روضة الطالبين وعمدة المفتين ط العلمية

روضة الطالبين - كتاب الضحايا
اعلم أن الامام الرافعي رحمه الله، ذكر كتاب الضحايا، والصيد والذبائح، والعقيقة، والاطعمة، والنذور، في أواخر الكتاب بعد المسابقة. وهناك ذكرها المزني، وأكثر الاصحاب. وذكرها طائفة منهم هنا، وهذا أنسب، فاخترته. والله أعلم. التضحية، سنة مؤكدة، وشعار ظاهر، ينبغي لمن قدر أن يحافظ عليها. وإذا التزمها بالنذر، لزمته. ولو اشترى بدنة أو شاة تصلح للضحية بنية التضحية، أو الهدي، لم تصر بمجرد الشراء ضحية ولا هديا. وفي تتمة التتمة وجه: أنها تصير، وهو غلط حصل عن غفلة. وموضع الوجه، النية في دوام الملك، كما سيأتي إن شاء الله تعالى. قال صاحب البحر: لو قال: إن اشتريت شاة، فلله علي أن أجعلها نذرا، فهو نذر مضمون في الذمة. فإذا اشترى شاة، فعليه أن يجعلها ضحية، ولا تصير بالشراء ضحية، فلو عين فقال: إن اشتريت هذه الشاة،

(2/461)


فعلي أن أجعلها ضحية، فوجهان. أحدهما: لا يلزمه جعلها ضحية، تغليبا لحكم التعيين، وقد أوجبها قبل الملك. والثاني: يلزم، تغليبا للنذر.
فصل للتضحية شروط وأحكام.
أما الشروط، فأربعة. أحدها: أن يكون المذبوح من النعم، وهي الابل، والبقر، والغنم، سواء الذكر والانثى، وكل هذا مجمع عليه. ولا يجزئ من الضأن إلا الجذع أو الجذعة، ولا من الابل والبقر والمعز إلا الثني أو الثنية. وفي وجه: يجزئ الجذع من المعز، وهو شاذ. ثم الجذع: ما استكمل سنة على الاصح. وقيل: ما استكملت ستة أشهر. وقيل: ثمانية. فعلى الاول، قال أبو الحسن العبادي: لو أجذع قبل تمام السنة، كان مجزئا، كما لو تمت السنة قبل أن يجذع. ويكون ذلك، كالبلوغ بالسن، أو الاحتلام، فإنه يكفي فيه أحدهما، وبهذا صرح صاحب التهذيب فقال: الجذعة: ما استكملت سنة، أو أجذعت قبلها، أي: أسقطت سنها. وأما الثني من الابل، فهو ما استكمل خمس سنين، وطعن في السادسة. وروى حرملة عن الشافعي رحمه الله: أنه الذي استكمل ستا ودخل في السابعة. قال الروياني: وليس ذلك قولا آخر، وإن توهمه بعض أصحابنا، ولكنه إخبار عن نهاية سن الثني. وما ذكره الجمهور، بيان ابتداء سنه. وأما الثني من البقر، فما استكمل سنتين ودخل في الثالثة. وروى حرملة: أنه ما استكمل ثلاث سنين ودخل في الرابعة. والمشهور المعروف، هو الاول. وأما الثني من المعز، فالاصح: أنه الذي استكمل سنتين ودخل في الثالثة. وقيل: ما استكمل سنة. فصل في صفتها وفيه مسائل. إحداها: المريضة، إن كان مرضها يسيرا، لم يمنع الاجزاء وإن كان بينا يظهر بسببه الهزال وفساد اللحم، منع الاجزاء، وهذا هو المذهب. وحكى ابن كج

(2/462)


قولا: أن المرض لا يمنع بحال، وأن المرض المذكور في الحديث المراد به الجرب. وحكي وجه: أن المرض يمنع الاجزاء وإن كان يسيرا، وحكاه في الحاوي قولا قديما. وحكي وجه في الهيام خاصة، أنه يمنع الاجزاء، وهو من أمراض الماشية، وهو أن يشتد عطشها، فلا تروى من الماء. قلت: هو - بضم الهاء - قال أهل اللغة: هو داء يأخذها، فتهيم في الارض لا ترعى. وناقة هيماء - بفتح الهاء والمد -. والله أعلم. الثانية: الجرب، يمنع الاجزاء، كثيره وقليله، كذا قاله الجمهور، ونص عليه في الجديد، لانه يفسد اللحم والودك. وفي وجه: لا يمنع إلا كثيره، كالمرض، واختاره الامام، والغزالي. والصحيح: الاول، وسواء في المرض والجرب، ما يرجى زواله، وما لا يرجى. الثالثة: العرجاء، إن اشتد عرجها، بحيث تسبقها الماشية إلى الكلا الطيب وتتخلف عن القطيع، لم تجزئ. وإن كان يسيرا لا يخلفها عن الماشية، لم يضر. فلو انكسر بعض قوائمها فكانت تزحف بثلاث لم تجزئ. ولو أضجعها ليضحي بها وهي سليمة، فاضطربت وانكسرت رجلها، أو عرجت تحت السكين، لم تجزئه على الاصح، لانها عرجاء عند الذبح، فأشبه ما لو انكسرت رجل شاة فبادر إلى التضحية بها، فإنها لا تجزئ. الرابعة: لا تجزئ العمياء، ولا العوراء التي ذهبت حدقتها، وكذا إن بقيت حدقتها على الاصح. وتجزئ العشواء على الاصح، وهي التي تبصر بالنهار دون الليل، لانها تبصر وقت الرعى. وأما العمش وضعف بصر العينين جميعا، فقطع الجمهور بأنه لا يمنع. وقال

(2/463)


الروياني إن غطى بياض، أذهب أكثره منع وإن أذهب أقله، لم يمنع على الصحيح. الخامسة: العجفاء التي ذهب مخها من شدة هزالها، لا تجزئ، وإن كان بها بعض الهزال ولم يذهب مخها، أجزأت، كذا أطلقه كثيرون. وقال في الحاوي: إن كان خلقيا، فالحكم كذلك، وإن كان لمرض، منع، لانه داء. وقال إمام الحرمين: كما لا يعتبر السمن البالغ للاجزاء، لا يعتبر العجف البالغ للمنع. وأقرب معتبر أن يقال: إن كان لا ترغب في لحمها الطبقة العالية من طلبة اللحم في سني الرخاء، منعت. السادسة: ورد النهي عن الثولاء، وهي المجنونة التي تستدير في الرعي ولا ترعى إلا قليلا فتهزل. السابعة: يجزئ الفحل وإن كثر نزوانه، والانثى وإن كثرت ولادتها، وإن لم يطلب لحمها، إلا إذا انتهيا إلى العجف البين. الثامنة: لا تجزئ مقطوعة الاذن، فإن قطع بعضها، نظر، فإن لم يبن منها شئ، بل شق طرفها وبقي متدليا، لم يمنع على الاصح، وقال القفال: يمنع. وإن أبين، فإن كان كثيرا بالاضافة إلى الاذن، منع قطعا، وإن كان يسيرا، منع أيضا على الاصح، لفوات جزء مأكول. وقال الامام: وأقرب ضبط بين الكثير واليسير: أنه إن لاح النقص من البعد، فكثير، وإلا فقليل. التاسعة: لا يمنع الكي في الاذن وغيرها على المذهب، وقيل: وجهان، لتصلب الموضع، وتجزئ صغيرة الاذن، ولا تجزئ التي لم يخلق لها أذن. العاشرة: لا تجزئ التي أخذ الذئب مقدارا بينا من فخذها بالاضافة إليه، ولا

(2/464)


يمنع قطع الفلقة اليسيرة من عضو كبير ولو قطع الذئب أو غيره أليتها أو ضرعها، لم تجزئ على المذهب، وتجزئ التي خلقت بلا ضرع أو بلا ألية على الاصح، كما يجزئ الذكر من المعز، بخلاف التي لم يخلق لها أذن، لان الاذن عضو لازم غالبا. والذنب كالالية، وقطع بعض الالية أو الضرع كقطع كله، ولا تجوز مقطوعة بعض اللسان. الحادية عشرة: يجزئ الموجوء والخصي، كذا قطع به الاصحاب، وهو الصواب. وشذ ابن كج، فحكى في الخصي قولين، وجعل المنع: الجديد. الثانية عشرة: تجزئ التي لا قرن لها والتي انكسر قرنها، سواء دمي قرنها بالانكسار، أم لا. قال القفال: إلا أن يؤثر ألم الانكسار في اللحم، فيكون كالجرب وغيره، وذات القرن أفضل. الثالثة عشرة: تجزئ التي ذهب بعض أسنانها، فإن انكسر أو تناثر جميع أسنانها، فقد أطلق صاحب التهذيب وجماعة: أنها لا تجزئ، وقال الامام: قال المحققون: تجزئ. وقيل: لا تجزئ. وقال بعضهم: إن كان ذلك لمرض أو كان يؤثر في الاعتلاف وينقص اللحم، منع، وإلا، فلا، وهذا حسن، ولكنه يؤثر بلا شك، فيرجع الكلام إلى المنع المطلق. قلت: الاصح: المنع. وفي الحديث نهي عن المشيعة. قال في البيان: هي المتأخرة عن الغنم، فإن كان ذلك لهزال أو علة، منع، لانها عجفاء، وإن كان عادة وكسلا، لم يمنع. والله أعلم. فرع في صفة الكمال فيه مسائل. إحداها: يستحب للتضحية الاسمن الاكمل، حتى أن التضحية بشاة سمينة، أفضل من شاتين دونها. قال الشافعي رحمه الله تعالى: استكثار القيمة في

(2/465)


الاضحية أحب من استكثار العدد، وفي العتق عكسه، لان المقصود هنا اللحم. والسمين أكثر، وأطيب، والمقصود في العتق التخليص من الرق، وتخليص عدد، أولى من واحد وكثرة اللحم أفضل من كثرة الشحم، إلا أن يكون لحما رديئا. الثانية: أفضلها البدنة، ثم البقرة، ثم الضأن، ثم المعز. وسبع من الغنم، أفضل من بدنة أو بقرة على الاصح. وقيل: البدنة أو البقرة أفضل، لكثرة اللحم، والتضحية بشاة، أفضل من المشاركة في بدنة. الثالثة: أفضلها البيضاء، ثم العفراء، وهي التي لا يصفو بياضها، ثم السوداء. الرابعة: التضحية بالذكر أفضل من الانثى على المذهب، وهو نصه في البويطي. وحكي عن نص الشافعي رحمه الله، أن الانثى أفضل، فقيل: ليس مراده تفضيل الانثى في الاضحية، وإنما أراد تفضيلها في جزاء الصيد، إذا قومت لاخراج الطعام، فالانثى أكثر قيمة. وقيل: المراد أن أنثى لم تلد أفضل من الذكر إذا كثر نزوانه، فإن فرضنا ذكرا لم ينز، وأنثى لم تلد، فهو أفضل منها.
فصل الشاة الواحدة لا يضحى بها إلا عن واحد، لكن إذا ضحى بها واحد من أهل بيت، تأدى الشعار والسنة لجميعهم، وعلى هذا حمل ما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه ضحى بكبش وقال: اللهم تقبل من محمد وآل محمد. وكما أن الفرض ينقسم إلى فرض عين، وفرض كفاية، فقد ذكروا أن التضحية

(2/466)


كذلك، وأن التضحية مسنونة لكل أهل بيت. قلت: وقد حمل جماعة الحديث على الاشراك في الثواب، وسيأتي بيانه إن شاء الله تعالى. والله أعلم. فرع البدنة تجزئ عن سبعة، وكذا البقرة، سواء كانوا أهل بيت، أو بيوت، سواء كانوا متقربين بقربة متفقة أو مختلفة، واجبة أم مستحبة، أم كان بعضهم يريد اللحم. وإذا اشتركوا، فالمذهب أن قسمة لحمها تبنى على أن القسمة بيع، أم إفراز ؟ إن قلنا: إفراز، جازت. وإن قلنا: بيع، فبيع اللحم الرطب بمثله، لا يجوز، فالطريق أن يدفع المتقربون نصيبهم إلى الفقراء مشاعا، ثم يشتريها منهم من يريد اللحم بدراهم، أو يبيع مريد اللحم نصيبه للمتقربين بدراهم. وإن شاءوا جعلوا اللحم إجزاء باسم كل واحد جزء، ثم يبيع صاحب الجزء نصيبه من باقي الاجزاء بدراهم، ويشتري من أصحابه نصيبهم في ذلك الجزء بالدراهم، ثم يتقاصون. وقال صاحب التلخيص: تصح القسمة، قطعا للحاجه. وكما يجوز تضحية سبعة ببدنة أو بقرة، يجوز أن يقصد بعضهم التضحية، وبعضهم الهدي، ويجوز أن ينحر الواحد البدنة أو البقرة عن سبع شياه لزمته بأسباب مختلفة، كالتمتع، والقران، والفوات، ومباشرة محظورات الاحرام، ونذر التصدق بشاة، والتضحية بشاة، لكن في جزاء الصيد، تراعى المماثلة ومشابهة الصورة، فلا تجزئ البدنة عن سبعة من الظباء. ولو وجب شاتان على رجلين في قتل صيدين، لم يجز أن يذبحا عنهما بدنة، ويجوز أن يذبح الواحد بدنة أو بقرة، سبعها عن شاة لزمته، ويأكل الباقي كمشاركة من يريد اللحم. ولو جعل جميع البدنة أو البقرة مكان الشاة، فهل يكون الجميع واجبا حتى لا يجوز أكل شئ منه، أم الواجب السبع فقط حتى يجوز الاكل من الباقي ؟ فيه وجهان، كالوجهين في ماسح جميع رأسه في الوضوء، هل يقع جميعه فرضا، أم الفرض ما يقع عليه الاسم ؟ قلت: قيل: الوجهان في المسح فيما إذا مسح دفعة واحدة، فإن مسح شيئا فشيئا، فالثاني سنة قطعا، وقيل: الوجهان في الحالين، ومثلهما إذا طول الركوع والسجود والقيام زيادة على الواجب، وفائدته في زيادة الثواب في الواجب،

(2/467)


والارجح في الجميع أن الزيادة تقع تطوعا. والله أعلم. ولو اشترك رجلان في شاتين، لم تجزئهما على الاصح، ولا يجزئ بعض شاة بلا خلاف بكل حال. الشرط الثاني: الوقت. فيدخل وقت التضحية إذا طلعت الشمس يوم النحر، ومضى قدر ركعتين وخطبتين خفيفات على المذهب. وفي وجه: تعتبر صلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وخطبته. وقرأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ب‍ ق و * (اقتربت الساعة) * وخب خطبة متوسطة. وقالت المراوزة: الخلاف في طول الصلاة فقط، والخطبة مخففة قطعا، فإنه السنة. قال الامام: وما أرى من يعتبر ركعتين خفيفتين، يكتفي بأقل ما يجزئ، وظاهر كلام صاحب الشامل خلافه. وفي وجه: يكفي مضي ما يسع ركعتين بعد خروج وقت الكراهة، ولا تعتبر الخطبتان. ويخرج وقت التضحية بغروب الشمس في اليوم الثالث من أيام التشريق. ويجوز ليلا ونهارا، لكن تكره التضحية والذبح مطلقا في الليل، فإن ذبح قبل الوقت، لم تكن أضحية، فإن لم يضح حتى خرج الوقت، فاتت، فإن ضحى في السنة الثانية في الوقت، وقع عن الوقت، لا عن الماضي، وهذا كله في أضحية التطوع فأما المنذورة، ففي توقيتها خلاف يأتي إن شاء الله تعالى. الشرط الثالث: أهلية الذابح. وفيه مسائل: إحداها: يستحب أن يذبح ضحيته وهديه بنفسه. وله أن يوكل في ذبحها من تحل ذبيحته، والاولى أن يوكل مسلما فقيها، لعلمه بشروطها. ولا يجوز توكيل المجوسي والوثني، بخلاف الكتابي. وإذا وكل فيستحب أن يحضر الذبح.

(2/468)


ويكره توكيل الصبي في ذبحها. وفي كراهة توكيل الحائض، وجهان. قلت: الاصح: لا يكره، لانه لم يصح فيه نهي. والله أعلم. والحائض أولى من الصبي والصبي المسلم أولى من الكتابي. الثانية: النية شرط في التضحية. وهل يجوز تقديمها على الذبح، أم يجب أن تكون مقرونة به ؟ وجهان. أصحهما: الجواز. ولو قال: جعلت هذه الشاة ضحية، فهل يكفيه التعيين والقصد عن نية الذبح ؟ وجهان. أصحهما عند الاكثرين: لا يكفيه، لان التضحية قربة في نفسها، فوجبت النية فيها، واختار الامام، والغزالي: الاكتفاء. ولو التزم ضحية في ذمته، ثم عين شاة عما في ذمته، بني على الخلاف في أن المعينة، هل تتعين عن المطلقة في الذمة ؟ إن قلنا: لا فلا بد من النية عند الذبح، وإلا، فعلى الوجهين، ولو وكل ونوى عند ذبح الوكيل، كفى ولا حاجة إلى نية الوكيل، بل لو لم يعلم أنه مضح، لم يضر. وإن نوى عند الدفع إلى الوكيل فقط، فعلى الوجهين في تقديم النية. ويجوز أن يفوض النية إلى الوكيل إن كان مسلما، وإن كان كتابيا، فلا. الثالثة: العبد القن، والمدبر، والمستولدة، لا يجوز لهم التضحية إن قلنا بالمشهور: إنهم لا يملكون بالتمليك، فإن أذن السيد، وقعت التضحية عن السيد. فإن قلنا: يملكون، لم يجز تضحيتهم بغير إذنه، لان له حق الانتزاع. فإن أذن، وقعت عنهم، كما لو أذن لهم في التصدق، وليس له الرجوع بعد الذبح ولا بعد جعلها ضحية. والمكاتب لا تجوز تضحيته بغير إذن السيد، فإن أذن، فعلى القولين

(2/469)


في تبرعه بإذنه. ومن بعضه رقيق، له أن يضحي بما ملكه بحريته، ولا يحتاج إلى إذن. الرابعة: لو ضحى عن الغير بغير إذنه، لم يقع عنه. وفي التضحية عن الميت، كلام يأتي في الوصية إن شاء الله تعالى. قلت: إذا ضحى عن غيره بلا إذن، فإن كانت الشاة معينة بالنذر، وقعت عن المضحي، وإلا، فلا، كذا قاله صاحب العدة وغيره. وأطلق الشيخ إبرهيم المروروذي: أنها تقع عن المضحي، قال هو وصاحب العدة: لو أشرك غيره في ثواب أضحيته وذبح عن نفسه، جاز، قالا: وعليه يحمل الحديث المتقدم: اللهم تقبل من محمد وآل محمد. والله أعلم. الشرط الرابع: الذبح. فالذبح الذي يباح به الحيوان المقدور عليه، إنسيا كان أو وحشيا، ضحية كان أو غيرها، هو التذفيف بقطع جميع الحلقوم والمرئ من حيوان فيه حياة مستقرة بآلة ليست عظما ولا ظفرا، فهذه قيود. أما القطع، فاحتراز مما لو اختطف رأس عصفور أو غيره، بيده، أو ببندقة، فإنه ميتة. وأما الحلقوم، فهو مجرى النفس خروجا ودخولا، والمرئ مجرى الطعام والشراب، وهو تحت الحلقوم، وراءهما عرقان في صفحتي العنق يحيطان بالحلقوم، وقيل: بالمرئ، ويقال لهما: الودجان، ويقال للحلقوم والمرئ معهما: الاوداج. ولا بد من قطع الحلقوم والمرئ، على الصحيح المنصوص. وقال الاصطخري: يكفي أحدهما، لان الحياة لا تبقى

(2/470)


بعده. قال الاصحاب: هذا خلاف نص الشافعي رحمه الله، وخلاف مقصود الذكاة، وهو الازهاق بما يوحي - لا يعذب. ويستحب معهما قطع الودجين، لانه أوحى، والغالب أنهما ينقطعان بقطع الحلقوم والمرئ، فإن تركهما، جاز. ولو ترك من الحلقوم أو المرئ شيئا يسيرا، أو مات الحيوان، فهو ميتة. وكذا لو انتهى إلى حركة المذبوح، فقطع المتروك، فميته. وفي الحاوي وجه: إن بقي اليسير، فلا يضر، واختاره الروياني في الحلية، والصحيح: الاول. ولو قطع من القفا حتى وصل الحلقوم والمرئ، عصى، لزيادة الايلام. ثم ينظر، إن وصل إلى الحلقوم والمرئ وقد انتهى إلى حركة المذبوح، لم يحل بقطع الحلقوم والمرئ بعد ذلك، وإن وصلهما وفيه حياة مستقرة، فقطعهما، حل، كما لو قطع يده ثم ذكاه. قال الامام: ولو كان فيه حياة مستقرة عند ابتداء قطع المرئ، ولكن لما قطعه مع بعض الحلقوم انتهى إلى حركة المذبوح لما ناله بسبب قطع القفا، فهو حلال، لان أقصى ما وقع التعبد به أن يكون فيه حياة مستقرة عند ابتداء قطع المذبح. والقطع من صفحة العنق، كالقطع من القفا. ولو أدخل السكين في أذن الثعلب ليقطع المرئ والحلقوم من داخل الجلد، ففيه هذا التفصيل. ولو أمر السكين ملصقا باللحيين فوق الحلقوم والمرئ، وأبان الرأس، فليس هو بذبح، لانه لم يقطع الحلقوم والمرئ. وأما كون التذفيف حاصلا بقطع الحلقوم والمرئ، ففيه مسألتان. إحداهما: لو أخذ الذابح في قطع الحلقوم والمرئ، وأخذ آخر في نزع حشوته، أو نخس خاصرته، لم يحل، لان التذفيف لم يتمخض بالحلقوم والمرئ. وسواء كان ما يجري به قطع الحلقوم مما يذفف لو انفرد، أو كان يعين على التذفيف. ولو اقترن قطع الحلقوم بقطع رقبة الشاة من قفاها، بأن كان يجري سكينا من القفا، وسكينا من الحلقوم حتى التقتا، فهي ميتة، بخلاف ما إذا تقدم قطع القفا وبقيت الحياة مستقرة إلى وصول السكين المذبح. المسألة الثانية: يجب أن يسرع الذابح في القطع، ولا يتأنى بحيث يظهر انتهاء الشاة قبل استتمام قطع المذبح إلى حركة المذبوح، وهذا قد يخالف ما

(2/471)


سبق: أن المتعبد به، كون الحياة مستقرة عند الابتداء، فيشبه أن المقصود هنا، إذا تبين مصيره إلى حركة المذبوح، وهناك، إذا لم يتحقق الحال. قلت: هذا الذي قاله الامام الرافعي، خلاف ما سبق تصريح الامام به، بل الجواب: أن هذا مقصر في الثاني، فلم تحل ذبيحته، بخلاف الاول فإنه لا تقصير، ولو لم يحلله، أدى إلى حرج. والله أعلم. وأما كون الحيوان عند القطع فيه حياة مستقرة، ففيه مسائل. إحداها: لو جرح السبع صيدا، أو شاة، أو انهدم سقف على بهيمة أو جرحت هرة حمامة، ثم أدركت حية فذبحت، فإن كان فيها حياة مستقرة، حلت وإن تيقن هلاكها بعد يوم ويومين، وإن لم يكن فيها حياة مستقرة، لم تحل، هذا هو المذهب والمنصوص، وبه قطع الجمهور. وحكي قول: أنها تحل في الحالين، وقول: أنها لا تحل فيهما، وهذا بخلاف الشاة إذا مرضت، فصارت إلى أدنى الرمق فذبحت، فإنها تحل قطعا، لانه لم يوجد سبب يحال الهلاك عليه. ولو أكلت الشاة نباتا مضرا، فصارت إلى أدنى الرمق فذبحت، قال القاضي حسين مرة: فيها وجهان، وجزم مرة بالتحريم، لانه وجد سبب يحال الهلال عليه، فصار كجرح السبع. ثم كون الحيوان منتهيا إلى حركة المذبوح، أو فيه حياة مستقرة، تارة يستيقن، وتارة يظن بعلامات وقرائن لا تضبطها العبارة، وشبهوه بعلامات الخجل والغضب ونحوهما. ومن أمارات بقاء الحياة المستقرة: الحركة الشديدة بعد قطع الحلقوم والمرئ، وانفجار الدم وتدفقه. قال الامام: ومنهم من قال: كل واحد منهما يكفي دليلا على بقاء الحياة المستقرة. قال: والاصح: أن كلا منهما لا يكفي، لانهما قد يحصلان بعد الانتهاء إلى حركة المذبوح، لكن قد ينضم إلى أحدهما أو كليهما قرائن أو أمارات أخر تفيد الظن أو اليقين، فيجب النظر والاجتهاد. قلت: اختار المزني وطوائف من الاصحاب: الاكتفاء بالحركة الشديدة، وهو الاصح. والله أعلم. وإذا شككنا في الحياة المستقرة، ولم يترجح في ظننا شئ، فوجهان.

(2/472)


أصحهما: التحريم، للشك في المبيح. وأما كون الآلة ليست عظما، فمعناه: أنه يجوز بكل قاطع إلا الظفر والعظم، سواء من الآدمي وغيره، المتصل والمنفصل. وحكي وجه في عظم الحيوان المأكول، وهو شاذ، وستأتي هذه المسألة مستوفاة في الصيد والذبائح إن شاء الله تعالى.
فصل في سنن الذبح وآدابه سواء ذبح الاضحية وغيرها. إحداها: تحديد الشفرة. الثانية: إمرار السكين بقوة وتحامل ذهابا وعودا، ليكون أوحى وأسهل. الثالثة: استقبال الذابح القبلة، وتوجيه الذبيحة إليها، وذلك في الهدي والاضحية أشد استحبابا، لان الاستقبال مستحب في القربات. وفي كيفية توجيهها ثلاثة أوجه. أصحها: يوجه مذبحها إلى القبلة، ولا يوجه وجهها، ليمكنه هو أيضا الاستقبال. والثاني: يوجهها بجميع بدنها. والثالث: يوجه قوائمها. الرابعة: التسمية مستحبة عند الذبح، والرمي إلى الصيد، وإرسال الكلب. فلو تركها عمدا أو سهوا، حلت الذبيحة، لكن تركها عمدا، مكروه على الصحيح. وفي تعليق الشيخ أبي حامد: أنه يأثم به. وهل يتأدى الاستحباب بالتسمية عند عض الكلب وإصابة السهم ؟ وجهان. أصحهما: نعم. وهذا الخلاف في كمال الاستحباب. فأما إذا ترك التسمية عند الارسال فيستحب أن يتداركها عند الاصابة قطعا، كمن ترك التسمية في أول الوضوء والاكل، يستحب أن

(2/473)


يسمي في أثنائهما. ولا يجوز أن يقول الذابح والصائد: باسم محمد ولا باسم الله واسم محمد، بل من حق الله تعالى أن يجعل الذبح باسمه، واليمين باسمه، والسجود له، ولا يشاركه في ذلك مخلوق. وذكر في الوسيط: أنه لا يجوز أن يقول: باسم الله ومحمد رسول الله، لانه تشريك. قال: ولو قال: بسم الله ومحمد رسول الله، بالرفع، فلا بأس. ويناسب هذه المسائل ما حكاه في الشامل وغيره عن نص الشافعي رحمه الله: أنه لو كان لاهل الكتاب ذبيحة يذبحونها باسم غير الله تعالى، كالمسيح، لم تحل. وفي كتاب القاضي ابن كج: أن اليهودي لو ذبح لموسى، والنصراني لعيسى صلى الله عليهما وسلم، أو للصليب، حرمت ذبيحته، وأن المسلم لو ذبح للكعبة أو للرسول - صلى الله عليه وسلم -، فيقوى أن يقال: يحرم، لانه ذبح لغير الله تعالى. قال: وخرج أبو الحسين وجها آخر: أنها تحل، لان المسلم يذبح لله تعالى، ولا يعتقد في رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما يعتقده النصراني في عيسى. قال: وإذا ذبح للصنم، لم تؤكل ذبيحته، سواء كان الذابح مسلما أو نصرانيا. وفي تعليقة للشيخ إبراهيم المروروذي رحمه الله: أن ما يذبح عند استقبال السلطان تقربا إليه، أفتى أهل بخارى بتحريمه، لانه مما أهل به لغير الله تعالى. واعلم أن الذبح للمعبود وباسمه، نازل منزلة السجود له، وكل واحد منهما نوع من أنواع التعظيم والعبادة المخصوصة بالله تعالى الذي هو المستحق للعبادة، فمن ذبح لغيره من حيوان أو جماد كالصنم على وجه التعظيم والعبادة، لم تحل ذبيحته، وكان فعله كفرا، كمن سجد لغيره سجد عبادة، وكذا لو ذبح له ولغيره على هذا الوجه، فأما إذا ذبح لغيره لا على هذا الوجه، بأن ضحى أو ذبح للكعبة تعظيما لها لانها بيت الله تعالى، أو الرسول لانه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فهذا لا يجوز أن يمنع حل الذبيحة، وإلى هذا المعنى، يرجع قول القائل: أهديت للحرم، أو

(2/474)


للكعبة، ومن هذا القبيل، الذبح عند استقبال السلطان، فإنه استبشار بقدومه، نازل منزلة ذبح العقيقة لولادة المولود، ومثل هذا لا يوجب الكفر، وكذا السجود للغير تذللا وخضوعا. وعلى هذا، إذا قال الذابح: باسم الله وباسم محمد، وأراد: أذبح باسم الله، وأتبرك باسم محمد، فينبغي أن لا يحرم. وقول من قال: لا يجوز ذلك، يمكن أن يحمل على أن اللفظة مكروهة، لان المكروه، يصح نفي الحواز والاباحة المطلقة عنه. ووقعت منازعة بين جماعة ممن لقيناهم من فقهاء قزوين في أن من ذبح باسم الله واسم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، هل تحل ذبيحته ؟ وهل يكفر بذلك ؟ وأفضت تلك المنازعة إلى فتنة، والصواب ما بيناه. وتستحب الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - عند الذبح، نص عليه في الام، قال ابن أبي هريرة: لا تستحب ولا تكره. قلت: أتقن الامام الرافعي رحمه الله هذا الفصل، ومما يؤيد ما قاله، ما ذكره الشيخ إبراهيم المروروذي في تعليقه، قال: وحكى صاحب التقريب عن الشافعي رحمه الله: أن النصراني إذا سمى غير الله تعالى، كالمسيح، لم تحل ذبيحته، قال صاحب التقريب: معناه أنه يذبحها له، فأما إن ذكر المسيح على معنى الصلاة على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فجائز. قال: وقال الحليمي: تحل مطلقا، وإن سمى المسيح. والله أعلم. الخامسة: المستحب في الابل النحر، وهو قطع اللبة أسفل العنق، وفي البقر والغنم الذبح، وهو قطع الحلق أعلى العنق. والمعتبر في الموضعين، قطع الحلقوم والمرئ. فلو ذبح الابل ونحر البقر والغنم، حل، ولكن ترك المستحب، وفي كراهته قولان، المشهور: لا يكره. السادسة: يستحب أن ينحر البعير قائما على ثلاث قوائم معقول الركبة،

(2/475)


وإلا فباركا، وأن تضجع البقرة والشاة على جنبها الايسر، وتترك رجلها اليمنى وتشد قوائمها الثلاث. السابعة: إذا قطع الحلقوم المرئ، فالمستحب أن يمسك ولا يبين رأسه في الحال، ولا يزيد في القطع، ولا يبادر إلى سلخ الجلد، ولا يكسر الفقار، ولا يقطع عضوا، ولا يحرك الذبيحة، ولا ينقلها إلى مكان، قبل يترك جميع ذلك حتى تفارق الروح، ولا يمسكها بعد الذبح مانعا لها من الاضطراب. والاولى أن تساق إلى المذبح برفق، وتضجع برفق، ويعرض عليها الماء قبل الذبح، ولا يحد الشفرة قبالتها، ولا يذبح بعضها قبالة بعض. الثامنة: يستحب عند التضحية أن يقول: اللهم منك وإليك، تقبل مني. وفي الحاوي وجه ضعيف: أنه لا يستحب. ولو قال: تقبل مني كما تقبلت من إبراهيم خليلك ومحمد عبدك ورسولك صلى الله عليهما، لم يكره ولم يستحب، كذا نقله في البحر عن الاصحاب. قال في الحاوي: يختار في الاضحية أن يكبر الله تعالى قبل التسمية وبعدها ثلاثا فيقول: الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد. فصل قدمنا أن النية شرط في التضحية، وأن الشاة إذا جعلها أضحية، هل يكفيه ذلك عن تجديد النية عند الذبح ؟ وجهان. الاصح: لا يكفيه. فإن قلنا: يكفيه، استحب التجديد. ومهما كان في ملكه، بدنة أو شاة، فقال: جعلت هذا ضحية، أو هذه ضحية، أو علي أن أضحي بها، صارت ضحية معينة. وكذا لو قال: جعلت هذه هديا، أو هذا هدي، أو علي أن أهدي هذه، صار هديا. وشرط بعضهم أن يقول مع ذلك: لله تعالى، والمذهب: أنه ليس بشرط. وقد صرح الاصحاب بزوال الملك عن الهدي والاضحية المعينين، كما سيأتي تفريعه إن شاء الله تعالى. وكذا لو نذر أن يتصدق بمال معين زال ملكه عنه، بخلاف ما لو نذر إعتاق عبد بعينه، لا يزول ملكه عنه ما لم يعتقه، لان الملك في الهدي،

(2/476)


والاضحية، والمال المعين، ينتقل إلى المساكين، وفي العبد لا ينتقل الملك إليه، بل ينفك الملك بالكلية. أما إذا نوى جعل هذه الشاة هديا، أو أضحية، ولم يتلفظ بشئ، فالمشهور الجديد: أنها لا تصير. وقال في القديم: تصير، واختاره ابن سريح والاصطخري. وعلى هذا، فيما يصير به هديا، أو أضحية، أوجه. أحدها: بمجرد النية، كما يدخل في الصوم بالنية، وبهذا قال ابن سريج. والثاني: بالنية والتقليد أو الاشعار، لتنضم الدلالة الظاهرة إلى النية، قاله الاصطخري. والثالث: بالنية والذبح، لان المقصود به كالقبض في الهبة. والرابع: بالنية والسوق إلى المذبح. ولو لزمه هدي أو أضحية بالنذر، فقال: عينت هذه الشاة لنذري، أو جعلتها عن نذري، أو قال: لله علي أن أضحي بها عما في ذمتي، ففي تعينها وجهان: الصحيح، التعين وبه قطع الاكثرون. وحكى الامام هذا الخلاف في صور رتب بعضها على بعض، فلنوردها بزوائد. فلو قال ابتداء: علي التضحية بهذه البدنة أو الشاة، لزمه التضحية قطعا، وتتعين تلك الشاة على الصجيح. ولو قال: علي أن أعتق هذا العبد، لزمه العتق، وفي تعيين هذا العبد، وجهان مرتبان على الخلاف في مثل هذه الصورة من الاضحية، والعبد أولى بالتعيين، لانه ذو حق في العتق، بخلاف الاضحية. فلو نذر إعتاق عبد، ثم عين عبدا عما التزم، فالخلاف مرتب على الخلاف في مثله في الاضحية. ولو قال: جعلت هذا العبد عتيقا، لم يخف حكمه، ولو قال: جعلت هذا المال، أو هذه الدراهم صدقة، تعينت على الاصح كشاة الاضحية، وعلى الثاني، لا، إذ لا فائدة في تعيين الدراهم لتساويها، بخلاف الشاة. ولو قال: عينت هذه الدراهم عما في ذمتي من زكاة أو نذر، لغا

(2/477)


التعيين باتفاق أصحاب، كذا نقله الامام، لان التعيين في الدراهم ضعيف، وتعيين ما في الذمة ضعيف، فيجتمع سببا ضعف. قال: وقد يقاس بتعيين الدراهم، كديون الآدميين، وقال: لا تخلو الصورة عن احتمال. فرع سبق بيان وقت ضحية التطوع، فلو أراد التطوع بالذبح وتفريق اللحم بعد أيام التشريق، لم يحصل له أضحية ولا ثوابها، لكن يحصل ثواب صدقة. ولو قال: جعلت هذه الشاة ضحية، فوقتها وقت المتطوع بها. ولو قال: لله علي أن أضحي بشاة، فهل تتوقت بذلك الوقت ؟ وجهان. أحدهما: لا، لانها في الذمة كدماء الجبران. وأصحهما: نعم، لانه التزم ضحية في الذمة، والضحية مؤقتة، وهذا موافق، نقل الروياني عن الاصحاب: أنه لا تجوز التضحية بعد أيام التشريق، إلا واحدة، وهي التي أوجبها في أيام التشريق أو قبلها، ولم يذبحها حتى فات الوقت، فإنه يذبحها قضاء. فإن قلنا: لا تتوقت، فالتزم بالنذر ضحية، ثم عين واحدة عن نذره، وقلنا: إنها تتعين، فهل تتوقت التضحية بها ؟ وجهان. أصحهما: لا.
فصل من أراد التضحية فدخل عليه عشر ذي الحجة، كره أن يحلق شعره أو يقلم ظفره حتى يضحي. وفيه وجه: أنه يحرم، حكاه صاحب الرقم، وهو شاذ. والحكمة فيه أن يبقى كامل الاجزاء لتعتق من النار، وقيل: للتشبيه بالمحرم، وهو ضعيف، فإنه لا يترك الطيب ولبس المخيط وغيرهما. وحكي وجه: أن الحلق والقلم، لا يكرهان إلا إذا دخل العشر واشترى ضحية، أو عين شاة من مواشيه للتضحية. وحكي قول: أنه لا يكره القلم. قلت: قال الشيخ إبراهيم المروروذي في تعليقه: حكم سائر أجزاء البدن كالشعر. والله أعلم.

(2/478)


فصل وأما أحكام الاضحية، فثلاثة أنواع. الاول: فيما يتعلق بتلفها وإتلافها، وفيه مسائل. إحداها: الاضحية المعينة، والهدي المعين، يزول ملك المتقرب عنهما بالنذر، فلا ينفذ تصرفه فيهما ببيع ولا هبة، ولا إبدال بمثلهما، ولا بخير منهما. وحكي وجه: أنه لا يزول ملكه حتى يذبح ويتصدق باللحم، كما لو قال: لله علي أن أعتق هذا العبد، لا يزول ملكه عنه إلا بإعتاق. والصحيح: الاول. والفرق: ما سبق. ولو نذر إعتاق عبد بعينه، لم يجز بيعه وإبداله وإن لم يزل الملك عنه. ولو خالف فباع الاضحية أو الهدي المعين، استرد إن كانت العين باقية، ويرد الثمن. فإن أتلفها المشتري، أو تلفت عنده، لزمه قيمتها أكثر ما كانت من يوم القبض إلى يوم التلف، ويشترى الناذر بتلك القيمة مثل التالفة، جنسا ونوعا وسنا. فإن لم يجد بالقيمة المثل لغلاء حدث، ضم إليها من ماله تمام الثمن. وهذا معنى قول الاصحاب: يضمن ما باع بأكثر الامرين من قيمته ومثله، وإن كانت القيمة أكثر من ثمن المثل، لرخص حدث، فعلى ما سنذكره إن شاء الله تعالى في نظيره. ثم إن اشترى المثل بعين القيمة، صار المشترى ضحية بنفس الشراء. وإن اشتراه في الذمة، ونوى عند الشراء أنها أضحية، فكذلك، وإلا فليجعله بعد الشراء ضحية. المسألة الثانية: كما لا يصح بيع الاضحية المعينة، لا يصح إجارتها، ويجور إعارتها، لانها إرفاق، فلو أجرها فركبها المستأجر فتلفت، لزم المؤجر قيمتها، والمستأجر الاجرة. وفي الاجرة، وجهان. أصحهما: أجرة المثل. والثاني: الاكثر من أجرة المثل والمسمى. ثم هل يكون مصرفها مصرف الضحايا، أم الفقراء فقط ؟ وجهان.

(2/479)


قلت: أصحهما: الاول. والله أعلم. الثالثة: إذا قال: جعلت هذه البدنة، أو هذه الشاة، ضحية، أو نذر أن يضحي ببدنة أو شاة عينها، فماتت قبل يوم النحر، أو سرقت قبل تمكنه من ذبحها يوم النحر، فلا شئ عليه. وكذا الهدي المعين، إذا تلف قبل بلوغ المنسك أو بعده قبل التمكن من ذبحه. الرابعة: إذا كان في ذمته دم عن تمتع، أو قران. أو أضحية، أو هدي عن نذر مطلق، ثم عين بدنة أو شاة عما في ذمته، فقد سبق خلاف في تعيينه، والاصح، التعيين. وحينئذ المذهب: زوال الملك عنها كالمعينة ابتداء، لكن لو تلفت، ففي وجوب الابدال طريقان. قطع الجمهور بالوجوب، لان ما التزمه ثبت في ذمته، والمعين وإن زال الملك عنه، فهو مضمون عليه، كما لو كان له دين على رجل، فاشترى منه سلعة بذلك الدين، فتلفت السلعة قبل القبض في يد بائعها، فإنه ينفسخ البيع، ويعود الدين كما كان، فكذا هنا يبطل التعيين، ويعود ما في ذمته كما كان. والطريق الثاني: فيه وجهان نقلهما الامام. أحدهما: لا يجب الابدال، لانها متعينة، فهي كما لو قال: جعلت هذه أضحية. الخامسة: إذا أتلفها أجنبي، لزمه القيمة، بأخذها المضحي، ويشترى بها مثل الاولى، فإن لم يجد بها مثلها، اشترى دونها، بخلاف ما لو نذر إعتاق عبد بعينه فقتل، فإنه يأخذ القيمة لنفسه، ولا يلزمه أن يشترى بها عبدا يعتقه، لان ملكه هنا لم يزل عنه ومستحق العتق هو العبد، وقد هلك، ومستحقو الاضحية باقون. فإن لم يجد بالقيمة ما يصلح للهدي والاضحية، ففي الحاوي: أنه يلزم المضحي أن يضم من عنده إلى القيمة ما يحصل به أضحية، لانه التزمها. ومن قال بهذا، يمكن أن يطرده في اللف. وهذا الذي في الحاوي شاذ. والصحيح الذي عليه الجمهور: أنه لا شئ عليه، لعدم تقصيره. فعلى هذا إن أمكن أن يشترى بها شقص هدي، أو أضحية، ففيه ثلاثة أوجه. الاصح: أنه يلزمه شراؤه والذبح مع الشريك، ولا يجوز إخراج القيمة، كأصل الاضحية، والثاني: يجوز

(2/480)


إخراج القيمة دراهم. فعلى هذا أطلق مطلقون: أنه يتصدق بها. وقال الامام: يصرفها مصرف الضحايا، حتى لو أراد أن يتخذ منه خاتما يقتنيه ولا يبيعه، فله ذلك، وهذا أوجه. ويشبه أن لا يكون فيه خلاف محقق، بل المراد: أن لا يجب شقص، ويجوز إخراج الدراهم، وقد يتساهل في ذكر المصرف في مثل هذا. قلت: هذا الذي حكاه عن الامام، من جواز اتخاذ الخاتم، تفريع على جواز الاكل من الاضحية الواجية. والله أعلم. والوجه الثالث: يشترى بها لحما، ويتصدق به. وأما إذا لم يمكن أن يشترى بها شقص، لقلتها، ففيه الوجه الثاني والثالث. ورتب صاحب الحاوي هذه الصور ترتيبا حسنا، فقال: إن كان المتلف ثنية ضأن مثلا، ولم يمكن أن يشترى بالقيمة مثلها، وأمكن شراء جذعة ضأن وثنية معز، تعين الاول رعاية للنوع، وإن أمكن ثنية معز ودون جذعة ضأن، تعين الاول، لان الثاني لا يصلح للضحية، وإن أمكن دون الجذعة، وشراء سهم في ضحية، تعين الاول، لان التضحية لا تحصل بواحد منهما، وفي الاول إراقة دم كامل. وإن أمكن شراء لحم، وشراء سهم، تعين الاول، لان فيه شركة في إراقة دم. وإن لم يمكن إلا شراء اللحم وتفرقة الدراهم، تعين الاول، لانه مقصود الاضحية. السادسة: إذا أتلفها المضحي فوجهان. أحدهما: يلزمه قيمتها يوم الاتلاف كالاجنبي. وأصحهما: يلزمه أكثر الامرين من قيمتها وتحصيل مثلها، كما لو باع الاضحية المعينة وتلفت عند المشتري. فعلى هذا لو كانت قيمتها يوم الاتلاف أكثر، وأمكن شراء مثل الاولى ببعضها، اشترى بها كريمة أو شاتين فصاعدا. فإن لم توجد كريمة، وفضل ما لا يفي بأخرى، فعلى ما ذكرنا فيما إذا أتلفها أجنبي ولم تف القيمة بشاة. وهنا وجه آخر: أن له صرف ما فضل عن شاة إلى غير المثل، لان الزيادة بعد حصول المثل كابتداء تضحية. ووجه: أنه يملك ما فضل. السابعة: إذا تمكن من ذبح الهدي بعد بلوغه المنسك، أو من ذبح الاضحية

(2/481)


يوم النحر، فلم يذبح حتى هلك، فهو كالاتلاف لتقصيره بتأخيره. الثامنة: استحب الشافعي رحمه الله، أن يتصدق بالفاضل الذي لا يبلغ شاة أخرى، ولا يأكل منه شيئا. وفي معناه: البدل الذي يذبحه. وفي وجه لابي علي الطبري: لا يجوز أكله منه، لتعديه بالاتلاف. التاسعة: إذا جعل شاته أضحية، أو نذر أن يضحي بمعينة، ثم ذبحها قبل يوم النحر، لزمه التصدق بلحمها، ولا يجوز له أكل شئ منه، ويلزمه ذبح مثلها يوم النحر بدلا عنها. وكذا لو ذبح الهدي المعين قبل بلوغ المنسك، تصدق بلحمه، وعليه البدل. ولو باع الهدي أو الاضحية المعينين، فذبحها المشتري، واللحم باق، أخذه البائع وتصدق به، وعلى المشترى أرش ما نقص بالذبح، ويضم البائع إليه ما يشترى به البدل. وفي وجه: لا يغرم المشتري شيئا، لان البائع سلطه. والصحيح: الاول. ولو ذبح أجنبي الاضحية المعينة قبل يوم النحر لزمه ما نقص من القيمة بسبب الذبح. ويشبه أن يجئ خلاف في أن اللحم يصرف إلى مصارف الضحايا، أم ينفك عن حكم الاضحية ويعود ملكه، كما سنذكر مثله إن شاء الله تعالى، فيما لو ذبح الاجنبي يوم النحر، وقلنا: لا يقع ضحية ؟ ثم ما حصل من الارش من اللحم، إن عاد ملكا له، اشترى به أضحية يذبحها يوم النحر. ولو نذر أضحية، ثم عين شاة عما في ذمته، فذبحها أجنبي قبل يوم النحر، أخذ اللحم ونقصان الذبح، وملك الجميع، وبقي الاصل في ذمته. العاشرة: لو ذبح أجنبي أضحية معينة ابتداء في وقت التضحية، أو هديا معينا بعد بلوغه المنسك، فالمشهور: أنه يقع الموقع، فيأخذ صاحب الاضحية لحمها ويفرقه، لانه مستحق الصرف إلى هذه الجهة فلا يشترط فعله كرد الوديعة،

(2/482)


ولان ذبحها لا يفتقر إلى النية. فإذا فعله غيره، أجزأ كإزالة النجاسة. وحكي قول عن القديم: أن لصاحب الاضحية أن يجعلها عن الذابح، ويغرمه القيمة بكمالها بناء على وقف العقود. فإذا قلنا بالمشهور، فهل على الذابح أرش ما نقص بالذبح ؟ فيه طريقان. أحدهما: على قولين. وقيل: وجهين. أحدهما: لا، لانه لم يفوت مقصودا، بل خفف مؤنة الذبح. وأصحهما، وهو المنصوص، وهو الطريق الثاني، وبه قطع الجمهور: نعم، لان إراقة الدم مقصودة وقد فوتها، فصار كما لو شد قوائم شاته ليذبحها، فجاء آخر فذبحها بغير إذنه، فإنه يلزمه أرش النقص. وقال الماوردي: عندي أنه إذا ذبحها وفي الوقت سعة، لزمه الارش، وإن لم يبق إلا ما يسع ذبحها فذبحها، فلا أرش، لتعين الوقت. وإذا أوجبنا الارش، فهل هو للمضحي لانه ليس من عين الاضحية ولا حق للمساكين في غيرها ؟ أم للمساكين لانه بدل نقصها وليس للمضحي إلا الاكل ؟ أم سلك به مسلك الضحايا ؟ فيه أوجه. أصحها: الثالث. فعلى هذا، يشترى به شاة. فإن لم تتيسر، عاد الخلاف السابق أنه يشترى به جزء ضحية أو لحم، أو يفرق نفسه، هذا كله إذا ذبح الاجنبي واللحم باق، فإن أكله أو فرقه في مصارف الضحية، وتعذر استرداده، فهو كالاتلاف بغير ذبح، لان تعيين المصروف إليه، إلى المضحي، فعليه الضمان، والمالك يشترى بما يأخذه أضحية. وفي وجه: تقع التفرقة عن المالك، كالذبح. والصحيح: الاول. وفي الضمان الواجب، قولان. المشهور، واختيار الجمهور: أنه يضمن قيمتها عند الذبح، كما لو أتلفها بلا ذبح. والثاني: يضمن الاكثر من قيمتها وقيمة اللحم لانه فرق اللحم متعديا. وقيل: يغرم أرش الذبح وقيمة اللحم وقد يزيد الارش مع قيمة اللحم على قيمة الشاة، وقد ينقص، وقد يتساويان. ولا اختصاص لهذا الخلاف بصورة الضحية، بل يطرد في كل من ذبح شاة إنسان ثم أتلف لحمها. هذا كله تفريع على أن الشاة التي ذبحها الاجنبي تقع ضحية. فإن قلنا: لا تقع، فليس على الذابح إلا أرش النقص. وفي حكم اللحم، وجهان. أحدهما: أنه مستحق لجهة الاضحية. والثاني: يكون ملكا له. ولو التزم ضحية أو هديا بالنذر، ثم عين شاة

(2/483)


عما في ذمته، فذبحها أجنبي يوم النحر، أو في الحرم، فالقول في وقوعها عن صاحبها وفي أخذه اللحم وتصدقه به، وفي غرامة الذابح أرش ما نقص بالذبح، على ما ذكرنا إذا كانت معينة في الابتداء. فإن كان اللحم تالفا، قال صاحب التهذيب وغيره: يأخذ القيمة ويملكها، ويبقى الاصل في ذمته. وفي هذا اللفظ ما يبين أن قولنا في صورة الاتلاف: يأخذ القيمة ويشترى بها مثل الاول، يريد به: أن يشترى بقدرها، فإن نفس المأخوذ ملكه، فله إمساكه. النوع الثاني من أحكام الاضحية: في عيبها. وفيه مسائل. إحداها: لو قال: جعلت هذه الشاة ضحية، أو نذر التضحية بشاة معينة، فحدث بها قبل وقت التضحية عيب يمنع ابتداء التضحية، لم يلزمه شئ بسببه كتلفها. ولا تنفك هي عن حكم الاضحية، بل تجزئه عن التضحية، ويذبحها في وقتها. وفي وجه: لا تجزئه، بل عليه التضحية بسليمة، وهو شاذ ضعيف. فعلى الصحيح: لو خالف فذبحها قبل يوم النحر، تصدق باللحم، ويلزمه أيضا التصدق بقيمتها، ولا يلزمه أن يشتري بها ضحية أخرى، لانها بدل حيوان لا يجوز التضحية به ابتداءا. ولو تعيبت يوم النحر قبل التمكن من الذبح، ذبحها وتصدق بلحمها، وإن تعيبت بعد التمكن، ذبحها وتصدق بلحمها، وعليه ذبح بدلها، وتقصيره بالتأخير كالتعييب. الثانية: لو لزم ذمته ضحية بنذرر، أو هدي عن قران، أو تمتع، أو نذر، فعين شاة عما في ذمته، فحدث بها عيب قبل وقت التضحية، أو قبل بلوغ المنسك، جرى الخلاف السابق، في أنها هل تتعين ؟ إن قلنا: لا، فلا أثر لتعيينها. وإن قلنا: تتعين، وهو الاصح، فهل عليه ذبح سليمة ؟ فيه طريقان. وقيل: وجهان. وقطع الجمهور بالوجوب، لان الواجب في ذمته سليم، فلا يتأدى بمعيب. وهل تنفك تلك المعينة عن الاستحقاق ؟ وجهان. أحدهما: يلزمه ذبحها والتصدق بلحمها، لانه التزمها بالتعيين. وأصحهما وهو المنصوص: لا تلزمه، بل له تملكها وبيعها، لانه لم يلتزم التصدق بها ابتداء، إنما عينها لاداء ما عليه، وإنما يتأدى بها بشرط السلامة. ويقرب الوجهان من وجهين فيمن عين أفضل مما عليه ثم تعيب،

(2/484)


هل يلزمه رعاية تلك الزيادة في البدل ؟ ففي وجه: يلزم، لالتزامه تلك الزيادة بالتعيين. والاصح: لا يلزم، كما لو التزم معيبة ابتداء، فهلكت بغير تعد منه. الثالثة: إذا تعيب الهدي بعد بلوغ المنسك، فوجهان. أحدهما: يجزئ ذبحه، لانه لما وصل موضع الذبح، صار كالحاصل في يد المساكين، ويكون كمن دفع الزكاة إلى الامام، فتلفت في يده، فإنه يقع زكاة. وأصحهما: لا يجزئ، لانه في ضمانه ما لم يذبح. وقال في التهذيب: إنتعيب بعد بلوغ المنسك والتمكن من الذبح، فالاصل في ذمته وهل يتملك المعين، أم يلزمه ذبحه ؟ فيه الخلاف. وإن تعيب قبل التمكن، فوجهان. أصحهما: أنه كذلك. والثاني: يكفيه ذبح المعيب والتصدق به. ويقرب من الوجهين الاولين الوجهان السابقان فيمن شد قوائم الشاة للتضحية، فاضطربت وانكسرت رجلها. ورأى الامام تخصيصهما بمن عين عن نذر في الذمة، والقطع بعدم الاجزاء إن كانت تطوعا. قلت: قال صاحب البحر: لو مات، أو سرق بعد وصوله الحرم، أجزأه على الوجه الاول. والله أعلم. الرابعة: لو قال لمعيبة بعور ونحوه: جعلت هذه ضحية، أو نذر أن يضحي بها ابتداء، وجب ذبحها، لالتزامه، كمن أعتق عن كفارته معيبا، يعتق، ويثاب عليه وإن كان لا يجزئ عن الكفارة، ويكون ذبحها قربة، وتفرقة لحمها صدقة ولا تجزئ عن الهدايا والضحايا المشروعة، لان السلامة معتبرة فيها. وهل يختص ذبحها بيوم النحر، وتجري مجرى الضحايا في المصرف ؟ وجهان. أحدهما: لا، لانها ليست أضحية، بل شاة لحم. وأصحهما: نعم، لانه أوجبها باسم الاضحية، ولا محمل لكلامه إلا هذا. فعلى هذا، لو ذبحها قبل يوم النحر، تصدق بلحمها ولا يأكل منه شيئا، وعليه قيمتها يتصدق بها، ولا يشتري أخرى لان المعيب لا يثبت في الذمة، قاله في التهذيب. ولو أشار إلى ظبية وقال: جعلت هذه ضحية، فهو لاغ.

(2/485)


ولو أشار إلى فصيل أو سخلة وقال: هذه أضحية، فهل هو كالظبية، أم كالمعيب ؟ وجهان. أصحهما: الثاني. وإذا أوجبه معيبا ثم زال العيب، فهل يجزئ ذبحه عن الاضحية ؟ وجهان. أصحهما: لا، لانه زال ملكه عنه وهو ناقص، فلا يؤثر الكمال بعده، كمن أعتق أعمى عن كفارته، ثم عاد بصره. والثاني: يجوز، لكماله وقت الذبح، وحكى هذا قولا قديما. الخامسة: لو كان في ذمته أضحية، أو هدي، بنذر أو غيره، فعين معينة عما عليه، لم تتعين، ولا تبرأ ذمته بذبحها. وهل يلزمه بالتعيين ذبح المعينة ؟ نظر، إن قال: عينت هذه عما في ذمتي، لم يلزمه، وإن قال: لله علي أن أضحي بهذه عما في ذمتي، أو أهدي هذه، أو قال: لله علي ذبحها عن الواجب في ذمتي، لزمه على الاصح كالتزامه ابتداء ذبح معيبة، ويكون كإعتاقه الاعمى عن الكفارة، ينفذ ولا يجزئ. فعلى هذا، هل يختص ذبحها بوقت التضحية إن كانت ضحية ؟ فيه الوجهان السابقان. ولو زال عيب المعينة المعيبة قبل ذبحها، فهل تحصل البراءة ؟ فيه الوجهان السابقان. السادسة: هذا الذي سبق، كله فيما إذا تعيبت لا بفعله. فلو تعيبت المعينة ابتداء، أو عما في الذمة بفعله، لزمه ذبح صحيحة. وفي انفكاك المعيبة عن حكم الالتزام، الخلاف السابق. السابعة: لو ذبح الاضحية المنذورة يوم النحر، أو الهدي المنذور بعد بلوغ المنسك، ولم يفرق لحمه حتى فسد، لزمه قيمة اللحم، ويتصدق بها، ولا

(2/486)


يلزمه شراء أخرى، لانه حصلت إراقة الدم. وكذا لو غصب اللحم غاصب وتلف عنده، أو أتلفه متلف، يأخذ القيمة ويتصدق بها. الثامنة: لو نذر التضحية بمعيبة غير معينة، كقوله: لله علي أن أضحي بشاة عرجاء، فثلاثة أوجه: أصحها فيما يقتضيه كلام الغزالي: يلزمه ما التزم. والثاني: يلزمه صحيحة. والثالث: لا يلزمه شئ. ويشبه أن يكون الحكم في لزوم ذبحها، والتصدق بلحمها، وفي أنها ليست من الضحايا وفي أن مصرفها، هل هو مصرف الضحايا، على ما سبق فيمن قال: جعلت هذه المعيبة ضحية. ولو التزم التضحية بظبية، أو فصيل، ففيه الترتيب الذي تقدم في المعينة. ويشبه أن يجئ الخلاف في قوله: لله على أن أضحي بظبية، وإن لم يذكر خلاف في قوله: جعلت هذه الظبية ضحية. النوع الثالث: في ضلالها، وفيه مسائل. إحداها: إذا ضل هديه، أو ضحيته المتطوع بها، لم يلزمه شئ. قلت: لكن يستحب ذبحها إذا وجدها، والتصدق بها. ممن نص عليه القاضي أبو حامد. فإن ذبحها بعد أيام التشريق، كانت شاة لحم يتصدق بها. والله أعلم. الثانية: الهدي الملتزم معينا، يتعين ابتداءا، إذا ضل بغير تقصيره، لم يلزمه ضمانه، فإن وجده، ذبحه. والاضحية، إن وجدها في وقت التضحية، ذبحها، وإن وجدها بعد الوقت، فله ذبحها قضاء، ولا يلزمه الصبر إلى قابل. وإذا ذبحها، صرف لحمها مصارف الضحايا. وفي وجه لابن أبي هريرة: يصرفه إلى المساكين فقط، ولا يأكل، ولا يدخر، وهو شاذ ضعيف. الثالثة: مهما كان الضلال بغير تقصيره، لم يلزمه الطلب إن كان فيه مؤنة، فإن لم تكن، لزمه. وإن كان بتقصيره، لزمه الطلب. فإن لم يجد، لزمه الضمان. فإن علم أنه لا يجدها في أيام التشريق، لزمه ذبح بدلها في أيام التشريق. وتأخير الذبح إلى مضي أيام التشريق بلا عذر، تقصير يوجب الضمان. وإن مضى بعض أيام التشريق، ثم ضلت، فهل هو تقصير ؟ وجهان. قلت: الارجح: أنه ليس بتقصير، كمن مات في أثناء وقت الصلاة الموسع،

(2/487)


لا يأثم على الاصح. والله أعلم. الرابعة: إذا عين هديا أو أضحية عما في ذمته، فضلت المعينة، قال الامام: هو كما لو تلفت هذه المعينة. وفي وجوب البدل، وجهان. وذكرنا هناك حال هذا الخلاف، وما في إطلاق لفظ البدل من التوسع. وقال الجمهور: يلزم إخراج البدل الملتزم. فإن ذبح واحدة عما عليه، ثم وجد الضالة، فهل يلزم ذبحها ؟ وجهان. وقيل: قولان. أصحهما في التهذيب: لا يلزمه، بل يتملكها كما سبق فيما لو تعيبت. والثاني: يلزمه، وقطع به في الشامل، لازالة ملكه بالتعيين، ولم يخرج عن صفة الاجزاء، بخلاف المعيبة. فلو عين عن الضالة واحدة، ثم وجدها قبل ذبح البدل، فأربعة أوجه. أحدها: يلزمه ذبحهما معا. والثاني: يلزمه ذبح البدل فقط. والثالث: ذبح الاول فقط. والرابع: يتخير فيهما. قلت: الاصح: الثالث. والله أعلم. فرع لو عين شاة عن أضحية في ذمته، وقلنا: تتعين، فضحى بأخرى عما في ذمته، قال الامام: يخرج على أن المعينة لو تلفت، هل تبرأ ذمته ؟ إن قلنا: نعم، لم تقع الثانية عما عليه، كما لو قال: جعلت هذه أضحية، ثم ذبح بدلها. وإن قلنا: لا، وهو الاصح، ففي وقوع الثانية ما عليه تردد. فإن قلنا: تقع عنه، فهل تنفك الاولى عن الاستحقاق ؟ فيه الخلاف السابق. فرع لو عين من عليه كفارة عبدا عنها، ففي تعيينه خلاف، وقطع الشيخ

(2/488)


أبو حامد بالتعيين. قلت: الاصح: التعيين. والله أعلم. فإن تعيب المعين، لزمه إعتاق سليم. ولو مات المعين، بقيت ذمته مشغولة بالكفارة. وإن أعتق عبدا أجزأ عن كفارته مع التمكن من إعتاق المعين، فالظاهر: براءة ذمته. قوله: الظاهر، أي: من الوجهين. النوع الرابع: في الاكل من الاضحية والهدي وفيه فصلان. الاول: في الاكل من الواجب، فكل هدي وجب ابتداء من غير التزام، كدم التمتع والقران وجبرانات الحج، لا يجوز الاكل منه. فلو أكل منه، غرم، ولا تجب إراقة الدم ثانيا. وفيما يغرمه، أوجه. أصحها وهو نصه في القديم: يغرم قيمة اللحم كما لو أتلفه غيره. والثاني: يلزمه مثل - ذلك اللحم. والثالث: يلزمه شراء شقص من حيوان مثله، ويشارك في ذبحه، لان ما أكله بطل حكم إراقة الدم فيه، فصار كما لو ذبحه وأكل الجميع، فإنه يلزمه دم آخر. وأما الملتزم بالنذر من الضحايا والهدايا، فإن عين بالنذر عما في ذمته من دم حلق وتطيب أو غيرهما شاة، لم يجز له الاكل منها، كما لو ذبح شاة بهذه النية بغير نذر، وكالزكاة. وإن نذر نذر مجازاة، كتعليقه التزام الهدي، أو الاضحية بشفاء المريض ونحوه، لم يجز الاكل أيضا، كجزاء الصيد. ومقتضى كلامهم: أنه لا فرق بين كون الملتزم معينا، أو مرسلا في الذمة، ثم يذبح عنه. فإن أطلق الالتزام، فلم يعلقه بشئ، وقلنا بالمذهب: إنه يلزمه الوفاء، فإن كان الملتزم معينا، بأن قال: لله علي أن أضحي بهذه، أو أهدي هذه، ففي جواز الاكل منها

(2/489)


قولان، ووجه، أو ثلاث أوجه. الثالثة: يجوز الاكل من الاضحية دون الهدي، حملا لكل واحد على المعهود الشرعي. ومن هذا القبيل، ما إذا قال: جعلت هذه الشاة ضحية من غير تقدم التزام. أما إذا التزم في الذمة، ثم عين شاة عما عليه، فإن لم نجوز الاكل في المعينة ابتداء، فهنا أولى، وإلا، فقولان، أو وجهان. هكذا فصل حكم الاكل في الملتزم كثيرون من المعتبرين، وهو المذهب. وأطلق جماعة وجهين، ولم يفرقوا بين نذر المجازاة وغيره، ولا بين الملتزم المعين والمرسل، وبالمنع قال أبو إسحق. قال المحاملي: وهو المذهب، والجواز اختيار القفال، والامام. قال في العدة: وهو المذهب. ويشبه أن يتوسط فيرجح في المعين: الجواز، وفي المرسل: المنع، سواء عينه عنه ثم ذبح، أو ذبح بلا تعيين، لانه عن دين في الذمة، فأشبه الجبرانات. وإلى هذا ذهب صاحب الحاوي، وهو مقتضى سياق الشيخ أبي علي. وحيث منعنا الاكل في المنذور فأكل، ففيما يغرمه، الاوجه الثلاثة السابقة في الجبرانات. وحيث جوزنا، ففي قدر ما يأكله، القولان في أضحية التطوع. هكذا قاله في التهذيب. ولك أن تقول ذاك الخلاف في قدر المستحب أكله، ولا يبعد أن يقال: لا يستحب الاكل، وأقل ما في تركه: الخروج من الخلاف. الفصل الثاني: في الاكل من الاضحية والهدي المتطوع بهما. وليس له أن يتلف منهما شيئا، بل يأكل ويطعم، ولا يجوز بيع شئ منهما، ولا أن يعطي الجزار شيئا منهما أجرة له، بل مؤنة الذبح على المضحي والمهدي كمؤنة الحصاد. ويجوز أن يعطيه منهما شيئا لفقره، جو يطعمه إن كان غنيا. ولا يجوز تمليك الاغنياء

(2/490)


منهما، وإن جاز إطعامهم. ويجوز تمليك الفقراء منهما، ليتصرفوا فيه بالبيع وغيره. بل لو أصلح الطعام ودعا إليه الفقراء، قال الامام: الذي ينقدح عندي - إذا أوجبنا التصدق بشئ -: أنه لا بد من التمليك كما في الكفارات، وكذا صرح به الروياني فقال: لا يجوز أن يدعو الفقراء ليأكلوه مطبوخا، لان حقهم في تملكه فإن دفع مطبوخا، لم يجز، بل يفرقه نيئا، فإن المطبوخ، كالخبز في الفطرة. وهل يشترط التصدق بشئ منهما، أم يجوز أكل الجميع ؟ وجهان. أحدهما: يجوز أكل الجميع، قاله ابن سريج، وابن القاص، والاصطخري، وابن الوكيل، وحكاه ابن القاص عن نصه. قالوا: ويحصل الثواب بإراقة الدم بنية القربة، وأصحهما: يجب التصدق بقدر ينطلق عليه الاسم، لان المقصود إرفاق المساكين. فعلى هذا، إن أكل الجميع، لزمه ضمان ما ينطلق عليه الاسم، وفي قول، أو وجه: يضمن القدر الذي يستحب أن لا ينقص في التصدق عنه، وسيأتي فيه قولان، هل هو النصف، أم الثلث ؟ وحكى ابن كج والماوردي وجها: أنه يضمن الجميع بأكثر الامرين من قيمتها أو مثلها، لانه بأكله الكل، عدل عن حكم الضحية، فكأنه أتلفها. وينسب هذا إلى أبي إسحق، وابن أبي هريرة. وعلى هذا، يذبح البدل في وقت التضحية. فإن أخره أيام التشريق، ففي إجزائه وجهان. وفي جواز الاكل من البدل وجهان. وهذا الوجه المذكور عن ابن كج، وما تفرع عليه، شاذ ضعيف. والمعروف، ما سبق من الخلاف. ثم ما يضمنه على الخلاف السابق، لا يتصدق به ورقا. وهل يلزمه صرفه إلى شقص أضحية، أم يكفي صرفه إلى اللحم وتفرقته ؟ وجهان. وعلى الوجهين: يجوز تأخير الذبح والتفريق عن أيام التشريق، لان الشقص ليس بأضحية، فلا يعتبر فيه وقتها، ولا يجوز أن يأكل منه. فرع الافضل والاحسن في هدي التطوع وأضحيته، التصدق بالجميع

(2/491)


إلا لقمة، أو لقما يتبرك بأكلها، فإنها مسنونة. وحكى في الحاوي عن أبي الطيب بن سلمة: أنه لا يجوز التصدق بالجميع، بل يجب أكل شئ. وفي القدر الذي يستحب أن لا نقص التصدق عنه، قولان. القديم: يأكل النصف، ويتصدق بالنصف، واختلفوا في التعيين عن الجديد. فنقل جماعة عنه: أنه يأكل الثلث، ويتصدق بالثلثين. ونقل آخرون عنه: أنه يأكل الثلث، ويهدي إلى الاغنياء الثلث، ويتصدق بالثلث. وكذا حكاه الشيخ أبو حامد، ثم قال: ولو تصدق بالثلثين كان أحب. ويشبه أن لا يكون اختلاف في الحقيقة، لكن من اقتصر على التصدق بالثلثين، ذكر الافضل، أو توسع فعد الهدية صدقة. والمفهوم من كلام الاصحاب: أن الهدية لا تغني عن التصدق بشئ إذا أوجبناه، وأنها لا تحسب من القدر الذي يستحب التصدق به، ويجوز صرف القدر الذي لا بد منه إلى مسكين واحد، بخلاف الزكاة. فرع يجوز أن يدخر من لحم الاضحية، وكان ادخارها فوق ثلاثة أيام قد نهى عنه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ثم أذن فيه. قال الجمهور: كان نهي تحريم. وقال أبو علي الطبري: يحتمل التنزيه. وذكروا على الاول وجهين، في أن النهي كان عاما، ثم نسخ، أم كان مخصوصا بحالة الضيق الواقع في تلك السنة، فلما زالت، انتهى التحريم ؟ ووجهين على الثاني: في أنه لو حدث مثل ذلك في زماننا وبلادنا، هل يحكم به ؟ والصواب المعروف: أنه لا يحرم اليوم بحال. وإذا أراد الادخار، فالمستحب أن يكون من نصيب الاكل، لا من نصيب الصدقة والهدية. وأما قول الغزالي في الوجيز: يتصدق بالثلث، ويأكل الثلث، ويدخر الثلث، فبعيد منكر نقلا ومعنى، فإنه لا يكاد يوجد في كتاب متقدم ولا متأخر، والمعروف الصواب: ما قدمناه.

(2/492)


قلت: قال الشافعي رحمه الله في المبسوط: أحب أن لا يتجاوز بالاكل والادخار الثلث، أن يهدي الثلث، ويتصدق بالثلث، هذا نصه بحروفه، وقد نقله أيضا القاضي أبو حامد في جامعه، ولم يذكر غيره. وهذا تصريح بالصواب، ورد لما قاله الغزالي. والله أعلم. النوع الخامس: الانتفاع بها، وما في معناه أو يخالفه، وفيه مسائل. إحداها: لا يجوز بيع جلد الاضحية، ولا جعله أجرة للجزار وإن كانت تطوعا، بل يتصدق به المضحي، أو يتخذ منه ما ينتفع بعينه من خف أو نعل أو دلو، أو فرو، أو يعيره لغيره ولا يؤجره. وحكى صاحب التقريب قولا غربيا: أنه يجوز بيع الجلد، ويصرف ثمنه مصرف الاضحية وحكي وجه: أنه لا يجوز أن ينفرد بالانتفاع بالجلد، لانه نوع يخالف الانتفاع باللحم، فيجب التشريك فيه، كالانتفاع باللحم. والمشهور: الاول. ولا فرق في تحريم البيع، بين بيعه بشئ ينتفع به في البيت وغيره. الثانية: التصدق بالجلد لا يكفي إذا أوجبنا التصدق بشئ من الاضحية، والقرن كالجلد. الثالثة: لا يجز صوفها إن كان في بقائه مصلحة، لدفع حر، أو برد، أو كان وقت الذبح قريبا ولم يضر بقاؤه، وإلا، فيجزه، وله الانتفاع به. والافضل: التصدق. وفي التتمة: أن صوف الهدي يستصحبه ويتصدق به على مساكين الحرم، كالولد. الرابعة: إذا ولدت الاضحية أو الهدي المتطوع بهما، فهو ملكه كالام. ولو ولدت المعينة بالنذر ابتداء، تبعها الولد، سواء كانت حاملا عند التعيين، أم حملت بعده. فإن ماتت الام، بقي الولد أضحية، كولد المدبرة لا يرتفع تدبيره بموتها. ولو عينها بالنذ على ما في ذمته، فالصحيح: أن حكم ولدها كولد المعينة بالنذر ابتداء. وفي وجه: لا يتبعها، بل هو ملك للمضحي أو المهدي، لان ملك

(2/493)


الفقراء غير مستقر في هذه، فإنها لو عابت عادت إلى ملكه. وفي وجه: يتبعها ما دامت حية. فإن ماتت، لم يبق حكم الاضحية في الولد. والصحيح: بقاؤه، والخلاف جار في ولد الامة المبيعة إذا ماتت في يد البائع. وإذا لم يطق ولد الهدي المشي، يحمل على أمه أو غيرها ليبلغ الحرم. ثم إذا ذبح الام والولد، ففي تفرقة لحمهما أوجه. أحدها: لكل واحد منهما حكم ضحية، فيتصدق من كل واحد بشئ، لانهما ضحيتان. والثاني: يكفي التصدق من أحدهما، لانه بعضها. والثالث: لا بد من التصدق من لحم الام، لانها الاصل، وهذا هو الاصح عند الغزالي. وقال الروياني: الاول: أصح ويشترك الوجهان الاخيران في جواز أكل جميع الولد. ولو ذبحها، فوجد في بطنها جنينا، فيحتمل أن يطرد فيه هذا الخلاف، ويحتمل القطع بأنه بعضها. قلت: ينبغي أن يبنى على الخلاف المعروف، في أن الحمل له حكم، وقسط من الثمن، أم لا ؟ إن قلنا: لا، فهو بعض، كيدها، وإلا، فالظاهر: طرد الخلاف، ويحتمل القطع بأنه بعض. والاصح على الجملح: أنه يجوز أكل جميعه. والله أعلم. الخامسة: لبن الاضحية والهدي، لا يحلب إن كان قدر كفاية ولدها. فإن حلبه فنقص الولد، ضمن النقص. وإن فضل عن ري الولد، حلب. ثم قال الجمهور: له شربه، لانه يشق نقله، ولانه يستخلف، بخلاف الولد. وفي وجه: لا يجوز شربه.

(2/494)


وقال صاحب التتمة: إن لم نجوز أكل لحمها، لم يشربه. وينقل لبن الهدي إلى مكة إن تيسر أو أمكن تجفيفه، وإلا، فيتصدق به على الفقراء هناك. وإن جوزنا اللحم، شربه. السادسة: يجوز ركوبهما وإركابهما بالعارية، والحمل عليهما من غير إجحاف. فإن نقصا بذلك ضمن. ولا تجوز إجارتهما. السابعة: لو اشترى شاة فجعلها ضحية، ثم وجد بها عيبا قديما، لم يجز ردها لزوال الملك عنها، كمن اشترى عبدا فأعتقه ثم علم به عيبا، لكن يرجع على البائع بالارش. وفيما يفعل به، وجهان. أحدهما: يصرف مصرف الاضحية، فينظر، أيمكنه أن يشتري به ضحية، أو جزءا، أم لا ؟ ويعود فيه ما سبق في نظائره، وفرقوا بينه وبين أرش العيب بعد إعتاق العبد، فإنه للذي أعتقه، بأن المقصود من العتق تكميل الاحكام، والعيب لا يؤثر فيه. والمقصود من الاضحية اللحم، ولحم المعيب ناقص. والوجه الثاني: أنه للمضحي، لا يلزمه صرفه للاضحية، لان الارش بسبب سابق للتعيين. وبالوجه الاول قاله الاكثرون، لكن الثاني أقوى، ونسبه الامام إلى المراوزة وقال لا: يصح غيره، وإليه ذهب ابن الصباغ، والغزالي، والروياني. قلت: قد نقل في الشامل هذا الثاني عن أصحابنا مطلقا، ولم يحك فيه خلافا، فهو الصحيح. والله أعلم. فصل في مسائل منثورة إحداها: قال ابن المرزبان: من أكل بعض لحم الاضحية، وتصدق ببعضها، هل يثاب على الكل، أو على ما تصدق به ؟ وجهان كالوجهين فيمن نوى صوم التطوع ضحوة، هل يثاب من أول النهار أم من وقته ؟ وينبغي أن يقال: له ثواب التضحية بالكل، والتصدق بالبعض.

(2/495)


قلت: هذا الذي قاله الرافعي، هو الصواب الذي تشهد به الاحاديث والقواعد. وممن جزم به تصريحا، الشيخ الصالح إبرهيم المروروذي. والله أعلم. الثانية: في جواز الصرف من الاضحية إلى المكاتب وجهان، في وجه: يجوز كالزكاة. قلت: الاصح: الجواز. ودلله أعلم. الثالثة: قال ابن كج: من ذبح شاة، وقال: أذبح لرضى فلان، حلت الذبيحة، لانه لا يتقرب إليه، بخلاف من تقرب بالذبح إلى الصنم. وذكر الروياني: أن من ذبح للجن وقصد به التقرب إلى الله تعالى ليصرف شرهم عنه، فهو حلال، وإن قصد الذبح لهم، فحرام. الرابعة: قال في البحر: قال أبو إسحق: من نذر الاضحية في عام، فأجر، عصى، ويقضي كمن أخر الصلاة. الخامسة: قال الروياني: من ضحى بعدد، فرقه على أيام الذبح، فإن كان شاتين، ذبح شاة في اليوم الاول، والاخرى في آخر الايام. قلت: هذا الذي قاله، وإن كان أرفق بالمساكين، إلا أنه خلاف السنة، فقد نحر النبي - صلى الله عليه وسلم - في يوم واحد مائة بدنة أهداها، فالسنة: التعجيل والمسارعة إلى الخيرات، والمبادرة بالصالحات، إلا ما ثبت خلافه. والله أعلم. السادسة: محل التضحية، بلد المضحي، بخلاف الهدي. وفي نقل الاضحية، وجهان، تخريجا من نقل الزكاة.

(2/496)


السابعة: الافضل أن يضحي في بيته بمشهد أهله. وفي الحاوي: أنه يختار للامام أن يضحي للمسلمين كافة من بيت المال ببدنة، ينحرها في المصلى. فإن لم يتيسر، فشاة، وأنه يتولى النحر بنفسه، وإن ضحى من ماله، ضحى حيث شاء. قلت: قال الشافعي رحمه الله في البويطي: الاضحية سنة على كل من وجد السبيل من المسلمين من أهل المدائن والقرى، والحاضر والمسافر، والحاج من أهل مني وغيرهم، من كان معه هدي، ومن لم يكن. هذا نصه بحروفه. وفيه رد على ما حكاه العبدري في كتابه الكفاية: أن الاضحية سنة، إلا في حق الحاج بمنى، فإنه لا أضحية عليهم، لان ما ينحر بمنى هدي، وكما لا يخاطب الحاج في منى بصلاة العيد، فكذا الاضحية. وهذا الذي قاله، فاسد مخالف للنص الذي ذكرته. وقد صرح القاضي أبو حامد في جامعه وغيره من أصحابنا: بأن أهل منى كغيرهم في الاضحية، وثبت في صحيحي البخاري ومسلم: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ضحى في منى عن نسائه بالبقر. والله أعلم.
باب العقيقة
هي سنة، والمستحب ذبحها يوم السابع من يوم الولادة، ويحسب من السبعة

(2/497)


يوم الولادة على الاصح. قلت: وإن ولد ليلا، حسب اليوم الذي يلي تلك الليلة قطعا، نص عليه في البويطي، ونص أنه لا يحسب اليوم الذي ولد في أثنائه. والله أعلم. ويجزئ ذبحها قبل فراغ السبعة، ولا يحسب قبق الولادة، بل تكون شاة لحم. ولا تفوت بتأخيرها عن السبعة، لكن الاختيار أن لا تؤخر إلى البلوغ. قال أبو عبد الله البوشنجي من أصحابنا: إن لم تذبح في السابع، ذبحت في الرابع عشر، وإلا ففي الحادي والعشرين. وقيل: إذا تكررت السبعة ثلاث مرات، فات وقت الاختيار. فإن أخرت حتى بلغ، سقط حكمها في حق غير المولود، وهو مخير في العقيقة عن نفسه. واستحسن القفال والشاشي: أن يفعلها. ويروى عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: أنه عق عن نفسه بعد النبوة. ونقلوا عن نصه في البويطي: أنه لا يفعل ذلك، واستغربوه. قلت: قد رأيت نصه في نفس كتاب البويطي قال: ولا يعق عن كبير. هذا لفظه، وليس مخالفا لما سبق، لان معناه: لا يعق عن غيره، وليس فيه نفي عقه عن نفسه. والله أعلم. فصل إنما يعق عن المولود من تلزمه نفقته. وأما عق النبي - صلى الله عليه وسلم - عن الحسن والحسين رضي الله عنهما، فمؤول. قلت: تأويله: أنه - صلى الله عليه وسلم - أمر أباهما بذلك، أو أعطى أبويهما ما عق به أو

(2/498)


: أن أبويهما كانا عند ذلك معسرين، فيكونان في نفقة جدهما رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. والله أعلم. ولا يعق عن المولود من ماله، فلو كان المنفق عاجزا عن القيقة، فإيسر في السبعة،. استحب له العق. وإن أيسر بعدها، أو بعد مدة النفاس، فهي ساقطة عنه وإن أيسر في مدة النفاس، ففيه احتمالان للاصحاب، لبقاء أثر الولادة. فصل العقيقة جذعة ضأن، أو ثنية معز، كالاضحية. وفي الحاوي: أنه يجزئ ما دونهما، ويشترط سلامتهما من العيب المانع في الاضحية. وفي العدة: إشارة إلى وجه مسامح، قال بعض الاصحاب: الغنم أفضل من الابل والبقر، والصحيح خلافه، كالاضحية. وينبغي أن تتأدى السنة بسبع بدنة أو بقرة. فصل حكم العقيقة في التصدق منها، والاكل، والهدية، والادخار، وقدر المأكول، وامتناع البيع، وتعيين الشاة إذا عينت للعقيقة، كما ذكرنا في الاضحية. وقيل: إن جوزنا دون الجذعة، لم يجب التصدق منها، وجاز تخصيص الاغنياء بها. فصل ينوي عند ذبحها، أنها عقيقة. لكن إن جعلها عقيقة من قبل، ففي الحاجة إلى النية عند الذبح، ما ذكرنا في الاضحية. فصل يستحب أن لا يتصدق بلحمها نيئا، بل يطبخه. وفي الحاوي: أنا إذا لم نجوز ما دون الجذعة والثنية، وجب التصدق بلحمها نيئا. وكذا قال الامام: إن أوجبنا التصدق بمقدار، وجب تمليكه وهو نيئ. والصحيح: الاول. وفيما يطبخه به، وجهان. أحدهما: بحموضة، ونقله

(2/499)


في التهذيب عن النص. وأصحهما: بحلو تفاؤلا بحلاوة أخلاق المولود. وعلى هذا، لو طبخ بحامض، ففي كراهته وجهان. أصحهما: لا يكره. ويستحب أن لا يكسر عظام العقيقة ما أمكن، فإن كسر، لم يكره على الاصح. والتصدق بلحمها ومرقها على المساكين، بالبعث إليهم، أفضل من الدعوة إليها. ولو دعا إليها قوما، فلا بأس. فصل يعق عن الجارية شاة، وعن الغلام شاتان، ويحصل أصل السنة بواحدة. ويستحب أن تكون الشاتان متساويتين، وأن يكون ذبح العقيقة في صدر النهار، وأن يعق عمن مات بعد الايام السبعة والتمكن من الذبح. وقيل: يسقط بالموت. وأن يقول الذابح بعد التسمية: اللهم لك وإليك عقيقة فلان. ويكره لطخ رأس الصبي بدم العقيقة، ولا بأس بلطخه بالزعفران والخلوق. وقيل باستحبابه. فصل ستحب أن يسمى المولود في اليوم السابع، ولا بأس بأن يسمى قبله. واستحب بعضهم أن لا يفعله، ولا يترك تسمية السقط، ولا من مات قبل تمام السبعة، ولتكن التسمية باسم حسن، وتكره الاسماء القبيحة وما يتطير بنفيه، كنافع، ويسار، وأفلح، ونجيح، وبركة. فصل يستحب أن يحلق رأس المولود يوم السابع، ويتصدق بوزن شعره ذهبا. فإن لم يتيسر، ففضة، سواء فيه الذكر والانثى. قال في التهذيب:

(2/500)


يحلق بعد الذبح العقيقة. والذي رجحه الروياني، ونقله عن النص: أنه يكون قبل الذبح. قلت: وبهذا قطع المحاملي في المقنع، وبالاول قطع صاحب المهذب والجرجاني في التحرير، وفي الحديث إشارة إليه، فهو أرجح. والله أعلم. فصل يستحب أن يؤذن من ولد له ولد في أذنه. وكان عمر بن عبد العزيز رحمه الله، إذا ولد له ولد، أذن في أذنه اليمنى، وأقام في اليسرى، واستحبه بعض أصحابنا. ويستحب أن يقول في أذنه: * (إني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم) *، وأن يحنكه بتمر، بأن يمضغه ويدلك به حنكه، فإن لم يكن تمر، حنكه بشئ آخر حلو، وأن يهنأ الوالد بالمولود، ويستحب أن يعطي القابلة رجل العقيقة. فصل في الحديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: لا فرع ولا عتيرة. فالفرع - بفتح الفاء والراء وبالعين المهملة - أول نتاج البهيمة كانوا يذبحونه ولا يملكونه رجاء البركة في الام وكثرة نسلها. والعتيرة - بفتح العين المهملة - ذبيحة كانوا يذبحونها في العشر الاول من رجب. ويسمونها: الرجبية أيضا. وذكر ابن كج وغيره فيهما وجهين. أحدهما: تكرهان للخبر. والثاني: لا كراهة فيهما، والمنع راجع إلى ما كانوا يفعلونه، وهو الذبح لآلهتهم، أو أن المقصود نفي الوجوب، أو أنهما ليستا كالاضحية في الاستحباب، أو في ثواب إراقة الدم. فأما تفرقة اللحم على

(2/501)


المساكين، فبر وصدقة. وحكي أن الشافعي رحمه الله قال: إن تيسر ذلك كل شهر، كان حسنا. قلت: هذا النص للشافعي رحمه الله في سنن حرملة، والحديث المذكور في أول الفصل في صحيح البخاري وغيره، وفي سنن أبي داود وغيره حديث آخر يقتضي الترخيص فيهما، بل ظاهره الندب، فالوجه الثاني يوافقه، وهو الراجح. واعلم أن الامام الرافعي رحمه الله، ترك مسائل مهمة تتعلق بالباب. إحداها: يكره القزع، وهو حلق بعض الرأس، سواء كان متفرقا أو من موضع واحد، لحديث الصحيحين بالنهي عنه. وقد اختلف في حقيقة القزع، والصحيح: ما ذكرته. وأما حلق جميع الرأس، فلا بأس به لمن لا يخف عليه تعاهده، ولا بأس بتركه لمن خف عليه. الثانية: يستحب فرق شعر الرأس. الثالثة: يستحب الادهان غبا، أي: وقتا بعد وقت، بحيث يجف الاول. الرابعة: يستحب الاكتحال وترا. والصحيح في معناه: ثلاثا في كل عين. والخامسة: تقليم الاظفار، وإزالة شعر العانة، بحلق، أو نتف، أو قص، أو نورة، أو غيرها، والحلق أفضل. ويستحب إزالة شعر الابط بأحذ هذه الامور، والنتف أفضل لمن قوي عليه. ويستحب قص الشارب، بحيث يبين طرف الشفة بيانا ظاهرا. ويبدأ في

(2/502)


هذه كلها، باليمين، ولا يؤخرها عن وقت الحاجة، ويكره كراهة شديدة، تأخيرها عن أربعين يوما، للحديث في صحيح مسلم بالنهي عن ذلك. السادسة: من السنة غسل البراجم، وهي عقد الاصابع ومفاصلها، ويلتحق بها إزالة ما يجتمع من الوسخ في معاطف الاذن وصماخها، وفي الانف وسائر البدن. السابعة: خضاب الشعر الشائب بحمرة أو صفرة، سنة، وبالسواد حرام. وقيل: مكروه. وأما خضاب اليدين والرجلين، فمستحب في حق النساء، كما سبق في باب الاحرام، وحرام في حق الرجال إلا لعذر. الثامنة: يستحب ترجيل الشعر، وتسريح اللحية، ويكره نتف الشيب. التاسعة: ذكر الغزالي وغيره، في اللحية عشر خصال مكروهة: خضابها بالسواد إلا للجهاد، وتبييضها بالكبريت أو غيره استعجالا للشيخوخة، ونتفها أول طلوعها إيثارا للمرودة وحسن الصورة، ونتف الشيب، وتصفيفها طاقة فوق طاقة تحسنا، والزيادة فيها، والنقص منها بالزيادة في شعر العذارين من الصدغين، أو أخذ بعض العذار في حلق الرأس، ونتف جانبي العنفقة، وغير ذلك، وتركها شعثة إظهارا لقلة المبالاة بنفسه، والنظر في بياضها وسوادها إعجابا وافتخارا، ولا بأس بترك سباليه، وهما طرفا الشارب. العاشرة: في صحيح مسلم عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: إن أحب أسمائكم إلى الله عزوجل، عبد الله، وعبد الرحمن، وإذا سمي إنسان باسم قبيح، فالسنة

(2/503)


تغييره. وينبغي للولد والتلميذ والغلام، أن لا يسمي أباه ومعلمه وسيده باسمه. ويستحب تكنية أهل الفضل من الرجال والنساء، سواء كان له ولد، أم لا، وسواء كني بولده، أم بغيره. ولا بأس بكنية الصغيرة، وإذا كني من له أولاد، فالسنة أن يكنى بأكبرهم، ونص الشافعي رحمه الله، أنه لا يجوز التكني بأبي القاسم، سواء كان اسمه محمدا، أم غيره، للحديث الصحيح في ذلك، وسنوضحه في أول النكاح إن شاء الله تعالى. ولا بأس بمخاطبة الكافر والمبتدع والفاسق بكنيته إذا لم يعرف بغيرها، أو خيف من ذكره باسمه فتنة، وإلا فينبغي أن لا يزيد على الاسم. وا لادب، أن لا يذكر الانسان كنيته في كتابه ولا غيره، إلا أن لا يعرف بغيرها أو كانت أشهر من اسمه. ولا بأس بترخيم الاسم إذا لم يتأذ صاحبه، ولا بتلقيب الانسان بلقب لا يكره. واتفقوا على تحريم تلقيبه بما يكرهه، سواء كان صفة له، كالاعمش والاعرج، أو لابيه، أو لامه، أو غير ذلك. ويجوز ذكره بذلك للتعريف، لمن لا يعرفه بغيره، ناويا التعريف فقط. وثبت في صحيح مسلم وغيره: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: إذا كان جنح الليل أو أمسيتم، فكفوا صبيانكم، فإن الشيطان ينتشر حينئذ، فإذا ذهب ساعة من الليل، فخلوهم، وأغلقوا الباب، واذكروا اسم الله، فإن الشيطان لا يفتح بابا مغلقا، وأوكوا قربكم واذكروا اسم الله، وخمروا آنيتكم واذكروا اسم الله، ولو أن تعرضوا عليها شيئا، وأطفئوا مصابيحكم وفي رواية: لا ترسلوا فواشيكم وصبيانكم إذا غابت الشمس، حتى تذهب فحمة العشاء وفي رواية: لا تتركوا النار في بيوتكم حين تنامون. فهذه سنن ينبغي المحافظة عليها، وجنح الليل بضم الجيم وكسرها: ظلامه. وقوله - صلى الله عليه وسلم -: تعرضوا عليها شيئا - بضم الراء - على المشهور. وقيل: بكسرها، أي: تجعلوه عرضا. وقوله - صلى الله عليه وسلم -: لا ترسلوا فواشيكم هي - بالفاء جمع فاشية - وهو كل ما ينشر من المال كالبهائم وغيرها، وفحمة العشاء: ظلمتها. والله أعلم.

(2/504)