحَاق وَزفر
وَقَالَ فِي الْقَدِيم يَصح ظَهره وَهُوَ قَول ابي حنيفَة وَاصل الْفَرْض عِنْده الظّهْر فِي يَوْم الْجُمُعَة وَيلْزمهُ السَّعْي إِلَى الْجُمُعَة فَإِذا سعى إِلَى الْجُمُعَة بطلت ظَهره
وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد تبطل بِالْإِحْرَامِ بِالْجمعَةِ لَا بِنَفس السَّعْي
وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق الْمروزِي إِذا اتّفق أهل بلد على ترك الْجُمُعَة وَفعل الظّهْر أثموا وتجزيهم

(2/227)


وَالصَّحِيح أَنَّهَا لَا تجزيهم على قَوْله الْجَدِيد
وَمن أَصْحَابنَا من قَالَ إِذا أحرم بِالظّهْرِ بعد فَوَات إِدْرَاك الْجُمُعَة وَذَلِكَ بِفَوَات الرُّكُوع من الرَّكْعَة الثَّانِيَة وَقبل فرَاغ الإِمَام مِنْهَا جَازَ ذَلِك
وَظَاهر كَلَام الشَّافِعِي رَحمَه الله يَقْتَضِي أَن لَا يجوز الْإِحْرَام بهَا إِلَّا بعد فرَاغ الإِمَام من الْجُمُعَة وَالْمعْنَى يَقْتَضِي مَا ذكره الأول
وَمن كَانَ من أهل فرض الْجُمُعَة وَأَرَادَ السّفر وَلم يخف فَوَات الرّفْقَة لم يجز لَهُ بعد الزَّوَال وَهل يجوز قبل الزَّوَال فِيهِ قَولَانِ
أصَحهمَا لَا يجوز وَهُوَ قَول أَحْمد قَالَ إِلَّا أَن يكون سفر جِهَاد ويروى عَن عبد الله بن عمر وَعَائِشَة رَضِي الله عَنْهُم
وَقَالَ فِي الْقَدِيم يجوز وَهُوَ قَول مَالك وَأبي حنيفَة واصحابه
وَأما البيع بعد الزَّوَال وَقبل ظُهُور الإِمَام فمكروه وَيحرم بعد ظُهُور الإِمَام وأذان الْمُؤَذّن غير أَنه يَصح وَبِه قَالَ ابو حنيفَة

(2/228)


وَقَالَ احْمَد وَمَالك وَدَاوُد لَا يَصح البيع
وَلَا يحرم الْكَلَام قبل افْتِتَاح الإِمَام الْخطْبَة وَفِي الْجُلُوس بَين الْخطْبَتَيْنِ وَإِذا فرغ الإِمَام من الْخطْبَة إِلَى أَن يشرع فِي الصَّلَاة وَبِه قَالَ احْمَد
وَقَالَ ابو حنيفَة يحرم الْكَلَام فِي جَمِيع هَذِه الْأَحْوَال كَمَا يحرم فِي حَال الْخطْبَة وكما يحرم التَّنَفُّل فِيهَا
وَلَا تصح الْجُمُعَة إِلَّا فِي ابنية يستوطنها من تَنْعَقِد بهم الْجُمُعَة من بلد أَو قَرْيَة
وَقَالَ ابو حنيفَة لَا تصح إِلَّا فِي مصر جَامع وَلَا تجب الْجُمُعَة على أهل الْخيام والمظال
وَقَالَ فِي الْبُوَيْطِيّ تجب عَلَيْهِم إِذا كَانُوا مقيمين فِيهَا لَا يظعنون عَنْهَا شتاء وَلَا صيفا
فَحصل فِيهَا قَولَانِ
وَقَالَ ابو ثَوْر الْجُمُعَة كَسَائِر الصَّلَوَات إِلَّا أَنه يعْتَبر لَهَا خطْبَة فَمَتَى كَانَ هُنَاكَ مَأْمُوم وخطيب أُقِيمَت الْجُمُعَة
فَإِن خرج أهل الْبَلَد إِلَى خَارج الْمصر فأقاموا الْجُمُعَة لم تصح

(2/229)


وَقَالَ أَبُو حنيفَة تصح إِذا كَانَ قَرِيبا من الْبَلَد كمصلى الْعِيد
وَلَا تَنْعَقِد الْجُمُعَة إِلَّا بِأَرْبَعِينَ نفسا من الرِّجَال أحرارا مقيمين فِي الْموضع وَبِه قَالَ عمر بن عبد الْعَزِيز وَأحمد
وَقَالَ مَالك تَنْعَقِد بِمَا دون الْأَرْبَعين
وَقَالَ ربيعَة تَنْعَقِد الْجُمُعَة بِاثْنَيْ عشر رجلا
وَقَالَ الْحسن بن صَالح تَنْعَقِد بِاثْنَيْنِ كالجماعة فِي سَائِر الصَّلَوَات
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ وَأَبُو يُوسُف تَنْعَقِد بِثَلَاثَة
وَحكي فِي الْحَاوِي عَن أبي عَليّ بن أبي هُرَيْرَة أَنه لَا تصح الْجُمُعَة حَتَّى يكون الْعدَد زَائِدا عَن أَرْبَعِينَ
وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالثَّوْري تَنْعَقِد باربعة
فَإِن اجْتمع أَرْبَعُونَ عبدا أَو أَرْبَعُونَ مُسَافِرًا وَأَقَامُوا الْجُمُعَة لم تصح وَقَالَ أَبُو حنيفَة يَصح إِذا كَانُوا فِي مَوضِع الْجُمُعَة
وَهل تَنْعَقِد الْجُمُعَة بمقيمين غير متوطنين فِيهِ وَجْهَان
قَالَ أَبُو عَليّ بن أبي هُرَيْرَة تَنْعَقِد
وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق لَا تَنْعَقِد
فَإِن أَحْرمُوا بِالْعدَدِ ثمَّ انْفَضُّوا عَنهُ فَفِيهِ ثَلَاثَة أَقْوَال

(2/230)


أَحدهَا أَنه إِن نقص الْعدَد عَن أَرْبَعِينَ أتمهَا ظهرا وَهُوَ قَول أَحْمد وَهُوَ الْأَظْهر
وَالثَّانِي أَنه إِن بَقِي مَعَه اثْنَان أتمهَا جُمُعَة
وَالثَّالِث أَنه إِن بَقِي مَعَه وَاحِد أتمهَا جُمُعَة
وَخرج الْمُزنِيّ رَحمَه الله قَوْلَيْنِ آخَرين
أَحدهمَا أَنه يُتمهَا جُمُعَة وَإِن بَقِي وَحده
وَالثَّانِي أَنه إِن كَانَ قد صلى رَكْعَة ثمَّ انْفَضُّوا عَنهُ أتمهَا جُمُعَة
فَمن أَصْحَابنَا من لم يثبت هذَيْن الْقَوْلَيْنِ
وَقَالَ أَبُو حنيفَة إِن انْفَضُّوا عَنهُ وَقد صلى رَكْعَة وَسجد فِيهَا سَجْدَة أتمهَا جُمُعَة
وَقَالَ مَالك إِن انْفَضُّوا عَنهُ بعد مَا صلى رَكْعَة بسجدتيها أتمهَا جُمُعَة
وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد إِن انْفَضُّوا عَنهُ بَعْدَمَا أحرم بهَا أتمهَا جُمُعَة
وَلَا تصح الْجُمُعَة إِلَّا فِي وَقت الظّهْر وَكَذَلِكَ الْخطْبَة لَهَا

(2/231)


وَقَالَ أَحْمد يجوز أَن تصلى الْجُمُعَة قبل الزَّوَال
فَمن أَصْحَابه من يَقُول أول وَقتهَا وَقت صَلَاة الْعِيد وَمِنْهُم من يَقُول تجوز فِي السَّاعَة السَّادِسَة
فَإِن شرع فِي الْجُمُعَة فِي وَقتهَا ثمَّ خرج الْوَقْت وَهُوَ فِيهَا أتمهَا ظهرا
وَخرج القَاضِي حُسَيْن فِي الْمَسْأَلَة قولا آخر أَنه لَا يُتمهَا ظهرا
وَهل تبطل أم تنْقَلب نفلا فِيهِ وَجْهَان كمن غير النِّيَّة من الْفَرْض إِلَى النَّفْل
وَقَالَ أَحْمد يُتمهَا جُمُعَة
وَقَالَ أَبُو حنيفَة تبطل صلَاته بِخُرُوج الْوَقْت ويبتدىء الظّهْر
إِذا نسي الإِمَام سَجْدَة من الرَّكْعَة الأولى من الْجُمُعَة وَقَامَ إِلَى الثَّانِيَة فأدركه مَأْمُوم فِيهَا وصلاها مَعَه ثمَّ قَامَ الإِمَام إِلَى ثَالِثَة لما تذكر سَهْوه وَلم يتَشَهَّد فَإِن الْمَأْمُوم يقوم مَعَه وَيُصلي الرَّكْعَة وَتحصل لَهُ الْجُمُعَة

(2/232)


ذكر القَاضِي حُسَيْن رَحمَه الله وَقَالَ هَذَا بِالْعَكْسِ مِمَّا وضعت عَلَيْهِ الْجُمُعَة فَإنَّا رتبنا الْجُمُعَة فِي حَقه على رَكْعَة محسوبة من الظّهْر وَإِنَّمَا تبنى الظّهْر على الْجُمُعَة
قَالَ الشَّيْخ الإِمَام وَعِنْدِي أَن هَذَا سَهْو فَإِن الْمَأْمُوم فِي هَذَا الْموضع يَنْوِي الْجُمُعَة وَلَا يجوز أَن يَنْوِي الظّهْر
وَلَو بني هَذَا على اخْتِلَاف الشَّيْخ أبي حَامِد وَالْقَاضِي أبي الطَّبِيب رحمهمَا الله فِي فرع فِي الزحام وَذَلِكَ إِذا زحم الْمَأْمُوم عَن السُّجُود فِي الرَّكْعَة الأولى فَزَالَ الزحام وَالْإِمَام قَائِم فَسجدَ وَتَابعه فِي الثَّانِيَة وَركع مَعَه ثمَّ زحم عَن السُّجُود فِيهَا فَأتى بِالسُّجُود وَهُوَ فِي التَّشَهُّد
فاخنار القَاضِي أَبُو الطّيب رَحمَه الله أَنه يدْرك الْجُمُعَة
وَقَالَ الشَّيْخ أَبُو حَامِد لَا يُدْرِكهَا لِأَنَّهَا رَكْعَة ملفقة وَهنا هُنَا الْمَأْمُوم فِي بَعْضهَا فِي حكم إِمَامَته وَالْبَعْض على حَقِيقَة الْمُتَابَعَة
فَإِن أدْرك مَسْبُوق مَعَ الإِمَام رَكْعَة قَائِمَة فَإِنَّهُ يدْرك الْجُمُعَة وَإِن أدْرك دون الرَّكْعَة لم يكن مدْركا لَهَا وَصلى الظّهْر أَرْبعا وَهُوَ قَول الزُّهْرِيّ وَأحمد وَمَالك وَمُحَمّد بن الْحسن
وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأَبُو يُوسُف يدْرك الْجُمُعَة بِأَيّ قدر أدْركهُ من صَلَاة الإِمَام

(2/233)


وَقَالَ طَاوس لَا تدْرك الْجُمُعَة إِلَّا يإدراك الْخطْبَتَيْنِ أَيْضا فَإِن أدْرك مَسْبُوق مَعَ الإِمَام رَكْعَة ثمَّ خرج الْوَقْت أتمهَا ظهرا
وَقَالَ ابْن الْحداد يُتمهَا جُمُعَة
وَحكي عَن مَالك أَنه قَالَ يجوز أَن يبتدىء الْجُمُعَة بعد دُخُول وَقت الْعَصْر بِنَاء على أَصله