روضة الطالبين وعمدة المفتين ط العلمية

روضة الطالبين - كتاب صلاة العيدين (1)
هي سنة على الصحيح المنصوص (2). وعلى الثاني: فرض كفاية (3). فإن اتفق أهل بلد على تركها، قوتلوا إن قلنا: فرض كفاية. وإن قلنا: سنة، لم يقاتلوا على الاصح (4)، ويدخل وقتها بطلوع الشمس. والافضل تأخيرها إلى أن ترتفع قدر رمح (5)، كذا صرح به كثير من الاصحاب، منهم صاحب (الشامل) و (المهذب) والروياني ومقتضى كلام جماعة، منهم: الصيدلاني، وصاحب (التهذيب) أنه يدخل بالارتفاع (6)، واتفقوا على خروج الوقت بالزوال. قلت: الصحيح، أو الاصح، دخول وقتها بالطلوع. والله أعلم. فرع: المذهب والمنصوص في الكتب الجديدة كلها، أن صلاة العيد تشرع

(1/577)


للمنفرد في بيته أو غيره، وللمسافر والعبد والمرأة (1)، وقيل: فيه قولان. الجديد: هذا. والقديم: أنه يشترط فيها شروط الجمعة من اعتبار الجماعة، والعدد بصفات الكمال، وغيرهما، إلا أنه يجوز فعلها خارج البلد، ومنهم من منعه، ومنهم من جوزها بدون الاربعين على هذا، وخطبتها بعدها. ولو تركت الخطبة، لم تبطل الصلاة. وإذا قلنا بالمذهب، فصلاها المنفرد، لم يخطب على الصحيح. وإن صلاها مسافرون، خطب إمامهم.
فصل في صفة صلاة العيد
هي: ركعتان. صفتها في الاركان والسنن والهيآت كغيرها، وينوي بها صلاة العيد. هذا أقلها، والاكمل أن يقرأ دعاء الاستفتاح عقب الاحرام، كغيرها، ثم يكبر في الاولى سبع تكبيرات سوى تكبيرة الاحرام والركوع. وفي الثانية خمسا سوى تكبيرة القيام من السجود والهوي إلى الركوع. وقال المزني: التكبيرات في الاولى ست. ولنا قول شاذ منكر: أن دعاء الاستفتاح يكون بعد هذه التكبيرات، ويستحب أن يقف بين كل تكبيرتين من الزوائد قدر قراءة آية لا طويلة ولا قصيرة، يهلل الله تعالى ويكبره ويمجده. هذا لفظ الشافعي. قال الاكثرون: يقول: (سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر) ولو زاد، جاز. قال الصيدلاني عن بعض الاصحاب: يقول: (لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد بيده الخير وهو على كل شئ قدير) (2). وقال ابن الصباغ: لو قال ما اعتاده الناس: (الله أكبر كبيرا. والحمد لله كثيرا، وسبحان الله بكرة وأصيلا، وصلى الله على محمد وآله وسلم كثيرا) كان حسنا (3).

(1/578)


قلت: وقال الامام أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن مسعود المسعودي (1) من أصحابنا يقول: (سبحانك اللهم وبحمدك، وتبارك اسمك، وتعالى جدك، وجل ثناؤك، ولا إله غيرك). والله أعلم. ولا يأتي بهذا الذكر عقب السابعة والخامسة في الثانية، بل يتعوذ عقب السابعة، وكذا عقب الخامسة، إن قلنا: يتعوذ في كل ركعة، ولا يأتي به بين تكبيرة الاحرام والاولى من الزوائد. قلت: وأما في الركعة الثانية، فقال إمام الحرمين: يأتي به قبل الاولى من الخمس، والمختار الذي يقتضيه كلام الاصحاب أنه لا يأتي به كما في الاولى. والله أعلم. ثم يقرأ الفاتحة، ثم يقرأ بعدها في الاولى: (ق). وفي الثانية: (اقتربت الساعة). قلت: وثبت في (صحيح مسلم) (2) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قرأ فيهما (سبح اسم ربك الاعلى) و (وهل أتاك) فهو سنة أيضا. والله أعلم. فرع: يستحب رفع اليدين في التكبيرات الزوائد، ويضع اليمنى على اليسرى بين كل تكبيرتين. وفي (العدة) ما يشعر بخلاف فيه. ولو شك في عدد التكبيرات، أخذ بالاقل (3)، ولو كبر ثماني تكبيرات، وشك هل نوى التحريم (4) بواحدة منها ؟ فعليه استئناف الصلاة (5)، ولو شك في التكبيرة التي نوى التحريم (6) بها، جعلها الاخيرة، وأعاد الزوائد (7). ولو صلى خلف من يكبر ثلاثا أو ستا،

(1/579)


تابعه، ولا يزيد عليه على الاظهر (1). ولو ترك الزوائد، لم يسجد للسهو. قلت: ويجهر بالقراءة والتكبيرات، ويسر بالذكر بينهما (2). والله أعلم. فرع: لو نسي التكبيرات الزوائد في ركعة، فتذكر في الركوع أو بعده، مضى في صلاته ولم يكبر، فإن عاد إلى القيام ليكبر، بطلت صلاته. فلو تذكرها قبل الركوع وبعد القراءة، فقولان. الجديد الاظهر: لا يكبر، لفوات محله. والقديم: يكبر، لبقاء القيام، وعلى القديم: لو تذكر في أثناء الفاتحة، قطعها وكبر، ثم استأنف القراءة. وإذا تدارك التكبير بعد الفاتحة، استحب استئنافها، وفيه وجه ضعيف: أنه يجب، ولو أدرك الامام في أثناء القراءة وقد كبر بعض التكبيرات، فعلى الجديد، لا يكبر ما فاته. وعلى القديم: يكبر، ولو أدركه راكعا، ركع معه، ولا يكبر بالاتفاق، ولو أدركه في الركعة الثانية، كبر معه خمسا على الجديد، فإذا قام إلى ثانيته، كبر أيضا خمسا.
فصل في خطبة العيد : فإذا فرغ الامام من صلاة العيد، صعد المنبر، وأقبل على الناس بوجهه وسلم. وهل يجلس قبل الخطبة ؟ وجهان. الصحيح المنصوص: يجلس كخطبة الجمعة (3). ثم يخطب خطبتين، أركانهما كأركانهما في الجمعة (4)، ويقوم فيهما، ويجلس بينهما، كالجمعة، لكن يجوز هنا القعود فيهما مع القدرة على القيام. ويستحب أن يعلمهم في عيد الفطر أحكام صدقة الفطر، وفي الاضحى أحكام الاضحية. ويستحب أن يفتح الخطبة الاولى بتسع تكبيرات متواليات، والثانية بسبع. ولو أدخل بينهما الحمد والتهليل والثناء، جاز،

(1/580)


وذكر بعضهم: أن صفتها، كالتكبيرات المرسلة والمقيدة التي سنذكرها إن شاء الله تعالى. قلت: نص الشافعي وكثيرون من الاصحاب على أن هذه التكبيرات ليست من الخطبة، وإنما هي مقدمة لها، ومن قال منهم: تفتتح الخطبة بالتكبيرات، يحمل كلامه على موافقة النص الذي ذكرته، لان افتتاح الشئ قد يكون ببعض مقدماته التي ليست من نفسه، فاحفظ هذا فانه مهم خفي. والله أعلم. يستحب للناس استماع الخطبة. ومن دخل والامام يخطب، فإن كان في المصلى، جلس واستمع، ولم يصل التحية، ثم إن شاء صلى صلاة العيد في الصحراء، وإن شاء صلاها إذا رجع إلى بيته (1)، وإن كان في المسجد، استحب له التحية، ثم قال أبو إسحاق: لو صلى العيد، كان أولى، وحصلت (2) التحية، كمن دخل المسجد وعليه مكتوبة ففعلها، ويحصل بها التحية، وقال ابن أبي هريرة: يصلي التحية، ويؤخر صلاة العيد إلى ما بعد الخطبة، والاول أصح عند الاكثرين. ولو خطب الامام قبل الصلاة، فقد أساء وفي الاعتداد بخطبته احتمال لامام الحرمين. قلت: الصواب وظاهر نصه في (الام): أنه لا يعتد بها، كالسنة الراتبة بعد الفريضة إذا قدمها. والله أعلم.
فصل: صلاة العيد تجوز في الصحراء، وفي الجامع، وأيهما أفضل ؟ إن كان بمكة، فالمسجد أفضل قطعا. وألحق به الصيدلاني: بيت المقدس (3). وإن كان بغيرهما، فإن كان عذر، كمطر، أو ثلج، فالمسجد أولى، وإلا، فإن ضاق

(1/581)


المسجد، فالصحراء أفضل (1)، بل يكره فعلها في المسجد. فإن كان واسعا، فوجهان. أصحهما وبه قطع العراقيون، وصاحب (التهذيب) وغيره: المسجد أولى. والثاني: الصحراء. وإذا خرج الامام إلى الصحراء استخلف من يصلي بضعفة الناس (2). وإذا صلى في المسجد وحضر الحيض، وقفن بباب المسجد، وهذا الفصل تفريع على المذهب في جواز صلاة العيد في غير البلد، وجوازها من غير شروط الجمعة، وفيه الخلاف المتقدم.
فصل في السنن المستحبة ليلة العيد ويومه : فيستحب التكبير المرسل بغروب الشمس في العيدين جميعا، كما سيأتي بيانه في فصل التكبيرات (3)، إن شاء الله تعالى. ويستحب استحبابا متأكدا، إحياء ليلتي العيد بالعبادة (4). قلت: وتحصل فضيلة الاحياء بمعظم الليل، وقيل: تحصل بساعة. وقد نقل الشافعي رحمه الله في (الام) (5) عن جماعة من خيار أهل المدينة ما يؤيده. ونقل القاضي حسين عن ابن عباس: أن إحياء ليلة العيد أن يصلي العشاء في جماعة، ويعزم أن يصلي الصبح في جماعة، والمختار ما قدمته. قال الشافعي رحمه الله: وبلغنا أن الدعاء يستجاب في خمس ليال. ليلة الجمعة، والعيدين، وأول رجب، ونصف شعبان. قال الشافعي: وأستحب كل ما حكيته في هذه

(1/582)


الليالي. والله أعلم. فرع: يسن الغسل للعيدين، ويجوز بعد الفجر قطعا، وكذا قبله على الاظهر، وعلى هذا هل يجوز في جميع الليل، أم يختص بالنصف الثاني ؟ وجهان. قلت: الاصح: اختصاصه. والله أعلم. ويستحب التطيب يوم العيد، والتنظف بحلق الشعر، وقلم الظفر، وقطع الرائحة الكريهة، ويستحب أن يلبس أحسن ما يجده من الثياب، وأفضلها البيض، ويتعمم. فإن لم يجد إلا ثوبا، استحب أن يغسله للجمعة والعيد ويستوي في استحباب جميع ما ذكرناه، القاعد في بيته، والخارج إلى الصلاة، هذا حكم الرجال. وأما النساء، فيكره لذوات الجمال والهيئة الحضور، ويستحب للعجائز، ويتنظفن بالماء، ولا يتطيبن، ولا يلبسن ما يشهرهن من الثياب، بل يخرجن في بذلتهن. وفي وجه شاذ: لا يخرجن مطلقا. فرع: السنة لقاصد العيد المشي. فإن ضعف لكبر، أو مرض، فله الركوب، وللقادر الركوب في الرجوع (1) ويستحب للقوم أن يبكروا إلى صلاة العيد (2) إذا صلوا الصبح، ليأخذوا مجالسهم وينتظروا الصلاة. والسنة للامام أن لا يخرج إلا في الوقت الذي يصلي فيه، فإذا وصل (3) المصلى شرع في صلاة العيد، ويستحب للامام أن يؤخر الخروج في عيد الفطر قليلا، ويعجل في الاضحى. ويكره للامام التنفل (4) قبل صلاة العيد وبعدها، ولا يكره للمأموم قبلها ولا يكره (5) بعدها، ويستحب في عيد الفطر أن يأكل شيئا، قبل خروجه إلى الصلاة، ولا يأكل في الاضحى حتى يصلي ويرجع.

(1/583)


قلت: ويستحب أن يكون المأكول تمرا (1) إن أمكن، ويكون وترا. والله أعلم. وينادى لها: الصلاة جامعة، قال صاحب (العدة) ولو نودي لها: حي على الصلاة، جاز، بل هو مستحب. قلت: ليس كما قال، فقد قال الشافعي رضي الله عنه: ينادي: الصلاة جامعة، فإن قال: هلموا إلى الصلاة، فلا بأس، قال: وأحب أن يتوقى ألفاظ الاذان. وقال الدارمي: لو قال حي على الصلاة، كره، لانه من الاذان. والله أعلم. فرع: صح أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يذهب إلى العيد في طريق، ويرجع في آخر (2)، واختلف في سببه، فقيل: لتبرك أهل الطريقين، وقيل: ليستفتى منهما، وقيل: ليتصدق على فقرائهما، وقيل: ليزور قبور أقاربه فيهما، وقيل: ليشهد له الطريقان، وقيل: ليزداد غيظ المنافقين، وقيل: لئلا تكثر الزحمة، وقيل: يقصد أطول الطريقين في الذهاب، وأقصرهما في الرجوع، وهذا أظهرها، ثم من شارك في المعنى استحب ذلك له، وكذا من لم يشارك على الصحيح الذي اختاره الاكثرون، وسواء فيه الامام والمأموم. قلت: وإذا لم يعلم السبب، استحب التأسي (3) قطعا. والله أعلم.

(1/584)


فصل: قد قدمنا في قضاء صلاة العيد وغيرها من النوافل الراتبة إذا فاتت، قولين. وتقدم الخلاف في اشتراط شرائط الجمعة فيها. فلو شهد عدلان يوم الثلاثين من رمضان قبل الزوال برؤية الهلال في الليلة الماضية، أفطروا. فإن بقي من الوقت ما يمكن جمع الناس والصلاة فيه، صلوها وكانت أداء (1). وإن شهدوا بعد غروب الشمس يوم الثلاثين، لم تقبل شهادتهم، إذ لا فائدة فيها إلا المنع من صلاة العيد، فلا يصغى إليها، ويصلون من الغد العيد أداء، هكذا قال الائمة واتفقوا عليه. وفي قولهم: لا فائدة إلا ترك صلاة العيد إشكال، بل لثبوت الهلال فوائد أخر. كوقوع الطلاق والعتق المعلقين، وابتداء العدة منه، وغير ذلك، فوجب أن نقبل، لهذه الفوائد. ولعل مرادهم بعدم الاصغاء في صلاة العيد وجعلها فائتة، لا عدم القبول على الاطلاق (2). قلت: مرادهم فيما يرجع إلى الصلاة خاصة قطعا، فأما الحقوق والاحكام المتعلقة بالهلال، كأجل الدين، والعتق، والمولى، والعدة، وغيرها، فثبت قطعا. والله أعلم. فلو شهدوا قبل الغروب بعد الزوال، أو قبله بيسير، بحيث لا يمكن فيه الصلاة، قبلت الشهادة في الفطر قطعا، وصارت الصلاة فائتة على المذهب، وقيل: قولان. أحدهما: هذا. والثاني: يفعل من الغد أداء لعظم حرمتها. فإن قلنا بالمذهب، فقضاؤها مبني على قضاء النوافل. فإن قلنا: لا تقضى، لم يقض العيد. وإن قلنا: تقضى، بنى على أنها كالجمعة في الشرائط، أم لا. فإن قلنا: نعم، لم تقض، وإلا قضيت، وهو المذهب من حيث الجملة. وهل لهم أن

(1/585)


يصلوها في بقية يومهم ؟ وجهان، بناء على أن فعلها في الحادي والثلاثين إداء أم قضاء. إن قلنا: أداء، فلا. وإن قلنا: قضاء وهو الصحيح، جاز. ثم هل هو أفضل، أم التأخير إلى ضحوة الغد. وجهان. أصحهما: التقديم أفضل، هذا إذا أمكن جمع الناس في يومهم لصغر البلدة. فإن عسر، فالتأخير أفضل قطعا (1). وإذا قلنا: يصلونها في الحادي والثلاثين قضاء، فهل يجوز تأخيرها ؟ عنه قولان. وقيل: وجهان. أظهرهما: جوازه أبدا. وقيل: إنما يجوز في بقية شهر العيد. ولو شهد اثنان قبل الغروب، وعدلا بعده، فقولان. وقيل: وجهان. أحدهما: الاعتبار بوقت الشهادة، وأظهرهما: بوقت التعديل، فيصلون من الغد بلا خلاف أداء. هذا كله إذا وقع الاشتباه وفوات العيد لجميع الناس. فإن وقع ذلك لافراد، لم يجز إلا قولان، منع القضاء وجوازه أبدا. فرع: إذا وافق يوم العيد يوم جمعة، وحضر أهل القرى الذين يبلغهم النداء لصلاة العيد، وعلموا أنهم لو انصرفوا لفاتتهم الجمعة، فلهم أن ينصرفوا، ويتركوا الجمعة في هذا اليوم على الصحيح المنصوص في القديم والجديد (2). وعلى الشاذ: عليهم الصبر للجمعة.

(1/586)


فصل في تكبير العيد : وهو قسمان. أحدهما: في الصلاة والخطبة وقد مضى. والثاني: في غيرهما، وهو ضربان. مرسل، ومقيد. فالمرسل لا يقيد بحال، بل يؤتى به في المساجد والمنازل والطرق ليلا ونهارا. والمقيد يؤتى به في أدبار الصلاة خاصة. فالمرسل مشروع في العيدين جميعا، وأول وقته في العيدين بغروب الشمس ليلة العيد، وفي آخر وقته طريقان. أصحهما: على ثلاثة أقوال. أظهرها: يكبرون إلى أن يحرم الامام بصلاة العيد. والثاني: إلى أن يخرج الامام إلى الصلاة. والثالث: إلى أن يفرغ منها. وقيل: إلى أن يفرغ من الخطبتين. والطريق الثاني: القطع بالقول الاول. ويرفع الناس أصواتهم بالمرسل في ليلتي العيدين ويوميهما إلى الغاية المذكورة في المنازل، والمساجد، والاسواق (1)، والطرق، في السفر والحضر، في طريق المصلى، وبالمصلى. ويستثنى منه الحاج، فلا يكبر ليلة الاضحى، بل ذكره (2) التلبية. وتكبير ليلة الفطر آكد من ليلة الاضحى على الجديد، وفي القديم عكسه، وأما المقيد، فيشرع في الاضحى، ولا يشرع في الفطر على الاصح عند الاكثرين (3). وقيل: على الجديد، وعلى الثاني: يستحب عقب المغرب والعشاء والصبح (4). وحكم الفوائت والنوافل في هذه المدة على هذا الوجه يقاس بما نذكره إن شاء الله تعالى في الاضحى. وأما الاضحى، فالناس فيه قسمان. حجاج، وغيرهم. فالحجاج يبتدؤون التكبير عقب ظهر يوم النحر، ويختمونه عقب الصبح آخر أيام التشريق (5). وأما غير الحجاج، ففيهم طريقان. أصحهما: على ثلاثة أقوال. أظهرها: أنهم كالحجاج. والثاني: يبتدؤون عقب المغرب ليلة النحر إلى صبح الثالث من

(1/587)


أيام التشريق. والثالث: عقب صبح (1) من يوم عرفة ويختمونه عقب العصر آخر أيام التشريق. قال الصيدلاني وغيره (2): وعليه العمل في الامصار. قلت: وهو الاظهر عند المحققين، للحديث (3). والله أعلم. والطريق الثاني: القطع بالقول الاول. ولو فاتته فريضة في هذه الايام، فقضاها [ في غيرها، لم يكبر. ولو فاتته في غير هذه الايام أو فيها فقضاها فيها ] (4)، كبر على الاظهر. ويكبر عقب النوافل الراتبة، ومنها صلاة العيد، وعقب النافلة المطلقة، وعقب الجنازة على المذهب في الجميع. وإذا اختصرت فقيل: أربعة أوجه. أصحها: يكبر عقب كل صلاة مفعولة في هذه الايام. والثاني: يختص بالفرائض المفعولة فيها، مؤداة كانت أو مقضية. والثالث: يختص بفرائضها مقضية كانت أو مؤداة. والرابع: لا يكبر إلا عقب مؤداتها والسنن الراتبة. ولو نسي التكبير خلف الصلاة فتذكر والفصل قريب، كبر وإن فارق مصلاه. فلو طال الفصل، كبر أيضا على الاصح. والمسبوق إنما يكبر إذا أتم صلاة نفسه. قال إمام الحرمين: وجميع ما ذكرناه هو في التكبير الذي يرفع به صوته ويجعله شعارا. أما لو استغرق عمره بالتكبير في نفسه، فلا منع منه. فرع: صفة هذا التكبير أن يكبر ثلاثا نسقا على المذهب. وحكي قول قديم أنه يكبر مرتين. قال الشافعي رحمه الله: وما زاد من ذكر الله، فحسن. واستحسن في (الام) أن تكون زيادته: (ألله أكبر كبيرا، والحمد لله كثيرا، وسبحان الله بكرة وأصيلا، لا إله إلا الله، ولا نعبد إلا إياه، مخلصين له الدين ولو كره الكافرون، لا إله إلا الله وحده، صدق وعده ونصر عبده وهزم الاحزاب (5) وحده، لا إله إلا الله

(1/588)


والله أكبر). وقال في القديم: بعد الثلاث: (ألله أكبر كبيرا (1)، والحمد لله كثيرا (2)، ألله أكبر على ما هدانا، والحمد لله على ما أبلانا وأولانا). قال صاحب (الشامل) والذي يقوله الناس لا بأس به أيضا، وهو: (ألله أكبر الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله وألله أكبر ألله أكبر ولله الحمد). قلت: هو (3) الذي ذكره صاحب (الشامل) نقله صاحب (البحر) عن نص الشافعي رحمه الله في (البويطي) وقال: والعمل عليه. والله أعلم. فرع: يستوي في التكبير المرسل والمقيد، المنفرد والمصلي جماعة، والرجل والمرأة، والمقيم والمسافر. قلت: لو كبر الامام على خلاف اعتقاد المأموم، فكبر من يوم عرفة والمأموم لا يرى التكبير فيه، أو عكسه، فهل يوافق في التكبير وتركه، أم يتبع اعتقاد نفسه ؟ وجهان. الاصح: اعتقاد نفسه، بخلاف ما قدمناه في تكبير نفس الصلاة (4). والله أعلم.

(1/589)