حلية العلماء في معرفة مذاهب الفقهاء

فصل وَلَا تصح الْجُمُعَة حَتَّى يتقدمها خطبتان
وَحكي عَن الْحسن الْبَصْرِيّ أَنه قَالَ هما سنة
وَمن شَرطهمَا الْقيام مَعَ الْقُدْرَة والفصل بَينهمَا بجلسة
وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد لَا يجب فيهمَا الْقيام وَلَا الجلسة

(2/234)


وَفِي اشْتِرَاط الطَّهَارَة فيهمَا قَولَانِ
أصَحهمَا أَنَّهَا شَرط
وَالثَّانِي لَا تشْتَرط وَهُوَ قَول مَالك وَأحمد وَأبي حنيفَة
وَذكر القَاضِي حُسَيْن أَن ذَلِك يبتنى على أَن الْخطْبَتَيْنِ بدل عَن الرَّكْعَتَيْنِ وَفِيه طَرِيقَانِ وَيعود الْخلاف إِلَى أَن الْجُمُعَة ظهر مَقْصُورَة وَهَذَا بِنَاء فَاسد
فيحمد الله تَعَالَى فِي الْخطْبَة الأولى وَيُصلي على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ويوصي بتقوى الله وَيقْرَأ آيَة ويحمد الله تَعَالَى فِي الثَّانِيَة وَيُصلي على رَسُوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ويوصي بتقوى الله وَيَدْعُو للْمُؤْمِنين وَالْمُؤْمِنَات
وَهل تجب الْقِرَاءَة فِي الْخطْبَتَيْنِ فِيهِ وَجْهَان
أَحدهمَا تجب فيهمَا
وَفِي الثَّانِي تجب فِي إِحْدَاهمَا وَفِي أَيهمَا قَرَأَ جَازَ
وَمن أَصْحَابنَا من قَالَ فِي الْقِرَاءَة قَول آخر إِنَّهَا غير وَاجِبَة فِي الْخطْبَة

(2/235)


بِحَال وَالدُّعَاء للْمُؤْمِنين وَالْمُؤْمِنَات مُسْتَحبّ وَقيل هُوَ وَاجِب وبقولنا قَالَ أَحْمد
وَقَالَ أَبُو حنيفَة إِذا خطب بتسبيحة وَاحِدَة أَجزَأَهُ
وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد لَا يُجزئهُ حَتَّى يَأْتِي بِكَلَام يُسمى خطْبَة فِي الْعَادة وَعَن مَالك رِوَايَتَانِ
إِحْدَاهمَا أَن من هلل أَو سبح أعَاد مَا لم يصل
وَالثَّانيَِة أَنه لَا يُجزئهُ إِلَّا بِمَا يُسمى خطْبَة فِي الْعرف
وَإِن صعد الْمِنْبَر سلم على النَّاس إِذا أقبل عَلَيْهِم
وَحكي عَن مَالك أَنه قَالَ يكره ذَلِك
ذكر القَاضِي حُسَيْن رَحمَه الله أَن الْخطْبَة لَا تصح إِلَّا بِالْعَرَبِيَّةِ على ظَاهر الْمَذْهَب إِذا كَانَ هُنَاكَ من يحسنها
وَفِيه وَجه آخر أَنَّهَا تجوز بِسَائِر اللُّغَات
وَيرْفَع صَوته بِقدر مَا يسمعهُ الْعدَد الْمُعْتَبر فِي الْجُمُعَة فَإِن لم يسمعوا لبعدهم أَو لصمم بهم لم يجز
وَفِيه وَجه آخر أَنه يَصح

(2/236)


قَالَ الشَّيْخ الإِمَام وَعِنْدِي أَن الصمم بهم لَا يُؤثر إِذا كَانُوا بِالْقربِ مِنْهُ بِحَيْثُ يسمعُونَ مِنْهُ لَو لم يكن بهم صمم إِذا رفع صَوته على مَا جرت الْعَادة بِهِ وَلم يشْتَرط أَحْمد فِي الْخطْبَة السّمع
فَإِن خطب بِالْعدَدِ ثمَّ انْفَضُّوا عَنهُ وعادوا قبل الْإِحْرَام وَلم يطلّ االفصل صلى الْجُمُعَة وَإِن طَال الْفَصْل فقد قَالَ الشَّافِعِي رَحمَه الله أَحْبَبْت أَن يبتدىء بِالْخطْبَةِ ثمَّ يُصَلِّي الْجُمُعَة فَإِن لم يفعل صلى الظّهْر وَاخْتلف أَصْحَابنَا
فَقَالَ أَبُو الْعَبَّاس بن سُرَيج يجب إِعَادَة الْخطْبَة ثمَّ يُصَلِّي الْجُمُعَة بعْدهَا وَمَا نَقله الْمُزنِيّ لَا نعرفه
وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق يسْتَحبّ إِعَادَة الْخطْبَة وَيجب فعل الصَّلَاة فَإِن صلى بهم الظّهْر جَازَ بِنَاء على اصله فِيهِ إِذا اجْتمع أهل بلد على ترك الْجُمُعَة وَفعل الظّهْر
وَمن أَصْحَابنَا من قَالَ يسْتَحبّ إِعَادَة الْخطْبَة وَفعل الصَّلَاة على ظَاهر النَّص وَهُوَ قَول أَكثر أَصْحَابنَا
وَذكر فِي الْحَاوِي طَريقَة أُخْرَى أَنه إِن كَانَ الْعدَد بَاقِيا خطب اسْتِحْبَابا وَإِن كَانَ قد زَالَ خطب وَاجِبا ثمَّ قَالَ هَذَا لَا وَجه لَهُ

(2/237)


وَإِن انْفَضُّوا فِي أثْنَاء الْخطْبَة وعادوا وَقد طَال الْفَصْل فَالْمَذْهَب أَنه يجب اسْتِئْنَاف الْخطْبَة
وَيعْتَبر فِي الْخطْبَة الْعدَد الْمُعْتَبر عندنَا فِي الْجُمُعَة
وَعَن أبي حنيفَة رِوَايَتَانِ
إِحْدَاهمَا أَنه يعْتَبر فِيهَا الْعدَد الْمُعْتَبر عِنْده فِي الْجُمُعَة
وَالثَّانيَِة أَنَّهَا تصح فِيهِ وَحده
ذكر فِي الْحَاوِي أَن من أَصْحَابنَا من قَالَ إِذا استدبر النَّاس فِي حَال الْخطْبَة صحت الْخطْبَة كالأذان ثمَّ قَالَ وَالَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُور أَنه لَا يَصح وَفِي هَذَا نظر
فَإِن قَرَأَ فِي حَال الْخطْبَة آيَة سَجْدَة فَنزل وَسجد جَازَ فَإِن طَال الْفَصْل فَفِيهِ قَولَانِ
قَالَ فِي الْقَدِيم يَبْنِي
وَقَالَ فِي الْجَدِيد يسْتَأْنف
فَإِذا فرغ من الْخطْبَة صلى الْجُمُعَة رَكْعَتَيْنِ يقْرَأ فِي الأولى بعد الْفَاتِحَة سُورَة الْجُمُعَة وَفِي الثَّانِيَة بعد الْفَاتِحَة سُورَة الْمُنَافِقين
وَقَالَ ابو حنيفَة لَا تخْتَص الْقِرَاءَة بِسُورَة دون سُورَة

(2/238)


- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بَاب الْهَيْئَة للْجُمُعَة وَالتَّكْبِير إِلَيْهَا
السّنة لمن اراد الْجُمُعَة أَن يغْتَسل لَهَا
وَقَالَ الْحسن الْبَصْرِيّ الْغسْل لَهَا وَاجِب
وَالْمُسْتَحب أَن يكون الْغسْل لَهَا عِنْد الرواح إِلَيْهَا
وَوقت جَوَازه من طُلُوع الْفجْر الثَّانِي
وَقَالَ مَالك لَا يَصح الْغسْل للْجُمُعَة إِلَّا عِنْد الرواح إِلَيْهَا

(2/239)


وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ يَصح الْغسْل لَهَا قبل طُلُوع الْفجْر
وَفِي السَّاعَة الأولى الَّتِي علق عَلَيْهَا الْفَضِيلَة فِي التبكير اخْتِلَاف
فَقيل من حِين طُلُوع الْفجْر
وَقيل من حِين طُلُوع الشَّمْس
فَإِن ارادت الْمَرْأَة حُضُور الْجُمُعَة اسْتحبَّ لَهَا الْغسْل
وَقَالَ أَحْمد لَا يسْتَحبّ لَهَا الْغسْل وَإِن حضرت
وَقَالَ أَبُو ثَوْر يسْتَحبّ الْغسْل يَوْم الْجُمُعَة لمن حضرها وَمن لم يحضرها كَمَا يسْتَحبّ فِي يَوْم الْعِيد
وَمن أَصْحَابنَا من قَالَ غسل الْجُمُعَة سنة لمن لزمَه حُضُور الْجُمُعَة وَمن لَا يلْزمه حُضُورهَا لَا يسن لَهُ وَإِن كَانَ من أَهلهَا غير أَنه مَنعه من فعلهَا الْعذر فَفِيهِ وَجْهَان
أَحدهمَا لَا يسن لَهُ
وَالثَّانِي يسن لَهُ
وَالصَّحِيح تعلق ذَلِك بالحضور دون لُزُومه

(2/240)


فَإِن اغْتسل يَوْم الْجُمُعَة وَهُوَ جنب يَنْوِي الْجُمُعَة والجنابة أَجزَأَهُ عَنْهُمَا
وَحكي عَن مَالك أَنه قَالَ لَا يُجزئهُ عَن وَاحِد مِنْهُمَا فَإِن نوى بِغسْلِهِ الْجُمُعَة أَو الْعِيد لم يجزه عَن الْجَنَابَة نَص عَلَيْهِ الشَّافِعِي رَحمَه الله وَلَا يُجزئهُ عَن الْوضُوء أَيْضا
قَالَ الشَّيْخ أَبُو نصر رَحمَه الله وَفِي هَذَا نظر وَهل يُجزئهُ للْجُمُعَة أَو الْعِيد فِيهِ قَولَانِ
وَحكي عَن جمَاعَة من أَصْحَاب مَالك أَنه يُجزئهُ عَن الْجَنَابَة على مَا تقدم ذكره
فَإِن نوى غسل الْجَنَابَة يَوْم الْجُمُعَة فَهَل يُجزئهُ عَن غسل الْجُمُعَة
نقل الْمُزنِيّ رَحمَه الله أَنه يُجزئهُ
وَقَالَ فِي الْإِمْلَاء لَا يُجزئهُ
فَإِن دخل رجل وَالْإِمَام على الْمِنْبَر صلى تَحِيَّة الْمَسْجِد وَبِه قَالَ أَحْمد
وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك يكره لَهُ ذَلِك
وَفِي وجوب الْإِنْصَات للْإِمَام قَولَانِ
قَالَ فِي الْقَدِيم هُوَ وَاجِب وَالْكَلَام حرَام فِي حَال الْخطْبَة وَهُوَ قَول أبي حنيفَة وَمَالك وَأحمد
وَقَالَ فِي الْجَدِيد هُوَ مُسْتَحبّ وَهُوَ قَول الثَّوْريّ فَإِذا قُلْنَا

(2/241)


الْكَلَام حرَام فالقريب ينصت والبعيد يشْتَغل بِذكر الله أَو قِرَاءَة الْقُرْآن
وَحكى القَاضِي حُسَيْن رَحمَه الله وَجها آخر أَن الْبعيد أَيْضا يسكت وَهُوَ قَول أبي حنيفَة فَإِن سلم عَلَيْهِ رجل أَو عطس فَإِن قُلْنَا الْإِنْصَات مُسْتَحبّ رد السَّلَام وشمت الْعَاطِس وَإِن قُلْنَا الْإِنْصَات وَاجِب لم يرد السَّلَام وَلم يشمت الْعَاطِس
وَقيل لَا يرد السَّلَام ويشمت الْعَاطِس وَلَيْسَ بِشَيْء
إِذا دخل جمَاعَة على وَاحِد فَسلم بَعضهم سقط كَرَاهَة ترك السَّلَام فِي حق البَاقِينَ وَكَانَ أصل السَّلَام فِي حَقهم سنة على الْكِفَايَة كَمَا أَن رد السَّلَام فرض على الْكِفَايَة وَهَذَا لَيْسَ بِصَحِيح فَإنَّا مَا رَأينَا سنة على الْكِفَايَة ورأينا فرض على الْكِفَايَة وَفِيه فَائِدَة
وَإِن سلم على جمَاعَة فيهم صبي فَرد الصَّبِي وَحده السَّلَام فقد قيل إِنَّه لَا يسْقط بِهِ فرض الرَّد
قَالَ الشَّيْخ الإِمَام وَعِنْدِي أَنه يَصح رده وَيسْقط بِهِ الْفَرْض كَمَا يَصح أَذَانه للرِّجَال
فَإِن سلم صبي على رجل فَهَل يجب عَلَيْهِ الرَّد فِيهِ وَجْهَان أصَحهمَا أَنه يجب وبناه على صِحَة إِسْلَامه وَهَذَا بِنَاء فَاسد

(2/242)


وَذكر أَيْضا القَاضِي حُسَيْن رَحمَه الله إِذا التقى رجلَانِ فَقَالَ كل وَاحِد مِنْهُمَا لصَاحبه السَّلَام عَلَيْكُم إِمَّا دفْعَة وَاحِدَة أَو أَحدهمَا بعد الآخر كَانَ كل وَاحِد مِنْهُمَا مُسلما على الاخر مُسْتَحقّا للجواب عَلَيْهِ وَهَذَا فِيهِ نظر لِأَن هَذَا اللَّفْظ يصلح للجواب فَإِذا كَانَ بعده كَانَ جَوَابا وَإِذا وَقعا دفْعَة وَاحِدَة لم يكن احدهما جَوَابا للْآخر
وَذكر أَيْضا أَن السَّلَام عِنْد الْمُفَارقَة للْجَمَاعَة فِي معنى الدُّعَاء لِأَن التَّحِيَّة إِنَّمَا تكون للدخول
قَالَ الشَّيْخ الإِمَام وَهَذَا عِنْدِي فَاسد بل السَّلَام سنة عِنْد الِانْصِرَاف كَمَا أَنه يسن عِنْد الدُّخُول وَفِيه حَدِيث صَرِيح عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم

فصل فَإِن زحم الْمَأْمُوم عَن السُّجُود
فِي الْجُمُعَة وَقدر أَن يسْجد على ظهر إِنْسَان سجد وَبِه قَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد
وَمن أَصْحَابنَا من قَالَ فِيهِ قَول آخر قَالَه فِي الْقَدِيم إِنَّه إِن شَاءَ

(2/243)


سجد على ظَهره وَإِن شَاءَ ترك حَتَّى يَزُول الزحام وَهُوَ قَول الْحسن الْبَصْرِيّ
وَقَالَ مَالك يلْزمه أَن يُؤَخر السُّجُود حَتَّى يسْجد على الأَرْض وَبِه قَالَ عَطاء
وَإِن لم يتَمَكَّن من السُّجُود بِحَال فانتظر زَوَال الزحام فَزَالَ الزحام وَالْإِمَام قَائِم فِي الثَّانِيَة فَإِنَّهُ يسْجد ويتبعه فَإِن فرغ من السُّجُود وَقد حصل الإِمَام فِي الرُّكُوع فِي الثَّانِيَة فَهَل يتبعهُ أَو يشْتَغل بِالْقِرَاءَةِ فِيهِ وَجْهَان
أظهرهمَا أَنه يتبعهُ وَيكون مدْركا للْجُمُعَة
وَالثَّانِي أَنه يقْرَأ
فَإِن خَافَ فَوت الرُّكُوع إِذا تمم الْقِرَاءَة فَهَل يتمم الْقِرَاءَة فِيهِ وَجْهَان كالوجهين فِيهِ إِذا ركع الإِمَام قبل فرَاغ الْمَأْمُوم من الْفَاتِحَة
وَإِن زَالَ الزحام وَالْإِمَام رَافع من الرُّكُوع فى الثَّانِيَة أَو ساجد فِيهَا سجد مَعَه فَيحصل لَهُ رَكْعَة ملفقة وَفِي إِدْرَاك الْجُمُعَة بهَا وَجْهَان

(2/244)


أظهرهمَا أَنه يُدْرِكهَا
وَإِن زَالَ الزحام وَالْإِمَام رَاكِع فِي الثَّانِيَة فَهَل يشْتَغل بِقَضَاء مَا فَاتَهُ أَو يُتَابِعه فِيهِ قَولَانِ
أَحدهمَا أَنه يشْتَغل بِالْقضَاءِ وَهُوَ قَول أبي حنيفَة
وَالثَّانِي يُتَابِعه فِي الرُّكُوع وَهُوَ قَول مَالك فعلى هَذَا إِذا فعل ذَلِك حصل لَهُ ركوعان وبأيهما يحْتَسب لَهُ فِيهِ قَولَانِ
أظهرهمَا أَنه يحْتَسب بِالْأولِ فَيكون لَهُ ركعه ملفقة وَفِي إِدْرَاك الْجُمُعَة بهَا وَجْهَان
وَالثَّانِي يحْتَسب لَهُ بِالرُّكُوعِ الثَّانِي فَيكون مدْركا للْجُمُعَة وَجها وَاحِدًا فَإِن قُلْنَا إِنَّه لَا يدْرك الْجُمُعَة بالركعة الملفقة فَإِنَّهُ يُتمهَا ظهرا
وَقيل إِنَّه يبْنى ذَلِك على من صلى الظّهْر قبل فرَاغ الإِمَام من الْجُمُعَة من غير عذر
فَفِي أحد الْقَوْلَيْنِ لَا يَصح ظَهره فيستأنف الظّهْر هَا هُنَا وَهَذَا بِنَاء بَاطِل
وَمن أَصْحَابنَا من قَالَ على هَذَا القَوْل هَل تنْقَلب صلَاته نفلا أَو تبطل

(2/245)


على قَوْلَيْنِ وَإِن قُلْنَا إِن الظّهْر يَصح قبل فَوَات الْجُمُعَة يبْنى هَا هُنَا على اصل آخر وَهُوَ أَن الْجُمُعَة ظهر مَقْصُورَة أَو فرض آخر
فَإِن قُلْنَا إِنَّهَا ظهر مَقْصُورَة فالقدر الَّذِي فعله مُعْتَد بِهِ فيتمها ظهرا
فَإِن قُلْنَا إِنَّهَا فرض آخر لم يحْتَسب لَهُ ظهر وَمَا ذَكرْنَاهُ اصح فَأَما إِذا اشْتغل بِقَضَاء مَا فَاتَهُ على هَذَا القَوْل واعتقد أَن ذَلِك فَرْضه لم يعْتد بسجوده غير أَنه لَا تبطل صلَاته لجهله فَإِن فرغ مِنْهُ وَأدْركَ الإِمَام سَاجِدا فِي الثَّانِيَة تبعه فِيهِ وَحصل لَهُ رَكْعَة ملفقة
وَإِن فرغ من السُّجُود وَالْإِمَام فِي التَّشَهُّد تبعه فِيهِ فَإِذا سلم الإِمَام قضى السُّجُود وَلَا يكون مدْركا للْجُمُعَة وَهل يَبْنِي عَلَيْهَا الظّهْر على مَا ذَكرْنَاهُ من الطَّرِيقَيْنِ
وَإِن اعْتقد أَن فَرْضه مُتَابعَة الإِمَام وَخَالفهُ وَلم ينْو مُفَارقَته بطلت صلَاته وَإِن نوى مُفَارقَته فَفِي بطلَان صلَاته قَولَانِ

(2/246)


فَأَما إِذا قُلْنَا إِن فَرْضه الِاشْتِغَال بِالْقضَاءِ فَفعل ذَلِك وَأدْركَ الإِمَام رَاكِعا فِي الثَّانِيَة تبعه فِيهِ وتمت لَهُ الْجُمُعَة وَإِن أدْركهُ رَافعا من الرُّكُوع أَو سَاجِدا فَهَل يشْتَغل بِقَضَاء مَا فَاتَهُ من الرَّكْعَة الثَّانِيَة أَو يُتَابِعه فِيمَا أدْركهُ مِنْهَا فَفِيهِ وَجْهَان
أصَحهمَا أَنه يُتَابِعه
وَالثَّانِي لَا يُتَابِعه
ذكر القَاضِي حُسَيْن رَحمَه الله أَنه على هَذَا إِذا لم يسْبقهُ الإِمَام بِثَلَاثَة اركان مضى على صلَاته حَتَّى يلْحقهُ وَإِن كَانَ قد سبقه بِثَلَاثَة اركان فَفِيهِ وَجْهَان
وَحكي أَن من أَصْحَابنَا من قَالَ يُؤمر بالانفراد عَن الإِمَام وَقد حصل لَهُ رَكْعَة فيضيف إِلَيْهَا أُخْرَى وَهَذَا فَاسد
فَإِن زحم عَن السُّجُود فِي الأولى فَقضى مَا عَلَيْهِ وأدركه فِي الْقيام ثمَّ زحم عَن السُّجُود فِي الثَّانِيَة فَسجدَ وأدركه فِي التَّشَهُّد
فقد ذكر الشَّيْخ ابو حَامِد أَنه تُجزئه الْجُمُعَة
وَذكر القَاضِي ابو الطّيب رَحمَه الله أَنه يَبْنِي على الْوَجْهَيْنِ فِي الرَّكْعَة الملفقة
وَقَالَ الشَّيْخ أَبُو نصر وَهَذَا ضَعِيف
إِذا دخل رجل وَالْإِمَام فِي الرُّكُوع فَتَبِعَهُ فِيهِ فَلَمَّا سجد

(2/247)


زحم عَن السُّجُود فَلَمَّا زَالَ الزحام سجد وَتَبعهُ فِي التَّشَهُّد فَهَل يكون مدْركا للْجُمُعَة على الْوَجْهَيْنِ فَإِن زحم عَن الرُّكُوع فَزَالَ الزحام وَالْإِمَام رَاكِع فِي الثَّانِيَة فَإِنَّهُ يرْكَع مَعَه وَيحصل لَهُ رَكْعَة
قَالَ القَاضِي أَبُو الطّيب رَحمَه الله وَهِي ملفقة
وَذكر الشَّيْخ أَبُو حَامِد أَنه يكون مدْركا للْجُمُعَة وَجها وَاحِدًا
قَالَ الشَّيْخ أَبُو نصر رَحمَه الله وَهَذَا أشبه
فَإِن ركع مَأْمُوم مَعَ الإِمَام ثمَّ سَهَا عَن السُّجُود حَتَّى حصل الإِمَام فِي الرُّكُوع فِي الرَّكْعَة الثَّانِيَة فَهَل يُتَابِعه فِيهِ
من أَصْحَابنَا من قَالَ فِيهِ قَولَانِ كالزحام
وَمِنْهُم من قَالَ يتبعهُ قولا وَاحِدًا
فصل إِذا أحدث الإِمَام فِي الصَّلَاة
فَفِي الِاسْتِخْلَاف قَولَانِ
فعلى قَوْله الْجَدِيد يجوز وَهُوَ قَول أبي حنيفَة وَمَالك وَأحمد
وعَلى قَوْله الْقَدِيم لَا يجوز فعلى هَذَا إِذا أحدث الإِمَام بعد الْخطْبَة وَقبل الإِمَام بِالصَّلَاةِ لم يجز أَن يُصَلِّي بِهِ الْجُمُعَة غَيره وَإِن أحدث بعد الْإِحْرَام بِالْجمعَةِ فَفِيهِ قَولَانِ
أَحدهمَا أَنهم يتمون الْجُمُعَة فُرَادَى

(2/248)


وَالثَّانِي أَنه إِن كَانَ ذَلِك قبل أَن يُصَلِّي بهم رَكْعَة صلوا الظّهْر وَإِن كَانَ قد صلى بهم رَكْعَة صلوا رَكْعَة أُخْرَى فُرَادَى
وَإِن قُلْنَا بقوله الْجَدِيد فأحدث بعد الْخطْبَة وَقبل الصَّلَاة اسْتخْلف من حضر الْخطْبَة وَإِن أحدث فِي أثْنَاء الْخطْبَة فَهَل يجوز أَن يسْتَخْلف من يُتمهَا فِيهِ وَجْهَان
وَإِن أحدث بعد الْإِحْرَام بِالصَّلَاةِ فَإِن كَانَ فِي الرَّكْعَة الأولى جَازَ أَن يسْتَخْلف من كَانَ مَعَه قبل الْحَدث وَإِن لم يكن قد سمع الْخطْبَة
وَمن اصحابنا من حكى وَجْهَيْن فِي اسْتِخْلَاف من لم يسمع الْخطْبَة وَلَا يسْتَخْلف من يكن مَعَه قبل الْحَدث وَإِن كَانَ فِي الرَّكْعَة الثَّانِيَة جَازَ أَن يسْتَخْلف من دخل فِي الصَّلَاة مَعَه قبل الرُّكُوع أَو فِي الرُّكُوع وَقبل الْحَدث والمستخلف يتم جُمُعَة
وَإِن اسْتخْلف من دخل مَعَه فِي الصَّلَاة قبل الْحَدث وَلَكِن بعد الرُّكُوع ففرضه الظّهْر
وَفِي فعل الْجُمُعَة خلف من يُصَلِّي الظّهْر وَجْهَان
إِن قُلْنَا يجوز جَازَ الِاسْتِخْلَاف بِنَاء على الْوَجْهَيْنِ فَهَل يكون الإِمَام من جملَة الْعدَد أَو زَائِدا عَلَيْهِ
ذكر القَاضِي حُسَيْن رَحمَه الله أَنه إِذا فرغ من صَلَاة الْجُمُعَة لم

(2/249)


يصل السّنة لَهَا حَتَّى يفصل بَينهمَا بالانتقال إِلَى مَكَان آخر وَذكر فِيهِ حَدِيثا
وَالَّذِي يَقْتَضِيهِ الْمَذْهَب أَنه لَا فرق بَين الْجُمُعَة وَبَين غَيرهَا
وَالسّنة أَن لَا تُقَام الْجُمُعَة إِلَّا بِإِذن السُّلْطَان فَإِن أُقِيمَت بِغَيْر إِذْنه صحت وَبِه قَالَ مَالك وَأحمد
وَقَالَ ابو حنيفَة لَا تَنْعَقِد الْجُمُعَة إِلَّا بِإِذن السُّلْطَان
وَتَصِح الْجُمُعَة خلف العَبْد وَالْمُسَافر إِذا كَانَ زَائِدا على الْعدَد وَبِه قَالَ ابو حنيفَة وَقَالَ مَالك وَأحمد فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُمَا لَا تصح الْجُمُعَة خلف العَبْد
وَفِي صِحَة الْجُمُعَة خلف الصَّبِي وَجْهَان وَخلف المتنفل قَولَانِ
وَلَا يجوز أَن تُقَام فِي بلد أَكثر من جُمُعَة وَاحِدَة وَبِه قَالَ مَالك

(2/250)


وَقَالَ ابو يُوسُف إِذا كَانَ الْبَلَد جانبين جَازَ أَن تُقَام فِيهِ جمعتان وَهُوَ قَول أبي الطّيب بن سَلمَة وَحمل بَغْدَاد على ذَلِك
وَقَالَ مُحَمَّد بن الْحسن يجوز أَن تُقَام فِي الْبَلَد الْوَاحِد جمعتان
وَإِن كَانَ جانبا وَاحِدًا فَلَيْسَ عَن ابي حنيفَة فِي ذَلِك شَيْء
وَقَالَ احْمَد إِذا عظم الْبَلَد وَكثر أَهله كبغداد وَالْبَصْرَة جَازَ أَن تُقَام فِيهِ جمعتان وَإِن لم يكن بهم حَاجَة إِلَى أَكثر من جُمُعَة لم يجز وعَلى هَذَا حمله أَحْمد أَبُو الْعَبَّاس بن سُرَيج وَأَبُو إِسْحَاق أَمر بَغْدَاد فِي جوامعها
وَقيل إِن بَغْدَاد كَانَت فِي الأَصْل قرى مُتَفَرِّقَة وَفِي كل قَرْيَة جُمُعَة ثمَّ اتَّصَلت الْعِمَارَة بَينهَا فَبَقيت الْجمع على حَالهَا

(2/251)


وَقَالَ دَاوُد الْجُمُعَة كَسَائِر الصَّلَوَات يجوز أَن يصلوها فِي مَسَاجِدهمْ فَإِن عقد جمعتان فِي بلد وَالْإِمَام مَعَ وَاحِدَة مِنْهُمَا وسبقت إِحْدَاهمَا صحت السَّابِقَة وبماذا يعْتَبر السَّبق فِيهِ قَولَانِ
أصَحهمَا أَنه يعْتَبر السَّبق بِالْإِحْرَامِ
وَالثَّانِي بالفراغ
وَإِن كَانَ الإِمَام مَعَ الثَّانِيَة فَفِيهِ قَولَانِ
أَحدهمَا أَن الأولى هِيَ الصَّحِيحَة
وَالثَّانِي أَن الثَّانِيَة هِيَ الصَّحِيحَة
وَإِن علم سبق إِحْدَاهمَا وَلَا إِمَام مَعَ وَاحِدَة مِنْهُمَا وَلم تتَعَيَّن حكم ببطلانها
وَحكى الشَّيْخ أَبُو حَامِد عَن الْمُزنِيّ أَنه قَالَ لَا تجب عَلَيْهِم الْإِعَادَة
فَإِذا قُلْنَا يجب عَلَيْهِم الْإِعَادَة فَفِيمَا يعيدون قَولَانِ
أَحدهمَا يلْزمهُم الْجُمُعَة إِن كَانَ الْوَقْت بَاقِيا
وَالثَّانِي أَنهم يصلونَ الظّهْر

(2/252)


- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بَاب صَلَاة الْعِيدَيْنِ
صَلَاة الْعِيد سنة
وَقَالَ أَبُو سعيد الْإِصْطَخْرِي هِيَ فرض على الْكِفَايَة
فَإِذا قُلْنَا إِنَّهَا سنة وَاتفقَ أهل بلد على تَركهَا فَهَل يُقَاتلُون فِيهِ وَجْهَان
أظهرهمَا أَنهم لَا يُقَاتلُون

(2/253)


وينادى لَهَا الصَّلَاة جَامِعَة
وَرُوِيَ عَن ابْن الزبير أَنه أذن لصَلَاة الْعِيد
وَقَالَ سعيد بن الْمسيب أول من أذن لصَلَاة الْعِيد مُعَاوِيَة رَضِي الله عَنهُ
وَالسّنة أَن يغْتَسل للعيدين وَفِي وَقت الْغسْل قَولَانِ
أَحدهمَا بعد الْفجْر الثَّانِي وَهُوَ قَول أَحْمد
وَالثَّانِي يجوز فِي النّصْف الثَّانِي من اللَّيْل كَذَا ذكر القَاضِي أَبُو الطّيب رَحمَه الله
قَالَ الشَّيْخ أَبُو نصر رَحمَه الله وَيحمل أَن يجوز فِي جَمِيع اللَّيْل

(2/254)


وَيكرهُ للْإِمَام التنقل قبل صَلَاة الْعِيد وَبعدهَا وَلَا يكره للْمَأْمُوم
وَقَالَ مَالك وَأحمد يكره للْمَأْمُوم أَيْضا
وَعَن مَالك رِوَايَة أُخْرَى أَنه إِذا صلى فِي الْمَسْجِد يجوز لَهُ التَّنَفُّل
وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالْحسن يكره لَهُ التَّنَفُّل قبلهَا وَلَا يكره بعْدهَا
وَصَلَاة الْعِيد رَكْعَتَانِ يكبر فِي الأولى سبع تَكْبِيرَات سوى تَكْبِيرَة الْإِحْرَام

(2/255)


وَفِي الثَّانِيَة خمس تَكْبِيرَات سوى تَكْبِيرَة الْقيام وَبِه قَالَ اللَّيْث وَدَاوُد
وَقَالَ مَالك وَأحمد التَّكْبِيرَات الزَّوَائِد فِي الأولى سِتّ تَكْبِيرَات وَهُوَ قَول الْمُزنِيّ وَأَبُو ثَوْر
وَقَالَ ابو حنيفَة التَّكْبِيرَات الزَّائِدَة فِي الرَّكْعَتَيْنِ جَمِيعًا سِتّ تَكْبِيرَات ثَلَاث فِي الأولى وَثَلَاث فِي الثَّانِيَة وَيرْفَع يَدَيْهِ فِي التَّكْبِيرَات وَبِه قَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد
وَقَالَ مَالك وَالثَّوْري لَا يرفع يَدَيْهِ إِلَّا فِي تَكْبِيرَة الِافْتِتَاح
فَإِذا كبر تَكْبِيرَة الْإِحْرَام أَتَى بِدُعَاء الِافْتِتَاح عقيبها ثمَّ يكبر تَكْبِيرَات الْعِيد ثمَّ يتَعَوَّذ وَيقْرَأ وَبِه قَالَ أَحْمد وَمُحَمّد بن الْحسن وَلَا يعرف لأبي حنيفَة فِيهِ شَيْء
وَقَالَ ابو يُوسُف يتَعَوَّذ قبل التَّكْبِيرَات والتكبيرات فيهمَا جَمِيعًا قبل الْقِرَاءَة

(2/256)


وَقَالَ أَبُو حنيفَة الْقِرَاءَة فِي الرَّكْعَة الثَّانِيَة قبل التَّكْبِير
وَعَن أَحْمد رِوَايَتَانِ
إِذا نسي تَكْبِيرَات الْعِيد حَتَّى شرع فِي الْقِرَاءَة لم يَأْتِ بهَا فِي أصح الْقَوْلَيْنِ
وَقَالَ فِي الْقَدِيم يَأْتِي بهَا وَيقطع الْقِرَاءَة وَإِن كَانَ قد فرغ من الْقِرَاءَة أَتَى بهَا وَلم يعد الْقِرَاءَة
فَإِن حضر مَأْمُوم وَسَبقه الإِمَام بالتكبيرات أَو بِبَعْضِهَا لم يقْض فِي قَوْله الْجَدِيد
وَقَالَ فِي الْقَدِيم يقْضِي
فَإِن أدْركهُ رَاكِعا كبر وَركع وَلَا يقْضِي تَكْبِيرَات العَبْد قولا وَاحِدًا وَبِه قَالَ أَحْمد وابو يُوسُف
وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمُحَمّد يكبر تَكْبِير الْعِيد فِي حَال الرُّكُوع

(2/257)


وَيقف بَين كل تكبيرتين يهلل ويحمد بِقدر آيَة لَا طَوِيلَة وَلَا قَصِيرَة
وَقَالَ ابو حنيفَة يَأْتِي بالتكبيرات نسقا من غير ذكر
وَقَالَ مَالك يقف بَين كل تكبيرتين على مَا ذَكرْنَاهُ من غير ذكر
قَالَ الشَّيْخ ابو نصر رَحمَه الله وَلم ار لأَصْحَابه
وَمَا يعتاده النَّاس من الذّكر بَين التَّكْبِيرَات من قَوْلهم الله أكبر كَبِيرا وَالْحَمْد لله كثيرا وَسُبْحَان الله بكره واصيلا حسن
وَمن اصحابنا من قَالَ يَقُول لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ وَله الْحَمد بِيَدِهِ الْخَيْر وَهُوَ على كل شَيْء قدير
ثمَّ يتَعَوَّذ وَيقْرَأ بعد الْفَاتِحَة فِي الأولى سُورَة ق وَفِي الثَّانِيَة اقْتَرَبت السَّاعَة
وَقَالَ ابو حنيفَة لَا تخْتَص الْقِرَاءَة بِسُورَة دون سُورَة
وَقَالَ مَالك وَأحمد يقْرَأ سبح اسْم رَبك الْأَعْلَى والغاشية
وَالسّنة إِذا فرغ من الصَّلَاة ان يخْطب خطبتين يستفتح الأولى بتسع تَكْبِيرَات نسقا وَالثَّانيَِة بِسبع تَكْبِيرَات نسقا

(2/258)


ذكر الشَّيْخ أَبُو حَامِد التَّكْبِيرَات قبل الْخطْبَة وَالْخطْبَة بعده وَهَذَا فِيهِ نظر وَيُشبه أَن يكون من الْخطْبَة
وَهل يجلس إِذا صعد الْمِنْبَر فِيهِ وَجْهَان
وَعَن مَالك رِوَايَتَانِ
فَإِن دخل رجل الْمَسْجِد وَالْإِمَام يخْطب
فقد قَالَ أَبُو عَليّ بن أبي هُرَيْرَة يُصَلِّي تَحِيَّة الْمَسْجِد وَلَا يُصَلِّي صَلَاة الْعِيد
وَقَالَ ابو إِسْحَاق الْمروزِي يُصَلِّي الْعِيد وَتحصل لَهُ تَحِيَّة الْمَسْجِد
روى الْمُزنِيّ رَحمَه الله أَنه يجوز صَلَاة الْعِيد للمنفرد وَالْمُسَافر وَالْعَبْد وَالْمَرْأَة
وَقَالَ فِي الْقَدِيم لَا يُصَلِّي الْعِيد حَيْثُ لَا يُصَلِّي الْجُمُعَة
فَمن أَصْحَابنَا من قَالَ فِيهِ قَولَانِ
أصَحهمَا أَنهم يصلونها
وَمِنْهُم من قَالَ لَا يصلونها قولا وَاحِدًا
وَالَّذِي يَقْتَضِيهِ ظَاهر كَلَام الشَّافِعِي رَحمَه الله أَنَّهَا بِمَنْزِلَة الْجُمُعَة فِي اعْتِبَار الْجَمَاعَة على قَوْله الْقَدِيم

(2/259)


وَأَن لَا تُقَام إِلَّا فِي مَوضِع وَاحِد من الْمصر إِلَّا أَنه لَا يعْتَبر فِيهَا عدد الْجُمُعَة والبنيان فَإِنَّهُ يجوز فعلهَا فِي الْمصلى وَقَوله الْقَدِيم قَول أبي حنيفَة وَأحمد فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ
فَإِن شهد شَاهِدَانِ يَوْم الثَّلَاثِينَ من رَمَضَان بعد الزَّوَال بِرُؤْيَة الْهلَال قضيت صَلَاة الْعِيد فِي أصح الْقَوْلَيْنِ
وَالثَّانِي لَا تقضى وَهُوَ قَول مَالك فَإِن لم يُمكن جمع النَّاس فِي الْيَوْم صليت فِي الْغَد وَهُوَ قَول أَحْمد
وَحكى الطَّحَاوِيّ عَن أبي حنيفَة أَنَّهَا لَا تقضى
وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد تقضى صَلَاة عيد الْفطر فِي الْيَوْم الثَّانِي وَصَلَاة عيد الْأَضْحَى فِي الثَّانِي وَالثَّالِث من ايام التَّشْرِيق
وَقَالَ أَصْحَاب أبي حنيفَة مَذْهَب أبي حنيفَة كمذهبهما
وَاخْتلف أَصْحَابنَا فِي عِلّة تَأْخِير الصَّلَاة إِلَى الْغَد
فَقَالَ ابو إِسْحَاق الْعلَّة تعذر اجْتِمَاع النَّاس فِي الْيَوْم

(2/260)


وَقيل الْعلَّة أَن يُؤْتى بهَا فِي الْوَقْت الَّذِي يُؤْتى بهَا فِيهِ وَالْأول أصح
فصل وَالتَّكْبِير سنة فِي الْعِيدَيْنِ
وَبِه قَالَ مَالك وَأحمد
وَحكى ابو يُوسُف عَن أبي حنيفَة أَن يكبر يَوْم الْأَضْحَى فِي ذَهَابه إِلَى الْمصلى وَلَا يكبر يَوْم الْفطر وَرُوِيَ عَنهُ نَحْو قَوْلنَا
وَحكي عَن إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ أَنه قَالَ إِنَّمَا يفعل ذَلِك الحواكون
وَقَالَ دَاوُد التَّكْبِير وَاجِب فِي الْعِيد
وَيَأْتِي بِالتَّكْبِيرِ نسقا فَإِن فصل بَينه بِذكر كَانَ حسنا
وَذكر فِي التَّعْلِيق أَن الْمُسْتَحبّ أَن لَا يذكر الله بَينه وَهَذَا خلاف نَص الشَّافِعِي رَحمَه الله
ذكر الْحَاوِي فِيمَا فعله النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لِمَعْنى وَزَالَ ذَاك الْمَعْنى

(2/261)


فَقَالَ أَبُو إِسْحَاق لَا يفعل إِلَّا بِدَلِيل
وَقَالَ ابو عَليّ بن أبي هُرَيْرَة يفعل
رُوِيَ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يَغْدُو فِي الْعِيد فِي طَرِيق وَيعود فِي أُخْرَى
فَقيل إِنَّه فعل ذَلِك لأجل الزحام
وَقيل بل لِأَن الطَّرِيق الَّذِي كَانَ يذهب فِيهِ أطول
وَقيل ليشهد لَهُ الطريقان وَقيل ليدْخل المسرة على أهل الطَّرِيقَيْنِ
وَأول وَقت تَكْبِير الْفطر إِذا غَابَتْ الشَّمْس من آخر يَوْم من الشَّهْر
وَقَالَ أَحْمد يكبر فِي يَوْم الْفطر
وَقَالَ إِسْحَاق وابو ثَوْر يكبر إِذا غَدا إِلَى الْمصلى
فَأَما آخر وَقت التَّكْبِير
فقد نقل الْمُزنِيّ رَحمَه الله أَنه يكبر إِلَى أَن يخرج الإِمَام إِلَى الصَّلَاة
وَقَالَ فِي رِوَايَة الْبُوَيْطِيّ إِلَى أَن يفْتَتح الصَّلَاة

(2/262)


وَقَالَ فِي الْقَدِيم إِلَى أَن ينْصَرف الإِمَام من الصَّلَاة
وَحكى الشَّيْخ ابو حَامِد والخطبتين
فَمن أَصْحَابنَا من قَالَ فِيهِ ثَلَاثَة أَقْوَال على ظَاهر النَّقْل
وَمِنْهُم من قَالَ الْمَسْأَلَة على قَول وَاحِد أَنه يكبر إِلَى أَن يفْتَتح الإِمَام الصَّلَاة
وَهل يسن التَّكْبِير الْمُقَيد للمنفرد فِي عيد الْفطر فِيهِ وَجْهَان
أظهرهمَا أَنه لَا يسْتَحبّ
وَقيل فِيهِ قَولَانِ قَوْله الْجَدِيد أَنه لَا يسْتَحبّ
وَالسّنة أَن يكبر ثَلَاثًا نسقا
وَقَالَ مَالك إِن شَاءَ كبر ثَلَاثًا وَإِن شَاءَ كبر مرَّتَيْنِ
وَقَالَ ابو حنيفَة يكبر مرَّتَيْنِ
وَفِي وَقت تَكْبِير عيد الْأَضْحَى ثَلَاثَة أَقْوَال
أَحدهمَا أَنه يكبر من الظّهْر يَوْم النَّحْر إِلَى الصُّبْح من آخر أَيَّام التَّشْرِيق وَبِه قَالَ مَالك

(2/263)


وَالثَّانِي أَنه يكبر من الْمغرب لَيْلَة النَّحْر إِلَى الصُّبْح من آخر أَيَّام التَّشْرِيق
وَالثَّالِث أَنه يكبر من الصُّبْح يَوْم عَرَفَة إِلَى الْعَصْر من آخر ايام التَّشْرِيق وَبِه قَالَ أَحْمد وَإِسْحَاق وَالثَّوْري وابو يُوسُف وَمُحَمّد بن الْحسن ويروى عَن عمر وَعلي رَضِي الله عَنْهُمَا
وَحكي فِي الْحَاوِي عَن أبي عَليّ بن ابي هُرَيْرَة وَأبي إِسْحَاق أَن الْمَسْأَلَة على قَول وَاحِد وَهُوَ الأول وَمَا سواهُ حَكَاهُ عَن غَيره وَالطَّرِيق الأول أصح وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ يكبر من الظّهْر يَوْم النَّحْر إِلَى الظّهْر من الْيَوْم الثَّالِث من أَيَّام التَّشْرِيق
وَقَالَ دَاوُد يكبر من الظّهْر يَوْم النَّحْر إِلَى الْعَصْر آخر التَّشْرِيق
وَقَالَ ابو حنيفَة يكبر من الصُّبْح يَوْم عَرَفَة إِلَى الْعَصْر من يَوْم النَّحْر
وويكبر خلف الْفَرَائِض فِي هَذِه الْأَيَّام وَهل يكبر خلف النَّوَافِل فِيهِ طَرِيقَانِ
أَحدهمَا أَنه يكبر قولا وَاحِدًا
وَالثَّانِي فِيهِ قَولَانِ

(2/264)


ذكر فِي الْحَاوِي فِيهِ طَريقَة ثَالِثَة أَنه يكبر خلفهَا قولا وَاحِدًا
وَقيل مَا سنّ لَهُ الْجَمَاعَة من النَّوَافِل يكبر عَقِبَيْهِ وَمَا لم يسن لَهُ الْجَمَاعَة لَا يكبر عَقِيبه
وَقَالَ ابو حنيفَة وَمَالك وَأحمد أَنه لَا يكبر خلفهَا بِحَال
فَإِن نسي التَّكْبِير أَتَى بِهِ فِي أَي وَقت ذكره
وَقَالَ أَبُو حنيفَة إِذا تكلم اَوْ خرج من الْمَسْجِد سقط
فَإِن فَاتَتْهُ صَلَاة فِي هَذِه الْأَيَّام فقضاها فِيهَا هَل يكبر عقيبها فِيهِ وَجْهَان
قَالَ الشَّيْخ الإِمَام وَعِنْدِي أَنه يَنْبَغِي أَن يكون هَذَانِ الْوَجْهَانِ على القَوْل الَّذِي يَقُول أَنه لَا يكبر خلف النَّوَافِل
وَذكر فِي الْحَاوِي أَنه على قَول من فرق بَين مَا يسن لَهُ الْجَمَاعَة وَبَين مَا لم يسن لَهُ وَفِي صَلَاة الْجِنَازَة وَجْهَيْن

(2/265)


أَحدهمَا يكبر
وَالثَّانِي لَا يكبر
وَحكى القَاضِي حُسَيْن رَحمَه الله أَنه لَا يكبر خلفهَا وَجها وَاحِدًا
قَالَ الشَّيْخ الإِمَام وَعِنْدِي أَنه يَنْبَغِي ان يبْنى على النَّفْل فَإِن قُلْنَا يكبر خلفهافهذه أولى وَإِن قُلْنَا لَا يكبر خلفهَا بنيت على الْفَوَائِت المقضية فِي ايام التَّشْرِيق لِأَنَّهُ لَا وَقت لَهَا
فَإِن أدْرك مَعَ الإِمَام بعض صَلَاة الْعِيد فَسلم الإِمَام قَامَ وَأتم صلَاته وَلم يُتَابع الإِمَام فِي التَّكْبِير الَّذِي يتبع الصَّلَاة
وَحكي عَن ابْن أبي ليلى أَنه قَالَ يكبر مَعَ الإِمَام ثمَّ يقوم إِلَى مَا فَاتَهُ
وَيكبر الْمُنْفَرد وَبِه قَالَ مَالك
وَقَالَ ابو حنيفَة لَا يكبر

(2/266)


- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بَاب صَلَاة الْكُسُوف
صَلَاة الْكُسُوف سنة وَهِي رَكْعَتَانِ فِي كل رَكْعَة قيامان وقراءتان وركوعان وسجودان فَيقْرَأ فِي الْقيام الأول بعد الْفَاتِحَة سُورَة الْبَقَرَة أَو بِقَدرِهَا ثمَّ يرْكَع ويسبح بِقدر مائَة آيَة ثمَّ يرفع وَيقْرَأ فِي الْقيام الثَّانِي بعد الْفَاتِحَة بِقدر مِائَتي آيَة من سُورَة الْبَقَرَة ثمَّ يرْكَع ويسبح بِقدر مِائَتي آيَة ثمَّ يسْجد كَمَا يسْجد فِي غَيرهَا
وَقَالَ ابو الْعَبَّاس بن سُرَيج يُطِيل السُّجُود وَلم يذكرهُ الشَّيْخ أَبُو نصر رَحمَه الله وَلَا غَيره

(2/267)


وَالشَّيْخ الإِمَام أَبُو إِسْحَاق قَالَ الأول أصح
ثمَّ يُصَلِّي الرَّكْعَة الثَّانِيَة فَيقْرَأ بعد الْفَاتِحَة مائَة وَخمسين آيَة ثمَّ يرْكَع بِقدر سبعين أَيَّة ثمَّ يرفع وَيقْرَأ بعد الْفَاتِحَة بِقدر مائَة آيَة ثمَّ يرْكَع بِقدر خمسين آيَة ثمَّ يرفع وَيسْجد وَبِه قَالَ مَالك وَأحمد
وَقَالَ أَبُو حنيفَة يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ مثل صَلَاة الصُّبْح
وَيسر بِالْقِرَاءَةِ فِي كسوف الشَّمْس وَبِه قَالَ ابو حنيفَة وَمَالك
وَقَالَ ابو يُوسُف وَمُحَمّد وَأحمد يجْهر بِالْقِرَاءَةِ فِيهَا فَإِن زَالَ الْكُسُوف وَهُوَ فِي الصَّلَاة فأتمها وَترك الْقيام الزَّائِد وَالرُّكُوع الزَّائِد فَفِيهِ وَجْهَان
أَحدهمَا أَنَّهَا لَا تصح

(2/268)


وَالثَّانِي أَنَّهَا تصح وَهُوَ الْأَصَح
فَإِن ترك الرُّكُوع وَالْقِيَام الزَّائِد مَعَ بَقَاء الْكُسُوف لم تصح صلَاته
ذكر القَاضِي حُسَيْن وَفِيه نظر
وَالسّنة أَن يُصَلِّي فِي خُسُوف الْقَمَر ايضا فِي جمَاعَة
وَقَالَ أَبُو حنيفَة يصلونَ فُرَادَى فِي بُيُوتهم
وَيسن أَن يخْطب بعد صَلَاة الْكُسُوف لَيْلًا وَنَهَارًا
وَقَالَ ابو حنيفَة وَمَالك لَا يسن الْخطْبَة بعد هَذِه الصَّلَاة
فَإِن أدْرك مَسْبُوق الإِمَام فِي الرُّكُوع الثَّانِي من صَلَاة الْكُسُوف لم يكن مدْركا للركعة فِي أصح الْوَجْهَيْنِ
وَالثَّانِي أَنه يكون مدْركا وَهُوَ قَول مَالك
فَإِن اجْتمع كسوف وجمعة فِي وَقت الْجُمُعَة وَالْوَقْت وَاسع بَدَأَ بالكسوف وَيقْرَأ فِي كل قيام فَاتِحَة الْكتاب وَقل هُوَ الله أحد
فَإِذا فرغ خطب خطْبَة للْجُمُعَة والكسوف وَصلى الْجُمُعَة
وَذكر القَاضِي حُسَيْن أَن الشَّافِعِي رَحمَه الله نَص فِي الْبُوَيْطِيّ أَنه يبْدَأ بِالْجمعَةِ وَالْخطْبَة لَهَا ثمَّ إِن بَقِي الْكُسُوف صلى لَهُ وَالْأول أولى

(2/269)


فَإِن طلع الْفجْر وَلم ينجل الْقَمَر صلى فِي أظهر الْقَوْلَيْنِ وتصلى صَلَاة الْكُسُوف جمَاعَة وفرادى
وَحكي عَن الثَّوْريّ وَمُحَمّد بن الْحسن أَنَّهُمَا قَالَا إِن صلى الإِمَام صلوها مَعَه وَلَا تصلى فُرَادَى
وَلَا تسن هَذِه الصَّلَاة لآيَة سوى الْكُسُوف من الزلازل وَالصَّوَاعِق والظلمة بِالنَّهَارِ
وَحكي عَن أَحْمد أَنه قَالَ يُصَلِّي فِي جمَاعَة لكل آيَة
وَحكي فِي الْحَاوِي أَن الشَّافِعِي رَحمَه الله حكى فِي اخْتِلَاف عَليّ أَنه صلى فِي زَلْزَلَة
وَحكي أَن الشَّافِعِي رَحمَه الله قَالَ إِن صَحَّ قلت بِهِ
فَمن اصحابنا من قَالَ اراد إِن صَحَّ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَمِنْهُم من قَالَ أَرَادَ إِن صَحَّ عَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ
وَمِنْهُم من قَالَ قلت بِهِ أَرَادَ فِي الزلزلة خَاصَّة
وَمِنْهُم من قَالَ فِي سَائِر الْآيَات
وَالأَصَح مَا ذَكرْنَاهُ
فَإِن زَاد فِي الصَّلَاة قيَاما ثَالِثا أَو رُكُوعًا لطول الْكُسُوف فقد حكى القَاضِي حُسَيْن أَنه يجوز ذَلِك وَرَوَاهُ مُسلم

(2/270)


وَمن أَصْحَابنَا من قَالَ لَا يجوز وَتبطل الصَّلَاة بذلك وَهُوَ الصَّحِيح
فَإِن فرغ من الصَّلَاة والكسوف بَاقٍ لم يزدْ فِي الصَّلَاة واشتغل بِالْخطْبَةِ
وَحكي فِيهِ وَجه آخر أَنه يُصَلِّي مرّة ثَانِيَة وَهُوَ نَص الشَّافِعِي رَحْمَة الله عَلَيْهِ

(2/271)


- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بَاب صَلَاة الاسْتِسْقَاء
يكون مَشْيه فِي خُرُوجه للاستسقاء وجلوسه وكل أمره فِي تواضع واستكانة
وَذكر بعض أَصْحَابنَا أَنه لَو أَرَادَ أَن يخرج حافيا ومكشوف الرَّأْس لم يكره وَهَذَا بعيد جدا
قَالَ الشَّافِعِي رَحمَه الله وَلَا آمُر بِإِخْرَاج الْبَهَائِم
وَقَالَ ابو إِسْحَاق اسْتحبَّ إخْرَاجهَا لَعَلَّ الله يرحمها

(2/272)


وَقيل يكره إِخْرَاج الْبَهَائِم
قَالَ وأكره إِخْرَاج من خَالف الْإِسْلَام للاستسقاء فِي مَوضِع مستسسقى الْمُسلمين فَإِن خَرجُوا تميزوا عَن الْمُسلمين فِي الْمَكَان وَلَا فرق بَين أَن يكون ذَلِك فِي يَوْم خُرُوج الْمُسلمين أَو فِي غَيره فِي أصح الْوَجْهَيْنِ ذكره فِي الْحَاوِي
وَالثَّانِي أَن الإِمَام يَأْذَن لَهُم فِي الْخُرُوج فِي غير الْيَوْم الَّذِي يخرج فِيهِ الْمُسلمُونَ
وَكتب يزِيد بن عبد الْملك بِإِخْرَاج أهل الذِّمَّة للاستسقاء إِلَى عماله فَلم يعب عَلَيْهِ أحد فِي زَمَانه
وَقَالَ مَكْحُول لَا بَأْس بِإِخْرَاج أهل الذِّمَّة مَعَ الْمُسلمين للاستسقاء
وَقَالَ إِسْحَاق لَا يَأْمُرهُم بِهِ وَلَا ينهاهم عَنهُ
وَصَلَاة الاسْتِسْقَاء رَكْعَتَانِ كَصَلَاة الْعِيد وَرُوِيَ ذَلِك عَن عمر بن عبد الْعَزِيز وَسَعِيد بن الْمسيب وَهُوَ قَول أبي يُوسُف وَمُحَمّد وَإِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَن أَحْمد

(2/273)


وَقَالَ مَالك يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ من غير تَكْبِير زَائِد وَهِي الرِّوَايَة الثَّانِيَة عَن أَحْمد
وَقَالَ ابو حنيفَة لَا يُصَلِّي للاستسقاء
وَقَالَ أَصْحَابه يَعْنِي أَنَّهَا لَيست بِسنة
ويقرا فِي الأولى سُورَة ق وَفِي الثَّانِيَة اقْتَرَبت السَّاعَة
وَمن أَصْحَابنَا من قَالَ يقْرَأ فِي الثَّانِيَة سُورَة نوح وَالْأول أصح
وَالسّنة أَن يخْطب بعد الصَّلَاة
وَحكي عَن ابْن الزبير أَنه خطب وَصلى وَبِه قَالَ اللَّيْث ويروى عَن عمر بن عبد الْعَزِيز
وَقَالَ ابو حنيفَة وَمَالك لَا يسن الْخطْبَة بعد هَذِه الصَّلَاة وَلم يذكر أَحْمد الْخطْبَة
وَيسْتَحب إِذا خطب فِي الثَّانِي أَن يسْتَقْبل الْقبْلَة ويحول رِدَاءَهُ وينكسه فَيجْعَل أَعْلَاهُ أَسْفَله وأسفله أَعْلَاهُ إِن أمكنه وَكَذَلِكَ الْمَأْمُوم
وَقَالَ ابو حنيفَة لَا يسْتَحبّ ذَلِك
وَحكى الطَّحَاوِيّ عَن أبي يُوسُف أَنه قَالَ يحول الإِمَام رِدَاءَهُ دون المامومين

(2/274)


إِذا نذر أَن يستسقى بِالنَّاسِ ويخطب لم يَفِ بنذره حَتَّى يخْطب قَائِما وَلَو خطب رَاكِبًا للبعير أَجزَأَهُ كَذَا ذكر فِي الْحَاوِي وَفِي أَجْزَائِهِ رَاكِبًا نظر
وَذكر القَاضِي حُسَيْن رَحمَه الله أَنه إِذا نذر الاسْتِسْقَاء فِي حَال الجدوبة لزمَه أَن يُصَلِّي إِن نذر الصَّلَاة وَإِن أطلق فَفِيهِ وَجْهَان
أصَحهمَا أَنه يلْزمه أَن يُصَلِّي
وَإِن نذر فِي زمَان الخصبى أَن يَسْتَسْقِي فَفِيهِ وَجْهَان
أَحدهمَا يَسْتَسْقِي فيشكر الله تَعَالَى ويسأله دوَام النِّعْمَة
فَإِن استسقوا فَلم يسقوا عَادوا من الْغَد
وَقَالَ فِي الْقَدِيم يَأْمُرهُم الإِمَام أَن يَصُومُوا ثَلَاثًا ثمَّ يعودون
فَمن اصحابنا من قَالَ فِيهِ قَولَانِ
قَالَ ابْن الْقطَّان لَيْسَ فِي الاسْتِسْقَاء مَسْأَلَة فِيهَا قَولَانِ سوى هَذِه الْمَسْأَلَة

(2/275)


وَقيل إِنَّهَا لَيست على قَوْلَيْنِ وَإِنَّمَا جوز هَذَا وَهَذَا
وَقَالَ الشَّيْخ ابو حَامِد حَيْثُ قَالَ يوالون إِذا لم يقطعهم عَن معاشهم وَحَيْثُ قَالَ يَصُومُونَ إِذا كَانَت الْمُوَالَاة تقطعهم عَن معاشهم

(2/276)


= كتاب الْجَنَائِز

(2/277)


وَيسْتَحب عِيَادَة الْمَرِيض
وَشرط الشَّيْخ ابو نصر رَحمَه الله فِي عِيَادَة الْمَرِيض أَن يكون مُسلما
وَذكر فِي الْحَاوِي أَنه يسْتَحبّ أَن يعم بعيادته المرضى فَلَا يخص بهَا قَرِيبا من بعيد وَذكر أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَاد غُلَاما يَهُودِيّا وَهَذَا فِيهِ اشْتِبَاه

(2/279)


قَالَ الشَّيْخ الإِمَام وَالصَّوَاب عِنْدِي أَن يُقَال عبَادَة الْكَافِر فِي الْجُمْلَة جَائِزَة والقربة فِيهَا مَوْقُوفَة على نوع حُرْمَة يقْتَرن بهَا من جوَار أَو قرَابَة
وَإِذا حضر الْمَرِيض الْمَوْت فَإِنَّهُ يضجع على جنبه الْأَيْمن مُسْتَقْبل الْقبْلَة
وَقيل يلقى على ظَهره
فَإِن كَانَ الْمَيِّت رجلا لَا زَوْجَة لَهُ فأولاهم بِغسْلِهِ الْأَب ثمَّ الْجد ثمَّ الإبن ثمَّ إِبْنِ الإبن ثمَّ الْأَخ ثمَّ ابْن الْأَخ ثمَّ الْعم ثمَّ ابْن الْعم
فَإِن كَانَ لَهُ زَوْجَة جَازَ لَهَا أَن تغسله وَهل تقدم على الْأَقَارِب فِيهِ وَجْهَان
فَإِن كَانَ الْمَيِّت امْرَأَة لَا زوج لَهَا فالنساء أَحَق بغسلها فَتقدم ذَات الرَّحِم الْمحرم ثمَّ ذَات الرَّحِم غير الْمحرم ثمَّ الْأَجْنَبِيَّة

(2/280)


فَإِن كَانَ لَهَا زوج جَازَ لَهُ غسلهَا وَبِه قَالَ مَالك وَإِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَن أَحْمد وَهل يقدم على النِّسَاء فِيهِ وَجْهَان
وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالثَّوْري لَا يجوز للزَّوْج أَن يغسلهَا وَيجوز لَهَا أَن تغسله
فَإِن مَاتَ أحد الزَّوْجَيْنِ فِي عدَّة الرّجْعَة لم يكن للْآخر غسله
وَعَن مَالك فِيهِ رِوَايَتَانِ
فَإِن مَاتَت أم وَلَده أَو أمته جَازَ لَهُ غسلهَا
وَقَالَ أَبُو حنيفَة لَا يجوز
وَإِن مَاتَ السَّيِّد فَهَل يجوز لَهَا غسله فِيهِ وَجْهَان
أَحدهمَا لَا يجوز وَهُوَ قَول أبي عَليّ الطَّبَرِيّ
وَالثَّانِي يجوز وَهُوَ قَول أبي حنيفَة فِي أم الْوَلَد
وَإِن مَاتَت امْرَأَة وَلَيْسَ هُنَاكَ إِلَّا رجل أَجْنَبِي أومات رجل وَلَيْسَ هُنَاكَ إِلَّا امْرَأَة أَجْنَبِيَّة فَفِيهِ وَجْهَان
أَحدهمَا أَنه ييمم وَبِه قَالَ مَالك وَأَبُو حنيفَة إِلَّا أَن مَالِكًا قَالَ تيَمّم الْمَرْأَة فِي وَجههَا وكفيها
وَالثَّانِي يستر بِثَوْب ويلف غاسله على يَده خرقَة ثمَّ يغسلهُ وَيصب المَاء عَلَيْهِ وَبِه قَالَ النَّخعِيّ

(2/281)


وَعَن أَحْمد رِوَايَتَانِ
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ يدْفن من غير غسل وَلَا ييمم
فَإِن كَانَ الْمَيِّت خُنْثَى وَلَا محرم لَهُ فَإِنَّهُ يكون على الْوَجْهَيْنِ
ذكر فِي الْحَاوِي أَن ابا عبد الله الزبيرِي ذكر أَنه يغسل فِي قَمِيص وَيكون مَوضِع غسله مظلما
وَقيل يَنْبَغِي أَن يشترى لَهُ جَارِيَة من مَاله أَو من مَال بَيت المَال لتغسله وَلَيْسَ بِصَحِيح
وَقَالَ الْقفال الْخُنْثَى تبقى على حكم الصَّغِير فيغسله الرِّجَال وَالنِّسَاء وَهَذَا فَاسد
وَالصَّحِيح الطَّرِيقَة الأولى
وَيجوز أَن يغسل من أَقَاربه من الْكفَّار وَإِن كَانَ أَقَاربه من الْكفَّار أولى بِغسْلِهِ
وَقَالَ مَالك لَا يجوز لَهُ غسل قَرِيبه الْكَافِر بِحَال
وَالْمُسْتَحب أَن يغسل فِي قَمِيص وَبِه قَالَ أَحْمد
وَقَالَ ابو حنيفَة وَمَالك تجريده من ثِيَابه أفضل

(2/282)


وَذكر فِي الْحَاوِي أَن الأولى أَن يغسل تَحت سقف
وَقيل بل الأولى أَن يغسل تَحت السَّمَاء
وَالْمَاء الْبَارِد أولى من المسخن إِلَّا أَن يكون الْبرد شَدِيدا أَو يكون الْوَسخ بِهِ كثيرا وَبِه قَالَ أَحْمد

وَقَالَ ابو حنيفَة المسخن أولى بِكُل حَال
وَهل تجب نِيَّة الْغسْل فِيهِ وَجْهَان
وَيسْتَحب أَن يوضئه وضوءه للصَّلَاة ويلف على إصبعه خرقَة يدخلهَا فِي فِيهِ ويسوك أَسْنَانه وَيدخل اصبعيه فِي مَنْخرَيْهِ ويغسلهما
وَقَالَ ابو حنيفَة لَا يسْتَحبّ لَهُ ذَلِك
وَإِن كَانَت لحيته ملبدة سرحها بِمشْط منفرج الْأَسْنَان تسريحا رَفِيقًا
وَقَالَ ابو حنيفَة لَا يفعل ذَلِك
وَتَكون الغسلة الأولى بِالْمَاءِ والسدر وَهل يعْتد بهَا من جملَة الغسلات الثَّلَاث فِيهِ وَجْهَان

(2/283)


قَالَ ابو إِسْحَاق يعْتد بهَا من جملَة الغسلات الثَّلَاث
وَذكر القَاضِي حُسَيْن رَحمَه الله أَن من اصحابنا من ذكر الْغسْل بالسدر وَالْمَاء للتنظيف من غير وضوء ثمَّ يوضئه بعد ذَلِك
فَإِذا غسلت الْمَرْأَة ضفر شعرهَا وَجعل ثَلَاثَة قُرُون وتلقى خلفهَا وَبِه قَالَ أَحْمد
وَقَالَ ابو حنيفَة يتْرك على حَالهَا من غير ضفر على منكبيها إِلَى صدرها
فَإِن خرج من الْمَيِّت شَيْء بعد غسله فَفِيهِ ثَلَاثَة أوجه
أَحدهَا أَنه يَكْفِي غسل الْمحل وَهُوَ قَول أبي حنيفَة وَالثَّوْري
وَالثَّانِي أَنه يجب مِنْهُ الْوضُوء
وَالثَّالِث أَنه يجب إِعَادَة الْغسْل وَهُوَ ظَاهر كَلَام الشَّافِعِي رَحمَه الله وَهُوَ قَول احْمَد وَفِي نتف إبطه وَحلق عانته وحف شَاربه قَولَانِ
أَحدهمَا يكره وَهُوَ قَول مَالك وابي حنيفَة وَاخْتِيَار الْمُزنِيّ وَقَالَ فِي الْجَدِيد لَا بَأْس بِهِ وَهُوَ قَول أَحْمد
وَحكي عَن مَالك فِي الْحَيّ إِذا حلق شَاربه يُعَزّر
وَلَا يحلق رَأسه
وَقَالَ ابو إِسْحَاق إِن كَانَ لَهُ جمة حلق رَأسه وَالْمذهب الأول

(2/284)


وَيسْتَحب لمن غسل مَيتا أَن يغْتَسل وَلَا يجب ذَلِك
وَقَالَ فِي الْبُوَيْطِيّ إِن صَحَّ الحَدِيث قلت بِوُجُوبِهِ وَالْأول أصح وَهل هُوَ آكِد أم غسل الْجُمُعَة فِيهِ قَولَانِ
فَإِن رأى من الْمَيِّت مَا يكره
ذكر الشَّيْخ ابو نصر رَحمَه الله أَنه يسْتَحبّ لَهُ كِتْمَانه
وَذكر الشَّيْخ ابو إِسْحَاق فِي الْمُهَذّب أَنه لَا يجوز لَهُ ذكره وَهُوَ الْأَصَح
وَإِن رأى مَا يُعجبهُ اسْتحبَّ أَن يظهره
وَقيل لَا يظهره وَلَيْسَ بِشَيْء

(2/285)


فصل
إِذا مَاتَت الْمَرْأَة وَلها زوج وَجب كفنها فِي مَالهَا فِي أحد الْوَجْهَيْنِ وَهُوَ قَول أبي إِسْحَاق
وَفِي الثَّانِي تجب على الزَّوْج وَهُوَ قَول أبي عَليّ بن أبي هُرَيْرَة وَهُوَ قَول أبي حنيفَة
واقل الْكَفَن مَا يستر بِهِ الْعَوْرَة
وَقيل اقله ثوب يعم جَمِيع الْبدن
وَالْمُسْتَحب أَن يُكفن الرجل فِي ثَلَاثَة أَثوَاب إِزَار ولفافتين
وَقَالَ أَبُو حنيفَة يُكفن فِي ثَلَاثَة أَثوَاب إِزَار ورداء قَمِيص
وَالْمُسْتَحب أَن تكفن الْمَرْأَة فِي خَمْسَة اثواب وَهل يكون فِيهِ قَمِيص فِيهِ قَولَانِ ويشد عَلَيْهَا الأكفان بِثَوْب
فَمن أَصْحَابنَا من قَالَ هُوَ ثوب سادس فَيحل عَنْهَا وينحى
وَقيل يدْفن مَعهَا

(2/286)


وَحكي عَن مَالك أَنه قَالَ لَيْسَ للكفن حد مَحْدُود
ومؤونة تجهيز الْمَيِّت من رَأس المَال مُقَدّمَة على دُيُون الْغُرَمَاء وَحقّ الْوَرَثَة
وَحكي عَن طَاوس أَنه قَالَ إِن كَانَ مَاله كثيرا كَانَ من راس مَاله وَإِن كَانَ قَلِيلا فَمن ثلثه
وَحكي عَن خلاس بن عَمْرو أَنه قَالَ هُوَ من ثلثه
فَإِن قَالَ بعض الْوَرَثَة يُكفن بِثَوْب وَقَالَ بَعضهم بِثَلَاثَة أَثوَاب فَفِيهِ وَجْهَان
أَحدهمَا يُكفن بِثَوْب
وَالثَّانِي بِثَلَاثَة
وَفِي وجوب الكافور والحنوط وَجْهَان وَقيل قَولَانِ
ويبسط اوسعها ثمَّ أحْسنهَا ثمَّ الثَّانِي ثمَّ الَّذِي يَلِي الْمَيِّت ويلف فِي الْكَفَن وَيجْعَل مَا يَلِي راسه أَكثر
قَالَ الشَّافِعِي رَحمَه الله وتثنى ضفة الثَّوْب فَيبْدَأ بالأيسر على الْأَيْمن وبالأيمن على الْأَيْسَر

(2/287)


وَقَالَ فِي مَوضِع آخر يبْدَأ بالأيمن على الْأَيْسَر ثمَّ بالأيسر على الْأَيْمن فَمن أَصْحَابنَا من قَالَ فِيهِ قَولَانِ
وَمِنْهُم من قَالَ قولا وَاحِدًا يثنى الْأَيْسَر على الْأَيْمن والأيمن على الْأَيْسَر وَهَذَا أصح
فَإِن مَاتَ كَافِر لَا مَال لَهُ وَلَا لَهُ من يجب عَلَيْهِ تكفينه فَهَل يجب تكفينه من بَيت المَال فِيهِ وَجْهَان
أَحدهمَا يجب
وَالثَّانِي أَنه يدْفن بِغَيْر كفن
فَإِن مَاتَ محرم لم يقرب طيبا وَلم يلبس مخيطا وَلم يخمر رَأسه وَبِه قَالَ عَطاء وَأحمد وَدَاوُد
وَقَالَ ابو حنيفَة يبطل إِحْرَامه بِمَوْتِهِ فيفعل بِهِ مَا يفعل بِسَائِر الْمَوْتَى
وَإِن مَاتَت مُعْتَدَّة عَن وَفَاة فَفِيهِ وَجْهَان
أَحدهمَا أَنَّهَا لَا تقرب طيبا

(2/288)


فصل
الصَّلَاة على الْمَيِّت فرض على الْكِفَايَة
وَحكي عَن أصبغ من اصحاب مَالك أَنَّهَا سنة
وَفِي أدنى مَا يَكْفِي قَولَانِ
أَحدهمَا أَن أقل ذَلِك ثَلَاثَة
وَالثَّانِي وَاحِد
وَلَا يكره فعلهَا فِي شَيْء من الْأَوْقَات
وَقَالَ ابو حنيفَة يكره فعلهَا فِي الْأَوْقَات الثَّلَاثَة وَهُوَ قَول أَحْمد وَقَالَ مَالك يكره فعلهَا عِنْد طُلُوع الشَّمْس وغروبها وَلَا يكره فعلهَا فِي الْمَسْجِد وَبِه قَالَ أَحْمد
وَقَالَ ابو حنيفَة وَمَالك يكره فعلهَا فِيهِ

(2/289)


وَإِن كَانَ مَعَ الْمَيِّت نسَاء لَا رجل مَعَهُنَّ صلين عَلَيْهِ فُرَادَى
وَقَالَ ابو حنيفَة يصلين عَلَيْهِ جمَاعَة
وَيكرهُ نعي الْمَيِّت والنداء عَلَيْهِ وَبِه قَالَ أَحْمد
وَقَالَ أَبُو حنيفَة لَا بَأْس بِهِ
فصل
وأولاهم بِالصَّلَاةِ عَلَيْهِ الْأَب ثمَّ الْجد ثمَّ الإبن ثمَّ ابْن الإبن ثمَّ الْأَخ ثمَّ ابْن الْأَخ ثمَّ الْعم ثمَّ ابْن الْعم وَالْأَخ من الْأَب وَالأُم أولى من الْأَخ من الْأَب
وَقيل فِيهِ قَولَانِ

(2/290)


فَإِن اجْتمع الْوَلِيّ الْمُنَاسب والوالي فالولي أولى فِي قَوْله الْجَدِيد
وَقَالَ فِي الْقَدِيم الْوَالِي أولى وَهُوَ قَول أبي حنيفَة وَمَالك وَأحمد
وَقَالَ مَالك الابْن مقدم على الْأَب فِي صَلَاة الْجِنَازَة وَكَذَا يَقُول الْأَخ أولى من الْجد وَالِابْن أولى بِالصَّلَاةِ على الْأُم من زَوجهَا وَإِن كَانَ أَبَاهُ
وَقَالَ ابو حنيفَة لَا ولَايَة للزَّوْج فِي التَّقَدُّم فِي الصَّلَاة على زَوجته إِلَّا أَنه يكره للِابْن أَن يتَقَدَّم على ابيه
نَص الشَّافِعِي رَحمَه الله على أَنه يقدم الأسن فِي صَلَاة الْجِنَازَة على الأقرأ الأفقه وَنَصّ فِي إِمَامَة الصَّلَاة على أَنه يقدم الأفقه الأقرأ
فَمن أَصْحَابنَا من خرج هَا هُنَا قولا آخر أَن الأفقه الأقرأ أولى
وَمِنْهُم من فرق بَينهمَا
فَإِن أوصى إِلَى رجل ليُصَلِّي عَلَيْهِ لم يكن أولى من الْأَوْلِيَاء
وَقَالَ أَحْمد يقدم حكم الْوَصِيَّة على كل ولي
وَمن شَرط صِحَة الصَّلَاة على الْجِنَازَة الطَّهَارَة وسترالعورة

(2/291)


وَقَالَ ابْن جرير الطَّبَرِيّ وَالشعْبِيّ يجوز الصَّلَاة على الْجِنَازَة بِغَيْر طَهَارَة وَهُوَ قَول الشِّيعَة وَيقف الإِمَام عِنْد رَأس الرجل وعجيزة الْمَرْأَة وَبِه قَالَ ابو يُوسُف وَمُحَمّد
وَذكر أَبُو عَليّ الطَّبَرِيّ فِي الإفصاح أَنه يقف من الرجل عِنْد صَدره وَهُوَ قَول أَحْمد
وَقَالَ ابو حنيفَة يقف عِنْد صدر الرجل وَالْمَرْأَة
وَقَالَ مَالك يقف من الرجل عِنْد وَسطه وَمن الْمَرْأَة عِنْد منكبيها ثمَّ يكبر أَرْبعا وَبِه قَالَ مَالك وابو حنيفَة وَأحمد وَدَاوُد
وَحكي عَن ابْن سِيرِين أَنه قَالَ يكبر ثَلَاثًا

(2/292)


وَقَالَ زيد بن أَرقم وَحُذَيْفَة بن الْيَمَان يكبر خمْسا وَبِه قَالَت الشِّيعَة
وَعَن عبد الله بن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ أَنه قَالَ كبر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على الْجَنَائِز تسعا وَسبعا وخمسا وأربعا فكبروا مَا كبر الإِمَام وَلَا يزِيد على تسع
يرْوى عَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ أَنه كبر على أبي قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ سبعا وَكَانَ بَدْرِيًّا وَكبر على سهل بن حنيف سِتا وَكَانَ بَدْرِيًّا
وروى عبد خير عَنهُ انه كَانَ يكبر على أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم غير اهل بدر خمْسا وعَلى سَائِر النَّاس أَرْبعا

(2/293)


وَيرْفَع يَدَيْهِ فِي جَمِيع التَّكْبِيرَات حَذْو مَنْكِبَيْه
وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك لَا يرفع يَدَيْهِ إِلَّا فِي التَّكْبِيرَة الأولى فَإِن زَاد على ارْبَعْ لم تبطل صلَاته وَإِن تَعَمّده
وَحكى القَاضِي حُسَيْن أَنَّهَا تبطل وَلَيْسَ بِصَحِيح
فَإِن صلى خلف إِمَام فَزَاد على أَربع تَكْبِيرَات لم يُتَابِعه فِي الزِّيَادَة
وَحكي عَن أَحْمد أَنه قَالَ يُتَابِعه إِلَى سبع
وَحكي فِي الْحَاوِي وَجْهَيْن فِي انْتِظَاره هَذِه الزِّيَادَة
ثمَّ يقْرَأ فَاتِحَة الْكتاب بعد التَّكْبِيرَة الأولى وَذَلِكَ فرض وَبِه قَالَ أَحْمد وَدَاوُد
وَقَالَ ابو حنيفَة وَمَالك لَا يقْرَأ فِيهَا شَيْئا من الْقُرْآن ثمَّ يكبر الثَّانِيَة ويحمد الله وَيُصلي على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَيَدْعُو للْمُؤْمِنين وَالْمُؤْمِنَات وَالصَّلَاة على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عندنَا وَاجِبَة وَالدُّعَاء مُسْتَحبّ ثمَّ يكبر الثَّالِثَة وَيَدْعُو للْمَيت وَالدُّعَاء

(2/294)


الْوَاجِب غير مُقَدّر ثمَّ يكبر الرَّابِعَة وَيَقُول اللَّهُمَّ لَا تَحْرِمنَا اجره وَلَا تفتنا بعده واغفر لنا وَله
وَحكي عَن أبي عَليّ بن أبي هُرَيْرَة أَنه كَانَ يَقُول رَبنَا أتنا فِي الدُّنْيَا حَسَنَة وَفِي الْآخِرَة حَسَنَة وقنا عَذَاب النَّار ثمَّ يسلم تسليمتين
وَقَالَ احْمَد يسلم تَسْلِيمَة وَاحِدَة عَن يَمِينه
وَفِي قِرَاءَة السُّورَة بعد الْفَاتِحَة وَجْهَان وَفِي دُعَاء الاستفتاح والتعوذ قبل الْقِرَاءَة وَجْهَان
أَحدهمَا وَهُوَ اخْتِيَار القَاضِي ابي الطّيب رَحمَه الله أَنه يَأْتِي بذلك وَفِي اسْتِحْبَاب التَّحْمِيد فِي التَّكْبِيرَة الثَّانِيَة وَجْهَان
وَيسر فيهمَا بِالْقِرَاءَةِ بِكُل حَال
وَقَالَ أَبُو الْقَاسِم الداركي إِذا اتّفقت بِاللَّيْلِ جهر فِيهَا بِالْقِرَاءَةِ

(2/295)


فَإِن اجْتمع جنائز الرِّجَال وَالنِّسَاء وَالصبيان والخناثى جعل الرِّجَال مِمَّا يَلِي الإِمَام ثمَّ الصّبيان ثمَّ الخناثى ثمَّ النِّسَاء إِذا احْتِيجَ إِلَى جمعهم فِي الصَّلَاة مرّة وَاحِدَة وَهُوَ قَول مَالك
وَحكي عَن الْقَاسِم بن مُحَمَّد وَالْحسن الْبَصْرِيّ أَنه يَجْعَل الرِّجَال مِمَّا يَلِي الْقبْلَة وَالْمَرْأَة مِمَّا يَلِي الإِمَام
وَمن فَاتَهُ بعض الصَّلَاة مَعَ الإِمَام افْتتح الصَّلَاة وَلم ينْتَظر تَكْبِير الإِمَام
وَقَالَ ابو حنيفَة وَأحمد ينْتَظر تَكْبِير الإِمَام ليكبر مَعَه
وَعَن مَالك رِوَايَتَانِ
فَإِن أدْركهُ مَأْمُوم فِي الْقِرَاءَة احرم خَلفه وَقَرَأَ فَإِن كبر الإِمَام الثَّانِيَة قبل أَن يفرغ من الْقِرَاءَة قطع الْقِرَاءَة وَكبر مَعَه فِي أصح الْوَجْهَيْنِ كالمسبوق
قَالَ الشَّيْخ ابو نصر رَحمَه الله إِلَّا أَنه بعد التَّكْبِيرَة الثَّانِيَة مَحل الْقِرَاءَة بِخِلَاف حَال الرُّكُوع فَيَنْبَغِي أَن يتم الْقِرَاءَة بعد التَّكْبِيرَة الثَّانِيَة قَالَ وَيُمكن أَن يُقَال لَا يتم الْقِرَاءَة بعد التَّكْبِيرَة الثَّانِيَة مَعَ الإِمَام

(2/296)


لِأَنَّهُ لما أدْركهُ مَعَ الإِمَام مَحل الْقِرَاءَة صَار هَذَا مَحل قِرَاءَته دون مَا بعد الثَّانِيَة فَإِن أدْرك الإِمَام فِي التَّكْبِيرَة الرَّابِعَة كبر مَعَه وتمم
وَقَالَ فِي مَوضِع آخر إِذا سلم الإِمَام أَتَى بِالتَّكْبِيرِ نسقا فَحصل فِيهِ قَولَانِ
أَحدهمَا يكبر نسقا
وَالثَّانِي يَأْتِي بِمَا شرع فِيهِ وَإِن رفعت الْجِنَازَة
وَلَا يُصَلِّي على الْجِنَازَة قَاعِدا مَعَ الْقُدْرَة وَلَا رَاكِبًا وَبِه قَالَ أَبُو حنيفَة إِلَّا أَن اصحابه قَالُوا الْقيَاس أَن يجوز فعلهَا رَاكِبًا كسجود التِّلَاوَة
فَإِن حضر من قد صلى مرّة فَهَل يُعِيد الصَّلَاة مَعَ من لم يصل فِيهِ وَجْهَان وَإِن حضر من لم يصل عَلَيْهِ صلى على الْقَبْر وَإِلَى أَي وَقت تجوز الصَّلَاة على الْقَبْر فِيهِ أَرْبَعَة أوجه
أَحدهَا إِلَى شهر وَبِه قَالَ أَحْمد
وَالثَّانِي يصل عَلَيْهِ مَا لم يبل
وَالثَّالِث يُصَلِّي عَلَيْهِ من كَانَ من أهل فرض الصَّلَاة عَلَيْهِ عِنْد الْمَوْت
وَالرَّابِع أَنه يُصَلِّي عَلَيْهِ أبدا
وَقَالَ ابو حنيفَة وَمَالك لَا يصلى على الْقَبْر إِلَّا أَن يكون قد دفن قبل أَن يصلى عَلَيْهِ فيصلى عَلَيْهِ إِلَى ثَلَاثَة ايام

(2/297)


وَمِنْهُم من قَالَ إِذا شككنا فِي تغيره لم يصل عَلَيْهِ
وَلَا يصلى على الْجِنَازَة مرَّتَيْنِ إِلَّا أَن يكون الْوَلِيّ غَائِبا فيحضر وَقد صلى غَيره فَيصَلي وَتجوز الصَّلَاة على الْمَيِّت الْغَائِب وَبِه قَالَ أَحْمد
وَقَالَ ابو حنيفَة وَمَالك لَا تجوز الصَّلَاة على الْمَيِّت الْغَائِب
وَلَا يكره الدّفن بِاللَّيْلِ
وَقَالَ الْحسن يكره فَإِن دفن قبل الْغسْل نبش وَغسل إِذا لم يكن قد تقطع

(2/298)


وَقَالَ أَصْحَاب أبي حنيفَة إِذا أهيل عَلَيْهِ التُّرَاب قبل الْغسْل لم ينبش وَإِن دفن من غير تكفين نبش فِي اُحْدُ الْوَجْهَيْنِ وكفن
فَإِن مَاتَت امْرَأَة وَفِي جوفها جَنِين حَيّ شقّ جوفها وَأخرج
وَمن أَصْحَابنَا من قَالَ إِذا قَالَ القوابل إِنَّه لمددة يعِيش فِي مثلهَا اخْرُج وَإِلَّا ترك
وَقَالَ أَحْمد يسطلمه القوابل فَإِن خرج وَإِلَّا ترك حَتَّى يَمُوت ثمَّ يدْفن فَإِن مَاتَت امْرَأَة ذِمِّيَّة وَفِي جوفها جَنِين مُسلم دفنت بَين مَقَابِر الْمُسلمين وَالْكفَّار
وَقيل يَجْعَل ظهرهَا إِلَى الْقبْلَة
فَإِن ابتلع جَوْهَرَة لغيره وَمَات شقّ جَوْفه فِي أصح االوجهين
وَفِي الثَّانِي ينْتَقل حَقه إِلَى الْقيمَة فِي تركته وَإِن ابتلع جَوْهَرَة لنَفسِهِ ثمَّ مَاتَ شقّ جَوْفه فِي اُحْدُ الْوَجْهَيْنِ

(2/299)


فَإِن وجد بعض الْمَيِّت غسل وَصلي عَلَيْهِ وَبِه قَالَ أَحْمد
وَقَالَ ابو حنيفَة وَمَالك إِن وجد أَكْثَره صلي عَلَيْهِ
وَحكي عَن عبد الْعَزِيز بن الْمَاجشون أَنه يُصَلِّي عَلَيْهِ ينوى الصَّلَاة على الْمَيِّت
وَيغسل السقط إِذا اسْتهلّ
وَحكي عَن سعيد بن جُبَير أَنه قَالَ لَا يصلى على الصَّبِي الَّذِي لم يبلغ
وَحكي عَن بعض النَّاس أَنه قَالَ إِن كَانَ قد صلى صلي عَلَيْهِ
وَإِن لم يكن قد اسْتهلّ صَارِخًا فَإِن كَانَ قد اختلج أَو تحرّك صلى عَلَيْهِ

(2/300)


وَقَالَ مَالك لَا يصلى عَلَيْهِ إِلَّا أَن يطول ذَلِك فَيتَحَقَّق حَيَاته
وَإِن لم تظهر عَلَيْهِ عَلامَة الْحَيَاة فَإِن لم يكن لَهُ أَرْبَعَة أشهر لف فِي خرقَة وَدفن فَإِن كَانَ قد بلغ اربعة اشهر فَفِيهِ قَولَانِ
اصحهما أَنه لَا يصلى عَلَيْهِ فعلى هَذَا فِي غسله قَولَانِ
وَإِن اخْتَلَط موتى الْمُسلمين بموتى الْكفَّار وَلم يتميزوا صلي عَلَيْهِم بِالنِّيَّةِ وَبِه قَالَ مَالك وَأحمد
وَقَالَ ابو حنيفَة إِن كَانَت الْغَلَبَة للْمُسلمين صلي عَلَيْهِم

فصل
وَمن مَاتَ فِي جهار الْكفَّار من الْمُسلمين بِسَبَب من أَسبَاب قِتَالهمْ قبل انْقِضَاء الْحَرْب فَهُوَ شَهِيد لَا يغسل وَلَا يصلى عَلَيْهِ وَبِه قَالَ مَالك وَأحمد

(2/301)


وَقَالَ ابو حنيفَة وَالثَّوْري لَا يغسل وَلَكِن يصلى عَلَيْهِ وَرُوِيَ ذَلِك عَن أَحْمد ايضا
وَحكي عَن الْحسن الْبَصْرِيّ أَنه يغسل وَيصلى عَلَيْهِ
وَلَا فرق بَين الْكَبِير وَالصَّغِير فِي حكم الشَّهَادَة
وَقَالَ أَبُو حنيفَة لَا يثبت حكم الشَّهَادَة لغير الْبَالِغ
وَإِن جرح فِي المعركة وَمَات بعد تقضي الْحَرْب غسل وَصلي عَلَيْهِ وَبِه قَالَ أَحْمد
وَمن اصحابنا من حكى أَنه إِن مَاتَ بعد تقضي الْحَرْب بِزَمَان يسير ثَبت لَهُ حكم الشَّهَادَة وَإِن مَاتَ بعده بِزَمَان كثير غسل وَصلي عَلَيْهِ
وَمن أَصْحَابنَا من حكى فِي ذَلِك قَوْلَيْنِ
وَقَالَ مَالك إِن أكل أَو شرب اَوْ بَقِي يَوْمَيْنِ أوثلاثة غسل وَصلي عَلَيْهِ
وَقَالَ اصحاب أبي حنيفَة إِذا خرج عَن صفة الْقَتْلَى وَصَارَ إِلَى حَال الدُّنْيَا بأ ن أكل أَو شرب أَو أوصى خرج عَن حكم الشَّهَادَة وَمَا سوى ذَلِك لَا يخرج بِهِ عَن صفة الْقَتْلَى
وَمن مَاتَ من السَّبي قبل التَّلَفُّظ بِالشَّهَادَتَيْنِ فَإِنَّهُم عندنَا يغسلون وَيصلى عَلَيْهِم لأَنهم يتبعُون السابي
وَقَالَ مَالك لَا يغسلون وَلَا يصلى عَلَيْهِم
وَمن قتل فِي الْحَرْب وَهُوَ جنب فَفِيهِ وَجْهَان

(2/302)


أَحدهمَا وَهُوَ قَول أبي الْعَبَّاس السريج وَقَول أبي عَليّ ابْن أبي هُرَيْرَة أَنه يغسل وَلَا يصلى عَلَيْهِ وَبِه قَالَ أَحْمد
وَقَالَ أَبُو حنيفَة يغسل وَيصلى عَلَيْهِ
وَالثَّانِي أَنه لَا يغسل وَلَا يصلى عَلَيْهِ وَهُوَ قَول أَكثر أَصْحَابنَا وَقَول مَالك
فَإِن أسر الْمُشْركُونَ مُسلما وقتلوه صبرا فَفِي غسله وَالصَّلَاة عَلَيْهِ وَجْهَان
أَحدهمَا أَنه يغسل وَيصلى عَلَيْهِ
وَالثَّانِي أَنه لَا يغسل وَلَا يصلى عَلَيْهِ
فَإِن تجلت الْحَرْب عَن قَتِيل من الْمُسلمين حكم لَهُ بِالشَّهَادَةِ كَانَ بِهِ أثر أَو لم يكن
وَقَالَ ابو حنيفَة إِن خرج من عَيْنَيْهِ أَو اذنه دم أَو تكلم لم يغسل
وَإِن خرج من أَنفه أَو ذكره اَوْ دبره غسل وَإِن لم يكن بِهِ أثر غسل

(2/303)


وَينْزع عَنهُ مَا لم يكن من عَامَّة لِبَاس النَّاس من حَدِيد وجلود ومحشو وفرو وَبِه قَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد
وَقَالَ مَالك لَا ينْزع ذَلِك عَنهُ
ثمَّ الْوَلِيّ بِالْخِيَارِ إِن شَاءَ كَفنه فِيمَا بَقِي من ثِيَابه وَإِن شَاءَ كَفنه فِي غَيرهَا وَبِه قَالَ أَحْمد
وَقَالَ ابو حنيفَة وَمَالك لَا ينْزع عَنهُ بَقِيَّة ثِيَابه

وَإِن قتل رجل من أهل الْبَغي رجلا من أهل الْعدْل فِي حَال الْحَرْب غسل وَصلي عَلَيْهِ فِي أشهر الْقَوْلَيْنِ وَبِه قَالَ مَالك
وَعَن أَحْمد رِوَايَتَانِ
وَقَالَ ابو حنيفَة لَا يغسل
وَإِن قتل قطاع الطَّرِيق رجلا من أهل الْقَافِلَة فَفِي غسله وَالصَّلَاة عَلَيْهِ وَجْهَان بِنَاء على الْقَوْلَيْنِ
وَإِن قتل رجل من أهل الْبَغي فِي حَال الْحَرْب غسل وَصلي عَلَيْهِ
وَقَالَ ابو حنيفَة لَا يغسلوا وَلَا يصلى عَلَيْهِم عُقُوبَة لَهُم
وَمن قتل ظَالِما فِي غير حَرْب فَإِنَّهُ يغسل وَيصلى عَلَيْهِ قولا وَاحِدًا وَبِه قَالَ مَالك وَأحمد
وَقَالَ ابو حنيفَة إِن قتل بحديدة لم يغسل وَإِن قتل بمثقل غسل وَمن قتل فِي رجم أَو قصاص غسل وَصلي عَلَيْهِ

(2/304)


وَقَالَ الزُّهْرِيّ المرجوم لَا يصلى عَلَيْهِ
وَقَالَ مَالك لَا يُصَلِّي عَلَيْهِ الإِمَام وَيُصلي غَيره
ويروى عَن عمر بن عبد الْعَزِيز أَنه كره الصَّلَاة على من قتل نَفسه
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ لَا يصلى عَلَيْهِ
وَعَن قَتَادَة أَنه قَالَ لَا يصلى على ولد الزِّنَا
وَعَن الْحسن لَا يصلى على النُّفَسَاء
فصل
الْحمل بَين العمودين أفضل من التربيع
وَقَالَ أَحْمد التربيع أفضل وَكَانَ النَّخعِيّ يكره الْحمل بَين العمودين وَهُوَ قَول أبي حنيفَة
وَصفَة التربيع أَن يبْدَأ بياسرة الْمُقدمَة فَيَضَع العمود على عَاتِقه الْأَيْمن ثمَّ يَأْتِي إِلَى يَاسِرَة المؤخرة فَيَضَع العمود على عَاتِقه الْأَيْمن ثمَّ يَأْخُذ يامنة الْمُقدمَة فَيَضَع العمود على عَاتِقه الإيسر ثمَّ يَأْتِي إِلَى يامنة المؤخرة فَيَضَع العمود على عَاتِقه الْأَيْسَر وَبِه قَالَ ابو حنيفَة وَأحمد

(2/305)


وَقَالَ إِسْحَاق بعد يَاسِرَة المؤخرة يَأْخُذ يامنة المؤخرة فيدور عَلَيْهَا
وَعِنْدنَا الْأَفْضَل فِي الْحمل بَين التربيع وَالْحمل بَين العمودين وَهُوَ أَن يحمل فِي الْمُقدمَة وَاحِد وَفِي المؤخرة اثْنَان
وَالْمَشْي أَمَام الْجِنَازَة أفضل وَبِه قَالَ مَالك وَأحمد
وَقَالَ ابو حنيفَة وَالْمَشْي وَرَاءَهَا أفضل
وَقَالَ الثَّوْريّ الرَّاكِب وَرَاءَهَا والماشي حَيْثُ شَاءَ
وَإِذا سبق الْجِنَازَة إِلَى الْمقْبرَة فَإِن شَاءَ جلس وَإِن شَاءَ قَامَ حَتَّى تُوضَع
وَقَالَ ابو حنيفَة يكره الْجُلُوس قبل أَن تُوضَع
وَمن مَاتَ فِي الْبَحْر وَلم يكن بِقُرْبِهِ سَاحل فَالْأولى أَن يَجْعَل بَين لوحين ويلقى فِي الْبَحْر إِذا كَانَ فِي السَّاحِل مُسلمُونَ وَإِن كَانَ فِي السَّاحِل كفار ثقل وَأُلْقِي فِي الْبَحْر ليحصل فِي قراره
وَقَالَ عَطاء وَأحمد يثقل ويلقى فِي الْبَحْر بِكُل حَال إِذا تعذر عَلَيْهِم دَفنه
إِذا دفن ميت لم يجز أَن يحْفر قَبره ليدفن فِيهِ آخر إِذا كَانَ فِي مُدَّة لَا يبْلى فِيهَا الْمَيِّت وَإِن مضى على الْمَيِّت زمَان يبْلى فِي مثله وَيصير رميما فَإِنَّهُ يجوز حفره

(2/306)


وَحكي عَن عمر بن عبد الْعَزِيز رَحمَه الله أَنه قَالَ إِذا مضى عَليّ حول فازرعوا الْموضع
ويسل من قبل راسه سلا فَيُوضَع راسه عِنْد رجل الْقَبْر ثمَّ يسل سلا إِلَى الْقَبْر
وَقَالَ ابو حنيفَة تُوضَع الْجِنَازَة على حافة الْقَبْر مِمَّا يَلِي الْقبْلَة ثمَّ ينزل إِلَى الْقَبْر مُعْتَرضًا وَالسّنة فِي الْقَبْر التسطيح
وَقَالَ ابو عَليّ بن أبي هُرَيْرَة التسنيم هُوَ السّنة لِأَن التسطيح صَار شعار الرافضة وَهُوَ قَول أبي حنيفَة وَمَالك وَأحمد
وَلَا يكره دُخُول الْمَقَابِر
وَحكي عَن أَحْمد أَنه قَالَ يكره دُخُول الْمَقَابِر بالنعال وَلَا يكره بالخفاف والتمشكان
والتعزية قبل الدّفن وَبعده عَقِيبه
وَقَالَ الثَّوْريّ لَا يعزى بعد الدّفن
ذكر الشَّيْخ الإِمَام أَبُو إِسْحَاق فِي الْمُهَذّب أَنه لَا يجوز للنِّسَاء زِيَارَة الْقُبُور
وَالشَّيْخ ابو نصر ذكر أَنه يكره للنِّسَاء زِيَارَة الْقُبُور وَيسْتَحب للرِّجَال

(2/307)


قَالَ الشَّيْخ الإِمَام وَعِنْدِي لَو فصل القَوْل فِي ذَلِك لما كَانَ بِهِ بَأْس فَيُقَال إِن كَانَ زيارتهن الْمَقَابِر لتجديد الْحزن والبكاء بالتعديد وَالنوح على مَا جرت بِهِ عادتهن حرم وَعَلِيهِ يحمل الْخَبَر وَإِن كَانَ زيارتهن للاعتبار بِغَيْر تعديد وَلَا نياحة كره إِلَّا أَن تكون عجوزا لَا تشْتَهى فَلَا يكره كحضور الْجَمَاعَة فِي الْمَسَاجِد

(2/308)