روضة الطالبين وعمدة المفتين ط العلمية

بسم الله الرحمن الرحيم
روضة الطالبين - كتاب الزكاة
هي أحد أركان الاسلام، فمن جحدها، كفر، إلا أن يكون حديث عهد بالاسلام لا يعرف وجوبها، فيعرف. ومن منعها وهو يعتقد وجوبها، أخذت منه قهرا. فان امتنع قوم بقوم، قاتلهم الامام عليها.
فصل فيمن تجب عليه الزكاة وهو كل مسلم حر، أو بعضه حر، فتجب في مال الصبي والمجنون، ويجب على الولي إخراجها من مالهما، فان

(2/3)


لم يخرج، أخرج الصبي بعد بلوغه، والمجنون بعد الافاقة زكاة ما مضى، ولا تجب في المال المنسوب إلى الجنين وإن انفصل حيا على المذهب. وقيل: وجهان. أحدهما: هذا، والثاني: تجب. وأما الكافر الاصلي، فليس بمطالب بإخراج الزكاة في الحال، ولا زكاة عليه بعد الاسلام عن الماضي. وأما المرتد، فلا يسقط عنه ما وجب في الاسلام. وإذا حال الحول على ماله في الردة، فطريقان. أحدهما، قاله ابن سريج: تجب الزكاة قطعا، كالنفقات والغرامات. والثاني: وهو الذي قاله الجمهور: يبنى على الاقوال في ملكه، إن قلنا: يزول بالردة، فلا زكاة، وإن قلنا: لا يزول، وجبت، وإن قلنا: موقوف، فالزكاة موقوفة أيضا. فإذا قلنا: تجب، فالمذهب أنه إذا أخرج في حال الردة، أجزأه، كما لو أطعم عن الكفارة. وقال صاحب التقريب: لا يبعد أن يقال: لا يخرجها ما دام مرتدا. وكذا الزكاة الواجبة قبل الردة، فإن عاد إلى الاسلام، أخرج الواجبة في الردة وقبلها. وإن مات مرتدا، بقيت العقوبة في الآخرة. قال إمام الحرمين: هذا خلاف ما قطع به الاصحاب، لكن يحتمل أن يقال: إذا أخرج في الردة ثم أسلم، هل يعيد الاخراج ؟ وجهان، كالوجهين في أخذ الزكاة من الممتنع. ولا تجب الزكاة على المكاتب، فإن عتق وفي يده مال، ابتدأ له حولا. وإن عجز نفسه وصار ماله لسيده، ابتدأ الحول عليه. وأما العبد القن، فلا يملك بغير تمليك السيد قطعا، ولا بتمليكه

(2/4)


على المشهور. فإن ملكه السيد مالا زكويا وقلنا: لا يملك، فالزكاة على سيده. وإن قلنا: يملك، فلا زكاة على العبد قطعا، لضعف ملكه، ولا على السيد على الاصح، لعدم ملكه. والثاني: تجب، لانه ينفذ تصرفه فيه. والمدبر وأم الولد كالقن. ومن بعضه حر، تلزمه زكاة ما يملكه بحريته على الصحيح، لتمام ملكه. والثاني: لا يلزمه، كالمكاتب. فصل قال الاصحاب: الزكاة نوعان. زكاة الابدان، وهي زكاة الفطر، ولا تتعلق بالمال، إنما يراعى فيها إمكان الاداء. والثاني: زكاة الاموال، وهي ضربان. أحدهما: يتعلق بالمالية والقيمة، وهي زكاة التجارة. والثاني: يتعلق بالعين. والاعيان التي تتعلق بها الزكاة، ثلاثة: حيوان، وجوهر، ونبات، فيختص من الحيوان بالنعم، ومن الجواهر بالنقدين، ومن النبات بما يقتات. واقتصر بعض الاصحاب عن المقاصد فقال: الزكاة ستة أنواع: النعم، والمعشرات، والنقدان، والتجارة، والمعدن، و (زكاة) الفطر.

(2/5)


باب زكاة النعم
النعم لها ستة شروط. أحدها: كون المال نعما متمحضة. والثاني: كونه نصابا. والثالث: الحول. والرابع: دوام الملك فيه جميع الحول. الخامس: السوم. السادس: كمال الملك. الاول: النعم، وهي الابل والبقر والغنم، فلا زكاة في حيوان غيرها، كالخيل والرقيق، إلا أن يكون للتجارة، فتجب زكاة التجارة. ولا تجب الزكاة فيما تولد من الغنم والظباء، سواء كانت الغنم فحولا أو إناثا. الشرط الثاني: النصاب، فلا زكاة في الابل حتى تبلغ خمسا. فإذا

(2/6)


بلغتها، ففيها شاة، ولا تزيد حتى تبلغ عشرا، ففيها شاتان. وفي خمسة عشر: ثلاث شياه، وفي عشرين: أربع شياه، وفي خمس وعشرين: بنت مخاض، وفي ست وثلاثين بنت لبون، وفي ست وأربعين: حقة، وفي إحدى وستين: جذعة، وفي ست وسبعين: بنتا لبون، وفي إحدى وتسعين: حقتان. ولا يجب بعدها شئ حتى تجاوز مائة وعشرين، فإن زادت على مائة وعشرين واحدة، وجب ثلاث بنات لبون. وإن زادت بعض واحدة، فوجهان. قال الاصطخري: يجب ثلاث بنات لبون. والصحيح: لا يجب إلا حقتان. وإذا زادت واحدة، وأوجبنا ثلاث بنات لبون، فهل للواحدة قسط من الواجب ؟ وجهان. قال الاصطخري: لا، وقال الاكثرون: نعم، فعلى هذا لو تلفت الواحدة بعد الحول وقبل التمكن، سقط من الواجب جزء من مائة وأحد وعشرين جزءا. وعلى قول الاصطخري: لا يسقط شئ. ثم بعد مائة وإحدى وعشرين يستقر الامر. فيجب في كل أربعين بنت لبون، وفي كل خمسين حقة، وإنما يتغير الواجب بزيادة عشر عشر مثاله في مائة وثلاثين: بنتا لبون وحقة، وفي مائة وأربعين: حقتان وبنت لبون، وفي مائة وخمسين: ثلاث حقاق، وفي مائة وستين: أربع بنات لبون، وفي مائة وسبعين: ثلاث بنات لبون وحقة، وفي مائة وثمانين: بنتا لبون وحقتان، وعلى هذا أبدا. فرع ولد الناقة يسمى بعد الولادة: ربعا، والانثى ربعة، ثم هبعا وهيعة، بضم أول الجميع وفتح ثانيه. ثم فصيلا إلى تمام سنة، فإذا طعن في السنة الثانية، سمي ابن مخاض، والانثى بنت مخاض، فإذا طعن في

(2/7)


الثالثة، فابن لبون وبنت لبون، فإذا طعن في الرابعة، فحق وحقة، فإذا طعن في الخامس، فجذع وجذعة، وذلك آخر أسنان الزكاة. فصل لا شئ في البقر حتى تبلغ ثلاثين. فإذا بلغتها، ففيها تبيع، ولا زيادة حتى تبلغ أربعين ففيها مسنة، ثم لا شئ حتى تبلغ ستين، ففيها تبيعان. واستقر الحساب في كل ثلاثين تبيع، وفي كل أربعين مسنة. ويتغير الفرض بعشر عشر، ففي سبعين: تبيع ومسنة، وفي ثمانين: مسنتان، وفي تسعين: ثلاثة أتبعة، وفي مائة: مسنة وتبيعان، وهكذا أبدا. والتبيع: الذي طعن في السنة الثانية، والانثى تبيعة. والمسنة: التي طعنت في الثالثة، والذكر مسن، هذا هو المذهب المشهور. وحكى جماعة وجهان. التبيع له ستة أشهر، والمسنة سنة. فصل لا زكاة في الغنم، حتى تبلغ أربعين. فإذا بلغتها، ففيها شاة، ثم لا زيادة حتى تبلغ مائة وإحدى وعشرين، ففيها شاتان، ثم لا زيادة حتى تبلغ مائتين وواحدة، ففيها ثلاث شياه، ثم لا زيادة حتى تبلغ أربع مائة، ففيها أربع شياه، ثم استقر الحساب في كل مائة شاة. والشاة الواجبة فيها: الجذعة من الضأن، أو الثنية من المعز، واختلف أصحابنا في تفسيرهما على أوجه، أصحها: الجذعة: ما دخلت في السنة الثانية، والثنية: ما دخلت في السنة الثالثة، سواء كانتا من الضأن أو المعز. والثاني: الجذعة لها ستة أشهر، والثنية سنة. والثالث: يقال إذا بلغ الضأن ستة أشهر وهو من شابين، فهو جذع، وإن كان من هرمين، فلا يسمى جذعا حتى يبلغ ثمانية أشهر. فرع ما بين الفريضتين يسمى وقصا - منهم من يفتح قافه، ومنهم من يسكنها - والشنق بمعنى الوقص، وقيل: الوقص في البقر والغنم خاصة، والشنق في الابل خاصة.

(2/8)


قلت: الفصيح في الوقص، فتح القاف وهو المشهور في كتب اللغة، والمشهور في كتب الفقه عند الفقهاء إسكانها، وقد لحنهم فيه الامام ابن بري، وليس تلحينه بصحيح، بل هما لغتان أوضحتهما في كتاب تهذيب الاسماء واللغات وشرح المهذب والشنق - بالشين المعجمة والنون المفتوحتين والقاف - قال جمهور أهل اللغة: الشنق كالوقص سواء. وقال الاصمعي: الشنق يختص بأوقاص الابل، والوقص بالبقر والغنم، ويقال فيه: وقس - بالسين المهملة - والمشهور استعماله فيما بين الفريضتين، وقد استعملوه فيما دون النصاب. والله أعلم. فصل الشاة الواجبة فيما دون خمسة وعشرين من الابل: هي الجذعة من الضأن، أو الثنية من المعز، كالشاة الواجبة في الغنم، وهل يتعين أحد النوعين من الضأن والمعز ؟ فيه أوجه. أحدها: يتعين نوع غنم صاحب الابل المزكي. والثاني: يتعين غالب غنم البلد، قطع به صاحب المهذب ونقل عن نص الشافعي، فان استويا تخير بينهما. والثالث: وهو الصحيح: أنه يخرج ما شاء من النوعين، ولا يتعين الغالب. صححه الاكثرون، وربما لم يذكروا سواه، ونقل صاحب التقريب نصوصا للشافعي تقتضيه، ورجحها. والمذهب: أنه لا يجوز العدول عن غنم البلد. وقيل: وجهان. فعلى المذهب: لو أخرج غير غنم البلد وهي في القيمة خير من غنم البلد أو مثلها، أجزأه، وإنما يمتنع دونها، وهل يجزئ الذكر منهما، أم يتعين الانثى ؟ وجهان. أصحهما: يجزئ كالاضحية، وسواء

(2/9)


كانت الابل ذكورا كلها، أو إناثا، أو مختلطة. وقيل: الوجهان يختصان بما إذا كانت كلها ذكورا، وإلا فلا يجزئ في الذكر قطعا. والاصح، الاجزاء مطلقا. فرع إذا وجبت شاة عن خمس من الابل، فأخرج بعيرا، أجزأه، وإن كان قيمته أقل من قيمة الشاة. هذا هو المذهب الصحيح، وفي وجه: لا يجزئه إن نقصت قيمته عن قيمة الشاة، قاله القفال، وأبو محمد. ووجه ثالث: أنه إن كانت الابل مراضا، أو قليلة القيمة لعيب، أجزأ البعير الناقص عن قيمة الشاة، وإن كانت صحاحا سليمة، لم يجزئ الناقص. فعلى المذهب، إذا أخرج بعيرا عن خمس، هل نقول: كله فرض، أم خمسة فرض، والباقي تطوع ؟ وجهان كالوجهين في المتمتع إذا ذبح بدنة بدل الشاة، هل الفرض كلها، أم سبعها، وفيمن مسح في الوضوء جميع رأسه، هل الجميع فرض، أم البعض ؟ وقالوا: القول بأن الجميع ليس بفرض في مسألتي الاستشهاد، أوجه، لان الاقتصار على سبع بدنة، وبعض الرأس، جائز، ولا يجزئ هنا خمس بعير بالاتفاق، وذكر قوم، منهم صاحب التهذيب أن الوجهين مبنيان على أصل، وهو أن الشاة الواجبة في الابل أصل بنفسها، أم بدل عن الابل ؟ وفيه وجهان. فإن قلنا: الشاة أصل، كان البعير كله فرضا كالشاة، وإلا، فالواجب خمس البعير. قلت: الاصح، أن جميع البعير فرض. قال أصحابنا: وصورة المسألة إذا كان البعير يجزئ عن خمسة وعشرين، وإلا فلا يقبل بدل الشاة بلا خلاف. والله أعلم.

(2/10)


ولو أخرج بعيرا عن عشر من الابل، أو عن خمس عشرة، أو عن عشرين، أجزأه على المذهب. وقيل: لا بد في العشر من حيوانين، شاتين أو بعيرين، أو شاة وبعير، وفي الخمس عشرة، ثلاث حيوانات، وفي العشرين أربع شياه، أو أبعرة، أو شاة وثلاثة أبعرة، أو عكسه، أو اثنين واثنين. وإذا قلنا بالمذهب، أجزأه البعير، وإن كان ناقص القيمة عن الشاة، وفيه الوجهان الضعيفان المتقدمان، قول القفال، والآخر. فإذا فرعنا عليهما، اعتبر أن لا ينقص البعير في العشر عن قيمة شاتين، وفي الخمس عشرة عن قيمة ثلاث، وفي العشرين عن قيمة أربع. فرع الشاة الواجبة في الابل يشترط كونها صحيحة، وإن كانت الابل مراضا، لانها في الذمة، ثم فيها وجهان. أحدهما وبه قطع كثيرون وهو قول ابن خيران: يؤخذ عن المراض صحيحة تليق بها. مثاله: خمس من الابل مراض قيمتها خمسون، ولو كانت صحاحا كان قيمتها مائة، وقيمة الشاة المخرجة ستة دراهم، فيؤمر بإخراج شاة صحيحة تساوي

(2/11)


ثلاثة دراهم، فإن لم يوجد بها شاة صحيحة، قال صاحب الشامل: فرق الدراهم. والوجه الثاني: يجب فيها ما يجب في الابل الصحاح بلا فرق. قال في المهذب: وهو ظاهر المذهب. فصل إذا ملك خمسا وعشرين من الابل، فقد وجب بنت مخاض، فإن وجدها، لم يعدل إلى ابن لبون، وإن لم يجدها وعنده ابن لبون، جاز دفعه عنها، سواء قدر على تحصيلها، أم لا، وسواء كانت قيمته أقل من قيمتها، أم لا، ولا جبران معه، فإن لم يكن في إبله بنت مخاض، ولا ابن لبون، فالاصح أن يشتري أيهما شاء ويخرجه. والثاني: يتعين بنت المخاض، ولو كان عنده بنت مخاض معيبة، فكالمعدومة، ولو كانت كريمة وإبله مهزولة، لم يكلف إخراجها، فإن تطوع بها، فقد أحسن، وإن أراد اخراج ابن لبون، فوجهان. أحدهما: لا يجوز، لانه واجد، وبهذا قطع الشيخ أبو حامد، وأكثر شيعته، ورجحه إمام الحرمين والغزالي، والاكثرون. والثاني: يجوز كالمعدومة، وهذا هو الراجح عند صاحبي المهذب والتهذيب وحكي عن نصه. ولو لم تكن عنده بنت مخاض، فأخرج خنثى من أولاد اللبون، أجزأه على الاصح، ولا جبران للمالك لاحتمال الانوثة ما لم نتحققها. ولو وجد بنت لبون، وابن لبون، فأراد اخراج بنت اللبون، وأخذ الجبران، لم يكن له على الاصح. ولو لزمه بنت مخاض وهي عنده، فأراد اخراج خنثى من أولاد اللبون، لم يجزئه، لاحتمال أنه ذكر، فلا

(2/12)


يجزئ مع وجود بنت المخاض. ولو أخرج حقا عن بنت مخاض عند فقدها، فلا شك في جوازه، فإنه أولى من ابن اللبون، ولو لزمته بنت لبون فأخرج حقا عند عدمها، لم يجزه على المذهب، وبه قطع الجمهور، وحكت طائفة. فيه وجهان. فصل إذا بلغت ماشيته حدا، يخرج فرضه بحسابين كمائتين من الابل، فهل الواجب خمس بنات لبون، أو أربع حقاق ؟ قال في القديم: الحقاق، وفي الجديد: أحدهما. قال الاصحاب: فيه طريقان. أحدهما: على قولين. أظهرهما: الواجب، أحدهما. والثاني: الحقاق. والطريق الثاني: القطع بالجديد، وتأولوا القديم. فإن اثبتنا القديم وفرعنا عليه، نظر، إن وجد الحقاق بصفة الاجزاء، لم يجز غيرها، وإلا نزل منها إلى بنات اللبون، أو صعد إلى الجذاع مع الجبران، وإن فرعنا على المذهب وهو أحدهما، فللمسألة أحوال. أحدهما: أن يوجد في المال، القدر الواجب من أحد الصنفين بكماله دون الآخر، فيؤخذ ولا يكلف تحصيل الصنف الآخر، وإن كان أنفع للمساكين، ولا يجوز الصعود ولا النزول مع الجبران، إذ لا ضرورة إليه، وسواء عدم جميع الصنف الآخر، أم بعضه، فهو كالمعدوم. وكذا لو وجد الصنفان، وأحدهما معيب، فكالمعدوم. الحال الثاني: أن لا يوجد في ماله شئ من الصنفين، أو يوجد، أو هما معيبان. فإذا أراد تحصيل أحدهما بشراء أو غيره، فالاصح أن له أن يحصل أيهما شاء. والثاني: يجب تحصيل الاغبط للمساكين، وله أن لا يحصل الحقاق ولا بنات اللبون، بل ينزل أو يصعد مع الجبران، فان شاء جعل الحقاق أصلا، وصعد إلى

(2/13)


أربع جذاع فأخرجها وأخذ أربع جبرانات، وإن شاء جعل بنات اللبون أصلا، ونزل إلى خمس بنات مخاض، فأخرجها ودفع معها خمس جبرانات، ولا يجوز أن يجعل الحقاق أصلا، وينزل إلى أربع بنات مخاض، ويدفع ثماني جبرانات، ولا أن يجعل بنات اللبون أصلا، ويصعد إلى خمس جذاع، ويأخذ عشر جبرانات، لامكان تقليل الجبران. وفي وجه شاذ: أنه يجوز الصعود والنزول المذكوران، وليس بشئ. الحال الثالث: أن يوجد الصنفان بصفة الاجزاء، فالمذهب والذي نص عليه الشافعي رحمه الله، وقاله جمهور الاصحاب: يجب الاغبط للمساكين. وقال ابن سريج: المالك بالخيار فيهما، لكن يستحب له إخراج الاغبط، إلا أن يكون ولي يتيم، فيراعي حظه. وإذا قلنا بالمذهب، فأخذ الساعي غير الاغبط، ففيه أوجه. الصحيح الذي اعتمده الاكثرون: أنه إن كان بتقصير، إما من الساعي بأن أخذه مع علمه، أو أخذه بلا اجتهاد، وظن أنه الاغبط، وإما من المالك، بأن دلس وأخفى الاغبط، لم يقع المأخوذ من الزكاة. وإن لم يقصر واحد منهما وقع عن الزكاة. والوجه الثاني، قاله ابن خيران، وقطع به في التهذيب: إن كان باقيا في يد الساعي بعينه، لم يقع عن الزكاة وإن لم يقصر واحد منهما، وإلا وقع. والثالث: يقع عنهما بكل حال. والرابع: لا يقع بحال. والخامس: إن فرقه على المستحقين، ثم ظهر الحال، , حسب عن الزكاة بكل حال، وإلا لم يحسب. والسادس: إن دفع المالك مع علمه بأنه الادنى، لم يجزه، وإن كان الساعي هو الذي أخذه، جاز. وحيث قلنا: لا يقع المأخوذ عن الزكاة، فعليه إخراجها، وعلى الساعي رد ما أخذه إن كان باقيا، وقيمته إن كان تالفا. وحيث قلنا: يقع، فهل يجب إخراج قدر التفاوت ؟ وجهان. أصحهما: يجب. والثاني: يستحب كما إذا أدى اجتهاد الامام إلى أخذ القيمة، وأخذها، لا يجب شئ آخر. قال أصحابنا: وإنما يعرف التفاوت بالنظر إلى القيمة، فإذا كانت قيمة الحقاق أربعمائة وقيمة بنان

(2/14)


اللبون أربعمائة وخمسين، وقد أخذ الحقاق، فالتفاوت خمسون، فلو كان التفاوت يسيرا لا يحصل به شقص ناقة، دفع الدراهم للضرورة، وأشار صاحب التقريب إلى أنه يتوقف إلى وجود شقص، وليس بشئ، فإن يحصل به شقص، فوجهان. أحدهما: يجب شراؤه. وأصحهما: يجوز دفع الدراهم لضرر المشاركة، ولانه قد يعدل إلى غير الجنس الواجب للضرورة، كمن وجب عليه شاة في خمس من الابل، فلم يجد شاة، فإنه يخرج قيمتها، وكمن لزمته بنت مخاض، فلم يجدها ولا ابن لبون، لا في ماله ولا بالثمن، فإنه يعدل إلى القيمة. فإذا جوزنا الدراهم، فأخرج شقصا، جاز. قال في النهاية: وفيه أدنى نظر، لما فيه من العسر على المساكين وإن أوجبنا الشقص، فيكون من الاغبط، أم من المخرج ؟ فيه أوجه. أصحها: من الاغبط، لانه الاصل. والثاني: من المخرج، لئلا يتبعض. والثالث: يتخير بينهما. ففي المثال المتقدم، يخرج على الاصح خمسة أتساع بنت لبون. وعلى الثاني: نصف حقة، ثم إذا أخرج شقصا، وجب صرفه إلى الساعي على قولنا: يجب الصرف إلى الامام في الاموال الظاهرة، وإذا أخرج الدراهم، فوجهان. أحدهما: لا يجب الصرف إليه، لانها من الباطنة. والثاني: يجب، لانها جبران الظاهرة. قلت: هذا الثاني أصح. والله أعلم. وإطلاق الاصحاب الدراهم في هذا الفصل، يشبه أن يكون مرادهم به نقد البلد، دراهم كان، أو دنانير، كما صرح به الشيخ إبرهيم المروذي. قلت: مرادهم نقد البلد قطعا، وصرح به جماعة، منهم القاضي حسين وغيره، وعليه يحمل قول صاحب الحاوي وإمام الحرمين وغيرهما: دراهم أو دنانير، يعنيان أيهما كان نقد البلد. والله أعلم. الحال الرابع: أن يوجد بعض كل صنف، بأن يجد ثلاث حقاق وأربع بنات لبون، فهو بالخيار، إن شاء جعل الحقاق أصلا فدفعها مع بنت لبون وجبران، وإن شاء جعل بنات اللبون أصلا فدفعها مع حقة، وأخذ جبرانا، وهل يجوز أن يدفع

(2/15)


حقة مع ثلاث بنات لبون، وثلاث جبرانات ؟ وجهان. ويجري الوجهان فيما إذا لم يجد إلا أربع بنات لبون وحقة، فدفع الحقة مع ثلاث بنات لبون، وثلاث جبرانات ونظائره. والاصح الجواز. قال في التهذيب: ويجوز في الصورة الاولى أن يعطي الحقاق مع جذعة ويأخذ جبرانا، وأن يعطي بنات اللبون وبنت مخاض مع جبران. الحال الخامس: أن يوجد بعض أحد الصنفين ولا يوجد من الآخر شئ، كما إذا لم يجد إلا حقتين، فله إخراجهما مع جذعتين، ويأخد جبرانين، وله أن يجعل بنات اللبون أصلا، فيخرج بدلهن خمس بنات مخاض مع خمس جبرانات. ولو لم يجد إلا ثلاث بنات لبون، فله إخراجهن مع بنتي مخاض وجبرانين، وله أن يجعل الحقاق أصلا، ويخرج أربع جذعات بدلها، ويأخذ أربع جبرانات. كذا ذكر في التهذيب الصورتين، ولم يحك خلافا، وينبغي أن يكون فيه الوجهان السابقان، ولعله فرعه على الاصح. فرع إذا بلغت البقر مائة وعشرين، ففيها أربعة أتبعة، أو ثلاث مسنات، وحكمها حكم بلوغ الابل مائتين في جميع الخلاف والتفريع المتقدم. فرع لو أخرج صاحب المائتين من الابل حقتين وبنتي لبون ونصفا، لم يجز، ولو ملك أربع مائة، فعليه ثمان حقاق، أو عشر بنات لبون، ويعود فيها جميع ما في المائتين من الخلاف والتفريع. ولو أخرج عنها أربع حقاق، وخمس بنات لبون، جاز على الصحيح الذي قطع به الجمهور، ومنعه الاصطخري لتفريق الفرض، كما لو فرقه في المائتين. قال الجمهور: كل مائتين أصل منفرد، فهو ككفارتين، يطعم في إحداهما، ويكسو في الاخرى. وأما المائتان، فالتفريق فيهما كالتفريق في الكفارة الواحدة، على أن المانع في المائتين، ليس هو مجرد التفريق، بل المانع التشقيص، ألا ترى أنه لو أخرج حقتين وثلاث بنات لبون، أو

(2/16)


أربع بنات لبون وحقة، جاز. ويجري هذا الخلاف متى بلغ المال ما يخرج منه بنات اللبون والحقاق بلا تشقيص. فإن قيل: ذكرتم أن الساعي يأخذ الاغبط، ويلزم من ذلك أن يكون أغبط الصنفين هو المخرج، فكيف يخرج البعض من هذا، والبعض من ذاك ؟ فالجواب، ما أجاب به ابن الصباغ. قال: يجوز أن لهم حظ ومصلحة في اجتماع النوعين، وفي هذا، أن جهة الغبطة غير منحصرة في زيادة القيمة، لكن إذا كان التفاوت لا من جهة القيمة، يتعذر إخراج قدر التفاوت. فصل من وجبت عليه بنت مخاض وليست عنده، جاز أن يخرج بنت لبون ويأخذ من الساعي شاتين، أو عشرين درهما، ومن وجبت عليه بنت لبون وليست عنده، جاز أن يخرج حقة ويأخذ ما ذكرنا، ومن وجبت عليه حقة وليست عنده، جاز أن يخرج جذعة، ويأخذ ما ذكرنا، ولو وجبت عليه جذعة وليست عنده، جاز أن يخرج حقة مع شاتين، أو عشرين درهما، ولو وجبت عليه حقة وليست عنده جاز أن يخرج بنت لبون مع ما ذكرنا، ولو وجبت بنت لبون، وليست عنده، جاز أن يخرج بنت مخاض مع ما ذكرنا. ثم صفة شاة الجبران هذه، صفة الشاة المخرجة فيما دون خمس وعشرين من الابل. وفي اشتراط الانوثة إذا كان المالك هو المعطي، الوجهان المذكوران في تلك الشاة، والدراهم التي يخرجها، هي النقرة. قال في النهاية: وكذا دراهم الشريعة حيث وردت. وإن احتاج الامام إلى إعطاء الجبران ولم يكن في بيت المال دراهم، باع شيئا من مال المساكين وصرفه في الجبران، وإلى من تكون الخيرة في تعيين الشاتين، أو الدراهم ؟ فيه

(2/17)


طريقان. المذهب وبه قطع الاكثرون: أن الخيرة للدافع، سواء إن كان الساعي أو رب المال، لكن الساعي يراعي مصلحة المساكين. والثاني: على قولين أظهرهما: هذا. والثاني: الخيار للساعي. وأما الخيرة في الصعود والنزول، فإلى المالك على الاصح، وإلى الساعي على الثاني. والوجهان فيما إذا دفع المالك غير الاغبط، فإن أراد دفع الاغبط، لزم الساعي أخذه قطعا، هذا عند سلامة المال، فإن كان الواجب مريضا أو معيبا، لكن إبله مراضا أو معيبة، فأراد الصعود وطلب الجبران، فإن قلنا: الخيار للساعي، ورأى الغبطة فيه، جاز. وإن قلنا: الخيار للمالك، لم يفوض ذلك إليه، ويستثنى هذه الصورة. ولو أراد أن ينزل من السن المعيبة أو المريضة إلى ناقص دونها، ويبذل الجبران قبل، فإنه تبرع بزيادة. فرع إذا وجبت عليه جذعة، فأخرج بدلها ثنية، ولم يطلب جبرانا، جاز، وقد زاد خيرا، ولو طلب الجبران، فوجهان، أرجحهما عند العراقيين وهو ظاهر النص: الجواز، وأرجحهما عند الغزالي وصاحب التهذيب: المنع. قلت: الاول أصح عند الجمهور. والله أعلم. واعلم أنه كما يجوز الصعود والنزول بدرجة، يجوز بدرجتين، بأن يعطي بدل

(2/18)


بنت اللبون جذعة عند فقدها وفقد الحقة، ويأخذ جبرانين، أو يعطي بدل الحقة بنت مخاض مع جبرانين، وكذلك ثلاث درجات، بأن يعطي بدل الجذعة عند فقدها وفقد الحقة وبنت اللبون، بنت مخاض مع ثلاث جبرانات، أو يعطي بدل بنت المخاض، الجذعة عند فقد ما بينهما، ويأخذ ثلاث جبرانات، وهل يجوز الصعود والنزول بدرجتين مع القدرة على الدرجة القربى، كما إذا لزمه بنت لبون، فلم يجدها، ووجد حقة وجذعة فصعد إلى الجذعة. الاصح عند الجمهور: لا يجوز. والخلاف فيما إذا صعد وطلب جبرانين، فأما إذا رضي بجبران، فلا خلاف في الجواز، ويجري الخلاف في النزول من الحقة إلى بنت مخاض مع وجود بنت اللبون. أما إذا لزمته بنت لبون فلم يجدها، ولا حقة، ووجد جذعة وبنت مخاض، فهل له ترك بنت المخاض ويخرج الجذعة ؟ فيه وجهان مرتبان، وأولى بالجواز، وبه قطع الصيدلاني، لان بنت المخاض وإن كانت أقرب، لكن ليست في الجهة المعدول إليها. فرع لو أخرج المالك عن جبرانين شاتين وعشرين درهما، جاز، ولو أخرج عن جبران شاة وعشرة دراهم، لم يجز، فلو كان المالك أخذ ورضي بالتفريق، جاز. فرع لو لزمه بنت لبون فلم يجدها، ووجد ابن لبون وحقة، وأراد دفع ابن اللبون مع الجبران، فوجهان. أصحهما: المنع. والثاني: الجواز، لان الشرع جعله كبنت المخاض.

(2/19)


قلت: لو وجب عليه بنت مخاض، فلم يجدها، ووجد ابن لبون وبنت لبون، فأخرجها وطلب الجبران، لم يقبل على الاصح، بل عليه دفع ابن اللبون بلا جبران، لانه بدل بنت المخاض بالنص، ولو وجبت حقة، فأخرج بدلها بنتي لبون، أو وجبت جذعة، فأخرج بدلها حقتين، أو بنتي لبون، جاز على الصحيح، لانهما يجزئان عما زاد، ولو ملك إحدى وستين بنت مخاض، فأخرج واحدة منها، فالصحيح الذي قاله الجمهور: أنه يجب معها ثلاث جبرانات. وفي الحاوي وجه: أنها تكفيه وحدها حذرا من الاجحاف، وليس بشئ. والله أعلم. فرع لا يدخل الجبران في زكاة الغنم والبقر. فصل في صفة المخرج في الكمال والنقصان أسباب النقص في هذا الباب خمسة. أحدها: المرض، فإن كانت ماشيته كلها مراضا، أجزأته مريضة متوسطة، ولو كان بعضها صحيحا، وبعضها مريضا، فإن كان الصحيح قدر الواجب فأكثر، لم تجز المريضة إن كان الواجب حيوانا واحدا، فإن كان اثنين ونصف ماشيته صحاح، ونصفها مراض، كبنتي لبون في ست وسبعين، وكشاتين في مائتين، فهل يجوز أن يخرج صحيحة ومريضة ؟ وجهان حكاهما في التهذيب. أصحهما عنده: يجوز، وأقربهما إلى كلام الاكثرين: لا. وإن كان الصحيح من ماشيته دون قدر الواجب، كشاتين في مائتين ليس فيها صحيحة إلا واحدة، فالمذهب: أنه يجزئه صحيحة ومريضة، وبه قطع العراقيون والصيدلاني. وقيل: وجهان. ثانيهما: يجب صحيحتان، قاله الشيخ أبو محمد. فرع: إذا أخرج صحيحة من المال المنقسم إلى الصحاح والمراض، لم يجب أن يكون من صحاح ماله، ولا مما يساويها في القيمة، بل يجب صحيحة لائقة بماله. مثاله: أربعون شاة، نصفها صحاح، وقيمة كل صحيحة ديناران، وكل مريضة دينار، فعليه صحيحة بقيمة نصف صحيحة، ونصف مريضة، وذلك دينار ونصف، ولو كانت الصحاح ثلاثين، فعليه صحيحة بثلاثة أرباع قيمة صحيحة، وربع مريضة، وهو دينار ونصف وربع، ولو لم يكن فيها إلا صحيحة، فعليه

(2/20)


صحيحة وقيمته تسعة وثلاثون جزءا من أربعين من قيمة مريضة، وجزء من أربعين من صحيحة، وذلك دينار وربع عشر دينار، وجميع ذلك ربع عشر المال، ومتى قوم جملة النصاب، وكانت الصحيحة المخرجة ربع عشر القيمة، كفى. فلو ملك مائة وإحدى وعشرين شاة، فينبغي أن يكون قيمة الشاتين المأخوذتين، جزء من مائة وأحد وعشرين جزءا من قيمة الجملة، وإن ملك خمسا وعشرين من الابل، يكون قيمة الناقة المأخوذة جزءا من خمسة وعشرين جزءا من قيمة الجملة، وقس على هذا سائر النصب وواجباتها، ولو ملك ثلاثين من الابل، نصفها صحاح، ونصفها مراض، وقيمة كل صحيحة أربعة دنانير، وقيمة كل مريضة ديناران، وجبت صحيحة بقيمة نصف صحيحة ونصف مريضة، وهو ثلاثة دنانير، ذكره صاحب التهذيب وغيره. ولك أن تقول: هلا كان هذا ملتفتا إلى أن الزكاة تتعلق بالوقص، أم لا، فإن تعلقت فذاك، وإلا قسط المأخوذ عن الخمس والعشرين. النقص الثاني: العيب، والكلام فيه كالمرض، سواء تمحضت الماشية معيبة، أو انقسمت سليمة ومعيبة. والمراد بالعيب في هذا الباب، ما يثبت الرد في البيع على الاصح. وعلى الثاني: هذا مع ما يمنع الاجزاء في الاضحية. ولو ملك خمسا وعشرين بعيرا معيبة، وفيها بنتا مخاض، إحداهما: من أجود المال مع عيبها، والثانية دونها، فهل يأخذ الاجود كالاغبط في الحقاق وبنات اللبون، أم الوسط ؟ وجهان. الصحيح: الثاني. وأما قول الشافعي رحمه الله في المختصر: ويأخذ خير المعيب، فاتفق الاصحاب على أنه مؤول، والمراد: يأخذ من وسطه. النقص الثالث: الذكورة، فإذا تمحضت الابل إناثا، أو انقسمت ذكورا وإناثا، لم يجزئ عنها الذكر إلا في خمسة وعشرين، فإنه يجزئ فيها ابن لبون عند فقد بنت المخاض، وإن تمحضت ذكورا، فثلاثة أوجه. أصحها وهو المنصوص: جوازه، كالمريضة من المراض، وعلى هذا يؤخذ في ست وثلاثين ابن لبون أكثر قيمة من ابن لبون، يؤخذ من خمس وعشرين، ويعرف بالتقويم أو النسبة.

(2/21)


والثاني: المنع، فعلى هذا لا يؤخذ انثى كانت تؤخذ لو تمحضت إناثا، بل تقوم ماشيته لو كانت إناثا، وتقوم الانثى المأخوذة منها، ويعرف نسبتها من الجملة، وتقوم ماشيته الذكور، وتؤخذ أنثى قيمتها ما تقتضيه النذبة، وكذلك الانثى المأخوذة من الاناث والذكور، يكون دون المأخوذة من محض الاناث بطريق التقسيط المذكور في المراض والثالث: إن أدى أخذ الذكر إلى التسوية بين النصابين، لم يؤخذ، وإلا أخذ. مثاله: يؤخذ ابن مخاض من خمس وعشرين، وحق من ست وأربعين، وجذع من إحدى وستين، وكذا يؤخذ الذكر إذا زادت الابل، واختلف الفرض بزيادة العدد، ولا يؤخذ ابن لبون من ست وثلاثين، لانه مأخوذ عن خمس وعشرين. وأما البقر، فالتبيع مأخوذ منها في مواضع وجوبه، وحيث وجبت المسنة، تعينت إن تمحضت إناثا أو انقسمت، فإن تمحضت ذكورا، ففيه الوجهان الاولان في الابل، ولو أخرج عن أربعين من البقر، أو خمسين تبيعين، جاز على الصحيح، لانهما يجزئان عن ستين، فعما دونها أولى. وأما الغنم، فإن تمحضت إناثا أو انقسمت، تعينت الانثى، وإن تمحضت ذكورا، فطريقان. المذهب وبه قطع الاكثرون: يجزئ الذكر. والثاني: على الوجهين في الابل. النقص الرابع: الصغر، وللماشية في هذا الفصل ثلاثة أحوال. أحدها: أن تكون كلها أو بعضها في سن الفرض، فيؤخذ لواجبها سن الفرض، ولا يؤخذ ما دونه، ولا يكلف ما فوقه. الثاني: أن تكون كلها فوق سن الفرض، فلا يكلف الاخراج منها، بل يحصل السن الواجبة ويخرجها، وله الصعود والنزول في الابل كما سبق. الثالث: أن يكون الجميع في سن دونها، وقد يستبعد تصور هذا، فإن أحد شروط الزكاة الحول، وإذا حال الحول، فقد بلغت الماشية حد الاجزاء. وقد

(2/22)


صورها الاصحاب فيما إذا حدثت من الماشية في أثناء الحلول فصلان، أو عجول، أو سخال، ثم ماتت الامهات، وتم حولها والنتاج صغار بعد، وهذا تفريع على المذهب أن النتاج يبنى على حولها. وأما على قول الانماطي: إنه ينقطع الحول بموت الامهات، بل بنقصانها عن النصاب، فلا تجئ هذه الصورة بهذا الطريق، ويمكن أن تصور ذلك فيما إذا ملك نصابا من صغار المعز، ومضى عليها حول، فتجب الزكاة وإن لم تبلغ سن الاجزاء، لان الثنية من المعز على الاصح، هي التي استكملت سنتين كما تقدم. إذا عرف التصوير ففيما يؤخذ ؟ وجهان. وقال صاحب التهذيب وغيره: قولان. القديم: لا يؤخذ إلا كبيرة، لكن دون الكبيرة المأخوذة من الكبار في القيمة. وكذا إذا انقسم ماله إلى صغار وكبار، يؤخذ كبيرة بالقسط كما سبق في نظائره، فإن لم توجد كبيرة بما يقتضيه التقسيط، أخذت القيمة للضرورة. ذكره المسعودي في الايضاح والقول الجديد: لا يتعين الكبيرة، بل تجوز الصغيرة كالمريضة من المراض. فعلى هذا، هل تؤخذ الصغيرة مطلقا، أم كيف الحال ؟ قطع الجمهور بأخذ الصغيرة من صغار الغنم. وذكروا في الابل والبقر، ثلاثة أوجه. أصحها: يجوز أخذ الصغار مطلقا كالغنم، ولكن يجتهد الساعي ويحترز عن التسوية بين القليل والكثير، فيأخذ من ست وثلاثين فصيلا فوق الفصيل المأخوذ في خمس وعشرين، ومن ست وأربعين فصيلا فوق المأخوذ من ست وثلاثين، وعلى هذا، القياس. والوجه الثاني: لا تجزئ الصغيرة، لئلا تؤدي إلى التسوية بين القليل والكثير، لكن يؤخذ كبيرة بالقسط كما سبق في نظائره. والثالث: لا يؤخذ فصيل من أحد وستين فما دونها، ويؤخذ مما فوقها، وكذا من البقر. قال الاصحاب: هذا الوجه ضعيف لشيئين. أحدهما: أن التسوية التي تلزم في أحد وستين فما دونها، تلزم في أحد وتسعين، فإن الواجب في ست وسبعين، بنتا لبون، وفي إحدى وتسعين، حقتان، فإن أخذنا فصيلين في هذا، وفي ذلك،

(2/23)


سوينا، فإن وجب الاحتراز عن التسوية، فليحترز عن هذه الصورة. الثاني: أن هذه التسوية تلزم في البقر، في ثلاثين وأربعين، وقد عبر قوم من الاصحاب عن هذا الوجه بعبارة تدفع هذين الشيئين فقالوا: تؤخذ الصغيرة حيث لا تؤدي إلى التسوية، ومنهم من خص المنع على هذا الوجه بست وثلاثين فما فوقها، وجوز إخراج فصيل عن خمس وعشرين، إذ لا تسوية في تجويزه وحده. النقص الخامس: رداءة النوع، الماشية إن اتحد نوعها، بأن كانت إبله كلها أرحبية أو مهرية، أو كانت غنمه كلها ضأنا أو معزا، أخذ الفرض منها، وذكر في التهذيب ثلاثة أوجه في أنه هل يجوز أخذ ثنية من المعز، باعتبار القيمة عن أربعين ضأنا، أو جذعة من الضأن عن أربعين معزا ؟ أصحها: الجواز، لاتفاق الجنس كالمهرية مع الارحبية. والثاني: المنع كالبقر عن الغنم. والثالث: لا يؤخذ المعز عن الضأن، ويجوز العكس، كما يؤخذ في الابل المهرية عن المجيدية، ولا عكس، وكلام إمام الحرمين قريب من هذا الثالث، فإنه قال: لو ملك أربعين من الضأن الوسط، فأخرج ثنية من المعز الشريفة تساوي جذعة من الضأن التي يملكها، فهذا محتمل، والظاهر إجزاؤها. أما إذا اختلف النوع كالمهرية والارحبيه من الابل، والعراب والجواميس من البقر، والضأن والمعز من الغنم، فيضم البعض إلى البعض في إكمال النصاب لاتحاد الجنس، وفي كيفية أخذ الزكاة قولان. أحدهما: يؤخذ من الاغلب، فإن استويا، فكاجتماع الحقاق وجنات اللبون في مائتين، فيؤخذ الاغبط للمساكين على المذهب. وعلى وجه: الخيرة للمالك. والقول الثاني وهو الاظهر: يؤخذ من كل نوع بقسطه، وليس معناه أن يؤخذ من هذا شقص، ومن هذا شقص، فانه لا يجزئ بالاتفاق، ولكن المراد، النظر إلى الاصناف، وباعتبار القيمة، فإذا اعتبرت القيمة والتقسيط، فمن أي نوع كان

(2/24)


المأخوذ، جاز. كذا قاله الجمهور. وقال ابن الصباغ: ينبغي أن يكون المأخوذ من أعلى الانواع، كما لو انقسمت إلى صحاح ومراض، ويجاب عما قال بأنه ورد النهي عن المريضة والمعيبة، فلم نأخذ إلا ما وجدنا صحيحة، بخلاف ما نحن فيه. وحكي قول ثالث: أنه إذا اختلف الانواع، أخذ من الوسط، ولا يجئ هذا في نوعين فقط، ولا في ثلاثة متساوية. وحكي وجه: أنه يؤخذ الاجود، فخرج من نصه في اجتماع الحقاق وبنات اللبون. وحكي عن أبي إسحق: أن القولين فيما إذا لم تحتمل الابل أخذ واجب كل نوع وحده، فإن احتمل، أخذ بلا خلاف، بأن ملك مائتين، مائة أرحبية، ومائة مهرية، فيؤخذ حقتان من هذه، وحقتان من هذه.

(2/25)


والمشهور في المذهب: طرد الخلاف مطلقا، ونوضح القولين الاولين بمثالين. أحدهما: له خمس وعشرون من الابل، عشرة مهرية، وعشرة أرحبية، وخمسة مجيدية، فعلى القول الاول يؤخذ بنت مخاض أرحبية، أو مهرية، بقيمة نصف أرحبية، ونصف مهرية، لان هذين النوعين أغلب. وعلى الثاني: يؤخذ بنت مخاض من أي الانواع أعطى بقيمة خمسي مهرية، وخمسي أرحبية، وخمس مجيدية. فإذا كانت قيمة بنت مخاض مهرية عشرة، وقيمة بنت مخاض أرحبية خمسة، وبنت مخاض مجيدية دينارين ونصف، أخذ بنت مخاض من أي أنواعها شاء، قيمتها ستة ونصف. الثاني: له ثلاثون من المعز، وعشر من الضأن، فعلى القول الاول: يأخذ ثنية من المعز كما لو كانت كلها معزا، وعكسه، لو كان الضأن ثلاثين، أخذنا جذعة من الضأن. وعلى القول الثاني: يخرج ضائنة، أو عنزا بقيمة ثلاثة أرباع عنز، وربع ضائنة في الصورة الاولى، وبقيمة ثلاثة أرباع ضائنة، وربع ماعزة في الصورة الثانية، ولا يجئ قول اعتبار الوسط هنا. وعلى وجه: اعتبار الاشرف يؤخذ من أشرفها.

(2/26)


باب الخلطة
هي نوعان، خلطة اشتراك، وخلطة جوار، وقد يعبر عن الاول بخلطة الاعيان، وبخلطة الشيوع. وعن الثاني: بخلطة الاوصاف. والمراد بالاول أن لا يتميز نصيب أحد الرجلين أو الرجال عن نصيب غيره، كماشية ورثها قوم أو ابتاعوها معا، فهي شائعة بينهم. وبالثاني: أن يكون مال كل واحد متعينا متميزا عن مال غيره، ولكن يجاوره مجاورة المال الواحد على ما سنذكره إن شاء الله تعالى، ولكل واحدة من الخلطتين أثر في الزكاة، فيجعلان مال الشخصين أو الاشخاص، بمنزلة مال الواحد. ثم قد توجب الزكاة أو تكثرها، كرجلين خلطا عشرين بعشرين، يجب شاة، ولو انفردا، لم يجب شئ. قلت: وصورة تكثيرها، خلط مائة وشاة بمثلها، وجب على كل واحد شاة ونصف، ولو انفرد، لزمه شاة فقط، أو خلط خمسا وخمسين بقرة بمثلها،. لزم كل واحد مسنة ونصف تبيع، ولو انفرد كفاه مسنة. والله أعلم. وقد يقللها، كرجلين خلطا أربعين بأربعين، يجب عليهما شاة، ولو انفردا، وجب على كل واحد شاة. وحكى الحناطي وجها غريبا: أن خلطة الجوار لا أثر لها، وليس بشئ. فصل نوعا الخلطة يشتركان في اعتبار شروط، وتختص خلطة الجوار بشروط، فمن المشترك كون المجموع نصابا، فلو ملك زيد عشرين شاة، وعمرو عشرين شاة، فخلطا تسع عشرة بتسع عشرة، وتركا شاتين منفردتين، فلا أثر لخلطتهما، فلا زكاة أصلا. ومنها: أن يكون المختلطان من أهل وجوب الزكاة، فلو كان أحدهما ذميا أو

(2/27)


مكاتبا، فلا أثر للخلطة، بل إن كان نصيب الحر المسلم نصابا، زكاه زكاة الانفراد، وإلا فلا شئ عليه. ومنها: دوام الخلطة في جميع السنة على ما يأتي بيانه إن شاء الله تعالى. وأما الشروط المختصة بخلطة الجوار، فمجموعها عشرة، متفق على اشتراطه، ومختلف فيه. أحدها: اتحاد المراح، وهو مأواها ليلا. والثاني: اتحاد المشرب، بأن تسقى غنمهما من ماء واحد، نهر، أو عين، أو بئر، أو حوض، أو من مياه متعددة، بحيث لا تختص غنم أحدهما بالشرب من موضع، وغنم الآخر من غيره. الثالث: اتحاد المسرح، وهو الموضع الذي تجمع فيه، ثم تساق إلى المرعى. الرابع: اتحاد المرعى، وهو المرتع الذي ترعى فيه، فهذه الاربعة متفق عليها. الخامس: اتحاد الراعي، الاصح: اشتراطه. ومعناه: أن لا يختص غنم أحدهما براع، ولا بأس بتعدد الرعاة لهما قطعا.

(2/28)


السادس: اتحاد الفحل، المذهب: أنه شرط، وبه قطع الجمهور. وقيل: وجهان. أصحهما: اشتراطه. والمراد أن تكون الفحول مرسلة بين ماشيتهما، لا يختص أحدهما بفحل، سواء كانت الفحول مشتركة أو مملوكة لاحدهما، أو مستعارة. وفي وجه: يشترط أن تكون مشتركة بينهما. واتفقوا على ضعفه. وإذا قلنا: لا يشترط اتحاد الفحل، اشترط كون الانزاء في موضع واحد. السابع: اتحاد الموضع الذي تحلب فيه، لا بد منه، كالمراح. فلو حلب هذا ماشيته في أهله، وذلك ماشيته في أهله، فلا خلطة. الثامن: اتحاد الحالب، وهو الشخص الذي يحلب، فيه وجهان. أصحهما: ليس بشرط. والثاني: يشترط بمعنى أنه لا ينفرد أحدهما بحالب يمتنع عن حلب ماشية الآخر. التاسع: اتحاد الاناء الذي يحلب فيه، وهو المجلب، فيه وجهان. أصحهما: لا يشترط، كما لا يشترط اتحاد آلة الجز. والثاني: يشترط فلا ينفرد

(2/29)


أحدهما بمحلب، أو محالب ممنوعة من الآخر. وعلى هذا، هل يشترط جلط اللبن ؟ وجهان. أصحهما: لا. والثاني: يشترط ويتسامحون في قسمته، كما يخلطوا المسافرون أزوادهم ثم يأكلون، وفيهم الزهيد والرغيب. العاشر: نية الخلطة هل تشترط ؟ وجهان. أصحهما: لا يشترط. ويجري الوجهان فيما لو افترقت الماشية في شئ مما يشترط الاجتماع فيه بنفسها، أو فرقها الراعي ولم يعلم المالكان إلا بعد طول الزمان، هل تنقطع الخلطة، أم لا ؟ أما لو فرقاها، أو أحدهما قصدا في شئ من ذلك، فتنقطع الخلطة وإن كان يسيرا. وأما التفرق اليسير من غير قصد، فلا يؤثر، لكن لو اطلعا عليه فأقراها على تفرقها ارتفعت الخلطة. ومهما ارتفعت الخلطة، فعلى من نصيبه نصاب زكاة، الانفراد إذا تم الحول من يوم الملك، لا من يوم ارتفاعها. فصل الخلطة تؤثر في المواشي بلا خلاف. وهل تؤثر في الثمار، والزروع، والنقدين، وأموال التجارة ؟ أما خلطة الاشتراك، ففيها قولان. القديم: لا يؤثر. والجديد: يؤثر. فأما خلطة الجوار، فلا تثبت على القديم. وفي الجديد: وجهان. وقيل: قولان. أصحهما: يثبت. إذا اختصرت، قلت: في الخلطتين ثلاثة أقوال: الاظهر: ثبوتهما. والثاني: لا. والثالث: تثبت خلطة الاشتراك فقط. وصورة الخلطة في هذه الاشياء، أن يكون لكل واحد منهما رصف نخيل، أو زرع في حائط واحد، أو لكل واحد كيس درهم في صندوق واحد، أو أمتعة تجارة في خزانة واحدة. وفرع الاصحاب على إثبات الخلطتين مسائل. منها: نخيل موقوفة على جماعة معينين في حائط واحد، أثمرت خمسة أوسق، تجب فيها الزكاة. ومنها: لو استأجر أجيرا لتعهد نخيله بثمرة نخلة بعينها بعد خروج ثمرها وقبل

(2/30)


بدو صلاحها، وشرط القطع، فلم يتفق القطع حتى بدا الصلاح وبلغ ما في الحائط نصابا، وجب على الاجير عشر ثمرة تلك النخلة وإن قلت. ومنها لو وقف أربعين شاة على جماعة معينين، إن قلنا: الملك في الموقوف لا ينتقل إليهم، فلا زكاة. وإن قلنا: يملكونه، فوجهان. الاصح: لا زكاة أيضا لضعف ملكهم. فصل أخذ الزكاة من مال الخليطين قد يقتضي التراجع بينهما، وقد يقتضي رجوع أحدهما على صاحبه دون الآخر، ثم الرجوع والتراجع يكثران في خلطة الجوار، وقد يتفقان قليلا في خلطة المشاركة كما سيأتي إن شاء الله تعالى. فأما خلطة الجوار، فتارة يمكن الساعي أن يأخذ من نصيب كل واحد منهما ما يخصه، وتارة لا يمكنه. فإن لم يمكنه، فله أن يأخذ فرض الجميع من نصيب أيهما شاء. وإن لم يجد سن الفرض إلا من نصيب أحدهما، أخذه. مثاله: أربعون شاة، لكل واحد عشرون، يأخذ الشاة من أيهما شاء. ولو وجبت بنت لبون فلم يجدها إلا في أحدهما، أخذها منه. ولو كانت ماشية أحدهما مراضا، أو معيبة، أخذ الفرض من الآخر. أما إذا أمكنه، فوجهان. قال أبو إسحاق: يأخذ من مال كل واحد ما يخصه، ولا يجوز غير ذلك ليغنيهما عن التراجع. وأصحهما وبه قال ابن أبي هريرة والجمهور: يأخذ من جنب المال ما اتفق، ولا حجر عليه، بل لو أخذ كما قال أبو إسحق، ثبت التراجع، لان المالين كواحد. مثال صورة الامكان: لكل واحد مائة شاة، وأمكن أن يأخذ من مال كل واحد شاة. وكذا لو كان لاحدهما أربعون من البقر، وللآخر ثلاثون، وأمكن أخذ مسنة

(2/31)


من الاربعين، وتبيع من الثلاثين. وكذا لو كان لواحد مائة من الابل، وللآخر ثمانون وأمكن أخذ حقتين من المائة وبنتي لبون من الثمانين. فرع في كيفية الرجوع فإذا خلطا عشرين من الغنم بعشرين، فأخذ الساعي شاة من نصيب أحدهما، رجع على صاحبه بنصف قيمتها، لا بنصف شاة، لانها غير مثلية. فلو كان لاحدهما ثلاثون شاة، وللآخر عشر، فأخذها الساعي من صاحب الثلاثين، رجع بربعها على الآخر. وإن أخذها من الآخر، رجع بثلاثة أرباعها على صاحب الثلاثين. ولو كان لاحدهما مائة، وللآخر خمسون، فيأخذ الساعي الشاتين الواجبتين من صاحب المائة، رجع على الآخر بثلث قيمتهما، ولا يقول: بقيمة ثلثي شاة، وإن أخذهما من صاحب الخمسين، رجع بثلثي قيمتهما. ولو أخذ من كل واحد شاة، رجع صاحب المائة على صاحب الخمسين بثلث قيمة شاته، وصاحب الخمسين على صاحب المائة بثلثي قيمة شاته. ولو كان نصف الشياه لهذا، ونصفها للآخر، رجع كل واحد بقيمة نصف شاته. فإن تساوت القيمتان، خرج على أقوال التقاص عند تساوي الدينين قدرا وجنسا. ولو كان لاحدهما ثلاثون من البقر، وللآخر أربعون، فواجبهما تبيع ومسنة، على صاحب الاربعين أربعة أسباعهما، وعلى صاحب الثلاثين ثلاثة أسباعهما. فلو أخذهما الساعي من صاحب الاربعين، رجع على الآخر بثلاثة أسباع قيمتهما، وإن أخذهما من الآخر، رجع بأربعة أسباعهما. ولو أخذ التبيع من صاحب الاربعين، والمسنة من الآخر، رجع صاحب المسنة بأربعة أسباعها، وصاحب التبيع بثلاثة أسباعه. ولو أخذ الساعي التبيع من صاحب الاربعين، والمسنة من الآخر، رجع صاحب المسنة بثلاثة أسباعها، وصاحب التبيع بأربعة أسباعه. قلت: هذا الذي ذكره في التبيع والمسنة قاله إمام الحرمين وغيره، وأنكر عليهم بنص الشافعي رحمه الله. والذي نقله عنه صاحب جمع الجوامع في منصوصات الشافعي. قال الشافعي: ولو كان غنماهما سواء، وواجبهما شاتان،

(2/32)


فأخذ من غنم كل واحد شاة، وكانت قيمة الشاتين المأخوذتين مختلفة، لم يرجع واحد منهما على صاحبه بشئ، لانه لم يؤخذ منه إلا ما عليه في غنمه لو كانت منفردة. هذا نصه، وفيه تصريح بمخالفة المذكور، وأنه يقتضي أن على صاحب الثلاثين تبيعا، وعلى الآخر مسنة، والتراجع يثبت على حسب ذلك، وكذلك في الشياه. وهذا هو الظاهر في الدليل أيضا فليعتمد. والله أعلم. فرع لو ظلم الساعي فأخذ من أحد الخليطين شاتين، والواجب شاة، أو أخذ ماخضا، أو (شاة حبلى) ربى رجع المأخوذ منه بنصف قيمة الواجب، لا قيمة المأخوذ، ويرجع المظلوم على الظالم، فإن كان المأخوذ باقيا في يد الساعي، استرده، وإلا استرد الفضل، والفرض ساقط. ولو أخذ القيمة في الزكاة، أو أخذ من السخال كبيرة، رجع على الاصح، لانه مجتهد فيه. وقيل: يرجع في مسألة الكبيرة قطعا. فرع جميع ما قدمناه في هذا الفصل، في خلطة الجوار. أما خلطة الاشتراك، فإن كان الواجب من جنس المال، فأخذه الساعي منه، فلا تراجع، وإن كان من غيره، كالشاة فيما دون خمس وعشرين من الابل، رجع المأخوذ منه على صاحبه بنصف قيمتها، فلو كان بينهما عشرة، فأخذ من كل واحد شاة، تراجعا، فإن تساوت القيمتان، خرج على أقوال التقاص. فرع متى ثبت الرجوع، وتنازعا في قيمة المأخوذ، فالقول قول المرجوع عليه، لانه غارم. فصل في اجتماع الخلطة والانفراد في حول واحد فإذا لم يكن لهما حالة انفراد، بأن ورثا ماشية، أو ابتاعاها دفعة واحدة، شائعة أو مخلوطة، وأداما الخلط سنة، زكيا زكاة الخلطة بلا خلاف، وكذا لو ملك كل واحد دون النصاب،

(2/33)


وبلغ بالخلط نصابا، زكيا زكاة الخلطة قطعا. أما إذا انعقد الحول على الانفراد، ثم طرأت الخلطة، فإما إن يتفق ذلك في حق الخليطين جميعا، وإما في حق أحدهما، فإن اتفق في حقهما، فتارة يتفق حولاهما، وتارة يختلفان، فإن اتفقا، بأن ملك كل واحد منهما أربعين شاة غرة المحرم، ثم خلطا غرة صفر، فقولان. الجديد: أنه لا تثبت الخلطة في السنة الاولى، فإذا جاء المحرم، وجب على كل واحد شاة. والقديم: تثبت، فيجب في المحرم على كل واحد نصف شاة، وعلى القولين جميعا في الحول الثاني فما بعده يزكيان زكاة الخلطة لوجودها في جميع السنة. قلت: الاظهر: الجديد، ويجري القولان متى خلطا قبل انقضاء الحول بزمن، لو علفت السائمة فيه، سقط حكم السوم. وفيه خلاف يأتي إن شاء الله تعالى. واختار صاحب البيان في كتابه مشكلات المذهب أنه ثلاثة أيام. والمراد، التقريب. وقد اتفقوا على أنه لا جريان للقديم إذا لم يبق من الحول إلا يوم أو يومان، ونحو ذلك. والله أعلم. وإن اختلف حولاهما، بأن ملك هذا غرة المحرم، وذلك غرة شهر صفر، وخلطا غرة شهر ربيع، بني على القولين عند اتفاق الحول. فعلى الجديد: إذا جاء المحرم، على الاول شاة، وإذا جاء صفر، فعلى الثانية شاة. وعلى القديم: على كل واحد نصف شاة عند انقضاء حوله من حين ملك. ثم في سائر الاحوال يتفق القولان على ثبوت حكم الخلطة، فيكون على الاول عند غرة كل محرم، نصف

(2/34)


شاة. وعلى الثاني: عند غرة كل صفر، نصف شاة. ولنا وجه: أن الخلطة في جميع الاحوال لا تثبت. واتفق الاصحاب على ضعفه، ونسب الجمهور هذا الوجه إلى تخريج ابن سريج. وقال المحاملي: ليس هذا لابن سريج، بل هو لغيره. أما إذا اتفق في حق أحدهما، بأن ملك أربعين في غرة المحرم، وملك الثاني أربعين غرة صفر، وخلطاها عند الملك، أو خلط الاول أربعينه غرة صفر بأربعين لغيره، ثم باع الثاني أربعينه غرة صفر بأربعين لغيره ثم باع الثاني لثالث، فقد ثبت للاول حكم الانفراد شهرا، والثاني لم ينفرد أصلا، ويبني على حاله المتقدمة، فإذا جاء المحرم، فعلى الاول شاة في الجديد، ونصف شاة في القديم، وإذا جاء صفر، فعلى الثاني نصف شاة في القديم، وعلى الجديد وجهان. أصحهما: نصف شاة. والثاني: شاة، وثبت حكم الخلطة في باقي الاحوال على المذهب، وعلى الوجه المنسوب إلى ابن سريج: لا يثبت. فرع في صور بناها الاصحاب على هذه الاختلافات منها: لو ملك أربعين شاة غرة المحرم، ثم أربعين غرة صفر، فعلى الجديد: إذا جاء المحرم لزمه الاربعين الاول شاة، وإذا جاء صفر لزمه الاربعين الثانية نصف شاة على الاصح، وقيل: شاة. وعلى القديم: يلزمه نصف شاة لكل أربعين في حولها، ثم يتفق القولان في سائر الاحوال، وعلى الوجه المنسوب إلى ابن سريج: يجب في الاربعين الاولى شاة عند تمام حولها، وفي الثانية شاة عند تمام حولها. وهكذا أبدا ما لم ينقص النصاب، والغرض أنه كما تمتنع الخلطة في ملك الشخصين عند اختلاف التاريخ، يمتنع في ملكي الواحد. ومنها: لو ملك الرجل أربعين غرة المحرم، ثم ملك أربعين غرة صفر، ثم أربعين غرة شهر ربيع، فعلى القديم: يجب في كل أربعين ثلث شاة عند لتمام حولها. وعلى الجديد: يجب في الاولى لتمام حولها شاة. وفي ما يجب في الثانية لتمام حولها، وجهان. أصحهما: نصف شاة. والثاني: شاة. وفيما يجب في

(2/35)


الثالثة لتمام حولها وجهان. أصحهما: ثلث شاة. والثاني: شاة، ثم يتفق القولان في سائر الاحوال. وعلى وجه ابن سريج: يجب في كل أربعين لتمام حولها شاة أبدا. ومنها: لو ملك أربعين غرة المحرم، وملك آخر عشرين غرة صفر، وخلطا عند ملك الثاني، فإذا جاء المحرم، لزم الاول شاة في الجديد، وثلثاها في القديم، وإذا جاء صفر، لزم الثاني ثلث شاة على القولين، لانه خالط في جميع حوله. وعلى وجه ابن سريج: يجب على الاول شاة أبدا، ولا شئ على صاحب العشرين أبدا لاختلاف التاريخ، ولو ملك مسلم وذمي ثمانين شاة من أول المحرم، ثم أسلم الذمي غرة صفر، كان المسلم كمن انفرد بماله شهرا، ثم طرأت الخلطة. فرع جميع ما قدمناه في الفصل المتقدم وفرعه، هو في طريان خلطة الجوار، فلو طرأت خلطة الشيوع، بأن ملك أربعين شاة ستة أشهر، ثم باع نصفها مشاعا، ففي انقطاع حول البائع، طريقان. أحدهما: قول ابن خيران: إنه على القولين فيما إذا انعقد حولهما على الانفراد ثم خلطا، إن قلنا: يزكيان زكاة الخلطة، لم ينقطع حوله، وإن قلنا: زكاة الانفراد، انقطع لنقصان النصاب. والطريق الثاني، وبه قطع الجمهور ونقله المزني والربيع عن نصه: أن الحول لا ينقطع، لاستمرار النصاب بصفة الانفراد، ثم بصفة الاشتراك، فعلى هذا إذا مضت ستة أشهر من يوم الشراء، لزم البائع نصف شاة لتمام حوله. وأما المشتري، فينظر، إن أخرج البائع واجبه وهو نصف شاة من المشتر، فلا شئ عليه، لنقصان المجموع عن النصاب قبل تمام حوله، وإن أخرج من غيره، بنى على تعلق الزكاة بالعين أو بالذمة، إن قلنا: بالذمة، لزمه نصف شاة عند تمام حوله، وإن قلنا: بالعين، ففي انقطاع حول المشتري، قولان. أظهرهما عند العراقيين: الانقطاع. ومأخذهما، أن إخراج الزكاة من موضع آخر يمنع زوال الملك عن قدر الزكاة، أو يفيد عوده بعد الزوال، ولو ملك ثمانين شاة، فباع نصفها مشاعا في أثناء الحول، لم ينقطع حول البائع في النصف الثاني قطعا. وفي واجبه لتمام حوله وجهان.

(2/36)


أصحهما: نصف شاة. والثاني: شاة، ولو أن مالك الاربعين باع بعضها، نظر، إن ميزها قبل البيع أو بعده وأقبضها، فقد زالت الخلطة إن كثر زمن التفريق، فإذا خلطا، استأنف الحول، وإن كان زمن التفريق يسيرا، ففي انقطاع الحول وجهان. أوفقها لكلام الاكثرين: الانقطاع، فلو لم يميزا، ولكن أقبض البائع المشتري جميع الاربعين لتصير العشرين مقبوضة، فالحكم كما لو باع النصف مشاعا، فلا ينقطع حول الباقي على المذهب. وفيه وجه: أنه ينقطع بالانفراد بالبيع. والطارئ هنا: خلطة جوار، وإن ذكرناها ها هنا. ولو كان لهذا أربعون، ولهذا أربعون، فباع أحدهما جميع غنمه بغنم صاحبه في أثناء الحول، انقطع حولاهما واستأنفا من وقت المبايعة، ولو باع أحدهما نصف غنمه شائعا بنصف غنم صاحبه شائعا، والاربعونان مميزتان، فحكم الحول فيما بقي لكل واحد منهما من أربعينه، كما إذا كان للواحد أربعون، فباع نصفها شائعا. والمذهب: أنه لا ينقطع، فإذا تم حول ما بقي لكل واحد منهما، فهذا مال ثبت له الانفراد أولا، والخلطة في آخر الحول، ففيه القولان السابقان. القديم: أنه يجب على كل واحد ربع شاة. والجديد: على كل واحد نصف شاة، وإذا مضى حول من وقت التبايع، لزم كل واحد للقدر الذي ابتاعه ربع شاة على القديم. وفي الجديد وجهان. أصحهما: ربع شاة. والثاني: نصفها. فرع إذا طرأ الانفراد على الخلطة، زكى من بلغ نصيبه نصابا زكاة الانفراد من وقت الملك، ولو كان بينهما أربعون مختلطة، فخالطهما ثالث بعشرين في أثناء حولهما، ثم ميز أحد الاولين ماله قبل تمام الحول، فلا شئ عليه عند تمام الحول، ويجب على الثاني نصف شاة عند تمام حوله، وكذا على الثالث نصف شاة عند تمام حوله. ووجه ابن سريج ينازع فيه، ولو كان بينهما ثمانون مشتركة، فاقتسماها بعد ستة أشهر، فإن قلنا: القسمة إفراز حق، فعلى كل واحد عند تمام حوله، شاة، وإن قلنا: بيع، لزم كل واحد عند تمام باقي الحول نصف شاة. ثم

(2/37)


إذا مضى حول من وقت القسمة، لزم كل واحد نصف شاة لما تجدد ملكه، وهكذا في كل ستة أشهر، كما لو كان بينهما أربعون شاة، فاشترى أحدهما نصف الآخر بعد مضي ستة أشهر، يجب عليه عند مضي كل ستة أشهر نصف شاة. فصل إذا اجتمع في ملك الواحد ماشية مختلطة، وغير مختلطة من جنسها، بأن ملك ستين شاة، خالط بعشرين منها عشرين لغيره خلطة جوار أو شيوع، وانفرد بالاربعين، فكيف يزكيان ؟ قولان. أظهرهما، وعليه فرع في المختصر واختاره ابن سريج، وأبو إسحق والاكثرون: أن الخلطة خلطة ملك، أي كل ما في ملكه ثبت فيه حكم الخلطة، لن الخلطة تجعل مال الاثنين كمال الواحد، ومال الواحد يضم بعضه إلى بعض وإن تفرق، فعلى هذا، في الصورة المذكورة، كان صاحب الستين قد خلطها بعشرين، فعليهما شاة، ثلاثة أرباعها عليه، وربعها على صاحب العشرين. والقول الثاني: أن الخلطة خلطة عين، أي يقصر حكمها على المخلوط، فتجب بعشرين، على صاحب العشرين نصف شاة بلا خلاف، لانه خليط عشرين. وفي صاحب الستين أوجه. أصحها، وهو المنصوص: يلزمه شاة. والثاني: ثلاثة أرباع شاة، كما لو خالط بالجميع. والثالث: خمسة أسداس شاة، ونصف سدس، يخص الاربعين منها ثلثان كأنه انفرد بجميع الستين، ويخص العشرين ربع كأنه خالط بالجميع. والرابع: شاة وسدس، يخص الاربعين ثلثان، والعشرين نصف. والخامس: شاة ونصف كأنه انفرد بأربعين، وخالط بعشرين، وهذا ضعيف أو غلط. أما إذا خلط عشرين بعشرين لغيره، ولكل واحد منهما أربعون منفردة، ففي واجبهما القولان، فإن قلنا: خلطة ملك، فعليهما شاة، على كل واحد نصف، لان الجميع مائة وعشرون، وإن قلنا: خلطة عين، فسبعة أوجه. أصحها: على كل واحد شاة تغليبا للانفراد. والثاني: على كل واحد ثلاثة أرباع شاة، لان له ستين مخالطة عشرين. والثالث: على كل واحد نصف شاة، وكان الجميع مختلطا. والرابع: على كل واحد خمسة أسداس ونصف سدس حصة الاربعين ثلثان، كأنه انفرد بماله، وحصة العشرين ربع. كأنه خالط الستين بالعشرين. والخامس: خمسة أسداس، حصة العشرين سدس، كأنه خلطها بالجميع. والسادس: على كل واحد شاة وسدس، ثلثان عن الاربعين، ونصف عن العشرين. والسابع: على كل واحد شاة ونصف. ولا فرق

(2/38)


في هاتين المسألتين بين أن يكون الاربعون المنفردة في بلد المال المختلط، أم في غيره، ويجري القولان المذكوران سواء اتفق حول صاحب الستين، وحول الآخر، أم اختلفا، لكن إن اختلفا، زاد النظر في التفاصيل المذكورة في الفصل السابق. وقال ابن كج: الخلاف فيما إذا اختلف حولاهما، فإن اتفقا، فلا خلاف أن عليهما شاة، ربعها على صاحب العشرين، وباقيها على الآخر، وهذا شاذ. والمذهب: أنه لا فرق. فرع فيما إذا خالط ببعض ماله واحدا. وببعضه آخر ولم يخالط أحد خليطيه الآخر فإذا ملك أربعين شاة، فخلط عشرين بعشرين، لمن لا يملك غيرها، والعشرين الاخرى بعشرين لآخر، فإن قلنا: الخلطة خلطة ملك، فعلى صاحب الاربعين نصف. وأما الآخران، فمال كل واحد مضموم إلى الاربعين، وهل يضم إلى العشرين التي لخليط الخليط ؟ وجهان. أصحهما وبه قطع العراقيون: نعم، فعلى كل واحد ربع شاة. والثاني: لا، فعليه ثلث شاة. وإن قلنا: خلطة عين، فعلى كل واحد من صاحبي العشرينين نصف شاة. وأما صاحب الاربعين، ففيه الاوجه المتقدمة في فصل حق صاحب الستين، لكن الذي ينجمع منها ها هنا ثلاثة. أصحها هنا: نصف شاة. والثاني: شاة. والثالث: ثلثا شاة. ولو ملك ستين، خلط كل عشرين بعشرين لرجل، فإن قلنا: بخلطة الملك، فعلى صاحب الستين نصف شاة، وفي أصحاب العشرينات وجهان. إن ضممنا إلى خليط خليطه، فعلى كل واحد سدس شاة، وإلا فربع. وإن قلنا: بخلطة العين، فعلى كل واحد من أصحاب العشرينات نصف شاة، وفي صاحب الستين أوجه. أحدها: يلزمه شاة، والثاني: نصف. والثالث: ثلاثة أرباع شاة. والرابع: شاة ونصف، وفي عشرين: نصف. ولو ملك خمسا وعشرين من الابل، فخالط بكل خمس خمسا لآخر، فإن قلنا: بخلطة الملك، فعلى صاحب الخمس والعشرين نصف حقة، وفي واجب كل واحد من خلطائه وجهان. أصحهما: عشر حقة. والثاني: سدس بنت مخاض. وإن قلنا بخلطة العين، فعلى كل واحد من

(2/39)


خلطائه شاب، وفي صاحب الخمس والعشرين الاوجه. على الاول: بنت مخاض. وعلى الثاني: نصف حقة. وعلى الثالث: خمسة أسداس بنت مخاض. وعلى الرابع: خمس شياه. ولو ملك عشرا من الابل، فخلط خمسا بخمس عشرة لغيره، وخمسا بخمس عشرة لآخر، فإن قلنا: بخلطة الملك، فعلى صاحب العشر ربع بنت لبون. وفي صاحبيه وجهان. إن ضممناه إلى خليطه فقط، لزمه ثلاثة أخماس بنت مخاض، وإن ضممناه أيضا إلى خليط خليطه، لزمه ثلاثة أثمان بنت لبون. وإن قلنا: بخلطة العين، فعلى كل واحد من صاحبيه ثلاث شياه، وفي صاحب العشر، الاوجه. على الاول: يلزمه شاتان، وعلى الثاني: ربع بنت لبون، وعلى الثالث: خمسا بنت مخاض، وعلى الرابع: شاتان كالوجه الاول. ولو ملك عشرين من الابل، خلط كل خمسة بخمس وأربعين لرجل. فإن قلنا: بخلطة الملك، لزمه الاغبط من نصف بنت لبون، وخمسي حقة على المذهب بناء على ما تقدم، أن الابل إذا بلغت مائتين، فالمذهب: أن واجبها الاغبط من خمس بنات لبون، وأربع حقاق، وجملة الاموال هنا مائتان، وفيما يجب على كل واحد من الخلطاء، وجهان، إن ضممناه إلى خليط خليطه أيضا، لزمه بنت لبون وثمنها، أو تسعة أعشار حقة، وإن لم تضم إلا إلى خليطه، لزمه تسعة أجزاء من ثلاثة عشر جزءا من جذعة. وإن قلنا: بخلطة العين، لزم كل واحد من الخلطاء تسعة أعشار حقة، وفي صاحب العشرين، الاوجه. على الاول: أربع شياه، وعلى الثاني: الاغبط من نصف بنت لبون، وخمسي حقة، وعلى الثالث: أربعة أجزاء من ثلاثة عشر جزءا من جذعة، وعلى الرابع: أربع شياه كالاول. وكل هذه المسائل، مفروضة فيما (إذا) اتفقت أوائل الاحوال، فإن اختلفت، انضم إلى هذه الاختلافات ما سبق من الخلاف عند اختلاف الحول. مثاله: في الصورة الاخيرة اختلف الحول، فيزكون في السنة الاولى زكاة الانفراد كل لحوله، وفي باقي السنين، يزكون كلهم زكاة الخلطة، هذا هو

(2/40)


المذهب. وعلى القديم: يزكون في السنة الاولى أيضا بالخلطة، وعلى وجه ابن سريج: لا تثبت لهم الخلطة أبدا ولو خلط خمس عشرة من الغنم بخمس عشرة لغيره، ولاحدهما خمسون منفردة، فإن قلنا: بخلطة العين، فلا شئ على صاحب الخمس عشرة، لان المختلط دون نصاب، وعلى الآخر، شاة عن الخمس والستين، كمن خالط ذميا. وإن قلنا: بخلطة الملك، فوجهان. أحدهما: لا أثر لهذه الخلطة لنقصان المختلط عن النصاب. والثاني: تثبت الخلطة ويضم الخمسون إلى الثلاثين، فيجب شاة، منها على صاحب الخمسين ستة أثمان ونصف ثمن، والباقي على الآخر. قلت: أصحهما: تثبت. والله أعلم. الشرط الثالث لوجوب زكاة النعم: الحول. فلا زكاة حتى يحول عليه الحول، إلا النتاج، فإنه يضم إلى الامات بشرطين. أحدهما: أن يحدث قبل تمام الحول وإن قلت البقية، فلو حدث بعد الحول والتمكن من الاداء، لم يضم إلى الامات في الحول الاول قطعا، ويضم في الثاني، وإن حدث بعد الحول وقبل إمكان الاداء، لم يضم في الحول الماضي على المذهب. وقيل: في ضمه قولان.

(2/41)


الشرط الثاني: أن يحدث النتاج بعد بلوغ الامات نصابا، فلو ملك دون النصاب، فتوالدت وبلغت نصابا، فابتداء الحول من حين بلوغه، وإذا وجد الشرطان، فماتت الامات كلها أو بعضها، والنتاج نصاب، زكى النتاج بحول الامات على الصحيح الذي قطع به الجمهور. وفي وجه قاله الانماطي: لا يزكي بحول الامات إلا إذا بقي منها نصاب. ووجه ثالث: يشترط بقاء شئ من الامات ولو واحدة، وفائدة ضم النتاج إلى الامات، إنما يظهر إذا بلغت به نصابا آخر، بأن ملك مائة شاة فولدت إحدى وعشرين، فيجب شاتان، ولو تولدت عشرون فقط، لم يكن فيه فائدة. أما المستفاد بشراء أو هبة أو إرث، فلا يضم إلى ما عنده في الحول، ولكن يضم إليه في النصاب على الصحيح وبيانه بصور. منها: ملك ثلاثين بقرة ستة أشهر، ثم اشترى عشرا، فعليه عند تمام حول

(2/42)


الاصل تبيع، وعند تمام حول العشر، ربع مسنة، فإذا جاء حول ثان للاصل، لزمه ثلاثة أرباع مسنة، وإذا تم حول ثان للعشر، لزمه ربع مسنة، وهكذا أبدا. وعن ابن سريج: أن المستفاد لا يضم إلى الاصل في النصاب، كما لا يضم إليه في الحول. فعلى هذا: لا ينعقد الحول على العشر حتى يتم حول الثلاثين، ثم يستأنف حول الجميع. ومنها: لو ملك عشرين من الابل ستة أشهر، ثم اشترى عشرا، لزمه عند تمام حول العشرين أربع شياه، وعند تمام حول العشر، ثلث بنت مخاض، فإذا حال حول ثان على العشرين، ففيها ثلثا بنت مخاض، وإذا حال الحول الثاني على العشر، فثلث بنت مخاض، وهكذا يزكي أبدا. وعلى المحكي عن ابن سريج: عليه أربع شياه عند تمام حول العشرين. ولا نقول هنا: لا ينعقد الحول على العشر، حتى يستفتح حول العشرين، لان العشر من الابل نصاب، بخلاف العشر من البقر، ولو كانت المسألة بحالها، واشترى خمسا، فإذا تم حول العشرين، فعليه أربع شياه، فإذا تم حول الخمس، فعليه خمس بنت مخاض، وإذا تم حول الثاني على الاصل، فأربعة أخماس بنت مخاض، وعلى هذا القياس. وعند ابن سريج: في العشرين أربع شياه أبدا عند تمام حولها، وفي الخمس: شاة أبدا. وحكي وجه: أن الخمس لا تجزئ في الحول حتى يتم حول الاصل، ثم ينعقد الحول على جميع المال، وهذا يطرد في العشر في الصورة السابقة. ومنها: ملك أربعين من الغنم غرة المحرم، ثم اشترى أربعين غرة صفر، ثم أربعين غرة شهر ربيع، وقد تقدمت مع أشباهها في باقي باب الخلطب. فرع الاعتبار في النتاج بالانفصال، فلو خرج بعض الجنين وتم الحول قبل انفصاله، فلا حكم له، ولو اختلف الساعي والمالك، فقال المالك: حصل النتاج بعد الحول، وقال الساعي: قبله. أو قال: حصل من غير النصاب. وقال الساعي: بل من نفس النصاب، فالقول قول المالك، فإن اتهمه، حلفه. قلت: قال أصحابنا: لو كان عنده نصاب فقط، فهلك منه واحدة، وولدت واحدة في حالة واحدة، لم ينقطع الحول، لانه لم يخل من نصاب. قال صاحب

(2/43)


البيان: ولو شك، هل كان التلف والولادة دفعة واحدة، أو سبق أحدهما، لم ينقطع الحول، لان الاصل بقاؤه. والله أعلم. الشرط الرابع: بقاء الملك في الماشية جميع الحول، فلو زال الملك في خلال الحول، انقطع الحول، ولو بادل ماشيته بماشية من جنسها أو من غيره، استأنف كل واحد منهما الحول، وكذا لو بادل الذهب بالذهب، أو بالورق، استأنف الحول إن لم يكن صيرفيا يقصد التجارة به، فإن كان، فقولان. وقيل: وجهان. أظهرهما: ينقطع. والثاني: لا. هذا كله في المبادلة الصحيحة. أما الفاسدة، فلا تقطعه سواء اتصل بها القبض، أم لا. ثم لو كانت سائمة وعلفها المشتري، قال في التهذيب: هو كعلف الغاصب، وفي قطعه الحول، وجهان. قال ابن كج: عندي أنه ينقطع، لانه مأذون له، فهو كالوكيل، بخلاف الغاصب، ولو باع معلوفة بيعا فاسدا، فأسامها المشتري، فهو كإسامة الغاصب. فرع لو باع النصاب، أو بادل قبل تمام الحول، ووجد المشتري به عيبا قديما، نظر، إن لم يمض عليه حول من يوم الشراء، فله الرد بالعيب، والمردود عليه يستأنف الحول، سواء رد قبل القبض أو بعده، وإن مضى حول من يوم الشراء، ووجبت فيه الزكاة، نظر، إن لم يخرجها بعد، فليس له الرد، سواء إن قلنا: الزكاة تتعلق بالعين، أو بالذمة، لان للساعي أخذ الزكاة من عينها لو تعذر أخذها من المشتري، وذلك عيب حادث، ولا يبطل حق الرد بالتأخير إلى أن يؤدي

(2/44)


الزكاة، لانه غير متمكن منه قبله، وإنما يبطل بالتأخير مع التمكن، ولا فرق في ذلك بين عروض التجارة والماشية التي تجب زكاتها من غير جنسها، وهي الابل دون خمس وعشرين، وبين سائر الاموال. وفي كلام ابن الحداد: تجويز الرد قبل إخراج الزكاة، ولم يثبتوه وجها. وإن أخرج الزكاة، نظر، إن أخرجها من مال آخر، بني جواز الرد على أن الزكاة تتعلق بالعين، أم بالذمة ؟ وفيه خلاف يأتي إن شاء الله تعالى. فإن قلنا: بالذمة والمال مرهون به، فله الرد، كما لو رهن ما اشتراه، ثم انفك الرهن، ووجد به عيبا. وإن قلنا: المساكين شركاء، فهل له الرد ؟ فيه طريقان. أحدهما، وهو الصحيح عند الشيخ أبي علي وقطع به كثيرون: له الرد. والثاني، وبه قطع العراقيون والصيدلاني وغيره: أنه على وجهين، كما لو اشترى شيئا وباعه وهو غير عالم بعيب، ثم اشتراه أو ورثه، هل له رده ؟ فيه خلاف. ولنا وجه: أنه ليس له الرد على غير قول الشركة أيضا، لان ما أخرجه عن الزكاة، قد يظهر مستحقا فيتبع الساعي عين النصاب. ومنهم من خص الوجه بقدر الزكاة، وجعل الزائد على قولي تفريق الصفقة، وهذا الوجه شاذ منكر، وإن أخرج الزكاة من نفس المال، فإن كان الواجب من جنس المال أو من غيره، فباع منه بقدر الزكاة، فهل له رد الباقي ؟ فيه ثلاثة أقوال. المنصوص عليه في الزكاة: ليس له ذلك، وهذا إذا لم نجوز تفريق الصفقح. وعلى هذا، هل يرجع بالارش ؟ وجهان. أحدهما: لا يرجع إن كان المخرج باقيا في يد المساكين، فإنه قد يعود إلى ملكه فيرد الجميع، وإن كان تالفا، رجع. والثاني: يرجع مطلقا وهو ظاهر النص، لان نقصانه كعيب حادث، فلو حدث عيب، رجع بالارش ولم ينتظر زوال العيب. والقول الثاني: يرد الباقي بحصته من الثمن، وهذا إذا جوزنا تفريق الصفقة. والقول الثالث: يرد الباقي وقيمة المخرج في الزكاة، ويسترد جميع الثمن ليحصل غرض الرد، ولا تتبعض الصفقة، ولو اختلفا في قيمة المخرج على هذا القول، فقال البائع: ديناران، وقال المشتري: دينار، فقولان. أحدهما: القول قول المشتري، لانه غارم. والثاني: قول البائع، لان ملكه ثابت على الثمن، فلا يسترد منه إلا ما أقر به.

(2/45)


فرع حكم الاقالة، حكم الرد بالعيب في جميع ما ذكرنا، ولو باع النصاب في أثناء الحول بشرط الخيار، وفسخ البيع، فإن قلنا: الملك في زمن الخيار للبائع أو موقوف، بنى على حوله. وإن قلنا: الملك للمشتري، استأنف البائع بعد الفسخ. فرع لو ارتد في أثناء الحول، إن قلنا: يزول ملكه بالردة، انقطع الحول، فإن أسلم، استأنف. وفيه وجه: أنه لا ينقطع، بل يبني كما يبني الوارث على قول. وإن قلنا: لا يزول، فالحول مستمر وعليه الزكاة عند تمامه. وإن قلنا: ملكه موقوف، فإن هلك على الردة، تبينا الانقطاع من وقت الردة، وإن أسلم، تبينا استمرار الملك. ووجوب الزكاة على المرتد في الاحوال الماضية في الردة مبني على هذا الخلاف. فرع إذا مات في أثناء الحول، وانتقل المال إلى وارثه، هل يبنى على حول الميت ؟ قولان. القديم: نعم، والجديد: لا، بل يبتدئ حولا، وقيل: يبتدئ قطعا، وأنكر القديم. قلت: المذهب: أنه يبتدئ حولا، سواء أثبتنا الخلاف، أم لا. والله أعلم. فإذا قلنا: لا يبني فكان مال تجارة، لم ينعقد الحول عليه حتى يتصرف الوارث بنية التجارة، وإن كان سائمة ولم يعلم الوارث الحال حتى حال الحول، فهل تلزمه الزكاة، أم يبتدئ الحول من وقت علمه ؟ فيه خلاف مبني على أن قصد السوم، هل يعتبر ؟ وسيأتي إن شاء الله تعالى. فرع لا فرق في انقطاع الحول بالمبادلة والبيع في أثنائه بين أن يكون محتاجا إليه، وبين أن لا يكون، بل قصد الفرار من الزكاة، إلا أنه يكره الفرار كراهة تنزيه، وقيل: تحريم، وهو خلاف المنصوص، وخلاف ما قطع به الجمهور.

(2/46)


الشرط الخامس: السوم، فلا تجب الزكاة في النعم، إلا أن تكون سائمة، فإن علفت في معظم الحول ليلا ونهارا، فلا زكاة، وإن علفت قدرا يسيرا لا يتمول، فلا أثر له قطعا. والزكاة واجبة، وإن أسيمت في بعض الحول، وعلفت دون معظمه، فأربعة أوجه. أحدها، وهو الذي قطع به الصيدلاني وصاحب المهذب وكثير من الائمة: إن علفت قدرا تعيش الماشية بدونه، لم يؤثر، ووجبت الزكاة، وإن كان قدرا تموت لو لم ترع معه، لم تجب الزكاة، قالوا: والماشية تصبر اليومين، ولا تصبر الثلاثة. قال إمام الحرمين: ولا يبعد أن يلحق الضرر البين بالهلاك على هذا الوجه، والوجه الثاني: إن علفت قدرا يعد مؤونة بالاضافة إلى رمق السائمة، فلا زكاة، وإن احتقر بالاضافة إليه، وجبت الزكاة، وفسر الرمق بدرها، ونسلها، وأصوافها، وأوبارها، ويجوز أن يقال: المراد رمق إسامتها. والثالث: لا ينقطع الحول ولا تمتنع زكاة إلا بالعلف في أكثر السنة. وقال إمام الحرمين: على هذا الوجه لو استويا، ففيه تردد. والظاهر السقوط. والرابع: كل ما يتمول من العلف، وإن قل، يقطع السوم، فإن أسيمت بعده، استأنفت الحول. ولعل الاقرب تخصيص هذه الاوجه بما إذا لم يقصد بعلفه شيئا، فإن قصد به قطع السوم، انقطع الحول لا محالة، كذا

(2/47)


ذكره صاحب العدة وغيره: ولا أثر لمجرد نية العلف، ولو كانت تعلف ليلا وترعى نهارا في جميع السنة، كان على الخلاف. قلت: ولو أسيمت في كلا مملوك، فهل هي سائمة، أم معلوفة ؟ وجهان حكاهما في البيان وأصح الاوجه الاربعة: أولها، وصححه في المحرر. والله أعلم. فرع السائمة التي تعمل كالنواضح وغيرها، فيها وجهان. أصحهما: لا زكاة فيها، وبه قطع معظم العراقيين، لانها كثياب البدن، ومتاع الدار، والثاني: تجب. فرع هل يعتبر القصد في العلف والسوم ؟ وجهان يتفرع عليهما مسائل. منها: لو اعتلفت السائمة بنفسها القدر المؤثر، ففي انقطاع الحول وجهان، الموافق منهما لاختيار الاكثرين في نظائرها أنه ينقطع، لانه فات شرط السوم، فصار كفوات سائر شروط الزكاة، لا فرق بين فقدها قصدا أو اتفاقا، ولو سامت الماشية بنفسها، ففي وجوب الزكاة الوجهان. وقيل: لا تجب هنا قطعا، ولو علف ماشيته لامتناع الرعي بالثلج، وقصد ردها إلى الاسامة عند الامكان، انقطع الحول على الاصح لفوات الشرط. ولو غصب سائمة فعلفها، فلنا خلاف يأتي إن شاء

(2/48)


الله تعالى في أن المغصوب هل فيه زكاة، أم لا ؟ إن قلنا: لا زكاة فيه، فلا شئ، وإلا فأوجه، أصحها عند الاكثرين: لا زكاة لفوات الشرط. والثاني: تجب، لان فعله كالعدم. والثالث: إن علفها بعلف من عنده، لم ينقطع، وإلا انقطع. ولو غصب معلوفة فأسامها، وقلنا: تجب الزكاة في المغصوب، فوجهان. أصحهما: لا تجب. والثاني: تجب، كما لو غصب حنطة وبذرها، يجب العشر فيما ينبت، فإن أوجبناها، فهل تجب على الغاصب لانها مؤونة وجبت بفعله، أم على المالك لان نفع حقه في المؤونة عائد إليه ؟ فيه وجهان. فإن قلنا: على المالك، ففي رجوعه بها على الغاصب طريقان. أحدهما: القطع بالرجوع. وأشهرهما: على وجهين. أصحهما: الرجوع. فإن قلنا: يرجع، فيرجع قبل إخراج الزكاة، أم بعده ؟ وجهان. وقياس المذهب: أن الزكاة إن وجبت، كانت على المالك، ثم يغرم الغاصب. أما إيجاب الزكاة على غير المالك، فبعيد. الشرط السادس: كمال الملك، وفي هذا الشرط خلاف يظهر بتفريع مسائله. فإذا ضل ماله، أو غصب، أو سرق، وتعذر انتزاعه، أو أودعه فجحد، أو وقع في بحر، ففي وجوب الزكاة فيه ثلاثة طرق. أصحها: أن المسألة على قولين. أظهرهما وهو الجديد: وجوبها، والقديم: لا تجب. والطريق الثاني: القطع بالوجوب، والثالث: إن عادت بتمامها، وجبت، وإلا فلا. فإن قلنا بالطريق

(2/49)


الاول، فالمذهب: أن القولين جاريان مطلقا. وقيل: موضعهما إذا عاد المال بلا نماء، فإن عاد معه، وجب الزكاة قطعا. وعلى هذا التفصيل، لو عاد بعض النماء، كان كما لو لم يعد معه شئ. ومعنى العود بلا نماء: أن يتلفه الغاصب ويتعذر تغريمه. فأما إن غرم، أو تلف في يده شئ كان يتلف في يد المالك أيضا، فهو كما لو عاد النماء بعينه، هذا كله إذا عاد المال إليه، ولا خلاف أنه لا يجب إخراج الزكاة قبل عود المال إليه، فلو تلف في الحيلولة بعد مضي أحوال، سقطت الزكاة على قول الوجوب، لانه لم يتمكن، والتلف قبل التمكن يسقط الزكاة. وموضع الخلاف في الماشية المغصوبة إذا كانت سائمة في يد المالك والغاصب، فان علفت في يد أحدهما، عاد النظر المتقدم قريبا في إسامة الغاصب وعلفه هل يؤثران ؟ وزكاة الاحوال الماضية، إنما تجب على قول الوجوب إذا لم تنقص الماشية عن النصاب بما تجب الزكاة، بأن كان فيها وقص. أما إذا كانت نصابا فقط، ومضت الاحوال، فالحكم على هذا القول كما لو كانت في يده ومضت الاحوال ما يخرج منها زكاة، وسنذكره إن شاء الله تعالى. فرع لو كان له أربعون شاة، فضلت واحدة، ثم وجدها، إن قلنا: لا زكاة في الضال، استأنف الحول، سواء وجدها قبل تمام الحول أو بعده، فإن أوجبناها في الضال ووجدها قبل تمام الحول، بنى، وإن وجدها بعده زكى الاربعين.

(2/50)


فرع لو دفن ماله بموضع ثم نسيه، ثم تذكر، فهذا ضال، ففيه الخلاف سواء دفن في داره أو في غيرها، وقيل: تجب الزكاة هنا قطعا لتقصيره. فرع لو أسر المالك، وحيل بينه وبين ماله، وجبت الزكاة على المذهب، لنفوذ تصرفه. وقيل: فيه الخلاف، ولو اشترى مالا زكويا فلم يقبضه حتى مضى حول في يد البائع، فالمذهب وجوب الزكاة على المشتري، وبه قطع الجمهور. وقيل: لا تجب قطعا، لضعف الملك. وقيل: فيه الخلاف في المغصوب، ولو رهن ماشية أو غيرها من أموال الزكاة، فالمذهب وبه قطع الجمهور: وجوب الزكاة. وقيل: وجهان بناء على المغصوب لامتناع التصرف. والذي قاله الجمهور، تفريع على أن الدين لا يمنع وجوب الزكاة، وهو الراجح. ولنا فيه خلاف يأتي قريبا إن شاء الله تعالى. وإذا أوجبنا الزكاة في المرهون، فمن أين يخرج ؟ فيه كلام يأتي قبيل زكاة المعشرات. فرع الدين الثابت على الغير، له أحوال. أحدها: أن لا يكون لازما ك‍: مال الكتابة، فلا زكاة فيه. والثاني: أن يكون لازما، وهو ماشية، فلا زكاة أيضا. الثالث: أن يكون دراهم أو دنانير، أو عروض تجارة، فقولان. القديم: لا زكاة في الدين بحال. والجديد وهو المذهب الصحيح المشهور: وجوبها في الدين على الجملة. وتفصيله: أنه إن تعذر الاستيفاء لاعسار من عليه الدين أو جحوده ولا بينة، أو مطله، أو غيبته، فهو كالمغصوب تجب الزكاة على المذهب. وقيل: تجب في الممطول، وفي الدين على ملئ غائب قطعا، ولا يجب الاخراج قبل حصوله

(2/51)


قطعا، وإن لم يتعذر استيفاؤه، بأن كان على ملئ باذل، أو جاحد عليه بينة، أو يعلمه القاضي، وقلنا: يقضى بعلمه، فإن كان حالا، وجبت الزكاة، ولزم إخراجها في الحال، وإن كان مؤجلا، فالمذهب أنه على القولين في المغصوب. وقيل: تجب الزكاة قطعا. وقيل: لا تجب قطعا. فإن أوجبناها، لم يجب الاخراج حتى يقبضه على الاصح. وعلى الثاني: تجب فيه الحال. فرع المال الغائب، إن لم يكن مقدورا عليه لانقطاع الطريق أو انقطاع خبره، فكالمغصوب. وقيل: تجب قطعا، ولا يجب الاخراج حتى يصل إليه، وإن كان مقدورا عليه، وجب إخراج زكاته في الحال، ويخرجها في بلد المال، فإن أخرجها في غيره، ففيه خلاف نقل الزكاة. وهذا إذا كان المال مستقرا في بلد، فإن كان سائرا، قال في العدة: لا يخرج زكاته حتى يصل إليه، فإذا وصل إليه، زكى لما مضى بلا خلاف. فصل إذا باع مالا زكويا قبل تمام الحول بشرط الخيار، فتم الحول في مدة الخيار، أو اصطحبا في مدة خيار المجلس فتم فيها الحول، بني على أن ملك المبيع في مدة الخيار لمن ؟ فإن قلنا: للبائع، فعليه زكاته، وإن قلنا: للمشتري، فلا زكاة على البائع، ويبتدئ المشتري حوله من وقت الشراء. وإن قلنا: موقوف، فإن تم البيع، كان للمشتري، وإلا فللبائع. وحكم الحالين ما تقدم، هكذا ذكره الجمهور، ولم يتعرضوا لخلاف بعد البناء المذكور. قال إمام الحرمين: إلا صاحب التقريب فإنه قال: وجوب الزكاة على المشتري يخرج على القولين في المغصوب، بل أولى، لعدم استقرار الملك، وهكذا إذا كان

(2/52)


الخيار للبائع، أو لهما. أما إذا كان المشتري وحده، وقلنا: الملك له، فملكه ملك زكاة بلا خلاف، لكمال ملكه وتصرفه. وعلى قياس هذه الطريقة يجري الخلاف في جانب البائع أيضا إذا قلنا: الملك له وكان الخيار للمشتري. فرع اللقطة في السنة الاولى، باقية على ملك المالك، فلا زكاة فيها على الملتقط. وفي وجوبها على المالك الخلاف في المغصوب والضال، ثق إن لم يعرفها حولا، فهكذا الحكم في جميع السنين، وإن عرفها، بني حكم الزكاة على أن الملتقط، متى تملك اللقطة ؟ بمضي سنة التعريف، أم باختيار التملك، أم بالتصرف ؟ فيه خلاف يأتي في موضعه إن شاء الله تعالى، فإن قلنا: يملك بانقضائها، فلا زكاة على المالك، وفي وجوبها على الملتقط وجهان. وإن قلنا: يملك باختيار التملك وهو المذهب، نظر، إن لم يتملكها، فهي باقية على ملك المالك. وفي وجوب الزكاة عليه طريقان. أصحهما على قولين: كالسنة الاولى. والثاني: لا زكاة قطعا، لتسلط الملتقط عليها. وإن تملكها الملتقط، لم تجب زكاتها على المالك، لكنه تستحق قيمتها على الملتقط، ففي وجوب زكاة القيمة عليه خلاف من وجهين. أحدهما: كونها دينا. والثاني: كونها مالا ضالا. ثم الملتقط مديون بالقيمة، فإن لم يملك غيرها، ففي وجوب الزكاة عليه الخلاف الذي نذكره إن شاء الله تعالى أن الدين هل يمنع وجوب الزكاة ؟ وإن ملك غيرها وما بقي بالقيمة، وجبت الزكاة على الاصح. وإن قلنا: يملك بالتصرف ولم يتصرف، فحكمه كما إذا لم يتملك، وقلنا: لا يملك إلا به. واعلم أن الملتقط لو وجد المالك بعد تملكها، فرد اللقطة إليه، تعين عليه القبول، وفي تمكن المالك من استردادها قهرا، وجهان، وهذا يوجب أن تكون القيمة الواجبة معرضة للسقوط، وحينئذ لا يبعد التردد في امتناع الزكاة، وإن قلنا: الدين يمنع الزكاة كالتردد في وجوب الزكاة على الملتقط مع الحكم بثبوت تملكه، لكونه معرضا للزوال. فصل الدين هل يمنع وجوب الزكاة ؟ فيه ثلاثة أقوال. أظهرها، وهو المذهب والمنصوص في أكثر الكتب الجديدة: لا يمنع، والثاني: يمنع، قاله

(2/53)


في القديم، واختلاف العراقيين، والثالث: يمنع في الاموال الباطنة، وهي الذهب والفضة، وعروض التجارة، ولا يمنع في الظاهرة، وهي الماشية، والزرع، والثمر، والمعدن، لان هذه نامية بنفسها، وهذا الخلاف جار، سواء كان الدين حالا، أو مؤجلا، وسواء كان من جنس المال، أم لا، هذا هو المذهب، وقيل: إن قلنا: يمنع عند اتحاد الجنس، فعند اختلافه وجهان. فإذا قلنا: الدين يمنع، فأحاطت بالرجل ديون وحجر عليه القاضي، فله ثلاثة أحوال. أحدها: أن يحجر عليه ويفرق ماله بين الرماء، فيزول ملكه ولا زكاة، والثاني: أن يعين لكل غريم شيئا من ملكه، ويمكنهم من أخذه، فحال الحول قبل أخذهم، فالمذهب الذي قطع به الجمهور: لا زكاة عليه أيضا، لضعف ملكه، وقيل: فيه خلاف المغصوب، وقيل: خلاف اللقطة في السنة الثانية، قاله القفال. الثالث: أن لا يفرق ماله، ولا يعين لكل واحد شيئا، ويحول الحول في دوام الحجر، ففي وجوب الزكاة ثلاثة طرق. أصحها: أنه على الخلاف في المغصوب، والثاني: القطع بالوجوب، والثالث: القطع بالوجوب في المواشي، لان الحجر لا يؤثر في نمائها. وأما الذهب والفضة، فعلى الخلاف، لان نماءهما بالتصرف وهو ممنوع منه. فرع إذا قلنا: الدين يمنع الزكاة، ففي علته وجهان. أصحهما: ضعف ملك المديون، والثاني: أن مستحق الدين تلزمه الزكاة. فلو أوجبناها على المديون أيضا، أدى ذلك إلى تثنية الزكاة في المال الواحد. ويتفرع على الوجهين مسائل. أحدها: لو كان مستحق الدين ممن لا زكاة عليه كالذمي، فعلى الوجه

(2/54)


الاول: لا تجب. وعلى الثاني: تجب. الثانية: لو كان الدين حيوانا، بأن ملك أربعين شاة سائمة، وعليه أربعون شاة سلما، فعلى الاول لا تجب، وعلى الثاني: تجب. ومثله: لو أنبتت أرضه نصابا من الحنطة، وعليه مثله سلما. الثالثة: لو ملك نصابا والدين الذي عليه دون نصاب، فعلى الاول: لا زكاة، وعلى الثاني: تجب، كذا أطلقوه. ومرادهم: إذا لم يملك صاحب الدين غيره من دين أو عين، فلو ملك ما يتم النصاب، فعليه الزكاة باعتبار هذا المال. وقطع الاكثرون في هذه الصورة بما يقتضيه الاول. ولو ملك بقدر الدين مما لا زكاة فيه كالعقار وغيره، وجبت الزكاة في النصاب الزكوي على هذا القول أيضا على المذهب، وقيل: لا تجب بناء على علة التثنية. ولو زاد المال الزكوي على الدين، فإن كان الفاضل نصابا، وجبت الزكاة فيه. وفي الباقي القولان، وإلا لم تجب على هذا القول، لا في قدر الدين ولا في الفاضل. فرع ملك أربعين شاة، فاحتاج من يرعاها، فحال الحول، فإن استأجره بشاة معينة من الاربعين مختلطة بباقيها، وجب شاة على الراعي، منها جزء من أربعين جزءا، والباقي على المستأجر. وإن كانت منفردة، فلا زكاة على واحد منهما. وإن استأجره بشاة في الذمة، فإن كان للمستأجر مال آخر يفي بها، وجبت الزكاة في الاربعين، وإلا، فعلى القولين في أن الدين هل يمنع وجوبها ؟ فرع إذا ملك مالين زكويين، كنصاب من الغنم، ونصاب من البقر، وعليه دين، نظر، إن لم يكن الدين من جنس ما يملكه، قال في التهذيب: يوزع عليهما. فإن خص كل واحد ما ينقص به عن النصاب، فلا زكاة على القول الذي تفرع عليه. وذكر أبو القاسم الكرخي وصاحب الشامل أنه يراعى الاغبط للمساكين، كما لو ملك مالا آخر غير زكوي، صرفنا الدين إليه رعاية لحقهم.

(2/55)


وحكي عن ابن سريج ما يوافق هذا. وإن كان الدين من جنس أحد المالين. فإن قلنا: الدين يمنع الزكاة فيما هو من غير جنسه، فالحكم كما لو لم يكن من جنس أحدهما، وإلا اختص بالجنس. فرع إذا قلنا: الدين يمنع الزكاة، فسواء دين الله عز وإلا اختص بالجنس وجل، ودين الآدمي، فلو ملك نصاب ماشية أو غيرها، فنذر التصدق بهذا المال، أو بكذا من هذا المال، فمضى الحول قبل التصدق، فطريقان. أصحهما: القطع بمنع الزكاة، لتعلق النذر بعين المال. والثاني: أنه على الخلاف في الدين. ولو قال: جعلت هذا المال صدقة، أو هذه الاغنام ضحايا، أو لله علي أن أضحي بهذه الشاة، وقلنا: تتعين للتضحية بهذه الصيغة، فالمذهب: لا زكاة، وقيل: على الخلاف. ولو نذر التصدق بأربعين من الغنم، أو بمائة درهم ولم يضف إلى ماشيته ودراهمه، فإن قلنا: دين الآدمي لا يمنع، فهذا أولى، وإلا، فوجهان. أصحهما: عند الامام لا يمنع، لان هذا الدين لا مطالبة به في الحال، فهو أضعف ولان النذر يشبه التبرعات، فإن الناذر مخير في ابتداء نذره، فالوجوب به أضعف. ولو وجب عليه الحج وتم الحول على نصاب في ملكه، هل يكون وجوب الحج دينا مانعا من الزكاة ؟ حكمه حكم دين النذر الذي تقدم. فرع إذا قلنا: الدين لا يمنع الزكاة، فمات قبل الاداء، واجتمع الدين والزكاة في تركته، ففيه ثلاثة أقوال. أظهرها: أن الزكاة تقدم كما تقدم في حال الحياة، ثم يصرف الباقي إلى الغرماء. والثاني: يقدم دين الآدمي، كما يقدم القصاص على حد السرقة. والثالث: يستويان فيوزع عليهما. وقيل: تقدم الزكاة المتعلقة بالعين قطعا، والاقوال في اجتماع الكفارات وغيرها، فيما يسترسل في الذمة مع حقوق الآدميين. وقد تكون الزكاة من هذا القبيل، بأن يتلف ماله بعد الوجوب والامكان، ثم يموت وله مال، فإن الزكاة هنا متعلقة بالذمة.

(2/56)


فصل إذا أحرز الغانمون الغنيمة، فينبغي للامام أن يعجل قسمتها، ويكره له التأخير من غير عذر، فإذا قسم، فكل من أصابه مال زكوي وهو نصاب، أو بلغ مع غيره من ملكه نصابا، ابتدأ من حينئذ حوله، ولو تأخرت القسمة بعذر أو غيره حولا، فإن لم يختاروا التملك، فلا زكاة، لانها غير مملوكة للغانمين، أو مملوكة ملكا في غاية من الضعف، يسقط بالاعراض. وللامام في قسمتها أن يخص بعضهم ببعض الانواع، أو بعض الاعيان إن اتحد النوع، ولا يجوز هذا في سائر القسم إلا بالتراضي، وإن اختاروا التملك، ومضى حول من وقت الاختيار، فإن كانت الغنيمة أصنافا، فلا زكاة، سواء كانت مما تجب الزكاة في جميعها أو بعضها، لان كل واحد لا يدري ما يصيبه وكم يصيبه، وإن لم يكن إلا صنف زكوي، وبلغ نصيب كل واحد نصابا، فعليهم الزكاة، وإن بلغ مجموع أنصبائهم نصابا، وكانت. ماشية، وجبت الزكاة وهم خلطاء، وكذا لو كانت غير ماشية وأثبتنا الخلطة فيه، ولو كانت أنصباؤهم تتم بالخمس نصابا، فلا زكاة عليهم، لان الخلطة مع أهل الخمس لا تثبت، لانه لا زكاة فيه بحال، لانه لغير معين، فأشبه مال بيت المال، والمساجد، والربط. هذا حكم الغنيمة على ما ذكره الجمهور من العراقيين، والخراسانيين، وهو المذهب، ولنا وجه قطع به في التهذيب: أنه لا زكاة قبل إفراز الخمس بحال، ووجه: أنه تجب الزكاة في حال عدم اختيار الملك، وقال إمام الحرمين والغزالي: إن قلنا: الغنيمة لا تملك قبل القسمة، فلا زكاة، وإن قلنا: تملك، فثلاثة أوجه. أحدها: لا زكاة، لضعف الملك، والثاني: تجب، لوجود الملك، والثالث: إن كان فيها ما ليس زكويا فلا زكاة، وإلا وجبت. فصل إذا أصدقها أربعين شاة سائمة بأعيانها، لزمها الزكاة إذا تم حولها من

(2/57)


يوم الاصداق، سواء دخل بها، أم لا، وسواء قبضتها، أم لا، وفي قول مخرج: أنه إذا لم يدخل بها، فحكمه حكم الاجرة، كما سيأتي في الفصل الذي بعد هذا إن شاء الله تعالى، ولنا وجه: أنها ما لم تقبضها، لا زكاة عليها، ولا على الزوج، تفريعا على أن الصداق مضمون ضمان العقد، فيكون على الخلاف في المبيع قبل القبض، والمذهب: القطع بالوجوب عليها مطلقا، فلو طلقها قبل الدخول، نظر، فإن كان قبل الحول، عاد نصفها إلى الزوج. فإن لم يكن متميزا، فهما خليطان، فعليها عند تمام الحول من يوم الاصداق نصف شاة، وعليه عند تمام الحول من يوم الطلاق نصف شاة، وإن طلق بعد تمام الحول، ففيه ثلاثة أحوال. أحدها: أن يكون قد أخرجت الزكاة من نفس الماشية، ففيما يرجع به الزوج ثلاثة أقوال. أحدها: نصف الجملة، فإن تساوت قيمة الغنم، أخذ منها عشرين، وإن اختلفت، أخذ النصف بالقيمة، والثاني: نصف الغنم الباقية، ونصف قيمة الشاة المخرجة، والثالث: أنه بالخيار بين ما ذكرنا فق القول الثاني، وبين أن يترك الجميع ويرجع بنصف القيمة. قلت: أصحهما: الثاني، كذا صححه جماعة، منهم الرافعي في كتاب الصداق. والله أعلم. الحال الثاني: أن يكون أخرجها من موضع آخر، قال العراقيون وغيرهم: يأخذ نصف الاربعين، وقال الصيدلاني وجماعة: فيه وجهان. أحدهما: هذا، والثاني: يرجع إلى نصف القيمة. الحال الثالث: أن لا يخرجها أصلا. فالمذهب: أن نصف الاربعين يعود إلى الزوج شائعا، فإذا جاء الساعي وأخذ من عينها شاة، رجع الزوج عليها بنصف قيمتها.

(2/58)


فصل إذا أجر دارا أربع سنين بمائة دينار معجلة وقبضها، ففي كيفية إخراج زكاتها قولان. أحدهما: يلزمه عند تمام السنة الاولى زكاة جميع المائة، لان ملكه تام، وهذا هو الراجح عند صاحبي المهذب والشامل، والثاني: وهو الراجح عند الجمهور: لا يلزمه عند تمام كل سنة إلا زكاة القدر الذي استقر ملكه عليه، فإذا قلنا بالثاني، أخرج عند تمام السنة الاولى زكاة ربع المائة، وهو خمسة أثمان دينار، فإذا مضت السنة الثانية، فقد استقر ملكه على خمسين دينارا سنتين، فعليه زكاتها للسنتين، وهي ديناران ونصف، لكنه أخرج في السنة الاولى خمسة أثمان دينار، فيسقط ويجب الباقي، وهو دينار وسبعة أثمان، فإذا مضت السنة الثالثة، استقر ملكه على خمسة وسبعين دينارا ثلاث سنين، وزكاتها فيها خمسة دنانير وخمسة أثمان دينار، أخرج منها في السنتين دينارين ونصفا، فيخرج الباقي، فإذا مضت الرابعة، استقر ملكه على المائة أربع سنين، وزكاتها فيها عشرة دنانير، أخرج منها خمسة وخمسة أثمان، فيخرج الباقي، هذا إذا أخرج من غير المائة، فإن أخرج منها واجب السنة الاولى، فعند تمام الثانية يخرج زكاة الخمسة والعشرين الاولى سوى ما أخرج في السنة الاولى، وزكاة خمسة وعشرين أخرى لسنتين، وعند الثالثة والرابعة، يقاس بما ذكرناه، وأما إذا قلنا بالقول الاول، فإنه يخرج عند تمام السنة الاولى زكاة المائة، وكذلك كل سنة إن أخرج من غيرها، فإن أخرج من عينها، زكى كل سنة ما بقي. واختلف العراقيون في هذين القولين، فقال القاضي أبو الطيب وطائفة: هما في نفس الوجوب، وقال أبو حامد وشيعته: الوجوب ثابت قطعا، وإنما القولان في كيفية الاخراج، وهذا مقتضى كلام الاكثرين. وصورة المسألة: إذا كانت أجرة السنتين متساوية، فإن تفاوتت، زاد القدر المستقر في بعض السنتين على ربع المائة، ونقص في بعضها، فإن قيل: هل صورة المسألة فيما إذا كانت المائة في الذمة ثم نقدها، أو فيما إذا كانت الاجارة بمائة معينة، أم لافرق ؟

(2/59)


الجواب، أن كلام نقله المذهب يشمل الحالتين، ولم أر فيها نصا وتفصيلا إلا في فتاوي القاضي حسين، فإنه قال في الحالة الاولى: الظاهر أنه يجب زكاة كل المائة، إذا حال الحول، لان ملكه مستقر على ما أخذ، حتى لو انهدمت الدار، لا يلزمه رد المقبوض، بل له رد مثله، وفي الحالة الثانية، قال: حكم الزكاة حكم المبيع قبل القبض، لانه معرض لان يعود إلى المستأجر بانفساخ الاجارة، وبالجملة الصورة الثانية أحق بالخلاف من الاولى، وما ذكره القاضي اختيار للوجوب في الحالتين جميعا. فرع إذا باع شيئا بنصاب من النقد وقبضه، ولم يقبض المشتري المبيع حتى حال الحول، فهل يجب على البائع إخراج الزكاة ؟ فيه القولان في الاجرة، لان الثمن قبل قبض المبيع غير مستقر، وخرجوا على القولين أيضا إذا ما أسلم نصابا في ثمرة أو غيرها، وحال الحول قبل قبض المسلم فيه، وقلنا: إن تعذر المسلم فيه، يوجب انفساخ العقد، وإن قلنا: يوجب الخيار، فعليه إخراج الزكاة قطعا. فرع أوصى لانسان بنصاب، ومات الموصي، ومضى حول من وقت موته قبل القبول، إن قلنا: الملك في الوصية يحصل بالموت، فعلى الموصى له الزكاة، ولا يضر كونه يرتد برده، وإن قلنا: يحصل بالقبول، فلا زكاة عليه. ثم إن أبقيناه على ملك الموصي، فلا زكاة على أحد، وإن قلنا: إنه للوارث فهل تلزمه الزكاة ؟ وجهان. أصحهما: لا، وإن قلنا: موقوف، فقبل، بان أنه ملكه بالموت، ولا زكاة عليه على الاصح، لعدم استقرار ملكه.
باب أداء الزكاة
وهو واجب على الفور بعد التمكن، ثم الاداء يفتقر إلى فعل ونية. أما الفعل، فثلاثة أضرب.

(2/60)


أحدها: أن يفرق المالك بنفسه، وهو جائز في الاموال الباطنة، وهي الذهب، والفضة، وعروض التجارة، والركاز، وزكاة الفطر. قلت: وفي زكاة الفطر وجه، أنها من الاموال الظاهرة، حكاه في البيان ونقله في الحاوي عن الاصحاب مطلقا، واختار أنها باطنة وهو ظاهر نص الشافعي وهو المذهب. والله أعلم. وأما الاموال الظاهرة وهي المواشي، والمعشرات، والمعادن، ففي جواز تفريقها بنفسه قولان. أظهرهما وهو الجديد: يجوز، والقديم: لا يجوز، بل يجب صرفها إلى الامام إن كان عادلا، فإن كان جائرا، فوجهان. أحدهما: يجوز ولا يجب، وأصحهما: يجب الصرف إليه لنفاذ حكمه وعدم انعزاله، وعلى هذا القول: لو فرق بنفسه لم تحسب، وعليه أن يؤخر ما دام يرجو مجئ الساعي، فإذا أيس، فرق بنفسه. الضرب الثاني: أن يصرف إلى الامام وهو جائز. الثالث: أن يوكل في الصرف إلى الامام، أو التفرقة على الاصناف حيث تجوز التفرقة بنفسه، وهو جائز. وأما أفضل هذه الاضرب، فتفرقته بنفسه أفضل من التوكيل بلا خلاف، لان الوكيل قد يخون، فلا يسقط الفرض عن الموكل، وأما الافضل من الضربين الآخرين، فإن كانت الاموال باطنة، فوجهان. أصحهما عند جمهور الاصحاب من العراقيين وغيرهم، وبه قطع الصيدلاني: الدفع إلى

(2/61)


الامام أفضل، لانه يتيقن سقوط الفرض به، بخلاف تفرقته بنفسه، فإنه قد يدفع إلى غير مستحق، والثاني: بنفسه أفضل، لانه أوثق، وليباشر العبادة، وليخص الاقارب والجيران والاحق، وإن كانت الاموال ظاهرة، فالصرف إلى الامام أفضل قطعا، هذا هو المذهب، وبه قطع الجمهور، وطرد الغزالي فيه الخلاف. ثم حيث قلنا: الصرف إلى الامام أولى، فذاك إذا كان عادلا، فإن كان جائرا، فوجهان. أحدهما: أنه كالعادل، وأصحهما: التفريق بنفسه أفضل، ولنا وجه: أنه لا يجوز الصرف إلى الجائر، وهذا غريب ضعيف مردود. قلت: والدفع إلى الامام أفضل من الوكيل قطعا، صرح به صاحب الحاوي ووجهه على ما تقدم. والله أعلم. ولو طلب الامام زكاة الاموال الظاهرة، وجب التسليم إليه بلا خلاف، بذلا للطاعة، فان امتنعوا، قاتلهم الامام، وإن أجابوا إلى إخراجها بأنفسهم، فان لم يطلبها الامام ولم يأت الساعي، أخرها رب المال ما دام يرجو مجئ الساعي، فإذا أيس، فرق بنفسه، نص عليه الشافعي. فمن الاصحاب من قال: هذا تفريع

(2/62)


على جواز تفرقته بنفسه، ومنهم من قال: هذا جائز على القولين، صيانة لحق المستحقين عن التأخير، ثم إذا فرق بنفسه وجاء الساعي مطالبا، صدق رب المال بيمينه، واليمين واجبة، أو مستحبة ؟ وجهان. فان قلنا: واجبة، فنكل، أخذت منه الزكاة لا بالنكول، بل لانها كانت واجبة والاصل بقاؤها. قلت: الاصح أن اليمين مستحبة. والله أعلم. وأما الاموال الباطنة، فقال الماوردي: ليس للولاة نظر في زكاتها، وأربابها أحق بها، فإن بذلوها طوعا، قبلها الوالي، فإن علم الامام من رجل أنه لا يؤديها بنفسه، فهل له أن يقول: إما أن تدفع بنفسك، وإما أن تدفع إلي حتى أفرق ؟ فيه وجهان يجريان في المطالبة بالنذور والكفارات. قلت: الاصح وجوب هذا القول إزالة للمنكر، ولو طلب الساعي زيادة على الواجب، لا يلزم تلك الزيادة، وهل يجوز الامتناع من دفع الواجب لتعديه، أم لا يجوز خوفا من مخالفة ولاة الامر ؟ وجهان. أصحهما: الثاني. والله أعلم. وأما النية، فواجبة قطعا، وهل تتعين بالقلب، أم يقوم النطق باللسان مقامها ؟ فيه طريقان. أحدهما: يتعين كسائر العبادات، وأشهرهما على وجهين، وقيل: على قولين. أصحهما: تتعين، والثاني: يتخير بين القلب، والاقتصار على

(2/63)


اللسان. ثم صفة النية أن ينوي: هذا فرض زكاة مالي، أو فرض صدقة مالي، أو زكاة مالي المفروضة، أو الصدقة المفروضة، ولا يكفي التعرض لفرض المال، لان ذلك. قد يكون كفارة ونذرا، ولا يكفي مطلق الصدقة على الاصح، ولو نوى الزكاة دون الفرضية، أجزأه على المذهب، وقيل: وجهان، كما لو نوى الظهر فقط، وهذا ضعيف، فإن الظهر قد تقع نفلا، ولا تقع الزكاة إلا فرضا، ولا يجب تعيين المال المزكى، فلو ملك مائتي درهم حاضرة، ومائتين غائبة، فأخرج عشرة بلا تعيين، جاز، وكذا لو ملك أربعين شاة وخمسة أبعرة، فأخرج شاتين بلا تعيين، أجزأه، ولو أخرج خمسة دراهم مطلقا، ثم جان تلف أحد المالين، أو تلف أحدهما بعد الاخراج، فله أن يجعل المخرج عن الباقي، فلو عين مالا، لم ينصرف إلى غيره، كما لو أخرج الخمسة عن الغائب، فبان تالفا، لم يكن له صرفه إلى الحاضر على الاصح، ولو قال: هذه عن مالي الغائب، إن كان باقيا، فبان تالفا، لم يكن له صرفه إلى الحاضر على الاصح، ولو قال: هذه عن الغائب، فإن كان تالفا، فهي صدقة، أو قال: إن كان الغائب باقيا، فهذه زكاته، وإلا فهي صدقة، جاز، لان هذه صفة إخراج زكاة الغائب لو اقتصر على زكاة الغائب، حتى لو بان تالفا، لا يجوز له الاسترداد إلا إذا صرح فقال: هذه عن مالي الغائب، فإن بان تالفا استرددتها، وليست هذه الصورة كما لو أخرج الخمسة فقال: إن كان مورثي مات وورثت ماله، فهذه زكاته، فبان أنه ورثه، لا يحسب المخرج زكاة، لان الاصل عدم الارث، وهنا الاصل بقاء المال، والتردد اعتضد بالاصل، ونظيره أن يقول في آخر رمضان: أصوم غدا، إن كان من رمضان، يصح، ولو قال في أوله: أصوم غدا، إن كان من رمضان، لم يجزئه، وهو نظير مسألة الارث. أما إذا قال: هذه زكاة الغائب، فإن كان تالفا فعن الحاضر، فالمذهب الذي قطع به الجمهور: إن كان

(2/64)


الغائب باقيا، وقع عنه، وإلا وقع عن الحاضر، ولا يضر التردد، لان التعيين ليس بشرط، حتى لو قال: هذه عن الحاضر أو الغائب، أجزأه، وعليه خمسة للآخر. بخلاف ما لو نوى الصلاة عن فرض الوقت إن كان دخل وإلا فعن الفائتة، لا تجزئه، لان التعيين شرط، وعن صاحب التقريب تردد في إجزائه عن الحاضر، ولو قال: هذه عن الغائب إن كان باقيا، وإلا فعن الحاضر، أو هي صدقة، وكان الغائب تالفا، لم يقع عن الحاضر، كما قال الشافعي رحمه الله: لو قال: إن كان مالي الغائب سالما فهذه زكاته، أو نافلة وكان سالما، لم يجزئه، لانه لم يخلص القصد عن الفرض، وقولنا في هذه المسائل: مال غائب، يتصور إذا كان غائبا في بلد آخر، وجوزنا نقل الصدقة، أو معه في البلد وهو غائب عن مجلسه. فرع إذا ناب في إخراج الزكاة عن المالك غيره، فله صور. منها: نيابة الولي عن الصبي والمجنون، فيجب عليه أن ينوي، قال القاضي ابن كج: فلو دفع بلا نية، لم يقع الموقع، وعليه الضمان. ومنها: أن يتولى السلطان قسم زكاة انسان، وذلك بأن يدفعها إلى السلطان طوعا، أو يأخذها منه كرها، فإن دفع طوعا ونوى عند الدفع، كفى، ولا تشترط نية السلطان عند التفريق، لانه نائب المساكين، فإن لم ينو المالك، ونوى السلطان، أو لم ينو، فوجهان. أحدهما: تجزئه، وهو ظاهر نصه في المختصر وبه قطع كثير من العراقيين، والثاني: لا تجزئه، لانه نائب المساكين، ولو دفع المالك إلى المساكين بلا نية، لم يجزئه، فكذا نائبهم، وهذا الثاني هو الاصح عند

(2/65)


القاضي أبي الطيب، وصاحبي المهذب والتهذيب وجمهور المتأخرين، وحملوا كلام الشافعي على الممتنع: يجزئه المأخوذ وإن لم ينو. لكن نص في الام: أنه يجزئه وإن لم ينو طائعا كان أو كارها، وأما إذا امتنع من دفع الزكاة، فيأخذها منه السلطان كرها، ولا يأخذ إلا قدر الزكاة على الجديد، وقال في القديم: يأخذ مع الزكاة شطر ماله. قلت: المشهور، هو الجديد، والحديث الوارد في سنن أبي داود وغيره يأخذ شطر ماله ضعفه الشافعي رحمة الله عليه، ونقل أيضا عن أهل العلم بالحديث أنهم لا يثبتونه وهذا الجواب هو المختار. وأما جواب من أجاب من أصحابنا بأنه منسوخ، فضعيف، فإن النسخ يحتاج إلى دليل، ولا قدرة لهم عليه هنا. والله أعلم. ثم إن نوى الممتنع حال الاخذ منه، برئت ذمته ظاهرا وباطنا، ولا حاجة إلى

(2/66)


نية الامام، وإلا فإن نوى الامام، أجزأه في الظاهر، ولا يطالب ثانيا، وهل يجزئه باطنا ؟ وجهان. أصحهما: يجزئه كولي الصبي، تقوم نيته مقام نيته، وإن لم ينو الامام، لم يسقط الفرض في الباطن قطعا، ولا في الظاهر على الاصح، والمذهب: أنه تجب النية على الامام، وأنه تقوم نيته مقام نية المالك، وقيل: إن قلنا: لا تبرأ ذمة المالك باطنا، لم تجب النية على الامام، وإلا فوجهان. أحدهما: تجب، كالولي، والثاني: لا، لئلا يتهاون المالك فيما هو متعبد به. ومنها: أن يوكل من يفرق زكاته، فإن نوى الموكل عند الدفع إلى الوكيل، ونوى الوكيل عند الدفع إلى المساكين، فهو الاكمل، وإن لم ينو واحد منهما، أو لم ينو الموكل، لم يجزئه، وإن نوى الموكل عند الدفع، ولم ينو الوكيل، فطريقان. أحدهما: القطع بالجواز، وأصحهما: أنه على الوجهين فيما إذا فرق بنفسه، هل يجزئه تقديم النية على التفرقة ؟ والاصح الاجزاء كالصوم للعسر، ولان القصد سد حاجة الفقير، وعلى هذا يكفي نية الموكل عند الدفع إلى الوكيل، وعلى الثاني: يشترط نية الوكيل عند الدفع إلى المساكين، ولو وكل وكيلا وفوض النية إليه، جاز، كذا ذكر في النهاية والوسيط. فرع لو تصدق بجميع ماله ولم ينو الزكاة، لم تسقط عنه الزكاة. فصل ينبغي للامام أن يبعث السعاة لاخذ الزكوات، والاموال ضربان، ما يعتبر فيه الحول، وما لا يعتبر، كالزرع والثمار، فهذا يبعث السعاة فيه لوقت وجوبه، وهو إدراك الثمار واشتداد الحب. وأما الاول، فالحول مختلف في حق

(2/67)


الناس، فينبغي للساعي أن يعين شهرا فيأتيهم فيه. واستحب الشافعي رحمه الله، أن يكون ذلك الشهر المحرم، صيفا كان أو شتاء، فإنه أول السنة الشرعية. قلت: هذا الذي ذكرنا من تعيين الشهر على الاستحباب على الصحيح، وفي وجه: يجب. ذكره صاحب الكتاب في آخر قسم الصدقات. والله أعلم. وينبغي أن يخرج قبل المحرم ليصلهم في أوله، ثم إذا جاءهم، فمن تم حوله، أخذ زكاته، ومن لم يتم، يستحب له أن يعجل، فإن لم يفعل، استناب من يأخذ زكاته، وإن شاء أخر إلى مجيئه من قابل، فإن وثق به، فوض التفريق إليه، ثم إن كانت الماشية ترد الماء، أخذ زكاتها على مياههم ولا يكلفهم ردها إلى البلد، ولا يلزمه أن يتبع المراعي، فإن كان لرب المال ماءان، أمر بجمعها عند أحدهما، وإن اكتفت الماشية بالكلا في وقت الربيع، ولم ترد الماء، أخذ الزكاة في بيوت أهلها وأفنيتهم. هذا لفظ الشافعي، ومقتضاه تجويز تكليفهم الرد إلى الافنية. وقد صرح به المحاملي وغيره، وإذا أراد معرفة عددها، فأخبره المالك، وكان ثقة، صدقه، وإلا عدها، والاولى أن تجمع في حظيرة أو نحوها، وينصب على الباب خشبة معترضة، وتساق لتخرج واحدة واحدة، وتثبت كل شاة إذا بلغت المضيق، فيقف المالك أو نائبه من جانب، والساعي أو نائبه من جانب، وبيد كل واحد منهما قضيب يشيران به إلى كل شاة، أو يصيبان به ظهرها فهو أضبط، فإن اختلفا بعد العد، فإن كان الواجب يختلف به، أعاد العد. فرع يستحب للساعي أن يدعو لرب المال، ولا يتعين دعاء. واستحب

(2/68)


الشافعي رحمه الله أن يقول: آجرك الله فيما أعطيت، وجعله لك طهورا، وبارك لك فيما أبقيت. ولنا وجه شاذ: أنه يجب الدعاء، حكاه الحناطي. وكما يستحب للساعي الدعاء، يستحب أيضا للمساكين إذا فرق عليهم المالك. قال الائمة: وينبغي أن لا يقول: اللهم صل عليه، وإن ورد في الحديث، لان الصلاة صارت مخصوصة في لسان السلف بالانبياء صلوات الله عليهم وسلامه. وكما أن قولنا. عزوجل. صار مخصوصا بالله تعالى. فكما لا يقال: محمد عزوجل وإن كان عزيزا جليلا، لا يقال: أبو بكر، أو علي، صلى الله عليه، وإن صح المعنى. وهل ذلك مكروه كراهة تنزيه، أم هو مجرد ترك أدب ؟ فيه وجهان. الصحيح الاشهر: أنه مكروه، لانه شعار أهل البدع، وقد نهينا عن شعارهم. والمكروه: هو ما ورد فيه نهي مقصود، ولا خلاف أنه يجوز أن يجعل غير الانبياء تبعا لهم، فيقال: اللهم صل على محمد، وعلى آل محمد، وأصحابه وأزواجه، وأتباعه، لان السلف لم يمتنعوا منه. وقد أمرنا به في التشهد وغيره. قال الشيخ أبو محمد: والسلام في معنى الصلاة، فإن الله تعالى قرن بينهما، فلا يفرد به غائب غير الانبياء. ولا بأس به على سبيل المخاطبة للاحياء والاموات من المؤمنين، فيقال: سلام عليكم. قلت: قوله: لا بأس به، ليس بجيد، فإنه مسنون للاحياء والاموات

(2/69)


بلا شك، وهذه الصيغة لا تستعمل في المسنون، وكأنه أراد: لا منع منه في المخاطبة، بخلاف الغيبة، وأما استحبابه في المخاطبة، فمعروف. والله أعلم.
باب تعجيل الزكاة
التعجيل جائز في الجملة، هذا هو الصواب المعروف. وحكى الموفق أبو طاهر، عن أبي عبيد بن حربويه من أصحابنا منع التعجيل، وليس بشئ، ولا تفريع عليه. ثم مال الزكاة ضربان، متعلق بالحول، وغير متعلق. فالاول: يجوز تعجيل زكاته قبل الحول، ولا يجوز قبل تمام النصاب، في الزكاة العينية. أما إذا اشترى عرضا للتجارة، يساوي مائة درهم، فعجل زكاة مائتين، وحال الحول وهو يساوي مائتين، فيجزئه المعجل عن الزكاة على المذهب، لان الاعتبار في العروض بآخر الحول، ولو ملك أربعين شاة معلوفة، فعجل شاة ظازما أن يسميها حولا، لم يقع عن الزكاة إذا أسامها، لان المعلوفة ليست مال زكاة، فهي كما دون النصاب. وإنما يعجل بعد انعقاد حول. فلو عجل زكاة عامين فصاعدا، لم يجزئه عما عدا السنة الاولى على الاصح عند الاكثرين. منهم

(2/70)


معظم العراقيين وصاحب التهذيب وحملوا الحديث الوارد في تسلف صدقة عامين، من العباس على التسلف دفعتين. فإن جوزنا ما زاد، فذلك إذا بقي معه في بعد التعجيل نصاب كامل، بأن ملك ثنتين وأربعين، فعجل شاتين. فإن لم يبق نصاب كامل، بأنملك إحدى وأربعين، فعجل شاتين منها، فوجهان. أصحهما: لا يجوز، فإن جوزنا صدقة عامين، فهل يجوز أن ينوي تقديم زكاة للسنة الثانية على الاولى ؟ وجهان كتقديم صلاة الثانية على الاولى في الجمع في وقت الثانية. حكاه أبو الفضل بن عبدان. ولو ملك نصابا. فعجل زكاة نصابين، فإن كان التجارة، بأن اشترى للتجارة عرضا بمائتين، فعجل زكاة أربعمائة، فجاء الحول وهو يساوي أربعمائة، أجزأه على المذهب. وقيل: في المائتين الزائدتين وجهان. فإن كان زكاة عين، بأن ملك مائتي درهم، وتوقع حصول مائتين من جهة أخرى، فعجل زكاة أربعمائة، فحصل ما توقعه، لم يجزئه ما أخرجه عن الحادث. وإن توقع حصوله من عين ما عنده، بأن ملك مائة وعشرين شاة، فعجل شاتين ثم حدثت سخلة، أو ملك خمسا من الابل، فعجل شاتين، فبلغت بالتوالد عشرا، فهل يجزئه ما أخرجه عن النصاب الذي كمل الآن ؟ وجهان. أصحهما عند الاكثرين من العراقيين وغيرهم: لا يجزئه. ولو عجل شاة عن أربعين، فولدت أربعين، فهلكت الامات، فهل يجزئه ما أخرج من السخال ؟ وجهان. قلت: أصحهما: لا يجزئه. والله أعلم.

(2/71)


الضرب الثاني: ما لا يتعلق وجوب الزكاة فيه بالحول، فمنه زكاة الفطر، فيجوز تعجيلها بعد دخول رمضان، هذا هو الصحيح. وفي وجه: يجوز في أول يوم من رمضان، لا من أول ليلة. وفي وجه: يجوز قبل رمضان. وأما زكاة الثمار، فتجب ببدو الصلاح، وزكاة الزرع باشتداد الحب. وليس المراد وجوب الاداء، بل المراد أن حق الفقراء، يثبت حينئذ، والاخراج يجب بعد الجفاف وتنقية الحبوب. وإذا ثبت هذا، فالاخراج بعد مصير الرطب تمرا، والعنب زبيبا، ليس بتعجيل، بل هو واجب حينئذ، ولا يجوز التقديم قبل خروج الثمرة، وفيما بعده أوجه. الصحيح: أنه يجوز التعجيل بعد بدو الصلاح لا قبله، والثاني: يجوز قبله من حين خروج الثمرة، والثالث: لا يجوز قبل الجفاف. وأما الزروع، فالاخراج بعد التنقية واجب وليس بتعجيل، ولا يجوز التعجيل قبل التسنبل وانعقاد الحب. وبعده، ثلاثة أوجه، الصحيح: جوازه بعد الاشتداد والادراك، ومنعه قبله. والثاني: جوازه بعد التسنبل وانعقاد الحب. والثالث: لا يجوز قبل التنقية. فرع عد الائمة ما يقدم على وقت وجوبه من الحقوق المالية، وما لا يقدم، في هذا الباب. فمنها: كفارة اليمين، والقتل، والظهار، وجزاء الصيد، وهي مذكورة في أبوابها.

(2/72)


ومنها: لا يجوز للشيخ الهرم، والحامل، والمريض، تقديم الفدية على رمضان. ولا يجوز تقديم الاضحية على يوم النحر قطعا، ولا كفارة الوقاع في شهر رمضان على الاصح، ولو قال: إن شفى الله مريضي، فلله علي عتق رقبة، فأعتق قبل الشفاء، لا يجزئه على الاصح، ولا يجوز تقديم زكاة المعدن، والركاز على الحصول. فصل شرط كون المعجل مجزئا، بقاء القابض بصفة الاستحقاق في آخر الحول، فلو ارتد، أو مات قبل الحول، لم تحسب عن الزكاة، وإن استغنى بالمدفوع إليه، أو به، وبمال آخر، لم يضر، وإن استغنى بغيره، لم يحسب عن الزكاة، وإن عرض مانع، ثم زال وصار برفة الاستحقاق عند تمام الحول، لم يضر على الاصح. ويشترط في الدافع بقاؤه إلى آخر الحول، بصفة من تجب عليه الزكاة، فلو ارتد وقلنا: الردة تمنع وجوب الزكاة، أو مات، أو تلف جميع ماله، أو باعه، أو نقص عن النصاب، لم يكن المعجل زكاة، وإن أبقينا ملك المرتد، وجوزنا إخراج الزكاة في حال الردة، أجزأه المعجل، وهل يحسب في صورة الموت عن زكاة الوارث ؟ قال الاصحاب: إن قلنا بالقديم: إن الوارث يبنى على حول الموروث، أجزأه، وإلا لم يجزئه على الاصح، لانه تعجيل قبل ملك النصاب، فإن قلنا: يحسب فتعددت الورثة، ثبت حكم الخلطة بينهم إن كان المال ماشية أو

(2/73)


غير ماشية، وقلنا: بثبوت الخلطة فيه. فأما إن قلنا: لا يثبت، ونقص نصيب كل واحد عن النصاب، أو اقتسموا، ونقص نصيب كل واحد عن النصاب، فينقطع الحول، ولا تجب الزكاة على الاصح. وعن صاحب التقريب وجه آخر: أنهم يصيرون كشخص واحد، وعلى الثاني: يصيرون كشخص واحد. فرع إذا أخذ الامام من المالك قبل أن يتم حوله مالا للمساكين، فله حالان. أحدهما: يأخذه بحكم الفرض، فينظر، إن استقرضه بسؤال المساكين، فهو من ضمانهم، سواء تلف في يده، أو بعد أن سلمه إليهم، وهل يكون الامام طريقا في الضمان، حتى يؤخذ منه ويرجع هو على المساكين، أم لا ؟ نظر، إن علم المقرض أنه يستقرض للمساكين بإذنهم ؟ لم يكن طريقا على الاصح، وإن ظن أنه يستقرض لنفسه، أو للمساكين من غير سؤالهم، فله الرجوع على الامام، ثم الامام يقضيه من مال الصدقة، أو يحسبه عن زكاة المقترض، وإذا أقرضه المالك للمساكين ابتداء من غير سؤالهم، فتلف في يد الامام، فلا ضمان على المساكين، ولا على الامام، لانه وكيل المالك. ولو استقرض الامام بسؤال المالك والمساكين جميعا، فهل هو من ضمان المالك، أو المساكين ؟ وجهان يأتي بيانهما في الحال الثاني إن شاء الله تعالى. ولو استقرض بغير سؤال المالك والمساكين، نظر، إن استقرض ولا حاجة بهم إلى القرض، وقع القرض للامام، وعليه ضمانه من خالص ماله، سواء تلف في يده، أو دفعه إلى المساكين، ثم إن

(2/74)


دفع إليهم متبرعا، فلا رجوع، وإن أقرضهم، فقد أقرضهم مال نفسه، وإن كان استقرض لهم، وبهم حاجة، وهلك في يده، فوجهان. أحدهما: أنه من ضمان المساكين، يقضيه الامام من مال الصدقة، كالولي، إذا استقرض لليتيم، فهلك في يده، يكون الضمان في مال اليتيم، وأصحهما: يكون الضمان من خالص مال الامام، لان المساكين غير متعينين، وفيهم أو أكثرهم أهل رشد، لا ولاية عليهم، ولهذا لا يجوز منع الصدقة عنهم بلا عذر، ولا التصرف في مالهم بالتجارة، وإنما يجوز الاستقراض لهم بشرط سلامة العاقبة، بخلاف اليتيم. فأما إن دفع المستقرض إليهم، فالضمان عليهم، والامام طريق، فإذا أخذ زكوات، والمدفوع إليه بصفة الاستحقاق، فله أن يقضيه من الزكوات، وله أن يحسبه عن زكاة المقرض، وإن لم يكن المدفوع إليه بصفة الاستحقاق عند تمام حلول الزكوات، لم يجز قضاؤه منها، بل يقضي من مال نفسه، ثم يرجع على المدفوع إليه إن وجد له مالا. الحال الثاني: أن يأخذ الامام المال ليحسبه عن زكاة المأخوذ منه عند تمام حوله، وفيه أربع مسائل كالقرض. إحداها: أن يأخذ بسؤال المساكين، فإن دفع إليهم قبل الحول، وتم

(2/75)


الحول وهم بصفة الاستحقاق، والمالك بصفة الوجوب، وقع الموقع، وإن خرجوا عن الاستحقاق، فعليهم الضمان، وعلى المالك الاخراج ثانيا، وإن تلف في يده قبل تمام الحول بغير تفريط له، نظر، إن خرج المالك عن أن تجب عليه الزكاة، فله الضمان على المساكين، وهل يكون الامام طريقا ؟ وجهان، كما في الاستقراض، وإلا فهل يقع المخرج عن زكاته ؟ وجهان. أصحهما: يقع، وبه قطع في الشامل و التتمة، والثاني: لا، فعلى هذا له تضمين المساكين، وفي تضمين الامام الوجهان، فإن لم يكن للمساكين مال، صرف الامام إذا اجتمعت الزكوات عنده ذلك القدر إلى قوم آخرين عن جهة الذي تسلف منه. المسألة الثانية: أن يتسلف بسؤال المالك، فإن دفع إلى المساكين، وتم الحول وهم بصفة الاستحقاق، وقع الموقع، وإلا رجع المالك على المساكين دون الامام، وإن تلف في يد الامام، لم يجزئ المالك، سواء تلف بتفريط الامام، أو بغير تفريطه، كالتلف في يد الوكيل، ثم إن تلف بتفريط الامام، فعليه ضمانه للمالك، وإلا فلا ضمان عليه، ولا على المساكين. الثالثة: أن يتسلف بسؤال المالك والمساكين جميعا، فالاصح عند صاحب الشامل والاكثرين: أنه من ضمان المساكين، والثاني: من ضمان المالك. الرابعة: أن يتسلف بغير سؤال المالك والمساكين، لما رأى من حاجتهم، فهل تكون حاجتهم كسؤالهم ؟ وجهان. أصحهما: لا، فعلى هذا إن دفعه إليهم، وخرجوا عن الاستحقاق قبل تمام الحول، استرده الامام منهم ودفعه إلى غيرهم، وإن خرج الدافع عن أهلية الوجوب، استرده ورد إليه، فإن لم يكن للمدفوع إليه مال، ضمنه الامام من مال نفسه، فرط، أم لم يفرط، وعلى المالك إخراج الزكا ثانيا، وفي وجه ضعيف: لا ضمان على الامام ثم الوجهان في تنزل الحاجة منزلة سؤالهم، هما في حق البالغين، أما إذا كانوا أطفالا، فيبنى على أن الصبي تدفع

(2/76)


إليه الزكاة من سهم الفقراء أو المساكين، أم لا ؟ فإن كان له من يلزمه نفقته كأبيه وغيره، فالاصح أنه لا يدفع إليه، وإن لم يكن، فالصحيح أنه يدفع له إلى قيمه، والثاني: لا، لاستغنائه بسهم من الغنيمة، فإن جوزنا التصرف إليه، فحاجة الاطفال كسؤال البالغين، فتسلف الامام الزكاة واستقراضه لهم، كاستقراض قيم اليتيم. هذا إذا كان الذي يلي أمرهم الامام، فإن كان وليا مقدما على الامام، فحاجتهم كحاجة البالغين، لان لهم من يسأل التسلف لو كان صلاحهم فيه. أما إذا قلنا: لا يجوز الصرف إلى الصبي، فلا تجئ هذه المسألة في سهم الفقراء والمساكين، ويجوز أن تجئ في سهم الغارمين ونحوه. ثم في المسائل كلها لو تلف المعجل في يد الساعي أو الامام بعد تمام الحول، سقطت الزكاة عن المالك، لان الحصول في يدهما بعد الحول، كالوصول إلى يد المساكين، كما لو أخذ بعد الحول، ثم إن فرط في الدفع إليهم، ضمن من مال نفسه لهم، وإلا فلا ضمان على أحد، وليس من التفريط أن ينتظر إنضمام غيره إليه لقلته، فإنه لا يجب تفريق كل قليل يحصل عنده، والمراد بالمساكين في هذه المسائل، أهل السهمين جميعا، وليس المراد جميع آحاد الصنف، بل سؤال طائفة منهم وحاجتهم. فصل إذا دفع الزكاة المعجلة إلى الفقير وقال: إنها معجلة، فإن عرض مانع، استرددت منك، فله الاسترداد إن عرض مانع، وإن اقتصر على قوله: هذه زكاة معجلة، أو علم القابض ذلك، ولم يذكر الرجوع، فله الاسترداد على الاصح الذي قطع به الجمهور، وهذا إذا كان الدافع المالك. أما إذا دفعها

(2/77)


الامام، فلا حاجة إلى شرط الرجوع، بل يثبت الاسترداد قطعا، ولو دفع المالك أو الامام، ولم يتعرض للتعجيل، ولا علم به القابض، فالمذهب: أنه لا يثبت الرجوع مطلقا، وقيل: إن دفع الامام ثبت الرجوع، وإن دفع المالك فلا، وبه قطع جمهور العراقيين، وقيل: فيهما قولان. فإن أثبتنا الرجوع، فقال المالك: قصدت بالمدفوع التعجيل، وأنكر القابض، فالقول قول المالك مع يمينه، ولو ادعى المالك علم القابض بالتعجيل، فالقول قول القابض، وإذا قلنا: لا رجوع إذا لم يذكر التعجيل، ولم يعلم القابض به، فتنازعا في ذكره، أو قلنا: يشترط في الرجوع التصريح به، فتنازعا فيه، فالقول قول المسكين على الاصح مع يمينه، وقول المالك على الثاني، ويجري الوجهان في تنازع الامام والمسكين إذا قلنا: الامام محتاج إلى الاشتراط. هذا كله إذا عرض مانع من استحقاقه الزكاة. أما إذا لم يعرض، فليس له الاسترداد بلا سبب، لانه تبرع بالتعجيل، فهو كمن عجل دينا مؤجلا لا يسترده. فرع قال إمام الحرمين وغيره: لا يحتاج مخرج الزكاة إلى لفظ أصلا، بل يكفيه دفعها وهو ساكت، لانها في حكم دفع حق إلى مستحق. قال: وفي صدقة التطوع تردد، والظاهر الذي عمل به الناس كافة، أنه لا يحتاج إلى اللفظ أيضا. فرع إذا قال: هذه زكاتي، أو صدقتي المفروضة، فطريقان. أحدهما: أنه كما لو ذكر التعجيل، ولم يذكر الرجوع، وأصحهما: كما لو لم يذكر شيئا أصلا. وقطع العراقيون بأن المالك لا يسترد، بخلاف الامام. قالوا: ولو كان

(2/78)


الطارئ موت المسكين، هل للمالك أن يستخلف ورثته على نفي العلم بأنها معجلة ؟ وجهان. فرع من موانع المعجل أن تكون زكاة تلف النصاب، فحيث يثبت الاسترداد بهذا السبب، هل يثبت إذا أتلفه المالك، أو أتلف منه ما نقص به النصاب لغير حاجة ؟ وجهان. أصحهما: يثبت، ولو أتلفه بالانفاق وغيره من وجوه الحاجات، ثبت الرجوع قطعا. فصل متى ثبت الاسترداد، فإن كان المعجل تالفا، فعليه ضمانه بمثله إن كان مثليا، وإلا فقيمته، وتعتبر قيمته يوم القبض على الاصح، وعلى الثاني: يوم التلف، والثالث: أقصى القيم، خرجه إمام الحرمين. فإن مات القابض، فالضمان في تركته، وإن كان باقيا على حاله، استرده ودفعه أو مثله إلى المستحق إن بقي بصفة الوجوب. وإن كان الدافع هو الامام، آخذه، وهل يصرفه إلى المستحقين بغير إذن جديد من المالك ؟ وجهان. أصحهما: وبه قطع في التهذيب: يجوز. وإن أخذ القيمة فهل يجوز صرفها إلى المستحقين ؟ وجهان، لان دفع القيمة لا يجزئ، فإن جوزناه وهو الاصح، ففي افتقاره إلى إذن جديد الوجهان. وإن حدثت فيه زيادة متصلة، كالسمن، والكبر، أخذه مع الزيادة، وإن كانت منفصلة، كالولد، واللبن، فالمذهب والذي قطع به الجمهور، ونص عليه الشافعي: أنه يأخذ الاصل بلا زيادة. وقيل: وجهان. أصحهما: هذا. والثاني: يأخذه مع الزيادة، وإن كان ناقصا، فهل له أرشه معه ؟ وجهان. الصحيح، وظاهر النص: لا أرش له. والمذهب: أن القابض يملك المعجل. وفي وجه شاذ:

(2/79)


أنه موقوف، فإن عرض مانع، تبين عدم الملك، وإلا تبين. فلو باعه القابض، ثم طرأ المانع، فإن قلنا بالمذهب: استمرت صحة البيع، وإلا تبينا بطلانه. ولو كانت العين باقية، فأراد القابض رد بدلها، فإن قلنا بالوقف، لزم ردها بعينها، وإن قلنا بالمذهب، ففي جواز الابدال الخلاف في مثله في القرض بناء على أنه يملكه بالقبض أو بالتصرف. فرع المعجل مضموم إلى ما عند المالك، نازل منزلة ما لو كان في يده، فلو عجل شاة من أربعين، ثم حال الحول، ولم يطرأ مانع، أجزاه ما عجل، وكانت تلك الشاة بمنزلة الباقيات عنده. ولو عجل شاة عن مائة وعشرين، ثم ولدت واحدة، أو عن مائة، فولدت عشرين وبلغت غنمه بالمعجلة مائة وإحدى وعشرين، لزمه شاة أخرى وإن كان القابض أتلف تلك المعجلة. ولو عجل شاتين عن مائتين، ثم حدثت سخلة قبل الحول، فقد بلغت غنمة مائتين وواحدة بالمعجلة، فعليه عند تمام الحول شاة ثالثة، فلو كانت المعجلة في هاتين الصورتين معلوفة، أو كان المالك اشتراها فأخرجها، لم يجب شئ زائد، لان المعلوفة والمشتراة، لا يتم بها النصاب، وإن جاز اخراجهما عن الزكاة، ثم إن تم الحول، والمعجل على السلامة، أجزأه ما أخرج، ثم في تقديره إذا كان الباقي دون النصاب، بأن أخرج شاة من أربعين، وجهان. الصحيح الذي قطع به الاصحاب: أن المعجل منزل منزلة الباقي في ملك الدافع حتى يكمل به النصاب ويجزئ، وليس بباق في ملكه حقيقة. وقال صاحب التقريب: يقدر كأن صاحب الملك لم يزل لينقضي الحول وفي ملكه نصاب. واستبعد إمام الحرمين هذا، وقال: تصرف القابض نافذ بالبيع والهبة وغيرهما، فكيف نقول ببقاء ملك الدافع، وهذا الاستبعاد صحيح إن أراد صاحب التقريب بقاء ملكه حقيقة، وإن أراد ما قاله الاصحاب، فقوله صواب. أما إذا طرأ مانع من كون المعجل زكاة، فينظر، إن كان المخرج أهلا للوجوب وبقي في يده نصاب، لزمه الاخراج ثانيا. وإن كان دون النصاب، فحيث لا يثبت الاسترداد لا زكاة، وكأنه تطوع بشاة قبل الحول. وحيث ثبت فاسترد، قال

(2/80)


العراقيون: فيه ثلاثة أوجه. أحدها: يستأنف الحول، ولا زكاة للماضي، لنقص ملكه عن النصاب. والثاني: إن كان ماله نقدا، زكاه لما مضى. وإن كان ماشية، فلا، لان السوم شرط في زكاة الماشية، وذلك ممتنع في الحيوان في الذمة. وأصحها عندهم: تجب الزكاة لما مضى مطلقا، لان المخرج كالباقي في ملكه. وبهذا قطع في التهذيب، بل لفظه يقتضي وجوب الاخراج ثانيا قبل الاسترداد إذا كان المخرج بعينه باقيا في يد القابض. وقال صاحب التقريب: إذا استرد وقلنا: كأن ملكه زال، لم يزك لما مضى، وإن قلنا: يتبين أن ملكه لم يزل، زكى لما مضى. قال إمام الحرمين: وعلى هذا التقدير الثاني: الشاة المقبوضة حصلت الحيلولة بين المالك وبينها، فيجئ فيها الخلاف في المغصوب والمجحود. وكلام العراقيين يشعر بجريان الاوجه بعد تسليم زوال الملك عن المعجل. وكيف كان، فالاصح عند المعظم وجوب تجديد الزكاة للماضي. أما إذا كان المخرج تالفا في يد القابض، فقد صار الضمان دينا عليه، فإن أوجبنا تجديد الزكاة، إذا كان باقيا، جاء هنا قولا وجوب الزكاة في الدين. هذا إذا كان المزكى نقدا، فإن كان ماشية، لم تجب الزكاة بحال، لان الواجب على القابض القيمة، فلا يكمل هنا نصاب الماشية. وقال أبو إسحق: تقام القيمة مقام العين هنا، نظرا للمساكين، والصحيح: الاول. فرع لو عجل بنت مخاض عن خمس وعشرين من الابل، فبلغت بالتوالد ستا وثلاثين قبل الحول، لم يجزئه بنت المخاض معجلة وإن صارت بنت لبون في يد القابض، بل يستردها ويخرجها ثانيا، أو بنت لبون أخرى. قال صاحب التهذيب لنفسه: فإن كان المخرج تالفا، والنتاج لم يزد على أحد عشر، فلم

(2/81)


تكن إبله ستا وثلاثين إلا بالمخرج، وجب أن لا يجب بنت لبون، لانا إنما نجعل المخرج كالقائم إذا وقع محسوبا عن الزكاة. أما إذا لم يقع، فلا، بل هو كهلاك بعض المال قبل الحول، وفيما قدمناه في الوجه الثالث عن العراقيين ما ينازع في هذا.
باب حكم تأخير الزكاة
إذا تم حول المال الذي يشترط في زكاته الحول، وتمكن من الاداء، وجب على الفور كما قدمناه. فإن أخر، عصى ودخل في ضمانه. فلو تلف المال بعد ذلك، لزمه الضمان، سواء تلف بعد مطالبة الساعي أو الفقراء، أو قبل ذلك، ولو تلف بعد الحول وقبل التمكن، فلا شئ عليه. وإن أتلفه المالك، لزمه الضمان. وإن أتلفه أجنبي، بني على ما سنذكره إن شاء الله تعالى، أن التمكن شرط في الوجوب، أو في الضمان، إن قلنا بالاول، فلا زكاة. وإن قلنا بالثاني، وقلنا: الزكاة تتعلق بالذمة، فلا زكاة، وإن قلنا: تتعلق بالعين، انتقل حق المستحقين إلى القيمة، كما إذا قتل العبد الجاني أو المرهون، ينتقل الحق إلى القيمة. فرع إمكان الاداء شرط في الضمان قطعا، وهل هو شرط في الوجوب أيضا ؟ قولان. أظهرهما: ليس بشرط، والثاني: شرط كالصلاة والصوم والحج، واحتجوا للاظهر بأنه لو تأخر الامكان، فابتدأ الحول الثاني، يحسب من تمام الاول، لا من (حصول) الامكان.

(2/82)


فرع الاوقاص التي بين النصب، فيها قولان. أظهرهما: أنها عفو، والفرض يتعلق بالنصاب خاصة، والثاني: ينبسط الفرض عليها وعلى النصاب، فإذا ملك تسعا من الابل، فعلى الاول، عليه شاة في خمس منها، لا بعينها، وعلى الثاني: الشاة واجبة في الجميع. قال إمام الحرمين: الوجه عندي أن تكون الشاة متعلقة بالجميع قطعا، وأن القولين في أن الوقص إنما يجعل وقاية للنصاب، كما يجعل الربح في القراض وقاية لرأس المال، وهذا الذي قاله حسن، لكن المذهب المشهور ما قدمناه. فرع لو تم الحول على خمس من الابل، فتلف واحد قبل التمكن، فلا زكاة للتالف، وأما الاربعة، فإن قلنا: التمكن شرط في الوجوب، فلا شئ فيها، وإن قلنا: للضمان فقط، وجب أربعة أخماس شاة. ولو تلف أربع، فعلى الاول: لا شئ، وعلى الثاني: يجب خمس شاة، ولو ملك ثلاثين من البقر، فتلف خمس قبل الامكان وبعد الحول، فإن قلنا بالاول، فلا شئ، وإن قلنا بالثاني، وجب خمسة أسداس تبيع، ولو تم الحول على تسع من الابل، فتلف أربع قبل التمكن، فإن قلنا: الامكان شرط للوجوب، فعليه شاة، وإن قلنا: للضمان والوقص عفو، فشاة أيضا، وإن قلنا: ينبسط، فالصحيح الذي قطع به الجمهور: يجب خمسة أتساع شاة، وقال أبو إسحق: يجب شاة كاملة. ولو كانت المسألة بحالها، وتلفت خمس، فإن قلنا: الامكان شرط للوجوب، فلا شئ، وإن قلنا: للضمان، وقلنا: الوقص عفو، فأربعة أخماس شاة، وإن قلنا بالبسط، فأربعة أتساع شاة، ولا يجئ وجه أبي إسحق. ولو ملك ثمانين من الغنم، فتلف بعد الحول وقبل التمكن أربعون، فإن قلنا: التمكن شرط للوجوب، أو للضمان والوقص عفو، فعليه شاة، وإن قلنا: بالضمان والبسط، فنصف شاة، وعلى وجه أبي إسحاق: شاة. فرع إمكان الاداء، ليس المراد به مجرد تمكنه من إخراج الزكاة، بل يعتبر معه وجوب الاخراج، وذلك بأن تجتمع شرائطه.

(2/83)


فمنها: أن يكون المال حاضرا عنده، فإن كان غائبا، لم يجب الاخراج من موضع آخر وإن جوزنا نقل الزكاة. ومنها: أن يجد المصروف إليه، وقد تقدم أن الاموال ظاهرة وباطنة، فالباطنة يجوز صرف زكاتها إلى السلطان ونائبه، ويجوز أن يفرقها بنفسه، فيكون واجدا للمصروف إليه، سواء وجد أهل السهمان، أو الامام، أو نائبه، يفرقها، وأما الاموال الظاهرة، فكذلك إن جوزنا تفرقتها بنفسه، وإلا، فلا إمكان حتى يجد الامام أو نائبه، وإذا وجد من يجوز الصرف إليه، فأخر لطلب الافضل، بأن وجد الامام أو نائبه، فأخر ليفرق بنفسه حيث قلنا: إنه أفضل، أو وجد أهل السهمان، فأخر ليدفع إلى الامام أو نائبه، حيث قلنا: إنه أفضل، أو أخر لانتظار قريب أو جار، أو من هو أحوج، ففي التأخير وجهان. أصحهما: جوازه، فعلى هذا لو أخر فتلف، كان ضامنا في الاصح. قال إمام الحرمين: الوجهان لهما شرطان. أحدهما: أن يظهر استحقاق الحاضرين، فإن تردد في استحقاقهم فأخر ليتروى، جاز بلا خلاف، والثاني: أن لا يشتد ضرر الحاضرين وفاقتهم، فإن تضرروا بالجوع، لم يجز التأخير للقريب وشبهه بلا خلاف، وفي هذا الشرط الثاني نظر، فإن إشباعهم لا يتعين على هذا الشخص، ولا من هذا المال، ولا من مال الزكاة. قلت: هذا النظر ضعيف، أو باطل. والله أعلم.

(2/84)


قال صاحب التهذيب وغيره: ويشترط في إمكان الاداء أن لا يكون مشتغلا بشئ يهمه من أمر دينه أو دنياه. فصل في كيفية تعلق الزكاة بالمال قال الجمهور: فيه قولان. القديم: يتعل بالذمة، والجديد الاظهر: بالعين، ويصير المساكين شركاء لرب المال في قدر الزكاة. هكذا صححه الجمهور، وزاد آخرون قولا ثالثا: أنها تتعلق بالعين تعلق الدين بالمرهون، وقولا رابعا: تتعلق بالعين تعلق الارش برقبة الجاني، وممن زاد القولين إمام الحرمين، والغزالي. وأما العراقيون، والصيدلاني، والروياني، والجمهور، فجعلوا قول الذمة وتعلق الدين بالمرهون شيئا واحدا، فقالوا: تتعلق بالذمة، والمال مرتهن بها، وجمع صاحب التتمة بين الطريقين، فحكى وجهين، في أنا إذا قلنا: تتعلق بالذمة، فهل المال خلو، أم هو رهن بها ؟ وإذا قلنا كتعلق الرهن، إما قولا برأسه، وإما جزءا من قول الذمة، فهل يجعل جميع المال مرهونا بها، أم يخص قدر الزكاة بالرهن ؟ وجهان، وكذا إذا قلنا: كتعلق الارش، فهل يتعلق بالجميع، أم بقدرها ؟ فيه الوجهان. قال إمام الحرمين: والتخصيص بقدر الزكاة هو الحق الذي قاله الجمهور، وما عداه هفوة. هذا كله إذا كان الواجب من جنس المال. أما إذا كان من غيره، كالشاة الواجبة في الابل، فطريقان. أحدهما: القطع بتعلقها بالذمة، وأصحهما: أنه على الخلاف السابق، فعلى الاستئناف لا يختلف، وعلى الشركة يشاركون بقيمة الشاة. فرع إذا باع مال الزكاة بعد الحول قبل إخراجها، فإن باع جميعه، فهل يصح البيع في قدر الزكاة ؟ يبنى على الاقوال. فإن قلنا: الزكاة في الذمة والمال خلو

(2/85)


منها، صح، وإن قلنا: مرهون، فقولان. أظهرهما عند العراقيين وغيرهم: يصح أيضا، لان هذه العلقة، تثبت بغير اختيار المالك، وليست لمعين، فسومح فيهد بما لا يسامح به في الرهن، وإن قلنا: بالشركة، فطريقان. أحدهما: القطع بالبطلان، وأصحهما وبه قطع أكثر العراقيين: في صحته قولان. أظهرهما وبه قطع صاحب التهذيب وعامة المتأخرين: البطلان، وإن قلنا: تعلق الارش، ففي صحته القولان في بيع الجاني، فإن صححناه، صار البيع ملتزما للفداء، ومتى حكمنا بالصحة في قدر الزكاة، فما سواه أولى، ومتى حكمنا فيه بالبطلان، فهل يبطل فيما سواه ؟ وأما على قول الشركة ففيما سواه قولا تفريق الصفقة، وإن قلنا: بالاستيثاق في الجميع، بطل البيع في الجميع، وإن قلنا: بالاستيثاق في قدر الزكاة، ففي الزائد قولا تفريق الصفقة، وحيث منعنا البيع، وكان المال ثمرة، فذلك قبل الخرص، فأما بعده، فلا منع إن قلنا: الخرص تضمين. والحاصل من جميع هذا الخلاف، ثلاثة أقوال. أحدها: البطلان في الجميع، والثاني: الصحة في الجميع، وأظهرها: البطلان في قدر الزكاة، والصحة في الباقي. فإن صححنا البيع في الجميع، نظر، إن أدى البائع الزكاة من موضع آخر، فذلك، وإلا فللساعي أن يأخذ من عين المال من يد المشتري قدر الزكاة على جميع الاقوال بلا خلاف. فإن أخذ، انفسخ البيع في قدر الزكاة، وهل ينفسخ في الباقي ؟ فيه الخلاف في تفريق الصفقة في الدوام. فإن قلنا: ينفسخ، استرد الثمن، وإلا فله الخيار إن كان جاهلا، فإن فسخ، فذاك، وإن أجاز في الباقي، فيأخذه بقسطه من الثمن، أم بالجميع ؟ فيه قولان. أظهرهما: بقسطه،

(2/86)


ولو لم يأخذ الساعي الواجب منه، ولم يؤد البائع الزكاة من موضع آخر، فالاصح أن للمشتري الخيار إذا علم الحال، والثاني: لا خيار له. فإن قلنا: بالاصح، فأدى البائع الواجب من موضع آخر، فهل يسقط الخيار ؟ وجهان. الصحيح: أنه يسقط كما لو اشترى معيبا، فزال عيبه قبل الرد، فإنه يسقط، والثاني: لا يسقط، لاحتمال أن يخرج ما دفعه إلى دلساعي مستحقا، فيرجع الساعي إلى عين المال، ويجري الوجهان فيما إذا باع السيد الجاني ثم فداه، هل يبقى للمشتري الخيار ؟ أما إذا أبطلنا البيع في قدر الزكاة، وصححناه في الباقي، فللمشتري الخيار في فسخ البيع في الباقي وإجازته، ولا يسقط خياره بأداء البائع الزكاة من موضع آخر، وإذ أجاز فيجيز بقسطه، أم بجميع الثمن ؟ فيه القولان المقدمان، وقطع بعض الاصحاب، بأنه يجيز بالجميع في المواشي، والصحيح الاول. هذا كله إذا باع جميع المال، فإن باع بعضه، فإن لم يبق قدر الزكاة، فهو كما لو باع الجميع، وإن بقي قدر الزكاة، إما بنية صرفه إلى الزكاة، وإما بغيرها، فإن فرعنا على قول الشركة، ففي صحة البيع وجهان. قال ابن الصباغ: أقيسهما: البطلان، وهما مبنيان على كيفية ثبوت الشركة، وفيها وجهان. أحدهما: أن الزكاة شائعة في

(2/87)


الجميع، متعلقة بكل واحدة من الشياه بالقسط، والثاني: أن محل الاستحقاق قدر الواجب، ويتعين بالاخراج. أما إذا فرعنا على قول الرهن، فيبنى على أن الجميع مرهون، أم قدر الزكاة فقط ؟ فعلى الاول: لا يصح، وعلى الثاني: يصح، وإن فرعنا على تعلق الارش، فإن صححنا بيع الجاني، صح هذا البيع، وإلا، فالتفريع، كالتفريع على قول الرهن، وجميع ما ذكرناه هو في بيع المال الذي * تجب الزكاة في عينه. فأما بيع مال التجارة بعد وجوب الزكاة، فسيأتي في بابها إن شاء الله تعالى. فرع إذا ملك أربعين شاة، فحال عليها الحول، ولم يخرج زكاتها حتى حال آخر، فإن حدث منها في كل حول سخلة فصدعدا، فعليه لكل حول شاة بلا خلاف، وإلا فعليه شاة عن الحول الاول، وأما الثاني: فإن قلنا: تجب الزكاة في الذمة، وكان يملك سوى الغنم ما يفي بشاة، وجب شاة للحول الثاني، وإن لم يملك شيئا غير النصاب، يبنى على أن الدين يمنع وجوب الزكاة، أم لا ؟ إن قلنا: يمنع، لم يجب للحول الثاني شئ، وإلا وجبت شاة، وإن قلنا: يتعلق بالعين تعلق الشركة، لم يجب للحول الثاني شئ، لان المساكين ملكوا شاة نقص بها النصاب، ولا تجب زكاة الخلطة، لان المساكين لا زكاة عليهم، فمخالطتهم كمخالطة المكاتب والذمي، وإن قلنا: يتعلق بالعين تعلق الرهن أو الارش، قال إمام الحرمين: فهو كالتفريع على قول الذمة، وقال الصيدلاني: هو كقول الشركة، وقياس المذهب ما قاله الامام، لكن يجوز أن يفرض خلاف في وجوب الزكاة من جهة تسلط الغير عليه، وإن قلنا: الدين لا يمنع الزكاة، وعلى هذا التقدير يجري الخلاف على قول الذمة، أيضا. ولو ملك خمسا وعشرين من الابل حولين ولا نتاج، فإن علقنا الزكاة بالذمة، وقلنا: الدين لا يمنعها، أو كان له مال آخر يفي بها، فعليه بنتا مخاض، وإن قلنا: بالشركة، فعليه للحول الاول بنت مخاض، وللثاني: أربع شياه، وتفريع الجرش والرهن على قياس ما سبق. ولو ملك خمسا من الابل حولين بلا نتاج، فالحكم كما في الصورتين السابقتين. لكن قد ذكرنا أن من

(2/88)


الاصحاب من لم يثبت قول الشركة إذا كان الواجب من غير جنس الاصل، فعلى هذا يكون الحكم في هذه الصورة مطلقا، كالحكم في الاوليين، تفريعا على قول الذمة، والمذهب وهو اختيار المزني: أنه لا فرق بين أن يكون الواجب من جنس المال أو من غيره، ولهذا يجوز للساعي أن يبيع جزءا من الابل في الشياه، فدل على تعلق الحق بعينها. فرع إذا رهن مال الزكاة، فتارة يرهنه بعد تمام الحول، وتارة قبله، فإن رهنه بعد الحول، فالقول في صحة الرهن في قدر الزكاة كالقول في صحة بيعه، فيعود فيه جميع ما قدمناه، فإذا صححنا في قدر الزكاة، فما زاد أولى، وإن أبطلناه فيه، فالباقي يرتب على البيع. إن صححناه، فالرهن أولى، وإلا فقولا تفريق الصفقة في الرهن إذا جمع حلالا وحراما، فإذا صححنا الرهن في الجميع فلم يؤد الزكاة من موضع آخر، فللساعي أخذها منه. فإذا أخذ، انفسخ الرهن فيه، وفي الباقي الخلاف كما تقدم في البيع، وإذا أبطلناه في الجميع، أو في قدر الزكاة، وكان الرهن مشروطا في بيعه، ففي فساد البيع قولان، فإن لم يفسد، فللمشتري الخيار، ولا يسقط خياره بأداء الزكاة من موضع آخر، أما إذا رهن قبل تمام الحول فتم، ففي وجوب الزكاة خلاف قدمناه، والرهن لا يكون إلا بدين، وفي كون الدين مانعا من الزكاة الخلاف المعروف، فإن قلنا: الرهن لا يمنع الزكاة، وقلنا: الدين لا يمنع أيضا، أو قلنا: يمنع، فكان له مال آخر يفي بالدين، وجبت الزكاة، وإلا فلا. ثم إن لم يملك الراهن مالا آخر، أخذت الزكاة من عين المرهون على الاصح، ولا تؤخذ منه على الثاني. فعلى الاصح: لو كانت الزكاة من غير جنس المال، كالشاة من الابل، بيع جزء من المال فيها، وقيل: الخلاف فيما إذا كان الواجب من غير جنس المال، فإن كان من جنسه، أخذ من المرهون قطعا، ثم إذا أخذت الزكاة من عين المرهون، فأيسر الراهن بعد ذلك، فهل يؤخذ منه قدرها ليكون رهنا عند المرتهن ؟ إن علقنا الزكاة بالذمة، أخذ، وإلا فلا على الاصح. فإذا

(2/89)


قلنا بالاخذ، وكان النصاب مثليا، أخذ المثل، وإلا فالقيمة على قاعدة الغرامات. أما إذا ملك مالا آخر، فالمذهب والذي قطع به الجمهور: أن الزكاة تؤخذ من سائر أمواله، ولا تؤخذ من عين المرهون، وقال جماعة: تؤخذ من عينه إن علقناها بالعين، وهذا هو القياس، كما لا يجب على السيد فداء المرهن إذا جنى.
باب زكاة المعشرات
تجب الزكاة في الاقوات، وهي من الثمار: النخل والعنب، ومن الحبوب: الحنطة والشعير، والارز والعدس، والحمص والباقلاء، والدخن والذرة، واللوبياء والماش، والهرطمان وهو الجلبان. وأما ما سوى الاقوات، فلا تجب الزكاة في معظمها بلا خلاف، وفي بعضها خلاف. فمما لا زكاة فيه بلا خلاف: التين، والسفرجل، والخوخ، والتفاح، والجوز، واللوز، والرمان، وغيرها من الثمار، وكالقطن، والكتان، والسمسم، والاسبيوش،

(2/90)


وهو بزر القطونا، والثفاء وهو حب الرشاد، والكمون، والكزبرة، والبطيخ، والقثاء، والسلق، والجزر، والقنبيط، وحبوبها وبزورها. ومن المختلف فيه: الزيتون. فالجديد المشهور: لا زكاة فيه، والقديم: تجب ببدو صلاحه، وهو نضجه واسوداده، ويعتبر فيه النصاب عند الجمهور، وخرج ابن القطان اعتبار النصاب فيه وفي سائر ما يختص القديم بإيجاب الزكاة فيه على قولين. ثم إن كان الزيتون مما لا يجئ منه الزيت، كالبغدادي، أخرج عشره زيتونا، وإن كان مما يجئ منه الزيت كالشامي، فثلاثة أوجه. الصحيح المنصوص في القديم: أنه إن شاء الزيت، وإن شاء الزيتون، والزيت أولى، والثاني: يتعين الزيت، والثالث: يتعين الزيتون، بدليل أنه يعتبر النصاب بالزيتون دون الزيت بالاتفاق. ومنها: الزعفران، والورس، وهو شجر يخرج شيئا كالزعفران، فلا زكاة

(2/91)


فيهما على الجديد المشهور، وقال في القديم: تجب إن صح الحديث في الورس. فإن أوجبنا فيه، ففي الزعفران قولان، فإن أوجبنا فيهما، فالمذهب: أنه لا يعتبر النصاب، بل تجب في القليل والكثير، وقيل: فيه قولان. ومنها: العسل، لا زكاة فيه على الجديد، وعلق القول فيه على القديم، وقطع أبو حامد وغيره بنفي الزكاة فيه قديما وجديدا. فإن أوجبنا، فاعتبار النصاب كما سبق. ومنها: القرطم وهو حب العصفر، الجديد: لا زكاة فيه، والقديم: تجب. فعلى هذا، المذهب: اعتبار النصاب كسائر الحبوب، وفي العصفر نفسه طريقان. قيل: كالقرطم، وقيل: لا تجب قطعا. ومنها: الترمس، الجديد: لا زكاة فيه، والقديم: تجب. ومنها: حب الفجل، حكى ابن كج وجوب الزكاة فيه على القديم، ولم

(2/92)


أره لغيره. فرع لا يكفي في وجوب الزكاة، كون الشئ مقتاتا على الاطلاق، بل المعتبر أن يقتات في حال الاختيار، فقد يقتات الشئ في حال الضرورة، فلا زكاة فيه، كالفث، وحب الحنظل، وسائر بزور البرية. واختلف في تفسير الفث، فقال المزني وطائفة: هو حب الغاسول، وهو الاشنان، وقال آخرون: هو حب أسود يابس، يدفن فيلين قشره، فيزال ويطحن، ويخبز، تقتاته أعراب طيئ. واعلم أن الائمة ضبطوا ما يجب فيه العشر بقيدين. أحدهما: أن يكون قوتا، والثاني: أن يكون من جنس ما ينبته الآدميون. قالوا: فإن فقد الاول كالاسبيوش، أو الثاني كالفث، أو كلاهما كالثفاء، فلا زكاة، وإنما يحتاج إلى ذكر القيدين من أطلق القيد الاول. فأما من قيده فقال: يكون قوتا في حال الاختيار، فلا يحتاج إلى الثاني، إذ ليس فيما يستنبت إلا ما يقتات اختيارا، واعتبر العراقيون مع القيدين، قيدين آخرين. أحدهما: أن يدخر، والآخر: أن ييبس، ولا حاجة إليهما، فإنهما لازمان لكل مقتات مستنبت. فصل النصاب معتبر في المعشرات، وهو خمسة أوسق، والوسق: ستون صاعا، والصاع: خمسة أرطال وثلث بالبغدادي. فالخمسة، هي ألف وستمائة رطل

(2/93)


بالبغدادي، والاصح عند الاكثرين: أن هذا القدر تحديد، وقيل: تقريب. فعلى التقريب يحتمل نقصان القليل كالرطلين، وحاول إمام الحرمين ضبطه فقال: الاوسق: الاوقار، والوقر المقتصد: ثلاثمائة وعشرون رطلا، فكل نقص لو وزع على الاوسق الخمسة لم تعد منحطة عن حد الاعتدال، لا يضر، وإن عدت منحطة، ضر، وإن أشكل فيحتمل أن يقال: لا زكاة حتى تحقق الكثرة، ويحتمل أن يقال: تجب لبقاء الاوسق. قال: وهذا أظهر. ثم قال إمام الحرمين: الاعتبار فيما علقه الشرع بالصاع والمد بمقدار موزون يضاف إلى الصاع والمد، لا لما يحوي المد ونحوه، وذكر الروياني وغيره: أن الاعتبار بالكيل لا بالوزن، وهذا هو الصحيح. قال أبو العباس الجرجاني: إلا العسل إذا أوجبنا فيه الزكاة، فالاعتبار فيه بالوزن، وتوسط صاحب العدة فقال: هو على التحديد في الكيل، وعلى التقريب في الوزن، وإنما قدره العلماء بالوزن استظهارا. قلت: الصحيح: اعتبار الكيل كما صححه، وبهذا قطع الدارمي، وصنف في هذه المسألة تصنيفا، وسيأتي في إيضاحه زيادة في زكاة الفطر إن شاء الله تعالى، وهناك نذكر الخلاف في قدر رطل بغداد، والاصح: أنه مائة وثمانية وعشرون درهما، وأربعة أسباع درهم. فعلى هذا، الاوسق الخمسة بالرطل الدمشقي: ثلاثمائة واثنان وأربعون رطلا ونصف رطل وثلث رطل وسبعا أوقية. والله أعلم.

(2/94)


فصل لا فرق بين ما تنبته الارض المملوكة والمستأجرة في وجوب العشر، فيجب على مستأجر الارض العشر مع الاجرة، وكذا يجب عليه العشر والخراج في الارض الخراجية. قال أصحابنا: وتكون الارض خراجية في صورتين. إحداهما: أن يفتح الامام بلدة قهرا، ويقسمها بين الغانمين، ثم يعوضهم عنها، ثم يقفها على المسلمين ويضرب عليها خراجا، كما فعل عمر رضي الله عنه بسواد العراق، على ما هو الصحيح فيه. الثانية: أن يفتح بلدح صلحا، على أن تكون الارض للمسلمين، ويسكنها الكفار بخراج معلوم، فالارض تكون فيئا للمسلمين، والخراج عليها أجرة لا تسقط بإسلامهم، وهكذا إذا انجلى الكفار عن بلدة وقلنا: إن الارض تصير وقفا على مصالح المسلمين، يضرب عليها خراجا يؤديه من يسكنها مسلما كان أو ذميا. فأما إذا فتحت صلحا ولم يشرط كون الارض للمسلمين، ولكن سكنوا فيها بخراج، فهذا يسقط بالاسلام، فإنه جزية، وأما البلاد التي فتحت قهرا وقسمت بين الغانمين، وبقيت في أيديهم، وكذا التي أسلم أهلها عليها، والارض التي أحياها المسلمون، فكلها عشرية، وأخذ الخراج منها ظلم. فرع النواحي التي يؤخذ منها الخراج، ولا يعرف كيف كان حالها في

(2/95)


الاصل، حكى الشيخ أبو حامد عن نص الشافعي رحمة الله عليه: أنه يستدام الاخذ منها، فانه يجوز أن يكون الذي فتحها صنع بها كما صنع عمر رضي الله عنه بسواد العراق، والظاهر: أن ما جرى لطول الدهر، جرى بحق. فإن قيل: هل يثبت فيها حكم أرض السواد من امتناع البيع والرهن ؟ قيل: يجوز أن يقال: الظاهر في الاخذ كونه حقا، وفي الايدي الملك، فلا نترك واحدا من الظاهرين، إلا بيقين. فرع الخراج المأخوذ ظلما، لا يقوم مقام العشر، فإن أخذه السلطان على أن يكون بدلا عن العشر، فهو كأخذ القيمة بالاجتهاد، وفي سقوط الفرض به وجهان. أحدهما وبه قطع في التتمة: السقوط، فإن لم يبلغ قدر العشر، أخرج الباقي، وذكر في النهاية: أن بعض المصنفين حكى قريبا من هذا عن أبي زيد واستبعده. قلت: الصحيح: السقوط، ونو نصه في الام وبه قطع جماهير الاصحاب، كالشيخ أبي حامد، والمحاملي، والماوردي، والقاضي أبي الطيب، ومن المتقدمين ابن أبي هريرة، ومنعه أبو إسحق. والله أعلم. فصل ثمار البستان وغلة القرية الموقوفين على المساجد، أو الرباطات، أو القناطر، أو الفقراء، أو المساكين، لا زكاة فيها، إذ ليس لها مالك معين، هذا هو المذهب الصحيح المشهور الذي قطع به الجمهور، ونقل ابن المنذر عن الشافعي رحمه الله تعالى

(2/96)


وجوب الزكاة فيها. فأما الموقوف على جماعة معينين، فتقدم بيانه في باب الخلطة. فصل في الحال الذي يعتبر فيه بلوغ المعشر خمسة أوسق إن كان نخلا أو عنبا، اعتبر تمرا وزبيبا، فإن كان رطبا لا يتخذ منه تمر، فوجهان. أصحهما: يوسق رطبا، والثاني: يعتبر بحالة الجفاف، وعلى هذا وجهان. أحدهما: يعتبر بنفسه بلوغه نصابا وإن كان حشفا، والثاني: بأقرب الارطاب إليه، وهذا إذا كان يجئ منه تمر ردئ، فأما إذا كان يفسد بالكلية، فيقتصر على الوجه الاصح، وهو توسيقه رطبا. والعنب الذي لا يتزبب، كالرطب الذي لا يتتمر، ولا خلاف في ضم ما لا يجفف منهما إلى ما يجفف في تكميل النصاب. ثم في أخذ الواجب من الذي لا يجفف إشكال ستعرفه مع الخلاص منه في مسألة إصابة النخل العطش إن شاء الله تعالى. وأما الحبوب، فيعتبر بلوغها نصابا بعد التصفية من التبن، ثم قشورها أضرب. أحدها: قشر لا يدخر الحب فيه، ولا يؤكل معه، فلا يدخل في النصاب، والثاني: قشر يدخر الحب فيه، ويؤكل معه كالذرة، فيدخل القشر في الحساب، فإنه طعام وإن كان قد يزال كما تقشر الحنطة. وفي دخول القشرة السفلى من الباقلاء في الحساب، وجهان. قال في العدة: المذهب لا يدخل الثالث: قشر يدخر الحب فيه ولا يؤكل معه، فلا يدخل في حساب النصاب، ولكن يؤخذ الواجب فيه كالعلس والارز. أما العلس، فقال الشافعي رحمه الله عنه في الام: يبقى بعد دياسه على كل حبتين منه كمام لا يزول إلا بالرحى الخفيفة، أو بمهراس، وإدخاره في ذلك الكمام أصلح له، وإذا أزيل، كان

(2/97)


الصافي نصف المبلغ، فلا يكلف صاحبه إزالة ذلك الكمام عنه، ويعتبر بلوغه بعد الدياس عشرة أوسق ليكون الصافي منه خمسة. وأما الارز، فيدخر أيضا مع قشره، فإنه أبقى له، ويعتبر بلوغه مع القشر عشرة أوسق كالعلس، وعن الشيخ أبي حامد: أنه قد يخرج منه الثلث، فيعتبر بلوغه قدرا يكون الخارج منه نصابا. فصل لا يضم التمر إلى الزبيب في إكمال النصاب، ويضم أنواع التمر بعضها إلى بعض، وأنواع الزبيب بعضها إلى بعض، ولا تضم الحنطة إلى الشعير، ولا سائر أجناس الحبوب بعضها إلى بعض، ويضم العلس إلى الحنطة، لانه نوع منها، وأكمته يحوي الواحد منها حبتين، وإذا نحيت الاكمة، خرجت الحنطة الصافية، وقبل التنحية إذا كان له وسقان من العلس، وأربعة حنطة، تم نصابه. فلو كانت الحنطة ثلاثة أوسق، لم يتم النصاب إلا بأربعة أوسق علسا، وعلى هذا القياس. وأما السلت، فقال العراقيون وصاحب التهذيب: هو حب يشبه الحنطة في اللون والنعومة، والشعير في برودة الطبع، وعكس الصيدلاني وآخرون فقالوا: هو في صورة الشعير، وطبعه حار كالحنطة. قلت: الصحيح، بل الصواب ما قاله العراقيون، وبه قطع جماهير الاصحاب، وهو الذي ذكره أهل اللغة. والله أعلم. ثم فيه ثلاثة أوجه. أصحها، وهو نصه في البويطي: أنه أصل بنفسه لا يضم إلى غيره، والثاني: يضم إلى الحنطة، والثالث: إلى الشعير.

(2/98)


فرع تقدم في الخلطة خلاف في ثبوتها في الثمار والزروع، وأنها إن ثبتت، فهل تثبت خلطتا الشيوع والجوار، أم الشيوع فقط، والمذهب ثبوتهما معا ؟ فإن قلنا: لا تثبتان، لم يكمل ملك رجل بملك غيره في إتمام النصاب، وإن أثبتناهما، كمل بملك الشريك والجار. ولو مات إنسان وخلف ورثة، ونخيلا مثمرة أو غير مثمرة، وبدا الصلاح في الحالين في ملك الورثة، فإن قلنا: لا تثبت الخلطة في الثمار، فحكم كل واحد منقطع عن غيره، فمن بلغ نصيبه نصابا، زكى، ومن لا، فلا، وسواء اقتسموا، أم لا. وإن قلنا: نثبت، قال الشافعي رحمه الله: إن اقتسموا قبل بدو الصلاح، زكوا زكاة الانفراد، فمن لم يبلغ نصيبه نصابا، فلا شئ عليه، وهذا إذا لم تثبت خلطة الجوار، أو أثبتناها وكانت متباعدة. أما إذا كانت متجاورة وأثبتناها، فيزكون زكاة الخلطة، كما قبل القسمة، وإن اقتسموا بعد بدو الصلاح، زكوا زكاة الخلطة، لاشتراكهم حالة الوجوب. ثم هنا اعتراضان. أحدهما للمزني قال: القسمة بيع، وبيع الربوي بعضه ببعض جزافا لا يجوز، وبيع الرطب على رؤوس النخل بالرطب بيع جزاف، وأيضا فبيع الرطب بالرطب عند الشافعي لا يجوز بحال. أجاب الاصحاب بجوابين. أحدهما: قالوا: الامر على ما ذكر إن قلنا: القسمة بيع، ولكن فرع الشافعي رحمه الله على القول الآخر أنها إفراز الثاني، وإن قلنا: القسمة بيع، فتتصور القسمة هنا من وجوه. منها: أن يكون بعض النخيل مثمرا، وبعضها غير مثمر، فيجعل هذا هما، وذاك سهما، ويقسمه قسمة تعديل، فيكون بيع نخيل ورطب بنخل متمحض، وذلك جائز. ومنها: أن تكون التركة نخلتين، والورثة شخصين، اشترى أحدهما نصيب صاحبه من إحدى النخلتين أصلها وثمرها بعشرة دراهم، وباع نصيبه من الاخرى لصاحبه بعشرة، وتقاصا. قال الاصحاب: ولا يحتاج إلى شرط القطع وإن كان قبل بدو الصلاح، لان المبيع جزء شائع من الثمرة والشجرة معا، فصار كما لو باعها كلها بثمرتها صفقة، وإنما يحتاج إلى شرط القطع إذا أفرد الثمرة بالبيع.

(2/99)


ومنها: أن يبيع كل واحد نصيبه من ثمرة إحدى النخلتين بنصيب صاحبه من جذعها، فيجوز بعد بدو الصلاح، ولا يكون ربا، ولا يجوز قبل بدوه إلا بشرط القطع، لانه بيع ثمرة تكون للمشتري على جذع البائع. وقال بعض الاصحاب: قسمة الثمار بالخرص تجوز على أحد القولين. قال: والذي ذكره الشافعي هنا تفريع على ذلك القول. ولك أن تقول: هذا يدفع إشكال البيع جزافا، ولا يدفع إشكال منع بيع الرطب بالرطب. الاعتراض الثاني: قال العراقيون: جواز القسمة قبل إخراج الزكاة، هو بناء على أن الزكاة في الذمة. فإن قلنا: إنها تتعلق بالعين، لم تصح القسمة. واعلم أنه يمكن تصحيح القسمة مع التفريع على قول العين، بأن تخرص الثمار عليهم، ويضمنوا حق المساكين، فلهم التصرف بعد ذلك، وأيضا فإنا حكينا في قول البيع قولين تفريعا على التعلق بالعين، فكذلك القسمة إن جعلناها بيعا، وإن قلنا: إفراز، فلا منع، وجميع ما ذكرناه إذا لم يكن على الميت دين، فإن مات وعليه دين، وله نخيل مثمرة، فبدا الصلاح فيها بعد موته وقبل أن تباع، فالمذهب والذي قطع به الجمهور: وجوب الزكاة على الورثة، لانها ملكهم ما لم تبع في الدين، وقيل: قولان. أظهرهما: هذا، والثاني: لا تجب لعدم استقرار الملك في الحال، ويمكن بناؤه على الخلاف في أن الدين هل يمنع الارث، أم لا ؟ فعلى المذهب: حكمهم في كونهم يزكون زكاة خلطة، أم انفراد ؟ على ما سبق إذا لم يكن دين. ثم إن كانوا موسرين، أخذت الزكاة منهم، وصرفت النخيل والثمار إلى

(2/100)


دين الغرماء، وإن كانوا معسرين، فطريقان. أحدهما: أنه على الخلاف في أن الزكاة تتعلق بالذمة، أم بالعين ؟ إن قلنا: بالذمة والمال مرهون بها، خرج على الاقوال الثلاثة في اجتماع حق الله تعالى وحق الآدمي. فإن سوينا، وزعنا المال على الزكاة والغرماء، وإن قلنا: بالعين، أخذت، سواء قلنا: تعلق الارش، أو تعلق الشركة. والطريق الثاني وهو الاصح: تؤخذ الزكاة بكل حال لشدة تعلقها بالمال. ثم إذا أخذت من العين ولم يف الباقي بالدين، غرم الورثة قدر الزكاة لغرماء الميت إذا أيسروا، لان وجوب الزكاة عليهم، وبسببه خرج ذلك القدر عن الغرماء. قال صاحب التهذيب: هذا إذا قلنا: الزكاة تتعلق بالذمة. فإن علقناها بالعين، لم يغرموا كما ذكرنا في الرهن. أما إذا كان إطلاع النخل بعد موته، فالثمرة محض حق الورثة، لا تصرف إلى دين الغرماء، إلا إذا قلنا بالضعيف: إن الدين يمنع الارث، فحكمها كما لو حدثت قبل موته. فصل لا تضم ثمرة العام الثاني إلى ثمرة العام الاول في إكمال النصاب بلا خلاف وإن فرض إطلاع ثمرة العام الثاني قبل جداد ثمرة الاول. ولو كانت له نخيل تحمل في العام الواحد مرتين، لم يضم الثاني إلى الاول. قال الاصحاب: هذا لا يكاد يقع في النخل والكرم، لانهما لا يحملان في السنة حملين، وإنما يقع ذلك في التين وغيره مما لا زكاة فيه، ولكن ذكر الشافعي رحمه الله المسألة بيانا لحكمها لو تصورت. ثم إن القاضي ابن كج فصل فقال: إن أطلعت النخل الحمل الثاني بعد جداد الاول، فلا يضم، وإن أطلعت قبل جداده وبعد بدو الصلاح، ففيه الخلاف الذي سنذكره إن شاء الله تعالى في حمل نخلتين، وهذا الذي قاله، لا يخالف إطلاق الجمهور عدم الضم، لان السابق إلى الفهم من الحمل الثاني، هو الحادث بعد جداد الاول. ولو كان له نجيل أو أعناب يختلف إدراك ثمارها في العام، لاختلاف أنواعها أو بلادها، فإن أطلع المتأخر قبل بدو صلاح الاول، ضم إليه، وإن أطلع بعد جداد الاول، فوجهان. قال ابن كج وأصحاب القفال: لا يضم، وقال أصحاب الشيخ أبي حامد: يضم، وفي ظاهر نص الشافعي ما يدل لهم.

(2/101)


قلت: هذا هو الراجح، ورجحه في المحرر. والله أعلم. وإن كان إطلاعه قبل جداد الاول وبعد بدو صلاحه، فإن قلنا: فيما بعد الجداد يضم، فهنا أولى، وإلا فوجهان. أصحهما في التهذيب: لا يضم، وإذا قلنا بقول أصحاب القفال، فهل يقام وقت الجداد مقام الجداد ؟ وجهان. أوفقهما: يقام، فإن الثمار بعد وقت الجداد كالمجدودة، ولهذا لو أطلعت النخلة للعام الثاني وعليها بعض ثمرة الاول، لم يضم قطعا. فعلى هذا قال إمام الحرمين: لجداد الثمار أول وقت ونهاية يكون ترك الثمار إليها أولى، وتلك النهاية هي المعتبرة. فرع: من مواضع اختلاف إدراك الثمر نجد، وتهامة. فتهامة حارة يسرع إدراك الثمرة بها، بخلاف نجد، فإذا كانت لرجل نخيل تهامية، ونخيل نجدية، فأطلعت التهامية ثم النجدية لذلك العام، واقتضى الحال ضم النجدية إلى التهامية على ما سبق بيانه، فضمها ثم أطلعت التهامية ثمرة أخرى، فلا يضم ثمرة هذه المرة إلى النجدية. وإن أطلعت قبل بدو صلاحها، لانا لو ضممناها إلى النجدية، لزم ضمها إلى التهامية الاولى، وذلك لا يجوز. هكذا ذكره الاصحاب. قال الصيدلاني وإمام الحرمين: ولو لم تكن النجدية مضمومة إلى التهامية الاولى، بأن أطلعت بعد جدادها، ضممنا التهامية الثانية إلى النجدية، لانه لا يلزم المحذور الذي ذكرناه، وهذا الذي قالاه قد لا يسلمه سائر الاصحاب، لانهم حكموا بضم ثمرة العام الواحد بعضها إلى بعض، وبأنه لا تضم ثمرة عام إلى ثمرة عام آخر، والتهامية الثانية حمل عام آخر. فصل لا يضم زرع عام إلى زرع عام آخر، في إكمال النصاب واختلاف أوقات الزراعة، لضرورة التدريج، كالذي يبتدئ الزراعة، ويستمر فيها شهرا أو شهرين، لا يقدح، بل يعد زرعا واحدا، ويضم قطعا. ثم الشئ قد يزرع

(2/102)


في السنة مرارا، كالذرة تزرع في الخريف، والربيع، والصيف، ففي ضم بعضها إلى بعض عشرة أقوال، أكثرها منصوصة، وأرجحها عند الاكثرين: إن وقع الحصادان في سنة واحدة، ضم، وإلا فلا. الثاني: إن وقع الزرعان في سنة، ضم، وإلا فلا، ولا يؤثر اختلاف الحصاد واتفاقه. والثالث: إن وقع الزرعان والحصادان في سنة، ضم، وإلا فلا. واجتماعهما في سنة: أن يكون بين زرع الاول وحصد الثاني، أقل من اثني عشر شهرا عربية. كذا قاله صاحب النهاية والتهذيب. والرابع: إن وقع الزرعان والحصادان، أو زرع الثاني وحصد الاول في سنة، ضم، وهذا بعيد عند الاصحاب. والخامس: الاعتبار بجميع السنة أحد الطرفين، إما الزرعين، وإما الحصادين. والسادس: إن وقع الحصادان في فصل واحد، ضم، وإلا فلا. والسابع: إن وقع الزرعان في فصل، ضم، وإلا فلا. والثامن: إن وقع الزرعان والحصادان في فصل واحد، ضم، وإلا فلا، والمراد بالفصل: أربعة أشهر. والتاسع: أن المزروع بعد حصد الاول، لا يضم كحملي الشجرة، والعاشر خرجه أبو إسحق: أن ما يعد زرع سنة، يضم، ولا أثر لاختلاف الزرع والحصاد. قال: ولا أعني بالسنة اثني عشر شهرا، فان الزرع لا يبقى هذه المدة، وإنما أعني بها ستة أشهر إلى ثمانية. هذا كله إذا كان زرع الثاني بعد حصد الاول، فلو كان زرع الثاني بعد اشتداد حب الاول، فطريقان. أصحهما: أنه على هذا الخلاف، والثاني: القطع بالضم لاجتماعهما في الحصول في الارض. ولو وقع الزرعان معا، أو على التواصل المعتاد، ثم أدرك أحدهما والثاني بقل لم ينعقد

(2/103)


حبه، فطريقان. أصحهما: القطع بالضم، والثاني: على الخلاف، لاختلافهما في وقت الوجوب، بخلاف ما لو تأخر بدو الصلاح في بعض الثمار، فإنه يضم إلى ما بدا فيه الصلاح قطعا، لان الثمرة الحاصلة، هي متعلق الزكاة بعينها، والمنتظر فيها صفة الثمرة، وهنا متعلق الزكاة الحب، ولم يخلق بعد، والموجود حشيش محض. فرع قال الشافعي رضي الله عنه: الذرة تزرع مرة فتخرج فتحصد، ثم تستخلف في بعض المواضع، فتحصد أخرى، فهو زرع واحد وإن تأخرت حصدته الاخرى. واختلف أصحابنا في مراده على ثلاثة أوجه. أحدها: مراده إذا سنبلت واشتدت، فانتثر بعض حباتها بنفسها، أو بنقر العصافير، أو بهبوب الرياح، فنبتت الحبات المنتثرة في تلك السنة مرة أخرى وأدركت، والثاني: مراده إذا نبتت والتقت، وعلا بعض طاقاتها فغطى البعض، وبقي المغطى مخضرا تحت العالي، فإذا حصد العالي أثرت الشمس في المخضر، فأدرك، والثالث: مراده الذرة الهندية، تحصد سنابلها، وتبقى سوقها، فتخرج سنابل أخر. ثم اختلفوا في الصور الثلاث بحسب اختلافهم في المراد بالنص، واتفق الجمهور على أن ما نص عليه، قطع منه بالضم، وليس تفريعا على بعض الاقوال السابقة في الفرع الماضي. فذكروا في الصورة الاولى طريقين. أحدهما: القطع بالضم، والثاني: أنه على الاقوال في الزرعين المختلفين في الوقت، ومقتضى كلام الغزالي والبغوي، ترجيح هذا. وفي الصورة الثانية أيضا طريقان. أصحهما: القطع بالضم، والثاني: على الخلاف. وفي الثالث: طرق. أصحها: القطع بالضم، والثاني: القطع بعدم الضم، والثالث: على الخلاف. فصل يجب فيما سقي بماء السماء من الثمار والزروع العشر، وكذا

(2/104)


البقل، وهو الذي يشرب بعروقه لقربه من الماء، وكذا ما يشرب من ماء ينصب إليه من جبل، أو نهر، أو عين كبيرة، ففي هذا كله العشر، وما سقي بالنضح، أو الدلاء، أو الدواليب، ففيه نصف العشر، وكذا ما سقي بالدالية وهي المنجنون يديرها البقر، وما سقي بالناعور وهو ما يديره الماء بنفسه. وأما القنوات والسواقي المحفورة من النهر العظيم، ففيها العشر كماء السماء. هذا هو المذهب المشهور الذي قطع به طوائف الاصحاب من العراقيين وغيرهم، وادعى إمام الحرمين، اتفاق الائمة عليه، لان مؤنة القنوات، إنما تتحمل لاصلاح الضيعة، والانهار تشق لاحياء الارض، وإذا تهيأت، وصل الماء إلى الزرع بنفسه مرة بعد أخرى، بخلاف النواضح ونحوها، فمؤنتها فيها لنفس الزرع، ولنا وجه أفتى به أبو سهل الصعلوكي: أنه يجب نصف الشعر في السقي بماء القناة، وقال صاحب التهذيب: إن كانت القناة أو العين كثيرة المؤنة، بأن لا تزال تنهار وتحتاج إلى إحداث حفر، وجب نصف العشر. وإن لم يكن لها مؤنة أكثر من مؤنة الحفر الاول، وكسحها في بعض الاوقات، فالعشر، والمذهب ما قدمناه. فرع قال القاضي ابن كج: لو اشترى الماء، كان الواجب نصف العشر، وكذا لو سقاه بماء مغصوب، لان عليه ضمانه، وهذا حسن جار على كل مأخذ، فإنه لا يتعلق بصلاح الضيعة، بخلاف القناة. ثم حكى ابن كج عن ابن القطان

(2/105)


وجهين فيما لو وهب له الماء، ورجح إلحاقه بالمغصوب للمنة العظيمة، وكما لو علف ماشيته بعلف موهوب. قلت: الوجهان إذا قلنا: لا تقتضي الهبة ثوابا. صرح به الدارمي، قال: فإن قلنا: تقتضيه، فنصف العشر قطعا. والله أعلم. فرع إذا اجتمع في الزرع الواحد السقي بماء السماء والنضح، فله حالان. أحدهما: أن يزرع عازما على السقي بهما، ففيه قولان. أظهرهما: يقسط الواجب عليهما، فإن كان ثلثا السقي بماء السماء، والثلث بالنضح، وجب خمسة أسداس العشر. ولو سقي على التساوي، وجب ثلاثة أرباع العشر، والثاني: الاعتبار بالاغلب، فإن كان ماء السماء أغلب، وجب العشر، وإن غلب النضح، فنصف العشر، فإن استويا، فوجهان. أصحهما: يقسط كالقول الاول، وبهذا قطع الاكثرون، والثاني: يجب العشر، نظرا للمساكين. ثم سواء قسطنا، أو اعتبرنا الاغلب، فالنظر إلى ماذا ؟ وجهان. أحدهما: النظر إلى عدد السقيات، والمراد: السقيات النافعة دون ما لا ينفع. والثاني وهو أوفق لظاهر النص: الاعتبار بعيش الزرع أو الثمر ونمائه، وعبر بعضهم عن هذا الثاني بالنظر إلى النفع، وقد تكون السقية الواحدة أنفع من سقيات كثيرة. قال إمام الحرمين: والعبارتان متقاربتان، إلا أن صاحب الثانية لا ينظر إلى المدة، بل يعتبر النفع الذي يحكم به أهل الخبرة، وصاحب الاولى يعتبر المدة. واعلم أن اظتبار المدة هو الذي قطع به الاكثرون، تفريعا على الوجه الثاني، وذكروا في المثال: أنه لو كانت المدة من يوم الزرع إلى يوم الادراك ثمانية أشهر، واحتاج في ستة أشهر زمن الشتاء والربيع إلى سقيتين، فسقى بماء السماء، وفي شهرين من الصيف إلى ثلاث سقيات، فسقى بالنضح، فإن اعتبرنا عدد

(2/106)


السقيات، فعلى قول التوزيع: يجب خمسا العشر وثلاثة أخماس نصف العشر، وعلى اعتبار الاغلب: يجب نصف العشر، وإن اعتبرنا المدة، فعلى قول التوزيع: يجب ثلاثة أرباع العشر وربع نصف العشر، وعلى اعتبار الاغلب: يجب العشر. ولو سقي بماء السماء والنضح جميعا، وجهل المقدار، وجب ثلاثة أرباع العشر على الصحيح الذي قطع به الجمهور، وحكى ابن كج وجها: أنه يجب نصف العشر، لان الاصل براءة الذمة مما زاد. الحال الثاني: أن يزرع ناويا السقي بأحدهما، ثم يقع الآخر، فهل يستصحب حكم ما نواه أولا، أم يتغير الحكم ؟ وجهان. أصحهما: الثاني. ثم في كيفية اعتبارهما، الخلاف المتقدم. فرع لو اختلف المالك والساعي في أنه بماذا سقى ؟ فالقول قول المالك، لان الاصل عدم وجوب الزيادة. فرع لو سقى زرعا بماء السماء، وآخر بالنضح، ولم يبلغ واحد منهما نصابا، ضم أحدهما إلى الآخر لتمام النصاب وإن اختلف قدر الواجب. فصل إذا كان الذي يملكه من الحبوب والثمار نوعا واحدا، أخذت منه الزكاة، فإن أخرج أعلى منه أخزأه، ودونه لا يجوز. وإن اختلفت أنواعه، فإن لم يتعسر أخذ الواجب من كل نوع بالحصة، أخذ بالحصة، بخلاف نظيره في المواشي، فقد قدمنا فيه خلافا، لان التشقيص محذور في الحيوان، دون الثمار، وطرد ابن كج القولين هنا، والمذهب: الفرق. فإن عسر أخذ الواجب من كل نوع، بأن كثرت وقل ثمرها، ففيه أوجه. الصحيح: أنه يخرج من الوسط رعاية للجانبين، والثاني: يؤخذ من كل نوع بقسطه، والثالث: من الغالب، وقيل: يؤخذ الوسط قطعا. وإذا قلنا بالوسط، فتكلف وأخرج من كل نوع بقسطه، جاز،

(2/107)


ووجب على الساعي قبوله. فرع إذا حضر الساعي لاخذ العشر، كيل لرب تسعة، وأخذ الساعي العاشر، وإنما بدأ بالمالك، لان حقه أكثر، وبه يعرف حق المساكين. فإن كان الواجب نصف العشر، كيل لرب المال تسعة عشر، ثم للساعي واحد، وإن كان ثلاثة أرباع العشر، كيل للمالك سبعة وثلاثون، وللساعي ثلاثة، ولا يهز المكيال، ولا يزلزل، ولا توضع اليد فوقه، ولا يمسح، لان ذلك يختلف، بل يصب فيه ما يحتمله، ثم يفرغ. فصل وقت وجوب زكاة النخل والعنب، الزهو، وهو بدو الصلاح. ووقت الوجوب في الحبوب، اشتدادها، هذا هو المذهب والمشهور. وحكي قول: أن وقت الوجوب الجفاف والتصفية، ولا يتقدم الوجوب على الامر بالاداء، وقول قديم: أن الزكاة تجب عند فعل الحصاد. ثم الكلام في معنى بدو الصلاح، وأن بدو الصلاح في البعض كبدوه في الجميع على ما هو مذكور في كتاب البيع. ولا يشترط تمام اشتداد الحب، كما لا يشترط تمام الصلاح في الثمار. ويتفرع على المذهب: أنه لو اشترى نخيلا مثمرة، أو ورثها قبل بدو الصلاح، ثم بدا، فعليه الزكاة. ولو اشترى بشرط الخيار، فبدا الصلاح في زمن الخيار، فإن قلنا: الملك للبائع، فعليه الزكاة وإن تم البيع، وإن قلنا: للمشتري، فعليه الزكاة وإن فسخ، وإن قلنا: موقوف، فالزكاة موقوفة، ولو باع المسلم النخلة المثمرة قبل بدو الصلاح لذمي أو مكاتب، فبدا الصلاح في ملكه، فلا زكاة على أحد. فلو عاد إلى ملك المسلم بعد بدو الصلاح، ببيع مستأنف، أو بهبة، أو تقايل، أو رد بعيب، فلا زكاة عليه، لانه لم يكن في ملكه حال الوجوب.

(2/108)


ولو باع النخيل لمسلم قبل بدو الصلاح، فبدا في ملك المشتري، ثم وجد بها عيبا، فليس له الرد إلا برضى البائع، لتعلق الزكاة بها، وهو كعيب حدث في يده، فإن أخرج المشتري الزكاة من نفس الثمرة، أو من غيرها، فحكمه على ما ذكرنا في الشرط الرابع من زكاة النعم. أما إذا باع الثمرة وحدها قبل بدو الصلاح، فلا يصح البيع إلا بشرط القطع، فإن شرطه ولم يتفق القطع حتى بدا الصلاح، فقد وجب العشر. ثم ينظر، فإن رضيا بإبقائها إلى أوان الجداد، جاز، والعشر على المشتري، وحكي قول: أنه ينفسخ البيع، كما لو اتفقا على الابقاء عند البيع، والمشهور الاول. وإن لم يرضيا بالابقاء، لم تقطع الثمرة، لان فيه إضرارا بالمساكين. ثم فيه قولان. أحدهما: ينفسخ البيع لتعذر إمضائه. وأظهرهما: لا ينفسخ، لكن إن لم يرض البائع بالابقاء، يفسخ، وإن رضي به، وأبى المشتري إلا القطع، فوجهان. أحدهما: يفسخ، وأصحهما: لا يفسخ. ولو رضي البائع ثم رجع، كان له ذلك، لان رضاه إعارة، وحيث قلنا: يفسخ البيع، ففسخ، فعلى من تجب الزكاة ؟ قولان. أحدهما: على البائع، وأظهرهما: على المشتري كما لو فسخ بعيب، فعلى هذا لو أخذ الساعي من عين الثمرة، رجع البائع على المشتري. فرع إذا قلنا بالمذهب: إن بدو الصلاح واشتداد الحب وقت الوجوب، لم يكلف الاخراج في ذلك الوقت، لكن ينعقد سببا لوجوب الاخراج إذا صار تمرا أو زبيبا أو حبا مصفى، وصار للفقراء في الحال حق يدفع إليهم، إجزاء، فلو أخرج الرطب في الحال، لم يجز، فلو أخذ الساعي الرطب، لم يقع الموقع ووجب رده إن كان باقيا، وإن تلف، فوجهان. الصحيح الذي قطع به الاكثرون ونص عليه الشافعي رحمة الله عليه: أنه يرد قيمته، والثاني: يرد مثله. والخلاف مبني على

(2/109)


أن الرطب والعنب مثليان، أم لا ؟ ولو جف عند الساعي، فإن كان قدر الزكاة، أجزأ، وإلا رد التفاوت، أو أخذه، كذا قاله العراقيون، والاولى: وجه آخر ذكره ابن كج: أنه لا يجزئ بحال، لفساد القبض من أصله، ومؤونة تجفيف الثمر، وجداده، وحصاد الحب، وتصفيته، تكون من خلاص مال المالك لا يحسب شئ منها من مال الزكاة، وجميع ما ذكرنا، هو في الرطب الذي يجئ منه تمر، فإن كان لا يجئ شئ منه، فسيأتي بيانه إن شاء الله تعالى. فصل خرص الرطب والعنب اللذين تجب فيهما الزكاة، مستحب. ولنا وجه شاذ حكاه صاحب البيان عن حكاية الصيمري: أنه واجب، ولا يدخل الخرص في الزرع. ووقت خرص الثمرة بدو الصلاح، وصفته أن يطوف بالنخلة ويرى جميع عناقيدها ويقول: خرصها كذا رطبا، ويجئ منه من التمر كذا، ثم يفعل بالنخلة الاخرى كذلك، وكذا باقي الحديقة. ولا يقتصر على رؤية البعض وقياس الباقي، لانها تتفاوت، وإنما تخرص رطبا ثم تمرا، لان الارطاب تتفاوت، فإن اتحد النوع، جاز أن يخرص الجميع رطبا، ثم تمرا، ثم المذهب الصحيح المشهور: أنه يخرص جميع النخل، وحكي قول قديم: أنه يترك للمالك نخلة أو نخلات يأكلها أهله، ويختلف ذلك باختلاف حال الرجل في كثرة عياله وقلتهم. قلت: هذا القديم، نص عليه أيضا في البويطي ونقله البيهقي عن نصه في البويطي والبيوع والقديم. والله أعلم. فرع هل يكفي خارص، أم لا بد من خارصين ؟ فيه

(2/110)


طريقان. أحدهما: القطع بخارص، وبه قال ابن سريج والاصطخري، وأصحهما: على ثلاثة أقوال. أظهرها: واحد، والثاني: لا بد من اثنتين، والثالث: إن خرص على صبي أو مجنون أو غائب، فلا بد من اثنين، وإلا كفى واحد، وسواء اكتفينا بواحد، أم اشترطنا اثنين، فشرط الخارص كونه مسلما عدلا، عالما بالخرص. وأما اعتبار الذكورة والحرية، فقال صاحب العدة: إن اكتفينا بواحد، اعتبرا، وإلا جاز عبد وامرأة، وذكر الشاشي في اعتبار الذكورة وجهين مطلقا. ولك أن تقول: إن اكتفينا بواحد، فسبيله سبيل الحكم، فتشترط الحرية والذكورة، وإن اعتبرنا اثنين، فسبيله سبيل الشهادات، فينبغي أن تشترط الحرية، وأن تشترط الذكورة في أحدهما، وتقام امرأتان مقام الآخر. قلت: الاصح: اشتراط الحرية والذكورة، وصححه في المحرر ولو اختلف الخارصان، توقفنا حتى يتبين المقدار منهما، أو من غيرهما. قاله الدارمي، وهو ظاهر. والله أعلم. فرع هل الخرص عبرة، أو تضمين ؟ قولان. أظهرهما: تضمين، ومعناه: ينقطع حق المساكين من عين الثمرة، وينتقل إلى ذمة المالك.

(2/111)


والثاني: عبرة، ومعناه: أنه مجرد اعتبار للقدر، ولا يضر حق المساكين في ذمة المالك. وفائدته على هذا، جواز التصرف كما سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى. ومن فوائده أيضا: لو أتلف المالك الثمار، أخذت منه الزكاة بحساب ما خرص، ولولا الخرص لكان القول قوله في ذلك. فإذا قلنا: عبرة، فضمن الخارص للمالك، حق المساكين تضمينا صريحا وقبله المالك، كان لغوا، ويبقى حقهم على ما كان. وإذا قلنا: تضمين، فهل نفس الخرص تضمين، أم لا بد من تصريح الخارص بذلك ؟ فيه طريقان. أحدهما: على وجهين. أحدهما: نفسه تضمين، والثاني: لا بد من التصريح. قال إمام الحرمين: وعلى هذا فالذي أراه: أنه يكفي تضمين الخارص، ولا يحتاج إلى قبول المالك. والطريق الثاني وهو المذهب الذي عليه الاعتماد وقطع به الجمهور: أنه لا بد من التصريح بالتضمين وقبول المالك، فإن لم يضمنه أو ضمنه، فلم يقبل المالك، بقي حق المساكين على ما كان، وهل يقوم وقت الخرص مقام الخرص ؟ إن قلنا: لا بد من التصريح بالتضمين، لم يقم، وإلا، فوجهان. قلت: الاصح: لا يقوم. والله أعلم. فرع إذا أصابت الثمار آفة سماوية، أو سرقت في الشجرة، أو في الجرين قبل الجفاف، فإن تلف الجميع، فلا شئ على المالك باتفاق الاصحاب لفوات الامكان، والمراد إذا لم يقصر. فأما إذا أمكن الدفع، فأخر، أو وضعها في غير حرز، فانه يضمن. وإن تلف بعض الثمار، فإن كان الباقي نصابا، زكاه، وإن كان قبل دونه، بني على أن الامكان شرط في الوجوب، أو للضمان. فإن قلنا بالاول، فلا شئ، وإلا زكى الباقي بحصته. أما إذا أتلف المالك الثمرة أو أكلها، فإن كان قبل بدو الصلاح، فلا زكاة، لكنه مكروه إن قصد الفرار منها، وإن قصد الاكل أو التخفيف عن الشجرة، أو غرضا آخر، فلا كراهة، وإن كان بعد الصلاح، ضمن للمساكين. ثم له حالان.

(2/112)


أحدهما: أن يكون ذلك بعد الخرص. فإن قلنا: الخرص تضمين، ضمن لهم عشر الثمن، لانه ثبت في ذمته بالخرص، وإن قلنا: عبرة، فهل يضمن عشر الرطب، أو قيمة عشره ؟ فيه وجهان بناء على أنه مثلي، أم لا ؟ والصحيح الذي قطع به الاكثرون: عشر القيمة. الحال الثاني: أن يكون الاتلاف قبل الخرص، فيعزر، والواجب ضمان الرطب، إن قلنا: لو جرى الخرص لكان عبرة. وإن قلنا: تضمين، فوجهان. أصحهما: ضمان الرطب، والثاني: التمر. ولنا وجه: أنه يضمن في هذه الحال أكثر الامرين من عشر الثمن، وقيمة عشر الرطب. والحالان مفروضان في رطب يجئ منه تمر، وعنب يجئ منه زبيب. فإن لم يكن كذلك، فالواجب في الحالين ضمان الرطب بلا خلاف. فرع تصرف المالك فيما خرص عليه بالبيع والاكل وغيرهما، مبني على قولي التضمين، والعبرة. فإن قلنا: بالتضمين، تصرف في الجميع، وإن قلنا: بالعبرة، فنفوذ تصرفه في قدر الزكاة يبنى على أن الخلاف في أن الزكاة تتعلق بالعين أو بالذمة، وقد سبق. وأما ما زاد على قدر الزكاة، فنقل إمام الحرمين والغزالي (أن) الاصحاب قطعوا بنفوذه. ولكن الموجود في كتب العراقيين: أنه لا يجوز

(2/113)


البيع ولا سائر التصرفات، في شئ من الثمار إذا لم يصر الثمن في ذمته بالخرص. فإن أرادوا نفي الاباحة دون الفساد، فذاك، وإلا فدعوى القطع غير مسلمة. وكيف كان، فالمذهب جواز التصرف في الاعشار التسعة، سواء أفردت بالتصرف أو تصرف في الجميع، لانا وإن قلنا بالفساد في قدر الزكاة، فلا يعديه إلى الباقي على المذهب. أما إذا تصرف المالك قبل الخرص، فقال في التهذيب: لا يجوز أن يأكل ولا يتصرف في شئ، فإن لم يبعث الحاكم خارصا، أو لم يكن حاكم، يحاكم إلى عدلين يخرصان عليه. فرع إذا ادعى المالك هلاك الثمار المخروصة عليه، أو بعضها، نظر، إن أسنده إلى سبب يكذبه الحس، كقوله: هلك بحريق وقع في الجرين، وعلمنا أنه لم يقع في الجرين حريق، لم نبال بكلامه، وإن أسنده إلى سبب خفي، كالسرقة، لم يكلف بينة، ويقبل قوله بيمينه. وهل يمينه واجبة، أم مستحبة ؟ وجهان. أصحهما: مستحبة، وإن أسنده إلى سبب ظاهر، كالبرد، والنهب، والجراد، ونزول العكسر، فإن عرف وقوع ذلك السبب وعموم أثره، صدق بلا يمين. فإن اتهم في هلاك ثماره به، حلف، وإن لم يعرف وقوع، فالصحيح وبه قال الجمهور: يطالب بالبينة، لامكانها. ثم القول قوله في الهلاك به،

(2/114)


والثاني: القول قوله بيمينه، والثالث: يقبل بلا يمين إذا كان ثقة. وحيث حلفناه، فاليمين مستحبة لا واجبة على الاصح كما سبق. أما إذا اقتصر على دعوى الهلاك من غير تعرض لسبب، فالمفهوم من كلام الاصحاب قبوله مع اليمين. فرع إذا ادعى المالك إجحافا في الخرص، فإن زعم أن الخارص تعمد ذلك، لم يلتفت إليه، كما لو ادعى ميل الحاكم، أو كذب الشاهد، لا يقبل إلا ببينة. وإن ادعى أنه غلط، فإن لم يبين القدر، لم تسمع، وإن بينه وكان يحتمل الغلط في مثله، كخمسة أوسق في مائة، قبل. فإن اتهم، حلف وحط عنه. هذا إذا كان المدعى فوق ما يقع بين الكيلين. وأما إذا بعد الكيل غلطا يسيرا في الخرص بقدر ما يقع في الكيلين، فهل يحط ؟ وجهان. أحدهما: لا، لاحتمال أن النقص وقع في الكيل، ولو كيل ثانيا وفى، والثاني: يحط، لان الكيل يقين، والخرص تخمين فالاحالة عليه أولى. قلت: هذا أقوى، وصحح إمام الحرمين الاول. والله أعلم. وإن ادعى نقصا فاحشا، لا يجوز أهل الخبرة الغلط بمثله، لم يقبل في حط جميعه، وهل يقبل في حط الممكن ؟ وجهان. أصحهما: يقبل، كما لو ادعت معتدة بالاقراء انقضاءها قبل زمن الامكان، وكذبناها، وأصرت على الدعوى حتى جاء زمن الامكان، فإنا نحكم بانقضائها لاول زمن الامكان.

(2/115)


فصل إذا أصاب النخل عطش، ولو تركت الثمار عليها إلى أوان الجداد لاضرت بها، جاز قطع ما يندفع به الضرر، إما كلها، وإما بعضها. وهل يستقل المالك بقطعها، أم يحتاج إلى استئذان الامام أو الساعي ؟ قال الصيدلاني، وصاحب التهذيب وطائفة: يستحب الاستئذان. وقال آخرون: ليس له الاستقلال، فإن استقل عزر إن كان عالما. قلت: هذا أصح، وبه قطع العراقيون والسرخسي. والله أعلم. فأما إذا علم الساعي قبل القطع، وأراد القسمة بأن يخرص الثمار ويعين حق المساكين في نخلة أو نخلات بأعيانها، فقولان منصوصان. قال الاصحاب: هما بناء على أن القسمة بيع أو إفراز حق. فان قلنا: إفراز، جاز، ثم للساعي أن يبيع نصيب المساكين للمالك أو غيره، وأن يقطع ويفرقه بينهم، يفعل ما فيه الحظ لهم، وإن قلنا: إنها بيع، لم يجز، وعلى هذا الخلاف تخرج القسمة بعد قطعها. إن قلنا: إفراز، جازت، وإلا، ففي جوازها خلاف مبني على جواز بيع الرطب الذي لا يتتمر بمثله. فإن جوزناه، جازت القسمة بالكيل، وإلا فوجهان. أحدهما: تجوز مقاسمة الساعي، لانها ليست بمعاوضة، فلا يراعى فيها تعبدات الربا، ولان الحاجة داعية إليها، وأصحهما عند الاكثرين: لا تجوز. فعلى هذا، له في الاخذ مسلكان. أحدهما: يأخذ قيمة عشر الرطب المقطوع، وجوز بعضهم القيمة للضرورة كما قدمناه في شقص الحيوان، والثاني: يسلم عشرا مشاعا إلى الساعي، ليتعين حق المساكين، وطريق تسليم العشر تسليم الجميع. فإذا سلمه، فللساعي بيع نصيب المساكين للمالك أو غيره، أو يبيع هو والمالك ويقسمان الثمن، وهذا المسلك جائز بلا خلاف، وهو متعين عند من لم يجوز القسمة، وأخذ القيمة. وخير بعض الاصحاب الساعي بين القسمة وأخذ القيمة، وقال كل واحد منهما خلاف القاعدة، واحتمل للحاجة، فيفعل ما فيه الحظ للمساكين. ثم ما ذكرناه هنا من الخلاف، والتفصيل في إخراج الواجب، يجري بعينه في إخراج

(2/116)


الواجب عن الرطب الذي لا يتتمر، والعنب الذي لا يتزبب. وفي المسألتين مستدرك حسن لامام الحرمين. قال: إنما يثور الاشكال على قولنا: المساكين شركاء في النصاب بقدر الزكاة، وحينئذ ينتظم التخريج على القولين في القسمة. فأما إذا لم نجعلهم شركاء، فليس تسليم جزء إلى الساعي قسمة حتى يأتي فيه القولان في القسمة، بل هو توفية حق إلى مستحق. قلت: لو اختلف الساعي والمالك في جنس التمر بعد تلفه تلفا مضمنا، فالقول قول المالك. فإن أقام الساعي شاهدين، أو شاهدا وامرأتين، قضي له، وإن أقام شاهدا، فلا، لانه لا يحلف معه، قاله الدارمي. وإذا خرص عليه، فتلف بعضه تلفا يسقط الزكاة، وأكل بعضه، وبقي بعضه، ولم يعرف الساعي ما تلف، فإن عرف المالك ما أكل، زكاه مع ما بقي. فإن اتهمه، حلفه استحبابا على الاصح، ووجوبا على الآخر، وإن قال: لا أعرف قدر ما أكلته، ولا ما تلف. قال الدارمي: قلنا له: إن ذكرت قدرا ألزمناك بما أقررت به، فإن اتهمناك حلفناك، وإن ذكرت مجملا، أخذنا الزكاة بخرصنا. قال أصحابنا: ولو خرص، فأقر المالك بأنه زاد على المخروص، أخذنا الزكاة من الزيادة، سواء كان ضمن، أم لا. والله أعلم.
باب زكاة الذهب والفضة
لا زكاة فيهما فيما دون النصاب. ونصاب الفضة: مائتا درهم. والذهب:

(2/117)


عشرون مثقالا، وزكاتهما ربع العشر، ويجب فيما زاد على النصاب منهما بحسابه، قل أم كثر، وسواء فيهما المضروب والتبر، وغيره، والاعتبار بوزن مكة. فأما المثقال فمعروف، ولم يختلف قدره في الجاهلية ولا في الاسلام. وأما الفضة: فالمراد دراهم الاسلام، وزن الدرهم ستة دوانيق، وكل عشرة دراهم، سبعة مثاقيل ذهب. وقد أجمع أهل العصر الاول على هذا التقدير. قيل: كان في زمن بني أمية، وقيل: كان في زمن عمر بن الخطاب رضي الله عنه. ولو نقص عن النصاب حبة أو بعض حبة، فلا زكاة، وإن راج رواج التام، أو زاد على التام بجودة نوعه. ولو نقص في بعض الموازين، وتم في بعضها، فوجهان. الصحيح: أنه لا زكاة، وبه قطع المحاملي وغيره. ويشترط ملك النصاب بتمامه حولا كاملا. ولا يكمل نصاب أحد النقدين بالآخر، كما لا يكمل التمر بالزبيب، ويكمل الجيد بالردئ من الجنس الواحد، كأنواع الماشية. والمراد بالجودة: النعومة، والصبر على الضرب ونحوهما. وبالرداءة: بالخشونة، والتفتت عند الضرب. وأما إخراج زكاة الجيد والردئ، فإن لم تكثر أنواعه، أخرج من كل بقسطه، وإن كثرت وشق اعتبار الجميع، أخرج من الوسط. ولو أخرج الجيد عن الردئ، فهو أفضل، وإن أخرج الردئ عن الجيد، لم يجزئه على الصحيح الذي قطع به الاصحاب. وقال الصيدلاني: يجزئه، وهو غلط. ويجوز إخراج الصحيح عن المكسر، ولا يجوز عكسه، بل يجمع المستحقين ويصرف إليهم الدينار الصحيح، بأن يسلمه إلى واحد بإذن الباقين، هذا هو الصحيح المعروف. وحكي

(2/118)


وجه: أنه يجوز أن يصرف إلى كل واحد حصته مكسرا. ووجه: أنه يجوز ذلك، لكن مع التفاوت بين الصحيح والمكسر. ووجه: أنه يجوز إذا لم يكن بين الصحيح والمكسر فرق في المعاملة. فرع إذا كان له دراهم أو دنانير مغشوشة، فلا زكاة فيها حتى يبلغ خالصها نصابا، فإذا بلغه، أخرج الواجب خالصا، أو أخرج من المغشوش ما يعلم اشتماله على خالص بقدر الواجب. ولو أخرج عن ألف مغشوشة، خمسة وعشرين خالصة، أجزأه، وقد تطوع بالفضل، ولو أخرج خمسة مغشوشة عن مائتين خالصة، لم تجزئه. وهل له الاسترجاع ؟ حكوا عن ابن سريج فيه قولين. أحدهما: لا، كما لو اعتق رقبة عن كفارة معيبة، يكون متطوعا بها، وأظهرهما: نعم، كما لو عجل الزكاة فتلف ماله. قال ابن الصباغ: وهذا إذا كان قد بين عند الدفع، أنه يخرج عن هذا المال. فرع يكره للامام ضرب الدراهم المغشوشة، ويكره للرعية ضرب الدراهم وإن كانت خالصة، لانه من شأن الامام. ثم الدراهم المغشوشة، إن كانت معلومة العيار، صحت المعاملة بها على عينها الحاضرة، وفي الذمة. وإن كان مقدار النقرة فيها مجهولا، ففي جواز المعاملة على عينها وجهان. أصحهما: الجواز، لان المقصود رواجها، ولا يضر اختلاطها بالنحاس كالمعجونات، والثاني: لا يجوز كتراب المعدن. فإن قلنا: بالاصح، فباع بدراهم مطلقا، ونقد البلد مغشوش، صح العقد، ووجب من ذلك النقد، وإن قلنا بالثاني، لم يصح العقد. فرع لو كان له إناء من ذهب وفضة وزنه ألف، من أحدهما ستمائة، ومن الآخر أربعمائة، ولا يعرف أيهما الاكثر، فإن احتاط فزكى ستمائة ذهبا، وستمائة فضة، أجزأه، فإن لم يحتط، ميزهما بالنار. قال الائمة: ويقوم مقامه الامتحان

(2/119)


بالماء، بأن يوضع قدر المخلوط من الذهب الخالص في ماء، ويعلم على الموضع الذي يرتفع إليه الماء، ثم يخرج ويوضع مثله من الفضة الخالصة، ويعلم على موضع الارتفاع، وهذه العلامة تقع فوق الاولى، لان أجزاء الذهب أكثر اكتنازا، ثم يوضع فيه المخلوط، وينظر ارتفاع الماء به، أهو إلى علامة الفضة أقرب، أم إلى علامة الذهب ؟ ولو غلب على ظنه الاكثر منهما، قال الشيخ أبو حامد ومن تابعه: إن كان يخرج الزكاة بنفسه، فله اعتماد ظنه، وإن دفعها إلى الساعي، لم يقبل ظنه، بل يلزمه الاحتياط أو التمييز، وقال إمام الحرمين: الذي قطع به أئمتنا: أنه لا يجوز اعتماد ظنه. قال الامام: ويحتمل أن يجوز له الاخذ بما شاء من التقديرين، لان اشتغال ذمته بغير ذلك غير معلوم، وجعل الغزالي في الوسيط هذا الاحتمال وجها. فرع لو ملك مائة درهم في يده، وله مائة مؤجلة على ملئ، فكيف يزكي ؟ يبني على أن المؤجل تجب فيه زكاة، أم لا ؟ والمذهب وجوبها. وإذا أوجبناها، فالاصح: أنه لا يجب الاخراج في الحال، وسبق بيانه. فإن قلنا: لا زكاة في المؤجل، فلا شئ عليه في مسألتنا، لعدم النصاب. وإن أوجبنا إخراج زكاة المؤجل في الحال، زكى المائتين في الحال، وإن أوجبناها ولم نوجب الاخراج في الحال، فهل يلزمه إخراج حصة المائة التي في يده في الحال، أم يتأخر إلى قبض المؤجلة ؟ فيه وجهان. أصحهما: يجب في الحال، وهما بناء على أن الامكان شرط للوجوب، أو الضمان، إن قلنا بالاول، لم يلزمه،

(2/120)


لاحتمال أن لا يحصل المؤجل، وإن قلنا بالثاني، أخرج، ومن كان في يده دون نصاب، وتمامه مغصوب، أو دين، ولم نوجب فيهما زكاة، ابتدأ الحول من حين يقبض ما يتم به النصاب. فصل لا زكاة فيما سوى الذهب والفضة من الجواهر، كالياقوت، واللؤلؤ، وغيرهما، ولا في المسك والعنبر. فصل هل تجب الزكاة في الحلي المباح ؟ قولان. أظهرهما: لا تجب، كالعوامل من الابل والبقر. أما الجلي المحرم، فتجب الزكاة فيه بالاجماع. وهو نوعان: محرم لعينه، كالاواني، والملاعق، والمجامر من الذهب والفضة. ومحرم بالقصد، بأن يقصد الرجل بحلي النساء الذي يملكه، كالسوار والخلخال، أن يلبسه غلمانه، أو قصدت المرأة بحلي الرجل، كالسيف والمنطقة، أن تلبسه هي، أو تلبسه جواريها أو غيرهن من النساء، أو أعد

(2/121)


الرجل حلي الرجال لنسائه وجواريه، أو أعدت المرأة حلي النساء لزوجها وغلمانها، فكل ذلك حرام. ولو اتخذ حليا ولم يقصد به استعمالا مباحا ولا محرما، بل قصد كنزة، فالمذهب: وجوب الزكاة فيه، وبه قطع الجمهور. وقيل: فيه خلاف. وهل يجوز إلباس حلي الذهب الاطفال الذكور، فيه ثلاثة أوجه كما ذكرنا في إلباسهم الحرير. قلت: الاصح المنصوص: جوازه ما لم يبلغوا. والله أعلم. فرع إذا قلنا: لا زكاة في الحلي، فاتخذ حليا مباحا في عينه، لم يقصد به استعمالا ولا كنزا، أو اتخذه ليؤجره ممن له استعماله، فلا زكاة على الاصح. كما لو اتخذه ليعيره. ولا اعتبار بالاجرة، فأجرة الماشية العامل. فرع حكم القصد الطارئ بعد الصياغة في جميع ما ذكرنا، حكم للمقارب. فلو اتخذه قاصدا استعمالا محرما، ثم غير قصده إلى مباح، بطل الحول. فلو عاد القصد المحرم، ابتدأ الحول، وكذا لو قصد الاستعمال ثم قصد كنزا، ابتدأ الحول، وكذا نظائره. فرع إذا قلنا: لا زكاة في الحلي، فانكسر، فله أحوال. أحدها: أن ينكسر بحيث لا يمنع الاستعمال، فلا تأثير لانكساره. الثاني: ينكسر بحيث يمنع الاستعمال ويحوج إلى سبك وصوغ، فتجب

(2/122)


الزكاة، وأول الحول، وقت الانكسار. الثالث: ينكسر بحيث يمنع الاستعمال، لكن لا يحتاج إلى صوغ، ويقبل الاصلاح بالالحام، فإن قصد جعله تبرا أو دراهم، أو قصد كنزه، انعقد الحول عليه من يوم الانكسار. وإن قصد إصلاحه، فوجهان. أصحهما: لا زكاة وإن تمادت عليه أحوال، لدوام صورة الحلي وقصد الاصلاح، وإن لم يقصد هذا ولا ذاك، ففيه خلاف. قيل: وجهان، وقيل: قولان. أرجحهما: الوجوب. فصل فيما يحل ويحرم من الحلي وإنما ذكرناها ها هنا ليعلم موضع القطع بوجوب الزكاة، وموضع القولين. فالمذهب: أصله التحريم في حق الرجال، وعلى الاباحة للنساء، ويستثنى من التحريم على الرجال موضعان. أحدهما: يجوز لمن قطع أنفه اتخاذ أنف من ذهب وإن تمكن من اتخاذه فضة، وفي معنى الانف: السن والانملة، فيجوز اتخاذهما ذهبا، وما جاز من الذهب فمن الفضة أولى، ولا يجوز لمن قطعت يده أو أصبعه أن يتخذهما من ذهب ولا فضة. قلت: وفيه وجه: أنه يجوز، ذكره القاضي حسين وغيره. والله أعلم. الموضع الثاني: هل يجوز للرجل تمويه الخاتم والسيف وغيرهما تمويها لا يحصل منه شئ ؟ فيه وجهان، وقطع العراقيون بالتحريم. وأما اتخاذ سن أو أسنان

(2/123)


من ذهب للخاتم، فقطع الاكثرون بتحريمه. وقال إمام الحرمين: لا يبعد تشبيهه بالضبة الصغيرة في الاناء، وكل حلي حرمناه على الرجال، حرمناه على الخنثى على المذهب، وعليه زكاته على المذهب، وقيل: في وجوبها القولان في الحلي المباح، وأشار في التتمة إلى أن له لبس حلي النساء والرجال، لانه كان له لبسها في الصغر فتبقى. وأما الفضة: فيجوز للرجال التختم بها، وهل له لبس ما سوى الخاتم من حلي الفضة، كالدملج، والسوار، والطوق ؟ قال الجمهور: يحرم، وقال صاحب التتمة والغزالي في فتاويه: يجوز، لانه لم يثبت في الفضة إلا تحريم الاواني، وتحريم التحلي على وجه يتضمن التشبيه بالنساء. ويجوز للرجل تحلية آلات الحرب بالفضة كالسيف، والرمح، وأطراف السهام، والدرع، والمنطقة، والرانين، والخف وغيرها، لانه يغيظ الكفار. وفي تحلية السرج واللجام والثفر، وجهان. أصحهما: التحريم، ونص عليه الشافعي في رواية البويطي والربيع، وموسى بن أبي جارود، وأجروا هذا الخلاف في الركاب، وبرة الناقة من الفضة. وقطع كثيرون من الائمة بتحريم القلادة للدابة، ولا يجوز تحلية شئ مما ذكرنا بالذهب قطعا. ويحرم على النساء تحلية آلات الحرب بالفضة والذهب جميعا، لان استعمالهن ذلك تشبها بالرجال وليس لهن التشبه، كذا قاله الجمهور، واعترض عليهم صاحب المعتمد، بأن آلات الحرب من غير تحلية، إما أن يجوز لبسها واستعمالها للنساء، أو لا، والثاني: باطل، لان كونه من ملابس الرجال، إنما يقتضي الكراهة دون التحريم، ألا ترى أنه قال في الام: ولا أكره للرجل لبس اللؤلؤ إلا للادب، وأنه من زي النساء، لا للتحريم، فلم يحرم زي النساء على الرجال، وإنما كرهه، وكذا عكسه، ولان المحاربة جائزة للنساء في الجملة، وفي

(2/124)


جوازها جواز لبس آلاتها، وإذا جاز استعمالها غير محلاة، جاز مع التحلية، لان التحلي لهن أجوز منه للرجال، وهذا هو الحق إن شاء الله تعالى. قلت: الصواب: أن تشبه النساء بالرجال وعكسه، حرام، للحديث الصحيح لعن الله المتشبهين بالنساء من الرجال، والمتشبهات من النساء بالرجال وقد صرح الرافعي بتحريمه بعد هذا بأسطر. وأما نصه في الام فليس مخالفا لهذا، لان مراده أنه من جنس زي النساء. والله أعلم. ويجوز للنساء لبس أنواع الحلي من الذهب والفضة، كالطوق، والخاتم، والسوار، والخلخال، والتعاويذ. وفي اتخاذهن النعال من الذهب والفضة، وجهان. أصحهما: الجواز كسائر الملبوسات، والثاني: لا، للاسراف. وأما التاج، فقالوا: إن جرت عادة النساء بلبسه، جاز، وإلا فهو لباس عظماء الفرس، فيحرم. وكأن معنى هذا، أنه يختلف بعادة أهل النواحي، فحيث جرت عادة النساء بلبسه، جاز، وحيث لم تجر، لا يجوز، حذارا من التشبه بالرجال، وفي الدراهم والدنانير التي تثقب وتجعل في القلادة، وجهان. أصحهما: التحريم. وفي لبس الثياب المنسوجة بالطهب أو الفضة، وجهان. أصحهما: الجواز، وذكر ابن عبدان: أنه ليس لهن اتخاذ زر القميص والجبة والفرجية منهما، ولعله جواب على الوجه الثاني. ثم كل حلي أبيح للنساء، فذلك إذا لم يكن فيه سرف، فإن كان كخلخال وزنه مائتا دينار، فوجهان. الصحيح الذي قطع به معظم العراقيين: التحريم، ومثله إسراف الرجل في آلات الحرب، ولو اتخذ خواتيم كثيرة، أو المرأة خلاخل كثيرة، ليلبس الواحد منهما بعد الواحد، جاز على

(2/125)


المذهب، وقيل: فيه الوجهان. فرع جميع ما سبق، هو فيما يتحلى به لبسا، فأما الاواني من الذهب والفضة، فيحرم على النساء والرجال جميعا استعمالها، ويحرم اتخاذها أيضا على الاصح، وقد سبق ذلك مع غيره في باب الاواني، وفي تحلية سكاكين الخدمة وسكين المقلمة بالفضة للرجال، وجهان. أصحهما: التحريم، والمذهب: تحريمها على النساء. وفي تحلية المصحف بالفضة وجهان. وقيل: قولان. أصحهما: الجواز، ونقل عن نصه في القديم والجديد وحرملة، ونقل التحريم عن نصه في سير الواقدي. وفي تحليته بالذهب أربعة أوجه. أصحها عند الاكثرين: إن كان المصحف لامرأة، جاز، وإن كان لرجل، حرم، والثاني: يحرم مطلقا، والثالث: يحل مطلقا، والرابع: يجوز تحلية نفس المصحف دون غلافه المنفصل عنه، وهو ضعيف، وأما تحلية سائر الكتب، فحرام بالاتفاق. وأما تحلية الدواة، والمقلمة، والمقراض، فحرام على الاصح، وأشار الغزالي إلى طرد الخلاف في سائر الكتب. وفي تحلية الكعبة والمساجد بالذهب والفضة، وتعليق قناديلها فيها، وجهان. أصحهما: التحريم، فإنه لا ينقل عن السلف، والثاني: الجواز كما يجوز ستر الكعبة بالديباج، وحكم الزكاة مبني على الوجهين، لكن لو جعل المتخذ وقفا فلا زكاة بحال. فرع إذا أوجبنا الزكاة في الحلي المباح، فاختلف قيمته ووزنه، بأن كان لها خلاخل وزنها مائتان، وقيمتها ثلاثمائة، أو فرض متله في المناطق المحلاة للرجل، فالاعتبار في الزكاة بقيمتها، أو وزنها ؟ فيه وجهان. أصحهما عند الجماهير: بقيمتها، فعلى هذا يتخير بين أن يخرج ربع عشر الحلي مشاعا، ثم يبيعه الساعي ويفرق الثمن على المساكين، وبين أن يخرج خمسة دراهم مصوغة قيمتها ستة ونصف، ولا يجوز أن يكسره فيخرج خمسة مكسرة، لان فيه ضررا عليه وعلى المساكين. ولو أخرج عنه عن الذهب ما يساوي سبعة ونصفا، لم يجز عند الجمهور، لامكان تسليم ربع العشر مشاعا وبيعه بالذهب، وجوزه ابن سريج

(2/126)


للحاجة ولو كان له إناء وزنه مائتان، ويرغب فيه بثلاثمائة، فإن جوزنا اتخاذه، فحكمه ما سبق في الحلي، وإن حرمنا، فلا قيمة لصنعته شرعا، فله إخراج خمسه من غيره، وله كسره وإخراج خمسه منه، وله إخراج ربع عشره مشاعا، ولا يجوز إخراج الذهب بدلا. وكل حلي لا يحل لاحد من الناس، فحكم صنعته حكم صنعة الاناء، ففي ضمانها على كاسرها وجهان. وما يحل لبعض الناس، فعلى كاسره ضمانه، وما يكره من التحلي كالضبة الصغيرة على الاناء للزينة، قال الاصحاب: له حكم الحرام في وجوب الزكاة قطعا. وقال صاحب التهذيب من عند نفسه: الاولى أن يكون كالمباح. قلت: ولو وقف حليا على قوم يلبسونه، أو ينتفعون بأجرته، فلا زكاة فيه قطعا. والله أعلم.
باب زكاة التجارة
زكاة التجارة واجبة، نص عليه في الجديد، ونقل عن القديم ترديد قول، فمنهم من قال: له في القديم قولان، ومنهم من لم يثبت خلاف الجديد. ومال التجارة: كل ما قصد الاتجار فيه عند اكتساب الملك بمعاوضة محضة. وتفصيل هذه القيود: أن مجرد نية التجارة لا تصير المال مال تجارة، فلو كان له عرض قنية ملكه بشراء أو غيره، فجعله للتجارة، لم يصر على الصحيح الذي قطع به الجماهير، وقال الكرابيسي من أصحابنا: يصير. وأما إذا اقترنت نية التجارة بالشراء، فإن المشترى يصير مال تجارة، ويدخل في الحول، سواء اشتري بعرض، أو نقد، أو دين حال، أو مؤجل. وإذا ثبت حكم التجارة، لا تحتاج كل معاملة إلى نية جديدة. وفي معنى الشراء، لو صالح عن دين له في ذمة إنسان على

(2/127)


عرض بنية التجارة، صار للتجارة، سواء كان الدين قرضا، أو ثمن مبيع، أو ضمان متلف. وكذلك الاتهاب بشرط الثواب إذا نوى به التجارة. وأما الهبة المحضة، والاحتطاب، والاحتشاش، والاصطياد، والارث، فليس من أسباب التجارة، ولا أثر لاقتران النية بها. وكذا الرد بالعيب والاسترداد، حتى لو باع عرض قنية بعرض قنية، ثم وجد بما أخذه عيبا فرده، واسترد الاول على قصد التجارة، أو وجد صاحبه بما أخذ عيبا، فرده، فقصد المردود عليه بأخذ التجارة، لم يصر مال تجارة. ولو كان عنده ثوب قنية، فاشترى به عبدا للتجارة، ثم رد عليه الثوب بالعيب، انقطع حول التجارة، ولم يكن الثوب المردود مال تجارة، بخلاف ما لو كان الثوب للتجارة أيضا، فإنه يبقى حكم التجارة فيه. وكذا لو تبايع تاجران، ثم تقايلا، يستمر حكم التجارة في المالين. ولو كان عنده ثوب للتجارة، فباعه بعبد للقنية، فرد عليه الثوب بالعيب، لم يعد إلى حكم التجارة، لان قصد القنية قطع حول التجارة. والرد والاسترداد، ليسا من التجارة، كما لو قصد القنية بمال التجارة الذي عنده، فانه يصير قنية. ولو نوى بعد ذلك جعله للتجارة، لا يؤثر حبى تقترن النية بتجارة جديدة. ولو خالع وقصد بعوض الخلع التجارة، أو زوج أمته، أو نكحت الحرة ونويا التجارة في الصداق، فوجهان. أحدهما: لا يكون مال تجارة، لانهما ليسا من عقود التجارات والمعاوضات المحضة، وأصحهما ولم يذكر أكثر العراقيين سواه: أنه يكون مال تجارة، لانها معاوضة تثبت فيها الشفعة. وطردوا الوجهين في المال المصالح عليه عن الدم، والذي أجر به نفسه أو ماله إذا نوى به التجارة، وفيما إذا كان تصرفه في المنافع، بأن كان يستأجر المستغلات، ويؤجرها على قصد التجارة. فصل الحول معتبر في زكاة التجارة بلا خلاف، والنصاب معتبر أيضا بلا

(2/128)


خلاف. لكن في وقت اعتباره، ثلاثة أوجه، وعبر عنها إمام الحرمين والغزالي بأقوال، والصحيح: أنها أوجه. الاول منها منصوص، والآخران مخرجان، فالاول: الاصح: أنه يعتبر في آخر الحول فقط، والثاني: يعتبر في أوله وآخره دون وسطه، والثالث: يعتبر في جميع الحول، حتى لو نقصت قيمته عن النصاب في لحظة، انقطع الحول، فإن كمل بعد ذلك، ابتدأ الحول من يومئذ. فإذا قلنا بالاصح، فاشترى عرضا للتجارة بشئ يسير، انعقد الحول عليه، ووجبت فيه الزكاة إذا بلغت قيمته نصابا آخر الحول، وإذا احتملنا نقصان النصاب في غير آخر الحول، فذلك في حق من تربص بسلعته حتى تم الحول وهي نصاب. فأما لو باعها بسلعة أخرى في أثناء الحول، فوجهان. أحدهما: ينقطع الحول ويبتدئ حول السلعة الاخرى من حين ملكها، وأصحهما: أن الحكم كما لو تربص بسلعته، ولا أثر للمبادلة في أموال التجارة. ولو باعها في أثناء الحول بنقد دون النصاب، ثم اشترى به سلعة فتم الحول وقيمتها نصاب، فوجهان. قال الامام: والخلاف في هذه الصورة أمثل منه في الاولى لتحقق النقصان حسا، ورأيت المتأخرين يميلون إلى انقطاع الحول. ولو باعها بالدراهم، والحال تقتضي التقويم بالدنانير، فهو كبيع السلعة بالسلعة. فرع لو تم الحول وقيمة سلعته دون النصاب، فوجهان. أصحهما: يسقط حكم الحول الاول، ويبتدئ حولا ثانيا، والثاني: لا ينقطع، بل متى بلغت قيمته نصابا، وجبت الزكاة، ثم يبتدئ حولا ثانيا.

(2/129)


فرع في بيان ابتداء حول التجارة مال التجارة تارة يملكه بنقد، وتارة بغيره، فإن ملكه بنقد، نظر، إن كان نصابا بأن اشترى بعشرين دينارا أو بمائتي درهم، فابتداء الحول من حين ملك ذلك النقد، ويبنى حول التجارة عليه، هذا إذا اشترى بعين النصاب، أما إذا اشترى بنصاب في الذمة، ثم نقده في ثمنه، فينقطع حول النقد، ويبتدئ حول التجارة من حين الشراء، وإن كان النقد الذي هو رأس المال دون النصاب، ابتدأ الحول من حين ملك عرض التجارة إذا قلنا: لا يعتبر النصاب في أول الحول، ولا خلاف أنه لا يحسب الحول قبل الشراء للتجارة، لان المشترى به لم يكن مال زكاة لنقصه. أما إذا ملك بغير نقد، فله حالان. أحدهما: أن يكون ذلك العرض مما لا زكاة فيه، كالثياب والعبيد، فابتداء الحول من حين ملك مال التجارة إن كان قيمة العرض نصابا، أو كانت دونه وقلنا بالاصح: إن النصاب لا يعتبر إلا في آخر الحول، والثاني: أن يكون مما تجب فيه الزكاة، بأن ملكه بنصاب من السائمة، فالصحيح الذي قطع به جماهير الاصحاب: أن حول الماشية ينقطع، ويبتدئ حول التجارة من حين ملك مال التجارة، ولا يبني، لاختلاف الزكاتين قدرا ووقتا، وقال الاصطخري: يبنى على حول السائمة، كما لو ملك بنصاب من النقد. ثم زكاة التجارة والنقد، يبني حول كل واحد منهما على الاخرى، فإذا باع مال تجارة بنقد بنية القنية، بنى حول النقد على حول التجارة، كما يبني التجارة على النقد. فصل ربح مال التجارة، ضربان حاصل من غير نضوض المال، وحاصل مع نضوضه.

(2/130)


فالاول: مضموم إلى الاصل في الحول، كالنتاج. قال إمام الحرمين: حكى الائمة القطع بذلك. لكن من يعتبر النصاب في جميع الحول، قد لا يسلم وجوب الزكاة في الربح في آخر الحول، ومقتضاه أن يقول: عهور الربح في أثنائه كنضوضه، وسيأتي الخلاف في الضرب الثاني إن شاء الله تعالى. قال الامام: وهذا لا بد منه، والمذهب الصحيح: ما سبق. فعلى المذهب: لو اشترى عرضا بمائتي دطهم، فصارت قيمته في أثناء الحول ثلاثمائة، زكى ثلاثمائة في آخر الحول وإن كان ارتفاع القيمة قبل آخر الحول بلحظة. ولو ارتفعت بعد الحول، فالربح مضموم إلى الاصل في الحول الثاني كالنتاج. الضرب الثاني: الحاصل مع النضوض، فينظر، إن صار ناضا من غير جنس رأس المال، فهو كما لو أبدل عرضا بعرض، لانه لم يقع به التقويم، هذا هو المذهب، وقيل: هو على الخلاف الذي نذكره إن شاء الله تعالى فيما إذا نض من الجنس. أما إذا صار ناضا من جنسه، فتارة يكون ذلك في أثناء الحول، وتارة بعده، وعلى التقدير الاول، قد يمسك الناض إلى أن يتم الحول، وقد يشتري به سلعة. الحال الاول: أن يمسك الناض إلى تمام الحول، فإن اشترى عرضا بمائتي درهم، فباعه في أثناء الحول بثلاثمائة، وتم الحول وهي في يده، ففيه طريقان. أصحهما وبه قال الاكثرون: على قولين. أظهرهما: يزكي الاصل بحوله، ويفرد الربح بحول، والثاني: يزكي الجميع بحول الاصل، والطريق الثاني: القطع بافراد الربح. وإذا أفردناه، ففي ابتداء حوله وجهان. أصحهما: من حين النضوض، والثاني: من حين الظهور.

(2/131)


الحال الثاني: أن يشتري بها عرضا قبل تمام الحول، فطريقان. أصحهما: أنه كما لو أمسك الناض، والثاني: القطع بأنه يزكي الجميع بحول الاصل. الحال الثالث: إذا نض بعد تمام الحول، فإن ظهرت الزيادة قبل تمام الحول، زكى الجميع بحول الاصل بلا خلاف، وإن ظهرت بعد تمامه، فوجهان. أحدهما: هكذا، وأصحهما: يستأنف للربح حولا. وجميع ما ذكرناه فيما إذا اشترى العرض بنصاب من النقد، أو بعرض قيمة نصاب. فأما إذا اشترى بمائة درهم مثلا، وباعه بعد ستة أشهر بمائتي درهم، وبقيت عنده إلى تمام الحول من حين الشراء، فان قلنا بالاصح: إن النصاب لا يشترط إلا في الحول، بني على القولين في أن الربح من الناض هل يضم إلى الاصل في الحول ؟ إن قلنا: نعم، فعليه زكاة المائتين، وإن قلنا: لا، لم يزك مائة الربح إلا بعد ستة أشهر أخرى، وإن قلنا: النصاب يشترط في جميع الحول، أو في طرفيه، فابتداء الحول الجميع من حين باع ونض، فإذا تم، زكى المائتين. فرع ملك عشرين دينارا، فاشترى بها عرضا للتجارة ثم باعه بعد ستة أشهر من ابتداء الحول بأربعين دينارا، واشترى بها سلعة أخرى ثم باعها بعد تمام الحول بمائة، فان قلنا: الربح من الناض لا يفرد بحول، فعليه زكاة جميع المال، وإلا فعليه زكاة خمسين دينارا، لانه اشترى السلعة الثانية بأربعين، منها عشرون رأس ماله الذي مضى عليه ستة أشهر، وعشرون ربح استفاده يوم باع الاول. فإذا مضت ستة أشهر، فقد تم الحول على نصف السلعة، فيزكيه بزيادته، وزيادته ثلاثون دينارا، لانه ربح على العشرينتين ستين، وكان ذلك كامنا وقت تمام الحول. ثم إذا مضت ستة أشهر أخرى، فعليه زكاة العشرين الثانية، فان حولها حينئذ تم، ولا يضم إليها ربحها، لانه صار ناضا قبل تمام حولها، فإذا مضت ستة أشهر أخرى، فعليه زكاة ربحها، وهو الثلاثون الباقية، فان كانت الخمسون التي أخرج زكاتها في الحول الاول باقية عنده، فعليه زكاتها أيضا للحول الثاني مع الثلاثين، هذا الذي ذكرناه هو قول ابن الحداد تفريعا على أن الناض لا يفرد ربحه بحول، وحكى الشيخ أبو علي وجهين آخرين ضعيفين. أحدهما: يخرج عند البيع الثاني زكاة عشرين. وإذا مضت ستة أشهر، أخرج زكاة عشرين أخرى، وهي التي كانت ربحا في الحول الاول. فإذا مضت ستة

(2/132)


أشهر، أخرج زكاة الستين الباقية، لانها إنما استقرت عند البيع الثاني، فمنه يبتدئ حولها. والوجه الثاني: أنه عند البيع الثاني، يخرج زكاة عشرين، ثم إذا مضت ستة أشهر، زكى الثمانين الباقية، لان الستين التي هي الربح، حصلت في حول العشرين التي هي الربح الاول، فضمت إليها في الحول. ولو كانت المسألة بحالها، لكنه لم يبع السلعة الثانية، فيزكي عند تمام الحول الاول خمسين كما ذكرنا، وعند تمام الثاني الخمسين الباقية، لان الربح الاخير لم يصر ناضا، ولو اشترى بمائتين عرضا، فباعه بعد ستة أشهر بثلاثمائة، واشترى بها عرضا وباعه بعد تمام الحول بستمائة، إن لم نفرد الربح بحول، أخرج زكاة ست المال، وإلا فزكاة أربعمائة، فإذا مضت ستة أشهر، زكى مائة، فاذج مضت ستة أشهر أخرى، زكى المائة الباقية، هذا على قول ابن الحداد. وأما على الوجهين الآخرين، فيزكي عند البيع الثاني مائتين، ثم على الوجه الاول، إذا مضت ستة أشهر، زكى مائة، ثم إذا مضت ستة أشهر أخرى، زكى ثلاثمائة. وعلى الوجه الثاني: إذا مضت ستة أشهر من البيع الثاني، زكى أربع المائة الباقية. فصل إذا كان مال التجارة حيوانا، فله حالان. أحدهما: أن يكون مما تجب الزكاة في عينه كنصاب الماشية، ويأتي حكمه بعد هذا الفصل إن شاء الله

(2/133)


تعالى. والثاني: أن لا تجب في عينه، كالخيل، والجواري، والمعلوفة من النعم من الماشية، فهل يكون نتاجها مال تجارة ؟ وجهان. أصحهما: يكون، لان الولد له حكم أمه، والوجهان فيما إذا لم تنقص قيمة الام بالولادة، فإن نقصت، بأن كانت قيمة الام ألفا، فصارت بالولادة ثمانمائة، وقيمة الولد مائتان، جبر نقص الام بالولد، وزكى الالف. ولو صارت قيمة الام، تسعمائة، جبرت المائة من قيمة الولد، كذا قاله ابن سريج وغيره، قال الامام: وفيه احتمال ظاهر، ومقتضى قولنا: إنه ليس مال تجارة، أن لا تجبر به الام كالمستفادات بسبب آخر. وأثمار أشجار التجارة كأولاد حيوانها، ففيها الوجهان. فإن لم نجعل الاولاد والثمار مال تجارة، فهل تجب فيها في السنة الثانية، ففيها بعدها زكاة ؟ قال إمام الحرمين: الظاهر أنا لا نوجب، لانه منفصل عن تبعية الام، وليس أصلا في التجارة، وأما إذا ضممناها إلى الاصل، وجعلناها مال تجارة، ففي حولها طريقان. أصحهما: حولها حول الاصل، كنتاج السائمة، وكالزيادة المنفصلة، والثاني: على قولي ربح الناض، فعلى أحدهما ابتداء حولها من انفصال الولد وظهور الثمار. فصل لا خلاف أن قدر زكاة التجارة ربع العشر كالنقد، ومن أين يخرج ؟ فيه ثلاثة أقوال. المشهور الجديد: يخرج من القيمة، ولا يجوز أن يخرج من عين العرض، والثاني: يجب الاخراج من العين، ولا يجوز من القيمة، والثالث: يتخير بينهما، فلو اشترى بمائتي درهم مائتي قفقز حنطة، أو بمائة وقلنا: يعتبر النصاب آخر الحول فقط، وحال الحول وهي تساوي مائتي درهم، فعلى

(2/134)


المشهور: عليه خمسة دراهم، وعلى الثاني: خمسة أقفزة وعلى الثالث: يتخير بينهما. فلو أخر إخراج الزكاة حتى نقصت قيمتها فعادت إلى مائة، نظر، إن كان ذلك قبل إمكان الاداء وقلنا: الامكان شرط للوجوب، فلا زكاة. وإن قلنا: شرط للضمان، لزمه على المشهور درهمان ونصف، وعلى الثاني: خمسة أقفزة، وعلى الثالث: يتخير بينهما، وإن كان بعد الامكان، لزمه على المشهور: خمسة دراهم، لان النقصان من ضمانه، وعلى الثاني: خمسة أقفزة، ولا يضمن نقصان القيمة مع بقاء العين كالغاصب، وعلى الثالث: يتخير بينهما. ولو أخر فبلغت القيمة أربعمائة درهم، فإن كان قبل إمكان الاداء وقلنا: هو شرط للوجوب، لزمه على المشهور عشرة دراهم، وعلى الثاني: خمسة أقفزة، وعلى الثالث: يتخير بينهما، وإن قلنا: شرط الضمان، لزمه على المشهور خمسة دراهم، وعلى الثاني: خمسة أقفزة قيمتها خمسة دراهم، لان هذه الزيادة في ماله ومال المساكين، وقال ابن أبي هريرة: يكفيه على هذا القول: خمسة أقفزة قيمتها خمسة دراهم، لان هذه الزيادة حدثت بعد وجوب الزكاة، وهي محسوبة في الحول الثاني، وعلى الثالث: يتخير بين الامرين. ولو أتلف الحنطة بعد وجوب الزكاة وقيمتها مائتا درهم، فصارت أربعمائة، لزمه على المشهور خمسة دراهم، لانها القيمة يوم الاتلاف، وعلى الثاني: خمسة أقفزة قيمتها عشرة دراهم، وعلى الثالث، يتخير بينهما. فرع فيما يقوم به مال التجارة لرأس المال أحوال. أحدها: أن يكون نقدا نصابا، بأن يشتري عرضا بمائتي درهم، أو عشرين دينارا، فيقوم في آخر الحول به، فإن بلغ به نصابا، زكاه، وإلا، فلا. وإن كان الثاني غالب نقد البلد، ولو قوم به لبلغ نصابا، حتى لو اشترى بمائتي درهم عرضا، فباعه بعشرين دينارا وقصد التجارة مستمر، فتم الحول والدنانير في يده، ولا تبلغ قيمتها مائتي درهم، فلا زكاة. هذا هو المذهب المشهور. وعن صاحب

(2/135)


التقريب حكاية قول: أن التقويم أبدا يكون بغالب نقد البلد، ومنه يخرج الواجب، سواء كان رأس المال نقدا أم غيره، وحكى الروياني هذا عن ابن الحداد. الحال الثاني: أن يكون نقدا دون النصاب، فوجهان. أصحهما: يقوم بذلك النقد، والثاني: بغالب نقد البلد كالعرض. وموضع الوجهين ما إذا لم يملك من جنس النقد الذي اشترى به ما يتم به النصاب، فإن ملك ما يتم به النصاب، بأن اشترى بمائة درهم عرضا وهو يملك مائة أخرى، فلا خلاف أن التقويم بجنس ما ملك به، لانه اشترى ببعض ما انعقد عليه الحول، وابتدأ الحول من حين ملك الدراهم. قلت: لكن يجري فيه القول الذي حكاه صاحب التقريب. والله أعلم. الحال الثالث: أن يملك بالنقدين جميعا، وهو على ثلاثة أضرب. أحدها: أن يكون كل واحد نصابا، فيقوم بهما على نسبة التقسيط يوم الملك. وطريقه: تقويم أحد النقدين بالآخر. مثاله، اشترى بمائتي درهم وعشرين دينارا، فينظر، إن كان قيمة المائتين عشرين دينارا، فنصف العرض مشترى بدراهم، ونصفه بدنانير. وإن كانت قيمتها عشرة دنانير، فثلثه مشرى بدراهم، وثلثاه بدنانير. وهكذا يقوم في آخر الحول، ولا يضم أحدهما إلى الآخر، فلا تجب الزكاة إذا لم يبلغ واحد منهما نصابا وإن كانت بحيث لو قوم الجميع بأخذ النقدين لبلغ نصابا، وحول كل واحد من المبلغين من حين ملك ذلك النقد.

(2/136)


الضرب الثاني: أن يكون قل واحد منهما دون النصاب، فإن قلنا: ما دون النصاب، كالعرض، قوم الجميع بنقد البلد، وإن قلنا: كالنصاب، قوم ما ملكه بالدراهم بدراهم، وما ملكه بالدنانير بدنانير. الضرب الثالث: أن يكون أحدهما نصابا، والآخر دونه، فيقوم ما ملكه بالنقد الذي هو نصاب بذلك النقد، وما ملكه بالنقد الآخر على الوجهين، وكل واحد من المبلغين يقوم في آخر حوله، وحول المملوك بالنصاب، من حين ملك ذلك النقد، وحول المملوك بما دونه، من حين ملك العرض. وإذا اختلف جنس المقوم به، فلا ضم كما سبق. الحال الرابع: أن يكون رأس المال غير نقد، بأن ملك بعرض قنية، أو ملك بخلع أو نكاح بقصد التجارة وقلنا: يصير مال تجارة، فيقوم في آخر الحول بغالب نقد البلد من الدراهم، أو الدنانير. فإن بلغ به نصابا، زكاه، وإلا فلا وإن كان يبلغ بغيره نصابا. فلو جرى في البلد نقدان متساويان، فإن بلغ بأحدهما نصابا دون الآخر، قوم به، وإن بلغ بهما، فأوجه. أصحها: يتخير المالك فيقوم بما شاء منهما، والثاني: يراعي الاغبط للمساكين، والثالث: يتعين التقويم بالدراهم، لانها أرفق، والرابع: يقوم بالنقد الغالب في أقرب البلاد إليه. الحال الخامس: أن يملك بالنقد وغيره، بأن اشترى بمائتي درهم وعرض قنية، فما قابل الدراهم يقوم بها، وما قابل العرض، يقوم بنقد البلد. فإن كان النقد

(2/137)


دون النصاب، عاد الوجهان. كما يجري التقسيط عند اختلاف الجنس، يجري عند اختلاف الصفة، كما لو اشترى بنصاب من الدنانير بعضها صحيح وبعضها مكسر، وبينهما تفاوت، فيقوم ما يخص الصحيح بالصحاح، وما يخص المكسر بالمكسر. فصل تصرف التاجر في مال التجارة بالبيع، بعد وجوب الزكاة، وقبل الاداء، قيل: هو على الخلاف في بيع سائر الاموال بعد وجوب الزكاة فيها. وقيل: إن قلنا: يؤدي الزكاة من عين العرض، فهو على ذلك الخلاف، وإن قلنا: يؤدي من القيمة، فهو كما لو وجبت شاة في خمس من الابل، فباعها. وهذان الطريقان شاذان. والمذهب الصحيح الذي قطع به الجمهور: القطع بجواز البيع، ثم سواء باع بقصد التجارة، أو بقصد اقتناء العرض، لان تعلق الزكاة به لا يبطل وإن صار مال قنية، فهو كما لو نوى الاقتناء من غير بيع. فلو وهب مال التجارة، أو أعتق عبدها، فهو كبيع الماشية بعد وجوب الزكاة فيها، لان الهبة والاعتاق يبطلان متعلق زكاة التجارة. كما أن البيع يبطل متعلق زكاة العين. ولو باع مال التجارة محاباة، فقدر المحاباة كالموهوب، فإن لم نصحح الهبة، بطل في ذلك القدر، وخرج في الباقي على تفريق الصفقة. فصل فيما إذا كان مال التجارة تجب الزكاة في عينه فإن كان عبيد تجارة، وجبت فطرتهم مع زكاة التجارة. ولو كان مال التجارة نصابا من السائمة، لم تجمع فيه زكاة التجارة والعين. وفيما تقدم منهما قولان. أظهرهما وهو الجديد، وأحد قولي القديم: تقدم زكاة العين، والثاني: زكاة التجارة. فإن قلنا بالاظهر، أخرج السن الواجبة من السائمة، وتضم السخال إلى الامات. وإن قدمنا

(2/138)


زكاة التجارة، قال في التهذيب: تقوم مع درها، ونسلها، وصوفها، وما اتخذ من لبنها، وهذا تفريع على أن النتاج مال تجارة، وقد سبق فيه الخلاف، ولا عبرة بنقصان النصاب في أثناء الحول، تفريعا على الاصح في وقت اعتبار نصاب التجارة. ولو اشترى نصابا من السائمة التجارة، ثم اشترى بها عرضا بعد ستة أشهر مثلا، فعلى القول الثاني: لا ينقطع الحول، وعلى الاول: ينقطع، ويبتدئ حول زكاة التجارة من يوم شراء العرض. ثم القولان فيما إذا كمل نصاب الزكاتين واتفق الحولان. وأما إذا لم يكمل نصاب أحدهما، بأن كان أربعين من الغنم، لا تبلغ قيمتها نصابا عند تمام الحول، أو كان تسعا وثلاثين فما دونها، وقيمتها نصاب، فالمذهب: وجوب زكاة ما بلغ به نصاباه. هكذا قطع به العراقيون، والقفال، والجمهور. وقيل: في وجوبها وجهان. وإذا غلبنا زكاة العين في نصاب السائمة، فنقصت في خلال السنة عن النصاب، ونقلناها إلى زكاة التجارة، فهل يبني حول التجارة على حول العين، أم يستأنفه ؟ وجهان، كالوجهين فيمن ملك نصاب سائمة لا للتجارة، فاشترى به عرضا للتجارة، هل يبنى حول التجارة على حول السائمة ؟ وإذا أوجبنا زكاة التجارة لنقصان الماشية المشتراة للتجارة عن النصاب، ثم بلغت في اثناء الحول نصابا بالنتاج، ولم تبلغ بالقيمة نصابا في آخر الحول، فوجهان. أحدهما: لا زكاة، لان الحول انعقد للتجارة، فلا يتغير، والثاني: ينتقل إلى زكاة العين. فعلى هذا، هل يعتبر الحول من تمام النصاب بالنتاج، أم من وقت نقص القيمة عن النصاب ؟ وجهان. قلت: الاصح: لا زكاة. والله أعلم. أما إذا كمل نصاب الزكاتين، واختلف الحولان، بأن اشترى بمتاع التجارة بعد ستة أشهر نصاب سائمة، أو اشترى به معلوفة للتجارة، ثم أسامها بعد ستة أشهر، فطريقان. أصحهما: أنه على القولين في تقديم زكاة العين أو التجارة،

(2/139)


والثاني: أن القولين مخصوصان بما إذا اتفق الحولان، بأن يشتري بعروض القنية نصاب سائمة للتجارة. فعلى هذا، فيه طريقان. أصحهما وبه قطع المعظم: أن المتقدم يمنع المتأخر قولا واحدا، فعليه زكاة التجارة في الصورة المذكورة. والطريق الثاني: على وجهين. أحدهما: هذا، والثاني: أن المتقدم يرفع حكم المتأخر، ويتجرد. وإذا طردنا القولين فيما إذا تقدم حول التجارة، فإن غلبنا زكاة التجارة، فذاك، وإن غلبنا العين، فوجهان. أحدهما: تجب عند تمام حولها، وما سبق من حول التجارة يبطل. وأصحهما: تجب زكاة التجارة عند تمام حولها، لئلا يبطل بعض حولها، ثم يستفتح حول زكاة العين من منقرض حولها، وتجب زكاة العين في سائر الاحوال. فرع لو اشترى نخيلا للتجارة، فأثمرت، أو أرضا مزروعة، فأدرك الزرع، وبلغ الحاصل نصابا، عاد القولان في أن الواجب زكاة العين، أم التجارة ؟ فإن لم يكمل أحد النصابين، أو كملا ولم يتفق الحولان، استمر التفصيل الذي سبق. ثم هذا الذي ذكرناه، فيما إذا كانت الثمرة حاصلة عند المشتري، وبدا الصلاح في ملكه. أما إذا أطلعت بعد الشراء، فهذه ثمرة حدثت من شجر التجارة، وفي ضمها إلى مال التجارة، وجهان تقدما، فإن ضممناها، فهي كالحاصلة عند الشراء، وتنزل منزلة زيادة متصلة، أو أرباح متجددة في قيمة العرض، ولا تنزل منزلة ربح بنض، ليكون حولها على الخلاف السابق فيه. فإن قلنا: ليست مال تجارة، فمقتضاه وجوب زكاة العين فيها بلا خلاف، وتخصيص زكاة التجارة بالارض والاشجار. التفريع: إن غلبنا زكاة العين، أخرج العشر أو نصفه من الثمار والزرع، وهل تسقط به زكاة الخجارة عن قيمة جذع النخل، وتبن الزرع ؟ وجهان. أصحهما:

(2/140)


لا يسقط. وفي أرض النخل والزرع طريقان. أحدهما: على الوجهين في الجذع والتبن، والثاني: القطع بالوجوب لبعد الارض عن التبعة. قال إمام الحرمين: وينبغي أن يعتبر ذلك بما يدخل في الارض المتخللة بين النخيل في المساقاة، وما لا يدخل. فما لا يدخل، تجب فيه زكاة التجارة قطعا، وما يدخل، فهو على الخلاف. وإذا أوجبنا زكاة التجارة في هذه الاشياء، فلم تبلغ قيمتها نصابا، فهل يضم قيمة الثمرة والحب إليها، ليكمل النصاب ؟ وجهان. قلت: أصحهما: لا ضم، وما ذكره الامام جزم به الماوردي. والله أعلم. وعلى هذا القول لا يسقط اعتبار التجارة في المستقبل، بل تجب زكاة التجارة في الاحوال المستقبلة. ويكون ابتداء حول التجارة، من وقت إخراج العشر، لا من بدو الصلاح، لان عليه بعد بدو الصلاح تربية الثمار للمساكين، فلا يجوز أن يكون زمان التربية محسوبا عليه. فأما إذا غلبنا زكاة التجارة، فتقوم الثمرة والجذع، وفي الزرع الحب والتبن. وتقوم الارض أيضا فيهما، وسواء اشتراها مزروعة للتجارة، أو اشترى بذرا وأرضا للتجارة وزرعها به في جميع ما ذكرنا. ولو اشترى الثمار وحدها، وبدا الصلاح في يده، جرى القولان في أنه يخرج العشر، أم زكاة التجارة ؟. فرع لو اشترى أرضا للتجارة وزرعها ببذر للقنية، وجب العشر في الزرع وزكاة التجارة في الارض بلا خلاف فيهما. فصل في زكاة مال القراض عامل القراض لا يملك حصته من الربح إلا بالقسمة على الاظهر، وعلى الثاني: يملكها بالظهور. فإذا دفع إلى غيره نقدا قراضا، وهما جميعا من أهل الزكاة، فحال عليه الحول، فإن قلنا: العامل لا يملك الربح بالظهور، وجب على المالك زكاة رأس المال والربح جميعا، لان

(2/141)


الجميع ملكه، كذا قاله الجمهور. ورأى الامام تخريج الوجوب في نصيب العامل على الخلاف في المغصوب والمحجور، لتأكد حقه في حصته. وحول الربح مبني على حول الاصل، إلا إذا رد إلى النضوض، ففيه الخلاف السابق. ثم إن أخرج الزكاة من موضع آخر، فذاك وإن أخرجها من هذا المال، ففي حكم المخرج أوجه، أصحها عند الاكثرين وهو المنصوص: يحسب من الربح كالمؤن التي تلزم المال، وكما أن فطرة عبيد التجارة، وأرش جناياتهم من الربح، والثاني: من رأس المال، والثالث: أنه لطائفة من المال، يستردها المالك، لانه مصروف إلى حق لزمه. فعلى هذا يكون المخرج من الربح ورأس المال جميعا بالتقسيط. مثاله: رأس المال مائتان، والربح مائة، فثلثا المخرج من رأس المال، وثلثه من الربح. قال في التهذيب: الوجهان مبنيان على تعلق الزكاة، هل هو بالعين، أو بالذمة ؟ إن قلنا: بالعين، فكالمؤن، وإلا فهو استرداد. وقيل: إن قلنا: بالعين، فكالمؤن، وإلا ففيه الوجهان. واستبعد إمام الحرمين هذا البناء. أما إذا قلنا: يملك حصته بالظهور، فعلى المالك زكاة رأس المال، ونصيبه من الربح. وهل على العامل زكاة نصيبه ؟ فيه طرق. أحدها: أنه على قولين كالمغصوب، لانه غير متمكن من كمال التصرف، والثاني: القطع بالوجوب لتمكنه من التوصل بالمقاسمة، والثالث: القطع بالمنع لعدم استقرار ملكه لاحتمال الخسران. والمذهب: الايجاب، سواء أثبتنا الخلاف، أم لا، فعلى هذا، فابتداء حول حصته من حين الظهور على الاصح المنصوص، والثاني: من حين تقوم المال على المالك لاخذ الزكاة، والثالث: من حين القسمة، لانه وقت الاستقرار، والرابع: حوله حول رأس المال. ثم إذا تم حوله، ونصيبه لا يبلغ نصابا، لكن مجموع المال يبلغ نصابا، فإن أثبتنا الخلطة في النقدين، فعليه

(2/142)


الزكاة، وإلا، فلا، إلا أن يكون له من جنسه ما يتم به النصاب، وهذا إذا لم نجعل ابتداء الحول من المقاسمة. فإن جعلناه منها، سقط النظر إلى الخلطة. وإذا أوجبنا الزكاة على العامل، لم يلزمه إخراجها قبل القسمة على المذهب، فإذا اقتسما، زكى ما مضى. وحكي وجه: أنه يلزمه الاخراج في الحال، لتمكنه من القسمة. ثم إن أخرج الزكاة من موضع آخر، فذاك، فإن أراد إخراجها من مال القراض، فهل يستبد به، أم للمالك منعه ؟ وجهان. أصحهما: يستبد، قال الروياني: وهو المنصوص. والثاني: لا يستبد، وللمالك منعه. أما إذا كان المالك من أهل وجوب الزكاة دون العامل، وقلنا: الجميع له ما لم يقسم، فعليه زكاة الجميع. وإن قلنا بالقول الآخر، فعليه زكاة رأس المال ونصيب من الربح، ولا يكمل نصيب المالك إذا لم يبلغ نصابا بنصيب العامل، لانه ليس من أهل الزكاة. أما إذا كان العامل من أهل الزكاة، دون المالك فإن قلنا: الجميع للمالك قبل القسمة، فلا زكاة. وإن قلنا: للعامل حصة من الربح، ففي وجوب الزكاة عليه الخلاف السابق. فإذا أوجبناه، فذاك إذا بلغت حصته نصابا، أو كان له ما يتم به النصاب. ولا تثبت الخلطة، ولا يجئ في اعتبار الحول هنا إلا الوجه الاول والثالث، وليس له إخراج الزكاة من عين المال بلا خلاف، لان المالك لم يدخل في العقد على أن يخرج من المال زكاة، هكذا ذكروه، ولمانع أن يمنع ذلك، لانه عامل من عليه الزكاة.
باب زكاة المعدن والركاز
اجتمعت الامة على وجوب الزكاة في المعدن، ولا زكاة فيما يستخرج من

(2/143)


المعدن، إلا في الذهب والفضة. هذا هو المذهب المشهور الذي قطع به الاصحاب. وحكي وجه: أنه تجب زكاة كل مستخرج منه، منطبعا كان، كالحديد والنحاس، أو غيره، كالكحل والياقوت، وهذا شاذ منكر. وفي واجب النقدين المستخرجين منه، ثلاثة أقوال. أظهرها: ربع العشر، والثاني: الخمس، والثالث: إن ناله بلا تعب ومؤونة، فالخمس، وإلا فربع العشر. ثم الذي اعتمده الاكثرون على هذا القول في ضبط الفرق، الحاجة إلى الطحن، والمعالجة بالنار، والاستغناء عنهما، فما احتاج، فربع العشر، وما استغنى عنهما، فالخمس. والمذهب: أنه يشترط كونه نصابا. وقيل: في اشتراطه قولان. والمذهب المنصوص عليه في معظم كتب الشافعي رحمة الله عليه: أنه لا يشترط الحول. وقيل: في اشتراطه قولان. ووجه المذهب فيهما القياس على المعشرات، ولان ما دون النصاب لا يحتمل المواساة، وإنما يعتبر الحول للتمكن من تنمية المال، وهذا نما في نفسه. فرع إذا اشترطنا النصاب، فليس من شرطه أن ينال في الدفعة الواحدة نصابا، بل ما ناله بدفعات ضم بعضه إلى بعض إن تتابع العمل وتواصل النيل. قال في التهذيب: ولا يشترط بقاء ما استخرج في ملكه. فلو تتابع العمل، ولم يتواصل النيل، بل حفر المعدن زمانا، ثم عاد النيل، فان كان زمن الانقطاع يسيرا، ضم أيضا، وإلا، فقولان. الجديد: الضم. والقديم: لا ضم. وإن قطع العمل ثم عاد إليه، فإن كان القطع لغير عذر، فلا ضم، طال الزمان أم قصر، لاعراضه. وإن قطع لعذر، فالضم ثابت إن قصر الزمان، وإن طال، فكذلك عند الاكثرين. وفي وجه: لا ضم. وفي حد الطول أوجه. أصحها: الرجوع إلى العرف، والثاني: ثلاثة أيام، والثالث: يوم كامل. ثم إصلاح الآلات وهرب العبيد والاجراء من الاعذار بلا خلاف. وكذلك السفر

(2/144)


والمرض على المذهب. وقيل: فيهما وجهان. أصحهما: عذران، والثاني: لا. ومتى حكمنا بعدم الضم، فمعناه أن الاول لا يضم إلى الثاني. فأما الثاني فيكمل بالاول قطعا، كما يكمل بما يملكه من غير المعدن. فرع إذا نال من المعدن دون نصاب، وهو يملك من جنسه نصابا فصاعدا، فأما أن يناله في آخر جزء من حول ما عنده، أو مع تمام حوله، أو قبله، ففي الحالين الاولين يصير النيل مضموما إلى ما عنده، وعليه في ذلك النقد حقه، وفيما ناله حقه على اختلاف الاقوال فيه. وأما إذا ناله قبل تمام الحول، فلا شئ فيما عنده حتى يتم حوله. وفي وجوب حق المعدن فيما ناله، وجهان. أصحهما: يجب، وهو ظاهر نصه في الام والثاني: لا يجب. فعلى هذا، يجب فيما عنده ربع العشر عند تمام حوله، وفيما ناله ربع العذر عند تمام حوله. ولو كان يملك من جنسه دون نصاب، بأن ملك مائة درهم، فنال من المعدن مائة، نظر، إن نال بعد تمام حول ما عنده، ففي وجوب حق المعدن فيما ناله الوجهان. فعلى الاول: يجب في المعدن حقه، ويجب فيما عنده ربع العشر إذا مضى حول من حين كمل النصاب بالنيل، وعلى الثاني: لا يجب شئ حتى يمضي حول من يوم النيل، فيجب في الجميع ربع العشر. وعن صاحب الافصاح وجه: أنه يجب فيما ناله حقه، وفيما كان عنده ربع العشر في الحال، لانه كمل بالنيل، وقد مضى عليه الحول. وأما إن ناله قبل تمام حول المائة، فلا يجئ وجه صاحب الافصاح، ويجئ الوجهان الآخران. وهذا التفصيل مذكور في

(2/145)


بعض طرق العراقيين، وقد نقل معظمه الشيخ أبو علي، ونسبه الامام إلى السهو وقال: إذا كان يملكه دون النصاب، فلا ينعقد عليه حول حتى يفرض له وسط وآخر، ويحكم بوجوب الزكاة فيه يوم النيل. ولا شك في القول بوجوب الزكاة فيه للنيل، لكن الشيخ لم ينفرد بهذا النقل، ولا صار إليه حتى يعترض عليه، وإنما نقله متعجبا منه، منكرا له. وأما إذا كان ما عنده مال تجارة، فتنتظم فيه الاحوال الثلاثة وإن كان دون النصاب بلا إشكال، لان الحول ينعقد عليه، ولا يعتبر النصاب إلا في آخر الحول على الاصح. فإن نال من المعدن في آخر حول التجارة، ففيه حق المعدن، وفي مال التجارة زكاة التجارة إن كان نصابا، وكذا إن كان دونه وبلغ بالمعدن نصابا، واكتفينا بالنصاب في آخر الحول. وإن نال قبل تمام الحول، ففي وجوب حق المعدن الوجهان السابقان، وإن نال بعد تمام الحول، نظر، إن كان مال التجارة نصابا في آخر الحول، وجب في النيل حق المعدن، لانضمامه إلى ما وجبت فيه الزكاة، وإن لم يبلغ نصابا ونال بعد مضي شهر من الحول الثاني مثلا، بني ذلك على الخلاف في أن سلعة التجارة إذا قومت في آخر الحول فلم تبلغ نصابا، ثم ارتفعت القيمة بعد شهر، هل تجب فيها الزكاة، أم ينتظر آخر الحول الثاني ؟ فإن قلنا بالاول، وجبت زكاة التجارة في مال التجارة، وحينئذ يجب حق المعدن في النيل قطعا. وإن قلنا بالثاني، ففي وجوب حق المعدن الوجهان، وجميع ما ذكرناه مفرع على المذهب أن الحول ليس بشرط في حق المعدن. فإن شرطناه، انعقد الحول عليه من حين وجده. فرع لا يمكن ذمي من حفر معادن دار الاسلام والاخذ منها، كما لا يمكن

(2/146)


من الاحياء فيها، ولكن ما أخذه قبل إزعاجه يملكه، كما لو احتطب. وهل عليه حق المعدن ؟ يبنى على أن مصرف حق المعدن ماذا ؟ فان أوجبنا فيه ربع العشر، فمصرفه مصرف الزكوات، وإن أوجبنا الخمس، فطريقان. المذهب والذي قطع به الاكثرون: مصرف الزكوات، والثاني: على قولين. أظهرهما: هذا، والثاني: مصرف خمس خمس الفيئ. فإن قلنا: بهذا، أخذ من الذمي الخمس، وإن قلنا بالمذهب، لم يؤخذ منه شئ. وعلى المذهب تشترط النية فيه. وعلى قول مصرف الفيئ، لا تشترط النية. ولو كان المستخرج من المعدن مكاتبا، لم يمنع ولا زكاة. ولو نال العبد من المعدن شيئا، فهو لسيده وعليه واجبة. ولو أمره السيد بذلك ليكون النيل له، فقد بناه صاحب الشامل على القولين في ملك العبد بتمليك السيد، وحظ الزكاة من القولين ما قدمناه. واعلم أن السلطان والحاكم، يزعج الذمي عن معدن دار الاسلام. وينقدح جواز إزعاجه لكل مسلم، لانه صاحب حق فيه. فرع لو استخرج اثنان من معدن نصابا، فوجوب الزكاة يبنى على ثبوت الخلطة في غير المواشي. فرع إذا قلنا بالمذهب: إن الحول لا يعتبر، فوقت وجوب حق المعدن حصول النيل في يده، ووقت الاخراج، التخليص والتنقية. فلو أخرج قبل التنقية من التراب والحجر، لم يجز، وكان مضمونا على الساعي، يلزمه رده. فلو اختلفا في قدره بعد التلف، أو قبله، فالقول قول الساعي مع يمينه، ومؤونة التخليص والتنقية على المالك، كمؤونة الحصاد والدياس. فلو تلف بعضه قبل التمييز، فهو كتلف بعض المال قبل الامكان. قلت: وإذا امتنع من تخليصه، أجبر. والله أعلم. فصل الركاز دفين الجاهلية، ويجب فيه الخمس، ويصرف مصرف

(2/147)


الزكوات على المذهب. وحكي قول، وقيل: وجه: أنه يصرف مصرف خمس خمس الفيئ، ولا يشترط الحول فيه بلا خلاف. والمذهب: اشتراط النصاب وكون الموجود ذهبا أو فضة. وقيل: في اشتراط ذلك، قولان. الجديد: الاشتراط. فرع لو كان الموجود على ضرب الاسلام، بأن كان عليه شئ من القرآن، أو اسم ملك من ملوك الاسلام، لم يملكه الواحد بمجرد الوجدان، بل يرده إلى مالكه إن علمه، فإن لم يعلمه، فوجهان. الصحيح الذي قطع به الجمهور: هو لقطة يعرفه الواجد سنة، ثم له تملكه إن لم يظهر مالكه. وقال الشيخ أبو علي: هو مال ضائع يمسكه الآخذ للمالك أبدا، أو يحفظه الامام له في بيت المال، ولا يملك بحال، كما لو ألقت الريح ثوبا في حجره، أو مات مورثه عن ودائع وهو لا يعرف مالكها. وإنما يملك بالتعريف ما ضاع من المارة، دون ما حصنه المالك بالدفن. ونقل البغوي عن القفال نحو هذا. قال الامام: ولو انكشفت الارض عن كنز بسيل ونحوه، فما أدري ما قول الشيخ فيه، والمال البارز ضائع، قال: واللائق بقياسه، أن لا يثبت فيه حق التمليك اعتبارا بأصل الموضع، ولو لم يعرف أن الموجود من ضرب الجاهلية أو الاسلام، فقولان. أظهرهما وأشهرهما: ليس بركاز، والثاني: ركاز فيخمس. وعلى الاظهر: يكون لقطة على قول الجمهور. وعن الشيخ أبي علي موافقة الجمهور هنا. وعنه أيضا وجهان. أحدهما: الموافقة، والثاني: أنه مال ضائع كما قال في الصورة السابقة. ثم يلزم من كون الركاز على ضرب الاسلام، كونه دفن في الاسلام، ولا يلزم من كونه على ضرب الجاهلية كونه دفن في الجاهلية، لاحتماله أنه وجده مسلم بكنز جاهلي،

(2/148)


فكنزه ثانيا، فالحكم مدار على كونه من دفن الجاهيلين، لا على كونه ضرب الجاهلية. فرع الكنز الموجود بالصفة المتقدمة، تارة يوجد في دار الاسلام، وتارة في دار الحرب. فالذي في دار الاسلام، إن وجد في موضع لم يعمره مسلم ولا ذو عهد، فهو ركاز، سواء كان مواتا أو من القلاع العادية التي عمرت في الجاهلية. فإن وجد في طريق مسلوكة، فالمذهب والذي قطع به العراقيون والقفال: أنه لقطة. وقيل: ركاز. وقيل: وجهان، والموجود في المسجد لقطة على المذهب. ويجئ فيه الوجه الذي في الطريق: أنه ركاز. وما عدا هذه المواضع، ينقسم إلى مملوك، وموقوف، فالمملوك، إن كان لغيره ووجد فيه كنزا، لم يملكه الواجد، بل إن ادعاه مالكه، فهو له بلا يمين، كالامتعة في الدار، وإلا فهو لمن تلقى صاحب الارض الملك منه. وهكذا إلى أن ينتهي إلى الذي أحيا الارض فيكون له وإن لم يدعه، لانه بالاحياء ملك ما في الارض، وبالبيع لم يزل ملكه عنه، فانه مدفون منقول. فإن كان من تلقى الملك عنه هالكا، فورثته قائمون مقامه. فإن قال بعض ورثته: هو لمورثنا، وأباه بعضهم، سلم نصيب المدعي إليه، وسلك بالباقي ما ذكرناه. هذا كله كلام الائمة صريحا وإشارة. ومن المصرحين بملك الركاز باحياء الارض، القفال. ورأى الامام تخريج ملك الركاز بالاحياء على ما لو دخلت ظبية دارا، فأغلق صاحبها الباب لا على قصد ضبطها. وفيه وجهان. أصحهما: لا يملكها، ولكن يصير أولى بها. كذلك المحيي يصير أولى بالكنز. ثم إذا قلنا: الكنز يملك بالاحياء، وزالت رقبة الارض عن ملكه، فلا بد من طلبه ورده إليه. وإن قلنا: لا يملكه، ولكن يصير أولى به، فلا يبعد أن يقال: إذا زال ملكه عن رقبة

(2/149)


الارض، بطل اختصاصه. كما أن في مسألة الظبية إذا قلنا: لا يملكها، ففتح الباب والتت، ملكها من اصطادها. التفريع: إن قلنا: المحيي لا يملك بالاحياء، فإذا دخل في ملكه، أخرج الخمس، وإلا فإذا احتوت يده على الكنز نفسه وقد مضى سنون، فلا بد من إخراج الخمس الذي لزمه يوم ملكه. وفيما مضى من السنين، يبنى وجوب ربع العشر في الاخماس الاربعة على الخلاف في الضال والمغصوب، وفي الخمس كذلك إن قلنا: تتعلق الزكاة بالعين، وإلا فعلى ما ذكرنا إذا لم يملك إلا نصابا وتكرر الحول عليه. أما إذا كان الموضع الذي وجد فيه الكنز للواجد، فإن كان أحياه، فما وجده ركاز، وعليه خمسه في وقت دخوله في ملكه كما سبق. وقال الغزالي: فيه وجهان، بناء على ما قاله الامام، وإن كان انتقل إليه من غيره، لم يحل له أخذق، بل عليه عرضه على من ملكه عنه. وهكذا حتى ينتهي إلى المحيي كما سبق. وإن كان الموضع موقوفا، فالكنز لمن في يده الارض، كذا قاله في التهذيب. هذا كله إذا وجد في دار الاسلام، فلو وجد في دار الحرب في موات، نظر، إن كانوا لا يذبون عنه، فهو كموات دار الاسلام، وإن كانوا يذبون عنه ذبهم عن العمران، فالصحيح الذي قطع به الاكثرون: أنه كمواتهم الذي لا يذبون عنه. وقال الشيخ أبو علي: هو كعمرانهم. وإن وجد في موضع مملوك لهم، نظر، إن أخذ بقهر وقتال، فهو غنيمة، كأخذ أموالهم ونقودهم من بيوتهم، فيكون خمسه لاهل الخمس، وأربعة أخماسه لمن وجده. وإن أخذ بغير قتال ولا قهر، فهو فيئ، ومستحقه أهل

(2/150)


الفيئ. كذا قاله في النهاية وهو محمول على ما إذا دخل دار الحرب بغير أمان، لانه إذا دخل بأمان لا يجوز له أخذ كنزهم لا بقتال ولا بغيره. كما ليس له أن يخونهم في أمتعة بيوتهم، وعليه الرد إن أخذ. وقد نص على هذا، الشيخ أبو علي. ثم في كونه فيئا إشكال، لان من دخل بغير أمان، وأخذ مالهم بلا قتال، إما أن يأخذه خفية، فيكون سارقا، وإما جهارا، فيكون مختلسا، وهما خاص ملك السارق والمختلس. ويتأيد هذا الاشكال بأن كثيرا من الائمة أطلقوا القول بأنه غنيمة، منهم ابن الصباغ، والصيدلاني. فرع إذا تنازع بائع الدار ومشتريها في ركاز وجد فيها، فقال المشتري: لي وأنا دفنته، وقال البائع مثل ذلك، أو قال: ملكته بالاحياء، أو تنازع المعير والمستعير، أو المكري والمستأجر هكذا، فالقول قول المشتري والمستعير والمستأجر مع أيمانهم، لان , اليد لهم، وهو كالنزاع في متاع الدار. وهذا إذا احتمل صدق صاحب اليد، ولو على بعد. فأما إذا لم يحتمل لكون مثله لا يمكن دفنه في مدة جديدة، فلا يصدق صاحب اليد. ولو وقع النزاع بين المكري والمستأجر، أو المعير والمستعير بعد رجوع الدار، إلى يد المالك، فان قال المكري أو المعير: أنا دفنته بعد عود الدار إلي، فالقول قوله بشرط الامكان. وإن قال: دفنته قبل خروج الداذ من يدي، فوجهان. أحدهما: القول قوله أيضا، وأصحهما: القول قول المستأجر والمستعير، لان المالك سلم له حصول الكنز في يده، فيده تنسخ اليد السابقة. ولهذا لو تنازعا قبل الرجوع، كان القول قوله. فرع إذا اعتبرنا النصاب في الزكاة، لم يشترط كون الموجود نصابا، بل

(2/151)


يكمله بما يملكه من جنس النقد الموجود. وفيه من التفصيل والخلاف ما سبق في المعدن، وإذا كملنا، ففي الركاز الخمس. فرع حكم الذمي في الركاز، حكمه في المعدن، فلا يمكن من أخذه في دار الاسلام، فإن وجده وأخذه، ملكه على المذهب المعروف. قال الحمام: وفيه احتمال عندي، لانه كالحاصل في قبضة المسلمين، فهو كما لهم الضال. وإذا قلنا بالمذهب فأخذه، ففي أخذ حق الزكاة منه، الخلاف السابق في المعدن. قلت: إذا وجد معدنا، أو ركازا، وعليه دين، ففي منع الدين زكاتهما القولان المتقدمان في سائر الزكوات. وإذا أوجبنا زكاة الركاز في عين الذهب والفضة، أخذ خمس الموجود لا قيمته، ولو وجد في ملكه ركاز فلم يدعه، وادعاه اثنان، فصدق أحدهما، سلم إليه. وإذا وجد من الركاز دون النصاب، وله دين تجب فيه الزكاة، فبلغ به نصابا، وجب خمس الركاز في الحال، وإن كان ماله غائبا، أو مدفونا، أو غنيمة، والركاز ناقص، لم يخمس، حتى يعلم سلامة ماله، فحينئذ يخمس الركاز الناقص عن النصاب، سواء بقي المال، أو تلف إذا علم وجوده يوم حصل الركاز. والله أعلم.
باب زكاة الفطر
هي واجبة، وقال ابن اللبان من أصحابنا: غير واجبة.

(2/152)


قلت: قول ابن اللبان شاذ منكر، بل غلط صريح. والله أعلم. وفي وقت وجوبها أقوال. أظهرها وهو الجديد: تجب بغروب الشمس ليلة العيد، والثاني: وهو القديم: تجب بطلوع الفجر يوم العيد، والثالث: تجب بالوقتين معا، خرجه صاحب التلخيص واستنكره الاصحاب، فلو ملك عبدا، أو أسلم عبده الكافر، أو نكح امرأة، أو ولد له ولد ليلة العيد، لم تجب فطرتهم على الجديد، وعلى المخرج، وتجب على القديم. ولو مات ولده أو عبده، أو زوجته، أو طلقها بائنا ليلة العيد، أو ارتد العبد، أو الزوجة، لم تجب على القديم والمخرج، وتجب على الجديد، وكذا الحكم لو أسلم الكافر قبل الغروب، ومات بعده. ولو حصل الولد أو الزوجة، أو العبد بعد الغروب، وماتوا قبل الفجر، فلا فطرة على الاقوال كلها. ولو زال الملك في العبد بعد الغروب وعاد قبل الفجر، وجبت على الجديد والقديم. وأما على المخرج، فوجهان كالوجهين في أن الواهب هل يرجع في ما زال ملك المتهب عنه ثم عاد إليه ؟ ولو باع العبد بعد الغروب واستمر ملك المشتري، فعلى الجديد: الفطرة على البائع، وعلى القديم: على المشتري، وعلى المخرج، لا تجب على واحد منهما، ولو مات مالك العبد ليلة العيد، فعلى الجديد: الفطرة في تركته، وعلى القديم: تجب على الوارث،

(2/153)


وعلى المخرج: لا فطرة أصلا، وفيه وجه: أنها تجب على الوارث على هذا القول بناء على القديم أن الوارث يبنى على حول الموروث. فصل الفطرة يجوز تعجيلها من أول شهر رمضان على المذهب. وتقدم بيانه في باب التعجيل، فإذا لم يعجل، فيستحب أن لا يؤخر إخراجها عن صلاة العيد، ويحرم تأخيرها عن يوم العيد، فإن أخر قضى. فصل الفطرة قد يؤديها عن نفسه، وقد يؤديها عن غيره. وجهات التحمل ثلاث: الملك، والنكاح، والقرابة. وكلها تقتضي وجوب الفطرة في الجملة، فمن لزمه نفقة بسبب منها، لزمه فطرة المنفق عليه، ولكن يشترط في ذلك أمور، ويستثنى عنه صور، منها: متفق عليه. ومنها: مختلف فيه، ستظهر بالتفريع إن شاء الله تعالى وقال ابن المنذر من أصحابنا: تجب فطرة الزوجة في مالها، لا على الزوج. فمن المستثنى: أن الابن تلزمه نفقة زوجة أبيه، تفريعا على المذهب في وجوب

(2/154)


الاعفاف، وفي وجوب فطرتها عليه وجهان. أصحهما عند الغزالي في طائفة: وجوبها. وأصحهما عند صاحبي التهذيب والعدة وغيرهما: لا تجب. قلت: هذا الثاني هو الاصح، وجزم الرافعي في المحرر بصحته. والله أعلم. ويجري الوجهان في فطرة مستولدته. ثم من عدا الاصول والفروع من الاقارب، كالاخوة والاعمام: لا تجب فطرتهم، كما لا تجب نفقتهم. وأما الاصول والفروع، فإن كانوا موسرين، لم تجب نفقتهم، وإلا فكل من جمع منهم إلى الاعسار الصغر، أو الجنون، أو الزمانة وجبت نفقته، ومن تجرد في حقه الاعسار، ففي نفقته قولان. ومنهم من قطع بالوجوب في الاصول. وحكم الفطرة حكم النفقة اتفاقا واختلافا. إذا ثبت هذا، فلو كان الابن الكبير في نفقة أبيه، فوجد قوته ليلة العيد ويومه فقط، لم تجب فطرته على الاب لسقوط نفقته، ولا على الابن، لاعساره. وإن كان الابن صغيرا، والمسألة بحالها، ففي سقوط الفطرة عن الاب وجهان. أصحهما: السقوط كالكبير، والثاني: لا تسقط لتأكدها. فرع الفطرة الواجبة على الغير، هل تلاقي المؤدى عنه، ثم يتحمل عن المؤدي، أم تجب على المؤدي ابتداء ؟ فيه خلاف. يقال: وجهان. ويقال: قولان مخرجان. أصحهما: الاول. ثم الاكثرون طردوا الخلاف في كل مؤد عن غيره من الزوج والسيد والقريب. قال الامام: وقال طوائف من المحققين: هذا

(2/155)


الخلاف في فطرة الزوجة فقط. أما فطرة المملوك والقريب، فتجب على المؤدي ابتداء قطعا، لان المؤدى عنه، لا يصلح للايجاب لعجزه. ثم حيث فرض الخلاف وقلنا بالتحمل، فهو كالضمان، أم كالحوالة ؟ قولان حكاهما أبو العباس الروياني في المسائل الجرجانيات فلو كان الزوج معسرا، والزوجة أمة، أو حرة موسرة، فطريقان. أصحهما: فيهما قولان بناء على الاصل المذكور. إن قلنا: الوجوب يلاقي المؤدى عنه أولا، وجبت الفطرة على الحرة وسيد الامة، وإلا فلا تجب على أحد، والطريق الثاني: تجب على سيد الامة، ولا تجب على الحرة، وهو المنصوص. والفرق، كمال تسليم الحرة نفسها، بخلاف الامة. قلت: الطريق الثاني: أصح. والله أعلم. أما إذا نشزت، فتسقط فطرتها عن الزوج قطعا. قال الامام: والوجه عندي القطع بإيجاب الفررة عليها وإن قلنا: لا يلاقيها الوجوب، لانها بالنشوز خرجت عن إمكان التحمل. ولو كان زوج الامة موسرا، ففطرتها كنفقها، وبيانها في بابها. وأما خادم الزوجة، فان كانت مستأجرة، لم تجب فطرتها، وإن كانت من إماء الزوج، فعليه فطرتها، وإن كانت من إماء الزوجة، والزوج ينفق عليها، لزمها فطرتها، لانه يمونها، نص عليه الشافعي رحمه الله في المختصر وقال الامام: الاصح عندي: أنها لا تلزمه. فرع لو أخرجت الزوجة فطرة نفسها مع يسار الزوج بغير إذنه، ففي إجزائها وجهان. إن قلنا: الزوج متحمل، أجزأ، وإلا، فلا، ويجري الوجهان فيما لو تكلف من فطرته على قريبه، باستقراض أو غيره، وأخرج بغير إذنه. والمنصوص في المختصر: الاجزاء. ولو أخرجت الزوجة أو القريب بإذن من عليه، أجزأ بلا خلاف، بل لو قال الرجل لغيره: أد عني فطرتي، ففعل، أجزأه، كما لو قال: اقض ديني.

(2/156)


فرع تجب فطرة الرجعية كنفقتها. وأما البائن: فإن كانت حائلا، فلا فطرة، كما لا نفقة، وإن كانت حاملا، فطريقان. أحدهما: تجب كالنفقة، وهذا هو الراجح عند الشيخ أبي علي، والامام، والغزالي، والثاني وبه قطع الاكثرون: أن وجوب الفطرة مبني على الخلاف في أن النفقة للحامل، أم للحمل ؟ إن قلنا بالاول، وجبت، وإلا، فلا، لان الجنين لا تجب فطرته. هذا إذا كانت الزوجة حرة، فإن كانت أمة، ففطرتها بالاتفاق مبنية على ذلك الخلاف. فإن قلنا: النفقة للحمل، فلا فطرة، كما لا نفقة، لانه لو برز الحمل، لم تجب نفقته على الزوج، لانه ملك سيدها، وإن قلنا: للحامل، وجبت، وسواء رجحنا الطريق الاول أو الثاني، فالمذهب: وجوب الفطرة، لان الاظهر: أن النفقة للحامل. فرع لا تجب على المسلم فطرة عبده، ولا زوجته، ولا قريبه، الكفار. فرع تجب فطرة العبد المشترك، وفطرة من بعضه حر. فإن لم يكن مهايأة، فالوجوب عليهما، وإن كانت مهايأة بين الشريكين، أو بين السيد ومن بعضه حر، فهل تختص الفطرة بمن وقع زمن الوجوب في نوبته، أم توزع بينهما ؟ يبنى ذلك على أن الفطرة هل هي من المؤن النادرة، أم من المتكررة، وأن النادرة هل تدخل في المهايأة، أم لا ؟ وفي الامرين خلاف. فأما الاول، فالمذهب: أن الفطرة من النادرة، وبه قطع الجمهور. وقيل: فيها وجهان. وأما الثاني: ففيه وجهان مشهوران. أصحهما: دخول النادر. فرع المدبر، وأم الولد، والمعلق عتقه على صفة، تجب فطرتهم على السيد، وتجب فطرة المرهون، والجاني، والمستأجر. وقال إمام الحرمين والغزالي: يحتمل أن يجري في المرهون الخلاف المذكور في زكاة المال المرهون، وهذا

(2/157)


الذي قالاه، لا نعرفه لغيرهما، بل قطع الاصحاب بالوجوب هنا وهناك. وأما العبد المغصوب والضال، فالمذهب: وجوب فطرته. وقيل: قولان، كزكاة المغصوب. وطرد ابن عبدان هذا الخلاف فيما إذا حيل بينه وبين زوجته وقت الوجوب. وأما العبد الغائب، فان علم حياته وكان في طاعته، وجبت فطرته، وإن كان آبقا، ففيه الطريقان، كالمغصوب. وإن كان لم يعلم حياته، وانقطع خبره مع تواصل الرفاق، فطريقان. أحدهما: القطع بوجوبها، والثاني: على قولين. والمذهب: على الجملة وجوبها. والمذهب: أن هذا العبد لا يجزئ عتقه عن الكفارة. ثم إذا أوجبنا الفطرة في هذه الصور، فالمذهب: وجوب إخراجها في الحال. ونص في الاملاء على قولين فيه. فرع العبد ينفق على زوجته من كسبه، ولا يخرج الفطرة عنها حرة كانت أو أمة، لانه ليس أهلا لفطرة نفسه، فكيف يحمل عن غيره ؟ بل تجب على الزوجة فطرة نفسها إن كانت حرة، وعلى السيد إن كانت أمة على المذهب فيهما. وقيل: فيهما القولان السابقان فيما إذا كان الزوج حرا معسرا. ولو ملك السيد عبده شيئا، وقلنا: يملكه، لم يكن له إخراج فطرة زوجته استقلالا، لانه ملك ضعيف، فلو صرح في الاذن بالصرف إلى هذه الجهة (فوجهان) فإن قلنا: له ذلك، فليس للسيد الرجوع عن الاذن بعد دخول الوقت، لان الاستحقاق إذا ثبت فلا مدفع له. فرع إذا أوصى بمنفعة عبد لرجل، وبرقبته لآخر، ففطرته على الموصى له بالرقبة قطعا. وهل تجب نفقته عليه، أم على الآخر، أو في بيت المال ؟ (فيه) ثلاثة أوجه. قلت: الاصح: أنها على مالك الرقبة، وأن الفطرة كالنفقة وهي معادة في

(2/158)


الوصية. والله أعلم. وعبد بيت المال، والموقوف على مسجد، لا فطرة فيهما على الصحيح. والموقوف على رجل بعينه، المذهب: أنه إن قلنا: الملك في رقبته للموقوف عليه، فعليه فطرته. وإن قلنا: لله تعالى، فوجهان. وقيل: لا فطرة فيه قطعا، وبه قطع في التهذيب. قلت: الاصح: لا فطرة إذا قلنا: لله تعالى. والله أعلم. فرع إذا مات المؤدى عنه بعد دخول الوقت وقبل إمكان الاداء، لم تسقط الفطرة على الاصح. وبه قطع في الشامل. فصل يشترط في مؤدي الفطرة، ثلاثة أمور. الاول: الاسلام. فلا فطرة على الكافر عن نفسه، ولا عن غيره، إلا إذا كان له عبد مسلم، أو قريب مسلم، أو مستولدة مسلمة، ففي وجوب الفطرة عليه وجهان، بناء على أنها تجب على المؤدي ابتداء، أو على المؤدى عنه، ثم يتحمل المؤدي ؟. قلت: أصحهما: الوجوب، وصححه الرافعي في المحرر وغيره. وهو مقتضى البناء. والله أعلم. فإن قلنا بالوجوب، فقال إمام الحرمين: لا صائر إلى أن المتحمل عنه ينوي. ولو أسلمت ذمية تحت ذمي، ودخل وقت الفطرة في تخلف الزوج، ثم أسلم قبل انقضاء العدة، ففي وجوب نفقها مدة التخلف خلاف يأتي. في موضعه إن شاء الله تعالى. فإن لم نوجبها، فلا فطرة. وإن أوجبناها، فالفطرة على هذا الخلاف في عبده المسلم. الامر الثاني: الحرية.

(2/159)


فليس على الرقيق فطرة نفسه، ولا فطرة زوجته. ولو ملكه السيد عبدا، وقلنا: يملكه، سقطت فطرته عن سيده، لزوال ملكه، ولا تجب على المتملك لضعف ملكه. وفي المكاتب ثلاثة أقوال، أو أوجه. أصحها: لا فطرة عليه، ولا على سيده عنه، والثاني: تجب على سيده، والثالث: تجب عليه في كسبه كنفقته. والخلاف في أن المكاتب عليه فطرة نفسه يجري في أن عليه فطرة زوجته وعبيده. والمدبر، والمستولدة، كالقن. ومن بعضه حر، سبق حكمه. الامر الثالث: اليسار. فالمعسر لا فطرة عليه، وكل من لم يفضل عن قوته وقوت من في نفقته، ليلة العيد ويومه، ما يخرجه في الفطرة، فهو معسر، ومن فضل عنه ما يخرجه في الفطرة من أي جنس كان من المال، فهو موسر. ولم يذكر الشافعي وأكثر الاصحاب في ضبط اليسدر والاعسار، إلا هذا القدر. وزاد الامام: فاعتبر كون الصاع فاضلا عن مسكنه وعبده الذي يحتاج إليه في خدمته. وقال: لا يحسب عليه في هذا الباب ما لا يحسب في الكفارة. وإذا نظرت كتب الاصحاب لم تجد ما ذكره، وقد يغلب على ظنك أنه لا خلاف في المسألة، وأن الذي ذكره، كالبيان والاستدراك لما أهمله الاولون، وربما اسجشهدت بكونهم لم يذكروا دست ثوب يلبسه، ولا شك في اعتباره، فإن الفطرة ليست بأشد من الدين، وهو مبقى عليه في الدين، لكن الخلاف ثابت، فان الشيخ أبا علي حكى وجها، أن عبد الخدمة لا يباع في الفطرة، كما لا يباع في الكفارة، ثم أنكر عليه وقال: لا يشترط في الفطرة كونه فاضلا عن كفايته، بل المعتبر قوت يومه كالدين، بخلاف الكفارة، فإن لها بدلا،

(2/160)


وذكر في التهذيب ما يقتضي وجهين. والاصح عنده: موافقة الامام، واحتج له بقول الشافعي رضي الله عنه: أن الابن الصغير إذا كان له عبد يحتاج إلى خدمته، لزم الاب فطرته كفطرة الابن، فلولا أن العبد غير محسوب، لسقط بسببه فطرة الابن أيضا. وإذا شرطنا كون المخرج فاضلا عن العبد والمسكن، إنما نشترطه في الابتداء، فلو ثبتت الفطرة في ذمة انسان، بعنا خادمه ومسكنه فيها، لانها بعد الثبوت التحقت بالديون. واعلم أن الدين على الآدمي يمنع وجوب الفطرة بالاتفاق، كما أن الحاجة إلى صرفه في نفقة القريب تمنعه. كذا قاله الامام. قال: ولو ظن ظان أن لا يمنعه على قول كما لا يمنع وجوب الزكاة، كان مبعدا. هذا لفظه، وفيه شئ نذكره في آخر الباب إن شاء الله تعالى. فعلى هذا، يشترط مع كون المخرج، فاضلا عما سبق، كونه فاضلا عن قدر ما عليه من الدين. واعلم أن اليسار إنما يعتبر وقت الوجوب، فلو كان معسرا عنده ثم أيسر، فلا شئ عليه. فرع لو فضل معه عما لا يجب عليه بعض صاع، لزمه إخراجه على الاصح، ولو فضل صاع وهو يحتاج إلى إخراج فطرة نفسه وزوجته وأقاربه، فأوجه. أصحها: يلزمه تقديم فطرة نفسه، والثاني: يلزمه تقديم الزوجة، والثالث: يتخير، إن شاء أخرجه عن نفسه، وإن شاء عن غيره. فعلى هذا، لو أراد توزيعه عليهم، لم يجز على الاصح. والوجهان على قولنا: من وجد بعض صاع فقط، لزمه إخراجه، فإن لم يلزمه، لم يجز التوزيع بلا خلاف. ولو فضل صاع وله عبد، صرفه عن نفسه، وهل يلزمه أن يبيع في فطرة العبد جزءا منه ؟ فيه أوجه. أصحها: إن كان يحتاج إلى خدمته، لم يلزمه، وإلا لزم والثاني: يلزمه مطلقا. والثالث: لا يلزمه مطلقا. ولو فضل صاعان وفي نفقته جماعة، فالاصح: أنه يقدم نفسه بصاع، وقيل: يتخير. وأما الصاع الآخر، فإن كان من في نفقته أقارب، قدم منهم من يقدم نفقته،

(2/161)


ومراتبهم وفاقا وخلافا، وموضعها كتاب النفقات، فإن استووا فيتخير، أو يسقط وجهان. ولم يتعرضوا للاقراع، وله مجال في نظائره. قلت: الاصح: التخيير. والله أعلم. ولو اجتمع مع الاقارب زوجة، فأوجه. أصحها: تقدم الزوجة. والثاني، القريب. والثالث: يتخير، فعلى الاصح، لو فضل صاع ثالث، فاخراجه عن أقاربه على ما سبق فيما إذا تمحضوا. والمذهب من الخلاف الذي ذكرناه، والذي أخرناه، إلى كتاب النفقات: أنه يقدم نفسه، ثم زوجته، ثم ولده الصغير، ثم الاب، ثم الام، ثم الولد الكبير. فصل الواجب في الفطرة صاع من أي جنس أخرجه، وهو خمسة أرطال وثلث بالبغدادي، وهي ستمائة درهم وثلاثة وتسعون درهما وثلث درهم. قلت: هذا الذي قاله على مذهب من يقول: رطل بغداد مائة وثلاثون درهما، ومنهم من يقول: مائة وثمانية وعشرون درهما، ومنهم من يقول: مائة وثمانية وعشرون درهما وأربعة أسباع درهم، وهو الارجح، وبه الفتوى. فعلى هذا الصاع: ستمائة درهم وخمسة وثمانون وخمسة أسباع درهم، والله أعلم. قال ابن الصباغ وغيره: الاصل فيه الكيل، وإنما قدره العلماء بالوزن استظهارا. قلت: قد يستشكل ضبط الصاع بالارطال، فإن الصاع المخرج به في زمن

(2/162)


النبي - صلى الله عليه وسلم -، مكيال معروف، ويختلف قدره وزنا باختلاف جنس ما يخرج، كالذرة والحمص وغيرهما، وفيه كلام طويل، فمن أراد تحقيقه راجعه في شرح المهذب ومختصره: أن الصواب ما قاله الامام أبو الفرج الدارمي من أصحابنا، أن الاعتماد في ذلك على الكيل، دون الوزن، وأن الواجب أن يخرج بصاع معاير بالصاع الذي كان يخرج به في عصر رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وذلك الصاع موجود، ومن لم يجده، وجب عليه إخراج قدر يتيقن أنه لا ينقص عنه. وعلى هذا، فالتقدير بخمسة أرطال وثلث تقريبا. وقال جماعة من العلماء: الصاع: أربع حفنات بكفي رجل معتدل الكفين. والله أعلم. فرع كل ما يجب فيه العشر، فهو صالح لاخراج الفطرة. وحكي قول قديم: أنه لا يجزئ فيها الحمص، والعدس. والمذهب المشهور: هو الاول. وفى الاقط، طريقان. أحدهما: القطع بجوازه، والثاني: على قولين. أظهرهما: جوازه. قلت: ينبغي أن يقطع بجوازه لصحة الحديث فيه من غير معارض.

(2/163)


والله أعلم. فإن جوزناه، فالاصح: أن اللبن والجبن في معناه، والثاني: لا يجزئان. والوجهان في إخراج من قوته الاقط، واللبن، والجبن. واتفقوا على أن إخراج المخيض والمصل والسمن، لا يجزئ، وكذلك الجبن المنزوع الزبد. فرع لا يجزئ المسوس والمعيب. وإذا جوزنا الاقط، لم يجز إخراج المملح الذي أفسد كثرة الملح جوهره. فإن كان الملح ظاهرا عليه، فالملح غير محسوب، والشرط أن يخرج قدرا يكون محض الاقط منه صاعا. ويجزئ الحب القديم وإن قلت قيمته إذا لم يتغير طعمه ولونه. ولا يجزئ الدقيق ولا السويق، ولا الخبز، كما لا تجزئ القيمة. وقال الانماطي: يجزئ الدقيق. قال ابن عبدان: مقتضى قوله، إجزاء السويق والخبز، قال: وهذا هو الصحيح، لان المقصود إشباع المساكين في هذا اليوم. والمعروف في المذهب: ما قدمناه. وأما الاقوات النادرة التي لا زكاة فيها، كالفث والحنظل، فلا تجزئ قطعا، نص عليه، وكذا لو اقتاتوا ثمرة لا عشر فيها. فرع في الواجب من الاجناس المجزئة، ثلاثة أوجه. أصحها عند

(2/164)


الجمهور: غالب قوت البلد، والثاني: قوت نفسه، وصححه ابن عبدان، والثالث: يتخير في الاجناس، وهو الاصح عند القاضي أبي الطيب. ثم إذا أوجبنا قوت نفسه أو البلد، فعدل إلى ما دونه، لم يجز، وإن عدل إلى أعلى منه، جاز بالاتفاق. وفيما يعتد به الاعلى والادنى، وجهان. أصحهما: الاعتبار بزيادة صلاحية الاقتيات، والثاني: بالقيمة. فعلى هذا يختلف باختلاف الاوقات والبلاد، إلا أن تعتبر زيادة القيمة في الاكثر. وعلى الاول، البرر خير من التمر والارز، ورجح في التهذيب الشعير على التمر، وعكسه الشيخ أبو محمد وله في الزبيب والشعير، وفي التمر والزبيب، تردد. قال الامام: والاشبه تقديم التمر على الزبيب. وإذا قلنا: المعتبر قوت نفسه، وكان يليق به البر وهو يقتات الشعير بخلا، لزمه البر، ولو كان يليق به الشعير، فكان يتنعم ويقتات البر، فالاصح: أنه يجزئه الشعير، والثاني: يتعين البر. فرع قد يخرج الواحد الفطرة عن شخصين من جنسين، ويجزئه أن يخرج عن أحد عبديه، أو قريبيه من قوت البلد إن اعتبرناه، أو قوته إن اعتبرناه، وعن الآخر جنس أعلى منه. وكذا لو ملك نصفين من عبدين، فأخرج نصف صاع من المعتبر عن نصف أحدهما، ونصفا عن الآخر من أعلى منه.

(2/165)


وإذا خيرنا بين الاجناس، فله إخراجهما من جنسين بكل حال، ولا يجوز عن شخص واحد فطرة من جنسين وإن كان أحدهما أعلى من الواجب. هذا هو المعروف، ورأيت لبعض المتأخرين تجويزه. ولو ملك رجلان عبدا، فإن خيرنا بين الاجناس، أخرجا ما شاءا بشرط اتحاد الجنس، وإن أوجبنا غالب قوت البلد، وكانا هما والعبد في بلد، أخرجا عنه من قوت البلد، فإن كان العبد في بلد آخر، بني على أن الفطرة تجب على المالك ابتداء، أم يتحمل ؟ فإن كان السيدان في بلدين مختلفي القوت، واعتبرنا قوت الشخص بنفسه، واختلف قوتهما، فأوجه. أصحها: يخرج كل واحد نصف صاع من قوت بلده أو نفسه، لانهما إذا أخرجا هكذا، فقد أخرج كل شخص (كل) واجبه من جنس، كثلاثة محرمين قتلوا ظبية، فذبح أحدهم ثلث شاة، وأطعم آخر بقيمة ثلث شاة، وصام الثالث عدل ذلك، أجزأهم، والثاني: يخرجان من أدنى القوتين، والثالث: من أعلاهما، والرابع: من قوت بلد العبد. ولو كان الاب في نفقة ولدين، فالقول في إخراجهما الفطرة عنه كالسيدين، وكذا من نصفه حر، ونصفه مملوك، إذا أوجبنا نصف الفطرة كما سبق، فالاصح: يخرجان من جنسين، والثاني: من جنس. فرع إذا أوجبنا غالب قوت البلد وكانوا يقتاتون أجناسا لا غالب فيها، أخرج ما شاء، والافضل أن يخرج من الاعلى. واعلم أن الغزالي قال في الوسيط: المعتبر غالب قوت البلد وقت وجوب الفطرة، لا في جميع السنة. وقال في الوجيز: غالب قوت البلد يوم الفطر، وهذا التقييد لم أظفر به في كلام غيره. فصل في مسائل مهمة منها: باع عبدا بشرط الخيار، فوقع وقت الوجوب في زمن الخيار،

(2/166)


إن قلنا: الملك في زمن الخيار للبائع، فعليه فطرته وإن أمضي البيع، وإن قلنا: للمشتري، فعليه فطرته وإن فسخ، وإن توقفنا، فإن تم البيع، فعلى المشتري، وإلا، فعلى البائع، وإن صادف وقت الوجوب خيار المجلس، فهو كخيار الشرط. ومنها: لو مات عن رقيق، ثم أهل شوال، فإن لم يكن عليه دين، أخرج ورثته الفطرة عن الرقيق كل بقدر حصته. فإن كان عليه دين يستغرق التركة، بني ذلك على أن الدين هل يمنع انتقال الملك في التركة إلى الوارث ؟ والصحيح المنصوص: أنه لا يمنع. وقال الاصطخري: يمنع. فإن قلنا بالصحيح، فعليهم فطرته، سواء بيع في الدين، أو لم يبع. وفي كلام الامام: أنه يجئ فيه خلاف المرهون والمغصوب. وإذا قلنا بقول الاصطخري، فإن بيع في الدين، فلا شئ عليهم، وإلا، فعليهم الفطرة. وفي الشامل وجه: أنه لا تجب عليهم مطلقا. وعن القاضي أبي الطيب: أن فطرته تجب في تركة السيد على أحد القولين، كالموصى بخدمته. هذا إذا مات السيد قبل هلال شوال، فلو مات بعده، ففطرة العبد على السيد كفطرة نفسه، وتقدم على الميراث والوصايا. وفي تقديمها على الدين طرق. أصحها: أنه على الاقوال الثلاثة التي قدمناها في زكاة المال، والثاني: القطع بتقديم فطرة العبد لتعلقها به، كأرش جنايته. وفي فطرة نفسه، الاقوال. والثالث: القطع بتقديم فطرة نفسه أيضا لقلتها في الغالب، وسواء أثبتنا الخلاف، أم لا، فالمنصوص في المختصر: تقديم الفطرة على الدين، لانه قال: ولو مات بعد ما أهل ذوال وله رقيق، فالفطرة عنه وعنهم في ماله مقدمة على

(2/167)


الديون. ولك أن تحتج بهذا النص على خلاف ما قدمناه، وعن إمام الحرمين، لان سياقه يفهم منه أن المراد ما إذا طرأت الفطرة على الدين الواجب، وإذا كان كذلك، لم يكن الدين مانعا. وبتقدير أن لا يكون كذلك، فاللفظ مطلق يشمل ما إذا طرأت الفطرة على الدين، والعكس، فاقتضى ذلك أن لا يكون الدين مانعا. ومنها: أوصى لانسان بعبد، ومات الموصي بعد وقت الوجوب، فالفطرة في تركته. فإن مات قبله وقبل الموصى له الوصية قبل الهلاك، فالفطرة عليه، وإن لم يقبل حتى دخل وقت الوجوب، فعلى من تجب الفطرة ؟ يبنى على أن الموصى له متى يملك الوصية ؟ إن قلنا: يملكها بموت الموصي، فقبل، فعليه الفطرة، وإن رد، فوجهان. أصحهما: الوجوب، لانه كان مالكا، والثاني: لا، لعدم استقرار الملك. وإن قلنا: يملكها بالقبول، بني على أن الملك قبل القبول لمن ؟ فيه وجهان. أصحهما: للورثة. فعلى هذا في الفطرة وجهان. أصحهما: عليهم، والثاني: لا، والثاني من الاولين، أنه باق على ملك الميت. فعلى هذا، لا تجب فطرته على أحد على المذهب، وحكى في التهذيب وجها: أنها تجب في تركته. وإن قلنا بالتوقف، فإن قبل، فعليه الفطرة، وإلا، فعلى الورثة. هذا كله إذا قبل الموصى له، فلو مات قبل القبول، وبعد وقت الوجوب، فقبول وارثه قائم مقام قبوله، والملك يقع له. فحيث أوجبنا عليه الفطرة إذا قبلها بنفسه، فهي من تركته إذا قبل وارثه. فإن لم يكن له تركة سوى العبد، ففي بيع جزء منه للفطرة ما سبق. ولو مات قبل وقت الوجوب أو معه، فالفطرة على الورثة إذا قبلوا، لان وقت الوجوب كان في ملكهم. قلت: قال الجرجاني في المعاياة: ليس عبد مسلم لا يجب إخراج الفطرة، إلا ثلاثة. أحدهم: المكاتب، والثاني: إذا ملك عبده عبدا، وقلنا: يملك، لا فطرة على المولى الاصلي، لزوال ملكه، ولا على العبد المملك، لضعف

(2/168)


ملكه والثالث: عبد مسلم لكافر إذا قلنا: تجب على المؤدي ابتداء. ويجئ رابع على (قول) الاصطخري وغيره، فيما إذا مات قبيل هلال شوال وعليه دين، وله عبد، كما سبق. ولو أخرج الاب من ماله فطرة ولدك الصغير الغني، جاز كالاجنبي إذا أذن، بخلاف الابن الكبير، ولو كان نصفه مكاتبا حيث يتصور ذلك في العبد المشترك، إذا جوزنا كتابة بعضه بإذن الشريك، وجب نصف صاع على مالك لنصفه القن، ولا شئ في النصف المكاتب، ومثله عبد مشترك بين معسر وموسر، يجب على الموسر نصف صاع، ولا يجب غيره.
باب قسم الصدقات
اعلم أن الامام الرافعي رحمه الله آخر هذا الباب إلى آخر ربع المعاملات فعطفه على قسم الفيئ والغنيمة، وهناك ذكره المزني رحمه الله والاكثرون. وذكره

(2/169)


ها هنا الامام الشافعي رضي الله عنه في الام وتابعه عليه جماعات، فرأيت هذا أنسب وأحسن فقدمته. والله أعلم. أصناف الزكاة ثمانية. الاول: الفقير، وهو الذي لا مال له ولا كسب، يقع موقعا من حاجته، فالذي لا يقع موقعا، كمن يحتاج عشرة ولا يملك إلا درهمين أو ثلاثة، فلا يسلبه ذلك اسم الفقير. وكذا الدار التي يسكنها، والثوب الذي يلبسه متجملا به، ذكره صاحب التهذيب وغيره. ولم يتعرضوا لعبده الذي يحتاج إلى خدمته، وهو في سائر الامور ملحق بالمسكن. قلت: قد صرح ابن كج في كتابه التجريد: بأنه كالمسكن وهو متعين. والله أعلم. ولو كان عليه دين، فيمكن أن يقال: القدر الذي يؤدى به الدين لا عبرة به في منع الاستحقاق، كما لا عبرة له في وجوب نفقة القريب، وكذا في الفطرة كما سبق. وفي فتاوى صاحب التهذيب: أنه لا يعطى سهم الفقراء حتى يصرف ما عنده إلى الدين. قال: ويجوز أخذ الزكاة - لمن ماله على مسافة القصر - إلى أن

(2/170)


يصل إلى ماله. ولو كان له دين مؤجل، فله أخذ كفايته إلى حلول الاجل. وقد يتردد الناظر في اشتراط مسافة القصر. فرع المعتبر في عجزه عن الكسب، عجزه عن كسب يقع موقعا من حاجته، لا عن أصل الكسب. والمعتبر كسب يليق بحاله ومروءته. ولو قدر على الكسب، إلا أنه مشتغل ببعض العلوم الشرعية، ولو أقبل على الكسب، لانقطع عن التحصيل، حلت له الزكاة. أما المعطل المعتكف في المدرسة، ومن لا يتأتى منه التحصيل، فلا تحل لهما الزكاة مع القدرة على الكسب. قلت: هذا الذي ذكره في المشتغل بالعلم، هو المعروف في كتب أصحابنا. وذكر الدارمي فيه ثلاثة أوجه. أحدها: يستحق، والثاني: لا، والثالث: إن كان نجيبا يرجى تفقهه ونفع الناس به، استحق، وإلا، فلا. والله أعلم. ومن أقبل على نوافل العبادات، والكسب يمنعه منها، أو استغراق الوقت بها، لا تحل له الصدقة، وإذا لم يجد الكسوب من يستعمله، حلت الزكاة له. فرع لا يشترط في الفقر الزمانة والتعفف عن السؤال على المذهب، وبه قطع المعتبرون. وقيل: قولان. الجديد: كذلك، والقديم: يشترط. فرع المكفي بنفقة أبيه أو غيره، ممن تلزمه نفقته، والفقيرة التي ينفق عليها زوج غني، هل يعطيان من سهم الفقراء ؟ يبنى على مسألة، وهي لو وقف على فقراء أقاربه، أو أوصى لهم، وكانا في أقاربه، هل يستحقان سهما من الوقف والوصية ؟ فيه أربعة أوجه. أصحها: لا، قاله أبو زيد والخضري، وصححه الشيخ أبو علي وغيره، والثاني: نعم، قاله ابن الحداد، والثالث: يستحق القريب دون الزوجة، لانها تستحق عوضها، وتستقر في ذمة الزوج، قاله الاودني، والرابع:

(2/171)


عكسه، والفرق أن القريب تلزم كفايته من كل وجه، حتى الدواء وأجرة الطبيب، فاندفعت حاجاته، والزوجة ليس لها إلا مقدر، وربما لا يكفيها. وأما مسألة الزكاة، فإن قلنا: لا حق لهما في الوقف والوصية، فالزكاة أولى، وإلا فيعطيان على الاصح. وقيل: لا يعطيان، وبه قال ابن الحداد. والفرق أن الاستحقاق في الوقف، باسم الفقر، ولا يزول اسم الفقر بقيام غيره بأمره. وفي الزكاة الحاجة، ولا حاجة مع توجه النفقة، فأشبه من يكسب كل يوم كفايته، حيث لا يجوز له الاخذ من الزكاة، وإن كان معدودا في الفقراء. والخلاف في مسألة القريب إذا أعطاه غير من تلزمه نفقته من سهم الفقراء أو المساكين، ويجوز أن يعطيه من غيرهما بلا خلاف. وأما المنفق عليه، فلا يجوز أن يعطيه من سهم الفقراء والمساكين، لغناه بنفقته، ولانه يدفع عن نفسه النفقة، وله أن يعطيه من سهم العامل، والغارم، والغازي، والمكاتب، إذا كان بتلك الصفة، وكذا من سهم المؤلفة، إلا أن يكون فقيرا، فلا يعطيه، لانه يسقط النفقة عن نفسه. ويجوز أن يعطيه من سهم ابن السبيل مؤنة السفر دون ما يحتاج إليه سفرا وحضرا، فإن هذا القدر هو المستحق عليه. وأما في مسألة الزوجة، فالوجهان يجريان في الزوج كغيره، لانه بالصرف إليها لا يدفع عن نفسه النفقة، بل نفقتها عوض لازم، غنية كانت أم فقيرة، فصار كمن استأجر فقيرا، فله دفع الزكاة إليه مع الاجرة. فإن منعنا، فلو كانت ناشزة، ففي التهذيب. أنه يجوز إعطاؤها، لانه لا نفقة لها. والصحيح الذي قطع به الشيخ أبو حامد والاكثرون: المنع، لانها قادرة على النفقة بترك النشوز، فأشبهت القادر على الكسب. وللزوج أن يعطيها من سهم المكاتب والغارم قطعا، ومن سهم المؤلفة على الاصح، وبه قطع في التتمة. وقال الشيخ أبو حامد: لا تكون المرأة من المؤلفة، وهو ضعيف، ولا تكون المرأة عاملة ولا غازية. وأما سهم

(2/172)


ابن السبيل، فإن سافرت مع الزوج، لم تعط منه، سواء سافرت بإذنه أو بغير إذنه، لان نفقتها عليه في الحالين، لانها في قبضته، ولا تعطى مؤنة السفر إن سافرت معه بغير إذنه، لانها عاصية. قلت: قال أصحابنا: مؤنة سفرها معه إن كان بإذنه، فهي عليه، فلا تعطى، وإن كان بغير إذنه، فلا تعطى الحمولة على الاصح، لانها عاصية. وقال الشيخ أبو حامد: تعطى. والله أعلم. وإن سافرت وحدها، فإن كان بإذنه، وأوجبنا نفقتها، أعطيت مؤنة السفر فقط من سهم ابن السبيل، وإن لم نوجبها، أعطيت جميع كفايتها، وإن خرجت بغير إذنه، لم تعط منه، لانها عاصية. ويجوز أن تعطى هذه من سهم الفقراء والمساكين، بخلاف الناشزة، لانها تقدر على العود إلى طاعته، والمسافرة لا تقدر. فإن تركت سفرها وعزمت على العود إليه، أعطيت من سهم ابن السبيل. الصنف الثاني: المسكين، وهو الذي يملك ما يقع موقعا من كفايته ولا يكفيه، بأن احتاج إلى عشرة وعنده سبعة أو ثمانية. وفي معناه، من يقدر على كسب ما يقع موقعا، ولا يكفي، وسواء كان ما يملكه من المال نصابا أو أقل، أو أكثر، ولا يعتبر في المسكين السؤال، قطع به أكثر الاصحاب، ومنهم من نقل عن القديم اعتباره. وإذا عرفت الفقير والمسكين، عرفت أن الفقير أشد حالا من المسكين. هذا هو الصحيح، وعكسه أبو إسحق المروزي.

(2/173)


فرع المعتبر من قولنا، يقع موقعا من كفايته وحاجته، المطعم، والمشرب، والملبس، والمسكن، وسائر ما لا بد منه على ما يليق بالحال، من غير إسراف ولا تقتير للشخص، ولمن هو في نفقته. فرع سئل الغزالي رحمه الله عن القوي من دهل البيوتات، الذين لم تجر عادتهم بالتكسب بالبدن، هل له أخذ الزكاة ؟ قال: نعم، وهذا جار على ما سبق، أن المعتبر حرفة تليق به. قلت: بقيت مسائل تتعلق بالفقير والمسكين. إحداها: قال الغزالي في الاحياء: لو كان له كتب فقه، لم تخرجه عن المسكنة، ولا تلزمه زكاة الفطر. وحكم كتبه حكم أثاث البيت، لانه محتاج إليها، لكن ينبغي أن يحتاط في مهم الحاجة إلى الكتاب. فالكتاب يحتاج إليه لثلاثة أغراض، من التعليم، والتفرج بالمطالعة، والاستفادة. فالتفرج لا يعد حاجة، كاقتناء كتب الشعر والتواريخ ونحوها مما لا ينفع في الآخرة، ولا في الدنيا، فهذا يباع في الكفارة وزكاة الفطر، ويمنع اسم المسكنة. وأما حاجة التعليم، فإن كان للتكسب، كالمؤدب، والمدرس بأجرة، فهذه آلته، فلا تباع في الفطرة كآلة الخياط، وإن كان يدرس للقيام بفرض الكفاية، لم يبع، ولا تسلبه اسم المسكنة، لانها حاجة مهمة. وأما حاجة الاستفادة والتعليم من الكتاب، كادخاره كتاب طب ليعالج به نفسه، أو كتاب وعظ ليطالعه ويتعظ به، فإن كان في البلد طبيب وواعظ، فهو مستغن عن الكتاب. وإن لم يكن، فهو محتاج. ثم ربما لا يحتاج إلى مطالعته إلا بعد مدة، فينبغي أن تضبط فيقال: ما لا يحتاج إليه في السنة، فهو مستغن عنه. فتقدر حاجة أثاث البيت وثياب البدن بالسنة، فلا تباع ثياب الشتاء في الصيف، ولا ثياب الصيف في الشتاء، والكتب بالثياب أشبه. وقد يكون له من كتاب نسختان، فلا

(2/174)


حاجة له إلى إحداهما فإن قال: إحداهما أصح، والاخرى أحسن، قلنا: اكتف بالاصح، وبع الاحسن، وإن كان نسختان من علم واحد، إحداهما مبسوطة، والاخرى وجيزة، فإن كان مقصوده الاستفادة، فليكتف بالبسيط، وإن كان التدريس احتاج إليهما. هذا آخر كلام الغزالي، وهو حسن، إلا قوله في كتاب الوعظ أنه يكتفي بالواعظ، فليس بمختار، لانه ليس كل واحد ينتفع بالواعظ كانتفاعه في خلوته وعلى حسب إرادته. ولو كان له عقار ينقص دخله عن كفايته، فهو فقير أو مسكين، فيعطى من الزكاة تمامها، ولا يكلف بيعه. ذكره الجرجاني في التحرير والشيخ نصر وآخرون. والله أعلم. الصنف الثالث: العامل، يجب على الامام بعث السعاة لاخذ الصدقات، ويدخل في اسم العامل، الساعي، فالكاتب، والقسام، والحاشر، وهو الذي يجمع أرباب الاموال، والعريف، وهو كالنقيب للقبيلة، والحاسب وحافظ المال، قال المسعودي: وكذا الجندي، فهؤلاء لهم سهم من الزكاة، ولا حق فيها للامام، ولا لوالي الاقليم والقاضي، بل رزقهم إذا لم يتطوعوا، في خمس الخمس المرصد للمصالح العامة، وإذا لم تقع الكفاية بعامل واحد من ساع وكاتب وغيرهما، زيد قدر الحاجة. وفي أجرة الكيال، والوزان، وعاد الغنم وجهان. أحدهما: من سهم العاملين، وأصحهما: أنها على المالك، لانها لتوفية ما عليه، فهي كأجرة الكيال في البيع، فإنها على البائع.

(2/175)


قلت: هذا الخلاف في الكيال ونحوه، ممن يميز نصيب الفقراء من نصيب المالك. فأما الذي يميز بين الاصناف، فأجرته من سهم العاملين بلا خلاف. وأما أجرة الراعي والحافظ بعد قبضها، فهل هي من سهم العاملين، أو في جملة الصدقات ؟ وجهان حكاهما في المستظهري. أصحهما: الثاني، وبه قطع صاحب العدة. وأجرة الناقل والمخزن، في الجملة. وأما مؤنة إحضار الماشية ليعدها الساعي، فعلى المالك. والله أعلم. الصنف الرابع: المؤلفة، وهم ضربان، كفار ومسلمون، فالكفار قسمان، قسم يميلون إلى الاسلام ويرغبون فيه بإعطاء مال، وقسم يخاف شرهم، فيتألفون لدفع شرهم، فلا يعطى القسمان من الزكاة قطعا، ولا من غيرها على الاظهر. وفي قول: يعطون من خمس الخمس. وأشار بعضهم إلى أنهم لا يعطون إلا إن نزل بالمسلمين نازلة. وأما مؤلفة المسلمين فأصناف، صنف دخلوا في الاسلام ونيتهم ضعيفة، فيتألفون ليثبتوا، وآخرون لهم شرف في قومهم يطلب بتألفهم إسلام نظرائهم، وفي هذين الصنفين ثلاثة أقوال. أحدها: لا يعطون، والثاني: يعطون من سهم المصالح، والثالث: من الزكاة. وصنف يراد بتألفهم أن يجاهدوا من يليهم من الكفار، أو من مانعي الزكاة، ويقبضوا زكاتهم، فهؤلاء لا يعطون قطعا، ومن أين يعطون ؟ فيه أقوال. أحدها: من خمس الخمس، والثاني: من سهم المؤلفة، والثالث: من سهم الغزاة. والرابع: قال الشافعي رضي الله عنه: يعطون من سهم المؤلفة، وسهم الغزاة، فقال طائفة من الاصحاب على هذا الرابع: يجمع بين السهمين للشخص الواحد، وقال بعضهم: المراد إن كان التألف لقتال الكفار، فمن سهم الغزاة، وإن كان لقتال مانعي الزكاة، فمن سهم المؤلفة، وقال آخرون: معناه، يتخير الامام إن شاء من ذا السهم، وإن شاء من ذلك، وربما قيل: إن شاء

(2/176)


جمع السهمين، وحكي وجه: أن المتألف لقتال مانعي الزكاة وجمعها يعطى من سهم العاملين. وأما الاظهر من هذا الخلاف في الاصناف، لم يتعرض له الاكثرون، بل أرسلوا الخلاف، وقال الشيخ أبو حامد في طائفة: الاظهر من القولين في الصنفين الاولين أنهم لا يعطون، وقياس هذا أن لا يعطى الصنفان الآخران من الزكاة، لان الاولين أحق باسم المؤلفة من الآخرين، لان في الآخرين معنى الغزاة والعاملين، وعلى هذا فيسقط سهم المؤلفة بالكلية، وقد صار إليه من المتأخرين، الروياني وجماعة، لكن الموافق لظاهر الآية، ثم لسياق الشافعي رضي الله عنه والاصحاب، إثبات سهم المؤلفة، وأن يستحقه الصنفان، وأنه يجوز صرفه إلى الآخرين أيضا، وبه أفتى أقضى القضاة الماوردي في كتابه الاحكام السلطانية. الصنف الخامس: الرقاب، وهم المكاتبون، فيدفع إليهم ما يعينهم على العتق، بشرط أن لا يكون معه ما يفي بنجومه، وليس له صرف زكاته إلى مكاتب نفسه على الصحيح، لعود الفائدة إليه. وجوزه ابن خيران، ويشترط كون الكتابة صحيحة، ويجوز الصرف قبل حلول النجم على الاصح، ويجوز الصرف إلى المكاتب بغير إذن السيد، والاحوط الصرف إلى السيد بإذن المكاتب. ولا يجزئ بغير إذن المكاتب، لانه المستحق، لكن يسقط عن المكاتب بقدر المصروف، لان

(2/177)


من أدى دين غيره بغير إذنه، برئت ذمته. قلت: هذا الذي ذكره من كون الدفع إلى السيد أحوط وأفضل، هو الذي أطلقه جماهير الاصحاب. وقال الشيخ أبو الفتح نصر المقدسي الزاهد من أصحابنا: إن كان هذا الحاصل آخر النجوم، ويحصل العتق بالدفع إلى السيد بإذن المكاتب، فهو أفضل، وإن حصل دون ما عليه، لم يستحب دفعه إلى السيد، لانه إذا دفعه إلى المكاتب، أتجر فيه ونماه، فهو أقرب إلى العتق. والله أعلم. فرع إذا استغنى المكاتب عما أعطيناه، أو عتق بتبرع السيد باعتاقه، أو بابرائه، أو بأداء غيره عنه، أو بأدائه هو من مال آخر، وبقي مال الزكاة في يده، فوجهان. وقيل: قولان. أحدهما: لا يسترد منه، كالفقير يستغني، وأصحهما: يسترد لعدم حصول المقصود بالمدفوع. ويجري الوجهان في الغارم إذا استغنى عن المأخوذ بإبراء ونحوه، وإن كان قد تلف المال في يده بعد العتق، غرمه، وإن أتلفه قبله، فلا، على الصحيح. وقال في الوسيط: وكذا لو تلفه. وإذا عجز المكاتب، فان كان المال في يده، استرد. وإن كان تالفا، لزمه غرمه على الاصح. وهل يتعلق بذمته، أم برقبته ؟ فيه وجهان. قلت: أصحهما: بذمته. والله أعلم. ولو دفعه إلى السيد وعجز عن بقية النجوم، ففي الاسترداد من السيد الخلاف السابق في الاسترداد من المكاتب، فان تلف عنده، ففي الغرم الخلاف السابق أيضا، ولو ملكه السيد شخصا، لم يسترد منه، بل يغرم السيد إن قلنا بتغريمه. قلت: وإذا لم يعجز نفسه واستمر في الكتابة، فتلف ما أخذ، وقع الموقع. والله أعلم. فرع للمكاتب أن يتجر بما أخذه طلبا للزيادة، وحصول الاداء،

(2/178)


والغارم، كالمكاتب. فرع نقل بعض الاصحاب للامام، أن للمكاتب أن ينفق ما أخذ ويؤدي النجوم من كسبه. ويجب أن يكون الغارم كالمكاتب. قلت: قد قطع صاحب الشامل بأن المكاتب يمنع من إنفاق ما أخذ. ونقله أيضا صاحب البيان عنه. ولم يذكره غيره، وهذا أقيس من قول الامام. والله أعلم. فرع قال البغوي في الفتاوى: لو اقترض ما أدى به النجوم فعتق، لم يصرف إليه من سهم الرقاب، ولكن يصرف إليه من سهم الغارمين، كما لو قال لعبده: أنت حر على ألف، فقبل، عتق، ويعطى الالف من سهم الغارمين. الصنف السادس: الغارمون، والديون ثلاثة أضرب. الاول: دين لزمه لمصلحة نفسه، فيعطى من الزكاة ما يقضي به بشروط. أحدها: أن يكون به حاجة إلى قضائه منها، فلو وجد ما يقضيه من نقد أو عرض، فقولان. القديم: يعطى للآية، وكالغارم لذات البين. والاظهر: المنع، كالمكاتب وابن السبيل. فعلى هذا، لو وجد ما يقضي به بعض الدين، أعطي البقية فقط، فلو لم يملك شيئا، ولكن يقدر على قضائه بالاكتساب، فوجهان. أحدهما: لا يعطى كالفقير، وأصحهما: يعطى، لانه لا يقدر على قضائه إلا بعد زمن. والفقير يحصل حاجته في الحال، ويجري الوجهان في المكاتب إذا لم يملك شيئا، لكنه كسوب. وأما معنى الحججة المذكورة، فعبارة الاكثرين، تقتضي كونه فقيرا لا يملك شيئا، وربما صرحوا به. وفي بعض شروح المفتاح، أنه لا يعتبر المسكن، والملبس، والفراش، والآنية. وكذا الخادم، والمركوب إن اقتضاهما حاله، بل

(2/179)


يقضى دينه وإن ملكها. وقال بعض المتأخرين: لا يعتبر الفقر والمسكنة هنا، بل لو ملك قدر كفايته، وكان لو قضى دينه لنقص ماله عن كفايته، ترك معه ما يكفيه، وأعطي ما يقضي به الباقي، وهذا أقرب. الشرط الثاني: أن يكون دينه لنفقة في طاعة أو مباح، فإن كان في معصية، كالخمر، والاسراف في النفقة، لم يعط قبل التوبة على الصحيح، فإن تاب، ففي إعطائه وجهان. أصحهما في الشامل والتهذيب: لا يعطى، وبه قال ابن أبي هريرة. وأصحهما عند أبي خلف السلمي والروياني: يعطى، وقطع به في الافصاح وهو قول أبي إسحق. قلت: جزم الامام الرافعي في المحرر بالوجه الاول. والله أعلم. الاصح: الثاني. وممن صححه غير المذكورين، المحاملي في المقنع وصاحب التنبيه، وقطع به الجرجاني في التحرير ولم يتعرض الاصحاب هنا لاستبراء حاله، ومضي مدة بعد توبته يظهر فيها صلاح الحال، إلا أن الروياني قال: يعطى على أحد الوجهين إذا غلب على الظن صدقه في توبته، فيمكن أن يحمل عليه. الشرط الثالث: أن يكون حالا، فإن كان مؤجلا، ففي إعطائه أوجه. ثالثها: إن كان الاجل تلك السنة، أعطي، وإلا، فلا يعطى من صدقات تلك السنة. قلت: الاصح: لا يعطى، وبه قطع في البيان. والله أعلم. الضرب الثاني: ما استدانه لاصلاح ذات البين، مثل أن يخاف فتنة بين

(2/180)


قبيلتين أو شخصين، فيستدين طلبا للاصلاح وإسكان الثائرة، فينظر، إن كان ذلك في دم تنازع فيه قبيلتان ولم يظهر القاتل، فتحمل الدية، قضي دينه من سهم الغارمين إن كان فقيرا أو غنيا بعقار قطعا. وكذا إن كان غنيا بنقد على الصحيح. والغنى بالعروض، كالغني بالعقار على المذهب. وقيل: كالنقد، ولو تحمل قيمة مال متلف، أعطي مع الغنى على الاصح. الضرب الثالث: ما التزمه بضمان، فله أربعة أحوال. أحدها: أن يكون الضامن والمضمون عنه معسرين، فيعطى الضامن ما يقضي به الدين. قال المتولي: ويجوز صرفه إلى المضمون عنه، وهو أولى، لان الضامن فرعه، ولان الضامن إذا أخذ وقضى الدين بالمأخوذ، ثم رجع على المضمون عنه، احتاج الامام أن يعطيه ثانيا، وهذا الذي قاله ممنوع، بل إذا أعطيناه لا يرجع، إنما يرجع الضامن إذا غرم من عنده. الحال الثاني: أن يكونا موسرين، فلا يعطى، لانه إذا غرم رجع على الاصيل، وإن ضمن بغير إذنه، فوجهان. الحال الثالث: إذا كان المضمون عنه موسرا، والضامن معسرا، فإن ضمن بإذنه، لم يعط، لانه يرجع، وإلا أعطي في الاصح. الحال الرابع: أن يكون المضمون عنه معسرا، والضامن موسرا، فيجوز أن يعطي المضمون عنه، وفي الضامن وجهان. أصحهما: لا يعطى. فرع إنما يعطى الغارم عند بقاء الدين، فأما إذا أداه من ماله، فلا يعطى، لانه لم يبق غارما. وكذا لو بذل ماله ابتداء فيه، لم يعط فيه، لانه ليس غارما. فرع قال أبو الفرج السرخسي: ما استدانه لعمارة المسجد

(2/181)


وقرى الضيف، حكمه حكم ما استدانه لمصلحة نفسه. وحكى الروياني عن بعض الاصحاب: أنه يعطى هذا مع الغنى بالعقار، ولا يعطى مع الغنى بالنقد. قال الروياني: هذا هو الاختيار. فرع يجوز الدفع إلى الغريم، بغير إذن صاحب الدين، ولا يجوز إلى صاحب الدين بغير إذن المديون، لكن يسقط من الدين بقيمة قدر المصروف كما سبق في المكاتب. ويجوز الدفع إليه بإذن المديون، وهو أولى، إلا إذا لم يكن وافيا وأراد المديون أن يتجر فيه. فرع لو أقام بينة أنه غرم وأخذ الزكاة، ثم بان كذب الشهود، ففي سقوط الفرض، القولان، فيمن دفعها إلى من ظنه فقيرا، فبان غنيا، قاله إمام الحرمين. ولو دفع إليه، وشرط أن يقضيه ذلك عن دينه، لم يجزئه قطعا، ولا يصح قضاء الدين بها. قلت: ولو نويا ذلك ولم يشرطاه، جاز. والله أعلم. قال في التهذيب: ولو قال المديون: ادفع إلي زكاتك حتى أقضيك دينك، ففعل، أجزأه عن الزكاة، ولا يلزم المديون دفعه إليه عن دينه. ولو قال صاحب الدين: اقض ما عليك، لارده عليك من زكاتي، ففعل، صح القضاء، ولا يلزمه رده. قال القفال: ولو كان له عند الفقير حنطة وديعة، فقال: كل لنفسك كذا، ونواه زكاة، ففي إجزائه عن الزكاة وجهان. ووجه المنع أن المالك لم يكله. فلو كان وكله بشراء ذلك القدر، فاشتراه فقبضه، وقال الموكل: خذه لنفسك، ونواه زكاة، أجزأه، لانه لا يحتاج إلى كيله. قلت: ذكر صاحب البيان: أنه لو مات رجل عليه دين ولا وفاء له، ففي قضائه من سهم الغارمين وجهان، ولم يبين الاصح. والاصح الاشهر: لا يقضى منه، ولو كان له عليه دين، فقال: جعلته عن زكاتي، لا يجزئه على الاصح

(2/182)


حتى يقبضه، ثم يرده إليه إن شاء، وعلى الثاني: يجزئه كما لو كان وديعة، حكاه في البيان ولو ضمن دية مقتول عن قاتل لا يعرف، أعطي مع الفقر والغنى كما سبق. وإن ضمن عن قاتل معروف، لم يعط مع الغني، كذا حكاه في البيان عن الصيمري، وفي هذا التفصيل نظر. والله أعلم. الصنف السابع: في سبيل الله، وهم الغزاة الذين لا رزق لهم في الفيئ، ولا يصرف شئ من الصدقات إلى الغزاة المرتزقة، كما لا يصرف شئ من الفيئ إلى المطوعة. فإن لم يكن مع الامام شئ للمرتزقة، واحتاج المسلمين إلى من يكفيهم شر الكفار، فهل يعطى

(2/183)


المرتزقة من الزكاة من سهم سبيل الله ؟ فيه قولان. أظهرهما: لا، بل تجب إعانتهم على أغنياء المسلمين، ويعطى الغازي غنيا كان، أو فقيرا. الصنف الثامن: ابن السبيل، وهو شخصان. أحدهما: من أنشأ سفرا من بلده، أو من بلد كان مقيما به. والثاني: الغريب المجتاز بالبلد. فالاول: يعطى قطعا، وكذا الثاني على المذهب. وقيل: إن جوزنا نقل الصدقة، جاز الصرف إليه، وإلا، فلا. ويشترط أن لا يكون معه ما يحتاج إليه في سفره، فيعطى من لا مال له أصلا، وكذا من له مال في غير البلد المنتقل إليه منه. ويشترط أن لا يكون سفره معصية، فيعطى في سفر الطاعة قطعا، وكذا في المباح كالتجارة، وطلب الآبق على الصحيح. وعلى الثاني: لا يعطى، فعلى هذا يشترط كون السفر طاعة، فإذا قلنا: يعطى في المباح، ففي سفر النزهة وجهان، لانه ضرب من الفضول. والاصح: أنه يعطى. فصل في الصفات المشترطة في جميع الاصناف فمنها: أن لا يكون المدفوع إليه كافرا، ولا غازيا مرتزقا كما سبق، وأن لا يكون هاشميا ولا مطلبيا قطعا، ولا مولى لهم على الاصح. فلو استعمل هاشمي أم مطلبي، لم يحل لهم سهم العامل على الاصح. ويجري الخلاف فيما إذا جعل بعض المرتزقة عاملا. ولو انقطع خمس الخمس عن بني هاشم وبني المطلب لخلو بيت المال عن الفيئ والغنيمة، أو لاستيلاء الظلمة عليهما، لم يعطوا الزكاة على الاصح الذي عليه الاكثرون، وجوزه الاصطخري، واختاره القاضي أبو سعد الهروي، ومحمد بن يحيى رحمهم الله.

(2/184)


فصل في كيفية الصرف إلى المستحقين وما يتعلق به فيه مسائل. إحداها: فيما يعول عليه في صفات المستحقين. قال الاصحاب: من طلب الزكاة، وعلم الامام أنه ليس مستحقا، لم يجز الصرف إليه. وإن علم استحقاقه، جاز، ولم يخرجوه على القضاء بعلمه. وإن لم يعرف حاله، فالصفات قسمان. خفية وجلية، فالخفي: الفقر والمسكنة، فلا يطالب مدعيهما ببينة، لعسرهما. لكن إن عرف له مال، فادعى هلاكه، طولب بالبينة لسهولتها، ولم يفرقوا بين دعواه الهلاك بسبب خفي كالسرقة، أو ظاهر كالحريق. وإن قال: لي عيال لا يفي كسبي بكفايتهم، طولب ببينة على العيال على الاصح. ولو قال: لا كسب لي وحاله تشهد بصدقه، بأن كان شيخا كبيرا، أو زمنا، أعطي بلا بينة ولا يمين. وإن كان قويا جلدا، أو قال: لا مال لي، واتهمه الامام، فهل يحلف ؟ فيه وجهان. أصحهما: لا، فإن حلفناه، فهل هو واجب، أم مستحب ؟ وجهان. فإن نكل وقلنا: اليمين واجبة، لم يعط. وإن قلنا: مستحبة، أعطي. وأما الصفة الجلية، فضربان. أحدهما: يتعلق الاستحقاق فيه بمعنى في المستقبل، وهو الغازي، وابن السبيل، فيعطيان بقولهما بلا بينة ولا يمين. ثم إن لم يحققا الموعود ويخرجا في السفر، استرد نهما. ولم يتعرض الجمهور لبيان القدر الذي يحتمل تأخير الخروج فيه، وقدره السرخسي في أماليه بثلاثة أيام، فإن انقضت ولم يخرج، استرد منه. ويشبه أن يكون هذا على التقريب، وأن يعتبر ترصده للخروج، وكون التأخير لانتظار الرفقة وتحصيل أهبة وغيرهما. الضرب الثاني: يتعلق الاستحقاق فيه بمعنى في الحال، وتدخل فيه بقية الاصناف. فإذا ادعى العامل العمل، طولب بالبينة لسهولتها، ويطالب بها المكاتب والغارم. ولو صدقهما المولى، وصاحب الدين، كفى على الاصح، ولو كذبه المقر له، لغا الاقرار.

(2/185)


وأما المؤلف قلبه، فإن قال: نيتي في الاسلام ضعيفة، قبل قوله، لان كلامه يصدقه، وإن قال: أنا شريف مطاع في قومي، طولب بالبينة، كذا فصله جمهور الاصحاب، ومنهم من أطلق: أنه لا يطالب بالبينة، ويقوم مقام البينة الاستفاضة باشتهار الحال بين الناس، لحصول العلم، أو غلبة الظن، ويشهد لما ذكرناه من اعتبار غلبة الظن ثلاثة أمور. أحدها: قال بعض الاصحاب: لو أخبر عن الحال واحد يعتمد قوله، كفى. الثاني: قال الامام: رأيت للاصحاب رمزا إلى تردد في أنه لو حصل الوثوق بقول من يدعي الغرم، وغلب على الظن صدقه، هل يجوز اعتماده ؟ الثالث: حكى بعض المتأخرين ما لا بد من معرفته، وهو أنه لا يعتبر في هذه المواضع سماع القاضي، والدعوى والانكار والاشهاد، بل المراد إخبار عدلين. واعلم أن كلامه في الوسيط يوهم أن إلحاق الاستفاضة بالبينة مختص بالمكاتب والغارم، ولكن الوجه تعميم ذلك في كل مطالب بالبينة من الاصناف. المسألة الثانية: في قدر المعطى، فالمكاتب والغارم، يعطيان قدر دينهما، فإن قدرا على بعضه، أعطيا الباقي. والفقير والمسكين يعطيان ما تزول به حاجتهما، وتحصل كفايتهما. ويختلف ذلك باختلاف الناس والنواحي، فالمحترف الذي لا يجد آلة حرفته، يعطى ما يشتريها به قلت قيمتها، أو كثرت. والتاجر يعطى رأس مال ليشتري ما يحسن التجارة فيه، ويكون قدر ما يفي ربحه بكفايته غالبا، وأوضحوه بالمثال فقالوا: البقلي يكتفي بخمسة دراهم، والباقلاني بعشرة، والفاكهي بعشرين، والخباز بخمسين، والبقال بمائة، والعطار بألف، والبزاز بألفي درهم، والصيرفي بخمسة آلاف، والجوهري بعشرة آلاف.

(2/186)


فرع من لا يحسن الكسب بحرفة ولا تجارة، قال العراقيون وآخرون: يعطى كفاية العمر الغالب. وقال آخرون، منهم الغزالي والبغوي: يعطى كفاية سنة، لان الزكاة تتكرر كل سنة. قلت: وممن قطع بالمسألة صاحب التلخيص، والرافعي في المحرر، ولكن الاصح ما قاله العراقيون، وهو نص الشافعي رضي الله عنه، ونقله الشيخ نصر المقدسي عن جمهور أصحابنا، قال: وهو المذهب. والله أعلم. وإذا قلنا: يعطى كفاية العمر، فكيف طريقه ؟ قال في التتمة وغيره: يعطى ما يشتري به عقارا يستغل منه كفايته. ومنهم من يشعر كلامه بأنه يعطى ما ينفق عينه في حاجاته، والاول أصح. فرع وأما ابن السبيل، فيعطى ما يبلغه مقصده، أو موضع ماله إن كان له في طريقه مال، فيعطى النفقة والكسوة إن احتاج إليهما بحسب الحال شتاء وصيفا، ويهيأ له المركوب إن كان السفر طويلا والرجل ضعيفا لا يستطيع المشي. وإن كان السفر قصيرا، أو الرجل قويا، لم يعط، ويعطى ما ينقل زاده ومتاعه، إلا أن يكون قدرا يعتاد مثله أن يحمله بنفسه، ثم قال السرخسي في الامالي: إن كان ضاق المال، أعطي كراء المركوب. وإن اتسع، اشتري له مركوب. فإذا تم سفره، استرد منه المركوب على الصحيح الذي قاله الجمهور. ثم كما يعطى لذهابه، يعطى لايابه إن أراد الرجوع ولا مال له في مقصده. هذا هو الصحيح. وفي وجه: لا يعطى للرجوع في ابتداء السفر، لانه سفر آخر، وإنما يعطى إذا أراد للرجوع، ووجه ثالث: أنه إن كان على عزم أنه يصل الرجوع بالذهاب، أعطي للرجوع أيضا. وإن كان على أن يقيم هناك مدة، لم يعط، ولا يعطى لمدة الاقامة إلا مدة إقامة المسافرين، بخلاف الغازي، حيث يعطى للمقام في الثغر وإن طال،

(2/187)


لانه قد يحتاج إليه لتوقع فتح الحصن، وإنه لا يزول عنه الاسم لطول المقام، هذا هو الصحيح. وعن صاحب التقريب، أنه إن أقام لحاجة يتوقع زوالها، أعطي وإن زادت إقامته على إقامة المسافرين. فرع هل يدفع إلى ابن السبيل جميع كفايته، أو ما زاد بسبب السفر ؟ وجهان. أصحهما: الاول. فرع وأما الغازي، فيعطى النفقة والكسوة مدة الذهاب والرجوع، ومدة المقام في الثغر وإن طال. وهل يعطى جميع المؤنة، أم ما زاد بسبب السفر ؟ فيه الوجهان كابن السبيل، ويعطى ما يشتري به الفرس إن كان يقاتل فارسا، وما يشتري به السلاح وآلات القتال، ويصير ذلك ملكا له. ويجوز أن يستأجر له الفرس والسلاح. ويختلف الحال بحسب كثرة المال وقلته. وإن كان يقاتل راجلا، فلا يعطى لشراء الفرس. وأما ما يحمل عليه الزاد ويركبه في الطريق، فكابن السبيل. فرع إنما يعطى الغازي إذا حضر وقت الخروج، ليهئ به أسباب سفره. فإن أخذ ولم يخرج، فقد سبق أنه يسترد. فإن مات في الطريق، أو امتنع من الغزو، استرد ما بقي، وإن غزا فرجع ومعه بقية، فإن لم يقتر على نفسه، وكان الباقي شيئا صالحا، رده. وإن قتر على نفسه أو لم يقتر، إلا أن الباقي شئ يسير، لم يسترد قطعا. وفي مثله في ابن السبيل، يسترد على الصحيح، لانا دفعنا إلى الغازي لحاجتنا، وهي أن يغزو وقد فعل، وفي ابن السبيل يدفع لحاجته وقد زالت. فرع في بعض شروح المفتاح: أنه يعطى الغازي نفقته ونفقة عياله

(2/188)


ذهابا ومقاما ورجوعا. وسكت الجمهور عن نفقة العيال، لكن أخذها ليس ببعيد. فرع للامام الخيار، إن شاء دفع الفرس والسلاح إلى الغازي تمليكا، وإن شاء استأجر له مركوبا، وإن شاء اشترى خيلا من هذا السهم ووقفها في سبيل الله تعالى، فيعيرهم إياها وقت الحاجة، فإذا انقضت، استرد. وفيه وجه: أنه لا يجوز أن يشتري لهم الفرس والسلاح قبل وصول المال إليهم. فرع وأما المؤلف، فيعطى ما يراه الامام. قال المسعودي: يجعله على قدر كلفتهم وكفايتهم. فرع وأما العامل، فاستحقاقه بالعمل، حتى لو حمل صاحب الاموال زكاتهم إلى الامام، أو إلى البلد قبل قدوم العامل، فلا شئ له، كما يستحق أجرة المثل لعمله. فإن شاء الامام بعثه بلا شرط ثم أعطاه أجرة مثل عمله، وإن شاء سمى له قدر أجرته إجارة أو جعالة، ويؤديه من الزكاة. ولا يستحق أكثر من أجرة المثل. فإن زاد، فهل تفسد التسمية، أم يكون قدر الاجرة من الزكاة والزائد في خالص مال الامام ؟ فيه وجهان. قلت: أصحهما: الاول. والله أعلم. فإن زاد سهم العاملين على أجرته، رد الفاضل على سائر الاصناف. وإن نقص، فالمذهب: أنه يكمل من مال الزكاة ثم يقسم. وفي قول: من خمس الخمس، وقيل: يتخير الامام بينهما بحسب المصلحة، وقيل: إن بدأ بالعامل كمله من الزكاة، وإلا فمن الخمس لعسر الاسترداد من الاصناف. وقيل: إن فضل

(2/189)


عن حاجة الاصناف، فمن الزكاة، وإلا، فمن بيت المال. والخلاف في جواز التكميل من الزكاة، واتفقوا على جواز التكميل من سهم المصالح مطلقا، بل لو رأى الامام أن يجعل أجرة العامل كلها في بيت المال، جاز، ويقسم الزكاة على سائر الاصناف. فرع إذا اجتمع في شخص صفتان، فهل يعطى بهما، أم بأحدهما فقط ؟ فيه طرق. أصحها: على قولين. أظهرهما: بإحداهما، فيأخذ بأيتهما شاء. والطريق الثاني: القطع بهذا. والثالث: إن اتحد جنس الصفتين، أعطي بإحداهما، وإن اختلف فيهما، فيعطى بهما. فالاتحاد، كالفقر مع الغرم لمصلحة نفسه، لانهما يأخذان لحاجتهما إلينا. وكالغرم للاصلاح مع الغزو، فإنهما لحاجتنا إليهما. والاختلاف، كالفقر والغزو. فإن قلنا بالمنع، فكان العامل فقيرا، فوجهان. بناء على أن ما يأخذه العامل أجرة، لانه إنما يستحق بالعمل، أم صدقة لكونه معدودا في الاصناف ؟ وفيه وجهان. وإذا جوزنا الاعطاء بمعنيين، جاز بمعان، وفيه احتمال للحناطي. قلت: قال الشيخ نصر: إذا قلنا: لا يعطى إلا بسبب، فأخذ بالفقر، كان لغريمه أن يطالبه بدينه، فيأخذ ما حصل له. وكذا إن أخذه بكونه غارما، فإذا بقي بعد أخذه منه فقيرا، فلا بد من إعطائه من سهم الفقراء، لانه الآن محتاج. والله أعلم. المسألة الثالثة: يجب استيعاب الاصناف الثمانية عند القدرة عليهم، فإن فرق بنفسه، أو فرق الامام، وليس هناك عامل، فرق على السبعة. وحكي قول: أنه إذا فرق بنفسه، سقط أيضا نصيب المؤلفة. والمشهور: ما سبق.

(2/190)


ومتى فقد صنف فأكثر، قسم المال على الباقين. فان لم يوجد أحد من الاصناف، حفظت الزكاة حتى يوجدوا، أو يوجد بعضهم. وإذا قسم الامام، لزمه استيعاب آحاد كل صنف، ولا يجوز الاقتصار على بعضهم، لان الاستيعاب لا يتعذر عليه، وليس المراد أنه يستوعبهم بزكاة كل شخص، بل يستوعبهم من الزكوات المحاصلة في يده، وله أن يخص بعضهم بنوع من المال، وآخرين بنوع. وإن قسم المالك، فإن أمكنه الاستيعاب، بأن كان المستحقون في البلد محصورين يفي بهم المال، فقد أطلق في التتمة: أنه يجب الاستيعاب، وفي التهذيب: أنه يجب إن جوزنا نقل الصدقة، وإن لم نجوزه، لم يجب، لكن يستحب، وإن لم يمكن، سقط الوجوب والاستحباب، ولكن لا ينقص الذين ذكرهم الله تعالى بلفظ الجمع من الفقراء وغيرهم عن ثلاثة، إلا العامل، فيجوز أن يكون واحدا وهل يكتفى في ابن السبيل بواحد ؟ فيه وجهان. أصحهما: المنع، كالفقراء. قال بعضهم: ولا يبعد طرد الوجهين في الغزاة لقوله تعالى: * (وفي سبيل الله) * [ التوبة 60 ] بغير لفظ الجمع. فلو صرف ما عليه إلى اثنين مع القدرة على الثالث، غرم للثالث. وفي قدره قولان. المنصوص في الزكاة: أنه يغرم ثلث

(2/191)


نصيب ذلك الصنف. والقياس: أنه يغرم قدرا لو أعطاه في الابتداء، أجزأه، لانه الذي فرط فيه، ولو صرفه إلى واحد، فعلى الاول: يلزمه الثلثان، وعلى الثاني: أقل ما يجوز صرفه إليهما. قلت: هكذا قال أصحابنا رحمهم الله تعالى: إن الاقيس هو الثاني، ثم الجمهور أطلقوا القولين هكذا. قال صاحب العدة: إذا قلنا: يضمن الثلث، ففيه وجهان. أحدهما: أن المراد إذا كانوا سووا في الحاجة، حتى لو كان حاجة هذا الثالث حين استحق التفرقة مثل حاجة الآخرين جميعا. ضمن له نصف السهم ليكون معه مثلهما، لانه يستحب التفرقة على قدر حوائجهم. والثاني: أنه لا فرق. والله أعلم. ولو لم يوجد إلا دون الثلاثة من صنف، يجب إعطاء ثلاثة منهم، وهذا هو الصحيح، ومراده: إذا كان الثلاثة متعينين، أعطى من وجد. وهل يصرف باقي السهم إليه إذا كان مستحقا، أم ينقل إلى بلد آخر ؟ قال المتولي: هو كما لو لم يوجد بعض الاصناف في البلد. وسيأتي بيانه إن شاء الله تعالى. قلت: الاصح، أن يصرف إليه. وممن صححه الشيخ نصر المقدسي، ونقله هو وصاحب العدة وغيرهما عن نص الشافعي رحمة الله عليه ودليله ظاهر. والله أعلم. فرع التسوية بين الاصناف واجبة. وإن كانت حاجة بعضهم أشد، إلا أن العامل لا يزاد على أجرة عمله كما سبق. وأما التسوية بين آحاد الصنف، سواء استوعبوا، أو اقتصر على بعضهم، فلا يجب، لكن يستحب عند تساوي الحاجات. هذا إذا قسم المالك. قال في التتمة: فأما إن قسم الامام، فلا يجوز تفضيل بعضهم عند تساوي الحاجات، لان عليه التعميم، فتلزمه التسوية،

(2/192)


والمالك لا تعميم عليه، فلا تسوية. قلت: هذا التفصيل الذي في التتمة وإن كان قويا في الدليل، فهو خلاف مقتضى إطلاق الجمهور استحباب التسوية. وحيث لا يجب الاستيعاب، قال أصحابنا: يجوز الدفع إلى المستحقين من المقيمين بالبلد والغرباء، ولكن المستوطنون أفضل، لانهم جيرانه. والله أعلم. فرع إذا عدم في بلد جميع الاصناف، وجب نقل الزكاة إلى أقرب البلاد إليه. فان نقل إلى أبعد، فهو على الخلاف في نقل الزكاة. وإن عدم بعضهم، فان كان العامل، سقط سهمه. وإن عدم غيره، فان جوزنا نقل الزكاة، نقل نصيب الباقي، وإلا فوجهان: أحدهما: ينقل. وأصحهما: يرد على الباقين. فان قلنا: ينقل، نقل إلى أقرب البلاد. فان نقل إلى غيره، أو لم ينقل، ورده على الباقي، ضمن، وإن قلنا: لا ينقل فنقل، ضمن. ولو وجد الاصناف فقسم، فنقص سهم بعضهم عن الكفاية، وزاد سهم بعضهم عليها، فهل يصرف ما زاد إلى من نقص نصيبه، أم ينقل إلى ذلك الصنف بأقرب البلاد ؟ فيه هذا الخلاف. وإذا قلنا: يرد على من نقص سهمهم، رد عليهم بالسوية. فان استغنى بعضهم ببعض المردود، قسم الباقي بين الآخرين بالسوية. ولو زاد نصيب جميع الاصناف على الكفاية، أو نصيب بعضهم، ولم ينقص نصيب الآخرين، نقل ما زاد إلى ذلك الصنف. المسألة الرابعة: في جواز نقل الصدقة إلى بلد آخر، مع وجود المستحقين في بلده خلاف. وتفصيل المذهب فيه عند الاصحاب: أنه يحرم النقل، ولا

(2/193)


تسقط به الزكاة، وسواء كان النقل إلى مسافة القصر أو دونها، فهذا مختصر ما يفتى به. وتفصيله، أن في النقل قولين. أظهرهما: المنع. وفي المراد بهما، طرق. أصحها: أن القولين في سقوط الفرض، ولا خلاف في تحريمه، والثاني: أنهما في التحريم والسقوط معا، والثالث: أنهما في التحريم، ولا خلاف أنه يسقط. ثم قيل: هما في النقل إلى مسافة القصر فما فوقها، فإن نقل إلى دونها، جاز، والاصح: طرد القولين. قلت: وإذا منعنا النقل، ولم نعتبر مسافة القصر، فسواء نقل إلى قرية بقرب البلد، أم بعيدة. صرح به صاحب العدة وهو ظاهر. والله أعلم. فرع إذا أوصى للفقراء والمساكين وسائر الاصناف، أو وجب عليه كفارة، أو نذر، فالمذهب في الجميع جواز النقل، لان الاطماع لا تمتد إليها امتدادها إلي للزكاة. فرع صدقة الفطر كسائر الزكوات في جواز النقل ومنعه، وفي وجوب استيعاب الاصناف، فإن شقت القسمة، جمع جماعة فطرتهم ثم قسموها. وقال الاصطخري: يجوز صرفها إلى ثلاثة من الفقراء، ويروى: من الفقراء والمساكين. ويروى: من أي صنف اتفق. واختار أبو إسحق الشيرازي، جواز الصرف إلى واحد. قلت: اتفق أصحابنا المتأخرون أو جماهيرهم: على أن مذهب الاصطخري، جواز الصرف إلى ثلاثة من المساكين والفقراء. قال أكثرهم:

(2/194)


وكذلك يجوز عنده الصرف إلى ثلاثة من أي صنف كان. وصرح المحاملي والمتولي: بأنه لا يجوز عنده الصرف إلى غير المساكين والفقراء. قال المتولي: ولا يسقط الفرش، واختار الروياني في الحلية صرفها إلى ثلاثة. وحكي اختياره عن جماعة من أصحابنا. والله أعلم. فرع حيث جاز النقل أو وجب، فمؤنته على رب المال، ويمكن تخريجه على الخلاف السابق في أجرة الكيال. فرع الخلاف في جواز النقل وتفريعه، ظاهر فيما إذا فرق رب المال زكاته. أما إذا فرق الامام، فربما اقتضى كلام الاصحاب طرد الخلاف فيه، وربما دل على جواز النقل له، والتفرقة كيف شاء، وهذا أشبه. قلت: قد قال صاحب التهذيب والاصحاب: يجب على الساعي نقل الصدقة إلى الامام إذا لم يأذن له في تفريقها، وهذا نقل. والله أعلم. فرع لو كان المال ببلد، والمالك ببلد، فالاعتبار ببلد المال، لانه سبب الوجوب، ويمتد إليه نظر المستحقين، فيصرف العشر إلى فقراء بلد الارض، التى حصل منها المعشر، وزكاة النقدين والمواشي والتجارة إلى فقراء البلد الذي تم فيه حولها، فإن كان المال عند تمام الحول في بادية، صرف إلى فقراء أقرب البلاد إليه. قلت: ولو كان تاجرا مسافرا، صرفها حيث حال الحول. والله أعلم. ولو كان ماله في مواضع متفرقة، قسم زكاة كل طائفة من مال ببلدها، ما لم يقع تشقيص، فان وقع، بأن ملك أربعين من الغنم، عشرين ببلد، وعشرين بآخر، فأدى شاة في أحد البلدين. قال الشافعي رحمه الله: كرهته، وأجزأه. وهذا

(2/195)


هو المذهب، وقطع به جمهور الاصحاب. سواء جوزنا نقل الصدقة، أم لا. وقال أبو حفص ابن الوكيل: هذا جائز، إن جوزنا نقل الصدقة، وإلا فيؤدي في كل بلد نصف شاة. والصواب: الاول. وعللوه بعلتين. إحداهما: أن له في كل بلد مالا، فيخرج فيها شاة منها، والثانية: أن الواجب شاة، فلا تشقيص. ويتفرع عليهما، ما لو ملك مائة ببلد، ومائة ببلد آخر، فعلى الاول، له إخراج الشاتين في أيهما شاء، وعلى الثاني: لا يجزئه ذلك، وهو الاصح. وأما زكاة الفطر، إذا كان ماله ببلد، وهو بآخر، فأيهما يعتبر ؟ وجهان. أصحهما: ببلد المالك. قلت: ولو كان له من تلزمه فطرته وهو ببلد، فالظاهر أن الاعتبار ببلد المؤدى عنه. وقال في البيان: الذي يقتضي المذهب، أنه يبنى على الوجهين في أنها تجب على المؤدي ابتداء، أم على المؤدى عنه فتصرف في بلد من تجب عليه ابتداء. والله أعلم. فرع أرباب الاموال صنفان. أحدهما: المقيمون في بلد، أو قرية، أو موضع من البادية فلا يظعنون عنه شتاء ولا صيفا، فعليهم صرف زكاتهم إلى من في موضعهم من الاصناف، سواء فيه المقيمون والغرباء. الثاني: أهل الخيام المنتقلون من بقعة إلى بقعة، فينظر، إن لم يكن لهم قرار، بل يطوفون البلاد أبدا، صرفوها إلى من معهم من الاصناف. فإن لم يكن معهم مستحق، نقلوه إلى أقرب البلاد إليهم عند تمام الحول. وإن كان لهم موضع يسكنونه وربما انتقلوا عنه منتجعين ثم عادوا إليه، فإن لم يتميز بعضهم عن بعض في الماء والمرعى، صرفوها إلى من هو دون مسافة القصر من موضع المال. والصرف إلى الذين يقيمون من هؤلاء بإقامتهم ويظعنون بظعنهم، أفضل لشدة جوارهم. وإن تميزت الحلة عن الحلة، وانفرد بالماء والمرعى، فوجهان. أحدهما: أنه كغير المتميزة. وأصحهما: أن كل حلة كقرية، فلا يجوز النقل عنها.

(2/196)


فصل يشترط في الساعي كونه مسلما، مكلفا، عدلا، حرا، فقيها بأبواب الزكاة. هذا إذا كان التفويض عاما، فإن عين الامام شيئا يأخذه، لم يعتبر الفقه. قال الماوردي: وكذا لا يعتبر الاسلام والحرية. قلت: عدم اشتراط الاسلام، فيه نظر. والله أعلم. وفي جواز كون العامل هاشميا، أو من المرتزقة، خلاف سبق. وفي الاحكام السلطانية للماوردي: أنه يجوز أن يفوض إلى من تحرم عليه الزكاة من ذوي القربى، ولكن يكون رزقه من المصالح. وإذا قلد الاخذ وحده، أو القسمة وحدها، لم يتول إلا ما قلد، وإن أطلق التقليد تولى الامرين. وإنه إذا كان العامل جائزا في أخذ الصدقة، عادلا في قسمتها، جاز كتمها عنه، وجاز دفعها إليه، وإن كان عادلا في الاخذ، جائزا في القسمة، وجب كتمها عنه. فإن أخذها طوعا أو كرها، لم تجزئ، وعلى أرباب الاموال إخراجها بأنفسهم. وهذا خلاف ما في التهذيب: أنه إذا دفع إلى الامام الجائر، سقط عنه الفرض، وإن لم يوصله المستحقين، إلا أن يفرق بين الدفع إلى الامام وإلى العامل. قلت: لا فرق، والاصح: الاجزاء فيهما. والله أعلم. فصل وسم النعم جائز في الجملة ووسم نعم الزكاة والفيئ، لتتميز، وليردها من وجدها ضالة، وليعرف المتصدق ولا يمتلكها، لانه يكره أن يتصدق بشئ، ثم يشتريه، هكذا قاله الشافعي رحمه الله. وليكن الوسم على موضع صلب ظاهر، لا يكثر الشعر عليه. والاولى في الغنم: الآذان. وفي الابل والبقر: الافخاذ. ويكره الوسم على الوجه. قلت: هكذا قال صاحب العدة وغيره: أنه مكروه. وقال صاحب

(2/197)


التهذيب: لا يجوز، وهو الاقوى. وقد صح في صحيح مسلم لعن فاعله، وهو دال على التحريم. والله أعلم. ويكون ميسم الغنم، ألطف من ميسم البقر، وميسم البقر، ألطف من ميسم الابل. وتميز نعم الزكاة من نعم الفئ، فيكتب على الجزية: جزية، أو صغار. وعلى الزكاة: زكاة، أو صدقة، أو لله تعالى. ونص الشافعي رحمه الله على سمة لله تعالى. فرع ويجوز خصاء ما يؤكل لحمه في صغره لطيب لحمه، ولا يجوز في كبره، ولاخصاء ما لا يؤكل. فصل في مسائل متفرقة أحدها: ينبغي للامام والساعي، وكل من يفوض إليه أمر تفريق الصدقات، أن يعتني بضبط المستحقين، ومعرفة أعدادهم، وأقدار حاجاتهم، بحيث يقع الفراغ من جميع الصدقات بعد معرفتهم، أو معها ليتعجل حقوقهم، وليأمن هلاك المال عنده.

(2/198)


الثانية: ينبغي أن يبدأ في القسمة بالعالمين، لان استحقاقهم أقوى، لكونهم يأخذون معاوضة. قلت: هذا التقديم مستحب. والله أعلم. الثالثة: لا يجوز للامام ولا للساعي أن يبيع شيئا من الزكاة، بل يوصلها بحالها إلى المستحقين، إلا إذا وقعت ضرورة، بأنأشرفت بعض الماشية على الهلاك، أو كان في الطريق خطر، أو احتاج إلى رد جيران، أو إلى مؤنة نقل، فحينئذ يبيع. ولو وجبت ناقة أو بقرة أو شاة، فليس للمالك أن يبيعها ويقسم الثمن، بل يجمعهم ويدفعها إليهم، وكذا حكم الامام عند الجمهور، وخالفهم في التهذيب فقال: إن رأى الامام ذلك، فعله، وإن رأى أن يبيع، باع وفرق الثمن عليهم. قلت: وإذا باع في الموضع الذي لا يجوز، فالبيع باطل، ويسترد المبيع، فإن تلف، ضمنه. والله أعلم. الرابعة: إذا دفع الزكاة إلى من ظنه مستحقا، فبان غير مستحق، ككافر، وعبد، وغني، وذي قربى، فالفرض يسقط عن المالك بالدفع إلى الامام، لانه نائب المستحقين. ولا يجب الضمان على الامام إذا بان غنيا، لانه لا تقصير، ويسترد، سواء أعلمه أنها زكاة، أم لا، فإن كان قد تلف، غرمه وصرف الغرم إلى المستحقين. وفي باقي الصور المذكورة قولان. أظهرهما: لا يضمن، وقيل: لا يضمن قطعا. وقيل: يضمن قطعا، لتفريطه، فإنها لا تخفى غالبا، بخلاف الغني، ولانها أشد منافاة، فإنها تنافي الزكاة بكل حال، بخلافه. ولو دفع المالك بنفسه، فبان المدفوع إليه غنيا، لم يجزه على الاظهر، بخلاف الامام، لانه نائب الفقراء. وإن بان كافرا، أو عبدا، أو ذا قربى، لم يجزه على الاصح. قلت: ولو دفع سهم المؤلفة، أو الغازي إليه، فبان المدفوع إليه امرأة، فهو كما لو بان عبدا. والله أعلم.

(2/199)


وإذا لم يسقط الفرض، فإن بين أن المدفوع زكاة، استرد إن كان باقيا، وغرم المدفوع إليه إن كان تالفا. ويتعلق بذمه العبد إذا دفع إليه. وإن لم يذكر أنه زكاة، لم يسترد، ولا غرم، بخلاف الامام، يسترد مطلقا، لان ما يفرقه الامام على الاصناف، هو الزكاة غالبا، وغيره قد يتطوع. والحكم في الكفارة متى بان المدفوع إليه غير مستحق، كحكم الزكاة. الخامسة: في وقت استحقاق الاصناف الزكاة. قال الشافعي رحمه الله: يستحقون يوم القسمة، إلا العامل، فإنه يستحق بالعمل. وقال في موضع آخر: يستحقون يوم الوجوب. قال الاصحاب: ليس في المسألة خلاف. بل النص الثاني محمول على ما إذا لم يكن في البلد إلا ثلاثة، أو أقل، ومنعنا نقل الصدقة، فيستحقون يوم الوجوب، حتى لو مات واحد منهم، دفع نصيبه إلى ورثته، وإن غاب أو أيسر، فحقه بحاله، وإن قدم غريب، لم يشاركهم، والنص الاول، فيما إذا لم يكونوا محصورين في ثلاثة، أو كانوا، وجوزنا نقل الزكاة، فيستحقون بالقسمة، حتى لا حق لمن مات أو غاب أو أيسر بعد الوجوب وقبل القسمة، وإن قدم غريب، شاركهم. السادسة: في فتاوى القفال: أن الامام لو لم يفرق ما اجتمع عنده من مال الزكاة من غير عذر، فتلف، ضمن. والوكيل بالتفريق لو أخر، فتلف، لم يضمن، لان خلوكيل لا يجب عليه التفريق، بخلاف الامام. قلت: قال أصحابنا: لو جمع الساعي الزكاة، فتلفت في يده قبل أن تصل إلى الامام، استحق أجرته من بيت المال. والله أعلم. السابعة: قال صاحب البحر: لو دفع الزكاة إلى فقير وهو غير عارف بالمدفوع، بأن كان مشدودا في خرقة ونحوها، لا يعرف جنسه وقدره، وتلف في يد

(2/200)


المسكين، ففي سقوط الزكاة احتمالان. لان معرفة القابض لا تشترط، فكذا معرفة الدافع. قلت: الارجح: السقوط. وبقيت من الباب مسائل تقدمت في باب أداء الزكاة وغيره. وبقيت مسائل، لم يذكرها الامام الرافعي هنا. منها: قال الصيمري: كان الشافعي رحمه الله في القديم، يسمي ما يؤخذ من الماشية صدقة، ومن النقدين زكاة، ومن المعشرات عشرا فقط. ثم رجع عنه وقال: يسمى الجميع زكاة وصدقة. ومنها: الاختلاف. قال أصحابنا: اختلاف رب المال والساعي على ضربين. أحدهما: أن يكون دعوى رب المال لا تخالف الظاهر، والثاني: تخالفه. وفي الضربين، إذا اتهمه الساعي، حلفه، واليمين في الضرب الاول مستحبة بلا خلاف. فان امتنع عن اليمين، ترك ولا شئ. وأما الضرب الثاني: فاليمين فيه مستحبة أيضا على الاصح، وعلى الثاني: واجبة، فإن قلنا: مستحبة، فامتنع، فلا شئ عليه، وإلا أخذت منه لا بالنكول، بل بالسبب السابق. فمن الصور التي لا يكون قوله فيها مخالفا للظاهر، أن يقول: لم يحل الحول بعد. ومنها: أن يقول الساعي: كانت ماشيتك نصابا ثم توالدت، فيضم الاولاد إلى الامات، ويقول رب المال: لم تكن نصابا، وإنما تمت نصابا بالاولاد، فابتدأ الحول من حين التولد. ومنها: أن يقول الساعي: هذه السخال توالدت من نفس النصاب قبل الحول، فقال: بل بعد الحول، أو من غير النصاب. ومن الصور التي تخالف فيها الظاهر، أن يقول الساعي: مضى عليك حول، فقال المالك: كنت بعته في أثناء الحول، ثم اشتريته، أو قال: أخرجت زكاته، وقلنا: يجوز أن يفرق بنفسه. وقد سبقت هذه المسألة في باب أداء الزكاة، ولو قال: هذا المال وديعة، فقال

(2/201)


الساعي: بل ملكك، فوجهان. أصحهما: أنه مخالف للظاهر، وبه قطع الاكثرون، والثاني: لا. ومنها: الافضل في الزكاة إظهار إخراجها، ليراه غيره، فيعمل عمله، ولئلا يساء الظن به. ومنها: قال الغزالي في الاحياء: يسأل الآخذ دافع الزكاة عن قدرها، فيأخذ بعض الثمن، بحيث يبقى من الثمن ما يدفعه إلى اثنين من صنفه. فإن دفع إليه الثمن بكماله، لم يحل له الاخذ. قال: وهذا السؤال واجب في أكثر الناس، فإنهم لا يراعون هذا، إما لجهل، وإما لتساهل، وإنما يجوز ترك السؤال عن مثل هذا، إذا لم يغلب الظن احتمال التحريم. والله أعلم.
باب صدقة التطوع
هي مستحبة، وفي شهر رمضان آكد. قلت: وكذا عند الامور المهمة، وعند الكسوف، والمرض، والسفر، وبمكة، والمدينة، وفي الغزو، والحج، والاوقات الفاضلة، كعشر ذي الحجة، وأيام العيد، ففي كل هذا الموضع آكد من غيرها. قال في الحاوي: ويستحب أن يوسع في رمضان على عياله، ويحسن إلى ذوي أرحامه وجيرانه، لا سيما في العشر الاواخر. والله أعلم. فصل وكانت محرمة على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على الاظهر تشريفا له، وهي

(2/202)


حلال لذوي القربى على المشهور. وتحب للاغنياء والكفار، وصرفها سرا أفضل، وإلى الاقارب والجيران أفضل. وكذا الزكاة والكفارة وصرفهما إليهم أفضل إذا كانوا بصفة استحقاقهما. والاولى أن يبدأ بذي الرحم المحرم، كالاخوة والاخوات، والاعمام والاخوال، ويقدم الاقرب فالاقرب. وقد ألحق الزوج والزوجة بهؤلاء، ثم بذي الرحم غير المحرم، كأولاد العم والخال، ثم المحرم بالرضاع، ثم بالمصاهرة، ثم المولى من أعلى وأسفل، ثم الجار. فإذا كان القريب بعيد الدار في البلد، قدم على الجار الاجنبي. فإن كان الاقارب خارجين عن البلد، فإن منعنا نقل الزكاة، قدم الاجنبي، وإلا، فالقريب. وكذا أهل البادية، فحيث كان القريب والاجنبي الجار، بحيث يجوز الصرف إليهما، قدم القريب. فصل يكره التصدق بالردئ، وبما فيه شبهة. فصل ومن فضل عن حاجته وحاجة عياله وعن دينه مال، هل يستحب له التصدق بجميع الفاضل ؟ فيه أوجه. أحدهما: نعم، والثاني: لا، وأصحهما: إن صبر على الاضافة، فنعم، وإلا، فلا. وأما من يحتاج إليه لعياله الذين تلزمه نفقتهم وقضاء دينه، فلا يستحب له التصدق، وربما قيل: يكره. قلت: هذه العبارة موافقة لعبارة الماوردي، والغزالي، والمتولي، وآخرين. وقال القاضي أبو الطيب، وأصحاب الشامل والمهذب والتهذيب والبيان والدارمي، والروياني في الحلية وآخرون: لا يجوز أن يتصدق بما يحتاج إليه لنفقته أو نفقة عياله، وهذا أصح في نفقة عياله، والاول أصح في نفقة نفسه، وأما الدين، فالمختار أنه إن غلب على ظنه حصول وفائه من جهة أخرى، فلا بأس بالتصدق، وإلا، فلا يحل.

(2/203)


واعلم أنه بقي من الباب مسائل كثيرة. منها، قال أبو علي الطبري: يقصد بصدقته من أقاربه أشدهم له عداوة، ليتألف قلبه، ولما فيه من سقوط الرياء وكسر النفس. ويستحب للغني التنزه عنها، ويكره له التعرض لاخذها. قال في البيان: ولا يحل للغني أخذ صدقة التطوع مظهرا للفاقة. وهذا الذي قاله حسن، وعليه حمل قول النبي - صلى الله عليه وسلم - في الذي مات من أهل الصفة، فوجدوا له دينارين، فقال: كيتان من نار. فأما إذا سأل الصدقة، فقال صاحب الحاوي وغيره: إن كان محتاجا، لم يحرم السؤال، وإن كان غنيا بمال أو صنعة، فسؤاله حرام، وما يأخذه حرام عليه. هذا لفظ صاحب الحاوي. ولنا وجه ضعيف، ذكره صاحب الكتاب وغيره في كتاب النفقات: أنه لا يحرم. قال أصحابنا وغيرهم: ينبغي أن لا يمتنع من الصدقة بالقليل احتقارا له. قال الله تعالى: * (فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره) * [ الزلزال: 7 ] وفي الحديث الصحيح: اتقوا النار ولو بشق تمرة ويستحب أن يخص بصدقته أهل الخير والمحتاجين. وجاءت أحاديث كثيرة بالحث على الصدقة بالماء. ومن دفع إلى غلامه أو ولده ونحوهما شيئا ليعطيه لسائل، لم يزل ملكه عنه

(2/204)


حتى يقبضه السائل، فإن لم يتفق دفعه إلى ذلك السائل، استحب له أن لا يعود فيه، بل يتصدق به، ومن تصدق بشئ، كره له أن يتملكه من جهة من دفعه إليه بمعاوضة أو هبة. ولا بأس به بملكه منه بالارث، ولا بتملكه من غيره. وينبغي أن يدفع الصدقة بطيب نفس وبشاشة وجه، ويحرم المن بها، وإذا من، بطل ثوابها. ويستحب أن يتصدق مما يحبه. قال صاحب المعاياة: لو نذر صوما أو صلاة في وقت بعينه، لم يجز فعله قبله، ولو نذر التصدق في وقت بعينه، جاز التصحق قبله، كما لو عجل الزكاة. ومما يحتاج إليه، مسائل ذكرها الغزالي في الاحياء. منها: اختلف السلف في أن المحتاج، هل الافضل له، أن يأخذ من الزكاة أو صدقة التطوع ؟ فكان الجنيد، والخواص، وجماعة يقولون: الاخذ من الصدقة أفضل، لئلا يضيق على الاصناف، ولئلا يخل بشرط من شروط الاخذ. وأما الصدقة، فأمرها هين. وقال آخرون: الزكاة أفضل، لانه إعانة على واجب،

(2/205)


ولو ترك أهل الزكاة كلهم أخذها، أثموا، ولان الزكاة لا منة فيها. قال الغزالي: والصواب. أنه يختلف بالاشخاص. فإن عرض له شبهة في استحقاقه، لم يأخذ الزكاة، وإن قطع باستحقاقه، نظر، إن كان المتصدق إن لم يأخذ هذا، لا يتصدق، فليأخذ الصدقة، فإن إخراج الزكاة لا بد منه، وإن كان لا بد من إخراج تلك الصدقة ولم يضيق بالزكاة، تخير. وأخذ الزكاة أشد في كسر , النفس. وذكر أيضا اختلاف الناس في إخفاء أخذ الصدقة وإظهاره، أيهما أفضل ؟ وفي كل واحد فضيلة ومفسدة. ثم قال: وعلى الجملة الاخذ في الملاء، وترك الاخذ في الخلاء، أحسن. والله أعلم.

(2/206)