روضة الطالبين وعمدة المفتين ط العلمية

بسم الله الرحمن الرحيم
روضة الطالبين - كتاب البيع
باب ما يصح به البيع
البيع: مقابلة مال بمال أو نحوه. ويعتبر في صحته ثلاثة أمور.

(3/3)


الاول: الصيغة، وهي الايجاب من جهة البائع، كقوله: بعتك أو ملكتك ونحوهما. وفي ملكتك وجه ضعيف. والقبول من المشتري، كقوله: قبلت، أو ابتعت، أو اشتريت، أو تملكت. ويجئ في تملكت ذلك الوجه، وسواء تقدم قول البائع: بعت، أو قول المشتري: اشتريت، فيصح البيع في الحالين، ولا يشترط اتفاق اللفظين، بل لو قال البائع: بعتك، أو اشتريت،

(3/4)


فقال المشتري: تملكت، أو قال البائع: ملكتك. فقال: اشتريت، صح، لان المعنى واحد. فرع المعاطاة، ليست بيعا على المذهب. وخرج ابن سريج قولا من الخلاف في مصير الهدي منذورا بالتقليد: أنه يكتفى بها في المحقرات، وبه أفتى الروياني وغيره. والمحقر، كرطل خبز وغيره، مما يعتاد فيه المعاطاة. وقيل: هو ما دون نصاب السرقة. فعلى المذهب في حكم المأخوذ بالمعاطاة، وجهان. أحدهما: أنه إباحة لا يجوز الرجوع فيها، قاله القاضي أبو الطيب. وأصحهما: له حكم المقبوض بعقد فاسد، فيطالب كل واحد صاحبه بما دفعه إن كان باقيا، أو بضمانه إن تلف. فلو كان الثمن الذي قبضه البائع مثل القيمة، قال الغزالي في الاحياء: هذا مستحق ظفر بمثل حقه، والمالك راض، فله تملكه لا محالة. وقال الشيخ أبو حامد: لا مطالبة لواحد منهما، وتبرأ ذمتهما بالتراضي، وهذا يشكل بسائر العقود الفاسدة، فإنه لا براءة وإن وجد التراضي. وقال مالك رضي الله عنه: ينعقد بكل ما يعده الناس بيعا، واستحسنه ابن الصباغ. قلت: هذا الذي استحسنه ابن الصباغ، هو الراجح دليلا، وهو المختار، لانه لم يصح في الشرع اشتراط لفظ، فوجب الرجوع إلى العرف كغيره من الالفاظ. وممن اختاره: المتولي والبغوي وغيرهما. والله أعلم. فرع لو قال: بعني، فقال: بعتك. إن قال بعده: اشتريت، أو قبلت، انعقد قطعا، وإلا، انعقد على الاصح. وقيل: على الاظهر. وقيل: ينعقد قطعا. ولو قال: اشتر مني، فقال: اشتريت، قال في التهذيب: هو كالصورة السابقة. وقال بعضهم: لا ينعقد قطعا. ولو قال: أتبيعني عبدك بكذا، أو قال: بعتني بكذا، فقال: بعت، لم ينعقد، حتى يقول بعده: اشتريت. وكذا لو قال البائع: أتشتري داري ؟ أو اشتريت مني ؟ فقال: اشتريت، لا ينعقد حتى يقول بعده: بعت. فرع كل تصرف يستقل به الشخص، كالطلاق والعتاق والابراء، ينعقد

(3/5)


بالكناية مع النية كانعقاده بالصريح. وما لا يستقل به، بل يفتقر إلى إيجاب وقبول، ضربان أحدهما: ما يشترط فيه الشهادة كالنكاح وبيع الوكيل إذا شرط الموكل الاشهاد، فهذا لا ينعقد بالكناية، لان الشاهد لا يعلم النية. والثاني: ما لا يشترط فيه، وهو نوعان. أحدهما: ما يقبل مقصوده التعليق بالغرر، كالكتابة، والخلع، فينعقد بالكناية مع النية. والثاني: ما لا يقبل، كالبيع والاجارة وغيرهما. وفي انعقاد هذه التصرفات بالكناية مع النية، وجهان. أصحهما: الانعقاد كالخلع. ومثال الكناية في البيع، أن يقول: خذه مني، أو تسلمه بألف، أو أدخلته في ملكك، أو جعلته لك بكذا وما أشبهها. ولو قال: سلطتك عليه بألف، ففي كونه كناية وجهان. أحدهما: لا، كقوله: أبحتكه بألف. قلت: الاصح: أنه كناية. والله أعلم. فرع لو كتب إلى غائب بالبيع ونحوه، ترتب ذلك على أن الطلاق، هل يقع بالكتب مع النية ؟ إن قلنا: لا، فهذه العقود أولى أن لا تنعقد، وإلا، ففيها الوجهان في انعقادها بالكنايات. فإن قلنا: تنعقد، فشرطه أن يقبل المكتوب إليه بمجرد اطلاعه على الكتاب على الاصح. قلت: المذهب: أنه ينعقد البيع بالمكاتبة لحصول التراضي، لا سيما وقد قدمنا أن الراجح انعقاده بالمعاطاة. وقد صرح الرافعي بترجيح صحته بالمكاتبة في كتاب الطلاق، وستأتي هذه المسائل كلها مبسوطة فيه إن شاء الله تعالى. واختار الغزالي في الفتاوى: أنه ينعقد، قال: وإذا قبل المكتوب إليه، ثبت له خيار المجلس، ما دام في مجلس القبول، ويتمادى خيار الكاتب أيضا إلى أن ينطع خيار المكتوب إليه، حتى لو علم أنه رجع عن الايجاب قبل مفارقة المكتوب إليه مجلسه، صح رجوعه، ولم ينعقد البيع. والله أعلم. ولو تبايع حاضران بالمكاتبة، فإن منعناه في الغيبة، فهنا أولى، وإلا، فوجهان. وحكم الكتب على القرطاس، والرق، واللوح، والارض، والنقش على الحجر والخشب، واحد، ولا أثر لرسم الاحرف على الماء والهواء. قال بعض أصحابنا تفريعا على صحة البيع بالمكاتبة.

(3/6)


لو قال: بعت داري لفلان وهو غائب، فلما بلغه الخبر قال: قبلت، انعقد البيع، لان النطق أقوى من الكتب. قال إمام الحرمين: والخلاف المذكور، في أن البيع ونحوه، هل ينعقد بالكناية مع النية هو فيما إذا عدمت قرائن الاحوال، فإن توفرت وأفادت التفاهم، وجب القطع بالصحة، لكن النكاح لا يصح بالكناية وإن توفرت القرائن. وأما البيع المقيد بالاشهاد، فقال في الوسيط: الظاهر انعقاده عند توفر القرائن. قلت: قال الغزالي في الفتاوى: لو قال أحد المتبايعين: بعني، فقال: قد باعك الله، أو بارك الله لك فيه، أو قال في النكاح: زوجك الله بنتي، أو قال في الاقالة: قد أقالك الله، أو قد رده الله عليك، فهذا كناية، فلا يصح النكاح بكل حال. وأما البيع والاقالة، فإن نواهما، صحا، وإلا، فلا. وإذا نواهما، كان التقدير: قد أقالك الله لاني قد أقلتك. والله أعلم. فرع لو باع مال ولده لنفسه، أو مال نفسه لولده، فهل يفتقر إلى صيغتي الايجاب والقبول، أم تكفي إحداهما ؟ وجهان سيأتيان إن شاء الله تعالى بفروعهما في باب الخيار. فرع يشترط أن لا يطول الفصل بين الايجاب والقبول، وأن لا يتخللهما كلام أجنبي عن العقد، فإن طال، أو تخلل، لم ينعقد، سواء تفرقا عن

(3/7)


المجلس، أم لا. ولو مات المشتري بين الايجاب والقبول، ووارثه حاضر، فقبل، فالاصح: المنع. وقال الداركي: يصح. فرع يشترط موافقة القبول الايجاب. فلو قال: بعت بألف صحيحة، فقال: قبلت بألف قراضة، أو بالعكس. أو قال: بعت جميع الثوب بألف، فقال: قبلت نصفه بخمسمائة، لم يصح. ولو قال: بعتك هذا بألف، فقال: قبلت نصفه بخمسمائة، ونصفه بخمسمائة، قال في التتمة: يصح العقد، لانه تصريح بمقتضى الاطلاق، وفيه نظر. وفي فتاوى القفال: أنه لو قال: بعتك بألف درهم، فقال: اشتريت بألف وخمسمائة، صح البيع، وهو غريب. فرع لو قال المتوسط للبائع: بعت كذا ؟ فقال: نعم، أو بعت. وقال للمشتري: اشتريت بكذا ؟ فقال: نعم، أو اشتريت، انعقد على الاصح، لوجود الصيغة والتراضي. والثاني: لا، لعدم تخاطبهما. فرع لو قال: بعتك بألف، فقال: قبلت، صح قطعا، بخلاف النكاح، يشترط فيه على رأي أن يقول: قبلت نكاحها، احتياطا للابضاع. ولو قال: بعتك بألف إن شئت، فقال: اشتريت، انعقد على الاصح، لانه مقتضى الاطلاق.

(3/8)


فرع يصح بيع الاخرس وشراؤه بالاشارة والكتابة. فرع جميع ما سبق، هو فيما ليس بضمني من البيوع. فأما البيع الضمني فيما إذا قال: أعتق عبدك عني على ألف، فلا تعتبر فيه الصيغ التي قدمناها، بل يكفي فيه الالتماس والجواب قطعا. الامر الثاني: أهلية البائع والمشتري، ويشترط فيهما لصحة البيع: التكليف، فلا ينعقد بعبارة الصبي والمجنون، لا لانفسهما، ولا لغيرهما، سواء كان الصبي مميزا أو غير مميز، باشر بإذن الولي أو بغير إذنه، وسواء بيع الاختبار وغيره. وبيع الاختبار: هو الذي يمتحنه الولي به ليستبين رشده عند مناهزة الاحتلام، ولكن يفوض إليه الاستيام وتدبير العقل، فإذا انتهى الامر إلى اللفظ، أتى به الولي. وفي وجه ضعيف: يصح منه بيع الاختبار. قلت: ويشترط في المتعاقدين، الاختيار. فإن أكرها على البيع، لم يصح، إلا إذا أكره بحق، بأن يتوجه عليه بيع ماله لوفاء دين عليه، أو شراء مال أسلم إليه فيه، فأكرهه الحاكم عليه، صح بيعه وشراؤه، لانه إكراه بحق. فأما بيع المصادر، فالاصح: صحته. وقد سبق بيانه في نصف الباب الثاني من الاطعمة. ويصح بيع السكران وشراؤه على المذهب، وإن كان غير مكلف كما تقرر في كتب

(3/9)


الاصول، وسنوضحه في كتاب الطلاق إن شاء الله تعالى. والله أعلم. فرع لو اشترى الصبي شيئا فتلف في يده، أو أتلفه، فلا ضمان عليه في الحال، ولا بعد البلوغ. وكذا لو اقترض مالا، لان المالك هو المضيع بالتسليم إليه. وما داما باقيين، فللمالك الاسترداد. ولو سلم ثمن ما اشتراه، لزم الولي استرداده، ولزم البائع رده إلى الولي. فإن رده إلى الصبي، لم يبرأ من الضمان. وهذا كما لو سلم الصبي درهما إلى صراف لينقده، أو سلم متاعا إلى مقوم ليقومه، فإذا أخذه، لم يجز رده إلى الصبي، بل يرده إلى وليه إن كان المال للصبي. وإن كان لكامل، فإلى المالك. فلو أمره الولي بدفعه إلى الصبي، فدفعه إليه، سقط عنه الضمان إن كان المال للولي وإن كان للصبي، فلا، كما لو أمره بإلقاء مال الصبي في البحر ففعل، فإنه يلزمه الضمان. ولو تبايع صبيان وتقابضا، وأتلف كل واحد ما قبضه، نظر، إن جرى ذلك بإذن الوليين، فالضمان عليهما، وإلا، فلا ضمان عليهما، وعلى الصبيين الضمان، لان تسليمهما لا يعد تسليطا وتضييعا. فرع لا ينعقد نكاح الصبي وسائر تصرفاته، لكن في تدبير المميز ووصيته خلاف مذكور في موضعه. ولو فتح بابا وأخبر بإذن أهل الدار في الدخول، أو أوصل هدية وأخبر عن إهداء مهديها، فهل يجوز الاعتماد عليه ؟ نظر، إن انضمت قرائن تحصل العلم بذلك، جاز الدخول والقبول، وهو في الحقيقة عمل بالعلم، لا بقوله. وإن لم ينضم، نظر، إن كان غير مأمون القول، لم يعتمد، وإلا، فطريقان. أصحهما: القطع بالاعتماد. والثاني: على الوجهين في قبول روايته. فرع كما لا تصح تصرفاته اللفظية، لا يصح قبضه في تلك التصرفات، فلا يفيد قبضه الملك في الموهوب له وإن اتهبه الولي، ولا لغيره إذا أمره الموهوب له بالقبض له. ولو قال مستحق الدين لمن عليه: سلم حقي إلى هذا الصبي، فسلم إليه قدر حقه، لم يبرأ من الدين، وكان ما سلمه باقيا في ملكه، حتى لو ضاع، لضاع عليه، ولا ضمان على الصبي، لان الدافع ضيعه بتسليمه، ويبقى الدين بحاله، لان ما في الذمة لا يتعين إلا بقبض صحيح، فلا يزول عن الذمة، كما لو قال: ألق حقي في البحر، فألقى قدر حقه، لا يبرأ، بخلاف ما لو قال مالك الوديعة للمودع: سلم مالي إلى هذا الصبي، فسلم، خرج من العهدة، لانه امتثل أمره في

(3/10)


حقه المتعين كما لو قال: ألقها في البحر، فامتثل. ولو كانت الوديعة للصبي، فسلمها إليه، ضمن، سواء كان بإذن الولي أو بغير إذنه، إذ ليس له تضييعها وإن أمره الولي به. فصل إسلام المتعاقدين ليس بشرط في مطلق التبايع، لكن لو اشترى كافر عبدا مسلما، أو اتهبه، أو أوصي له به، فقبل، لم يملكه على الاظهر. قال في التتمة: القولان في الوصية، إذا قلنا: يملكها بالقبول. وإن قلنا بالموت، ثبت بلا خلاف كالارث. ولو اشترى مصحفا، أو شيئا من حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فالمذهب: القطع بأنه لا يملك. وقيل: على القولين. قال العراقيون: وكتب الفقه التي فيها آثار السلف، لها حكم المصحف في هذا. وقال صاحب الحاوي: كتب الفقه والحديث يصح بيعها للكافر. وفي أمره بإزالة الملك عنها، وجهان. قلت: الخلاف في بيع العبد، والمصحف، والحديث، والفقه، إنما هو في صحة العقد، مع أنه حرام بلا خلاف. والله أعلم. وإذا قلنا: لا يصح شراء الكافر عبدا مسلما، فاشترى من يعتق عليه كأبيه وابنه، صح على الاصح. ويجري الوجهان في كل شراء يستعقب عتقا، كقول الكافر لمسلم: أعتق عبدك المسلم عني بعوض أو بغير عوض، وإجابته، وكما إذا

(3/11)


أقر بحرية عبد مسلم في يد غيره ثم اشتراه. ورتب الامام الخلاف في هاتين الصورتين على شراء القريب. وقال: الاولى أولى بالصحة، لان الملك فيها ضمني، والثانية أولى بالمنع، لان العتق فيها وإن حكم به، فهو ظاهر غير محقق، بخلاف القريب. ولو اشترى الكافر عبدا مسلما بشرط الاعتاق، وصححنا الشراء بهذا الشرط، فهو كما لو اشتراه مطلقا، لان العتق لا يحصل بنفس الشراء. وقيل: هو كشراء القريب. فرع يجوز أن يستأجر الكافر مسلما على عمل في الذمة، كدين في ذمته. ويجوز أن يستأجره بعينه على الاصح، حرا كان أو عبدا. فعلى هذا، هل يؤمر بإزالة ملكه عن المنافع، بأن يؤجره مسلما ؟ وجهان. قطع الشيخ أبو حامد: بأنه يؤمر. قلت: وإذا صححنا إجارة عينه، فهي مكروهة، نص عليه الشافعي رضي الله عنه. والله أعلم. وفي ارتهانه العبد المسلم، وجهان. ويجوز إعارة العبد المسلم لكافر قطعا. وكذا إيداعه عنده. قلت: الاصح: صحة ارتهانه العبد المسلم والمصحف، ويسلم إلى عدل. وفي الاعارة وجه: أنها لا تجوز، وبه جزم صاحب المهذب والتنبيه والجرجاني: وهو ضعيف. والله أعلم. فرع لو باع الكافر عبدا مسلما - ورثه، أو أسلم عنده - ثم وجد بالثوب عيبا، فالمذهب: أنه له رد الثوب بالعيب. وهل له استرداد العبد ؟ وجهان. أصحهما: له ذلك. والثاني: لا، بل يسترد قيمته، لانه كالهالك. وطرد الامام والغزالي، الوجهين في جواز رد الثوب. والصواب: الاول، وبه قطع في التهذيب وغيره. ولو وجد مشتري العبد به عيبا، ففي رده واسترداده الثوب طريقان. أحدهما: القطع بالجواز. والثاني: على الوجهين. ولو باع الكافر العبد

(3/12)


المسلم، ثم تقايلا، فإن قلنا: الاقالة بيع، لم ينفذ، وإن قلنا: فسخ، فعلى الوجهين في الرد بالعيب. فرع: ولو وكل كافر مسلما ليشتري عبدا مسلما، لم يصح، لان العقد يقع للموكل اولا، وينتقل إليه آخرا (وان) وكل مسلم كافرا ليشتري له عبدا مسلما، فإن سمى الموكل في الشراء، صح، وإلا، فإن قلنا: يقع الملك للوكيل أولا، لم يصح: وإن قلنا: يقع للموكل، صح. فرع لو اشترى كافر مرتدا، فوجهان، لبقاء علقة الاسلام كالوجهين في قتل المرتد بذمي. فرع لو اشترى كافر كافرا، فأسلم قبل قبضه، فهل يبطل البيع كمن اشترى عصيرا فتخمر قبل قبضه، أم لا كمن اشترى عبدا فأبق قبل قبضه ؟ وجهان. فإن قلنا: لا يبطل، فهل يقبضه المشتري، أم ينصب الحاكم من يقبض عنه ثم يأمره بإزالة الملك ؟ وجهان. وقطع القفال في فتاويه: بأنه لا يبطل، ويقبضه الحاكم، وهذا أصح. فرع جميع ما سبق، تفريع على قول المنع. أما إذا صححنا شراءه، فإن علم الحاكم به قبل القبض، فيمكنه من القبض، أم ينصب من يقبضه ؟ فيه الوجهان. وإذا حصل القبض، أو علم به بعد قبضه، أمر بإزالة الملك فيه، كما نذكره في الفرع بعده إن شاء الله تعالى. فرع إذا كان في يد الكافر عبد، فأسلم، لم يزل ملكه عنه، ولكن لا يقر في يده، بل يؤمر بإزالة ملكه عنه، ببيع، أو هبة، أو عتق، أو غيرها. ولا يكفي الرهن والتزويج، والاجارة، والحيلولة، وتكفي الكتابة على الاصح، وتكون كتابة صحيحة. وإن قلنا: لا تكفي، فوجهان. أحدهما: أنها كتابة فاسدة، فيباع العبد. والثاني: صحيحة. ثم إن جوزنا بيع المكاتب، بيع مكاتبا، وإلا، فسخت الكتابة وبيع. ولو امتنع من إزالة ملكه، باعه الحاكم عليه بثمن المثل، كما يبيع مال

(3/13)


من امتنع من أداء الحق. فإن لم يجد مشتريا بثمن المثل، صبر وحال بينه وبينه، ويستكسب له، وتؤخذ نفقته منه. ولو أسلمت مستولدة كافر، فلا سبيل إلى نقلها إلى غيره بالبيع والهبة ونحوهما على المذهب. وهل يجبر على إعتاقها ؟ وجهان. الصحيح: لا يجبر، بل يحال بينهما وينفق عليها وتستكسب له في يد مسلم. ولو مات كافر أسلم عبد في يده، صار لوارثه، وأمر بما كان يؤمر به مورثه، فإن امتثل، وإلا، بيع عليه. قلت: قال المحاملي في كتابه اللباب: لا يدخل عبد مسلم في ملك كافر ابتداء، إلا في ست مسائل. إحداها: بالارث. الثانية: يسترجعه بإفلاس المشتري. الثالثة: يرجع في هبته لولده. الرابعة: إذا رد عليه بعيب. الخامسة: إذا قال لمسلم: أعتق عبدك عني، فأعتقه وصححناه. السادسة: إذا كاتب عبده الكافر، فأسلم العبد، ثم عجز عن النجوم، فله تعجيزه، وهذه السادسة فيها تساهل، فإن المكاتب لا يزول الملك فيه ليتجدد بالتعجيز. وترك سابعة، وهي: إذا اشترى من يعتق عليه. والله أعلم.

(3/14)


الامر الثالث: صلاحية المعقود عليه، فيعتبر في المبيع لصحة بيعه، خمسة شروط. أحدها: الطهارة، فالنجس ضربان، نجس العين، ونجس بعارض. فالاول: لا يصح بيعه، فمنه الكلب، والخنزير، وما تولد من أحدهما، وسواء الكلب المعلم وغيره، ومنه الميتة، وسرجين جميع البهائم، والبول، ويجوز بيع الفيلج وفي باطنه الدود الميت، لانه بقاءه من مصالحه، كالنجاسة في جوف الحيوان. قلت: الفيلج - بالفاء - وهو القز. ويجوز بيعه وفيه الدود، سواء كان ميتا أو حيا، وسواء باعه وزنا، أو جزافا، صرح به القاضي حسين في فتاويه. والله أعلم. وفي بيع بزر القز وفأرة المسك، وجهان بناء على طهارتهما. الضرب الثاني: قسمان. أحدهما: متنجس يمكن تطهيره، كالثوب، والخشبة، والآجر، فيجوز بيعها، لان جوهرها طاهر. فإن استتر شئ من ذلك بالنجاسة الواردة، خرج على بيع الغائب. والثاني: ما لا يمكن تطهيره، كالخل،

(3/16)


واللبن، والدبس، إذا تنجست، فلا يجوز بيعها. وأما الدهن، فإن كان نجس العين، كودك الميتة، لم يصح بيعه بحال. وإن نجس بعارض، فهل يمكن تطهيره ؟ وجهان. أصحهما: لا. فعلى هذا، لا يصح بيعه كالبول. والثاني: يمكن. فعلى هذا، في صحة بيعه وجهان. أصحهما: لا يصح، هذا ترتيب الاصحاب. وقيل: إن قلنا: يمكن تطهيره، جاز بيعه، وإلا، فوجهان. قلت: هذا الترتيب غلط ظاهر، وإن كان قد جزم به في الوسيط. وكيف يصح بيع ما لا يمكن تطهيره ؟ قال المتولي: في بيع الصبغ النجس طريقان. أحدهما: كالزيت. والثاني: لا يصح قطعا، لانه لا يمكن تطهيره، وإنما يصبغ به الثوب ثم يغسل. والله أعلم. وفي بيع الماء النجس، وجهان، كالدهن إذا قلنا: يمكن طهارته، لان تطهير الماء ممكن بالمكاثرة. وأشار بعضهم إلى الجزم بالمنع، وقال: إنه ليس بتطهير، بل يستيحل ببلوغه قلتين من صفة النجاسة إلى الطهارة، كالخمر تتخلل. ويجوز نقل الدهن النجس إلى الغير بالوصية، كالكلب. وأما هبته والصدقة به، فعن القاضي أبي الطيب: منعهما. ويشبه أن يكون فيهما ما في هبة الكلب من الخلاف. قلت: ينبغي أن يقطع بصحة الصدقة به للاستصباح ونحوه. وقد جزم المتولي، بأنه يجوز نقل اليد فيه بالوصية وغيرها. قال الشافعي

(3/17)


رضي الله عنه في المختصر: لا يجوز اقتناء الكلب إلا لصيد، أو ماشية، أو زرع، وما في معناها، هذا نصه. واتفق الاصحاب على جواز اقتنائه لهذه الثلاثة، وعلى اقتنائه لتعليم الصيد ونحوه، والاصح: جواز اقتنائه لحفظ الدور والدروب وتربية الجرو لذلك، وتحريم اقتنائه قبل شراء الماشية الزرع. وكذا كلب الصيد لمن لا يصيد. ويجوز اقتناء السرجين، وتربية الزرع به، لكن يكره. واقتناء الخمر مذكوذ في كتاب الرهن. والله أعلم. الشرط الثاني: أن يكون منتفعا به. فما لا نفع فيه، ليس بمال، فأخذ المال في مقابلته باطل. ولعدم المنفعة سببان. أحدهما: القلة، كالحبة والحبتين من الحنطة والزبيب ونحوهما، فإن ذلك القدر لا يعد مالا، ولا ينظر إلى ظهور النفع إذا ضم إليه غيره، ولا إلى ما يفرض من وضع الحبة في فخ. ولا فرق في ذلك بين زمان الرخص والغلاء. ومع هذا، فلا يجوز أخذ الحبة من صبرة الغير. فإن أخذ، لزمه ردها. فإن تلفت، فلا ضمان، إذ لا مالية لها. وقال القفال: يضمن مثلها. وحكى صاحب التتمة وجها: أنه يصح بيع مالا منفعة فيه لقلته، وهو شاذ ضعيف. السبب الثاني: الخسة، كالحشرات. والحيوان الطاهر، ضربان، ضرب ينتفع به، فيجوز بيعه، كالنعم، والخيل، والبغال، والحمير، والظباء، والغزلان. ومن الجوارح، كالصقور، والبزاة، والفهد. ومن الطير، كالحمام، والعصفور، والعقاب. وما ينتفع بلونه كالطاووس، أو صوته

(3/18)


كالزرزور. ومما ينتفع به، القرد، والفيل، والهرة، ودود القز. وبيع النحل في الكوارة، صحيح إن شاهد جميعه، وإلا، فهو من بيع الغائب. وإن باعه وهو طائر، فوجهان. قطع في التتمة: بالصحة، وفي التهذيب: بالبطلان. قلت: الاصح: الصحة. والله أعلم. الضرب الثاني: ما لا ينتفع به، فلا يصح بيعه، كالخنافس، والعقارب، والحيات، والفأر، والنمل، ونحوها، ولا نظر إلى منافعها المعدودة من خواصها، وفي معناها السباع التي لا تصلح للصيد والقتال عليها، كالاسد والذئب والنمر. ولا ينظر إلى اقتناء الملوك لها للهيبة والسياسة. ونقل القاضي حسين وجها في جواز بيعها، لانها طاهرة. والانتفاع بجلودها متوقع بالدباغ. ونقل أبو الحسن العبادي وجها آخر: أنه يجوز بيع النمل في عسكر مكرم وهي المدينة المشهورة بخراسان، لانه يعالج به السكر، ونصيبين، لانه تعالج به العقارب الطيارة. والوجهان شاذان ضعيفان. ولا يجوز بيع الحدأة، والرخمة، والغراب. فإن كان في أجنحة بعضها فائدة، جاء فيها الوجه الذي حكاه القاضي، كذا قاله الامام، ولكن بينهما فرق، فإن الجلود تدبغ، ولا سبيل إلى تطهير الاجنحة.

(3/19)


قلت: وجه الجواز، الانتفاع بريشها في النبل، فانه وإن قلنا بنجاسته، يجوز الانتفاع به في النبل وغيره من اليابسات. والله أعلم. ويصح بيع العلق على الاصح لمنفعته امتصاص الدم، ولا يصح بيع الحمار الزمن الذي لا نفع فيه على الاصح، بخلاف العبد الزمن، فإنه يتقرب بإعتاقه. والثاني: يجوز لغرض جلده إذا مات. فرع السم إن كان يقتل كثيره وينفع قليله، كالسقمونيا، والافيون، جاز بيعه. وإن قتل كثيره وقليله، فقطع بالمنع. ومال الامام وشيخه إلى الجواز ليدس في طعام الكافر. فرع آلات الملاهي: كالمزمار والطنبور وغيرهما، إن كانت بحيث لا تعد بعد الرض والحل مالا، لم يصح بيعها، لان منفعتها معدومة شرعا. وإن كان رضاضها يعد مالا، ففي صحة بيعها وبيع الاصنام والصور المتخذة من الذهب والخشب وغيرهما، وجهان. الصحيح: المنع. وتوسط الامام، فذكر الامام وجها ثالثا اختاره هو والغزالي: أنه إن اتخذت من جوهر نفيس، صح بيعها. وإن اتخذت من خشب ونحوه، فلا، والمذهب: المنع المطلق، وبه أجاب عامة الاصحاب. فرع الجارية المغنية التي تساوي ألفا بلا غناء، إذا اشتراها بألفين، فيه أوجه. قال المحمودي: بالبطلان، والاودني: بالصحة، وأبو زيد: إن قصد الغناء، بطل، وإلا، فلا. قلت: الاصح: قول الاودني. قال إمام الحرمين: هو القياس السديد ولو بيعت بألف، صح قطعا. ويجري الخلاف في كبش النطاح والديك الهراش. ولو باع إناء من ذهب أو فضة، صح قطعا، لان المقصود الذهب فقط، ذكره القاضي أبو الطيب: قال المتولي: يكره بيع الشطرنج. قال: والنرد، إن صلح لبياذق الشطرنج، فكالشطرنج، وإلا، فكالمزمار. والله أعلم.

(3/20)


فرع بيع الماء المملوك صحيح على الصحيح، وستأتي تفاريعه في إحياء الموات إن شاء الله تعالى. فإذا صححناه، ففي بيعه على شط النهر، وبيع التراب في الصحراء، وبيع الحجارة بين الشعاب الكثيرة، والاحجار، وجهان. أصحهما: الجواز. فرع بيع لبن الآدميات صحيح. قلت: ولنا وجه: أنه نجس، فلا يصح بيعه، حكاه في الحاوي عن الانماطي، وهو شاذ مردود، وسبق ذكره في كتا ب الطهارة. والله أعلم. الشرط الثالث: أن يكون المبيع مملوكا لمن يقع العقد ل‍. فإن باشر العقد لنفسه، فليكن له، وإن باشره لغيره بولاية أو وكالة، فليكن لذلك الغير. فلو باع مال غيره بلا إذن ولا ولاية، فقولان. الجديد: بطلانه. والقديم: أنه ينعقد موقوفا على إجازة المالك، فإن أجاز، نفذ، وإلا، لغا. ويجري القولان فيما لو زوج أمة غيره أو ابنته، أو طلق منكوحته، أو أعتق عبده، أو أجر داره، أو وهبها بغير إذنه. ولو اشترى الفضولي لغيره، نظر، إن اشترى بين مال الغير، ففيه القولان وإن اشترى في الذمة، نظر، إن أطلق أو نوى كونه للغير، فعلى الجديد: يقع للمباشر، وعلى القديم: يقف على الاجازة، فإن رد، نفذ في حق الفضولي. ولو قال: اشتريت لفلان بألف في ذمته، فهو كاشترائه بعين مال الغير. ولو اقتصر على قوله: اشتريت لفلان بألف، ولم يضف الثمن إلى ذمته، فعلى الجديد: وجهان.

(3/21)


أحدهما: يلغو العقد، والثاني: يقع عن المباشر. وعلى القديم: يقف على إجازة فلان، فإن رد، ففيه الوجهان. ولو اشترى شيئا لغيره بمال نفسه، نظر، إن لم يسمه، وقع العقد عن المباشر، سواء أذن ذلك الغير، أم لا. وإن سماه، نظر، إن لم يأذن له، لغت التسمية. وهل يقع عنه، أم يبطل ؟ وجهان. وإن أذن له، فهل تلغو التسمية ؟ وجهان. فإن قلنا: نعم، فهل يبطل من أصله، أم يقع عن المباشر ؟ فيه الوجهان. وإن قلنا: لا، وقع عن الآذن. وهل يكون الثمن المدفوع قرضا، أم هبة ؟ وجهان. قال الشيخ أبو محمد: وحيث قلنا بالقديم، فشرطه أن يكون للعقد مجيز في الحال، مالكا كان أو غيره. حتى لو أعتق عبد الطفل، أو طلق امرأته، لا يتوقف على إجازته بعد البلوغ، والمعتبر إجازة من يملك التصرف عند العقد. حتى لو باع مال الطفل، فبلغ وأجاز، لم ينفذ، وكذا لو باع مال الغير، ثم ملكه وأجاز، قال إمام الحرمين: لم يعرف العراقيون هذا القول القديم، وقطعوا بالبطلان. قلت: قد ذكر هذا القديم من العراقيين، المحاملي في اللباب، والشاشي، وصاحب البيان، ونص عليه في البويطي، وهو قوي، وإن كان الاظهر عند الاصحاب هو الجديد. والله أعلم. فرع لو غصب أموالا وباعها وتصرف في أثمانها مرة بعد أخرى، فقولان. أظهرهما: بطلان الجميع. والثاني: للمالك أن يجيزها ويأخذ الحاصل منها، لعسر تتبعها بالابطال. فرع لو باع مال أبيه على ظن أنه حي وهو فضولي، فبان ميتا حينئذ، وأنه ملك العاقد، فقولان. أظهرهما: أن البيع صحيح، لصدوره من مالك. والثاني:

(3/22)


البطلان، لانه في معنى المعلق بموته، ولانه كالغائب. ولا يبعد تشبيه هذا الخلاف ببيع الهازل - هل ينعقد ؟ فيه وجهان - وبالخلاف في بيع التلجئة. وصورته: أن يخاف غصب ماله، أو الاكراه على بيعه، فيبيعه لانسان بيعا مطلقا. وقد توافقا قبله على أنه لدفع الشر، لا على حقيقة البيع. والصحيح: صحته. ويجري الخلاف فيما لو باع العبد على ظن أنه آبق أو مكاتب، فبان أنه قد رجع، وفسخ الكتابة. ويجري فيمن زوج أمة أبيه على ظن أنه حي، فبان ميتا، هل يصح النكاح ؟ فإن صححنا، فقد نقلوا وجهين فيمن قال: إن مات أبي فقد زوجتك هذه الجارية. فرع القولان في أصل بيع الفضولي، وفي الفرعين بعده يعبر عنهما بقولي وقف العقود. وحيث قالوا: فيه قولا وقف العقود، أرادوا هذين القولين. وسميا بذلك، لان الخلاف آيل إلى أن العقد، هل ينعقد على التوقف، أم لا بل يكون باطلا ؟ ثم ذكر الامام: أن الصحة على قول الوقف ناجزة، لكن الملك لا يحصل إلا عند الاجازة. قال: ويطرد الوقف في كل عقد يقبل الاستنابة، كالبيوع، والاجارات، والهبات، والعتق، والطلاق، والنكاح، وغيرها. الشرط الرابع: القدرة على تسليم المبيع، ولا بد منها. وفواتها قد يكون حسا، وقد يكون شرعا. وفيه مسائل. إحداها: بيع الآبق والضال باطل، عرف موضعه، أم لا، لانه غير مقدور

(3/23)


على تسليمه في الحال. هذا هو المذهب المعروف. قال الاصحاب: لا يشترط في الحكم بالبطلان، اليأس من التسليم، بل يكفي ظهور التعذر. وأحسن بعض الاصحاب فقال: إذا عرف موضعه وعلم أنه يصله إذارام وصوله، فليس له حكم الآبق. الثانية: إذا باع المالك ماله المغصوب، نظر، إن قدر البائع على استرداده وتسلمه، صح البيع، كما يصح بيع الوديعة. وإن عجز، نظر، إن باعه لمن لا يقدر على انتزاعه من الغاصب، لم يصح. وإن باعه من قادر على انتزاعه، صح على الاصح. ثم إن علم المشتري بالحال، فلا خيار له. لكن لو عجز عن انتزاعه لضعف عرض له أو قوة عرضت للغاصب، فله الخيار على الصحيح. وإن كان جاهلا حال العقد، فله الخيار. ولو باع الآبق ممن يسهل عليه رده، ففيه الوجهان في المغصوب. ويجوز تزويج الآبقة والمغصوبة، وإعتاقهما. قال في البيان: لا يجوز كتابة المغصوب، لانها تقتضي التمكين من التصرف. الثالثة: لا يجوز بيع السمك في الماء، والطير في الهواء، وإن كان مملوكا له، لما فيه من الغرر. ولو باع السمك في بركة لا يمكنه الخروج منها، فإن كانت صغيرة يمكن أخذه بغير تعب ومشقة، صح. وإن كانت كبيرة لا يمكن أخذه إلا بتعب شديد، لم يصح على الاصح. وحيث صححنا، فهو إذا لم يمنع الماء

(3/24)


رؤيته، فإن منعها، فعلى قولي بيع الغائب إن عرف قدره وصفته، وإلا، فلا يصح قطعا. وبيع الحمام في البرج على تفصيل بيع السمك في البركة. ولو باعها وهي طائرة اعتمادا على عادة عودها ليلا، فوجهان كما سبق في النحل. أصحهما عند الامام: الصحة، كالعبد المبعوث في شغل. وأصحهما عند الجمهور: المنع، إذ لا وثوف بعودها، لعدم عقلها. قلت: ولو باع ثلجا أو جمدا وزنا، وكان ينماع إلى أن يوزن، لم يصح على الاصح، وسيأتي هذا إن شاء الله تعالى في المسائل المنثورة في آخر كتاب الاجارة. والله أعلم. الرابعة: لو باع جزءا شائعا من سيف أو إناء ونحوهما، صح وصار مشتركا. ولو عين بعضه وباعه، لم يصح، لان تسليمه لا يحصل إلا بقطعه، وفيه نقص وتضييع للمال. ولو باع ذراعا فصاعدا من ثوب، فإن لم يعين الذراع، فسنذكره ان شاء الله تعالى. وان عينه، فان كان الثوب نفيسا تنقض قيمته بالقتع، لم يصح البيع على الاصح المنصوص. والثانى: يصح كذراع من الارض، وكما في مسالة السيف والاناء. وان لم تنقص قيمته بالقطع كغليظ الكرباس، صح على

(3/25)


الخامسة: لا يصح بيع المرهون بعد الاقباض قبل الفكاك. السادسة: جناية، إن أوجبت مالا متعلقا بذمته، لم يمنع بيعه بحال. وإن أوجبته متعلقا برقبته، فإن باعه بعد اختيار الفداء، صح، كذا أطلقه في التهذيب. وإن باعه قبله وهو معسر، فلا، ومنهم من طرد الخلاف الآتي في الموسر، وحكم بالخيار للمجني عليه إن صححنا. وإن كان موسرا، فالاظهر: أنه لا يصح. وقيل: لا يصح قطعا. وقيل: موقوف. فإن فداه، نفذ، وإلا، فلا. فإن لم نصحح البيع، فالسيد على خيرته، إن شاء فداه، وإلا، فيسلمه ليباع في الجناية. وإن صححناه، فالسيد ملتزم للفداء ببيعه مع العلم بجنايته، فيجبر على تسليم الفداء، كما لو أعتقه أو قتله. وقيل: هو على خيرته، إن فدى، أمضى البيع، وإلا، فسخ والصحيح: أنه ملتزللفداء. فإن تعذر تحصيل الفداء أو تأخر لافلاسه أو غيبته أو صبره على الحبس، فسخ البيع، وبيع في الجناية، لان حق

(3/26)


المجني عليه سبق حق المشتري. هذا كله إذا أوجبت الجناية المال، لكونها خطأ، أو شبه عمد، أو عفا مستحق القصاص على مال، أو أتلف العبد مالا. أما إذا أوجبت قصاصا ولا عفو، فالمذهب صحة البيع كبيع المريض المشرف على الموت. وقيل: فيه القولان. وإذا اختصرت، قلت: المذهب: أنه لا يصح بيعه إن تعلق برقبته مال، ويصح إن تعلق به قصاص. ولو أعتق الجاني، فإن كان السيد معسرا، لم ينفذ على الاظهر. وقيل: لا ينفذ قطعا. وإن كان موسرا، نفذ على أظهر الاقوال. والثالث: موقوف. إن فداه، نفذ، وإلا، فلا. واستيلاد الجانية، كإعتاقها. ومتى فدى السيد الجاني، فالاظهر: أنه يفديه بأقل الامرين من الارش وقيمة العبد. والثاني: يتعين الارش وإن كثر. قلت: ولو ولدت الجارية، لم يتعلق الارش بالولد قطعا، ذكره القاضي أبو الطيب في نماء الرهن. والله أعلم. الشرط الخامس: كون المبيع معلوما. ولا يشترط العلم به من كل وجه، بل يشترط العلم بعين المبيع وقدره وصفته. أما العين، فمعناه: أنه لو قال: بعتك عبدا من العبيد، أو أحد عبدي أو عبيدي هؤلاء، أو شاة من هذا القطيع، فهو

(3/27)


باطل. وكذا لو قال: بعتهم، إلا واحدا، مبهما. وسواء تساوت قيمة العبيد والشياه، أم لا، وسواء قال: ولك الخيار في التعيين، أم لا. وحك في التتمة قولا قديما: أنه لو قال: بعتك أحد عبيدي، أو عبيدي الثلاثة، على أن تختار من شئت في ثلاثة أيام أو أقل، صح العقد، وهذا شاذ ضعيف. ولو كان له عبد فاختلط بعبيد لغيره، فقال: بعتك عبدي من هؤلاء، والمشتري يراهم ولا يعرف عينه. قال في التتمة: له حكم بيع الغائب. وقال صاحب التهذيب: عندي أنه باطل. فرع بيع الجزء الشائع من كل جملة معلومة، من دار، وأرض، وعبد، وصبرة، وثمرة، وغيرها، صحيح. لكن لو باع جزءا شائعا من شئ بمثله من ذلك الشئ، كالدار والفرس، كما إذا كان بينهما نصفين، باع نصفه بنصف صاحبه، فوجهان. أحدهما: لا يصح البيع، لعدم الحاجة إليه. وأصحهما: يصح، لوجود شرائطه، وله فوائد. منها: لو كانا جميعا أو أحدهما ملك نصيبه بالهبة من أبيه، انقطعت ولاية الرجوع. ومنها: لو ملكه بالشراء، ثم اطلع بعد هذا التصرف على عيب، لم يملك الرد على بائعه. ومنها: لو ملكته بالصداق، فطلقها قبل الدخول، لم يكن له الرجوع فيه. قلت: ولو باع نصفه بالثلث من نصف صاحبه، ففي صحته الوجهان. أصحهما: الصحة، ويصير بينهما أثلاثا، وبهذا قطع صاحب التقريب، واستبعده الامام. وقد ذكر الامام الرافعي هذه المسألة في كتاب الصلح. والله أعلم.

(3/28)


ولو باع الجملة، واستثنى منها جزءا شائعا، جاز. مثاله: بعتك ثمرة هذا البستان، إلا ربعها وقدر الزكاة منها. ولو قال: بعتك ثمرة هذا البستان بثلاثة آلاف درهم، إلا ما يخص ألفا، فإن أراد ما يخصه إذا وزعت الثمرة على المبلغ المذكور، صح، وكان استثناء للثلث. وإن أراد ما يساوي ألفا عند التقويم، فلا، لانه مجهول. فرع إذا باع أذرعا من أرض أو دار أو ثوب، فإن كانا يعلمان جملة ذرعانها، بأن باع ذراعا من عشرة، ويعلمان أن الجملة عشرة، صح على الصحيح، وكأنه باعه العشر. قال الامام: إلا أن يعني معينا فيبطل، كشاة من القطيع. ولو اختلفا، فقال المشتري: أردت الاشاعة، فالعقد صحيح. وقال البائع: بل أردت معينا، ففيمن يصدق ؟ احتمالان. قلت: أرجحهما: البائع. والله أعلم. وإن كان أحدهما لا يعلم جملة الذرعان، لم يصح البيع. ولو وقف على طرف الارض وقال: بعتك كذا ذراعا من موقفي هذا في جميع العرض إلى حيث ينتهي في الطول، صح على الاصح. فرع إذا قال: بعتك صاعا من هذه الصبرة، فله حالان. أحدهما: أن يعلما مبلغ صيعانها فالعقد صحيح قطعا، وينزل على الاشاعة. ولو كانت الصبرة مائة صاع، فالمبيع عشر العشر، فلو تلف بعضها، تلف بقدره من المبيع. هذا هو المذهب، وبه قطع الجمهور. وحكى الامام في تنزيله وجهين. أحدهما: هذا. والثاني: المبيع صاع من الجملة غير مشاع، أي صاع كان. فعلى هذا، يبقى المبيع ما بقي صاع. الحال الثاني: أن لا يعلما أو أحجها مبلغ صيعانها، فوجهان. أحدهما، وهو اختيار القفال: لا يصح، كما لو فرق صيعان الصبرة، وقال: بعتك صاعا منها، فإنه لا يصح. وأصحهما: يصح وهو المنصوص. وفي فتاوى القفال: أنه كان إذا

(3/29)


سئل عن هذه المسألة، يفتي بهذا الثاني مع ذهابه إلى الاول، ويقول: المستفتي يستفتيني عن مذهب الشافعي رضي الله عنه، لا عما عندي. وعلى هذا، المبيع صاع منها، أي صاع كان. فلو تلف جميعها إلا صاعا، تعين العقد فيه، والبائع بالخيار بين أن يسلم صاعا من أعلى الصبرة أو أسفلها وإن لم يكن الاسفل مرئيا، لان رؤية ظاهر الصبرة كرؤية كلها. قلت: وأما استدلال الاول بأنه لو فرقت صيعانها فباع صاعا لم يصح، فهكذا قطع به الجمهور. وحكى صاحب المهذب في تعليقه في الخلاف عن شيخه القاضي أبي الطيب صحة بيعه، لعدم الغرر. والصحيح: المنع. والله أعلم. فرع إبهام ممر الارض المبيعة، كإبهام نفس المبيع. وصورته: أن يبيع أرضا محفوفة بملكه من جميع الجوانب، ويشرط للمشتري حق الممر من جانب، ولم يعينه، فالبيع باطل، لاختلاف الغرض بالممر. فإن عين الممر من جانب، صح البيع. ولو قال: بعتكها بحقوقها، صح، وثبت للمشتري حق الممر من كل جانب كما كان ثابتا للبائع قبل البيع. وإن أطلق البيع ولم يتعرض للممر، فوجهان. أصحهما: يصح، ويكون كما لو قال: بعتكها بحقوقها. والثاني: أنه لا يقتضي الممر، فعلى هذا هو كما لو صرح بنفي الممر، وفيه وجهان. أصحهما: بطلان البيع، لعدم الانتفاع في الحال، والثاني: الصحة، لامكان تحصيل الممر، وقال في التهذيب: إن أمكن تحصيل ممر، صح البيع، وإلا، فلا. ولو كانت الارض المبيعة ملاصقة للشارع، فليس للمشتري سلوك ملك البائع، فإن العادة في مثلها الدخول من الشارع، فينزل الامر عليه. ولو كانت ملاصقة ملك المشتري، لم يتمكن من المرور فيما بقي للبائع، بل يدخل من ملكه القديم. وأبدى الامام فيه احتمالا، قال: وهذا إذا أطلق البيع، أما إذا قال: بحقوقها، فله الممر في ملك البائع. ولو باع دارا وازتثنى لنفسه بيتا فله الممر، فإن نفى الممر، نظر، إن أمكن اتخاذ ممر، صح البيع، وإلا، فوجهان قلت: أصحهما: البطلان كمن باع ذراعا من ثوب ينقص بالقطع. والله أعلم.

(3/30)


فصل وأما القدر، فالمبيع قد يكون في الذمة، وقد يكون معينا، والاول هو السلم، والثاني هو المشهور باسم البيع، والثمن فيهما جميعا قد يكون في الذمة وإن كان يشترط في السلم تسليم رأس المال في مجلس العقد، وقد يكون معينا، فما كان في الذمة من العوضين، اشترط كونه معلوم القدر، حتى لو قال: بعتك مل ء هذا البيت حنطة، أو بزنة هذه الصنجة ذهبا، لم يصح البيع. ولو قال: بعت بما باع به فلافرسه أو ثوبه، وأحدهما لا يعلم، لم يصح على الصحيح، للغرر. وقيل: يصح، للتمكن من العلم، كما لو قال: بعتك هذه الصبرة، كل صاع بدرهم، يصح البيع وإن كانت الجملة مجهولة في الحال. وقيل: إن حصل العلم قبل التفرق، صح. ولو قال: بعتك بمائة دينار إلا عشرة دراهم، لم يصح إلا أن يعلما قيمة الدينار بالدراهم. قلت: ينبغي ألا يكفي علمهما بالقيمة، بل يشترط معه قصدهما استثناء القيمة. وذكر صاحب المستظهري فيما إذا لم يعلما حال العقد قيمة الدينار بالدراهم، ثم علما في الحال طريقين. أصحهما: لا يصح كما ذكرنا. والثاني: على وجهين. والله أعلم. ولو قال: بعتك بألف من الدراهم والدنانير، لم يصح. فرع إذا باع بدرامم أو دنانير، اشترط العلم بنوعها، فإن كان في البلد نقد واحد، أو نقود يغلب التعامل بواحد منها، انصرف العقد إلى المعهود وإن كان فلوسا، إلا أن يعين غيره. فإن كان نقد البلد مغشوشا، ففي صحة المعاملة به وجهان ذكرناهما في كتاب الزكاة، إلا أنا خصصناهما بما إذا كان قدر النقرة مجولا، وربما نقل العراقيون الوجهين مطلقا، ووجهوا المنع بأن المقصود غير متميز

(3/31)


عما ليس بمصود، فصار كما لو شيب اللبن بالماء وبيع، فإنه لا يصح. وحكي وجه ثالث: أنه إذا كان الغش غالبا، لم يجز التعامل بها. وإن كان مغلوبا، جاز. وعلى الجملة، الاصح الصحة مطلقا، وعلى هذا، ينصرف إليه العقد عند الاطلاق. ولو باع بمغشوشة، ثم بان أن فضتها قليلة جدا، فله الرد على المذهب. وقيل: وجهان. أما إذا كان في البلد نقدان أو نقود لا غلبة لبعضها، فلا يصح البيع حتى يعين. وتقويم المتلف يكون بغالب نقد البلد. فإن كان فيه نقدان فصاعدا، ولا غالب، عين القاضي واحدا للتقويم. ولو غلب من جنس العروض نوع، فهل ينصرف الذكر إليه عند الاطلاق ؟ وجهان. أصحهما: ينصرف كالنقد. ومن صوره: أن يبيع صاعا من الحنطة بصاع منها أو بشعير في الذمة، ثم يحضره قبل التفرق. وكما ينصرف العقد إلى النقد الغالب، ينصرف في الصفات إليه أيضا. حتى لو باع بدينار أو بعشرة دنانير، والمعهود في البلد الصحاح، انصرف إليه، وإن كان المعهود المكسر، انصرف إليه. قال في البيان: إلا أن تتفاوت قيمة المكسر، فلا يصح. وعلى هذا القياس، لو كان المعهود، أن يؤخذ نصف الثمن من هذا، ونصفه من ذاك، أو أن يؤخذ على نسبة أخرى، فالبيع صحيح محمول عليه. وإن كان يعهد التعامل بهذا مرة، وبهذا مرة، ولم يكن بينهما تفاوت، صح البيع، وسلم ما شاء منهما. وإن كان بينهما تفاوت بطل البيع كما لو كان في البلد نقدان غالبان وأطلق. ولو قال: بعت بألف صحاح ومكسرة، فوجهان. أصحهما: البيع باطل. والثاني: أنه صحيح ويحمل على التنصيف. ويشبه أن يجري هذا الوجه فيما إذا قال: بعت بألف ذهبا وفضة. قلت: لا جريان له هناك، والفرق كثرة التفاوت بين الذهب والفضة، فيعظم الغرر. والله أعلم. فرع لو قال: بعتك بدينار صحيح، فجاء بصحيحين وزنهما مثقال، لزمه القبول، لان الغرض لا يختلف بذلك. وإن جاء بصحيح وزنه مثقال ونصف، قال

(3/32)


في التتمة: لزمه قبوله، والزيادة أمانة في يده. والصواب: أنه لا يلزمه القبول، لما في الشركة من الضرر، وقد ذكر في البيان نحو هذا. فلو تراضيا به، جاز. وحينئذ لو أراد أحدهما كسره، وامتنع الآخر، لم يجبر عليه، لما في هذه القسمة من الضرر. ولو باع بنصف دينار صحيح بشرط كونه مدورا، جاز إن كان يعم وجوده. وإن لم يشترط، فعليه شق وزنه نصف مثقال. فإن سلم إليه صحيحا أكثر من نصف مثقال وتراضيا بالشركة فيه، جاز. ولو باعه شيئا بنصف دينار صحيح، ثم باعه شيئا آخر بنصف دينار صحيح، فإن سلم صحيحا عنهما، فقد زاد خيرا، وإن سلم قطعتين وزن كل واحدة نصف دينار، جاز. فلو شرط في العقد الثاني تسليم صحيح عنهما، فالعقد الثاني فاسد، والاول ماض على الصحة إن جرى الثاني بعد لزومه، وإلا، فهو إلحاق شرط فاسد بالعقد في زمن الخيار، وسيأتي حكمه إن شاء الله تعالى. فرع لو باع بنقد قد انقطع عن أيدي الناس، فالعقد باطل لعدم القدرة على التسليم. وإن كان لا يوجد في تلك البلدة، ويوجد في غيرها، فإن كان الثمن حالا، أو مؤجلا إلى مدة لا يمكن نقله فيها، فهو باطل أيضا. وإن كان مؤجلا إلى مدة يمكن نقله فيها، صح. ثم إن حل الاجل وقد أحضره، فذاك، وإلا، فيبنى على أن الاستبدال عن الثمن، هل يجوز ؟ إن قلنا: لا، فهو كانقطاع المسلم فيه. وإن قلنا: نعم، استبدل، ولا ينفسخ العقد على الصحيح. وفي وجه: ينفسخ. فإن كان يوجد في البلد، إلا أنه عزيز، فإن جوزنا الاستبدال، صح العقد. فإن وجد، فذاك، وإلا فيستبدل. وإن لم نجوزه، لم يصح. فلو كان النقد الذي جرى به التعامل موجودا، ثم انقطع. فإن جوزنا الاستبدال، استبدل، وإلا، فهو كانقطاع المسلم فيه. فرع لو باع بنقد معين أو مطلق وحملناه على نقد البلد، فأبطل السلطان ذلك النقد، لم يكن للبائع إلا ذاك النقد، كما لو أسلم في حنطة فرخصت، فليس له غيرها. وفيه وجه شاذ ضعيف: أنه مخير إن شاء أجاز العقد بذلك النقد، وإن شاء فسخه، كما لو تعيب قبل القبض. فرع لو قال: بعتك هذه الصبرة، كل صاع بدرهم، أو هذه الارض، أو

(3/33)


الثوب، كل ذراع بدرهم، أو هذه الاغنام، كل شاة بدرهم، صح العقد في الجميع على الصحيح، ولا تضر جهالة جملة الثمن، لانه معلوم التفصيل. وقال ابن القطان: لا يصح. ولو قال: بعتك عشرة من هذه الاغنام بكذا، لم يصح وأن علم عدد الجملة، بخلاف مثله في الثوب والصبرة والارض، لان قيمة الشياة تختلف. ولو قال: بعتك من هذه الصبرة، كل صاع بدرهم، لم يصح. وقال ابن سريج: يصح في صاع فقط. قلت: وسيأتي إن شاء الله تعالى في كتاب الاجارة، أنه لو قال: بعتك كل صاع من هذه الصبرة بدرهم، لم يصح على الصحيح الذي قطع به الجمهور، واختار الامام وشيخه الصحة. والله أعلم. ولو قال: بعتك هذه الصبرة بعشرة دراهم، كل صاع بدرهم، أو قال مثله في الارض والثوب، نظر، إن خرج كما ذكر، صح البيع. وإن خرج زائدا أو ناقصا، ففيه قولان. أظهرهما: لا يصح، لتعذر الجمع بين الامرين. والثاني: يصح، لاشارته إلى الصبرة ويلغو الوصف. فعلى هذا، إن خرج ناقصا، فالمشتري بالخيار. فإن أجاز، فهل يجيز بجميع الثمن لمقابلة الصبرة به، أم بالقسط لمقابلة كل صاع بدرهم ؟ وجهان. وإن خرج زائدا، فلمن تكون الزيادة ؟ وجهان. أصحهما، للمشتري، فلا خيار له قطعا، ولا للبائع على الاصح. والثاني: يكون للبائع، فلا خيار له، وللمشتري الخيار على الاصح. فرع هذا الذي سبق، هو فيما إذا كان العوض في الذمة، فأما إذا كان معينا، فلا تشترط معرفة قدره بالكيل والوزن. فلو قال: بعتك هذه الصبرة، أو بعتك بهذه الدراهم، صح وتكفي المشاهدة، لكن هل يكره بيع الصبرة جزافا ؟ قولان. قلت: أظهرهما: يكره، وقطع به جماعة، وكذا البيع بصبرة ادراهم مكروه. والله أعلم. ولو كانت الصبرة على موضع من الارض فيه ارتفاع وانخفاض، أو باع السمن أو نحوه في ظرف مختلف الاجزاء رقة وغلظا، فثلاث طرق. أصحها: أن في صحة البيع قولي بيع الغائب، والثاني: القطع بالصحة، والثال‍ ث: القطع

(3/34)


بالبطلان، وهو ضعيف وإن كان منسوبا إلى المحققين. فإن قلنا: بالصحة فوقت الخيار هنا معرفة مقدار الصبرة، أو التمكن من تخمينه برؤية ما تحتها، وإن قلنا: بالبطلان، فلو باع الصبرة والمشتري يظنها على استواء الارض، ثم بان تحتها دكة، فهل نتبين بطلان العقد ؟ وجهان: أصحهما: لا، ولكن للمشتري الخيار، كالعيب والتدليس، وبه قطع صاحب الشامل وغيره. والله أعلم. فرع لو قال: بعتك هذه الصبرة إلا صاعا، فإن كانت معلومة الصيعان، صح، وإلا، فلا. فصل وأما الصفة: ففيها مسائل. إحداها: في بيع الاعيان الغائبة والحاضرة التي لم تر، قولان. قال في القديم والاملاء: والصرف من الجديد يصح، وبه قال مالك وأبو حنيفة وأحمد رضي الله عنهم، وقال بتصحيحه طائفة من أئمتنا، وأفتوا به، منهم، البغوي، والروياني. وقال في الام والبويطي: لا يصح، وهو اختيار المزني. وفي محل القولين، ثلاث طرق. أصحها: أنهما فيما لم يره المتعاقدان أو أحدهما جلا فرق. والثاني: أنهما فيما شاهده البائع دون المشتري. فإن لم يشاهده البائع، فباطل قطعا. والثالث: إن رآه المشتري، صح قطعا، وإلا، فالقولان. الثانية: القولان في شراء الغائب وبيعه يجريان في إجارته، وفيما إذا أجر بعين غائبة، أو صالح عليها، أو جعلها رأس مال السلم وسلمها في المجلس. أما إذا أصدقها عينا غائبة، أو خالعها عليها، أو عفا عن القصاص على عين غائبة، فيصح النكاح وتقع البينونة، ويسقط القصاص قطعا. وفي صحة المسمى، القولان. فإن لم يصح، وجب مهر المثل على الرجل في النكاح، وعلى المرأة في الخلع، ووجبت الدية على المعفو عنه. ويجريان في رهن الغائب وهبته، وهما أولى بالصحح، لعدم الغرر. ولهذا، إذا صححناهما، فلا خيار عند الرؤية. الثالثة: إن لم يجز بيع الغائب وشراؤه، لم يجز بيع الاعمى وشراؤه، وإلا، فوجهان. أصحهما: لا يجوز أيضا، إذ لاسبيل إلى رؤيته، فيكون كبيع الغائب على أن لا خيار. والثاني: يجوز، ويقام وصف غيره له مقام رؤيته، وبه قال مالك وأبو حنيفة وأحمد رضي الله عنهم. فإذا قلنا: لا يصح بيعه وشراؤه، لم يصح منه

(3/35)


الاجارة والرهن والهبة أيضا. وهل له أن يكاتب عبده ؟ قال في التهذيب: لا. وقال في التتمة: المذهب جوازه، تغليبا للعتق. قلت: الاصح: الجواز. والله أعلم. ويجوز أن يؤجر نفسه، وللعبد الاعمى أن يشتري نفسه، وأن يقبل الكتابة على نفسه لعلمه بنفسه، ويجوز أن يتزوج. وإذا زوج موليته تفريعا على أن العمى غير قادح في الولاية، والصداق عين مال، لم يثبت المسمى، وكذا لو خالع الاعمى على مال. أما إذا أسلم في شئ، أو أسلم إليه، فينظر، إن عمي بعد بلوغه سن التمييز، صح، لانه يعرف الاوصاف، ثم يوكل من يقبض عنه على الوصف المشروط، ولا يصح قبضه بنفسه على الاصح، لانه لا يميز بين المستحق وغيره. وإن خلق أعمى، أو عمي قبل التميز، فوجهان. أصحهما عند العراقيين والاكثرين من غيرهم: الصحة، لانه يعرف بالسماع. فعلى هذا، إنما يصح إذا كان رأس المال موصوفا معينا في المجلس، فإن كان معينا، فهو كبيعة العين. ثم كل ما لا يصح من الاعمى من التصرفات، فطريقه أن يوكل، ويحتمل ذلك للضرورة. قلت: لو كان الاعمى رأى شيئا مما لا يتغير، صح بيعه وشراؤه إياه إذا صححنا ذلك من البصير، وهو المذهب. والله أعلم. الرابعة: إذا لم نجوز بيع الغائب وشراءه، فعليه فروع. أحدها: لو اشترى غائبا رآه قبل العقد، نظر، إن كان مما لا يتغير غالبا، كالارض، والاواني، والحديد، والنحاس، ونحوها، أو كان لا يتغير في المدة المتخللة بين الرؤية والشراء، صح العقد، لحصول العلم المقصود. وقال

(3/36)


الانماطي: لا يصح، وهو شاذ مردود. فإذا صححناه، فوجده كما رآه أولا، فلا خيار. وإن وجده متغيرا، فالمذهب: أن العقد صحيح، وله الخيار، وبهذا قطع الجمهور. وذكر في الوسيط وجها: أنه يتبين بطلان البيع لتبين انتفاء المعروفة. قال الامام: وليس المراد بتغيره حدوث عيب، فإن خيار الغيب لا يختص بهذه الصورة، بل الرؤية بمنزلة الشرط في الصفات الكائنة عند الرؤية. فكل ما فات منها، فهو كتبين الخلف في الشرط. وأما إذا كان المبيع مما يتغير في مثل تلك المدة غالبا، بأن رأى ما يسرع فساده من الاطعمة، ثم اشتراه بعد مدة صالحة، فالبيع باطل. وإن مضت مدة يحتمل أن يتغير فيها، ويحتمل أن لا يتغير، أو كان حيوانا، فالاصح الصحة. فإن وجده متغيرا، فله الخيار. وإذا اختلفا، فقال المشتري: تغير. وقال البائع: هو بحاله، فالاصح المنصوص، أن القول قول المشتري مع يمينه، لان البائع يدعي عليه علمه بهذه الصفة، فلم يقبل كادعائه اطلاعه على العيب. والثاني: القول قول البائع. الثاني: استقصاء الاوصاف على الحد المعتبر في السلم، هل يقوم مقام الرؤية - وكذا سماع وصفه - بطرق التواتر ؟ وجهان. أصحهما: لا، وبه قطع العراقيون. الثالث: لو رأى بعض الشئ دون بعض، فإن كان مما يستدل برؤية بعضه

(3/37)


على الباقي، صح البيع قطعا، وذلك مثل رؤية ظاهر صبرة الحنطة ونحوها. ثم لا خيار إذا رأى باطنها، إلا إذا خالف ظاهرها. وحكي قول شاذ ضعيف: أنه لا يكفى رؤية ظاهر الصبرة، بل لا بد من أن يقلبها ليعرف باطنها، والمشهور، هو الاول. وفي معنى الحنطة والشعير، صبرة الجوز واللوز والدقيق. فلو كان شئ منها في وعاء، فرأى أعلاه، أو رأى أعلى السمن والخل وسائر المائعات في ظروفها، كفى. ولو كانت الحنطة في بيت مملوء منها، فرأى بعضها من الكوة أو الباب، كفى إن عرف سعة البيت وعمقه، وإلا، فلا. وكذا حكم الجمد في المجمدة. ولا تكفي رؤية صبرة البطيخ، والسفرجل، والرمان، بل لا بد من رؤية كل واحدة منها. ولا يكفي في سلة العنب والخوخ ونحوهما، رؤية أعلاها، لكثرة الاختلاف فيها، بخلاف الحبوب. وأما التمر، فإن لم تلزق حباته، فصبرته كصبرة الجوز، واللوز. وإن التزقت كالقوصرة، كفى رؤية أعلاها على الصحيح. وأما القطن في العدل، فهل تكفي رؤية أعلاه، أم لا بد من رؤية جميعه ؟ فيه خلاف حكاه الصيمري وقال: الاشبه عندي، أنه كقوصرة التمر. الرابع: لو أراه أنموذجا وبنى أمر البيع عليه، نظر، إن قال: بعتك من هذا النوع كذا، فهو باطل، لانه لم يعين مالا ولم يراع شروط السلم، ولا يقوم ذلك مقام الوصف في السلم على الصحيح، لانالوصف باللفظ يرجع إليه عند النزاع. وإن قال: بعتك الحنطة التي في هذا البيت، وهذا الانموذج منها، فإن لم يدخل الانموذج في البيع، لم يصح على الاصح، لان المبيع غير. مرئي. وإن أدخله، صح على الاصح. ولا يخفى أن مسألة الانموذج، مفروضة في المتماثلات. الخامس: إذا كان الشئ مما لا يستدل برؤية بعضه على الباقي. فإن كان المرئي صوانا له، كقشر الرمان والبيض، كفى رؤيته، وكذا شراء الجوز

(3/38)


واللوز في القشر الاسفل. ولا يصح بيع اللب وحده على القولين جميعا، لان تسليمه لا يمكن إلا بكسر القشر فينقص عين المبيع. ولو رأى المبيع من وراء قارورة هو فيها، لم يكف، لان المعرفة التامة لا تحصل به، وليس فيه صلاح له، بخلاف السمك يراه في الماء الصافي، يجوز بيعه. وكذا الار ض يعلوها ماء صاف، لان الماء من صلاحهما. وإن لم يكن كذلك، لم تكف رؤية البعض على هذا القول الذي تفرع عليه. وأما على القول الآخر، فيأتي ذكره إن شاء الله تعالى في المسألة الخامسة. السادس: الرؤية في كل شئ على حسب ما يليق به. ففي شراء الدار، لا بد من رؤية البيوت، والسقوف والسطوح، والجدران، داخلا وخارجا، والمستحم والبالوعة. وفي البستان، يشترط رؤية الاشجار، والجدران، ومسايل الماء، ولا حاجة إلى رؤية أساس البنيان وعروق الاشجار ونحوهما. وقيل: في اشتراط رؤية طريق الدار، ومجرى الماء الذي تدور به الرحى، وجهان. ويشترط في شراء العبد رؤية الوجه، والاطراف، ولا يجوز رؤية العورة. وفي باقي البدن، وجهان. أصحهما: الاشتراط، وبه قطع صاحبا التهذيب والرقم. وفي الجارية أوجه. أحدها: كالعبد. والثاني: يشترط رؤية ما يظهر عند الخدمة. والثالث: تكفي رؤية الوجه والكفين. وفي الاسنان واللسان، وجهان. ويشترط رؤية الشعر على الاصح. قلت: الاصح: أنها كالعبد. والله أعلم. ويشترط في الدواب رؤية مقدمها، ومؤخرها وقوائمها، ويشترط رفع السرج والاكاف، والجل. وفي وجه: يشترط أن يجري الفرس بين يديه ليعرف سيره، ويشترط في الثوب المطوي نشره. قال الامام: ويحتمل عندي أن يصحح بيع الثياب

(3/39)


التي لا تنشر أصلا إلا عند القطع، لما في نشرها من النقص. قلت: قال القفال في شرح التلخيص: لو اشترى الثوب المطوي وصححناه، فنشره، واختار الفسخ، وكان لطيه مؤنة، ولم يحسن طيه، لزم المشتري مؤنة الطي، كما لو اشترى شيئا ونقله إلى بيته فوجد به عيبا، فإن مؤنة الرد على المشتري. والله أعلم. ثم إذا نشرت، فما كان صفيقا كالديباج المنقش، فلا بمن رؤية وجهيه، وكذا البسط والزلالي. وما كان رقيقا، لا يختلف وجهاه، كالكرباس، كفى رؤية أحد وجهيه على الاصح. ولا يصح بيع الثياب التوزية في المسوح على هذا القول، ولا بد في شراء المصحف والكتب من تقليب الاوراق ورؤية جميعها. وفي الورق البياض، لا بد من رؤية جميع الطاقات. قال أبو الحسن العبادي: الفقاع يفتح رأسه فينظر فيه بقدر الامكان، ليصح بيعه. وأطلق الغزالي في الاحياء: المسامحة به. قلت: الاصح: قول الغزالي. والله أعلم. المسألة الخامسة: إذا جوزنا بيع الغائب، فعليه فروع. أحدها: بيع اللبن في الضرع باطل. فلو قال: بعتك من اللبن الذي في ضرع هذه البقرة كذا، لم يجز على المذهب، لعدم تيقن وجود ذلك القدر. وقيل: فيه قولا بيع الغائب. ولو حلب شيئا من اللبن فأراه، ثم باعه رطلا مما في الضرع، فوجهان كالانموذج. وذكر الغزالي الوجهين، فيما لو قبض قدرا من الضرع وأحكم شده وباع ما فيه. قلت: الاصح في الصورتين، البطلان، لانه يختلط بغيره مما ينصب في الضرع. والله أعلم. الثاني: لا يجوز بيع الصوف على ظهر الغنم. وفي وجه: يجوز بشرط

(3/40)


الجز، وهو شاذ ضعيف. ويجوز بيع الصوف على ظهر الحيوان بعد الذكاة، وتجوز الوصية باللبن فالضرع، والصوف على الظهر. الثالث: بيع الشاة المذبوحة قبل السلخ، باطل، سواء بيع الجلد واللحم معا، أو أحدهما. ولا يجوز بيع الاركاع والرؤوس قبل الابانة. وفي الاركاع وجه شاذ. ويجوز بيعها بعد الابانة نيئة ومشوية. وكذا المسموط نيئا ومشويا. وفي النئ احتمال للامام. الرابع: بيع المسك في الفأرة، باطل، سواء بيع معها أو دونها، كاللحم في الجلد، سواء فتح رأس الفأرة، أم لا. وقال في التتمة: إذا كانت مفتوحة، نظر، إن لم يتفاوت ثخنها، وشاهد المسك فيها، صح البيع، وإلا، فلا. وقال ابن سريج: يجوز بيعه مع الفأرة مطلقا، كالجوز. ولو رأى المسك خارج الفأرة، ثم اشتراه بعد الرد إليها، فإن كان رأسها مفتوحا فرآه، جاز، وإلا، فعلى قولي بيع الغائب. قلت: قال أصحابنا: لو باع المسك المختلط بغيره، هم يصح، لان المقصود مجهول. كما لا يصح بيع اللبن المخلوط بماء. ولو باع سمنا في ظرف، ورأى أعلاه مع ظرفه أو دونه، صح. فإن قال: بعتكه بظرفه، كل رطل بدرهم، فإن لم يكن للظرف قيمة، بطل. وإن كان، فقد قيل: يصح وإن اختلفت قيمتهما، كما لو باع فواكه مختلطة، أو حنطة مختلطة بشعير وزنا أو كيلا. وقيل: باطل، لان المقصود السمن، وهو مجهول، بخلاف الفواكه، فكلها مقصودة. وقيل: إن علما وزن الظرف والسمن، جاز، وإلا، فلا، وهذا هو الاصح، صححه الجمهور، وقطع به معظم العراقيين. وإن باع المسك بفأرة، كل مثقال

(3/41)


بدينار، فكالسمن بظرفه، ذكره البغوي وغيره. والله أعلم. الخامس: لو رأى بعض الثوب، وبعضه الآخر في صندوق، فالمذهب: أنه على القولين في الغائب، وبه قال الجمهور. وقيل: باطل قطعا. ولو كان المبيع شيئين، رأى أحدهما فقط، فإن أبطلنا بيع الغائب، بطل فيما لم يره، وفي المرئي قولا تفريق الصفقة، وإلا، ففي صحة العقد فيهما، القولان فيمن جمع في صفقة بين مختلفي الحكم، لان ما رآه لا خيار فيه، وما لم يره فيه الخيار. فإن صححنا، فله رد ما لم يره وإمساك ما رآه. السادس: إذا لم يشرط الرؤية، فلا بد من ذكر جنس المبيع ونوعه، بأن يقول: بعتك عبدي التركي، أو فرسي العربي. ولا يكفي: بعتك ما في كمي أو كفي أو خزانتي، أو ميراثي من فلان، إذا لم يعرفه المشتري. وفي وجه: يكفي. وفي وجه آخر: يكفي ذكر الجنس، ولا حاجة إلى النوع، فيقول: عبدي، وهما شاذان ضعيفان. وإذا ذكر الجنس والنوع، لم يفتقر إلى ذكر الصفات على الاصح المنصوص في الاملاء والقديم. وفي وجه: يفتقر إلى ذكر معظم الصفات، وضبط ذلك بما يصف به المدعى عند القاضي، قاله القاضي أبو حامد. وفي وجه أضعف منه: يفتقر إلى صفات السلم، قاله أبو علي الطبري. فعلى الاصح: لو كان له عبدان من أنواع، فلا بد من زيادة يقع بها التمييز كالتعرض للسن أو غيره. السابع: إذا قلنا: يشترط الوصف فوصف، فإن وجده كما وصف، فله الخيار على الاصح. وقيل: له الخيار قطعا. وإن وجده دون وصفه، فله الخيار قطعا. وإن قلنا: لا حاجة إلى الوصف، فللمشتري الخيار عند الرؤية، سواء شرط الخيار، أم لا. وقيل: لا يثبت الخيار إلا أن يشرطه. والصحيح: الاول. وهل له الخيار قبل الرؤية ؟ فيه أوجه. الصحيح: أنه يند فسخه قبل الرؤية، ولا تنفذ إجارته. والثاني: ينفذان. والثالث: لا ينفذان. وأما البائع، فالاصح: أنه لا خيار له، سواء كان رأى المبيع، أم لا. وقيل: له الخيار في الحالين. وقيل: له الخيار إن لم يكن رآه، وبه قطع الشيخ ومتابعوه كالمشتري. ثم خيار الرؤية حيث ثبت، هل هو على الفور، أم يمتد امتداد مجلس الرؤية ؟ وجهان. أصحهما: يمتد. قال الشيخ أبو محمد. الوجهان بناء على وجهين في أنه هل يثبت خيار

(3/42)


المجلس مع خيار الرؤية كشراء العين الحاضرة، أم لا يثبت للاستغناء بخيار الرؤية ؟ فعلى الاول: خيار الرؤية على الفور، لثلا يثبت خيار مجلسين. وعلى الثاني: يمتد. الثامن: لو تلف المبيع في يد المشتري قبل الرؤية، ففي انفساخ البيع وجهان، كنظيره في خيار الشرط. ولو باعه قبل الرؤية، لم يصح، بخلاف ما لو باعه في زمن خيار الشرط، فإنه يصح على الاصح، لانه يصير مجيزا للعقد، وهنا لا إجازة قبل الرؤية. التاسع: هل يجوز أن يوكل في الرؤية من يفسخ أو يجيز ما يستصوبه ؟ وجهان. أصحهما: يجوز كالتوكيل في خيار العيب والخلف. والثاني: لا، لانه خيار شهوة لا يتوقف على نقص ولا غرض، فأشبه ما لو أسلم على أكثر من أربع نسوة، يوكل في الاختيار. العاشر: نقل صاحب التتمة والروياني وجها: أنه يعتبر على قول اشتراط الرؤية، الذوق في الخل ونحوه، والشم في المسك ونحوه، واللمس في الثياب ونحوها، والصحيح المعروف: أنها لا تعتبر. الحادي عشر: ذكر بعضهم: أنه لا بد من ذكر موضع المبيع الغائب. فلو كان في غير بلد التبايع، وجب تسليمه في ذلك البلد، ولا يجوز شرط تسليمه في بلد التبايع. بخلاف السلم، فإنه مضمون في الذمة. والعين الغائبة غير مضمونة في الذمة، فاشتراط نقلها، يكون بيعا وشرطا. الثاني عشر: لو رأى ثوبين فسرق أحدهما، فاشترى الباقي ولا يعلم أيهما المسروق، قال الغزالي في الوسط: إن تساوت صفتهما وقدرهما وقيمتهما، كنصفي كرباس واحد، صح قطعا، وإن اختلفا في شئ من ذلك، خرج على بيع الغائب. الثالث عشر: إذا لم نشرط الرؤية، فاختلفا، فقال البائع للمشتري: رأيت ا لمبيع فلا خيار لك، فأنكر المشتري، فالقول قول البائع على الاصح. وإن شرطنا

(3/43)


الرؤية فاختلفا، قال الغزالي في فتاويه: القول قول البائع، لان إقدام المشتري على العقد، اعتراف بصحته، ولا ينفك هذا عن خلاف. قلت: هذه مسألة اختلافهما في مفسد للعقد، وفيها الخلاف المعروف. والاصح: أن القول قول من يدعي الصحة، وعليه فرعها الغزالي. وبقيت مسائل تعلق بالباب، منها بيع أستار الكعبة، فيه خلاف قدمته في أواخر الحج. وبيع أشجار الحرم وصيده، حرام باطل. قال القفال: إلا أن يقطع شيئا يسيرا لدواء، فيجوز بيعه حينئذ. وفيما قاله نظر، وينبغي أن لا يجوز كالطعام الذي أبيح له أكله، لا يجوز بيعه. قال صاحب التلخيص: حكم شجر النقيع - بالنون - الذي هو الحمى، حكم أشجار الحرم، فلا يجوز بيعه. ومما تعم به البلوى ما اعتاده الناس من بيع نصيبه من الماء الجاري لن النهر. قال المحاملي في اللباب: هذا باطل لوجهين. أحدهما: أن المبيع غير معلوم القدر. والثاني: أن الماء الجاري غير مملوك، وسيأتي هذا مع غيره مبسوطا في آخر كتاب إحياء الموات إن شاء الله تعالى. والله أعلم.
باب الربا
إنما يحرم الربا في المطعوم، والذهب، والفضة. فأما المطعوم، فسواء كان

(3/44)


مما يكال أو يوزن، أم لا، هذا هو الجديد، وهو الاظهر. والقديم: أنه يشترط مع الطعم الكيل أو الوزن. فعلى هذا، لا ربا في السفرجل، والرمان، والبيض، والجوز، وغيره مما لا يكال ولا يوزن. وقال الاودني من أصحابنا: لا يجوز بيع مال بجنسه متفاضلا، ولا يشترط الطعم، وهذا شاذ مردود. والمراد بالمطعوم: ما يعد للطعم غالبا تقوتا، أو تأدما، أو تفكها، أو غيرها، فيدخل في الفواكه، والحبوب، والبقول، والتوابل، وغيرها. وسواء ما أكل نادرا كالبلوط، والطرثوث، وما أكل غالبا، وما أكل وحده أو مع غيره. ويجري الربا في الزعفران على الاصح، وسواء ما أكل للتداوي كالاهليلج، والبليلج، والسقمونيا وغيرها، وما أكل لغرض آخر. وفي التتمة وجه: أنه ما يقتل كثيره ويستعمل قليله في الادوية كالسقمونيا، لا ربا فيها، وهو ضعيف. والطين الخراساني، ليس ربويا على المذهب. والارمني، ربوي على الصحيح، لانه دواء. ودهن البنفسج، والورد، والبان، ربوي على الاصح. ودهن الكتان، والسمك، وحب الكتان، وماء الورد، والعود، ليس ربويا على الاصح.

(3/45)


والزنجبيل، والمصطكى، ربوي على الاصح. والماء إذا صححنا بيعه، ربوي على الاصح. ولا ربا في الحيوان، ولكن ما يباح أكله على هيئته كالسمك الصغير، على وجه يجري فيه الربا على الاصح. وأما الذهب والفضة، فقيل: يثبت الربا فيهما لعينهما، لا لعلة. وقال الجمهور: العلة فيهما صلاحية الثمنية الغالبة. وإن شئت قلت: جوهرية الاثمان غالبا. والعبارتان تشملان التبر، والمضروب، والحلى، والاواني منهما. وفي تعدى الحكم إلى الفلوس إذا راجت وجه، والصحيح: أنه لا ربا فيهما لانتفاء الثمنية الغالبة. ولا يتعدى إلى غير الفلوس من الحديد والنحاس والرصاص وغيرها قطعا.
فصل إذا باع مالا بمال، فله حالان. أحدهما: أن لا يكونا ربوبين. والثاني: أن يكونا. فالحال الاول يشمل ما إذا لم يكن فيهما ربوي، وما إذا كان أحدهما ربويا.

(3/46)


وعلى التقديرين في هذا الحال، لا تجب رعاية التماثل، ولا الحلول، ولا التقابض في المجلس، سواء اتفق الجنس، أو اختلف. حتى لو باع حيوانا بحيوانين من جنسه، أو أسلم ثوبا في ثوبين من جنسه، جاز. وأما الحال الثاني: فتارة يكونان ربويين بعلتين، وتارة بعلة. فإن كانا بعلتين، لم تجب رعاية التماثل ولا التقابض ولا الحلول.

(3/47)


ومن صوره: أن يسلم أحد النقدين في الحنطة، أو يبيع الحنطة بالذهب أو بالفضة، نقدا، أو نسيئة وإن كانا بعلة. فإن اتحد الجنس، بأن باع الذهب بالذهب، والحنطة بالحنطة، ثبتت أحكام الربا الثلاثة، فتجب رعاية التماثل والحلول والتقابض في المجلس. وإن اختلف الجنس، كالحنطة وبالشعير، والذهب بالفضة، لم تعتبر الماثلة، ويعتبر الحلول والتقابض في المجلس. فرع حيث اعتبرنا التقابض، فتفرقا قبله، بطل العقد. ولو تقابضا بعض كل واحد من العوضين، ثم تفرقا، بطل فيما لم يقبض. وفي المقبوض قولا تفريق الصفقة. والتخاير في المجلس قبل التقابض، كالتفرق، فيبطل العقد. وقال ابن سريج: لا يبطل. والصحيح: الاول. ولو وكل أحدهما وكيلا بالقبض، فقبض قبل مفارقة الموكل المجلس، جاز، وبعده لا يجوز. فرع قد سبق بيع مال الربا بجنسه مع زيادة، لا يجوز. فلو أراد بيع صحاح بمكسرة، أو غير ذلك مع الزيادة، فله طرق. منها: أن يبيع الدراهم بالدنانير، أو بعرض. فإذا تقابضا وتخايرا، أو تفرقا، اشترى منه الدراهم المكسرة بالدنير أو العرض، فيصح ذلك، سواء اتخذه عادة، أم لا. ولو اشترى المكسرة بالدنانير، أو العرض الذي اشتراه منه قبل قبضه، لم يجز. وإن كان بعد قبضه وقبل التفرق والتخاير، جاز على المذهب، بخلاف ما لو باعه لغير بائعه قبل التفرق والتخاير، فإنه لا يجوز، لما فيه من إسقاط خيار العاقد الآخر، وهنا يحصل بتجايعهما الثاني إجازة الاول.

(3/48)


ومنها: أن يقرض صاحبه الصحاح، ويستقرض منه المكسرة، ثم يبرئ كل واحد منهما صاحبه. ومنها: أن يهب كل واحد ماله للآخر. ومنها: أن يبيع الصحاح بوزنها مكسورة، ويهبه صاحب المكسورة الزيادة، فجميع هذه الطرق جائزة، إذا لم يشرط في إقراضه وهبته وبيعه ما يفعله الآخر. قلت: هذه الطرق وإن كانت جائزة عندنا، فهي مكروهة إذا نويا ذلك. ودلائل الكراهة أكثر من أن تحصى. والله أعلم. فرع لو باع نصفا شائعا من دينار قيمته عشرة دراهم بخمسة، جاز، ويسلم إليه الدينار ليحصل تسليم النصف، ويكون النصف الآخر أمانة في يد القابض، بخلاف ما لو كان له عشرة عليه، فأعطاه عشرة عددا فوزنت، فكانت أحد عشر، كان الدينار الفاضل للدافع على الاشاعة، ويكون مضمونا على القابض، لانه قبضه لنفسه. ثم إذا سلم الدراهم الخمسة، فله أن يستقرضها ويشتري بها النصب الآخر. ولو باعه كل الدينار بعشرة، وليس معه إلا خمسة، فدفعها إليه، واستقرض منه خمسة أخرى، فقبضها وردها إليه عن الثمن، جاز، ولو استقرض الخمسة المدفوعة، لم يكف على الاصح.
فصل معيار الشرع الذي ترعى المماثلة به، هو الكيل والوزن. فالمكيل، لا يجوز بيع بعضه ببعض وزنا، ولا يضر مع الاستواء في الكيل التفاوت وزنا. والموزون لا يجوز بيع بعضه ببعض كيلا، ولا يضر مع الاستواء في الوزن التفاوت كيلا. والذهب والفضة، موزونان. والحنطة، والشعير، والتمر، والزبيب، والملح، ونحوها، مكيلة، وكل ما كان مكيلا بالحجاز على عهد

(3/49)


رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فهو مكيل، وما كان موزونا، فموزون. فلو أحدث الناس خلاف ذلك، فلا اعتبار بإحداثهم. فلو كان الملح قطعا كبارا، فوجهان. أحدهما: يسحق ويباع كيلا، فإنه الاصل. وأصحهما: يباع وزنا اعتبارا بهيئته في الحال. وكذا كل شئ يتجافى في الكيل، يباع بعضه ببعض وزنا، وما لم يكن على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، أو كان ولم يعلم هل كان يكال، أم يوزن ؟ أو علم أنه كان يوزن مرة ويكال أخرى، ولم يكن أحدهما أغلب، قال المتولي: إن كان أكبر جرما من التمر، اعتبر فيه الوزن، وإن كان مثله أو أصغر، ففيه أوجه. أصحها: تعتبر عادة الوقت في بلد البيع. والثاني: عادة الوقت في أكثر البلاد. فإن اختلفت ولا غالب، اعتبرنا شبه الاشياء به. والثالث: يعتبر الوزن. والرابع: الكيل. والخامس: يعتبر بأشبه الاشياء به. والسادس: يتخير بين الكيل والوزن، وهو ضعيف. ثم منهم من خص هذا الخلاف بما إذا لم يكن للشئ أصل معلوم العيار. أما إذا استخرج ماهذا حاله من أصل. فهو معتبر بأصله. ومنهم من أطلق، قال الامام: وسواء المكيال المعتاد في عصر رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وسائر المكاييل المحدثة بعده، كما أنا إذا عرفنا التساوي بالتعديل في كفتي الميزان، تكتفي به وإن لم نعرف قدر ما في كل كفة. وفي الكيل بالقصعة ونحوها مما لا يعتاد الكيل به. تردد للقفال. والاصح، الجواز. والوزن بالطيار والقرسطون، وزن. وأما الماء، فقد يتأتى به الوزن، بأن يوضع الشئ في ظرف ويلقى في الماء، وينظر قدر غوصه، لكنه ليس وزنا شرعيا ولا عرفيا، فالظاهر: أنه لا يجوز التعويل عليه في الربويات. قلت: قد عول أصحابنا عليه في أداء المسلم فيه، وفي الزكاة، في مسألة الاناء بعضه ذهب وبعضه فضة، وقد ذكرناه في بابه، ولكن الفرق ظاهر. والله أعلم. فرع هذا الذي ذكرناه، كله في مقدر يباع بجنسه. أما ما لا يقدر بكل ولا وزن، كالبطيخ، والقثاء، والرمان، والسفرجل، فإن قلنا بالقديم: إنه لا ربا

(3/50)


فيها، جاز بيع بعضها ببعض كيف شاء، حتى قال القفال: لو جفف شئ منها، وكان يوزن في جفافه، فلا ربا فيه أيضا، لانه لا ربا فيه في أكمل أحواله وهو حال الرطوبة. قال الامام: والظاهر جريان الربا فيه، فإنه في حال الجفاف مطعوم مقدر. وإن قلنا بالجديد: إن فيه الربا، جاز بيعه بغير جنسه كيف شاء. وأما بجنسه، فينظر، إن كان مما يجفف، كالبطيخ الذي يفلق، وحب الرمان الحامض، وكل ما يجفف من الثمار، وإن مقدرا كالمشمش، والخوخ، والكمثري الذي يفلق، لم يجز بيع بعضه ببعض في حال الرطوبة، ويجوز حال الجفاف على الصحيح. وعلى الشاذ: لا يجوز، إذ ليس له حال كمال. وإن كان مما لا يجفف، كالقثاء ونحوه، فهل يجوز بيع بعضه ببعض في حال رطوبته ؟ فيه وفي المقدرات التي لا تجفف، كالرطب الذي لا يتتمر، والعنب الذي لا يتزبب، قولان. أظهرهما: لا يجوز، كالرطب، بالرطب. والثاني: يجوز، كاللبن باللبن. فعلى هذا، إن لم يمكن كيله، كالبطيخ والقثاء، بيع وزنا. وإن أمكن، كالتفاح والتين، فيباع كيلا أو وزنا ؟ وجهان. أصحهما: وزنا، ولا بأس على الوجهين بتفاوت العدد. فرع لو أراد شريكان قسمة ربوي، فإن قلنا بالاظهر: إن القسمة بيع، لم يجز قسمة المكيل وزنا، ولا الموزون كيلا. وما لا يباع بعضه ببعض، كالرطب والعنب، لا يقسم أصلا. وإن قلنا: القسمة إفراز، جاز قسمة المكيل وزنا وعكسه، وجاز قسمة الرطب ونحوه وزنا. ولا يجوز قسمة غير الرطب والعنب خرصا. ويجوز قسمتهما خرصا إذا قلنا: إفراز. وقيل: لا يجوز. والاول هو الاصح المنصوص. فرع لا يجوز بيع الربوي بجنسه جزافا، ولا بالتخمين والتحري. فلو باع

(3/51)


صبرة حنطة بصبرة، أو دراهم بدراهم جزافا، وخرجنا متماثلتين، لم يصح العقد، لان التساوي شرط. وشرط العقد يعتبر العلم به عند العقد. ولهذا، لو نكح امرأة لا يعلم أهي أخته، أم معتدة، أم لا ؟ لم يصح النكاح، وسواء جهلا الصبرتين أو إحداهما. ولو قال: بعتك هذه الصبرة بهذه مكايلة، أو كيلا بكيل، أو هذه الدراهم بتلك موازنة، أو وزنا بوزن، فإن كالا، أو وزنا، وخرجتا سواء، صح العقد، وإلا، لم يصح على الاظهر. وعلى الثاني: يصح في الكبيرة بقدر ما يقابل الصغيرة، ولمشتري الكبيرة الخيار. وحيث صححنا، فتفرقا بعد تقابض الجملتين، وقبل الكيل والوزن، لم يبطل العقد على الاصح. ولو قال: بعتك هذه الصبرة بكيلها من صبرتك، وصبرة المخاطب أكبر، صح. ثم إن كالا في المجلس وتقابضا، تم العقد. وإن تقابضا الجملتين وتفرقا قبل الكيل، فعلى الوجهين. ولو باع صبرة حنطة بصبرة شعير جزافا، جاز، ولو باعها بها صاعا بصاع، أو بصاعين، فهو كما لو كانتا من جنس واحد. قلت: قال أكثر أصحابنا: إذا باع صبرة حنطة بصبرة شعير، صاعا بصاع، وخرجتا متساويتين، صح. وإن تفاضلتا، فرضي صاحب الزائدة بتسليم الزيادة، تم البيع، ولزم الآخر قبولها. وإن رضي صاحب الناقصة بقدرها من الزائدة، أقر ا لعقد. وإن تشاحا، فسخ البيع. والله أعلم.
فصل في بيان القاعدة المعروفة بمد عجوة ومقصوده: أن يشتمل العقد على ربوي من الجانبين، ويختلف العوضان أو أحدهما، جنسا، أو نوعا، أو صفة، وهو ضربان. أحدهما: يكون الربوي من الجانبين جنسا، والثاني: يكون جنسين. فالاول: فيه تقع القاعدة المقصودة.

(3/52)


فمن صوره: أن يختلف الجنس من الطرفين أو أحدهما، كما إذا باع مد عجوة، ودرهما بمد عجوة ودرهم، أو بمدي عجوة، أو بدرهمين، أو باع صاع حنطة وصاع شعير بصاع حنطة وصاع شعير، أو بصاعي حنطة، أو بصاعي شعير. ومن صوره: أن يختلف النوع أو الصفة من الطرفين أو أحدهما، كما إذا باع مد عجوة ومد صيحاني، بمد عجوة، ومد صيحاني، أو بمدي عجوة، أو بمدي صيحاني أو باع مائة دينار جيدة، ومائة دينار رديئة بمائتي دينار جيد، أو ردئ، أو وسط، أو بمائة جيد، ومائة ردئ، فلا يصح البيع في شئ من هذه الصور ونظائرها. هذا هو الصحيح المعروف الذي قطع به الجمهور، ولنا وجه: أنه إذا باع مد عجوة ودرهما بمد ودرهم، والدرهمان من ضرب واحد، والمدان من شجرة واحدة، أو باع صاع حنطة وصاع شعير بمثلهما، وصاعا الحنطة من صبرة، وكذا الشعير، صح. ويحكى هذا عن القاضيين أبي الطيب وحسين، واختاره الروياني. وحكى صاحب البيان وجها: أنه لا يضر اختلاف النوع والصفة، إذا اتحد الجنس. والمعروف ما سبق. ومن صور هذا الاصل: أن يبيع دينارا صحيحا ودينارا مكسرا بدينار صحيح وآخر مكسر، أو بصحيحين، أو بمكسرين إذا كانت قيمة المكسر دون الصحيح، ولنا وجه ضعيف: أن صفة الصحة في محل المسامحح. ثم إن الاصحاب، أطلقوا القول بالبطلان في حكايتهم المذهب. وحكى صاحب التتمة: أنه إذا باع مدا ودرهما بمدين، بطل العقد في المد المضموم إلى الدرهم وفيما يقابله من المدين. وهل يبطل في الدرهم وما يقابله من المدين ؟ قيه قولا تفريق الصفقة. وعلى هذا قياس ما لو باعهما بدرهمين، أو باع صاع حنطة وصاع شعير، بصاعي حنطة، أو بصاعي شعير. ويمكن أن يكون كلام من أطلق محمولا على ما فصله. ولو كان الجيد مخلوطا بالردئ، فباع صاعا منه بمثله، أو بجيد، أو بردئ، جاز، لان التوزبع إنما يكون عند تميز أحد النوعين عن الآخر. أما إذا لم يتميز، فهو كما لو باع صاعا وسطا بجيد، أو ردئ، فيجوز. ثم صور البطلان مفروضة فيما إذا قابل الجملة بالجملة. فلو فصل، فتبايعا مد عجوة ودرهما بمد ودرهم، وجعلا المد في مقابلة المد، والدرهم في مقابلة الدراهم، أو جعلا المد في مقابلة الدراهم، والدراهم في مقابلة المد جاز، وكان كصفقتين متباينتين.

(3/53)


الضرب الثاني: أن يكون الربوي من الطرفين جنسين، وفي الطرفين أو أحدهما شئ آخر، فاختلفت علة الربا، بأن باع درهما ودينارا بصاع حنطة وصاع شعير، جاز. وإن اتفقت، فإن كان التقابض شرطا في جميع العوضين، بأن باع صاع حنطة أو صاع شعير، بصاعي تمر، أو بصاع تمر وصاع ملح، جاز أيضا. وإن كان التقابض شرطا في البعض فقط، بأن باع صاع حنطة ودرهما، بصاعي شعير، ففيه قولا الجمع بين مختلفي الحكم، لان ما يقابل الدرهم من الشعير، لا يشترط فيه التقابض. وما يقابل الحنطة يشترط فيه. فرع لو باع صاع حنطة بصاع حنطة، وفيهما أو في أحدهما زوان، أو عقد التبن، أو مدر، أو حبات شعير، لم يجز. وضبط الامام المنع، بأن يكون الخليط قدرا لو ميز ظهر على المكيال، فإن كان لا يظهر، لم يضر، ولو كان فيهما أو في أحدهما دقاق تبن، أو قليل تراب، لم يضر، لان ذلك يدخل في تضاعيف الحنطة، ولا يظهر في المكيال، بخلاف ما لو باع موزنا بجنسه وفيهما أو في أحدهما قليل تراب، لا يجوز، لانه يؤثر في الوزن. ولو باع حنطة بشعير وفيهما أو في أحدهما حبات من الآخر يسيرة، صح، وإن كثر، لم يصح، قال الامام: ولا يضبط ذلك بالتأثير في الكيل، ولا بالتمل، بل ضبط الكثير أن يكون الشعير المخالط للحنطة قدرا يقصد تمييزه ليستعمل شعيرا، وكذا بالعكس. فرع لو باع دارا بذهب، فظهر فيها معدن ذهب، أو باع دارا فيها بئر ماء بدار فيها بئر ماء، وقلنا: الماء ربوي، صح البيع في المسألتين على الاصح، لانه تابع، والثاني: لا يصح، كبيع دار موهت بذهب تمويها يحصل منه شئ بذهب.

(3/54)


فصل في الحال الذي تعتبر فيه المماثلة، الربوي ضربان. ما يتغير من حال إلى حال، وما لا يتغير. فالمتغير، تعتبر المماثلة في بيع الجنس منه بالجنس في أكمل أحواله. فمنه: الفواكه، فتعتبر المماثلة حال الجفاف خاصة، فلا يجوز بيع الرطب بتمر ولا رطب، ولا بيع العنب بعنب ولا زبيب، وكذا كل ثمرة لها حال جفاف، كالتين، والمشمش، والخوخ، والبطيخ والكمثري الذين يفلقان، والاجاص، والرمان الحامض، لا يباع رطبها برطبها ولا بيابسها. وحكى وجه في المشمش والخوخ، وما لا يعم تجفيفه عموم تجفيف الرطب: أنه يجوز بيعها بعضها ببعض في حال الرطوبة، لانها أكمل أحوالها. وهذا الوجه شاذ. ويجوز بيع الجديد بالعتيق، إلا أن تبقى في الجديد نداوة بحيث يظهر أثر زوالها في المكيال. وأما ما ليس له حال جفاف، كالعنب الذي لا يتزبب، والرطب الذي لا يتتمر، والبطيخ والكمثرى اللذين لا يفلقان، والرمان الحلو، والباذنجان، والقرع، والبقول، فقد سبق أنه لا يجوز جيع بعضها ببعض على الاظهر. ويجوز المزني بيع الرطب بالرطب، وبه قال مالك وأبو حنيفة وأحمد، رضي الله عنهم. ويستثنى من بيع الرطب بالتمر، صورة العرايا، وستأتي إن شاء الله تعالى.

(3/55)


فرع يجوز بيع الحنطة بالحنطة بعد التنقية من القشر والتبن، مادامت على هيأتها بعد تناهي جفافها. فإذا بطلت تلك الهيئة خرجت عن الكمال فلا يجوز بيع الحنطة بشئ مما يتخذ منها من المطعومات، كالدقيق، والسويق، والخبز، والنشا، ولا بما فيه شئ مما يتخذ من الحنطة، كالمصل ففيه الدقيق، والفالوذج ففيه النشا. وكذا لا يجوز بيع الاشياء بعضها ببعض، لخروجها عن حال الكمال. هذا هو المذهب والمشهور. وحكي قول: أنه يجوز بيع الحنطة بالدقيق كيلا، وجعل إمام الحرمين هذا القول، في أن الحنطة والدقيق جنسان يجوز التفاضل فيهما. ويشبه أن يكون منفردا بهذه الرواية. وحكي البويطي والمزني قولا: أنه يجوز بيع الدقيق بالدقيق، كالدهن بالدهن. وحكي قول في جواز بيع الخبز الجاف المدقوق بمثله كيلا. وقول: أن الحنطة مع السويق جنسان. وكل هذه الاقوال شاذة. ولا يجوز بيع الحنطة المقلية ولا المبلولة بمثلها ولا بغيرها. وإن جففت المبلولة، لم يجز أيضا، لتفاوت جفافها، والحنطة التي فركت وأخرجت من السنابل ولم يتم جفافها، كالمبلولة. والنخالة ليس ربوية، وكذا الحنطة المسوسة التي لم يبق فيها شئ من اللب، فيجوز بيعها بالحنطة وبعضها ببعض متفاضلا. فرع السمسم وغيره من الحبوب التي تتخذ منها الادهان حال كمالها ما دامت على هيأتها كالاقوات، فلا يجوز بيع طحينها بطحينها، كالدقيق بالدقيق. وأما دهنها المستخرج، فكامل، فيجوز بيع بعضه ببعض متماثلا على الصحيح. وقيل: لا يجوز لما يطرح فيه من ملح ونحوه. فرع قد يكون للشئ حالتا كمال، كالزبيب والخل كاملان، وأصلهما العنب. وكذا العصير، كامل على الاصح، فيجوز بيع عصير العنب بعصير العنب، وعصير الرطب بعصير الرطب. والمعيار فيه وفي الدهن، الكيل. ويجوز بيع الكسب بالكسب وزنا إن لم يكن فيه خلط. فإن كان، لم يجز. فرع الادهان المطيبة، كدهن الورد، والبنفسج، والنيلوفر، كلها مستخرجة من السمسم. فإذا قلنا: يجري فيها الربا، جاز بيع بعضها ببعض وإن ربى السمسم فيها ثم استخرج دهنه. وإن استخر الدهن ثم طرحت أوراقها فيه، لم يجز.

(3/56)


فرع عصير الرمان والتفاح وسائر الثمار، كعصير العنب والرطب، وكذا عصير قصب السكر. ويجوز بيع خل الرطب، بخل الرطب، وخل العنب، بخل العنب كيلا. ولا يجوز بيع خل الزبيب بمثله، ولا خل التمر بمثله، لان فيهما ماء، فيمتنع العلم بالمماثلة. ولا يجوز بيع خل العنب بخل الزبيب، ولاخل الرطب بخل التمر، لان في أحدهما ماء. ولا يجوز بيع خل الزبيب بخل التمر إذا قلنا: الماء ربوي. قلت: فإن قلنا: الماء غير ربوي، فمقتضى كلام الرافعي جوازه، وبه صرح الجمهور. وقيل: فيه القولان، فيمن جمع بين عقدين مختلفي الحكم، لان الخلين يشترط فيهما القبض في المجلس، بخلاف الماءين. وممن ذكر ذا الطريق، البغوي في كتابه التعليق في شرح مختصر المزني. وهذا الطريق هو الصواب، ولعل الاصحاب اقتصروا على أصح القولين، وهو أنه يجوز جمع مختلفي الحكم. والله أعلم. ويجوز بيع خل الزبيب بخل الرطب، وخل التمر بخل العنب، لان الماء في أحد الطرفين، والمماثلة بين الخلين غير معتبرة، تفريعا على الصحيح أنهما جنسان. فرع اللبن كامل، فيباع بعضه ببعض، سواء فيه الحليب، والحامض، والرائب الخاثر، ما لم يكن مغلي بالنار، فيباع بعضها ببعض كيلا. ولا مبالاة بكون ما يحويه المكيال من الخاثر أكثر وزنا، لان الاعتبار بالكيل، كالحنطة الصلبة بالرخوة. وفي كلام الامام ما يقتضي جواز الكيل والوزن جميعا. ويجوز بيع السمن بالسمن كيلا إن كان ذائبا، ووزنا إن كان جامدا، قاله في التهذيب، وهو توسط بين وجهين أطلقهما العراقيون. المنصوص: أنه يوزن. وقال أبو إسحق: يكال. ويجوز بيع المخيض بالمخيض، إذا لم يكن فيهما ماء. ومال المتولي إلى المنع. والمذهب: الجواز. ولا يجوز بيع الاقط بالاقط، ولا المصل بالمصل، ولا الجبن

(3/57)


بالجبن، ولا يجوز بيع الزبد بالزبد، ولا بالسمن على الاصح. ولا يجوز بيع اللبن بما تخذ منه، كالسمن والمخيض وغيرهما. فرع الربوي المعروض على النار، ضربان. أحدهما: المعروض للعقد والطبخ، كالدبس واللحم المشوي، فلا يجوز بيع الدبس بالدبس، والسكر بالسكر، والفانيد بالفانيد، واللبأ باللبأ، على الاصح في الجميع. ولا يجوز بيع قصب السكر بقصب السكر، ولا بالسكر، كالرطب بالرطب، وبالتمر. أما اللحم، إذا بيع بجنسه، فإن كانا طريين، أو أحدهما، لم يجز على الصحيح. وإن كانا مقددين، جاز، إلا أن يكون فيهما، أو في أحدهما من الملح ما يظهر في الوزن. ويشترط أن يتناهى جفافه، بخلاف التمر، فإنه يباع الجديد منه بالعتيق وبالجديد، لانه مكيل، وأثر الرطوبة الباقية، لا تظهر في المكيال، واللحم موزون، فيظهر أثر الرطوبة في الوزن. هذا إذا لم يكن اللحم مطبوخا ولا مشويا. فأما المطبوخ، فلا يجوز بيعهما بمثلهما ولا بالنئ. الضرب الثاني: المعروض للتمييز والتصفية، فهو كامل، فيجوز بيع بعضه ببعض، كالسمن. وفي العسل المصفى بالنار، وجهان. أصحهما: أنه كامل كالمصفى بالشمس، ومعياره معيار السمن. ولا يجوز بيع الشهد بالشهد، ولا بالعسل. ويجوز بيع الشمع بالعسل وبالشهد، لان الشمع ليس ربويا. فرع التمر إذا نزع نواه، بطل كماله، لانه يسرع إليه الفساد. فلا يجوز بيع منزوع النوى بمثله، ولا بغير منزوعه على الصحيح. وقيل: يجوز فيهما. وقيل: يجوز بمثله فقط. ومفلق المشمش، والخوخ، ونحوهما، لا يبطل كماله بنزع النوى على الاصح. ولا يبطل كمال اللحم بنزع عظمه، لانه لا يتعلق صلاحه ببقائه. وهل يشترط نزع العظم في جواز بيع بعضه ببعض ؟ وجهان. أصحهما عند الاكثرين: الاشتراط. والثاني: يسامح به. فعلى هذا يجوز بيع لحم الفخذ بالجنب، ولا يضر تفاوت العظام، كما لا يضر تفاوت النوى.

(3/58)


فصل في معرفة الجنسية قد سبق في أول الباب، أن بيع الربوي بجنسه، يشترط فيه المماثلة. وبغير جنسه، يجوز فيه التفاضل. والتجانس وعدمه، قد يظهران، وقد يشتبهان، فما ظهر، فلا حاجة إلى تنصيص عليه، وما اشتبه، يحتاج. فمن ذلك، لحوم الحيوانات، هل هي جنس، أم أجناس ؟ قولان. أظهرهما: أنهما أجناس. فإن قلنا: جنس، فالحيوانات البرية وحشيها وأهليها كلها جنس، وكذا البحرية كلها جنس. وفي البحرية مع البرية، وجهان. أصحهما: جنس. والثاني: جنسان. وإن قلنا: أجناس، فحيوان البر مع البحر جنسان، والاهلي مع الوحشي جنسان. ثم لكل واحد منهما أجناس، فلحوم الابل على اختلاف أنواعها جنس واحد، ولحوم البقر جواميسها وغيرها جنس، والغنم ضأنها ومعزها جنس، والبقر الوحشي جنس، والظباء جنس. وفي الظبي مع الابل تردد للشيخ أبي محمد، واستقر جوابه أنهما كالضأن والمعز. وأما الطيور، فالعصافير على اختلاف أنواعها جنس، والبطوط جنس. وعن الربيع: أن الحمام بالمعنى المتقدم في الحج، وهو كل ما عب وهدر، جنس. فيدخل فيه القمري، والدبسي، والفواخت. واختار هذا جماعة، منهم الامام، وصاحب التهذيب، واستبعده العراقيون، وجعلوا كل واحد منها جنسا. وسموك البحر جنس. وأما غنم الماء وبقره وغيرهما، ففيها - مع السمك - أو مع مثلها، قولان. أظهرهما: أنها أجناس. وفي الجراد أوجه. أحدها: أنه ليس من جنس اللحوم. والثاني: أنه من لحوم البريات. والثالث: أنه من لحوم البحريات. قلت: أصحهما: الاول. والله أعلم. وأما أعضاء الحيوان الواحد، كالكرش، والكبد، والطحال، والقلب،

(3/59)


والرئة، فالمذهب: أنها أجناس. والمخ، جنس آخر، وكذا الجلد. قلت: المعروف، أن الجلد ليس ربويا، فيجوز بيع جلد بجلود وبغيرها، فلا حاجة إلى قوله: إنه جنس آخر. والله أعلم. وشحم الظهر مع شحم البطن، جنسان. وسنام البعير معهما، جنس آخر. والرأس، والاكارع، من جنس اللحوم. وفي الاكارع احتمال للامام. وأما الادقة والخلول والادهان، فهي أجناس على المذهب. وكذا عصير العنب مع عصير الرطب. وحكي في الادقة قول أنها جنس، ووجه أبعد منه في الخلول والادهان، ويجري مثله في عصبر العنب مع عصير الرطب. والالبان، أجناس على المذهب، فيجوز بيع لبن البقر بلبن الغنم متفاضلا، وبيع أحدهما بما يتخد من الآخر. ولبن الضأن والمعز، جنس، ولبن الوعل مع المعز الاهلي، جنسان. وبيوض الطير، أجناس على المذهب. وقيل: وجهان. أصحهما: أنها أجناس. وزيت الزيتون مع زيت الفجل، والتمر المعروف مع التمر الهندي، أجناس على المذهب. وفي ا لبطيخ المعروف مع الهندي، والقثار مع الخيار، وجهان. قلت: الاصح: أنهما جنسان. والله أعلم. والبقول، كالهندبا والنعنع وغيرهما، أجناس إن قلنا: إنها ربوية. ودهن السمسم وكسبه، جنسان، كالمخيص مع السمن. وفي عصير العنب مع خله، والسكر مع الفانيذ، وجهان. أصحهما: جنسان. والسكر الطبرزد والنبات، جنس واحد. والسكر الاحمر مع الابيض، جنس على الاصح، لانه عكر الابيض، ألا أن صفتهما مختلفة. فرع بيع اللحم بالحيوان المأكول من جنسه، باطل، خلافا للمزني. وإن باعه بحيوان مأكول من غير جنسه كلحم غنم ببقرة، فإن قلنا: اللحوم جنس، بطل. وإن قلنا: أجناس، بطل أيضا على الاظهر. وإن باعه بحيوان غير مأكول، بطل على الاظهر. وفي بيع الشحم والالية والطحال والقلب والكلية والرئة بالحيوان، والسنام بالبعير، ولحم السمك بالشاة، وجهان. أصحهما: البطلان. ويجري الوجهان في بيع الجلد بالحيوان إن لم يكن مدبوغا. فإن دبغ فلا منع.

(3/60)


فرع لا يجوز بيع دهن السمسم ولا كسبه بالسمسم، ولا دهن الجوز بلبه، ولا بيع السمن باللبن. ويجوز بيع الجوز بالجوز وزنا، واللوز باللوز كيلا مع قشرهما على المذهب. وحكي قول: أنه لا يجوز، ويجوز بيع لب الجوز بلبه، ولب اللوز بلبه على الصحيح. ويجوز بيع البيض بالبيض في قشره وزنا، على المذهب. ويجوز بيع لبن الشاة بشاة بيع في ضرعها لبن، بأن جرى البيع عقيب الحلب، فإن كان في ضرعها لبن، لم يجز. ولو باع شاة في ضرعها لبن بشاة في ضرعها لبن، لم يصح على الصحيح. وبيع بيض بدجاجة كبيع لبن بشاة. ولو باع لبن شاة ببقرة في ضرعها لبن، فإن قلنا: الالبان جنس، لم يجز، وإلا، فقولان، للجمع ين مختلفي الحكم، فإن ما يقابل اللبن من اللبن، يشترط فيه التقابض، وما يقابل الحيوان، لا يشترط. فرع يجري الربا في دار الحرب جريانه في دار الاسلام، سواء فيه المسلم، والكافر.
باب البيوع المنهي عنها
ما ورد فيه النهي من البيوع، قد يحكم بفساده وهو الاغلب، لانه مقتضى النهي. وقد لا يحكم بفساده، لكون النهي ليس لخصوصية البيع، بل لامر آخر. فالقسم الاول، أنواع. منها: بيع اللحم بالحيوان، وقد سبق. ومنها: بيع ما لم يقبض، وبيع الطعام حتى يجري فيه الصاعان، وبيع

(3/61)


الكالئ بالكالئ. وسنشرحها بعد، إن شاء الله تعالى ومنها: بيع الغرر. ومنها: بيع ما لم يقدر على تسليمه، وقد سبق. ومنها: بيع مال الغير. ومنها: بيع ما ليس عنده، وفيه تفسيران. أحدهما: أن يبيع غائبا. والثاني: ما لا يملكه ليشتريه فيسلمه. ومنها: بيع الكلب والخنزير، وقد سبق ذكرهما في شرائط المبيع. ومنها: بيع عسب الفحل - بفتح العين وإسكان السين المهملتين -، والمشهور في كتب الفقه: أنه ضرابه، وقيل: أجرة ضرابة، وقيل: هو ماؤه. فعلى الاول والثالث، تقديره: بدل عسب الفحل. وفي رواية الشافعي رضي الله عنه نهى عن ثمن عسب الفحل. والحاصل: إن بذل عوضا عن الضرا ب، إن كان بيعا، فباطل قطعا، وكذا إن كان إجارة على الاصح. ويجوز أن يعطي صاحب الانثى صاحب الفحل شيئا على سبيل الهدية. ومنها: بيع حبل الحبلة، هو نتاج النتاج. ومعناه: أن يبيع بثمن إلى أن

(3/62)


يلد ولد هذه الدابة. كذا فسره ابن عمر والشافعي وغيرهما رضي الله عنهم. وقيل: هو بيع ولد نتاج هذه الدابة، قاله أبو عبيد وأهل اللغة. ومنها: بيع الملاقيح، وهي ما في بطون الامهات من الاجنة، الواحدة: ملقوحة. وبيع المضامين، وهي ما في أصلاب الفحول. ومنها: بيع الملامسة. وفيه تأويلات. أحدها: تأويل الشافعي رضي الله عنه، وهو أن يأتي بثوب مطوي، أو في ظلمة، فيلمسه المستام فيقول صاحبه: بعتكه بكذا، بشرط أن يقوم لمسك مقام نظرك، ولا خيار لك إذا رأيته. والثاني: أن يجعل نفس اللمس بيعا، فيقول: إذا لمسته فهو مبيع لك. والثالث: أن يبيعه شيئا على أنه متى لمسه انقطع خيار المجلس وغيره، ولزم البيع. وهذا البيع باطل على التأويلات كلها. وفي الاول، احتمال للامام، وقاله صاحب التتمة تفريعا على صحة نفي خيار الرؤية. قال في التتمة: وعلى التأويل الثاني، له حكم المعاطاة. والمذهب: الجزم بالبطلان على التأويلات. ومنها: بيع المنابذة، وفيه تأويلات. أحدها: أن يجعلا نفس النبذ بيعا، قاله الشافعي رضي الله عنه، وهو بيع باطل. قال الاصحاب: ويجئ فيه

(3/63)


الخلاف في المعاطاة، فإن المنابذة مع قرينة البيع، هي نفس المعاطاة. والثاني: أن يقول: بعتك على أني إذا نبذته إليك، لزم البيع، وهو باطل. والثالث: أن المراد نبذ الحصاة، وسيأتي إن شاء الله تعالى. ومنها: بيع الحصاة، وفيه تأويلات. أحدها: أن يقول: بعتك من هذه الاثواب ما وقعت عليه الحصاة التي أرميها، أو بعتك من هذه الارض من هنا إلى ما انتهت إليه هذه الحصاة. والثاني: أن يقول: بعتك على أنك بالخيار إلى أن أرمي الحصاة. والثالث: أن يجعلا نفس الرمي بيعا، فيقول: إذا رميت الحصاة، فهذا الثوب مبيع لك بكذا، والبيع باطل في جميعها. ومنها: بيعتان في بيعة، وفيه تأويلان نص عليهما في المختصر. أحدهما: أن يقول: بعتك هذا بألف، على أن تبيعني دارك بكذا، أو تشتري مني داري بكذا، وهو باطل. والثاني: أن يقول: بعتكه بألف نقدا، أو بألفين نسيئة، فخذه بأيهما شئت أو شئت أنا، وهو باطل. أما لو قال: بعتك بألف نقدا، وبألفين نسيئة، أو قال: بعتك نصفه بألف، ونصفه بألفين، فيصح العقد. ولو قال: بعتك هذا العبد بألف، نصفه بستمائة، لم يصح، لان ابتداء كلامه يقتضي توزيع الثمن على المثمن بالسوية، وآخره يناقضه. ومنها: بيع المحاقلة والمزابنة، وسيأتي بيانهما أن شاء الله تعالى. ومنها: بيع المجر - بفتح الميم وإسكان الجيم والراء - وهو ما في الرحم، وقيل: هو الربا. وقيل: هو المحاقلة والمزابنة. ومنها: بيع السنين، وله تفسيران. أحدهما: بيع ثمرة النخلة سنين. والثاني: أن يقول: بعتك هذا سنة، على أنه إذا انقضت السنة فلا بيع بيننا، فترد إلي المبيع وأرد إليك الثمن.

(3/64)


ومنها: بيع العربان. ويقال: العربون، وهو أن يشتري سلعة من غيره ويدفع إليه دراهم، على أنه إن أخذ السلعة، فهي من الثمن، وإلا، فهي للمدفوع إليه مجانا. ويفسر أيضا بأن يدفع دراهم إلى صانع ليعمل له خفا أو خاتما أو ينسج له ثوبا، على أنه إن رضيه، فالمدفوع من الثمن، وإلا، فهو للمدفوع إليه. ومنها: بيع العنب قبل أن يسود، والحب قبل أن يشتد، وبيع الثمار قبل أن تنجو من العاهة، وسيأتي تفصيلها إن شاء الله تعالى. ومنها: بيع السلاح لاهل الحرب، لا يصح، ويجوز بيعهم الحديد، لانه لا يتعين للسلاح. قلت: بيع السلاح لاهل الذمة في دار الاسلام، صحيح. وقيل: وجهان، حكاهما المتولي والبغوي والروياني وغيرهم. والله أعلم. ومنها: أن النبي - صلى الله عليه وسلم -، نهى عن ثمن الهرة. قال القفال: المراد: الهرة الوحشية، إذ ليس فيها منفعة استئناس ولا غيره. قلت: مذهبنا: أنه يصح بيع الهرة الاهلية، نص عليه الشافعي رضي الله عنه وغيره. والجواب عن الحديث من أوجه، ذكرها الخطابي. أحدها: أنه تكلم في صحته. والثاني: جواب القفال.

(3/65)


والثالث: أنه نهي تنزيه. والمقصود: أن الناس يتسامحون به ويتعاورونه. هذه أجوبه الخطابي، لكن الاول باطل، فإن الحديث في صحيح مسلم من رواية جابر رضي الله عنه. والله أعلم. ومنها: النهي عن بيع وسلف، وهو البيع بشرط القرض. ومنها: النهي عن بيع وشرط. والشرط ينقسم إلى فاسد، وصحيح. فالفاسد: يفسد العقد على المذهب، وفيه كلام سيأتي قريبا إن شاء الله تعالى. فمن الفاسد، إذا باع عبده بألف، بشرط أن يبيعه داره، أو يشتري منه داره، وبشرط أن يقرضه عشرة، فالعقد الاول باطل. فإذا أتيا بالبيع الثاني، نظر، إن كانا يعلمان بطلان الاول، صح، وإلا، فلا، لانهما يأتيان به على حكم الشرط الفاسد، كذا قطع به صاحب التهذيب وغيره. والقياس: صحته، وبه قطع الامام، وحكاه عن شيخه في كتاب الرهن. ولو اشترى زرعا، وشرط على بائعه أن يحصده، بطل البيع على المذهب. وقيل: فيه قولان، لانه جمع بين بيع وإجارة. وقيل: شرط الحصاد باطل. وفي البيع قولا تفريق الصفقة. وكذا الحكم لو أفرد الشراء بعوض والاستئجار بعوض، فقال: اشتريته بعشرة، على أن تحصده بدرهم، لانه جعل الاجارة شرطا في البيع، فهو في معنى بيعتين في بيعة. ولو قال: اشتريت هذا الزرع، واستأجرتك على حصاده بعشرة، فقال: بعت وأجرت، فطريقان. أحدهما: على القولين في الجمع بين مختلفي الحكم. والثاني: تبطل الاجارة. وفي البيع قولا تفريق الصفقة. ولو قال: اشتريت هذا الزرع بعشرة، واستأجرتك لحصده بدرهم، صح الشراء، ولم تصح الاجارة، لانه استأجره للعمل فيما لم يملكه.

(3/66)


ونظائر مسألة الزرع تقاس بها، كما إذا اشترى ثوبا وشرط عليه صبغه، وخياطته، أو لبنا وشرط عليه طبخه، أو نعلا وشرط عليه أن ينعل به دابته، أو عبدا رضيعا على أنه يتم إرضاعه، أو متاعا على أن يحمله إلى بيته، والبائع يعرف بيته، فإن لم يعرفه، بطل قطعا. ولو اشترى حطبا على ظهر بهيمة مطلقا، فهل يصح العقد ويسلمه إليه في موضعه، أم لا يصح حتى يشترط تسليمه في موضعه، لان العادة قد تقتضي حمله إلى داره ؟ فيه وجهان. قلت: أصحهما: الصحة. والله أعلم. وأما الشرط الصحيح في البيع، فمن أنواعه شرط الاجل المعلوم في الثمن. فإن كان الثمن مجهولا، بطل. قال الروياني: ولو أجل الثمن ألف سنة، بطل العقد، للعلم بأنه لا يعيش هذه المدة. فعلى هذا، يشترط في صحة الاجل، احتمال بقائه إليه. قلت: لا يشترط احتمال بقائه إليه، بل ينتقل إلى وارثه، لكن التأجيل بألف سنة وغيرها مما يبعد بقاء الدنيا إليه، فاسد. والله أعلم. ثم موضع الاجل، إذا كان العوض في الذمة. فأما ذكره في المبيع أو في الثمن المعين، مثل أن يقول: اشتريت بهذه الدراهم على أن أسلمها في وقت كذا، فباطل، يبطل البيع. ولو حل الاجل، فأجل البائع المشتري مدة، أو زاد في الاجل قبل حلول الاجل المضرو ب، فهو وعد لا يلزم. كما أن بدل الاتلاف لا يتأجل وإن أجله. ولو أوصى من له دين حال على إنسان بإمهاله مدة، لزم ورثته إمهاله تلك المدة، لان التبرعات بعد الموت تلزم، قاله في التتمة. ولو أسقط من عليه الدين المؤجل الاجل، فهل يسقط حتى يتمكن المستحق من مطالبته في الحال ؟ وجهان. أصحهما: لا يسقط، لان الاجل صفة تابعة، والصفة لا تفرد

(3/67)


بالاسقاط، ألا ترى أن مستحق الحنطة الجيدة، أو الدنانير الصحاح، لو أسقط صفة الجودة والصحة، لم تسقط. ومن أنواعه، شرط الخيار ثلاثة أيام، وسيأتي بيانه إن شاء الله تعالى. ومنها: شرط الرهن، والكفيل، والشهادة، فيصح البيع بشرط أن يرهن المشتري بالثمن، أو يتكفل به كفيل، أو يشهد عليه، سواء كان الثمن حالا أو مؤجلا. ويجوز أيضا أن يشرط المشتري على البائع كفيلا بالعهدة، ولا بد من تعبين الرهن والكفيل. والمعتبر في الرهن المشاهدة أو الوصف بصفة المسلم فيه. وفي الكفيل المشاهدة، أو المعرفة بالاسم والنسب، ولا يكفي الوصف، كقوله: رجل موسر ثقة. هذا هو المنقول للاصحاب. ولو قال قائل: الاكتفاء بالوصف أولى من الاكتفاء بمشاهدة من لا يعرف حاله، لم يكن مبعدا. وقال القاضي ابن كج: لا يشترط تعيين الكفيل. فإذا أطلق، أقام من شاء كفيلا، وهذا شاذ مردود. ولا يشترط تعيين الشهود على الاصح. وادعى الامام، أنه لا يشترط قطعا، ورد الخلاف إلى أنه لو عين الشهود، هل يتعينون ؟ ولا يشترط التعرض لكون المرهون عند المرتهن أو عند عدل على الاصح، بل إن اتفقا على يد المرتهن، أو عدل، وإلا جعله الحاكم في يد عدل. وينبغي أن يكون المشروط رهنه، غير المبيع. فلو شرط كون المبيع نفسه رهنا بالثمن، بطل البيع على المذهب، وبه قطع الاصحاب، إلا الامام، فإنه قال: هو مبني على أن البداءة بالتسليم بمن ؟ فإن قلنا: بالبائع أو يجبران، أو لا يجبران، بطل البيع، لانه شرط ينافي مقتضاه. وإن قلنا: بالمشتري، فوجهان. أحدهما: هذا. والثاني: يصح البيع والشرط، سواء كان الثمن حالا، أو مؤجلا. ولو شرط أن يرهنه بالثمن بعد القبض ويرده إليه، بطل البيع أيضا.

(3/68)


ولو رهنه بالثمن من غير شرط، صح إن كان بعد القبض. فإن كان قبله، فلا إن كان الثمن حالا، لان الحبس ثابت له. وإن كان مؤجلا، فهو كرهن المبيع بدين آخر قبل القبض. ثم إذا لم يرهن المشتري ما شرطه، أو لم يشهد، أو لم يتكفل الذي عينه، فلا إجبار، لكن للبائع الخيار. ولا يقوم رهن وكفيل آخر مقام المعين. فإن فسخ، فذاك. وإن أجاز، فلا خيار للمشتري. ولو عين شاهدين، فامتنعا من التحمل، فإن قلنا: لا بد من تعيين الشاهدين، فللبائع الخيار، وإلا، فلا. ولو باع بشرط الرهن، فهلك المرهون قبل القبض، أو تعيب، أو وجد به عيبا قديما، فله الخيار في فسخ البيع، وإن تعيب بعد القبض، فلا خيار. ولو ادعى الراهن أنه حدث بعد القبض، وقال المرتهن: قبله، فالقول قول الراهن. ولو هلك الرهن بعد القبض، أو تعيب ثم اطلع على عيب قديم، فلا أرش له، وليس له فسخ البيع على الاصح. فرع في بيع الرقيق بشرط العتق، ثلاثة أقوال. المشهور: أنه يصح العقد والشرط. والثاني: يبطلان. والثالث: يصح البيع ويبطل الشرط. فإذا صححنا الشرط، فذاك إذا أطلق، أو قال: بشرط أن تعتقه عن نفسك. أما إذا قال: بشرط أن تعتقه عني، فهو لاغ. ثم في العتق المشروط، وجهان.

(3/69)


أصحهما: أنه حق لله تعالى، كالملتزم بالنذر. والثاني: أنه حق للبائع، فعلى هذا للبائع المطالبة به قطعا. وإن قلنا: إنه لله تعالى، فللبائع المطالبة به أيضا على الاصح. وإذا أعتقه المشتري، فالولاء له بلا خلاف، سواء قلنا: الحق لله تعالى، أم للبائع، لانه أعتق ملكه. فإن امتنع من العتق، فإن قلنا: الحق لله تعالى، أجبر عليه. وإن قلنا: للبائع، لم يجبر، بل يخير البائع في فسخ البيع. وإذا قلنا بالاجبار، قال في التتمة: يخرج على الخلاف في المولى إذا امتنع من الطلاق، فيعتقه القاضي على قول، ويحبسه حتى يعتق على قول. وذكر الامام احتمالين. أحدهما: هذا. والثاني: يتعين الحبس. فإذا قلنا: العتق حق للبائع، فأسقطه، سقط، كما لو اشترط رهنا أو كفيلا ثم عفا عنه. وعن الشيخ أبي محمد: أن شرط الرهن والكفيل لا يفرد بالاسقاط، كالاجل، فلو أعتق المشتري هذا العبد عن الكفارة، فإن قلنا: الحق لله تعالى، أو للبائع، ولم يأذن، لم يجز. وإن أذن، أجزأه عنها على الاصح. ويجوز استخدامه، والوطئ والاكساب للمشتري. ولو قتل، كانت القيمة له، ولا يكلفه صرفها إلى عبد آخر ليعتقه. ولو باعه لغيره وشرط عليه عتقه، لم يصح على الصحيح. ولو أولد الجارية، لم يجزئه عن الاعتاق على الصحيح. ولو مات العبد قبل عتقه، فأوجه. أصحها: ليس عليه إلا الثمن المسمى، لانه لم يلتزم غيره. والثاني: عليه مع ذلك قدر التفاوت بمثل نسبته من الثمن. والثالث: للبائع الخيار، إن شاء أجاز العقد ولا شئ له، وإن شاء فسخ ورد ما أخذ من الثمن ورجع بقيمة العبد. والرابع: ينفسخ. ثم إن هذه الاوجة، مفرعة على أن العتق للبائع، أم مطردة سواء قلنا: له، أو لله تعالى ؟ فيه رأيان للامام. أظهرهما: الثاني. قلت: وهذا الثاني، مقتضى كلام الاصحاب وإطلاقهم. والله أعلم. ولو اشترى عبدا بشرط أن يدبره، أو يكاتبه، أو يعتقه بعد شهر أو سنة، أو دارا بشرط أن يجعلها وقفا، فالاصح: أن البيع باطل في جميع ذلك. وقيل: إنه كشرط الاعتاق. وجميع ما سبق في شرط الاعتاق مفروض فيما إذا لم يتعرض

(3/70)


للولاء. فأما إذا شرط مع العتق كون الولاء للبائع، فالمذهب: أن البيع باطل، وبهذا قطع الجمهور. وحكي قول: أنه يصح البيع، ويبطل الشرط. وحكى الامام وجها: أنه يصح الشرط أيضا، ولا يعرف هذا الوجه عن غير الامام. ولو اشترى بشرط الولاء دون شرط الاعتاق، بأن قال: بعتكه بشرط أن يكون لي الولاء إن أعتقته، فالبيع باطل قطعا، ذكره في التتمة. ولو اشترى أباه أو ابنه بشرط أن يعتقه، فالبيع باطل قطعا، لتعذر الوفاء بالشرط، فإنه يعتق عليه قبل إعتاقه، قاله القاضي حسين. قلت: قد حكى الرافعي في كتاب كفارة الظهار عن ابن كج: أنه لو اشترى عبدا بشرط أن يعلق عتقه بصفة، لم يصح البيع على الاصح. وحكى وجهين فيما لو اشترى جارية حاملا بشرط العتق، فولدت ثم أعتقها، هل يتبعها الولد ؟ وأنه لو باع عبدا بشرط أن يبيعه المشتري بشرط العتق، فالمذهب: بطلان البيع. وعن ابن القطان: أنه على وجهين. والله أعلم.
فصل في ضبط صحيح الشروط في البيع وفاسدها قال الاصحاب: الشرط ضربان. ما يقتضيه مطلق العقد، وما لا يقتضيه. فالاول: كالاقباض والانتفاع، والرد بالعيب ونحوها، فلا يضر التعرض لها ولا ينفع. والثاني: قسمان. ما يتعلق بمصلحة العقد، وما لا يتعلق. فالاول: قد يتعلق بالثمن، كشرط الرهن والكفيل، وقد يتعلق بالمثمن، كشرط أن يكون العبد خياطا، أو كاتبا، وقد يتعلق بهما، كشرط الخيار. فهذه الشروط، لا تفسد العقد، وتصح في أنفسها. والقسم الثاني: نوعان. ما لا يتعلق به غرض يورث تنازعا، وما يتعلق.

(3/71)


فالاول: كشرط أن لا يأكل إلا الهريسة، ولا يلبس إلا الخز، ونحو ذلك، فهذا لا يفسد العقد، بل يلغو، هكذا قطع به الامام، والغزالي. وقال صاحب التتمة: لو شرط التزام ما ليس بلازم، بأن باع بشرط أن يصلي النوافل، أو يصوم شهرا غير رمضان، أو يصلي الفرائض في أول أوقاتها، فالبيع باطل، لانه ألزم ما ليس بلازم. ومقتضى هذا فساد العقد في مسألة الهريسة. والثاني: كشرطه أن لا يقبض ما اشتراه، أو لا يتصرف فيه بالبيع والوطئ ونحوهما، وكشرط بيع أخر، أو قرض، وكشرط أن لا خسارة عليه في ثمنه إن باعه فنقص، فهذه الشروط وأشباهها فاسدة تفسد البيع، إلا الاعتاق على ما سبق. فرع لا يجوز بيع الحمل، لا من مالك الام، ولا من غيره. ولو باع حاملا بيعا مطلقا، دخل الحمل في البيع. ولو باعها واستثنى حملها، لم يصح البيع على المذهب، وبه قطع الجمهور، وحكى الامام فيه وجهين. ولو كانت الام لانسان، والحمل لآخر، فباع الام لمالك الحمل أو لغيره، أو باع جارية حاملا بحر، فالمذهب: أن البيع باطل، وبه قطع الاكثرون. وقيل: يصح، واختاره

(3/72)


الامام، والغزالي. ولو باع جارية، أو دابة بشرط أنها حامل، فقولان. وقيل: وجهان. أظهرهما: يصح البيع. والثاني: لا يصح. وقيل: يصح في الجارية قطعا، وهما مبنيان على أن الحمل يعلم، أم لا. إن قلنا: لا، لم يصح، وإلا، صح. ولو قال: بعتك هذه الدابة وحملها، أو هذه الشاة وما في ضرعها من اللبن، لم يصح على الاصح. وبه قال ابن الحداد، والشيخ أبو علي، لانه جعل المجهول مبيعا مع المعلوم، بخلاف البيع بشرط أنها حامل، فإنه وصف تابع. وقال أبو زيد: يصح، لانه يدخل عند الاطلاق، فلا يضر ذكره كأساس الدار. ولو قال: بعتك الجبة بحشوها، فقيل: هو على الخلاف. وقيل: يصح قطعا، لان الحشو داخل في مسمى الجبة، فذكره تأكيد للفظ الجبة، بخلاف الحمل، فإذا قلنا بالبطلان في هذه الصور، قال الشيخ أبو علي: في صورة الجبة في صحة البيع في الظهارة والبطانة قولا تفريق الصفقة، وفي صورة الدابة، يبطل البيع في الجميع، لان الحشو يمكن معرفة قيمته. قال الامام: هذا حسن. ولو باع حاملا وشرط وضعها لرأس الشهر ونحوه، لم يصح البيع قطعا، وبيض الطير، كحمل الدابة والجارية في جميع ذلك. ولو باع شاة بشرط أنها لبون، فطريقان. أصحهما: أنه على الخلاف في البيع بشرط الحمل، لكن الصحة هنا أقوى. والطريق الثاني: يصح قطعا، لان هذا شرط صفة فيها لا يقتضي وجود اللبن فيها حالة العقد، فهو كشرط الكتابة في العبد. فلو شرط كون اللبن في الضرع، كان كشرط الحمل قطعا. ولو شرط كونها تدر كل يوم كذا رطلا من اللبن، بطل البيع قطعا، لان ذلك لا ينضبط، فصار كما لو شرط في العبد أن يكتب كل يوم عشر ورقات. ولو باع لبونا، واستثنى لبنها، لم يصح العقد على الصحيح، كاستثناء حمل الجارية، والكسب في بيع السمسم، والحب في بيع القطن. فرع ومن الشروط الصحيحة باتفاق، أو على خلاف مسائل نشير الى

(3/73)


بعبضها مختصربة. منها البيع بشرط البراءة من العيوب ومنها: بيع الثمار بشرط القطع وسيأتي بيانه إن شاء الله تعالى. ومنها: لو باع مكيلا أو موزونا أو مذروعا، بشرط أن يكال بمكيال معين، أو بوزن معين، أو بذرع معين، أو شرط ذلك في الثمن، ففيه خلاف نشرحه في باب السلم إن شاء الله تعالى. وفي معناه، تعيين رجل يتولى الكيل أو الوزن. ومنها: لو باع دارا واستثنى لنفسه سكناها، أو دابة استثنى ظهرها، إن لم يبين المدة، لم يصح البيع قطعا، وإن بينها، لم يصح أيضا على الاصح. ومنها: لو باع بشرط أن لا يسلم المبيع حتى يستوفي الثمن، فإن كان مؤجلا، بطل العقد. وإن كان حالا، بني على أن البداءة بالتسليم بمن ؟ فإن جعلنا ذلك من مقتضى العقد، لم يضر ذكره، وإلا، فيفسد العقد. ومنها: لو قال: بعتك هذه الصبرة كل صاع بدرهم على أن أزيدك صاعا، فإن أراد هبة صاع أو بيعه من موضع آخر، فالعقد باطل، لانه شرط عقد في عقد. وإن أراد أنها إن خرجت عشرة آصع أخذت تسعة دراهم، فإن كانت الصيعان مجهولة، لم يصح، لانه لا يعلم حصة كل صاع. وإن كانت معلومة، صح. فإن كانت عشرة، فقد باع كل صاع وتسعا بدرهم، ولو قال: بعتك هذه الصبرة كل صاع بدرهم، على أن أنقصك صاعا، فإن أراد رد صاع إليه، فهو فاسد. وإن أراد أنها إن خرجت تسعة آصع، أخذت عشرة دراهم، فإن كانت الصيعان مجهولة، لم يصح، وإن كانت معلومة، صح. فإن كانت تسعة آصع، فقد باع كل صاع بدرهم وتسع. وفيه وجه: أنه لا يصح مع العلم أيضا، لقصور العبارة عن المحمل المذكور. ولو قال: بعتك هذه الصبرة كل صاع بدرهم، على أن أزيدك صاعا، أو أنقصك، ولم يبين إحدى الجهتين، فهو فاسد. ومنها: لو باع أرضا على أنها مائة ذراع، فخرجت دون المائة، فقولان. أظهرهما: صحة البيع. وقيل: يصح قطعا للاشارة، وصار كالخلف في الصفة

(3/74)


فعلى هذا، للمشتري الخيار في الفسخ، ولا يسقط بحط البائع من الثمن قدر النقص. وإذا أجاز، يجيز بجميع الثمن على الاظهر، وبقسطه على القول الآخر. ولو خرجت أكثر من مائة، ففي صحة البيع القولان. فإن صححناه، فالصحيح: أن للبائع الخيار. فإن أجاز، كانت كلها للمشتري، ولا يطالبه للزيادة بشئ. والوجه الآخر، اختاره صاحب التهذيب: أنه لا خيار للبائع، ويصح البيع في الجميع، بجميع الثمن المسمى، وينزل شرطه منزلة من شرط كون المبيع معيبا فخرج سليما، لا خيار له. فإذا قلنا بالصحيح، فقال المشتري: لا تفسخ، فأنا أقنع بالقدر المشروط شائعا ولك الزيادة، لم يسقط خيار البائع على الاظهر. ولو قال: لا تفسخ لازيدك في الثمن لما زاد، لم يكن له ذلك، ولم يسقط به خيار البائع بلا خلاف. ويقاس بهذه المسألة ما إذا باع الثوب على أنه عشرة أذرع، أو القطيع على أنه عشرون شاة، أو الصبرة على أنها ثلاثون صاعا، وحصل نقص أو زيادة. وفرق صاحب الشامل بين الصبرة وغيرها، فقال: إن زادت الصبرة، رد الزيادة. وإن نقصت وأجاز المشتري، أجاز بالحصة، وفيما سواها يجيز بجميع الثمن. ومنها: لو قال: بع عبدك من زيد بألف على أن علي خمسمائة، فباعه على هذا الشرط، لم يصح البيع على الاصح. والثاني: يصح ويجب على زيد ألف، وعلى الآمر خمسمائة، كما لو قال: ألق متاعك في البحر على أن علي كذا.
فصل البيع الصحيح إذا ضم إليه شرط، فذلك الشرط ضربان، صحيح، وفاسد. فإن كان صحيحا، فالعقد صحيح. وإن كان فاسدا، فإن كان مما لا يفرد بالعقد، نظر، إن لم يتعلق به غرض يورث تنازعا، لم يؤثر ذلك في العقد كما سبق. قال الامام: ومن هذا القبيل، ما إذا عين الشهود لتوثيق الثمن، وقلنا: لا يتعينون، فلا يفسد به العقد، وإن تعلق به غرض، فسد البيع بفساده، للنهي عن بيع وشرط. هذا هو المشهور. ولنا قول رواه أبو ثور: أن البيع لا يفسد بفساد الشرط بحال، لقصة بريرة رضي الله عنها. وإن كان مما يفرد بالعقد،

(3/75)


كالرهن والكفيل، فهل يفسد البيع لفسادهما ؟ قولان. أظهرهما: يفسد، كسائر الشروط الفاسدة. والثاني: لا، كالصداق الفاسد لا يفسد النكاح. ولو باع بشرط نفي خيار المجلس، أو خيار الرؤية، ففيه خلاف نذكره في باب الخيار إن شاء الله تعالى.
فصل إذا اشترى شيئا شراء فاسدا، إما لشرط فاسد، وإما لسبب آخر، ثم قبضه، لم يملكه بالقبض، ولا ينفذ تصرفه فيه، ويلزمه رده، وعليه مؤنة رده كالمغصوب. ولا يجوز حبسه، لاسترداد الثمن. ولا يقدم به على الغرماء على المذهب. وحكي قول ووجه للاصطخري: أن له حبسه ويقدم به، وهو شاذ ضعيف. وتلزمه أجرة المثل للمدة التي كان في يده، سواء استوفى المنفعة، أم تلفت تحت يده. وإن تعيب في يده، فعليه أرش النقص، وإن تلف، فعليه قيمته أكثر ما كانت من يوم القبض إلى يوم التلف، كالمغصوب، لانه مخاطب كل لحظة من جهة الشرع برده. وفي وجه: تعتبر قيمته يوم التلف. وفي وجه: يوم القبض. وقد يعبر عن هذا الخلاف بالاقوال. وكيف كان، فالمذهب: اعتبار الاكثر. وما حدث من الزوائد المنفصلة، كالولد، والثمرة، والمتصلة، كالسمن، وتعلم صنعة، مضمون عليه كزوائد المغصوب. وفي وجه شاذ: لا يضمن الزيادة عند التلف. ولو أنفق على العبد مدة، لم يرجع بها على البائع إن كان المشتري عالما بفساد البيع، وإلا، فوجهان. قلت: أصحهما: لا يرجع. والله أعلم. وإن كانت جارية، فوطئها المشتري، فإن كان الواطئ والموطوءة جاهلين، فلا حد، ويجب المهر. وإن كانا عالمين، وجب الحد إن اشتراها بميتة، أو دم. وإن اشتراها بخمر، أو بشرط فاسد، فلا حد، لاختلاف العلماء في حصول

(3/76)


الملك، فإن أبا حنيفة رضي الله عنه، يملكه في هذه الحالة، فصار كالوطئ في النكاح بلا ولي ونحوه. قال الامام: ويجوز أن يقال: يجب الحد، فإن أبا حنيفة رحمة الله عنه، لا يبيح الوطء، وإن كان يثبت الملك، بخلاف الوطئ في النكاح بلا ولي. وإذا لم يجب الحد، وجب المهر. فإن كانت بكرا، وجب مع مهر البكر أرش البكارة. أما مهر البكر، فللاستمتاع ببكر. وأما الارش، فلاتلاف البكارة. وإن استولدها، فالولد حر للشبهة. فإن خرج حيا، فعليه قيمته يوم الولادة، وتستقر عليه قيمته. بخلاف ما لو اشترى جارية واستولدها فخرجت مستحقة، فإنه يغرم قيمة الولد، ويرجع بها على البائع، لانه غره، ولا تصير الجارية في الحال أم ود. فإن كان ملكها في وقت، فقولان. وإن نقصت بالحمل أو الوضع، لزمه الارش. وإن خرج الولد ميتا، فلا قيمة. لكن إن سقط بجناية، وجبت الغرة على عاقلة الجاني، وعلى المشتري أقل الامرين من قيمة الولد يوم الولادة والغرة، ويطالب به المالك من شاء من الجاني والمشتري. ولو ماتت في الطلق، لزمه قيمتها، وكذا لو وطئ أمة الغير بشبهة فأحبلها فماتت في الطلق. وهذه الصورة وأخواتها، مذكورة في كتاب الرهن واضحة فرع لو اشترى شيئا شراء فاسدا، فباعه لآخر، فهو كالغاصب يبيع المغصوب. فإن حصل في يد الثاني، لزمه رده إلى المالك. فإن تلف في يده، نظر، إن كانت قيمته في يدهما سواء، أو كانت في يد الثاني أكثر، رجع المالك بالجميع على من شاء منهما، والقرار على الثاني، لحصول التلف في يده. وإن كانت القيمة في يد الاول أكثر، فضمان النقص على الاول، والباقي يرجع به على من شاء منهما، والقرار على الثاني. وكل نقص حدث في يد الثاني، يطالب به الاول، ويرجع به على الثاني، وكذا حكم أجرة المثل.
فصل إذا فسد العقد بشرط فاسد، ثم حذفا الشرط، لم ينقلب العقد صحيحا، سواء كان الحذف في المجلس أو بعده. وفي وجه: ينقلب صحيحا إن

(3/77)


حذف في المجلس، وهو شاذ ضعيف. ولو زاد في الثمن أو المثمن، أو زاد إثبات الخيار، أو الاجل، أو قدرهما، نظر، إن كان ذلك بعد لزوم العقد، لم يلحق بالعقد. وكذا الحكم في رأس مال السلم والمسلم فيه والصداق وغيرها، وكذا الحط، لا يلحق شئ من ذلك بالعقد، حتى أن الشفيع يأخذ بما سمي في العقد، لا بما بقي بعد الحط. وإن كانت هذه الالحاقات قبل لزوم العقد، بأن كانت في مجلس العقد، أو في زمن خيار الشرط، فأوجه. أحدها: لا يلحق. وصححه في التتمة. والثاني: يلحق في خيار المجلس، دون خيار الشرط، قاله أبو زيد، والقفال. والثالث، وهو الاصح عند الاكثرين: يلحق في مدة الخيارين جميعا، وهو ظاهر النص. فعلى هذا في محل الجواز، وجهان. أحدهما قاله أبو علي الطبري، واختاره الشيخ أبو علي، وصاحب التهذيب وغيرهما: أنه مفرع على قولنا: الملك في زمن الخيار للبائع، أو قلنا: موقوف وفسخ العقد، فأما إن قلنا للمشتري، أو قلنا إنه موقوف وأمضي العقد، فلا يلحق كما بعد اللزوم. والوجه الثاني: أن الجواز مطرد عى الاقوال كلها، وهو الصحيح عند العراقيين. فإذا قلنا: يلحق، فالزيادة تلزم الشفيع كما تلزم المشتري. وفي الحط قبل اللزوم، مثل هذا الخلاف. فإن ألحقناه بالعقد، انحط عن الشفيع. وعلى هذا الوجه: ما يلحق بالعقد من الشروط الفاسدة قبل انقضاء الخيار، له حكم المقترن بالعقد في إفساده، وينحط جميع الثمن، فهو كما لو باع بلا ثمن. القسم الثاني من المناهي: ما لا يقتضي الفساد. فمنه الاحتكار، وهو حرام على الصحيح، وقيل: مكروه، وهو أن يشتري الطعام في وقت الغلاء، ولا يدعه للضعفاء، ويحبسه ليبيعه بأكثر عند اشتداد الحاجة. ولا بأس بالشراء في وقت الرخص ليبيع في وقت الغلاء. ولا بأس بإمساك غلة ضيعته ليبيع في وقت الغلاء، ولكن الاولى أن يبيع مفضل عن

(3/78)


كفايته. وفي كراهة إمساكه، وجهان. ثم تحريم الاحتكار يختص بالاقوات. ومنها: التمر، والزبيب، ولا يعم جميع الاطعمة. ومنها: التسعير، وهو حرام في كل وقت على الصحيح. والثاني: يجوز في وقت الغلاء دون الرخص. وقيل: إن كان الطعام مجلوبا، حرم التسعير. وإن كان يزرع في البلد ويكون عند القناة، جاز. وحيث جوزنا التسعير، فذلك في الاطعمة، ويلحق بها علف الدواب على الاصح. وإذا سعر الامام عليه، فخالف، استحق التعزير. وفي صحة البيع، وجهان مذكوران في التتمة. قلت: الاصح: صحة البيع. والله أعلم.
فصل يحرم أن يبيع حاضر لباد، وهو أن يقدم إلى البلد بدوي أو قروي بسلعة يريد بيعها بسعر الوقت، ليرجع إلى وطنه، فيأتيه بلدي فيقول: ضع متاعك عندي لابيعه لك على التدريج بأغلى من هذا السعر. ولتحريمه، شروط. أحدها: أن يكون عالما بالنهي فيه. وهذا شرط يعم جميع المناهي. والثاني: أن يكون المتاع المجلوب مما تعم الحاجة إليه، كالاطعمة ونحوها. فأما ما لا يحتاج إليه إلا نادرا، فلا يدخل في النهي. والثالث: أن يظهر ببيع ذلك المتاع سعة في البلد، فإن لم يظهر لكبر البلد، أو قلة ما معه، أو لعموم وجوده ورخص السعر، فوجهان أوفقهما للحديث التحريم. والرابع: أن يعرض الحضري، ذلك على البدوي ويدعوه إليه. أما إذا التمس البدوي منه بيعه تدريحا، أو قصد الاقامة في البلد ليبيعه كذلك، فسأل البلدي تفويضه إليه، فلا بأس، لانه لم يضر بالناس، ولا سبيل إلى منع المالك منه، ولو أن البلدي استشار البلدي فيما فيه حظه، فهل يرشده إلى الادخار والبيع على التدريج ؟ وجهان. حكى القاضي ابن كج عن أبي

(3/79)


الطيب بن سلمة، وأبي إسحق المروزي: أنه يجب عليه إرشاده إليه، أداء للنصيحة. وعن أبي حفص بن الوكيل: أنه لا يرشده إليه توسيعا على الناس. ثم لو باع البلدي للبدوي عند اجتماع شروط التحريم، أثم وصح البيع. قلت: قال القفال: الاثم على البلدي دون البدوي، ولا خيار للمشتري. والله أعلم.
فصل يحرم تلقي الركبان، وهو أن يتلقى طائفة يحملون طعاما إلى البلد، فيشتريه منهم قبل قدومهم البلد ومعرفة سعره. وشرط تحريمه، أن يعلم النهي ويقصد التلقي. فلو خالف فتلقى واشترى، أثم، وصح البيع، ولا خيار لهم قبل أن يقدموا ويعلموا السعر، وبعده يثبت لهم الخيار إن كان الشراء بأرخص من سعر البلد، سواء أخبر كاذبا أو لم يخبر. وإن كان الشراء بسعر البلد أو أكثر، فوجهان. الاصح: لا خيار لهم. ولو ابتدأ القادمون فالتمسوا منه الشراء وهم عالمون بسعر البلد أو غير عالمين، فعلى الوجهين. ولو لم يقصد التلقي، بل خرج لشغل من اصطياد وغيره، فرآهم فاشترى منهم، فوجهان. أحدهما: لا يعصي، لعدم التلقي، وأصحهما عند الاكثرين: يعصي، لشمول المعنى. فعلى الاول: لا خيار لهم، وإن كانوا مغبونين. وقيل: إن أخبر بالسعر كاذبا، فلهم الخيار. وحيث أثبتنا الخيار في هذه الصور، فهو على الفور على الاصح. والثاني: يمتد ثلاثة أيام. ولو تلقى الركبان وباعهم ما يقصدون شراءه من البلد، فهل هو كالمتلقي للشراء ؟ وجهان فصل يحرم السوم على سوم أخيه.

(3/80)


وهو أن يأخذ شيئا ليشتريه، فيجئ إليه غيره ويقول: رده حتى أبيعك خيرا منه بهذا الثمن، أو يقول لمالكه: استرده لاشتريه منك بأكثر. وإنما يحرم بعد استقرار الثمن. فأما ما يطاف به فيمن يزيد وطلبه طالب، فلغيره الدخول عليه والزيادة فيه. وإنما يحرم، إذا حصل التراضي صريحا. فإن لم يصرح، ولكن جرى ما يدل على الرضى، ففي التحريم وجهان. أصحهما: لا يحرم. فإن لم يجر شئ، بل سكت، فالمذهب: أنه لا يحرم، كما لو صرح بالرد. وقيل: هو على الوجهين. ويحرم أن يبيع على بيع أخيه، وأن يشتري على شراء أخيه. فالبيع على بيع أخيه، أن يقول لمن اشترى سلعة في زمن خيار المجلس أو الشرط: افسخ لابيعك خيرا منه، أو أرخص. والشراء على شرائه أن يقول للبائع: افسخ لاشتريه منك بأكثر. وشرط القاضي ابن كج في البيع على البيع، أن لا يكون المشتري مغبونا غبنا مفرطا. فإن كان، فله أن يعرفه ويبيع على بيعه، لانه ضرب من النصيحة. قلت: هذا الشرط انفرد به ابن كج، وهو خلاف ظاهر إطلاق الحديث، والمختار: أنه ليس بشرط. والله أعلم. ولو أذن البائع في بيعه، ارتفع التحريم على الصحيح.
فصل يحرم النجش، وهو أن يزيد في ثمن السلعة المعروضة للبيع وهو

(3/81)


غير راغب فيها ليغر غيره. فإن اغتر به إنسان فاشتراها، صح البيع، ثم لا خيار له إن لم يكن الذي فعله الناجش بمواطأة من البائع، وإن كان، فلا خيار أيضا على الاصح. ولو قال البائع: أعطيت بهذه السلعة كذا، فصدقه واشتراه، فبان خلافه، قال ابن الصباغ: في ثبوت الخيار، الوجهان. واعلم أن الشافعي رضي الله عنه، أطلق القول بتعصية الناجش، وشرط في تعصية البائع على بيع أخيه أن يكون عالما بالنهي. قال الاصحاب: السبب فيه أن النجش خديعة، وتحريم الخديعة واضح لكل أحد، معلوم من الالفاظ العامة وإن لم يعلم هذا الحديث، والبيع على بيع أخيه، إنما عرف تحريمه من الخبر الوارد فيه فلا يعرفه من لا يعرف هذا الخبر، قال الرافعي: ولك أن تقول: البيع على بيع أخيه، إضرار أيضا، وتحريم الاضرار معلوم من الالفاظ العامة، والوجه تخصيص التعصية بمن عرف التحريم بعموم أو خصوص.
فصل يحرم التفريق بين الجارية وولدها الصغير بالبيع والقسمة والهبة ونحوها، ولا يحرم التفريق في العتق، ولا في الوصية. وفي الرد بالعيب،

(3/82)


وجهان. وقال الشيخ أبو إسحق الشيرازي رحمه الله: لو اشترى جارية وولدها الصغير، ثم تفاسخا البيع في أحدهما، جاز، وحكم التفريق في الرهن مذكور في بابه. وإذا فرق بينهما في البيع والهبة، ففي صحة العقد قولان. أظهرهما: لا يصح، لانه منهي عن تسليمه. قال أبو الفراج البزاز: القولان في التفريق بعد أن تسقيه اللبأ، أما قبله، فلا يصح قطعا. وإلى متى يمتد (تحريم) التفريق ؟ قولان. أحدهما: إلى البلوغ. وأظهرهما: إلى بلوغه سن التمييز سبع سنين، أو ثمان سنين تقريبا. ويكره التفريق بعد البلوغ. فلو فرق بعده ببيع أو هبة، يصح قطعا. ولو كانت الام رقيقة والولد حرا، أو بالعكس، فلا منع من بيع الرقيق منهما. وهل الجدة والاب وسائر المحارم كالام ؟ فيه كلام يأتي في كتاب السير إن شاء الله تعالى.

(3/83)


والتفريق بين البهيمة وولدها بعد استغنائه عن اللبن، جائز على الصحيح، وبه قطع الجمهور. قلت: هذا الوجه الشاذ في منع التفريق بين البهيمة وولدها، هو في التفريق بغير الذبح. وأما ذبح أحدهما، فجائز بلا خلاف. والله أعلم.
فصل بيع الرطب والعنب ممن يتوهم اتخاذه إياه نبيذا، أو خمرا، مكروه. وإن تحقق اتخاذه ذلك، فهل يحرم، أو يكره ؟ وجهان. فلو باع، صح على التقديرين. قلت: الاصح: التحريم. ثم قال الغزالي في الاحياء: بيع الغلمان المرد، إن عرف بالفجور بالغلمان، له حكم بيع العنب من الخمار. وكذا كل تصرف يفضي إلى معصية. والله أعلم. وبيع السلاح للبغاة وقطاع الطريق، مكروه، ولكنه يصح. وتكره مبايعة من اشتملت يده على حلال وحرام، وسواء كان الحلال أكثر، أو بالعكس. فلو باعه، صح.

(3/84)


قلت: قال أصحابنا: لو دخل قرية يسكنها مجوس، لم يصح شراء اللحم منها حتى يعلم أهلية الذبح، لان الاصل التحريم، فلا يزال إلا يقين أو ظاهر. والله أعلم.
فصل ليس من المناهي بيع العينة - بكسر العين المهملة وبعد الياء

(3/85)


نون - وهو أن يبيع غيره شيئا بثمن مؤجل، ويسلمه إليه، ثم يشتريه قبل قبض الثمن بأقل من ذلك الثمن نقدا. وكذا يجوز أن يبيع بثمن نقدا ويشتري بأكثر منه إلى أجل، سواء قبض الثمن الاول، أم لا، وسواء صارت العينة عادة له غالبة في البلد، أم لا. هذا هو الصحيح المعروف في كتب الاصحاب، وأفتى الاستاذ أبو إسحق الاسفراييني، والشيخ أبو محمد: بأنه إذا صار عادة له، صار البيع الثاني كالمشروط في الاول، فيبطلان جميعا.

(3/86)


فصل يجوز بيع دور مكة، وبيع المصحف، وكتب الحديث. وقال الصيمري: يكره بيع المصحف. قلت: ونص الشافعي رضي الله عنه، على كراهة بيع المصحف. وقال الروياني وغيره: لا يكره، وسائر الكتب المشتملة على ما يباح الانتفاع به، يجوز بيعها بلا كراهة. ومن المناهي: البيع في وقت النداء يوم الجمعة، وسبق بيانه في بابها. ومنها في الحديث: نهى عن بيع المضطر. قال الخطابي: فيه تأويلان. أحدهما: المراد به: المكره، فلا يصح بيعه إن أكره بغير حق، وإن كان بحق، صح. والثاني: أن يكون عليه ديون مستغرقة، فتحتاج إلى بيع ما معه بالوكس، فيستحب أن لا يبتاع منه، بل يعان، إما بهبة، وإما بقرض، وإما باستمهال صاحب الدين. فإن اشترى منه، صح. ومنها: النهي عن بيع المصراة، والنهي عن بيع ما فيه عيب، إلا أن يبينه، وكلاهما حرام، إلا أنه ينعقد ومنها: النهي عن البيع في المسجد، وسبق تفصيله في الاعتكاف. ومنها: يكره غبن المسترسل، ويكره بيع العينة، وسبق بيانه. ومنها: ما قاله صاحب التلخيص. قال: نهى عن بيع الماء، وهو محمول على ما إذا أفرد ماء عين أو بئر أو نهر بالبيع، فإن باعه مع الارض، بأن باع أرضا مع شربها من الماء في نهر أو واد، صح، ودخل الماء في البيع تبعا. وكذا إذا كان الماء في إناء أو حوض أو غيرهما مجتمعا، فبيعه صحيح مفردا وتابعا. والله أعلم.

(3/87)


باب تفريق الصفقة إذا جمع شيئين في صفقة، فهو ضربان. أحدهما: أن يجمع بينهما في عقد واحد. والثاني: في عقدين مختلفي الحكم. أما الاول: فله حالان. أحدهما: أن يقع التفريق في الابتداء. والثاني: أن يقع في الانتهاء. فالحال الاول: ينظر، إن جمع بين شيئين يمتنع الجمع بينهما من حيث هو جمع، بطل العقد في الجميع، كمن جمع بين أختين، أو خمس نسوة في عقد نكاح. وإن لم يكن كذلك، فإما أن يجمع بين شيئين كل واحد منهما قابل لما أورده عليه من العقد، وإما أن لا يكون كذلك. فإن كان الاول، بأن جمع بين عينين في البيع، صح العقد يهما. ثم إن كانا من جنسين كعبد وثوب، أو من جنس، لكنهما مختلفا القيمة كعبدين، وزع الثمن عليهما باعتبار القيمة. وإن كانا من جنس ومتفقي القيمة كقفيزي حنطة واحدة، وزع عليهما باعتبار الاجزاء. وإن كان الثاني، فإما أن لا يكون واحد منهما قابلا لذلك العقد، كمن باع خمرا وميتة، فالعقد باطل، وإماأن يكون أحدهما قابلا، فالذي هو غير قابل، قسمان. أحدهما: أن يكون متقوما، كمن باع عبده وعبد غيره صفقة واحدة، ففي صحة البيع في عبده، قولان. أظهرهما: يصح، واختاره المزني. والثاني: لا

(3/88)


يصح. وفي علته، وجهان. وقيل: قولان. أحدهما: الجمع بين حلال وحرام. والثاني: جهالة العوض الذي يقابل الحلال. والقسم الثاني: أن لا يكون متقوما، وهو نوعان. أحدهما: يتأتى تقدير التقويم فيه من غير تقدير تغير الخلقة، كمن باع حرا وعبدا، فالحر غير متقوم، لكن يمكن تقديره رقيقا. وفي المسألة، طريقان. أصحهما: طرد القولين. والثاني: القطع بالفساد. قال الشيخ أبو محمد: القولان على الطريق الاول فيما إذا كان المشتري جاهلا بالحال. فإن كان عالما، فالوجه: القطع بالبطلان. ولو باع عبده ومكاتبه، أو أم ولده، فهو كما لو باع عبده وعبد غيره، لانهما متقومان بدليل الاتلاف. النوع الثاني: أن لا يتأتى تقدير تقويمه من غير فرض تغير الخلقة، كمن باع خلا وخمرا، أو مذكاة وميتة، أو شاة وخنزيرا، ففي صحة البيع في الخل والمذكاة والشاة، خلاف مرتب على العبد مع الحر، وأولى بالفساد، لانه لا بد في التقويم من التقدير بغيره، ولا يكون المقوم هو المذكور في العقد. ولو رهن عبده وعبد غيره، أو حرا وعبدا، أو وهبهما، فإن صححنا البيع، فهنا أولى، وإلا، فقولان بناء على العلتين. ولو زوج أخته وأجنبية، أو مسلمة ومجوسية، فكالرهن والهبة. الحال الثاني: أن يقع التفريق في الانتهاء، وهو قسمان. أحدهما: أن لا يكون اختياريا، كمن اشترى عبدين، فتلف أحدهما قبل قبضهما، انفسخ البيع في التالف، وفي الباقي، طريقان. أحدهما: على القولين في جمع عبده وعبد غيره. وأصحهما: القطع بأنه لا ينفسخ، لعدم العلتين. ولو تفرقا في السلم وبعض رأس المال غير مقبوض، أو في الصرف وبعض العوض غير

(3/89)


مقبوض، انفسخ العقد في غير المقبوض. وفي الباقي، الطريقان. فلو قبض أحد العبدين وتلف الآخر في يد البائع، ترتب الانفساخ في المقبوض على الصور السابقة، وهذه أولى بعدم الانفساخ، لتأكد العقد فيه بانتقال الضمان إلى المشتري هذا إن كان المقبوض باقيا في يد المشتري. فإن تلف في يده، ثم تلف الآخر في يد البائع، فالقول بالانفساخ أضعف، لتلفه على ضمانه. وإذا قلنا بعدم الانفساخ، فهل له الفسخ ؟ وجهان. أحدهما: نعم، ويرد قيمته. والثاني: لا، وعليه حصته من الثمن. ولو اكترى دارا وسكنها بعض المدة، ثم انهدمت، انفسخ العقد في المستقبل، ويخرج في الماضي على الخلاف في المقبوض التالف. فإن قلنا: لا ينفسخ، فهل له الفسخ ؟ فيه الوجهان. فإن قلنا: لا فسخ، فعليه من المسمى ما يقابل الماضي.. وإن قلنا بالفسخ، وفسخ، فعليه أجرة المثل للماضي. ولو انقطع بعض المسلم فيه عند المحل والباقي مقبوض، أو غير مقبوض، وقلنا: لو انقطع الكل، ينفسخ العقد، انفسخ في المنقطع. وفي الباقي، الخلاف فيما إذا تلف أحد الشيئين قبل قبضهما. فإذا قلنا: لا ينفسخ، فله الفسخ. فإن أجاز، فعليه حصته من رأس المال فقط. وإن قلنا: إنه لو انقطع الكل، لم ينفسخ العقد، فالمسلم بالخيار، إن شاء فسخ العقد في الكل، وإن شاء أجازه في الكل. وهل له الفسخ في القدر المنقطع والاجازة في الباقي ؟ قولان، بناء على ما سنذكره في القسم الذي يليه. القسم الثاني: أن يكون اختياريا، كمن اشترى عبدين صفقة واحدة، فوجد بأحدهما عيبا، فهل له إفراده بالرد ؟ قولان. أظهرهما: ليس له، وبه قطع الشيخ أبو حامد. والقولان، في العبدين وكل شيئين لا تتصل منفعة أحدهما بالآخر. فأما في زوجي خف ومصراعي باب ونحوهما، فلا يجوز الافراد قطعا. وشذ بعضهم، فطرد القولين، ولا فرق على

(3/90)


القولين بين أن يتفق ذلك بعد القبض أو قبله. فإن لم نجوز الافراد، فقال: رددت المعيب، فهل يكون ذلك ردا لهما ؟ أصحهما: لا، بل هو لغو. ولو رضي البائع بإفراده، جاز على الاصح. وإذا جوزنا الافراد، فرده، استرد قسطه من الثمن. وعلى هذا القول، لو أراد رد السليم والمعيب جميعا فله ذلك على الصحيح. ولو وجد العيب بالعبدين معا، وأراد إفراد أحدهما بالرد، جرى القولان. ولو تلف أحد العبدين أو باعه، ووجد الباقي عيبا، ففي إفراده بالرد قولان مرتبان، وأولى بالجواز، لتعذر ردهما. فإن جوزنا الافراد، رد الباقي واسترد من الثمن حصته. وطريق التوزيع: تقدير العبدين سليمين، وتقويمهما، وتقسيط المسمى على القيمتين. فلو اختلفا في قيمة التالف، فادعى المشتري ما يقتضي ز يادة المرجوع به على ما اعترف به البائع، فالاظهر: أن القول قول البائع مع يمينه، لان الثمن ملكه، فلا يسترد منه إلا ما اعترف به. وإن لم نجوز الافراد، فوجهان. وقيل: قولان. أصحهما: لا فسخ له، ولكن يرجع بأرش العيب، لان الهلاك أعظم من العيب. ولو حدث عنده عيب لم يتمكن من الرد. فعلى هذا، إن اختلفا في قيمة التالف، عاد القولان. وهل النظر في قيمة التال‍ ف إلى يوم العقد، أو يوم القبض ؟ فيه الخلاف الذي سيأتي في معرفة أرش العيب القديم. والوجه الثاني: أنه يضم قيمة التالف إلى الباقي، ويردهما ويفسخ العقد. فإن اختلفا في

(3/91)


قيمة التالف، فالقول قول المشتري مع يمينه، لانه غارم. وفيه وجه شاذ: أن القول قول البائع، لئلا تزال يده عما لم يعترف به. فرع لو باع شيئا يتوزع الثمن على أجزائه، بعضه له، كعبد، أو صاع حنطة له نصفها، أو صاعي حنطة له أحدهما، صفقة واحدة، ترتب على ما إذا باع عبدين أحدهما له. فإن قلنا: يصح هناك في ملكه، فهنا أولى، وإلا، فقولان. إن عللنا بالجمع بين حلال وحرام، لم يصح، وإن عللنا بالجهالة، صح، لان حصة المملوك معلومة. ولو باع جميع الثمار وفيها الزكاة، فهل يصح البيع في قدر الزكاة ؟ سبق بيانه في كتاب الزكاة. فإن قلنا: لا يصح، فالترتيب في الباقي كما ذكرنا فيمن باع عبدا له نصفه. ولو باع أربعين شاة فيها واجب الزكاة، وقلنا: لا يصح بيع قدر الزكاة، فالترتيب في الباقي كما سبق فيمن باع عبده وعبد غيره. فرع ومما يتفرع على العلتين، لو ملك زيد عبدا، وعمرو آخر، فباعاهما صفقة واحدة بثمن واحد، ففي صحة العقد قولان. وكذا لو باع عبدين له لرجلين، لكل واحد واحدا بعينه بثمن واحد، إن عللنا بالجمع بين حلال وحرام، صح، وإن عللنا بالجهالة، فلا، لان حصة كل واحد مجهولة. ولو باع عبده وعبد غيره وسمى لكل واحد ثمنا، فقال: بعتك هذا بمائة، وهذا بخمسين، فإن عللنا بالجمع، فسد، وإن عللنا بالجهالة، صح في عبده، كذا قاله في التتمة. ولك أن تقول: سنذكر أن تفصيل الثمن من أسباب تعدد العقد، وإن تعدد، وجب القضاء بالصحة على العلتين. فرع اعلم أن طائفة من الاصحاب، توسطوا بين قولي تفريق الصفقة،

(3/92)


فقالوا: الاصح: الصحة في المملوك إذا كان المبيع مما يتوزع الثمن على أجزائه. والاصح: الفساد إن كان مما يتوزع على قيمته. وقال الاكثرون: الاصح: الصحة في القسمين. فصل إذا باع ماله ومال غيره، وصححناه في ماله، نظر، إن كان المشتري جاهلا بالحال، فله الخيار. فإن، أجاز، فكم يلزمه من الثمن ؟ قولان. أظهرهما: حصة المملوك فقط إذا وزع على القيمتين. والثاني: يلزمه جميع الثمن، ثم قيل: القولان فيما إذا كان المبيع مما يتقسط الثمن عليه بالقيمة. فإن كان مما يتقسط على أجزائه، فالواجب القسط قطعا. والاصح: طرد القولين في الحالين. فإن قلنا: الواجب جميع الثمن، فلا خيار للبائع. وإن قلنا: القسط، فلا خيار له أيضا على الاصح. وإن كان المشتري عالما بالحال، فلا خيار له كما لو اشترى معيبا يعلم عيبه. وكم يلزمه من الثمن ؟ فيه طريقان. المذهب: أنه على القولين. وقيل: يجب الجميع قطعا، لانه التزمه عالما. ولو اشترى عبدا وحرا، أو خلا وخمرا، أو مذكاة وميتة، أو شاة وخنزيرا، وصححنا العقد فيما يقبله، وكان المشتري جاهلا بالخال، فأجاز، أو كان عالما، ففيما يلزمه ؟ الطريقان. فإن أوجبنا القسط، ففي كيفية توزيع الثمن على هذه الاشياء، وجهان. أصحهما عند الغزالي: ينظر إلى قيمتها عند من يرى لها قيمة. والثاني: يقدر الخمر خلا، ويوزع عليهما باعتبار الاجزاء، وتقدر الميتة مذكاة، والخنزير شاة، ويوزع عليهما باعتبار القيمة. وقيل: يقدر الخمر عصيرا، والخنزير بقرة. قلت: هذا الذي صححه الغزالي، احتمال للامام. والصحيح: هو الثاني، وبه قطع الدارمي والبغوي وآخرون، وحكاه الامام عن طوائف من أصحاب القفال. والله أعلم. ولو نكح مسلمة ومجوسية في عقد، وصححنا نكاح المسلمة، فالذي قطع به الجماهير: أنه لا يلزمه جميع المسمى قطعا، لانه لا خيار له، بخلاف الجيع على قول. ويقل: في قول: يلزمه جميع المسمى، وله الخيار في رد المسمى والرجوع إلى مهر المثل. فإذا قلنا بقول الجمهور، ففيما يلزمه قولان. أظهرهما: مهر المثل. والثاني: قسطها من المسمى إذا وزع على مهر مثلها ومهر مثل المجوسية

(3/93)


ولو اشترى عبدين، فتلف أحدهما قبل القبض، فانفسخ العقد فيه، وقلنا: لا ينفسخ في الباقي، فله الخيار فيه. فإن أجاز، فالواجب قسطه من الثمن قطعا. كذا قاله الجمهور، لان الثمن يوزع عليهما في الابتداء. وطرد أبو إسحق المروزي فيه القولين. فرع لو باع ربويا بجنسه، فخرج بعض أحد العوضين مستحقا، وصححنا العقد في الباقي، فأجاز، فالواجب القسط بلا خلاف، لان الفصل بينهما حرام. فرع لو باع معلوما ومجهولا، لم يصح في المجهول، وينبني في المعلوم على ما لو كانا معلومين وأحدهما لغيره. فإن قلنا: لا يصح فيما له، لم يصح هنا في المعلوم، وإلا، فقولان، بناء على أنه كم يلزمه من الثمن ؟ فإن قلنا: الجميع، صح، ولزمه هنا أيضا جميع الثمن. وإن قلنا: القسط، لم يصح، لتعذر التقسيط. وحكي قول شاذ: أنه يصح، وله الخيار. فإن أجاز، لزمه جميع الثمن. فرع في الاشارة إلى طرف من مسائل الدور يتعلق بتفريق الصفقة واعلم أن محاباة المريض مرض الموت في البيع والشراء، حكمها حكم هبته وسائر تبرعاته، تعتبر من الثلث. فإذا باع المريض عبدا يساوي ثلاثين بعشرة، ولا مال له غيره، بطل البيع في بعض المبيع، وفي الباقي، طريقان. أصحهما عند الجمهور: أنه على قولي تفريق الصفقة. والثاني: القطع بالصحة، وهو الاصح عند صاحب التهذيب، لان المحاباة هنا وصية، وهي تقبل من الغرر ما لا يقبل غيرها. فإن صححنا بيع الباقي، ففي كيفيته قولان. ويقال: وجهان. أحدهما: يصح البيع في القدر الذي يحتمله الثلث، والقدر الذي يوازي الثمن بجميع الثمن، ويبطل في الباقي، فيصح في ثلثي العبد بالعشرة، ويبقى مع الورثة ثلث العبد وقيمته عشرة، والثمن وهو عشرة، وذلك مثل المحاباة وهي عشرة. ولا تدور المسألة على هذا القول. والثاني: أنه إذا ارتد البيع في بعض المبيع، وجب أن يرتد إلى المشتري ما يقابله من الثمن، فتدور المسألة، لان ما ينفذ فيه البيع، يخرج من التركة، وما يقابله من الثمن، يدخل فيها. ومعلوم أن ما ينفذ فيه البيع، يزيد بزيادة

(3/94)


التركة، وينقص بنقصها. ويتوصل إلى معرفة المقصود بطرق. منها، أن ينسب ثلث المال إلى قدر المحاباة. ويصحح البيع في المبيع بمثل نسبة الثلث من المحاباة. فنقول في هذه الصورة: ثلث المال عشرة، والمحاباة عشرون، والعشرة نصف العشرين، فيصح البيع في نصف العبد، وقيمته خمسة عشر، بنصف الثمن وهو خمسة، كأنه اشترى سدسه بخمسة، ووصى له بثلثه، ويبقى مع الورثة نصف العبد، وهو خمسة عشر، والثمن وهو خمسة، فالمبلغ عشرون. وذلك مثل المحاباة. واختلف الاصحاب في الاصح في هذين القولين، أو الوجهين، في الكيفية، فذهب الاكثرون إلى ترجيح الاول، وبه قال ابن الحداد. قال القفال والاستاذ أبو منصور البغدادي وغيرهما: هو المنصوص للشافعي رضي الله عنه. قالوا: والثاني: خرجه ابن سريج. وذهب آخرون إلى ترجيح الثاني، وهو اختيار أكثر الحساب، وبه قال ابن القاص، وابن اللبان، وتابعهما إمام الحرمين، وهذا أقوى في المعنى. ولو باع مريض صاع حنطة يساوي عشرين، بصاع لصحيح يساوي عشرة، ومات ولا مال له غيره، فإن قلنا بالقول الاول، فالبيع باطل فيهما بلا خلاف، لان مقتضاه صحة البيع في قدر الثلث وهو ستة وثلثان. وفيما يقابله من صاع الصحيح المشترى، وهو نصفه، فيكون خمسة أسداس صاع في مقابلة صاع، وذلك ربا. وإن قلنا بالثاني، صح البيع في ثلثي صاع المريض بثلثي صاع ا لصحيح، وبطل في الباقي. وقطع قاطعون بهذا الثاني هنا، لئلا يبطل غرض الميت في الوصية. قال في التهذيب: وهو الاصح. وطريقه: أن ثلث مال المريض ستة وثلثان، والمحاباة عشرة، والستة والثلثان ثلثا العشرة، فنفذ البيع في ثلثي صاع، ويثبت الخيار للصحيح، لتبعيض صفقته، ولا خيار لورثة الميت، لئلا يبطلوا المحاباة التي هي وصية، وهذا متفق عليه. وغلطوا صاحب التلخيص في إطلاقه قولين في ثبوت الخيار. ولو كانت المسألة بحالها، وصاع المريض يساوي ثلاثين، وقلنا: يتقسذ الثمن، صح البيع في نصف صاع بنصف صاع. ولو كانت بحالها وصاع المريض يساوي أربعين، صح البيع في أربعة أتساع الصاع بأربعة أتساع الصاع. ولو أتلف المريض الصاع الذي أخذه ثم مات، وفرعنا على القول الذي يجئ عليه الدور، صح البيع في ثلثة بثلث صاع صاحبه، سواء كانت قيمة

(3/95)


صاع المريض عشرين أو ثلاثين، أو أكثر، لان ما أتلفه قد نقص من ماله. أما ما صح البيع فيه، فهو ملكه، وقد أتلفه. وأما ما بطل فيه البيع، فعليه ضمانه، فينقص قدر الغرم من ماله. ومتى كثرت القيمة، كان المصروف إلى الغرم أقل، والمحاباة أكثر. ومتى قلت، كان المصروف إلى الغرم أكثر، والمحاباة أقل. مثاله: كانت قيمة صاع المريض عشرين، وصاع الصحيح عشرة، فمال المريض عشرون، وقد أتلف عشرة نحطها من ماله، يبقى عشرة كأنها كل ماله، والمحاباة عشرة، فثلث ماله هو ثلث المحاباة، فيصح البيع في ثلث الصاع، لان ثلث صاع المريض ستة وثلثان وثلث صاع، الصحيح: ثلاثة وثلث، فالمحاباة بثلاثة وثلث، وقد بقي في يد الورثة ثلثا صاع، وهو ثلاثة عشر وثلث، يؤدون منه قيمة ثلثي صاع الصحيح، وهو ستة وثلثان، تبقى في أيديهم ستة وثلثان، وهي مثلا المحاباة. فلو كانت بحالها وصاع المريض يساوي ثلاثين، فمال المريض ثلاثون، وقد أتلف عشرة نحطها من ماله، يبقى عشرون كأنها كل ماله، والمحاباة عشرون مثل ماله، فثلث ماله هو ثلث المحاباة، فصح البيع في ثلث صاع، لان ثلث صاع المريض عشرة، وثلث صاع الصحيح ثلاثة وثلث، فالمحاباة بستة وثلثين، وقد بقي في يد الورثة ثلثا صاع، وهو عشرون، يؤدون منه قيمة ثلثي صاع الصحيح، وهو ستة وثلثان، يبقى في أيديهم ثلاثة عشر وثلث، وهي مثلا المحاباة. الضرب الثاني من جمع الصفقة: أن يجمع عقدين مختلفي الحكم. فإذا جمع في صفقة بين إجارة وسلم، أو إجارة وبيع، أو سلم وبيع عين، أو صرف وغيره، فقولان. أظهرهما: يصح العقد فيهما. والثاني: لا يصح في واحد منهما.

(3/96)


وصورة الاجارة والسلم: أجرتك داري سنة، وبعتك كذا سلما بكذا. وصورة الاجارة والبيع: بعتك عبدي وأجرتك داري سنة بكذا. ولو جمع بيعا ونكاحا فقال: زوجتك جاريتي هذه، وبعتك عبدي هذا بكذا، والمخاطب ممن يحل له نكاح الامة، أو قال: زوجتك بنتي، وبعتك عبدها، وهي في حجره أو رشيدة وكلته في بيعه، صح النكاح بلا خلاف. وفي البيع والمسمى في النكاح، القولان. فإن صححنا، وزع المسمى على قيمة المبيع ومهر المثل، وإلا، وجب في النكاح مهر المثل. ولو جمع بيعا وكتابة، فقال لعبده: كاتبتك على نجمين، وبعتك ثوبي هذا جميعا بألف، فإن حكمنا بالبطلان في الصور السابقة، فهنا أولى، وإلا، فالبيع باطل، وفي الكتابة القولان. فصل محل القولين في مسائل الباب، إذا اتحدت الصفقة دون ما إذا تعددت، حتى لو باع ماله في صفقة، ومال غيره في صفقة أخرى، صح في ماله بلا خلاف. وأما بيان تعددها واتحادها، فطريقه أن يقول: إذا سمى لكل واحد من الشيئين ثمنا مفصلا فقال: بعتك هذا بكذا، وهذا بكذا، فقبل المشتري كذلك

(3/97)


على التفصيل، فهما عقدان متعددان. ولو جمع المشتري في القبول فقال: قبلت فيهما، فكذلك على المذهب، لان القبول يترتب على الايجاب. فإذا وقع مفسرا، فكذلك القبول. وقيل: إن الصفقة متحدة، وهو شاذ. وتتعدد الصفقة أيضا بتعدد البائع وإن اتحد المشتري والمعقود عليه، كما إذا باع رجلان عبدا لرجل صفقة واحدة. وهل تتعدد بتعدد المشتري، مثل أن يشتري رجلان من رجل عبدا ؟ فقولان. أظهرهما: تعدد كالبائع. والثاني: لا، لان المشتري بان على الايجاب السابق، فالنظر إلى من أوجب العقد. وللتعدد والاتحاد فوائد غير ما ذكرنا. منها: إذا حكمنا بالتعدد، فوزن أحد المشتريين نصيبه من الثمن، لزم البائع تسليم قسطه من المبيع بتسليم المشاع. وإن قلنا بالاتحاد، لم يجب تسليم شئ إلى أحدهما وإن وزن جميع ما عليه، حتى يزن الآخر، لثبوت حق الحبس، كما لو اتحد المشتري وسلم بعض الثمن، لا يسلم إليه قسطه من المبيع. وفيه وجه: أنه يسلم إليه القسط إذا كان مما يقبل القسمة، وهو شاذ. ومنها: إذا قلنا بالتعدد، فخاطب رجل رجلين، فقال: بعتكما هذا العبد بألف، فقبل أحدهما نصف بخمسمائة، أو قال مالكا عبد لرجل: بعناك هذا العبد بألف، فقبل نصيب أحدهما بعينه بخمسمائة، لم يصح على الاصح. فرع إذا وكل رجلان رجلا في البيع، أو الشراء، وقلنا: الصفقة تتعدد بتعدد المشتري، أو وكل رجلين في البيع أو الشراء، فهل الاعتبار في تردد العقد واتحاده بالعاقد، أو المعقود له ؟ فيه أوجه. أصحها عند الاكثرين: أن الاعتبار بالعاقد، وبه قال ابن الحداد، لان أحكام العقد تتعلق به. ألا ترى أن المعتبر رؤيته دون رؤية الموكل، وخيار المجلس يتعلق به دون الموكل. والثاني: الاعتبار بالمعقود له، قاله أبو زيد، والخضري، وصححه الغزالي في الوجيز، لان الملك له. والثالث: الاعتبار في طرف البيع بالمعقود له، وفي الشراء بالعاقد، قاله أبو إسحق المروزي. والفرق، أن العقد يتم في الشراء بالمباشر دون المعقود له. ولهذا، لو أنكر المعقود له الاذن في المباشرة، وقع العقد للمباشر، بخلاف طرف

(3/98)


البيع. قال الامام: وهذا الفرق فيما إذا كان التوكيل بالشراء في الذمة. فإن وكله بشراء عبد بثوب معين، فهو كالتوكيل بالبيع. والرابع: الاعتبار في جانب الشراء بالموكل وفي البيع بهما جميعا، فأيهما تعدد، تعدد العقد اعتبارا بالشقص المشفوع، فإن العقد يتعدد بتعدد الموكل في حق الشفيع، ولا يتعدد بتعدد الوكيل. ويتفرع على هذا الاوجه، مسائل. منها: لو اشترى شيئا بوكالة رجلين، فخرج معيبا، فإن اعتبرنا العاقد، فليس لاحد الموكلين إفراد نصيبه بالرد، كما لو اشترى ومات عن ابنين وخرج معيبا، لم يكن لاحدهما إفراد نصيبه بالرد. وهل لاحد الموكلين والابنين أخذ الارش ؟ إن وقع اليأس من رد الآخر، بأن رضي به، فنعم، وإن لم يقع، فكذلك على الاصح. ومنها: لو وكل رجلان رجلا ببيع عبد لهما، أو وكل أحد الشريكين صاحبه، فباع الكل، ثم خرج معيبا، فعلى الوجه الاول: لا يجوز للمشتري رد نصيب أحدهما. وعلى الاوجه الاخر: يجوز. ولو وكل رجل رجلين في بيع عبده، فباعاه لرجل، فعلى الوجه الاول: يجوز للمشتري رد نصيب أحدهما. وعلى الاوجه الاخر: لا يجوز. ولو وكل رجلان رجلا في شراء عبد، أو وكل رجل رجلا في شراء عبد له ولنفسه، ففعل، وخرج العبد معيبا، فعلى الوجه الاول والثالث: ليس لاحد الموكلين إفراد نصيبه بالرد. وعلى الثاني والرابع: يجوز. وقال القفال: إن علم البائع أنه يشتري لهما، فلاحدهما رد نصيبه لرضى البائع بالتشقيص. وإن جهله، فلا. ومنها: لو وكل رجلان رجلا في بيع عبد، ورجلان رجلا في شرائه، فتبايع الوكيلان، فخرج معيبا، فعلى الوجه الاول: لا يجوز التفريق. وعلى الوجوه الاخر: يجوز. ولو وكل رجل رجلين في بيع عبد، ووكل رجل آخرين في شراء، فتبايع الوكلاء، فعلى الوجه الاول: يجوز التفريق. وعلى الاوجه الاخر: لا يجوز

(3/99)


باب خيار المجلس والشرط الخيار ضربان. خيار نقص، وهو ما يتعلق بفوات شئ مظنون الحصول. وخيار شهوة، وهو ما لا يتعلق بفوات شئ. فالاول، له باب نذكره بعد هذا إن شاء الله تعالى. وأما الثاني، فله سببان: المجلس، والشرط. وإذا صححنا بيع الغائب، أثبتنا خيار الرؤية، فتصير الاسباب ثلاثة. السبب الاول كونهما مجتمعين في مجلس العقد، فلكل واحد من المتبايعين الخيار في فسخ البيع ما لم يتفرقا أو يتخايرا.
فصل في بيان العقود التي يثبت فيها خيار المجلس والتي لا تثبت فيها العقود، ضربان. أحدهما: العقود الجائزة، إما من الجانبين، كالشركة، والوكالة، والقراض، والوديعة، والعارية، وإما من أحدهما، كالضمان، والكتابة، فلا خيار فيها، وكذا الرهن، لكن لو كان الرهن مشروطا في بيع وأقبضه قبل التفرق، أمكن فسخ الرهن، بأن يفسخ البيع، فينفسخ الرهن تبعا. وحكي وجه: أنه يثبت الخيار في الكتابة والضمان، وهو شاذ ضعيف. الضرب الثاني: العقود اللازمة، وهي نوعان. واردة على العين، وواردة على المنفعة. فالاول: كالصرف، وبيع الطعام بالطعام، والسلم، والتولية، والتشريك، وصلح المعاوضة، فيثبت فيها جميعا خيار المجلس، وتستثنى صور.

(3/100)


إحداها: إذا باع ماله لولده أو بالعكس، ففي ثبوت خيار المجلس، وجهان. أصحهما: يثبت. فعلى هذا، يثبت خيار للاب، وخيار للولد، والاب نائبه. فإن ألزم البيع لنفسه وللولد، لزم. وإن ألزم لنفسخ، بقي الخيار للولد. وإذا فارق المجلس، لزم العقد على الاصح. والثاني: لا يلزم إلا بالالزام، لانه لا يمكن أن يفارق نفسه وإن فارق المجلس. الثانية: لو اشترى من يعتق عليه، كأبيه وابنه، قال جمهور الاصحاب: يبنى ثبوت خيار المجلس على أقوال الملك في زمن الخيار. فإن قلنا: إنه للبائع، فلهما الخيار، ولا نحكم بالعتق حتى يمضي زمن الخيار. وإن قلنا: موقوف، فلهما الخيار. وإذا أمضينا العقد، تبينا أنه عتق بالشراء. وإن قلنا: الملك للمشتري، فلا خيار له، ويثبت للبائع. ومتى يعتق ؟ وجهان. أصحهما: لا يحكم بعتقه حتى يمضي زمن الخيار، ثم نحكم يومئذ بعتقه من يوم الشراء. والثاني: نحكم بعتقه حين الشراء. وعلى هذا، هل ينقطع خيار البائع ؟ وجهان كالوجهين في ما إذا أعتق المشتري العبد الاجنبي في زمن الخيار، وقلنا: الملك له. قال في التهذيب: ويحتمل أن نحكم بثبوت الخيار للمشتري أيضا، تفريعا على أن الملك له، وأن لا يعتق العبد في الحال، لانه لم يوجد منه الرضى إلا بأصل العقد. هذه طريقة الجمهور. وقال إمام الحرمين: المذهب، أنه لا خيار. وقال الاودني: يثبت، وتابع الغزالي إمامه على ما اختاره، وهو شاذ، والصحيح ما سبق عن الاصحاب. الثالثة: الصحيح: أن شراء العبد نفسه من سيده، جائز. وفي ثبوت خيار المجلس، وجهان حكاهما أبو حسن العبادي، ومال إلى ترجيح ثبوته، وقطع الغزالي وصاحب التتمة بعدم ثبوته. الرابعة: في ثبوت الخيار في شراء الجمد في شدة الحر، وجهان، لانه يتلف بمضي الزمان. الخامسة: إن صححنا بيع الغائب، ولم نثبت خيار المجلس مع خيار

(3/101)


الرؤية، فهذا البيع من صور الاستثناء. السادسة: إن باع بشرط نفي خيار المجلس، فثلاثة أوجه سنذكرها قريبا إن شاء الله تعالى. أحدها: يصح البيع والشرط. فعلى هذا، تكون هذه الصورة مستثناة، هذا حكم المبيع بأنواعه. ولا يثبت خيار المجلس في صلح الحطيطة، ولا في الابراء، ولا في الاقالة إن قلنا: إنها فسخ، وإن قلنا: إنها بيع، ففيها ا لخيار. ولا يثبت في الحوالة إن قلنا: إنها ليست معاوضة، وإن قلنا: معاوضة، فكذا أيضا على الاصح، لانها ليست على قواعد المعاوضات. ولا يثبت في الشفعة للمشتري، وفي ثبوته للشفيع، وجهان. فإن أثبتناه، فقيل: معناه: أنه بالخيار بين الاخذ والترك ما دام في المجلس مع تفريعنا على قول الفور. قال إمام الحرمين: هذا غلط، بل الصحيح: أنه على الفور. ثم له الخيار في نقض الملك ورده. ومن اختار عين ماله لافلاس المشتري، فلا خيار له، وفي وجه ضعيف: له الخيار، ما دام في المجلس. ولا خيار في الوقف كالعتق، ولا في الهبة إن لم يكن ثواب. فإن كان ثواب مشروط، أو قلنا: يقتضيه الاطلاق، فلا خيار أيضا على الاصح، لانه لا يسمى بيعا، والحديث ورد في المتبايعين. ويثبت الخيار في القسمة، إن كان فيها رد، زإلا، فإن جرت بالاجبار، فلا خيار، وإن جرت بالتراضي، فإن قلنا: إنها إقرار، فلا خيار، وإن قلنا: بيع، فكذا على الاصح. النوع الثاني: العقد الوارد على المنفعة. فمنه: النكاح، ولا خيار فيه، ولا خيار في الصداق على الاصح. فإن

(3/102)


أثبتناه، ففسخت، وجب مهر المثل. وعلى هذين الوجهين، ثبوت خيار المجلس في عوض الخلع، ولا تندفع الفرقة بحال. ومنه: الاجارة، وفي ثبوت خيار المجلس فيها، وجهان. أصحهما عند صاحب المهذب وشيخه الكرخي: يثبت، وبه قال الاصطخري وصاحب التلخيص، وأصحهما عند الامام وصاحب التهذيب والاكثرين: لا يثبت، وبه قال أبو إسحق وابن خيران. قال القفال في طائفة: الخلاف في إجارة العين. أما الاجارة على الذمة، فيثبت فيها قطعا كالسلم. فإن أثبتنا الخيار في إجارة العين، ففي ابتداء مدتها، وجهان. أحدهما: من وقت انقضاء الخيار بالتفرق. فعلى هذا، لو أراد المؤجر أن يؤجره لغيره في مدة الخيار، قال الامام: لم يجزه أحد فيما أظن، وإن كان محتملا في القياس. وأصحهما: أنها تحسب من وقت العقد. فعلى هذا، على من تحسب مدة الخيار ؟ إن كان قبل تسليم العين إلى المستأجر، فهي محسوبة على المؤجر. وإن كانت بعده، فوجهان، بناء على أن المبيع إذا هلك في يد المشتري في زمن الخيار، من ضمان من يكون ؟ الاصح: أنه من ضمان المشتري. فعلى هذا، يحسب على المستأجر، وعليه تمام الاجرة. والثاني: من ضمان البائع. فعلى هذا، يحسب على المؤجر، ويحط من الاجرة قدر ما يقابل تلك المدة. وأما المساقاة، ففي ثبوت خيار المجلس فيها، طريقان. أصحهما: على الخلاف في الاجارة. والثاني: القطع بالمنع، لعظم الغرر فيها، فلا يضم إليه غرر الخيار. والمسابقة، كالاجارة، إن قلنا: إنها لازمة، وكالعقود الجائزة، إن قلنا: جائزة. فرع لو تبايعا بشرط نفي خيار المجلس، فثلاثة أوجه: أصحها: البيع

(3/103)


باطل، والثاني: أنه صحيح، ولا خيار. والثالث: صحيح، والخيار ثابت ولو شرط نفي خيار الرؤية على قول صحة بيع الغائب، فالمذهب: أن البيع باطل، وبه قطع الاكثرون. وطرد الامام، والغزالي فيه الخلاف. وهذا الخلاف، يشبه الخلاف في شرط البراءة من العيوب. ويتفرع على نفي خيار المجلس ما إذا قال لعبده: إن بعتك، فأنت حر، ثم باعه بشرط نفي الخيار، فإن قلنا: البيع باطل، أو صحيح، ولا خيار، لم يعتق. وإن قلنا: صحيح، والخيار ثابت، عتق، لان عتق البائع في مدة الخيار نافذ.
فصل فيما ينقطع به خيار المجلس وجملته: أن كل عقد ثبت فيه هذا الخيار، فإنه ينقطع بالتخاير، وينقطع أيضا بأن يتفرقا بأبدانهما عن مؤلس العقد. أما التخاير، فهو أن يقولا: تخايرنا، أو اخترنا إمضاء العقد، أو أمضيناه، أو أجزناه، أو ألزمناه، وما أشبهها. فلو قال أحدهما: اخترت إمضاءه، انقطع خياره، وبقي خيار الآخر، كما إذا أسقط أحدهما خيار الشرط. وفي وجه ضعيف: لا يبقى خيار الآخر، لان هذا الخيار لا يتبعض ثبوته، فلا يتبعض سقوطه. ولو قال أحدهما لصاحبه: اختر أو خيرتك، فقال الآخر: اخترت، انقطع خيارهما. وإن سكت، لم ينقطع خياره، وينقطع خيار القائل على الاصح، لانه دليل الرضى. ولو أجاز واحد، وفسخ الآخر، قدم الفسخ. ولو تقابضا في المجلس، وتبايعا العوضين بيعا ثانيا، صح البيع الثاني أيضا على المذهب، وبه قطع الجمهور، لانه رضى بلزوم الاول. وقيل: إنه يبنى على أن الخيار، هل يمنع انتقال الملك ؟ إن قلنا: يمنع، لم يصح. ولو تقابضا في الصرف، ثم أجازا في المجلس، لزم العقد. فإن أجازاه قبل التقابض، فوجهان. أحدهما: تلغو الاجازة، فيبقى الخيار. والثاني: يلزم العقد، وعليهما التقابض. فإن تفرقا قبل التقابض، انفسخ العقد، ولا يأثمان إن تفرقا عن تراض. وإن انفرد أحدهما بالمفارقة، أثم. وأما التفرق، فأن يتفرقا بأبدانهما، فلو أقاما في ذلك لمجلس مدة متطاولة، أو قاما وتماشيا مراحل، فهما على خيارهما. هذا هو الصحيح، وبه قطع

(3/104)


الجمهور. وحكي وجه: أنه لا يزيد على ثلاثة أيام. ووجه: أنهما لو شرعا في أمر آخر، وأعرضا عما يتعلق بالعقد، وطال الفصل، انقطع الخيار. ثم الرجوع في التفرق إلى العادة. فما عده الناس تفرقا، لزم به العقد. فلو كانا في دار صغيرة، فالتفرق أن يخرج أحدهما منها، أو يصعد السطح. وكذا لو كانا في مسجد صغير، أو سفينة صغيرة. فإن كانت الدار كبيرة، حصل التفرق بأن يخرج أحدهما من البيت إلى الصحن، أو من الصحن إلى بيت أو صفة. وإن كانا في صحراء أو في سوق، فإذا ولى أحدهما ظهره ومشى قليلا، حصل التفرق على الصحيح. وقال الاصطخري: يشترط أن يبعد عن صاحبه بحيث لو كلمه على العادة من غير رفع الصوت، لم يسمع كلامه. ولا يحصل التفرق، بأن يرخى ستر بينهما، أو يشق نهر. ولا يحصل ببناء جدار بينهما من طين أو جص على الاصح. وصحن الدار والبيت الواحد إذا تفاحش اتساعهما، كالصحراء. فرع لو تناديا متباعدين، وتبايعا، صح البيع. قال الامام: يحتمل أن يقال: لا خيار لهما، لان التفرق الطارئ يقطع الخيار، فالمقارن يمنع ثبوته. ويحتمل أن يقال: يثبت ما داما في موضعهما، وبهذا قطع صاحب التتمة. ثم إذا فارق أحدهما موضعه، بطل خياره. وهل يبطل خيار الآخر، أم يدوم إلى أن يفارق مكانه ؟ فيه احتمالان للامام. قلت: الاصح: ثبوت الخيار، وأنه متى فارق أحدهما موضعه، بطل خيار الآخر. ولو تبايعا وهما في بيتين من دار أو صحن وصفة، ينبغي أن يكونا كالمتباعدين فيما ذكرنا، وأن يثبت الخيار حتى يفارق أحدهما. والله أعلم. فرع لو مات أحدهما في المجلس، نص أن الخيار لوارثه، وقال في المكاتب: إذا باع ومات في المجلس، وجب البيع. وللاصحاب ثلاث طرق. أصحها: في المسألتين قولان. أظهرهما: يثبت الخيار للوارث والسيد، كخيار الشرط والعيب. والثاني: يلزم، لانه أبلغ من المفارقة بالبدن. والطريق الثاني:

(3/105)


يثبت لهما قطعا. وقوله في المكاتب: وجب البيع، معناه: لا يبطل، بخلاف الكتابة. والثالث: تقرير النصين. والفرق، بأن الوارث خليفة الميت، بخلاف السيد. وحكي قول مخرج من خيار المجلس في خيار الشرط: أنه لا يورث، وهو شاذ. ولو باع العبد المأذون، أو اشترى، ومات في المجلس، فكالمكاتب. وكذا الوكيل بالشراء إذا مات في المجلس، هل للموكل الخيار ؟ فيه الخلاف كالمكاتب. هذا إذا فرغنا على الصحيح أن الاعتبار بمجلس التوكيل. وفي وجه: يعتبر مجلس الموكل، وهو شاذ. ثم إن لم يثبت الخيار للوارث، فقد انقطع خيار الميت. وأما الحي، ففي التهذيب: أن خياره لا ينقطع حتى يفارق ذلك المجلس. وقال الامام: يلزم العقد من الجانبين، ويجوز تقدير خلاف فيه، لما سبق أن هذا الخيار لا يتبعض سقوطه كثبوته. قلت: قول صاحب التهذيب أصح، وفيه وجه ثالث حكاه القاضي حسين: يمتد حتى يجتمع هو والوارث. ورابع حكاه الروياني: أنه ينقطع خياره بموت صاحبه. فإذا بلغ الخبر الوارث، حدث لهذا الخيار معه. والله أعلم. وإن قلنا: يثبت الخيار للوارث، فإن كان حاضرا في المجلس، امتد الخيار بينه وبين العاقد الآخر حتى يتفرقا أو يتخايرا. وإن كان غائبا، فله الخيار إذا وصل الخبر إليه. وهل هو على الفور، أم يمتد امتداد مجلس بلوغ الخبر إليه ؟ وجهان كالوجهين في خيار الشرط إذا ورثه الوارث وبلغه الخبر بعد مضي مدة الخيار، ففي وجه: يمتد كما كان يمتد للميت لو بقي. ومنهم من بناهما على وجهين في كيفية ثبوته للعاقد الباقي. أحدهما: له الخيار ما دام في مجلس العقد. فعلى هذا، يكون خيار الوارث في المجلس الذي يشاهد فيه المبيع. والثاني: يتأخر خياره إلى أن يجتمع هو والوارث في مجلس، فحينئذ يثبت الخيار للوارث. قلت: حاصل الخلاف في خيار المجلس للوارث الغائب، أربعة أوجه. منها ثلاثة جمعها القاضي حسين. أصحها: يمتد الخيار حتى يفارق مجلس الخبر. والثاني: حتى يجتمعا. والثالث: على الفور. والرابع: يثبت له الخيار إذا أبصر المبيع، ولا يتأخر. والله أعلم. فرع إذا ورثه اثنان فصاعدا، وكانوا حضورا في مجلس العقد، فلهم

(3/106)


الخيار إلى أن يفارقوا العاقد الآخر، ولا ينقطع بمفارقة بعضهم على الاصح. وإن كانوا غائبين عن المجلس، قال في التتمة: إن قلنا في الوارث الواحد: يثبت الخيار في مجلس مشاهدة المبيع، فههم الخيار إذا اجتمعوا في مجلس واحد. وإن قلنا: له الخيار إذا اجتمع هو والعاقد، فكذا لهم الخيار إذا اجتمعوا به. ومتى فسخ بعضهم، وأجاز بعضهم، ففي وجه: لا ينفسخ في شئ والاصح: أنه ينفسخ في الجميع، كالمورث إذا فسخ في حياته في البعض وأجاز في البعض. قلت: وسواء فسخ بعضهم في نصيبه فقط، أو في الجميع. والله أعلم فرع إذا حمل أحد المتعاقدين، فأخرج من المجلس مكرها، فإن منع الفسخ بأن سد فمه، لم ينقطع خياره على المذهب. وقيل: وجهان كالقولين في الموت، وهنا أولى ببقائه، لان إبطال حقه قهرا، بعيد. وإن لم يمنع الفسخ، فطريقان. أحدهما: ينقطع. وأصحهما: على وجهين. أصحهما: لا ينقطع. فإن قلنا: ينقطع خياره، انقطع أيصا خيار الماكث، وإلا، فله التصرف بالفسخ والاجارة إذا تمكن. وهل هو على الفور ؟ فيه الخلاف السابق. فإن قلنا: لا يتقيد بالفور، وكان مستقرا حين زايله الاكراه في المجلس، امتد الخيار امتداد ذلك المجلس. وإن كان مارا، فإذا فارق في مروره مكان التمكن، انقطع خياره، وليس عليه الانقلاب إلى مجلس العقد ليجتمع بالعاقد الآخر إن طال الزمان. وإن قصر، ففيه احتمال للامام. وإذا لم يبطل خيار المخرج، لم يبطل خيار الماكث أيضا إن منع الخروج معه، وإلا، بطل على الاصح. ولو ضربا حتى تفرقا بأنفسهما، ففي انقطاع الخيار قولان كحنث المكر. ولو هرب أحدهما ولم يتبعه الآخر مع التمكن، بطل خيارهما، وإن لم يتمكن بطل خيار الهارب وحده، قاله في التهذيب. قلت: أطلق الفوراني، والمتولي، وصاحبا العدة والبيان وغيرهم: أنه يبطل خيارهما بلا تفصيل، وهو الاصح، لانه تمكن من الفسخ بالقول، ولان

(3/107)


الهارب فارق مختارا، بخلاف المكره، فإنه لا فعل له. والله أعلم. فرع لو جن أحدهما، أو أغمي عليه، لم ينقطع الخيار، بل يقوم وليه أو الحاكم مقامه، فيفعل ما فيه الحظ من الفسخ والاجازة. وفي وجه مخرج من الموت: أنه ينقطع. ولو خرس أحدهما في المجلس، فإن كانت له إشارة مفهومة، أو كتابة، فهو على خياره، وإلا، نصب الحاكم نائبا عنه. فرع لو جاء المتعاقدان معا، فقال أحدهما: تفرقنا بعد البيع، فلزم، وأنكر الثاني التفرق، وأراد الفسخ، فالقول قول الثاني مع يمينه، للاصل. ولو اتفقا على التفرق، وقال أحدهما: فسخت قبله، وأنكر الآخر، فالقول قول المنكر مع يمينه على الصحيح، وعلى الثاني: قول مدعي الفسخ، لانه أعلم بتصرفه. ولو اتفقا على عدم التفرق، وادعى أحدهما الفسخ، وأنكر الآخر، فدعواه الفسخ، فسخ. السبب الثاني للخيار: الشرط. يصح خيار الشرط بالاجماع، ولا يجوز أكثر من ثلاثة أيام، فإن زاد، بطل البيع، ويجوز دون الثلاثة. فلو كان المبيع مما يتسارع إليه الفساد، فهل يبطل البيع، أو يصح ويباع عند الاشراف على الفساد، ويقام ثمنه مقامه ؟ وجهان حكاهما صاحب البيان.

(3/108)


قلت: أصحهما: الاول. والله أعلم ويشترط أن تكون المدة متصلة بالعقد. فلو شرطا خيار ثلاثة فما دونها من آخر الشهر، أو متى شاءا، أو شرطا خيار الغد دون اليوم، بطل البيع. ولا يجوز شرط الخيار مطلقا، ولا تقديره بمدة مجهولة. فإن فعل، بطل العقد، ولو شرطا الخيار إلى وقت طلوع الشمس من الغد، جاز. ولو قالا: إلى طلوعها، قال الزبيري: لا يجوز، لان السماء قد تغيم فلا تطلع، وهذا بعيد، فإن التغيم إنما يمنع من الاشراق واتصال الشعاع، لا من الطلوع. واتفقوا على أنه يجوز أن يقول: إلى الغروب، وإلى وقت الغروب. قلت: الاصح: خلاف قول الزبيري. والله أعلم. ولو تبايعا نهارا بشرط الخيار إلى الليل، أو عكسه، لم يدخل فيه الليل والنهار، كما لو باع بألف إلى رمضان، لا يدخل رمضان في الاجل. فرع لو باع عبدين بشرط الخيار في أحدهما لا بعينه، بطل البيع، كما لو باع أحدهما لا بعينه. ولو شرط الخيار في أحدهما بعينه، ففيه قولا الجمع بين مختلفي الحكم، وكذا لو شرط في أحدهما خيار يوم، وفي الآخر، يومين. فإن صححنا البيع، ثبت الخيار فيما شرط كما شرط. ولو شرط الخيار فيهما، ثم أراد ا لفسخ في أحدهما، فعلى قولي تفريق الصفقة في الرد بالعيب. ولو اشترى اثنان شيئا من واحد صفقة واحدة بشرط الخيار، فلاحدهما الفسخ في نصيبه، كما في الرد بالعيب. ولو شرط لاحدهما الخيار، دون الآخر، صح البيع على الاظهر. فرع لو اشترى بشرط أنه إن لم ينقده الثمن في ثلاثة أيام، فلابيع بينهما، أو باع بشرط أنه إن رد الثمن في ثلاثة أيام، فلا بيع بينهما، بطل البيع، كما لو تبايعا بشرط أنه إن قدم زيد اليوم، فلا بيع بينهما، هذا هو الصحيح. وعن أبي إسحق: أنه يصح العقد، والمذكور في الصورة الاولى: شرط الخيار للمشتري. وفي الثانية: شرط للبائع. فرع قد اشتهر في الشرع، أن قوله: لا خلابة، عبارة عن اشتراط

(3/109)


الخيار ثلاثة أيام. فإذا أطلقاها عالمين بمعناها، كان كالتصريح بالاشتراط. وإن كانا جاهلين، لم يثبت الخيار. فإن علم البائع دون المشتري، فوجهان. قلت: الصحيح: أنه لا يثبت. والله إعلم. فرع إذا شرطا الخيار ثلاثة أيام، ثم أسقطا اليوم الاول، سقط الكل. فرع إذا تبايعا بشرط الخيار ثلاثة فما دونها، فابتداء المدة من وقت العقد، أم من وقت التفرق، أو التخاير ؟ فيه وجهان. أصحهما: الاول. وأما ابتداء مدة الاجل، فإن جعلنا الخيار من العقد، فالاجل أولى، وإلا، فوجهان. فإذا قلنا: ابتداء الخيار من العقد، فانقضت المدة وهما مصطحبان بعد، انقطع خيار الشرط، وبقي خيار المجلس. وإن تفرقا والمدة باقية، فالحكم بالعكس. ولو أسقطا أحد الخيارين، لم يسقط الآخر. ولو قالا: ألزمنا العقد، أو أسقطنا الخيار مطلقا، سقطا. ولو شرطا الابتداء من وقت التفرق، بطل العقد على الصحيح. وفي وجه يصح البيع والشرط. وأما إذا قلنا: ابتداء الخيار من التفرق: فإذا تفرقا، انقطع خيار المجلس، واستؤنف خيار الشرط. ولو أسقطا الخيار قبل التفرق، بطل خيار المجلس، ويبطل الآخر على الاصح، لانه غير ثابت. ولو شرطا ابتداءه من حين العقد، فوجهان. أصحهما: يصح العقد والشرط. ولو شرطا الخيار بعد العقد وقبل التفرق، وقلنا بثبوته، فالحكم على الوجه الثاني لا يختلف، وعلى الاول: يحسب من وقت الشرط، لا من وقت العقد، ولا من التفرق. فرع من له خيار الشرط، له فسخ العقد حضر صاحبه أو غاب، ولا يفتقر نفوذ هذا الفسخ إلى الحاكم.
فصل فيما يثبت فيه خيار الشرط من العقود وما لا يثبت والقول الجملي فيه: أنه مع خيار المجلس يتلازمان في الاغلب، لكن خيار المجلس أسرع وأولى ثبوتا من خيار الشرط، فربما انفكا لذلك، فإذا أردت التفصيل فراجع ما سبق في خيار المجلس. واعلم بأنهما متفقان في صورة الخلاف والوفاق، إلا أن البيوع التي يشترط فيها

(3/110)


التقابض في المجلس، كالصرف، وبيع الطعام بالطعام، أو القبض في أحد العوضين، كالسلم، لا يجوز شرط الخيار فيها وإن ثبت خيار المجلس، وإلا أن خيار الشرط لا يثبت في الشفعة بلا خلاف. وكذا في الحوالة على ما حكاه العراقيون، وإلا أن الوجه الغريب المذكور في خيار المجلس للبائع لمفلس، لم يطردوه هنا، وإلا أن في الهبة بشرط الثواب طريقة قاطعة تنفي خيار الشرط، وإلا أن في الاجارة أيضا طريقة مثل ذلك. وحكم شرط الخيار في الصداق، مذكور في كتاب الصداق.
فصل يجوز شرط الخيار للعاقدين ولاحدهما بالاجماع. ويجوز أن يشرط لاحدهما يوم، وللآخر يومان أو ثلاثة. فإن شرطه لغيرهما، فإن كان الغير أجنبيا، فقولان. أحدهما: يفسد البيع. وأظهرهما: يصح البيع والشرط، ويجري القولان في بيع العبد بشرط الخيار للعبد. ولا فرق على القولين بين أن يشرطا جميعا أو أحدهما الخيار لشخص واحد، وبين أن يشرط هذا الخيار لواحد، وهذا لآخر. فإذا قلنا بالاظهر، ففي ثبوت الخيار للشارط أيضا قولان، أو وجهان. أظهرهما، وهو ظاهر نصه في الصرف: أنه لا يثبت، اقتصارا على الشرط. فإذا لم نثبت الخيار للعاقد مع الاجنبي، فمات الاجنبي في زمن الخيار، ثبت له الآن على الاصح. وإن أثبتنا الخيار للعاقد مع الاجنبي، فلكل واحد منهما الاستقلال بالفسخ. ولو فسخ أحدهما، وأجاز الآخر، فالفسخ أولى. ولو اشترى شيئا على أن يؤامر فلانا، فيأتي بما يأمره به من الفسخ والاجازة، فالمنصوص: أنه يجوز، وليس له الرد حتى يقول: استأمرته، فأمرني بالفسخ. وتكلموا فيه من وجهين، أحدهما: أنه لماذا شرط أن يقول: استأمرته ؟ قال الذين خصوا الخيار المشروط للاجنبي به: هذا جواب على المذهب الذي قلناه ومؤيد له. وقال الآخرون: إنه مذكور احتياطا. والوجه الثاني: أنه أطلق في التصوير شرط

(3/111)


المؤامرة، فهل يحتمل ذلك ؟ الصحيح: أنه لا يحتمل، واللفظ محمول على ما إذا قيد المؤامرة بالثلاث فما دونها. وقيل: يحتمل الاطلاق والزيادة على الثلاث، كخيار الرؤية. أما إذا كان ذلك الغير هو الموكل، فيثبت الخيار للموكل فقط، وللوكيل بالبيع والشراء شرط الخيار للموكل على الاصح، لان ذلك لا يضره. وطرد الشيخ أبو علي الوجهين في شرط الخيار لنفسه أيضا. وليس للوكيل في البيع شرط الخيار للمشتري، ولا للوكيل في الشراء شرطه للبائع، فإن خالف، بطل العقد. وإذا شرط الخيار لنفسه، وجوزناه، أو أذن فيه صريحا، ثبت له الخيار، ولا يفعل إلا ما فيه الحظ للموكل، لانه مؤتمن، بخلاف الاجنبي المشروط له الخيار، لا يلزمه رعاية الحظ، هكذا ذكروه. ولقائل أن يجعل شرط الخيار له ائتمانا، وهذا أظهر إذا جعلناه نائبا عن العاقد. ثم هل يثبت للموكل الخيار معه في هذه الصورة ؟ فيه الخلاف المذكور فيما إذا شرط للاجنبي، هل يثبت للعاقد ؟ وحكى الامام فيما إذا أطلق الوكيل شرط الخيار بالاذن المطلق من الموكل، ثلاثة أوجه، أن الخيار يثبت للوكيل، أو للموكل، أم لهما ؟ قلت: أصحهما: للوكيل. ولو حضر الموكل مجلس العقد، فحجر على الوكيل في خيار المجلس، فمنعه الفسخ والاجازة، فقد ذكر الغزالي كلاما معناه: أن فيه احتمالين. أحدهما: يجب الامتثال، وينقطع خيار الوكيل، قال: وهو مشكل، لانه يلزم منه رجوع الخيار إلى الموكل، وهو مشكل. والثاني: لا يمتثل، لانه من لوازم السبب السابق، وهو البيع، ولكنه مشكل، لانه يخالف شأن الوكالة التي مقتضاها امتثال قول الموكل، وهذا الثاني أرجح، وهذا معنى كلام الغزالي في البسيط والوسيط. وليس في المسألة خلاف وإن كانت عبارته موهمة إثبات خلاف. والله أعلم. فصل ملك المبيع في زمن الخيار لمن ؟ فيه ثلاثة أقوال: أحدها، للمشتري، والملك في الثمن للبائع. والثاني: للبائع، والملك في الثمن للمشتري. والثالث: موقوف. فإن تم البيع، بان حصول الملك للمشتري بنفس البيع، وإلا، بان أن ملك البائع لم يزل. وكذا يتوقف في الثمن.

(3/112)


وفي موضع الاقوال، طرق. أحدها: أنها إذا كان الخيار لهما، إما بالشرط، وإما بالمجلس. أما إذا كان لاحدهما، فهو مالك المبيع، لنفوذ تصرفه. والثاني: أنه لا خلاف في المسألة، ولكن إن كان الخيار للبائع، فالملك له. وإن كان للمشتري، فله. وإن كان لهما، فموقوف. وتنزل الاقوال على هذه الاحوال. والثالث: طرد الاقوال في جميع الاحوال، وهو الاصح عند عامة الاصحاب، منهم العراقيون، والحليمي. وأما الاظهر من الاقوال، فقال الشيخ أبو حامد ومن نحا نحوه: الاظهر: أن الملك للمشتري، وبه قال الامام. وقال آخرون، الاظهر: الوقف، وبه قال صاحب التهذيب، والاشبه: توسط ذكره جماعة، وهو أنه إن كان الخيار للبائع، فالاظهر: بقاء الملك له. وإن كان للمشتري، فالاظهر: انتقاله إليه. وإن كان لهما، فالاظهر: الوقف. التفريع. لهذه الاقوال، فروع كثيرة. منها: ما يذكر في أبوابه. ومنها: ما يذكر هنا. فمن ذلك، كسب العبد والامة المبيعين في زمن الخيار، فإن تم البيع، فهو للمشتري إن قلنا: الملك له، أو موقوف. وإن قلنا: للبائع، فوجهان. قال الجمهور: الكسب للبائع، لان الملك له عند حصوله. وقال أبو علي الطبري: للمشتري. وإن فسخ البيع، فهو للبائع إن قلنا: الملك له، أو موقوف. وإن قلنا: للمشتري، فوجهان. أصحهما: للمشتري. وقال أبو إسحق: للبائع. وفي معنى الكسب: اللبن، والثمرة، والبيض، ومهر الجارية إذا وطئت بشبهة. ومنه النتاج، فإن فرض حدوث الولد وانفصاله في مدة الخيار لامتداد المجلس، فهو كالكسب. وإن كانت الجارية أو البهيمة حاملا عند البيع، وولدت في زمن الخيار، بني على أن الحمل هل يأخذ قسطا من الثمن ؟ وفيه قولان. أحدهما: لا، كأعضائها. فعلى هذا، هو كالكسب بلا فرق. وأظهرهما: نعم، كما لو بيع بعد الانفصال مع الام. فعلى هذا، الحمل مع الام كعينين بيعتا معا. فإن فسخ البيع، فهما للبائع، وإلا، فللمشتري.

(3/113)


ومنه العتق، فإذا أعتق البائع في زمن الخيار المشروط لهما، أو للبائع، نفذ إعتاقه على كل قول. وإن أعتقه المشتري، فإن قلنا: الملك للبائع، لم ينفذ إن فسخ البيع، وكذا إن تم على الاصح. وإن قلنا: موقوف، فالعتق أيضا موقوف، فإن تم العقد، بان نفوذه، وإلا، فلا. وإن قلنا: الملك للمشتري، ففي العتق وجهان. أصحهما وهو ظاهر النص: لا ينفذ، صيانة لحق البائع عن الابطال. وعن ابن سريج: أنه ينفذ، لمصادفته الملك. ثم قيل بالنفوذ عنه مطلقا. وقيل: إنه يفرق بين أن يكون موسرا، فينفذ، أو معسرا، فلا ينفذ، كالمرهون. فإن قلنا: لا ينفذ، فاختار البائع الاجارة، ففي الحكم بنفوذه الآن، وجهان. وإن قلنا: ينفذ، فمن وقت الاجازة، أم الاعتاق ؟ وجهان. أصحهما: الاول. وإن قلنا بوجه ابن سريج، ففي بطلان خيار البائع، وجهان. أحدهما: يبطل، وليس له إلا الثمن. وأصحهما: لا يبطل، لكن لا يرد العتق، بل إذا فسخ، أخذ منه قيمة العبد، كنظيره في الرد بالعيب. هذا كله إذا كان الخيار لهما، أو للبائع. أما إذا كان للمشتري، فينفذ إعتاقه على جميع الاقوال، لانه إما مصادف ملكه، وإما إجازة، وليس فيه إبطال حق الغير. وإن أعتقه البائع، فإن قلنا: الملك للمشتري، لم ينفذ، تم البيع أم فسخ. ويجئ فيما لو فسخ الوجه الناظر إلى المآل. وإن قلنا بالوقف، لم ينفذ إن تم البيع، وإلا، نفذ. وإن قلنا: إنه للبائع، فإن اتفق الفسخ، فهو نافذ، وإلا، فقد أعتق ملكه الذي تعلق به حق لازم، فهو كإعتاق الراهن. ومنه: الوطئ، فإن كان الخيار لهما، أو للبائع، ففي حله للبائع، طرق. أحدها: أنا إن جعلنا الملك له، فهو حلال، وإلا، فوجهان. وجه الحل: أنه يتضمن الفسخ، وفي ذلك عود الملك إليه معه، أو قبيله. والطريق الثاني: إن لم نجعل الملك له، فحرام، وإلا، فوجهان. وجه التحريم: ضعف الملك، والطريق الثالث: القطع بالحل مطلقا. والمذهب من هذا كله: الحل، إن جعلنا الملك له، والتحريم، إن لم نجعله له، ولا مهر عليه بحال.

(3/114)


وأما وطئ المشتري، فحرام قطعا، لانه وإن ملك على قول، فملك ضعيف، ولكن لا حد عليه على الاقوال، لوجود الملك أو شبهته. وهل يلزمه المهر ؟ إن تم ا لبيع، فلا، إن قلنا: الملك للمشتري أو موقوف. وإن قلنا: للبائع، وجب المهر له على الصحيح. وقال أبو إسحق: لا يجب، نظرا إلى المآل. وإن فسخ البيع، وجب المهر للبائع إن قلنا: الملك له أو موقوف. وإن قلنا: للمشتري، فلا مهر على الاصح. ولو أولدها، فالولد حر نسيب على الاقوال. وهل يثبت الاستيلاد ؟ إن قلنا: الملك للبائع، فلا. ثم إن تم البيع، أو ملكها بعد ذلك، ففي ثبوته حينئذ قولان، كمن وطئ جارية غيره بشبهة ثم ملكها. وعلى وجه الناظر إلى المآل، إذا تم البيع، نفذ الاستيلاد بلا خلاف. وعلى قول الوقف، إن تم البيع، بان ثبوت الاستيلاد، وإلا، فلا. فلو ملكها يوما، عاد القولان. وعلى قولنا: الملك للمشتري في ثبوت الاستيلاد، الخلاف المذكور في العتق. فإن لم يثبت في الحال، وتم البيع، بان ثبوته. ورتب الائمة الخلاف في الاستيلاد على الخلاف في العتق، فقيل: الاستيلاد أولى بالثبوت. وقيل: عكسه. وقال الامام: ولا يبعد القول بالتسوية. والقول في وجوب قيمة الولد على المشتري، كالقول في المهر. أما إذا كان الخيار للمشتري وحده، فحكم حل الوطئ كما سبق في حل الوطئ في طرف البائع إذا كان الخيار لهما، أو له. وأما البائع، فيحرم عليه الوطئ هنا. فلو وطئ، فالقول في وجوب المهر وثبوت الاستيلاد ووجوب القيمة كما ذكرناه في طرف المشتري، إذا كان الخيار لهما، أو للبائع. فرع إذا تلف المبيع بآفة سماوية في زمن الخيار، نظر، إن كان قبل القبض، انفسخ العقد. وإن كان بعده وقلنا: الملك للبائع، انفسخ أيضا، فيسترد الثمن، ويغرم للبائع القيمة. وفي القيمة، الخلاف المذكور في كيفية غرامة المستعير والمستام. وإن قلنا: الملك للمشتري أو موقوف، فوجهان أو قولان. أحدهما: ينفسخ أيضا، لحصول الهلاك قبل استقرار العقد. وأصحهما: لا ينفسخ، لدخوله في ضمان المشتري بالقبض، ولا أثر لولاية الفسخ كما في خيار العيب. فإن قلنا بالانفساخ، فعلى المشتري القيمة. قال الامام: وهنا يقطع باعتبار

(3/115)


قيمة يوم التلف، لان الملك قبل ذلك لمشتري. وإن قلنا بعدم الانفساخ، فهل ينقطع الخيار ؟ وجهان. أحدهما: نعم، كما ينقطع خيار الرد بالعيب بتلف المبيع. وأصحهما: لا، كما لا يمتنع التحالف بتلف المبيع، ويخالف الرد بالعيب، لان الضرر ثم يندفع بالارش، فإن قلنا بالاول، استقر العقد، ولزم الثمن. وإن قلنا بالثاني، فإن تم العقد، لزم الثمن، وإلا، وجبت القيمة على المشتري، واسترد الثمن. فإن تنازعا في تعيين القيمة، فالقول قول المشتري. ومن الاصحاب من قطع بعدم الانفساخ وإن قلنا: الملك للبائع. وذكروا تفريعا: على أنه لو لم ينفسخ حتى انقضى زمن الخيار، فعلى البائع رد الثمن، وعلى المشتري القيمة. قال الامام: هذا تخليط ظاهر. فرع لو قبض المشتري المبيع في زمن الخيار، وأتلفه متلف قبل انقضائه، إن قلنا: الملك للبائع، انفسخ البيع كالتلف. وإن قلنا: للمشتري أو موقوف، نظر، إن أتلفه أجنبي، بني على ما لو تلف. إن قلنا: ينفسخ العقد هناك، فهو كإتلاف الاجنبي المبيع قبل القبض، وسيأتي حكمه إن شاء الله تعالى. وإن قلنا: لا ينفسخ، وهو الاصح، فكذا هنا، وعلى الاجنبي القيمة، والخيار بحاله. فإن تم البيع، فهي للمشتري، وإلا، فللبائع. وإن أتلفه المشتري، استقر الثمن عليه. فإن أتلفه في يد البائع، وجعلنا إتلافه قبضا، فهو كما لو تلف في يده. وإن أتلفه البائع في يد المشتري، ففي التتمة: أنه يبنى على أن إتلافه كإتلاف الاجنبي، أم كالتلف بآفة سماوية ؟ وسيأتي بيانه إن شاء الله تعالى. فرع لو تلف بعض المبيع في زمن الخيار بعد القبض، بأن اشترى عبدين، فمات أحدهما، ففي الانفساخ في التالف، الخيار السابق. فإن انفسخ، جاء في الانفساخ في الباقي قولا تفريق الصفقة. وإن لم ينفسخ، فقي خياره في الباقي، إن قلنا: يجوز رد أحد العبدين إذا اشتراهما بشرط الخيار، وإلا، ففي بقاء الخيار في الباقي، الوجهان. وإذا بقي الخيار فيه، ففسخ، رده مع قيمة الهالك. فرع إذا قبض المبيع في زمن الخيار، ثم أودعه عند البائع، فتلف في يده، فهو كما لو تلف في يد المشتري. حتى إذا فرعنا على أالملك للبائع،

(3/116)


ينفسخ البيع، ويسترد الثمن، ويغرم القيمة، حكاه الامام عن الصيدلاني. ثم أبدى احتمالا في وجوب القيمة لحصول التلف بعد العود إلى يد المالك. فرع لا يجب على البائع تسليم المبيع، ولا على المشتري تسليم الثمن في زمن الخيار. فلو تبرع أحدهما بالتسليم، لم يبطل خياره، ولا يجبر الآخر على تسليم ما عنده، وله استرداد المدفوع. وقيل: ليس له استرداده، وله أخذ ما عند صاحبه دون رضاه. والاول: أصح. فرع لو اشترى زوجته بشرط الخيار، ثم خاطبها بالطلاق في زمن الخيار، فإن تم العقد وقلنا: الملك للمشتري أو موقوف، لم يقع الطلاق. وإن قلنا: للبائع، وقع. وإن فسخ وقلنا: للبائع أو موقوف، وقع. وإن قلنا: للمشتري، فوجهان. وليس له الوطئ في زمن الخيار، لانه لا يدري أيطأ بالملك، أو بالزوجية ؟ هذا هو الصحيح المنصوص. وفي وجه: له الوطئ.
فصل فيما يحصل به الفسخ والاجازة لا يخفى ما يحصلان به من الالفاظ، كقول البائع: فسخت البيع، أو استرجعت المبيع، أو رددت الثمن. وقال الصيمري: قول البائع في زمن الخيار: لا أبيع حتى يزيد في الثمن، وقول المشتري: لا أفعل، فسخ، وكذا قول المشتري: لا أشتري حتى تنقص لي من الثمن، وقول البائع: لا أفعل، وكذا طلب البائع حلول الثمن المؤجل، وطلب المشتري تأجيل الثمن الحال. فرع إذا كان للبائع خيار، فوطؤه المبيعة في زمن الخيار، فسخ على الصحيح، لاشعاره باختيار الامساك. وفي وجه: لا يكون فسخا. وفي وجه: إنما يكون فسخا إذا نوى به الفسخ. فعلى الصحيح، لو قبل أو باشر فيما دون الفرج، أو لمس بشهوة، لا يكون فسخا على الاصح، وكذا الركوب والاستخدام. وقطع في التهذيب بأن الجميع فسخ. فرع إعتاق البائع إن كان له الخيار، فسخ بلا خلاف. وفي بيعه،

(3/117)


وجهان. أصحهما: أنه فسخ. فعلى هذا، في صحة البيع المأتي به، وجهان. أصحهما: الصحة، كالعتق. ويجري هذا الخلاف في الاجارة والتزويج، وكذا في الرهن والهبة إن اتصل بهما القبض، وسواء وهب لمن لا يتمكن من الرجوع في هبته، أو يتمكن، كولده. فإن تجرد الرهن والهبة عن القبض، فهو كالعرض على البيع، وسيأتي بيانه إن شاء الله تعالى. فرع إذا علم البائع أن المشتري يطأ الجارية، وسكت عليه، هل يكون مجيزا ؟ وجهان. أصحهما: لا، كما لو سكت على بيعه وإجارته، وكما لو سكت على وطئ أمته، لا يسقط به المهر. ولو وطئ بالاذن، حصلت الاجازة، ولم يجب على المشتري مهر ولا قيمة ولد، وثبت الاستيلاد قطعا. وما سبق في الفصل الماضي، مفروض فيما إذا لم يأذن له البائع في الوطئ ولا علم به. فرع وطئ المشتري، هل هو إجازة منه ؟ وجهان. أصحهما: نعم، وإعتاقه إن كان بإذن البائع، نفذ، وحصلت الاجازة في الطرفين، وإلا، ففي نفوذه ما سبق. فإن نفذ، حصلت الاجازة، وإلا، فوجهان. أصحهما: الحصول، لدلالته على اختيار التملك. قال الامام: ويتجه أن يقال: إن أعتق وهو يعلم عدم نفوذه، لم يكن إجازة قطعا. وإن باع، أو وقف، أو وهب وأقبض بغير إذن البائع لم ينفذ قطعا، ولكن يكون إجازة على الاصح. ولو باشر هذه التصرفات بإذن البائع، أو باع للبائع نفسه، صح على الاصح. قال ابن الصباغ: وعلى الوجهين جميعا، يلزم البيع، ويسقط الخيار. وقياس ما سبق: أنا إذا لم ننفذها، كان سقوط الخيار على وجهين. ولو أذن له البائع في طحن الحنطة المبيعة، فطحنها، كان مجيزا. ومجرد الاذن في هذه التصرفات، لا يكون إجازة من البائع، حتى لو رجع قبل التصرف، كان على خياره، ذكره الصيدلاني وغيره. فرع في العرض على البيع والاذن والتوكيل فيه وجهان - وكذا في الرهن والهبة، دون القبض -. أحدهما: أنها كلها فسخ من جهة البائع، وإجازة من

(3/118)


جهة المشتري. وأصحهما: أنها ليست فسخا، ولا إجازة. ولو باع المبيع في زمن الخيار بشرط الخيار، قال الامام: إن قلنا: لا يزول ملك البائع، فهو قريب من الهبة الخالية من القبض، وإن قلنا: يزول، ففيه احتمال، لانه أبقى لنفسه مستدركا. فرع اشترى عبدا بجارية، ثم أعتقهما معا، نظر، إن كان الخيار لهما، عتقت الجارية، بناء على ما سبق أن إعتاق البائع نافذ متضمن للفسخ، ولا يعتق العبد المشتري وإن جعلنا الملك فيه لمشتريه، لما فيه من إبطال حق صاحبه على الاصح. وعلى الوجه القائل بنفاذ إعتا المشتري، تفريعا على أن الملك للمشتري، يعتق العبد، ولا تعتق الجارية. وإن كان الخيار لمشتري العبد، فثلاثة أوجه. أصحها: يعتق العبد، لانه إجازة. والاصل: استمرار العقد. والثاني: تعتق الجارية، لان عتقها فسخ، فقدم على الاجازة. ولهذا لو فسخ أحد المتبايعين، وأجاز الآخر، قدم الفسخ. والثالث: لا يعتق واحد منهما. وإن كان الخيار لبائع العبد وحده، فالمعتق بالاضافة إلى العبد مشتر، والخيار لصاحبه، وبالاضافة إلى الجارية بائع. وقد سبق الخلاف في إعتاقهما والذي يفتى به: أنه

(3/119)


لا ينفذ العتق في واحد منهما في الحال. فإن فسخ صاحبه، نفذ في الجارية، وإلا، ففي العبد. ولو كانت المسألة بحالها وأعتقهما مشتري الجارية، فقس الحكم بما ذكرناه، وقل: إن كان الخيار لهما، عتق العبد دون الجارية على الاصح. وإن كان للمعتق وحده، فعلى الاوجه الثلاثة. في الاول: يعتق العبد، وفي الثاني: الجارية، ولا يخفى الثالث.
باب خيار النقيصة
هو منوط بفوات شئ من المعقود عليه كان يظن حصوله، وذلك الظن من أحد ثلاثة أمور. أولها: شرط كونه بتلك الصفة. وثانيها: اطراد العرف بحصولها فيه. وثالثها: أيفعل العاقد ما يورث ظن حصولها. فالاول: من أسباب الظن: كقوله: بعت هذا العبد بشرط كونه كاتبا. والصفات الملتزمة بالشرط، قسمان. أحدهما: يتعلق به غرض مقصود، فالخلف فيها يثبت الخيار وفاقا، أو على خلاف فيه، وذلك بحسب قوة الغرض وضعفه. والثاني: لا يتعلق به غرض مقصود، فاشتراطه لغو، ولا خيار بفقده. فإذا شرط كون العبد كاتبا أو خبازا أو صائغا، فهو من القسم الاول. ويكفي أن يوجد من الصفة المشروطة ما ينطلق عليه الاسم، ولا تشترط النهاية فيها. ولو شرط إسلام العبد، فبان كافرا، أو شرط كون الجارية يهودية أو نصرانية، فبانت مجوسية، ثبت الخيار. ولو شرط كفره، فبان مسلما، ثبت الخيار على الصحيح. وقيل: إن كان قريبا من بلاد الكفر، أو في ناحية أغلب أهلها الذميون، ثبت الخيار، وإلا، فلا. وقال المزني: لا خيار أصلا. ولو شرط بكارة الجارية، فبانت ثيبا، فله الرد، سواء كانت مزوجة، أم لا.

(3/120)


وقال أبو إسحق: لا خيار إن كانت مزوجة، لان الافتضاض حق للزوج. والصحيح: الاول، لانه قد يطلقها. ولو شرط ثيابتها، فبانت بكرا، أو شرط سبوطة شعرها، فبان جعدا، فلا خيار على الاصح، لانها أفضل، كما لو شرط كون العبد أميا، فبان كاتبا، أو كونه فاسقا، فبان عفيفا. ولو شرط الجعودة، فبان سبطا، ثبت الخيار. ولو شرط كون العبد خصيا، فبان فحلا أو عكسه، فله الرد، لشدة اختلاف الاغراض. وقيل: لا رد في الصورة الاولى. ولو شرط كونه مختونا، فبان أقلف، فله الرد، وبالعكس لا رد. وقال في التتمة: إلا أن يكون العبد مجوسيا. وهناك مجوس يشترون الاقلف بزيادة، فله الرد. ولو شرط كونه أحمق أو ناقص الخلقة، فهو لغو. وخيار الخلف على الفور، فيبطل بالتأخير كما سنذكر في العيب إن شاء الله تعالى. ولو تعذر الرد بهلاك وغيره، فله الارش كما في العيب. ومسائل الفصل كلها مبنية على أن الخلاف في الشرط لا يفسد البيع. وحكي قول ضعيف: أنه يفسده. الثاني من أسباب الظن: اطراد العرف. فمن اشترى شيئا، فوجده معيبا، فله الرد. ومن باع شيئا يعلم به عيبا، وجب عليه بيانه للمشتري. قلت: ويجب أيضا على غير البائع ممن علمه إعلام المشتري. والله أعلم. فمن العيوب: الخصاء، والجب، والزنا، والسرقة في العبيد والاماء، والاباق، والبخر والصنان فيهما. والبخر الذي هو عيب، هو الناشئ من تغير

(3/121)


المعدة، دون ما يكون لقلح الاسنان، فإن ذلك يزول بتنظيف الفم. والصنان الذي هو عيب، هو المستحكم الذي يخالف العادة، دون ما يكون لعارض عرق، أو حركة عنيفة، أو اجتماع وسخ. ونص الاصحاب على أنه لو زنا مرة واحدة في يد البائع، فللمشتري الرد وإن تاب وحسنت حاله، لان تهمة الزنا لا تزول، ولهذا لا يعود إحصان الحر الزاني بالتوبة، وكذلك الاباق والسرقة، يكفي في كونهما عيبا مرة واحدة. ومن العيوب: كون الدار أو الضيعة منزل الجند. قال القاضي حسين في فتاويه: هذا إذا اختصت من بين ما حواليها بذلك، فإن كان ما حواليها من الدور بمثابتها، فلا رد، وكونها ثقيلة الخراج، عيب، وإن كنا لا نرى أصل الخراج في تلك البلاد، لتفاوت القيمة والرغبة. ونعني بثقل الخراج، كونه فوق المعتاد في أمثالها. وفي وجه: لا رد بثقل الخراج، ولا بكونها منزل الجند. وألحق في التتمة بهاتين الصورتين، ما إذا اشترى دارا، فوجد بقربها قصارين يؤذون بصوت الدق، ويزعزعون الابنية، أو أرضا فوجد بقربها خنازير تفسد الزرع. ولو اشترى أرضا يتوهم أن لا خراج عليها، فبان خلافه، فإن لم يكن على مثلها خراج، فله الرد. وإن كان على مثلها ذلك القدر، فلا رد. وبول الرقيق في

(3/122)


الفراش، عيب في العبد والامة، إذا كان في غير أوانه. أما في الصغر، فلا. وقدره في التهذيب بما دون سبع سنين. والاصح: اعتبار مصيره عادة. ومن العيوب: مرض الرقيق وسائر الحيوانات، سوى المرض المخوف وغيره. ومنها: كون الرقيق مجنونا، أو مخبلا، أو أبله، أو أبرص، أو مجذوما، أو أشل، أو أقرع، أو أصم، أو أعمى، أو أعور، أو أخفش، أو أجهر، أو أعشى، أو أخشم، أو أبكم، أو أرت لا يفهم، أو فاقد الذوق أو أنملة أو الشعر أو الظفر، أو له أصبع زائدة، أو سن شاغية، أو مقلوع بعض الاسنان، وكون البهيمة درداء، إلا في السن المعتاد، وكونه ذا قروح، أو ثآليل كثيرة، أو بهق، أو أبيض الشعر في غير أوانه، ولا بأس بحمرته. قلت: البهق - بفتح الباء الموحدة والهاء - وهو بياض يعتري الجلد يخالف لونه، ليس ببرص. وأما السن الشاغية، فهي الزائدة المخالفة لنبات الاسنان. والاخفش، نوعان. أحدهما: ضعيف البصر خلقة. والثاني: يكون بعلة حدثت، وهو الذي يبصر بالليل دون النهار، وفي يوم الغيم دون الصحو، وكلاهما عيب. وأما الاجهر - بالجيم - فهو الذي لا يبصر في الشمس. والاعشى: هو الذي يبصر بالنهار، ولا يبصر بالليل. والمرأة عشواء. والاخشم: الذي في أنفه داء لا يشم شيئا. وتقدم بيان الارت في صفة الائمة. والله أعلم. ومنها: كونه نماما، أو ساحرا، أو قاذفا للمحصنات، أو مقامرا، أو تاركا للصلوات، أو شاربا للخمر. وفي وجه ضعيف: لا رد بالشرب وترك الصلاة. ومنها: كونه خنثى مشكلا، أو غير مشكل. وفي وجه ضعيف: إن كان رجلا ويبول من فرج الرجال، فلا رد

(3/123)


ومنها: كون العبد مخنثا، أو ممكنا من نفسه، وكون الجارية رتقاء، أو قرناء، أو مستحاضة، أو معتدة، أو محرمة، أو مزوجة، وكون العبد مزوجا. وفي التزويج، وجه ضعيف. قلت: إذا أحرم بإذن السيد، فللمشتري الخيار، وإلا، فلا، لان له تحليله، كالبائع، وقد قدمنا هذا في آخر كتاب الحج. والله أعلم. ومنها: تعلق الدين برقبتهما، ولا رد بما يتعلق بالذمة. ومنها: كونهما مرتدين، فلو بانا كافرين أصليين، فقيل: لا رد، لا في العبد، ولا في الاماء، سواء كان ذلك الكفر مانعا من الاستمتاع، كالتمجس والتوثن، أو لم يكن، كالتهود، وبهذا قطع صاحب التتمة. والاصح ما في التهذيب: أنه إن وجد الجارية مجوسية، أو وثنية، فله الرد، وإن وجدها كتابية، أو وجد العبد كافرا أي كفر كان، فلا رد إن كان قريبا من بلاد الكفر، بحيث لا تقل الرغبة فيه. وإن كان في بلاد الاسلام، حيث تقل الرغبة في الكافر وتنقص قيمته، فله الرد. ولو وجد الجارية لا تحيض وهي صغير، أو آيسة، فلا رد. وإن كانت في سن تحيض النساء في مثلها غالبا، فله الرد. ولو تطاول طهرها، وجاوز العادات الغالبة، فله الرد. والحمل في الجارية عيب وفي سائر الحيوان، ليس بعيب على الصحيح. وقال في التهذيب: عيب. ومن العيوب: كون الدابة جموحا، أو عضوضا، أو رموحا، وكون

(3/124)


الماء مشمسا، والرمل تحت الارض إن كانت مما تطلب للبناء، والاحجار إن كانت مما تطلب للزرع والغرس. وليست حموضة الرمان بعيب، بخلاف البطيخ. فرع لا رد بكون الرقيق رطب الكلام، أو غليظ الصوت، أو سيئ الادب، أو ولد زنا، أو مغنيا، أو حجاما، أو أكولا، أو قليل الاكل. وترد الدابة بقلة الاكل. ولا بكون الامة ثيبا، إلا إذا كانت صغيرة والمعهود في مثلها البكارة، وإلا بكونها عقيما، وكون العبد عنينا. وعن الصيمري، إثبات الرد بالتعنين، وهو الاصح عند الامام. ولا بكون الامة مختونة، أو غير مختونة، ولا بكون العبد مختونا، أو غير مختون، إلا إذا كان كبيرا يخاف عليه من الختان. وفي وجه: لا تستثنى هذه الحالة أيضا. ولا بكون الرقيق ممن يعتق على المشتري، ولا بكون الامة أخته من الرضاع، أو النسب، أو موطوءة أبيه، أو ابنه، بخلاف المحرمة والمعتدة، لان التحريم هناك عام، فتقل الرغبة، وهنا خاص به. وفي وجه: يلحق ما نحن فيه بالمحرمة والمعتدة. ولا أثر لكونها صائمة على الصحيح. وفي وجه: باطل. ولو اشترى شيئا، فبان أن بائعه باعه بوكالة، أو وصاية، أو ولاية، أو أمانة، فهل له الرد لخطر فساد النيابة ؟ وجهان. قلت: الاصح: أنه لا رد. والله أعلم. ولو بان كون العبد مبيعا في جناية عمد، وقد تاب عنها، فوجهان. فإن لم يتب، فعيب. وجناية الخطأ، ليست بعيب، إلا أن يكثر. فرع من العيوب: نجاسة المبيع إذا كان ينقص بالغسل. ومنها: خشونة مشي الدابة، بحيث يخاف منها السقوط، وشرب البهيمة لبن نفسها.

(3/125)


فرع ذكر القاضي أبو سعد بن أحمد في شرح أدب القاضي لابي عاصم العبادي، فصلا في عيوب العبيد والجواري. منها: اصطكاك الكعبين، وانقلاب القدمين إلى الوحشي، والخيلان الكثيرة، وآثار الشجاج والقروح والكي، وسواد الاسنان، والكلف المغير للبشرة، وذهاب الاشفار، وكون أحد ثديي الجارية أكبر من الآخر، والحفر في الاسنان، وهو تراكم الوسخ الفاحش في أصولها. قلت: في فتاوي الغزالي: إذا اشترى أرضا، فبان أنها تنز إذا زادت دجلة، وتضر بالزرع، فله الرد إن قلت الرغبة بسببه. والله أعلم. هذا ما حضر ذكره من العيوب، ولا مطمع في استيعابها. فإن أردت ضبطا، فأشد العبارات ما أشار إليه الامام رحمه الله، وهو أن يقال: يثبت الرد بكل ما في المعقود عليه من منقص العين، أو القيمة تنقيصا يفوت به غرض صحيح، بشرط أن يكون الغالب في أمثاله عدمه، وإنما اعتبرنا نقص العين لمسألة الخصاء. وإنما لم نكتف بنقص العين، بل شرطنا فوات غرض صحيح، لانه لو قطع من فخذه أو ساقه قطعة يسيرة لا تورث شينا ولا تفو ت غرضا، لا يثبت الرد. ولهذا قال صاحب التقريب: إن قطع من أذن الشاة ما يمنع التضحية، ثبت الرد، وإلا، فلا. وإنما اعتبرنا الشرط المذكور، لان الثيابة مثلا في الاماء، معنى ينقص القيمة، لكن لا رد بها، لانه ليس الغالب فيهن عدم الثيابة.
فصل العيب ينقسم إلى ما كان موجودا قبل البيع، فيثبت به الرد، وإلى ما

(3/126)


حدث بعده، فينظر، إن حدث قبل القبض، فكمثل. وإن حدث بعده، فله حالان. أحدهما: أن لا يستند إلى سبب سابق على القبض، فلا رد به. والثاني: أن يستند، وفيه صور. إحداها: بيع المرتد صحيح على الصحيح، كالمريض المشرف على الهلاك. وفي وجه: لا يصح كالجاني. وأما القاتل في المحاربة، فإن تاب قبل الظفر به، فبيعه كبيع الجاني، لسقوط العقوبة المتحتمة. وكذا إن تاب بعد الظفر وقلنا بسقوط العقوبة، وإلا، فثلاث طرق. أصحها: أنه كالمرتد، والثاني: القطع بأنه لا يصح بيعه، إذ لا منفعة فيه لاستحقاق قتله، بخلاف المرتد فإنه قد يسلم. والثالث: أنه كبيع الجاني. فإن صححنا البيع في هذه الصور، فقتل المرتد، أو المحارب، أو الجاني جناية توجب القصاص، نظر، إن كان ذلك قبل القبض، انفسخ البيع، وإن كان بعده، وكان المشتري جاهلا بحاله، فوجهان. أحدهما: أنه من ضمان المشتري. وتعلق القتل به، كالعيب. فإذا هلك، رجع على البائع بالارش، وهو ما بين قيمته مستحق القتل، وغير مستحقه من الثمن. وأصحهما: أنه من ضمان البائع، فيرجع المشتري عليه بجميع الثمن، ويخرج على الوجهين مؤنة تجهيزه من الكفن والدفن وغيرهما. ففي الاول: هي على المشتري. وفي الثاني: على البائع. وإن كان المشتري عالما بالحال عند الشراء، أو تبين له بعد الشراء، ولم يرد، فعلى الوجه الاول: لا يرجع بشئ كسائر العيوب. وعلى الثاني: وجهان. أحدهما: يرجع بجميع الثمن. وأصحهما: لا يرجع بشئ، لدخوله في العقد على بصيرة، وإمساكه مع العلم بحاله.

(3/127)


قلت: قال صاحب التلخيص: كل ما جاز بيعه، فعلى متلفه القيمة، إلا في مسألة، وهو العبد المرتد يجوز بيعه، ولا قيمة على متلفه. قال القفال: هذا صحيح، لا قيمة على متلفه، لانه مستحق الاتلاف. قال: وكذا العبد إذا قتل في قطع الطريق، فقتله رجل، فلا قيمة عليه، لانه مستحق القتل. قال: فهذا يجوز بيعه، ولا قيمة على متلفه، فهذه صورة ثانية. والله أعلم. الصورة الثانية: بيع من وجب قطعه بقصاص أو سرقة، صحيح بلا خلاف. فلو قطع في يد المشتري، عاد التفصيل المذكور في الصورة السابقة. فإن كان جاهلا بحاله حتى قطع، فعلى الوجه الاول: ليس له الرد، لكون القطع من ضمانه، لكن يرجع على البائع بالارش، وهو ما بين قيمته مستحق القطع وغير مستحقه من الثمن. وعلى الاصح: له الرد واسترجاع جميع الثمن، كما لو قطع في يد البائع. فلو تعذر الرد بسبب، فالنظر في الارش على هذا الوجه إلى التفاوت بين العبد سليما وأقطع. وإن كان المشتري عالما، فليس له الرد ولا الارش. الثالثة: إذا اشترى مزوجة لم يعلم حالها حتى وطئها الزوج بعد القبض، فإن كانت ثيبا، فله الرد. وإن كانت بكرا، فنقص الافتضاض من ضمان البائع أو المشتري ؟ فيه الوجهان. إن جعلناه من ضمان البائع، فللمشتري الرد بكونها مزوجة. فإن تعذر الرد بسبب، رجع بالارش، وهو ما بين قيمتها بكرا غير مزوجة ومزوجة مفتضة من الثمن. وإن جعلناه من ضمان المشتري، فلا رد له، وله الارش، وهو ما بين قيمتها بكرا غير مزوجة وبكرا مزوجة من الثمن. وإن كان عالما

(3/128)


بزواجها، أو علم ورضي، فلا رد له. فإن وجد بها عيبا قديما بعد ما افتضت في يده، فله الرد إن جعلناه من ضمان البائع، وإلا، رجع بالارش، وهو ما بين قيمتها مزوجة ثيبا سليمة ومثلها معيبة الرابعة: لو اشترى عبدا مريضا، واستمر مرضه إلى أن مات في يد المشتري، فطريقان. أحدهما: أنه على الخلاف في الصورة السابقة، وبه قال الحليمي. وأصحهما وأشهرهما: القطع بأنه من ضمان المشتري، لان المرض يتزايد، والردة خصلة واحدة وجدت في يد البائع. فعلى هذا، إن كان جاهلا، رجع بالارش، وهو ما بين قيمته صحيحا ومريضا. وتوسط صاحب التهذيب بين الطريقين، فقطع فيما إذا لم يكن المرض مخوفا، بأنه من ضمان المشتري، وجعل المرض المخوف والجرح الساري على الوجهين. الثالث من أسباب الظن: الفعل المغرر. والاصل فيه: التصرية، وهي أن يربط أخلاف الناقة، أو غيرها، ويترك حلبها يوما فأكثر حتى يجتمع اللبن في ضرعها، فيظن المشتري غزارة لبنها، فيزيد في ثمنها. وهذا الفعل حرام، لما فيه من التدليس، ويثبت به الخيار للمشتري. وفي خياره، وجهان. أصحهما: أنه على الفور. والثاني: يمتد إلى ثلاثة أيام. ولو عرف التصرية قبل ثلاثة أيام بإقرار البائع أو ببينة، فخياره على الفور على الوجه الاول. وعلى الثاني: يمتد إلى آخر الثلاثة.

(3/129)


وهل ابتداؤها من العقد أو من التفرق ؟ فيه الوجهان في خيار الشرط. ولو عرف التصرية في آخر الثلاثة أو بعدها، فعلى الوجه الثاني: لا خيار، لامتناع مجاوزة الثلاثة. وعلى الاول: يثبت على الفور قطعا. ولو اشترى عالما بالتصرية، فله الخيار على الثاني، للحديث، ولا خيار على الاول كسائر العيوب فرع إن علم التصرية قبل الحلب، ردها ولا شئ عليه. وإن كان بعده، فإن كان اللبن باقيا، لم يكلف المشتري رده مع المصراة، لان ما حدث بعد البيع، ملكه، وقد اختلط بالمبيع، وتعذر التمييز. وإذا أمسكه، كان كما لو تلف. فإن أراد رده، فهل يجبر عليه البائع ؟ وجهان. أحدهما: نعم، لانه أقرب من بدله. وأصحهما: لا، لذهاب طراوته. ولا خلاف، أنه لو حمض، لم يكلف أخذه. وإن كان تالفا، فيرد مع المصراة صاعا من تمر. وهل يتعين جنس التمر وقدر الصاع ؟ أما الجنس، فالاصح: أنه يتعين التمر. فإن أعوز، قال الماوردي: رد قيمته بالمدينة. والثاني: لا يتعين. فعلى هذا، وجهان. أصحهما: القائم مقامه الاقوات، كصدقة الفطر. قال الامام: ولا يتعدى هنا إلى الاقط. وعلى هذا، وجهان. أحدهما: يتخير بين الاقوات. وأصحهما: الاعتبار بغالب قوت البلد. والوجه الثاني: يقوم مقامه أيضا غير الاقوات. حتى لو عدل إلى مثل اللبن، أو قيمته عند إعواز المثل، أجبر البائع على القبول كسائر المتلفات. وهذا كله إذا لم يرض البائع، فأما لو تراضيا بغير التمر من قوت أو غيره، أو على رد اللبن المحلوب عند بقائه، فيجوز بلا خلاف، كذا قاله في التهذيب وغيره. وذكر ابن كج وجهين في جواز إبدال التمر بالبر إذا تراضيا. وأما القدر، فوجهان. أصحهما: الواجب صاع، قل اللبن أو كثر، للحديث. والثاني: يتقدر الواجب بقدر اللبن. وعلى هذا، فقد يزيد الواجب على الصاع، وقد ينقص. ثم منهم من خص هذا الوجه بما إذا زادت قيمة

(3/130)


الصاع على نصف قيمة الشاة، وقطع بوجوب الصاع إذا نقصت عن النصف، ومنهم من أطلقه. ومتى قلنا بالثاني، قال الامام: تعتبر القيمة الوسط للتمر بالحجاز، وقيمة مثل ذلك الحيوان بالحجاز. فإذا كان اللبن عشر الشاة مثلا، أوجبنا من الصاع عشر قيمة الشاة. فرع لو اشترى شاة بصاع تمر، فوجدها مصراة، فعلى الاصح: يردها وصاعا، ويسترد الصاع الذي هو ثمن. وعلى الثاني: تقوم مصراة وغير مصراة، ويجب بقدر التفاوت من الصاع. فرع غير المصراة إذا حلب لبنها، ثم ردها بعيب، قال في التهذيب: رد بدل اللبن كالمصراة. وفي تعليق أبي حامد حكاية عن نصه: أنه لا يرده، لانه قليل غير معتنى بجمعه، بخلاف المصراة. ورأى الامام تخريج ذلك على أن اللبن، هل يأخذ قسطا من الثمن، أم لا ؟ والصحيح: الاخذ. فرع لو لم يقصد البائع التصرية، لكن ترك الحلب ناسيا، أو لشغل عرض، أو تصرت بنفسها، ففي ثبوت الخيار وجهان. أحدهما: لا، وبه قطع الغزالي لعدم التدليس. وأصحهما عند صاحب التهذيب: نعم، لحصول الضرر. فرع خيار التصرية، يعم الحيوانات المأكولة. وفي وجه شاذ: يختص بالنعم. ولو اشترى أتانا فوجدها مصراة، فأوجه. الصحيح: أنه يردها، ولا يرد للبن شيئا، لانه نجس. والثاني: يردها ويرد بدله، قاله الاصطخري، لذهابه إلى أنه طاهر مشروب. والثالث: لا يردها لحقارة لبنها. ولو اشترى جارية، فوجدها مصراة، فأوجه. أصحها: يرد، ولا يرد بدل اللبن، لانه لا يعتاض عنه غالبا. والثاني: يرد، ويرد بدله. والثالث: لا يرد، بل يأخذ الارش. فرع هذا الخيار، غير منوط بالتصرية لذاتها، بل لما فيها من التلبيس، فيلتحق بها ما يشاركها فيه. حتى لو حبس ماء القناة، أو الرحى، ثم أرسله عند البيع أو الاجارة، فظن المشتري كثرته، ثم تبين له الحال، فله الخيار. وكذا لو

(3/131)


حمر وجه الجارية، أو سود شعرها، أو جعده، أو أرسل الزنبور على وجهها، فظنها المشتري سمينة، ثم بان خلافه، فله الخيار. ولو لطخ ثوب العبد بالمداد، أو ألبسه ثوب الكتاب، أو الخبازين، وخيل كونه كاتبا، أو خبازا، فبان خلافه، أو أكثر علف البهيمة حتى انتفخ بطنها، فظنها المشتري حاملا، أو أرسل الزنبور في ضرعها فانتفخ وظنها لبونا، فلا خيار على ا لاصح، لتقصير المشتري. فرع لو بانت التصرية، لكن در اللبن على الحد الذي أشعرت به التصرية، واستمر كذلك، ففي ثبوت الخيار، وجهان كالوجهين فيما إذا لم يعرف العيب القديم، إلا بعد زواله، وكالقولين فيما لو عتقت الامة تحت عبد ولم يعلم عتقها حتى عتق الزوج. فرع رضي بإمساك المصراة، ثم وجد بها عيبا قديما، نص أنه يردها ويرد بدل اللبن، وهو المذهب. وقيل: هو كمن اشترى عبدين فتلف أحدهما، وأراد رد الآخر، فيخرج على تفريق الصفقة. فرع الخيار في تلقي الركبان مستنده التعزير، كالتصرية. وكذا خيار النجش إن أثبتناه. وقد سبق بيانهما في باب المناهي. فرع مجرد الغبن، لا يثبت الخيار وإن تفاحش. ولو اشترى زجاجة بثمن كثير يتوهمها جوهرة، فلا خيار له، ولا نظر إلى ما يلحقه من الغبن، لان التقصير منه حيث لم يراجع أهل الخبرة، ونقل المتولي وجها شاذا: أنه كشراء الغائب، وتجعل ا لرؤية التي لا تفيد المعرفة ولا تنفي الغرر، كالمعدومة.
فصل إذا باع بشرط أنه برئ من كل عيب بالمبيع، فهل يصح هذا الشرط ؟ فيه أربع طرق. أصحها: أن المسألة على ثلاثة أقوال. أظهرها: يبرأ في الحيوان عما لا يعلمه البائع دون ما يعلمه، ولا يبرأ في

(3/132)


غير الحيوان بحال. والثاني: يبرأ من كل عيب، ولا رد بحال. والثالث: لا يبرأ من عيب ما. والطريق الثاني: القطع بالقول الاول. والطريق الثالث: يبرأ في الحيوان من غير المعلوم، دون المعلوم، ولا يبرأ في غير الحيوان من المعلوم، وفي غير المعلوم قولان. والطريق الرابع: فيه ثلاثة أقوال في الحيوان وغيره. ثالثها: الفرق بين المعلوم وغيره. ولو قال: بعتك بشرط أن لا ترد العيب، جرى فيه هذا الخلاف. وزعم صاحب التتمة: أنه فاسد قطعا، مفسد للعقد. ولو عين عيبا وشرط البراءة منه، نظر، إن كان مما لا يعاين، كقوله: بشرط براءتي من الزنا، أو السرقة، أو الاباق، برئ منه بلا خلاف، لان ذكرها إعلام بها. وإن كان مما يعاين، كالبرص، فإن أراه قدره وموضعه، برئ قطعا، وإلا، فهو كشرط البراءة مطلقا، لتفاوت الاغراض باختلاف قدره وموضعه. ووهكذا فصلوا، وكأنهم تكلموا فيما يعرفه في المبيع من العيوب. فأما ما لا يعرفه ويريد البراءة منه لو كان، فقد حكى الامام تفريعا على فساد الشرط فيه خلافا. التفريع: إن بطل هذا الشرط، لم يبطل به البيع على الاصح. وإن صح، فذلك في العيوب الموجودة حال العقد. فأما الحادث بعده، وقبل القبض، فيجوز ارد به. ولو شرط البراءة من العيوب الكائبة والتي ستحدث، فوجهان. أصحهما وبه قطع الاكثرون: أنه فاسد. فإن أفرد ما سيحدث بالشرط، فأولى بالفساد. وأما إذا فرعنا على أظهر الاقوال، فكما لا يبرأ عما علمه وكتمه، فكذا لا يبرأ عن العيوب الظاهرة من الحيوان، لسهولة معرفتها، وإنما يبرأ عن عيوب باطن الحيوان التي لا يعلمها. ومنهم من اعتبر نفس العلم، ولم يفرق بين الظاهر والباطن. وهل يلحق ما مأكوله في جوفه بالحيوان ؟ قيل: نعم، لعسر معرفته. وقال الاكثرون: لا، لتبدل أحوال الحيوان.
فصل من موانع الرد أن لا يتمكن المشتري من رد المبيع، وذلك، قد يكون لهلاكه، وقد يكون مع بقائه. وعلى التقدير الثاني، قد يكون لخروجه عن

(3/133)


قبول النقل من شخص إلى شخص، وربما كان مع قبوله للنقل. وعلى التقدير الثاني، فربما كان لزوال ملكه، وربما كان مع بقائه لتعلق حق مانع. الحال الاول والثاني: إذا هلك المبيع في يد المشتري، بأن مات العبد، أو قتل، أو تلف الثوب، أو أكل الطعام، أو خرج عن أن يقبل النقل، بأن أعتق العبد، أو استولد الجارية، أو وقف الضيعة، ثم علم كونه معيبا، فقد تعذر الرد، لفوات المردود، لكن يرجع على البائع بالارش، والارش جزء من الثمن، نسبته إليه نسبة ما ينقص العيب من قيمة المبيع لو كان سليما إلى تمام القيمة. وإنما كان الرجوع بجزء من الثمن، لانه لو بقي كل المبيع عند البائع، كان مضمونا عليه بالثمن. فإذا احتبس جزء منه، كان مضمونا بجزء من الثمن. مثاله: كانت القيمة مائة دون العيب، وتسعين مع العيب، فالتفاوت بالعشر، فيكون الرجوع بعشر الثمن. فإن كان مائتين، فبعشرين. وإن كان خمسين، فبخمسة. وأما القيمة المعتبرة، فالمذهب: أنه تعتبر أقل القيمتين من يوم البيع ويوم القبض، وبهذا قطع الاكثرون. وقيل: فيها أقوال. أظهرها: هذا. والثاني: يوم القبض. والثالث: يوم البيع. وإذا ثبت الارش، فلو كان الار ش بعد في ذمة المشتري، برئ من قدر الارش. وهل يبرأ بمجرد الاطلاع على العيب، أم يتوقف على الطلب ؟ وجهان. أصحهما: الثاني، وإن كان قد وفاه وهو باق في يد البائع، فهل يتعين لحق المشتري، أم يجوز للبائع إبداله ؟ وجهان. أصحهما: الاول، ولو كان المبيع باقيا، والثمن تالفا، جاز الرد، ويأخذ مثله إن كان مثليا، وقيمته إن كان متقوما أقل ما كانت من يوم البيع إلى يوم القبض، ويجوز الاستبدال

(3/134)


عنه كالقرض، وخروجه عن ملكه بالبيع ونحوه، كالتلف. ولو خرج وعاد، فهل يتعين لاخذ المشتري، أم للبائع إبداله ؟ وجهان. أصحهما: أولهما. وإن كان الثمن باقيا في يده بحاله، فإن كان معينا في العقد، أخذه. وإن كان في الذمة ونقده، ففي تعيينه لاخذ المشتري، وجهان. وإن كان ناقصا، نظر، إن تلف بعضه، أخذ الباقي وبدل التالف. وإن كان نقص صفة، كالشلل ونحوه، لم يغرم الارش على الاصح. كما لو زاد زيادة متصلة، يأخذها مجانا. ولو لم تنقص القيمة بالعيب، كخروج العبد خصيا، فلا أرش. ولو اشترى عبدا بشرط العتق، ثم وجد به عيبا بعدما أعتقه، نقل ابن كج، عن ابن القطان: أنه لا أرش له هنا. ونقل عنه وجهين فيمن اشترى من يعتق عليه ثم وجد به عيبا، قال: وعندي له الارش في الصورتين. الحال الثالث: لو زال ملكه عن المبيع، ثم علم به عيبا، فلا رد في الحال. وأما الرجوع بالارش، فإن زالال بعوض كالهبة بشرط الثواب والبيع، فقولان. أحدهما: يرجع كما لو مات، وهذا تخريج ابن سريج. فعلى تخريجه لو أخذ الارش ثم رد عليه مشتريه بالعيب، فهل له رده مع الارش، واسترداد الثمن ؟ وجهان. والقول الثاني، وهو المشهور: لا يرجع. ولم لا يرجع ؟ قال أبو إسحق وابن الحداد: لانه استدرك الظلامة. وقال ابن أبي هريرة: لانه ما أيس من الرد، فربما عاد إليه فرده. وهذا المعنى، هو الاصح، وهو منصوص عليه في اختلاف العراقيين. وإن زال بلا ع وض، فعلى تخريج ابن سريج: يرجع بالارش. وعلى المشهور، وجهان، بناء على المعنيين. إن قلنا بالاول: رجع، لانه لم يستدرك الظلامة. وإن قلنا بالثاني، فلا، لانه ربما عاد إليه. ومنهم من قطع بعدم الرجوع هنا. وإن عاد الملك إليه بعد زواله، نظر، هل زال بعوض، أم بغيره ؟ فهما ضرب. الضرب الاول: أن يزول بعوض، بأن باعه، فينظر، أعاد بطريق الرد بالعيب، أم بغيره ؟ فهما قسمان. الاول: أن يعود بطريق الرد بالعيب، فله رده على بائعه، لانه زال التعذر

(3/135)


وبان أنه لم يستدرك الظلامة، وليس للمشتري الثاني رده على البائع الاول، لانه لم يملك منه. ولو حدث به عيب في يد المشتري الثاني، ثم ظهر عيب قديم فعلى تخريج ابن سريج: للمشتري الاول أخذ الارش من بائعه، كما لو لم يحدث عيب، ولا يخفى الحكم بينه وبين المشتري الثاني. وعلى المشهور: ينظر، إن قبله المشتري الاول مع عيبه الحادث، خير بائعه، إن قبله، فذاك، وإلا، أخذ الارش منه. وعن ابن القطان: لا يأخذه، واسترداده رضى بالعيب. وإن لم يقبله، وغرم الارش للثاني، ففي رجوعه بالارش على بائعه وجهان. أحدهما: لا يرجع، وبه قال ابن الحداد، لانه لو قبله، ربما قبله منه بائعه، فكان متبرعا بغرامة الارش وأصحهما: يرجع، لانه ربما لا يقبله بائعه، فيتضرر. وعلى الوجهين: لا يرجع ما لم يغرم للثاني، لانه ربما لا يطالبه فيبقى مستدركا للظلامة. ولو كانت المسألة بحالها، وتلف المبيع في يد المشتري الثاني أو كان عبدا فأعتقه، ثم ظهر العين القديم، رجع المشتري الثاني بالارش على المشتري الاول، والاول بالارش على بائع بلا خلاف، لحصول اليأس من الرد، لكن هل يرجع على بائعه قبل أن يغرمه لمشتريه ؟ وجهان بناء على المعنيين. إن عللنا باستدراك الظلامة، لم يرجع ما لم يغرم، وإن عللنا بالثاني، رجع. ويجري الوجهان، فيما لو أبرأه الثاني، هل يرجع هو على بائعه ؟ القسم الثاني: أن يعود لا بطريق الرد، بأن عاد بإرث، أو هبة، أو قبول وصية، أو إقالة، فهل له رده على بائعه ؟ وجهان لهما مأخذان. أحدهما: البناء على المعنيين السابقين. إن عللنا بالاول، لم يرد، لانه استدرك الظلامة، ولم يبطل ذلك الاستدراك، بخلاف ما لو رد عليه بالعيب. وإن عللنا بالثاني، رد، لزوال التعذر، كما لو رد عليه بعيب. وأما المأخذ الثاني: أن الملك العائد، هل ينزل منزلة غير الزائل ؟ وإن عاد بطريق الشراء، ثم ظهر عيب قديم كان في يد البائع الاول، فإن عللنا بالمعنى الاول، لم يرد على البائع الاول، لحصول الاستدراك، ويرد على الثاني. وإن عللنا بالثاني، فإن شاء، رد على الاول، وإن شاء على الثاني. وإذا رد على ا لثاني، فله أن يرد عليه، وحينئذ يرد على الاول. ويجئ وجه: أنه لا يرد على الاول، بناء على أن الزائل العائد، كالذي لم يعد. ووجه: أنه لا يرد على الثاني،

(3/136)


لانه لو رد عليه، لرد هو أيضا عليه. الضرب الثاني: أن يزول لا بعوض، فينظر، إن عاد أيضا لا بعوض، فجواز الرد مبني على أنه هل يأخذ الارش لو لم يعد ؟ إن قلنا: لا، فله الرد. وإن قلنا: يأخذ، فهل ينحصر الحق فيه، أم يعود إلى الرد عند القدرة ؟ وجهان. وإن عاد بع وض، بأن اشتراه، فإن قلنا: لا يرد في الحالة الاولى، فكذا هنا، ويرده على البائع الاخير. وإن قلنا: يرد، فهنا نل يرد على الاول، أو على الثاني، أم يتخير ؟ فيه ثلاثة أوجه. فرع باع زيد عمرا شيئا، ثم اشتراه منه، فظهر عيب كان في يد زيد، فإن كانا عالمين بالحال، فلا رد. وإن كان زيد عالما، فلا رد له ولا لعمرو أيضا، لزوال ملكه، ولا أرش له على الصحيح، لاستدراك الظلامة، أو لتوقع العود. فإن تلف في يد زيد، أخذ الارش على التعليل الثاني. وهكذا الحكم لو باعه لغيره. وإن كان عمرو عالما، فلا رد له، ولزيد الرد. وإن كانا جاهلين، فلزيد الرد إن اشتراه بغير جنس ما باعه، أو بأكثر منه، ثم لعمرو أن يرد عليه. وإن اشتراه بمثله، فلا رد لزيد في أحد الوجهين، لان عمرا يرده عليه، فلا فائدة، وله الرد في أصحهما، لانه ربما رضي به، فلم يرد. ولو تلف في يد زيد، ثم علم به عيبا قديما، فحيث يرد لو بقى، يرجع بالارش، وحيث لا يرد، لا يرجع. الحال الرابع: إذا تعلق به حق، بأن رهنه، ثم علم العيب، فلا رد في الحال وهل له الارش ؟ إن عللنا باستدراك الظلامة، فنعم. وإن عللنا بتوقع العود، فلا. فعلى هذا، لو تمكن من الرد، رده. وإن حصل اليأس، أخذ الارش. وإن أجره ولم نجوز بيع المستأجر، فهو كالرهن. وإن جوزناه، فإن رضي البائع به مسلوب المنفعة مدة الاجارة، رد عليه، وإلا، تعذر الرد، وفي الارش وجهان. ويجريان فيما لو تعذر الرد بإباق أو غصب. ولو عرف العيب بعد تزويج الجارية أو العبد، ولم يرض البائع بالاخذ، قطع بعضهم بأن المشتري يأخذ الارش هنا، لانه لم يستدرك الظلامة، والنكاح يراد للدوام، فاليأس حاصل. واختاره الروياني، والمتولي. ولو عرفه بعد الكتابة، ففي التتمة: أنه كالتزويج. وذكر الماوردي: أنه لا يأخذ الارش على المعنيين، بل يصبر، لانه قد يستدرك الظلامة

(3/137)


بالنجوم، وقد يعود إليه بالعجز، فيرده. والاصح أنه كالرهن، وأنه لا يحصل الاستدراك بالنجوم. فصل الرد بالعيب على الفور، فيبطل بالتأخير بلا عذر. ولا يتوقف على حضور الخصم وقضاء القاضي. والمبادرة إلى الرد، معتبرة بالعادة، فلا يؤمر بالعدو والركض ليرد. ولو كان مشغولا بصلاة أو أكل أو قضاء حاجة، فله التأخير إلى فراغه. وكذا لو اطلع حين دخل وقت هذه الامور فاشتغل بها، فلا بأس. وكذا لو لبس ثوبا أو أغلق بابا. ولو اطلع ليلا، فله التأخير إلى الصباح. وإن لم يكن عذر، فقد ذكر الغزالي فيه ترتيبا مشكلا خلاف المذهب. واعلم أن كيفية المبادرة، وما يكون تقصيرا، وما لا يكون، إنما نبسطه في كتاب الشفعة، ونذكر هنا ما لا بد منه، فالذي فهمته من كلام الاصحاب: أن البائع إن كان في البلد، رد عليه بنفسه أو بوكيله، وكذا إن كان وكيله حاضرا، ولا حاجة إلى المرافعة إلى القاضي. ولو تركه، ورفع الامر إلى القاضي، فهو زيادة توكيد. وحاصل هذا، تخييره بين الامرين. وإن كان غائبا عن البلد، رفع إلى القاضي.

(3/138)


قال القاضي حسين في فتاويه: يدعي شراء ذلك الشئ من فلان الغائب بثمن معلوم، وأنه أقبضه الثمن وظهر العيب، وأنه فسخ، ويقيم البينة على ذلك في وجه مسخر ينصبه القاضي، ويحلفه القاضي مع البينة، لانه قضاء على غائب، ثم يأخذ المبيع منه ويضعه على يد عدل، ويبقى الثمن دينا على الغائب، فيقضيه القاضي من ماله. فإن لم يجد له سوى المبيع، باعه فيه. وإلى أن ينتهي إلى الخصم أو القاضي في الحالين، لو تمكن من الاشهاد على الفسخ، هل يلزمه ؟ وجهان. قطع صاحب التتمة وغيره، باللزوم. ويجري الخلاف فيما لو أخر بعذر مرض، أو غيره. ولو عجز في الحال عن الاشهاد، فهل عليه التلفظ بالفسخ ؟ وجهان. أصحهما عند الامام، وصاحب التهذيب: لا حاجة إليه. وإذا لقي البائع فسلم عليه، لم يضر. فلو اشتغل بمحادثته، بطل حقه. فرع لو أخر الرد مع العلم بالعيب، ثم قال: أخرت لاني لم أعلم أن لي الرد، فإن كان قريب عهد بالاسلام، أو نشأ في برية لا يعرفون الاحكام، قبل قوله، وله الرد، وإلا، فلا. ولو قال: لم أعلم أنه يبطل بالتأخير، قبل قوله، لانه يخفى على العوام. قلت: إنما يقبل قوله: لم أعلم أن الرد على الفور، وقول الشفيع: لم أعلم أن الشفعة على الفور، إذا كان ممن يخفى عليه مثله، وقد صرح الغزالي وغيره بهذا في كتاب الشفعة. والله أعلم.

(3/139)


فرع حيث بطل الرد بالتقصير، بطل الارش. فرع ليس لمن له الرد، أن يمسك المبيع ويطالب بالارش، وليس للبائع أن يمنعه من الرد، ويدفع الارش. فلو رضيا بترك الرد على جزء من الثمن، أو مال آخر، ففي صحة هذه المصالحة وجهان ؟ أصحهما: المنع، فيجب على المشتري رد ما أخذ. وهل يبطل حقه من الرد ؟ وجهان. أصحهما: لا، والوجهان إذا ظن صحة المصالحة. فإن علم بطلانها، بطل حقه قطعا. فرع كما أن تأخير الرد مع الامكان تقصير، فكذا الاستعمال والانتفاع والتصرف، لاشعارها بالرضى. فلو كان المبيع رقيقا، فاستخدمه في مدة طلب الخصم أو القاضي، بطل حقه. وإن كان بشئ خفيف، كقوله: اسقني أو ناولني الثوب أو أغلق الباب، ففيه وجه: أنه لا يضر، لانه قد يؤمر به غير المملوك، وبه قطع الماوردي وغيره. والاصح الاشهر: أنه لا فرق. قلت: قال القفال في شرح التلخيص: لو جاءه العبد بكوز ماء، فأخذ الكوز، لم يضر، لان وضع الكوز في يده، كوضعه على الارض. فإن شرب، ورد الكوز إليه، فهو استعمال. والله أعلم. ولو ركب الدابة لا للرد، بطل حقه، وإن ركبها للرد أو السقي، فوجهان. أصحهما: البطلان أيضا، كما لو لبس الثوب للرد، فإن كانت جموحا يعسر سوقها وقودها، فهو معذور في الركوب. ولو ركبها للانتفاع، فاطلع على العيب، لم تجز استدامة الركوب وإن توجه للرد. وإن كان لابسا، فاطلع على عيب الثوب في الطريق فتوجه للرد ولم ينزع، فهو معذور، لان نزع الثوب في الطريق لا يعتاد، قال الماوردي. ولو علف الدابة أو سقاها أو حلبها في الطريق، لم يضر. ولو كان عليها سرج أو إكاف، فتركه عليها، بطل حقه، لانه انتفاع، ولولا ذلك لاحتاج إلى حمل، أو تحميل. ويعذر بترك العذار واللجام، لانهما خفيفان لا يعد

(3/140)


تعليقهما على الدابة انتفاعا، ولان القود يعسر دونهما. ولو أنعلها في الطريق، قال الشيخ أبو حامد: إن كانت تمشى بلا نعل، بطل حقه، وإلا، فلا. ونقل الروياني وجها في جواز الانتفاع في الطريق مطلقا، حتى روى عن أبيه جواز وطئ الجارية الثيب. قلت: لو اشترى عبدا فأبق قبل القبض، فأجاز المشتري البيع، ثم أراد الفسخ، فلذلك ما لم يعد العبد إليه. وذكره الامام الرافعي في آخر المسائل المنثورة في آخر كتاب الاجارة وسأذكره إن شاء الله تعالى هناك. والله أعلم.
فصل إذا حدث بالمبيع عيب في يد المشتري بجناية أو آفة، ثم اطلع على عيب قديم، لم يملك الرد قهرا، لما فيه من الاضرار بالبائع، ولا يكلف المشتري الرضى به بل يعلم البائع به فإن رضي به معيبا، قيل للمشتري: إما أن ترده، وإما أن تقنع به ولا شئ لك. وإن لم يرض به، فلا بد من أن يضم المشتري أرش العيب الحادث إلى المبيع ليرده، أو يغرم البائع للمشتري أرش العيب القديم ليمسكه. فإن اتفقا على أحد هذين المسلكين، فذاك. وإن اختلفا، فدعا أحدهما إلى الرد مع أرش العيب الحادث، ودعا الآخر إلى الامساك وغرامة أرش العيب القديم، ففيه أوجه. أحدها: المتبع قول المشتري. والثاني: رأي البائع والثالث وهو أصحها: المتبع رأي من يدعو إلى الامساك والرجوع بأرش القديم، سواء كان البائع أو المشتري. وما ذكرناه من إعلام المشتري البائع، يكون على الفور. فإن أخره بلا عذر، بطل حقه من الرد والارش، إلا أن يكون العيب الحادث قريب الزوال غالبا، كالرمد والحمى، فلا يعتبر الفور على أحد القولين، بل له انتظار زواله ليرده سليما عن العيب الحادث. ومهما زال العيب الحادث بعدما أخذ المشتري أرش العيب القديم، أو قضى به القاضي، ولم يأخذه، فهل له الفسخ ورد

(3/141)


الارش ؟ وجهان. أصحهما: لا. ولو تراضيا، ولا قضاء، فالاصح: أن له الفسخ. فرع لو علم العيب القديم بعد زوال الحادث، رد على الصحيح، وفيه وجه ضعيف جدا. ولو زال القديم قبل أخذ أرشه، لم يأخذه. وإن زال بعد أخذه، رده على المذهب. وقيل: وجهان، كما لو نبتت سن المجني عليه بعد أخذ الدية، هل يردها ؟ فرع كل ما يثبت الرد على البائع لو كان عنده، يمنع الرد إذا حدث عند المشتري. وما لا رد به على البائع، لا يمنع الرد إذا حدث في يد المشتري، إلا في الاقل. فلو خصي العبد، ثم علم به عيبا قديما، فلا رد، وإن زادت قيمته. ولو نسي القرآن، أو صنعة، ثم علم به عيبا قديما، فلا رد، لنقصا القيمة. ولو زوجها، ثم علم بها عيبا، فكذلك. قال الروياني: إلا أن يقول الزوج: إن ردك المشتري بعيب، فأنت طالق، وكان ذلك قبل الدخول، فله الرد، لزوال المانع. ولو علم عيب جارية اشتراها من أبيه أو ابنه بعد أن وطئها وهي ثيب، فله الرد وإن حرمت على البائع، لان القية لم تنقص بذلك. وكذا لو كانت الجارية رضيعة، فأرضعتها أم البائع أو ابنته في يد المشتري، ثم علم بها عيبا. وإقرار الرقيق على نفسه في يد المشتري بدين المعاملة، أو بدين الاتلاف، مع تكذيب المولى، لا يمنع الرد بالعيب القديم. وإن صدقه المولى على دين الاتلاف، منع منه. فإن عفا المقر له بعد ما أخذ المشتري الارش، فهل له الفسخ ورد الارش ؟ وجهان جاريان فيما إذا أخذ المشتري الارش لرهنه العبد، أو كتابته، أو إباقه، أو غصبه ونحوها. إن مكناه من ذلك، ثم زال المانع من الرد، قال في التهذيب: أصحهما: لا فسخ. فرع حدث في يد المشتري نكتة بياض في عين العبد، ووجد نكتة قديمة، فزالت إحداهما فقال البائع: الزائلة القديمة، فلا رد ولا أرش. وقال المشتري: بل الحادثة، ولي الرد، حلفا على ما قالا. فإن حلف أحدهما دون الآخر، قضي له. وإن حلفا، استفاد البائع دفع الرد، والمشتري أخذ الارش. فإن اختلفا في الارش، فليس له إلا الاقل، لانه المستيقن.

(3/142)


فرع إذا اشترى حليا من ذهب أو فضة وزنه مائة مثلا، بمائة من جنسه، ثم اطلع على عيب قديم، وقد حدث عنده عيب، فأوجه. أصحها عند الاكثرين: يفسخ البيع، ويرد الحلي مع أرش النقص الحادث، ولا يلزم الربا، لان المقابلة، بين الحلي والثمن، وهما متماثلان. والعيب الحادث، مضمون عليه، كعيب المأخوذ على جهة السوم، فعليه غرامته. والثاني، وهو قول ابن سريج: أنه يفسخ العقد، لتعذر إمضائه، ولا يرد الحلي على البائع، لتعذر رده مع الارش ودونه، فيجعل كالتالف، فيغرم المشتري قيمته من غير جنسه معيبا بالعيب القديم، سليما عن الحادث. واختار الغزالي هذا الوجه، وضعفه الامام وغيره. والثالث، وهو قول صاحب التقريب، والداركي، واختاره الامام وغيره: أنه يرجع بأرش العيب القديم، كسائر الصور. والمماثلة في الربوي، إنما تشترط في ابتداء العقد، والارش حق وجب بد ذلك لا يقدح في العقد السابق. وقياس هذا الوجه: تجويز الرد مع الارش عن الحادث كسائر الاموال. وإذا أخذ الارش، فقيل: يشترط كونه من غير جنس العوضين، حذرا من الربا. والاصح: جوازه منهما، لانه لو امتنع الجنس، لامتنع غيره، لانه بيع ربوي بجنسه مع شئ آخر. ولو عرف العيب القديم بعد تلف الحلي عنده، فالذي ذكره صاحبا الشامل والتتمة: أنه يفسخ العقد، ويسترد الثمن، ويغرم قيمة التالف، ولا يمكن أخذ الارش للربا. وفي وجه: يجوز أخذ الارش، وصححه في التهذيب. وعلى هذا، ففي اشتراط كونه من غير الجنس، ما سبق. ولا يخفى أن المسألة لا تختص بالحلي والنقد، بل تجري في كل ربوي بيع بجنسه. فرع لو أنعل الدابة، ثم علم بها عيبا قديما، نظر، إن لم يعبها نزع النعل، فله نزعه والرد. فإن لم ينزع والحالة هذه، لم يجب على البائع قبول النعل. وإن كان النزع يخرم ثقب المسامير، ويعيب الحافر، فنزع، بطل حقه من الرد والارش، وفيه احتمال للامام. ولو ردها مع النعل، أجبر البائع على القبول، وليس للمشتري طلب قيمة النعل. ثم ترك النعل، هل هو تمليك من المشتري،

(3/143)


فيكون للبائع لو سقط، أم إعراض فيكون للمشتري ؟ وجهان. أشبههما: الثاني. فرع لو صبغ الثوب بما زاد في قيمته، ثم علم عيبه، فإن رضي بالرد من غير أن يطالب بشئ، فعلى البائع القبول، ويصير الصبغ ملكا للبائع، لانه صفة للثوب لا تزايله، وليس كالنعل. هذا لفظ الامام، قال: ولا صائر إلى أنه يرد، ويبقى شريكا في الثوب كما في المغصوب، والاحتمال يتطرق إليه. وإن أراد الرد وأخذ قيمة الصبغ، ففي وجوب الاجابة على البائع، وجهان. أصحهما: لا تجب، لكن يأخذ المشتري الارش. ولو طلب المشتري أرش العيب، وقال البائع: رد الثوب لاغر لك قيمة الصبغ، ففيمن يجاب ؟ وجهان. وقطع ابن الصباغ والمتولي، بأن المجاب البائع، ولا أرش للمشتري. فرع لو قصر الثوب، ثم علم العيب، بني على أن القصارة عين أو أثر ؟ إن قلنا: عين، فكالصبغ. وإن قلنا: أثر، رد الثوب بلا شئ، كالزيادات المتصلة، وعلى هذا فقس نظائره. فصل إذا اشترى ما مأكوله في جوفه، كالرانج، والبطيخ، والرمان، والجوز، واللوز، والفندق، والبيض، فكسره فوجده فاسدا، نظر، إن لم يكن لفاسده قيمة كالبيضة المذرة التي لا تصلح لشئ، والبطيخة الشديدة التغير، رجع بجميع الثمن، نص عليه. وكيف طريقه ؟ قال معظم الاصحاب: يتبين فساد البيع لوروده على غير متقوم. وقال القفال وطائفة: لا يتبين فساد البيع، بل طريقه استدراك الظلامة. وكما يرجع بجزء من الثملنقص جزء من المبيع، يرجع بكله لفوات كل المبيع. وتظهر فائدة الخلاف في أالقشور الباقية بمن يختص حتى يكون عليه تنظيف الموضع منها ؟ أما إذا كان لفاسدة قيمة، كالرانج، وبيض

(3/144)


النعام، والبطيخ إذا وجده حامضا، أو مدود بعض الاطراف، فللكسر حالان. أحدهما: أن لا يوقف على ذلك الفساد إلا بمثله، فقولان. أظهرهما عند الاكثرين: له رده قهرا كالمصراة. والثاني، لا، كما لو قطع الثوب. فعلى هذا هو كسائر العيوب الحادثة، فيرجع المشتري بأرش العيب القديم، أو يضم أرش النقصان إليه، ويرده كما سبق. وعلى الاول، هل يغرم أرش الكسر ؟ قولان. أظهرهما: لا، لانه معذور. والثاني: يغرم ما بين قيمته صحيحا فاسد اللب ومكسورا فاسد اللب، ولا ينظر إلى الثمن. الحال الثاني: أن يمكن الوقوف على ذلك الفساد بأقل من لك الكسر، فلا رد على المذهب كسائر العيوب. وقيل بطرد القولين. إذا عرفت هذا، فكسر الجوز ونحوه، وثقب الرانج، من صور الحال الاول. وكسر الرانج وترضيض بيض النعام، من صور الحال الثاني. وكذا تقوير البطيخ الحامض إذا أمكن معرفة حموضته بغرز شئ فيه، وكذا التقوير الكبير إذا أمكن معرفته بالتقوير الصغير. والتدويد لا يعرف إلا بالتقوير، وقد يحتاج إلى الشق ليعرف، وقد يستغنى في معرفة حال البيض بالقلقلة عن الكسر.

(3/145)


ولو شرط في الرمان الحلاوة، فبان حامضا بالغرز، رد. وإن بان بالشق، فلا. فرع اشترى ثوبا مطويا وهو مما ينقص بالنشر، فنشره ووقف على عيب به لا يوقف عليه إلا بالنشر، ففيه القولان. كذا أطلقه الاصحاب على طبقاتهم مع جعلهم بيع الثوب المطوي من صور بيع الغائب، ولم يتعرض الائمة لهذا الاشكال إلا من وجهين. أحدهما: ذكر إمام الحرمين أن هذا الفرع مبني على تصحيح بيع الغائب. والثاني: قال صاحب الحاوي وغيره: إن كان مطويا على أكثر من طاقين، لم يصح البيع إن لم نجوز بيع الغائب. وإن كان مطويا على طاقين، صح، لانه يرى جميع الثوب من جانبيه، وهذا حسن، لكن المطوي على طاقين، لا يرى من جانبيه إلا أحد وجهي الثوب، وفي الاكتفاء به تفصيل وخلاف سبق. ووراء هذا تصويران. أحدهما: أن تفرض رؤية الثوب قبل الطي، والطي قبل البيع. والثاني: أن ما نقص بالنشر مرة، ينقص به مرتين أو أكثر. فلو نشر مرة، وبيع وأعيد طيه، ثم نشره المشتري فزاد النقص به، انتظم التصوير.
فصل المبيع في الصفقة الواحدة، إن كان شيئين، بأن اشترى عبدين فخرجا معيبين، فله ردهما، وكذا لو خرج أحدهما معيبا. وليس له رد بعضه إن

(3/146)


كان الباقي باقيا في ملكه، لما فيه من التشقيص على البائع، فإن رضي به البائع، جاز على الاصح. وإن كان الباقي زائلا عن ملكه، بأن عرف العيب بعد بيع بعض المبيع، ففي رد الباقي طريقان. أحدهما: على قولي تفريق الصفقة. وأصحهما: القطع بالمنع، كما لو كان باقيا في ملكه. فعلى هذا، هل يرجع بالارش ؟ أما للقدر المبيع، فعلى ما ذكرنا فيما إذا باع الكل. وأما للقدر الباقي، فوجهان أصحهما: يرجع، لتعذر الرد، ولا ينتظر عود الزائل ليرد الجميع، كما لا ينتظر زوال العيب الحادث. ويجري الوجهان فيما لو اشترى عبدين وباع أحدهما ثم علم العيب ولم نجوز رد الباقي، هل يرجع بالارش ؟ ولو اشترى عبدا، ومات وخلف ابنين، فوجدا به عيبا، فالاصح، وهو قول ابن الحداد: لا ينفرد أحدهما بالرد، لان الصفقة وقعت متحدة. ولهذا لو سلم أحد الابنين نصف الثمن، لم يلزم البائع تسليم النصف إليه. والثاني: ينفرد، لانه رد جميع ما ملك. هذا كله إذا اتحد العاقدان، أما إذا اشترى رجل من رجلين عبدا وخرج معيبا، فله أن يفرد نصيب أحدهما بالرد، لان تعدد البائع يوجب تعدد العقد. ولو اشترى رجلان عبدا من رجل فقولان. أظهرهما: أن لاحدهما أن ينفرد بالرد، لانه رد جميع ما ملك، فإن جوزنا الانفراد، فانفرد أحدهما، فهل تبطل الشركة بينهما ويخلص للممسك ما أمسك، وللراد ما استرد، أم تبقى الشركة بينهما فيما أمسك واسترد ؟ وجهان. أصحهما: الاول. وإن منعنا الانفراد، فذاك فيما ينقص بالتبعيض. أما ما لا ينقص، كالحبوب، فوجهان بناء على أن المانع ضرر التبعيض، أو اتحاد الصفقة ؟ ولو أراد الممنوع من الرد الارش، قال الامام: إن حصل اليأس من إمكان رد نصيب الآخر، بأن أعتقه وهو معسر، فله أخذ الارش، وإلا، نظر، فإن رضي صاحبه

(3/147)


بالعيب، بني على أنه لو اشترى نصيب صاحبه وضمه إلى نصيبه، وأراد الكل والرجوع بنصف الثمن، هل يجبر على قبوله كما في مسألة النعل ؟ وفيه وجهان. إن قلنا: لا، أخذ الارش. وإن قلنا: نعم، فكذلك على الاصح، لانه توقع بعيد. وإن كان صاحبه غائبا لا يعرف الحال، ففي الارش وجهان بسبب الحيلولة الناجزة. ولو اشترى رجلان عبدا من رجلين، كان كل واحد منهما مشتريا ربع العبد من كل واحد من البائعين، فلكل واحد رد الربع إلى أحدهما. ولو اشترى ثلاثة من ثلاثة، كان كل واحد مشتريا تسع العبد من كل واحد من البائعين. ولو اشترى رجلان، عبدين من رجلين، فقد اشترى كل واحد من كل واحد ربع كل عبد، فلكل واحد رد جميع ما اشترى من كل واحد عليه. ولو رد ربع أحد العبدين وحده، ففيه قولا التفريق. ولو اشترى بعض عبد في صفقة، وباقيه في صفقة من البائع الاول أو غيره، فله رد أحد البعضين وحده، لتعدد الصفقة. ولو علم العيب بعد العقد الاول، ولم يمكنه الرد، فاشترى الباقي، فليس له رد الباقي، وله رد الاول عند الامكان.
فصل إذا وجد بالمبيع عيب، فقال البائع: حدث عند المشتري، وقال المشتري: بل كان عندك، نظر، إن كان العيب مما لا يمكن حدوثه بعد البيع كالاصبع الزائدة، وشين الشجة المندملة، وقد جرى البيع أمس، فالقول قول المشتري. وإن لم يحتمل تقدمه، كجراحة طرية، وقد جرى البيع والقبض من سنة، فالقول قول البائع من غير يمين. وإن احتمل قدمه وحدوثه كالمرض، فالقول قول البائع، لان الاصل لزوم العقد واستمراره. وكيف يحلف ؟ ينظر في جوابه

(3/148)


للمشتري. فإن ادعى المشتري أن بالمبيع عيبا كان قبل القبض، فأراد الرد، فقال في جوابه: ليس له الرد علي بالعيب الذي يذكره، أو لا يلزمني قبوله، حلف على ذلك، ولا يكلف التعرض لعدم العيب يوم البيع، ولا يوم القبض، لجواز أنه أقبضه معيبا وهو عالم به، أو أنه رضي به بعد البيع، ولو نطق به لصار مدعيا مطالبا بالبينة. وإن قال في الجواب: ما بعته إلا سليما، أو ما أقبضته إلا سليما، فهل يلزمه أن يحلف كذلك، أم يكفيه الاقتصار على أنه لا يستحق الرد، أو لا يلزمني قبوله ؟ فيه وجهان. أصحهما: يلزمه التعرض لما تعرض له في الجواب، لتطابق اليمين الجواب، وبهذا قطع صاحب التهذيب وغيره. وهذا التفصيل والخلاف، جاريان في جميع الدعاوى والاجوبة. ثم يمينه تكون على البت، فيحلف: لقد بعته وما به هذا العيب. ولا يكفيه أن يقول: بعته ولا أعلم به هذا العيب. وتجوز اليمين على البت إذا اختبر حال العبد، وعلم خفايا أمره، كما يجوز بمثله الشهادة على الاعسار وعدالة الشهود، وغيرهما. وعند عدم الاختبار، يجوز أيضا الاعتماد على ظاهر السلامة إذا لم يعلم، ولا ظن خلافه. فرع لو زعم المشتري أن بالمبيع عيبا، فأنكره البائع، فالقول قوله. ولو اختلفا في بعض الصفات، هل هو عيب ؟ فالقول قول البائع مع يمينه، وهذا إذا لم يعرف الحال من غيرهما. قال في التهذيب: إن قال واحد من أهل المعرفة به: إنه عيب، ثبت الرد. واعتبر في التتمة شهادة اثنين. ولو ادعى البائع علم المشتري بالعيب، أو تقصيره في الرد، فالقول قول المشتري. فرع مدار الرد على التعيب عند القبض، حتى لو كان معيبا عند البيع، فقبضه وقد زال العيب، فلا رد بما كان، بل مهما زال العيب قبل العلم أو بعده وقبل الرد، سقط حقه من الرد.

(3/149)


فصل الفسخ يرفع العقد من حينه، لا من أصله على الصحيح. وفي وجه: يرفعه من أصله. وفي وجه: يرفعه من أصله إن كان قبل القبض. فرع الاستخدام لا يمنع الرد بلا خلاف. ولو وطئ المشتري الثيب، فله الرد، ولا مهر عليه. ووطئ الاجنبي والبائع بشبهة كوطئ المشتري، لا يمنع الرد. وأما وطؤهما مختارة زنى، فهو عيب حادث. هذا في الوطئ بعد القبض، فإن وطئها المشتري قبل القبض، فله الرد، ولا يصير قابضا لها ولا مهر عليه إن سلمت وقبضها. فإن تلفت قبل القبض، فهل عليه المهر للبائع ؟ وجهان، بناء على أن الفسخ قبل القبض، رفع للعقد من أصله، أو حينه ؟ الصحيح: لا مهر. وإن وطئها أجنبي وهي زانية، فهو عيب حدث قبل القبض. وإن كانت مكرهة، فللمشتري المهر، ولا خيار له بهذا الوطئ. وطئ البائع كوطئ الاجنبي، لكن لا مهر عليه إن قلنا: إن جناية البائع قبل القبض كالآفة السماوية. أما البكر، فافتضاضها بعد القبض عيب حادث، وقبله جناية على المبيع قبل القبض. وإن افتضها الاجنبي بغير آلة الافتضاض، فعليه ما نقص من

(3/150)


قيمتها. وإن افتض بآلته، فعليه المهر. وهل يدخل فيه أرش البكارة، أم يفرد ؟ وجهان. أصحهما: يدخل، فعليه مهر مثلها بكرا. والثاني: يفرد، فعليه أرش البكارة، ومهر مثلها ثيبا. ثم المشتري إن أجاز العقد، فالجميع له، وإلا، فقدر أرش البكارة للبائع، لعودها إليه ناقصة، والباقي للمشتري. وإن افتضها البائع، فإن أجاز المشتري، فلا شئ على البائع إن قلنا: جنايته كالآفة السماوية. وإن قلنا: إنها كجناية الاجنبي، فحكمه حكمه. وإن فسخ المشتري، فليس على البائع أرش البكارة. وهل عليه مهرها ثيبا ؟ إن افتض بآلته، بني على أن جنايته كالآفة السماوية، أم لا ؟ وإن افتضها المشتري، استقر عليه من الثمن بقدر ما نقص من قيمتها. فإن سلمت حتى قبضها، فعليه الثمن بكماله. وإن تلفت قبل القبض، فعليه بقدر الافتضاض من الثمن. وهل عليه مهر مثل ثيب ؟ إن افتضها بآلة الافتضاض، يبنى على أن العقد ينفسخ من أصله، أو من حينه ؟ هذا هو الصحيح. وفي وجه: افتضاض المشتري قبل القبض، كافتضاض الاجنبي. فرع زياد المبيع ضربان، متصلة، ومنفصلة. أما المتصلة: كالسمن، والتعليم، وكبر الشجرة، فهي تابعة للاصل في الرد، ولا شئ على البائع بسببها. وأما المنفصلة: كالاجرة، والولد، والثمرة، وكسب الرقيق، ومهر الجارية الموطوءة بشبهة، فلا تمنع الرد بالعيب، وتسلم للمشتري، سواء الزوائد الحادثة قبل القبض وبعده. وفيما إذا كان الرد قبل القبض، وجه ضعيف: أنها

(3/151)


للبائع، تفريعا على أن الفسخ دفع للعقد من أصله. فلو نقصت الجارية أو البهيمة بالولادة، امتنع الرد للنقص الحادث وإن لم يكن الولد مانعا. وتكلموا في إفراد الجارية بالرد وإن لم تنقص بالولادة بسبب التفريق بينها وبين الولد، فقيل: لا يجوز الرد، ويتعين الارش، إلا أن يكون العلم بالعيب بعد بلوغ الولد حدا يجوز فيه التفريق. وقيل: لا يحرم التفريق هنا للحاجة، وستأتي المسألة مع نظيرها في الرهن إن شاء الله تعالى. فرع اشترى جارية أو بهيمة حاملا، فوجد بها عيبا، فإن كانت بعد حاملا، ردها كذلك. وإن وضعت الحمل ونقصت بالولادة، فلا رد. وإن لم تنقص، ففي رد الولد معها قولان، بناء على أن الحمل هل يعرف ويأخذ قسطا من الثمن، أم لا ؟ والاظهر: نعم. ويخرج على هذا الخلاف: أنه هل للبائع حبس الولد إلى استيفاء الثمن ؟ وأنه لو هلك قبل القبض، هل يسقط من الثمن بحصته ؟ وأنه هل للمشتري بيع الولد قبل القبض ؟ فإن قلنا: له قسط من الثمن، جاز الحبس، وسقط الثمن، ولم يجز البيع، وإلا، انعكس الحكم. ولو اشترى نخلة وعليها طلع مؤبر، ووجد بها عيبا بعد التأبير، ففي الثمرة طريقان. أصحهما: على قولين كالحمل. والثاني: القطع بأخذها قسطا، لانها مشاهدة مستيقنة. ولو اشترى جارية أو بهيمة حائلا، فحبلت، ثم اطلع على عيب، فإن نقصت بالحمل، فلا رد إن كان الحمل حصل في يد المشتري. وإن لم ينقص الحمل، أو كان الحمل في يد البائع، فله الرد. وحكم الولد مبنى على الخلاف. إن قلنا: يأخذ قسطا، بقي للمشتري فيأخذه إذا انفصل على الصحيح. وفي وجه: أنه للبائع، لاتصاله بالام عند الرد. وإن قلنا: لا يأخذ، فهي للبائع. وأطلق بعضهم: أن الحمل الحادث

(3/152)


نقص، لانه في الجارية يؤثر في النشاط والجمال، وفي البهيمة ينقص اللحم ويخل بالحمل عليها والركوب. ولو اشترى نخلة وأطلعت في يده، ثم علم عيبا، فلمن الطلع ؟ فيه وجهان. ولو كان على ظهر الحيوان صوف عند البيع، فجزه، ثم علم به عيبا، رد الصوف معه. فإن استجز ثانيا وجزه، ثم علم العيب، لم يرد الثاني، لحدوثه في ملكه. وإن لم يجزه، رده تبعا. ولو اشترى أرضا فيها أصول الكراث ونحوه، وأدخلناها في البيع، فنبتت في يد المشتري، ثم علم بالارض عيبا، ردها وبقي النابت للمشتري، فإنها ليست تبعا للارض.
فصل الاقالة بعد البيع جائزة، بل إذ ندم أحدهما، يستحب للآخر إقالته، وهي أن يقول المتبايعان: تقايلنا، أو تفاسخنا. أو يقول أحدهما: أقلتك، فيقول الآخر: قبلت وما أشبهه. وفي كونها فسخا أو بيعا، قولان. أظهرهما: فسخ. وقيل: القولان في لفظ الاقالة. فأما إن قالا: تفاسخنا، ففسخ قطعا. فإن قلنا: بيع، تجددت بها الشفعة، وإلا، فلا.

(3/153)


ولو تقايلا في الصرف، وجب التقابض في المجلس إن قلنا: بيع، وإلا، فلا. وتجوز الاقالة قبل قبض المبيع، إن قلنا: فسخ، وإلا، فهي كبيع المبيع من البائع قبل القبض. وتجوز في السلم قبل القبص إن قلنا: فسخ، وإلا، فلا. ولا تجوز الاقالة بعد تلف المبيع إن قلنا: بيع، وإلا، فالاصح: الجواز، كالفسخ بالتحالف، فعلى هذا، يرد المشتري على البائع مثل المبيع إن كان مثليا، أو قيمته إن كان متقوما. ولو اشترى عبدين، فتلف أحدهما، ففي الاقالة في الباقي خلاف مرتب، لان الاقالة تصادف القائم، فيستتبع التالف. وإن تقابلا والمبيع في يد المشتري، لم ينفذ تصرف البائع فيه إن قلنا: بيع، ونفذ إن قلنا: فسخ. فإن تلف في يده، انفسخت الاقالة إن قلنا: بيع، وبقي البيع الاول بحاله، وإلا، فعلى المشتري ضمانه، لانه مقبوض على حكم العوض، كالمأخوذ قرضا أو سوما، والواجب فيه، إن كان متقوما، أقل القيمتين من يوم العقد والقبض. وإن تعيب في يده، فإن قلنا: بيع، يخير البائع بين أن يجيز الاقالة ولا شئ له، وبين أن يفسخ ويأخذ الثمن. وإن قلنا: فسخ، غرم أرش العيب. ولو استعمله بعد الاقالة. فإن قلنا: بيع، فهو كالبيع يستعمله البائع، وإلا، فعليه الاجرة. ولو علم البائع بالمبيع عيبا كان حدث في يد المشتري قبل الاقالة، فلا رد له إن قلنا: فسخ، وإلا، فله رده. ويجوز للمشتري حبس المبيع، لاسترداده الثمن على القولين، ولا يشترط في الاقالة ذكر الثمن، ولا يصح إلا بذلك الثمن. فلو زاد أو نقص، بطلت، وبقي البيع بحاله، حتى لو أقاله على أن ينظره بالثمن، أو على أن يأخذ الصحاح عن المكسر، لم يصح. ويجوز للورثة الاقالة بعد موت المتبايعين، وتجوز في بعض المبيع. قال الامام: هذا إذا لم تلزم جهالة. أما إذا اشترى عبدين، فتقايلا في

(3/154)


أحدهما مع بقاء الثاني، فلا يجوز على قولنا: بيع، للجهل بحصة كل واحد. وتجوز الاقالة في بعض المسلم فيه، لكن لو أقاله في البعض ليعجل الباقي، أو عجل المسلم إليه البعض ليقيله في الباقي، فهي فاسدة. قلت: قال القفال في شرحه التلخيص: لو تقايلا، ثم اختلفا في الثمن، ففيه ثلاثة أوجه، سواء قلنا: الاقالة بيع، أو فسخ، أصحها، وهو قول ابن المرزبان: أن القول قول البائع. والثاني: قول المشتري. والثالث: يتحالفان وتبطل الاقالة، قال الدارمي: وإذا تقايلا وقد زاد المبيع، فالزيادة المتميزة للمشتري، وغيرها للبائع. قال: ولو اختلفا في وجود الاقالة، صدق منكرها. قال: ولو باعه، ثم تقايلا بعد حلول الاجل ودفع المال، استرجعه المشتري في الحال، ولا يلزمه أن يصبر قدر الاجل. وإن لم يكن دفعه، سقط وبرئا جميعا. والله أعلم.
فصل في مسائل تتعلق بالباب إحداها: الثمن المعين إذا خرج معيبا، يرد بالعيب كالمبيع. وإن لم يكن معيبا، استبدل، ولا يفسخ العقد، سواء خرج معيبا بخشونة، أو سواد، أو وجدت سكته مخالفة سكة النقد الذي تناوله العقد، أو خرج نحاسا، أو رصاصا. الثانية: تصارفا وتقابضا، ثم وجد أحدهما بما قبض خللا، فله حالان. أحدهما: أن يرد العقد على معينين فإن خرج أحدهما نحاسا، بطل العقد، لانه بان أنه غير ما عقد عليه. وقيل: إنه صحيح، تغليبا للاشارة. هذا إن كان له قيمة، فإن لم يكن، لم يجئ هذا الوجه الضعيف. وإن خرج بعضه بهذه الصفة، لم يصح العقد فيه، وفي الباقي قولا تفريق الصفة. فإن لم يبطل، فله الخيار. فإن أجاز والجنس مختلف، بأن تبايعا ذهبا بفضة، جاء القولان في أن الاجازة بجميع الثمن، أم بالقسط ؟ وإن كان الجنس متفقا، فالاجازة الحصة قطعا، لامتناع التفاضل. وإن خرج أحدهم خشبا، فلمن أخذه الخيار، ولا يجوز الاستبدال وإن خرج بعضه كذلك، فله الخيار أيضا. وهل له الفسخ في

(3/155)


المعيب، والاجازة في الباقي ؟ فيه قولا التفريق. فإن جوزنا، فالاجازة بالحصة. الحال الثاني: أن يرد عى ما في الذمة، ثم يحضراه ويتقابضا، فإن خرج أحدهما نحاسا وهما في المجلس، استبدل. وإن تفرقا، فالعقد باطل، لان المقبوض غير ما عقد عليه. وإن خرج خشنا، أو أسود، فإن لم يتفرقا، فله الخيار بين الرضى به والاستبدال وأن تفرقا، فهل له الاستبدال ؟ قولان. أظهرهما: نعم. كالمسلم فيه إذا خرج معيبا، لان القبض الاول صحيح، إذ لو رضي به، لجاز. والبدل قائم مقامه، ويجب أخذ البدل قبل التفرق عن مجلس الرد. وإن خرج البعض كذلك، وقد تفرقا، فإن جوزنا الاستبدال، استبدل، وإلا، فله الخيار بين فسخ العقد في الكل والاجازة. وهل له الفسخ في ذلك القدر والاجازة في الباقي ؟ فيه قولا التفريق. ورأس مال السلم، حكمه حكم عوض الصرف. ولو وجد أحد المتصارفين بما أخذه عيبا بعد تلفه، أو تبايعا طعاما بطعام، ثم وجد أحدهما بالمأخوذ عيبا بعد تلفه، نظر، وإن ورد العقد في معينين، واختلف الجنسان، فهو كبيع العرض بالنقد. وإن كان متفقا، ففيه الخلاف السابق في مسألة الحلي. وإن ورد على ما في الذمة ولم يتفرقا بعد، غرم ما تلف عنده، ويستبدل. وكذا إن تفرقا، وجوزنا الاستبدال. ولو وجد المسلم إليه برأس مال السلم عيبا بعد تلفه عنده، فإن كان معينا أو في الذمة، وعين وتفرقا، ولم نجوز الاستبدال، سقط من المسلم فيه بقدر نقصان العيب من قيمة رأس المال. وإن كان في الذمة وهما في المجلس، غرم التالف واستبدل. وكذا إن كان بعد التفرق وجوزنا الاستبدال. المسألة الثالثة: باع عبدا بألف، وأخذ بالالف ثوبا، ثم وجد المشتري بالعبد عيبا، ورده، قال القاضي أبو الطيب: يرجع بالثوب، لانه إنما تملكه بالثمن. وإذا فسخ البيع، سقط الثمن فانفسخ بيع الثوب. وقال الجمهور: يرجع بالالف، لان الثوب مملوك بعقد آخر.

(3/156)


ولو مات العبد قبل القبض، وانفسخ البيع، قال ابن سريج: يرجع بالالف دون الثوب، لان الانفساخ بالتلف يقطع العقد، ولا يرفعه من أصله، وهو الاصح، وفيه وجه آخر. الرابعة: باع عصيرا، فوجد المشتري به عيبا بعدما صار خمرا، فلا سبيل إلى رد الخمر، فيأخذ الارش. فإن تخلل، فللبائع أن يسترده، ولا يدفع الارش. ولو اشترى ذمي من ذمي خمرا، ثم أسلما، وعلم المشتري بالخمر عيبا، استرد جزءا من الثمن على سبيل الارش، ولا رد. ولو أسلم البائع وحده، فلا رد أيضا. ولو أسلم المشتري وحده، فله الرد، قاله ابن سريج، وعلل بأن المسلم لا يتملك الخمر، بل نزيل يده عنها. الخامسة: مؤنة رد المبيع بعد الفسخ بالعيب، على المشتري، ولو هلك في يده، ضمنه. السادسة: اختلفا في الثمن بعد رد المبيع، فالصحيح: أن القول قول البائع، لانه غارم، كما لو اختلفا في الثمن بعد الاقالة. وقيل: يتحالفان، وتبقى السلعة في يد المشتري، وله الارش على البائع، قاله ابن أبي هريرة. فقيل له: إذا لم يعرف الثمن، كيف يعرف الارش ؟ فقال: أحكم بالارش من القدر المتفق عليه. السابعة: لو احتيج إلى الرجوع بالارش، فاختلفا في الثمن، فالقول قول البائع على الاظهر. وعلى الثاني: قول المشتري. الثامنة: أوصى إلى رجل ببيع عبده أو ثوبه وشراء جارية بثمنه وإعتاقها، ففعل الوصي ذلك، ثم وجد المشتري بالبيع عيبا، فله رده على الوصي ومطالبته بالثمن، كما يرد على الوكيل، ثم الوصي يبيع العبد المردود، ويدفع الثمن إلى المشتري. ولو فرض الرد بالعيب على الوكيل، فهل للوكيل بيعه ثانيا ؟ وجهان. أحدهما: نعم، كالوصي. وأصحهما: لا، لان هذا ملك جديد فاحتاج إلى إذن جديد، بخلاف الايصاء، فإنه تولية وتفويض كلي. ولو وكله في البيع بشرط

(3/157)


الخيار للمشتري، فامتثل ورد المشتري، فإن قلنا: ملك البائع لم يزل، فله بيعه ثانيا. وإن قلنا: زال وعاد، فهو كالرد بالعيب. ثم إذا باعه الوصي ثانيا، نظر، إن باعه بمثل الثمن الاول، فذاك. وإن باعه بأقل، فهل النقص على الوصي، أو في ذمة الموصي ؟ وجهان. أصحهما: الاول، وبه قال ابن الحداد، لانه إنما أمره بشراء الجارية بثمن العبد، لا بالزيادة. وعلى هذا، لو مات العبد في يده بنفس الرد، غرم جميع الثمن. ولو باعه بأكثر من الثمن الاول، فإن كان ذلك لزيادة قيمة أو رغبة راغب، دفع قدر الثمن إلى المشتري، والباقي للوارث. وإن لم يكن كذلك فقد بان أن البيع الاول باطل، للغبن. ويقع عتق الجارية عن الوصي إن اشتراها في الذمة، وإن اشتراها بعين ثمن العبد، لم ينفذ الشراء ولا الاعتاق، وعليه شراء جارية أخرى بهذا الثمن وإعتاقها عن الموصي، هكذا أطلقه الاصحاب، ولا بد فيه من تقييد وتأويل، لان بيعه بالغبن وتسليمه عن علم بالحال، خيانة. والامين ينعزل بالخيانة، فلا يتمكن من شراء جارية أخرى. قلت: ليس في كلام الاصحاب، أنه باع بالغبن عالما، فالصورة مفروضة فيمن لم يعلم الغبن، ولا يحتاج إلى تكلف تصويرها في العالم وأن القاضي جدد له ولاية. وهذه مسائل ألحقتها. لو اشترى سلعة بألف في الذمة، فقضاه عنه أجنبي متبرعا فردت السلعة بعيب، لزم البائع رد الالف. وعلى من يرد ؟ وجهان. أحدهما: على الاجنبي، لانه الدافع. والثاني: على المشتري، لانه يقدر دخوله في ملكه. فإذا رد المبيع، رد إليه ما قابله، وبهذا الوجه قطع صاحب المعاياة ذكره في باب الرهن. قال: ولو خرجت السلعة مستحقة، رد الالف على الاجنبي قطعا، لانا تبينا أن لا ثمن ولا بيع.

(3/158)


قال أصحابنا: إذا انعقد البيع، لم يتطرق إليه الفسخ إلا بأحد سبعة أسباب، خيار المجلس، والشرط، والعيب، وخلف المشروط المقصود، والاقالة، والتحالف، وهلاك المبيع قبل القبض. قال القفال، والصيدلاني، وآخرون: لو اشترى ثوبا وقبضه وسلم ثمنه، ثم وجد بالثوب عيبا قديما، فرده، فوجد الثمن معيبا ناقص الصفة بأمر حدث عند البائع، يأخذه ناقصا، ولا شئ له بسبب النقص. وفيه احتمال لامام الحرمين، ذكره في باب تعجيل الزكاة. والله أعلم.
باب حكم المبيع قبل القبض وبعده وصفة القبض للقبض حكمان. أحدهما: انتقال الضمان إلى المشتري. فالمبيع قبل القبض، من ضمان البائع، ومعناه، أنه لو تلف، انفسخ العقد وسقط الثمن.

(3/159)


فلو أبرأ المشتري البائع من ضمان المبيع قبل القبض، فهل يبرأ، حتى لو تلف لا ينفسخ العقد ولا يسقط الثمن ؟ قولان. أظهرهما: لا يبرأ، ولا يتغير حكم العقد. ثم إذا انفسخ البيع، كان المبيع هالكا على ملك البائع. حتى لو كان عبدا، كانت مؤنة تجهيزه على البائع. وهل نقول بانتقال الملك إليه قبيل الهلاك، أم يرتفع العقد من أصله ؟ وجهان خرجهما ابن سريج. أصحهما وهو اختياره واختيار ابن الحداد: لا يرتفع من أصله كالرد بالعيب، وفي الزوائد الحادثة بيد البائع، من الولد والثمرة واللبن والبيض والكسب وغيرها هذان الوجهان، وذكرنا نظيرهما في الرد بالعيب قبل القبض، وطردهما جماعة في الاقالة إذا جعلناها

(3/160)


فسخا، وخرجوا عليهما الزوائد. والاصح في الجميع: أنها للمشتري، وتكون أمانة في يد البائع. ولو هلكت، والاصل باق بحاله، فلا خيار للمشتري. وفي معنى الزوائد، الركاز الذي يجده العبد وما وهب له، فقبضه وقبله، وما أوصي له به فقبله، هذا حكم التلف بآفة سماوية. أما إذا أتلف المبيع قبل القبض، فله ثلاثة أقسام. الاول: أن يتلفه المشتري، فهو قبض منه على الصحيح، لانه أتلف ملكه، فصار كما لو أتلف المالك المغصوب في يد الغاصب، يبرأ الغاصب، ويصير المالك مستردا بالاتلاف. وفي وجه: إتلافه ليس بقبض، لكن عليه القيمة للبائع، ويسترد الثمن، ويكون التلف من ضمان البائع. هذا عند العلم. أما إذا كان جاهلا، بأن قدم البائع الطعام المبيع إلى المشتري فأكله، فهل يجعل قبضا ؟ وجهان بناء على القولين، فيما إذا قدم الغاصب الطعام المغصوب إلى المالك فأكله جاهلا، هل يبرأ الغاصب ؟ فإن لم نجعله قابضا، فهو كإتلاف البائع. القسم الثاني: أن يتلفه أجنبي، فطريقان. أصحهما: على قولين. أحدهما: أنه كالتلف بآفة سماوية، لتعذر التسليم. وأظهرهما: أنه لا ينفسخ، بل

(3/161)


للمشتري الخيار، إن شاء فسخ واسترد الثمن، ويغرم الاجنبي للبائع، وإن شاء أجاز وغرم الاجنبي. والطريق الثاني: القطع بالقول الثاني، قاله ابن سريج. وإذا قلنا به، فهل للبائع حبس القيمة لاخذ الثمن ؟ وجهان. أحدهما: نعم. كما يحبس المرتهن قيمة ا لمرهون. وأصحهما: لا، كالمشتري إذا أتلف المبيع، لا يغرم القيمة ليحبسها البائع. وعلى الاول، لو تلفت القيمة في يده بآفة سماوية، هل ينفسخ البيع لانها بدل المبيع ؟ وجهان. أصحهما: لا. القسم الثالث: أن يتلفه البائع، فطريقان. أصحهما: على قولين. أظهرهما: ينفسخ البيع كالافة. والثاني: لا، بل إن شاء فسخ وسقط الثمن، وإن شاء أجاز وغرم البائع القيمة وأدى له الثمن. وقد يقع ذلك في أقول التقاص. والطريق الثاني: القطع بالقول الاول. فإن لم نقل بالانفساخ، عاد الخلاف في حبس القيمة. وقيل: لا حبس هنا قطعا، لتعديه بإتلاف العين. فرع باع شقصا من عبد وأعتق باقيه قبل القبض وهو موسر، عتق كله، وانفسخ البيع، وسقط الثمن إن جعلنا إتلاف البائع كالآفة السماوية، وإلا، فللمشتري الخيار. فرع لو استعمل البائع المبيع قبل القبض، فلا أجرة عليه إن جعلنا إتلافه كالآفة، وإلا، فعليه الاجرة. فرع إتلاف الاعجمي، والصبي الذي لا يميز، بأمر البائع أو المشتري، كإتلافهما. وإتلاف المميز بأمرهما، كإتلاف الاجنبي. وذكر القاضي حسين، أن إذن المشتري للاجنبي في الاتلاف يلغو، وإذا أتلف، فله الخيار. وأنه لو أذن البائع

(3/162)


في الاكل والاحراق، ففعل، كان التلف من ضمان البائع، بخلاف ما لو أذن للغاصب ففعل، فإنه يبرأ، لان الملك هناك مستقر. وفي فتاوى القفال: أن إتلاف عبد البائع، كإتلاف الاجنبي. وكذا، إتلاف عبد المشتري بغير إذنه. فإن أجاز، جعل قابضا، كما لو أتلفه بنفسه. وإن فسخ، اتبع البائع الجاني. وأنه لو كان المبيع علفا، فاعتلفه حمار المشتري بالنهار، ينفسخ البيع. وإن اعتلفه بالليل، لم ينفسخ، وللمشتري الخيار، فإن أجاز، فهو قابض، وإلا، طالبه البائع بقيمة ما أتلف حماره. وأطلق القول، بأن إتلاف بهيمة البائع، كالآفة السماوية. فقيل له: فهلا فرقت فيها أيضا بين الليل والنهار ؟ فقال: هذا موضع فكر. فرع لو صال العبد المبيع على المشتري في يد البائع، فقتله دفعا، قال القاضي: يستقر عليه الثمن، لانه أتلفه لغرضه. وقال الشيخ أبو علي: لا يستقر. قلت: قول أبي علي أصح. ولهذا، لا يضمنه الاجنبي، ولا المحرم لو كان صيدا. وكذا لو صال المغصوب على مالكه فقتله دفعا، لم يبرأ الغاصب، سواء علم أنه ملكه، أم لا. وفي العالم، وجه شاذ، وسيأتي إيضاحه في أول كتاب الغصب إن شاء الله تعالى. والله أعلم. فرع لو أخذ المشتري المبيع بغير إذن البائع، فللبائع الاسترداد إذا ثبت له حق الحبس، فإن أتلفه في يد المشتري، فقولان. أحدهما: عليه القيمة ولا خيار للمشتري، لاستقرار العقد بالقبض وإن كان ظالما فيه. والثاني: يجعل مستردا بالاتلاف، كما أن المشتري قابض بالاتلاف. وعلى هذا، فيفسخ البيع، أو يثبت الخيار للمشتري. قال الامام: الظاهر: الثاني. فرع وقوع الدرة في البحر قبل القبض، كالتلف، فينفسخ به البيع. وكذا انفلات الصيد المتوحش والطير، قاله في التتمة: ولو غرق الماء الارض المشتراة، أو وقع عليها صخور عظيمة من جبل، أو ركبها رمل، فهل هو كالتلف أو يثبت الخيار ؟ وجهان. أصحهما: الثاني. فرع لو أبق العبد قبل القبض، أو ضاع في انتهاب العسكر، لم ينفسخ البيع، لبقاء المالية ورجاء العود. وفي وجه ضعيف: ينفسخ كالتلف.

(3/163)


ولو غصبه غاصب، فليس له إلا الخيار. فإن أجاز، لم يلزمه تسليم الثمن، وإن سلمه، قال القفال: ليس له الاسترداد، لتمكنه من الفسخ. وإن أجاز، ثم أراد الفسخ، فله ذلك، كما لو انقطع المسلم فيه فأجاز ثم أراد الفسخ، لانه يتصرر كل ساعة. وحكي عن القفال مثله فيما إذا أتلف الاجنبي المبيع قبل القبض، وأجاز المشتري ليتبع الاجنبي، ثم أراد الفسخ، قال القاضي: في هذه الصورة، ينبغي أن لا يمكن من الرجوع، لانه رضي بما في ذمة الاجنبي، فأشبه الحوالة. فرع لو جحد البائع العين قبل القبض، فللمشتري الفسخ، للتعذر. فرع منقول من فتاوى القاضي باع عبده رجلا، ثم باعه لآخر وسلمه إليه، وعجز عن انتزاعه منه وتسليمه إلى الاول، فهذا جناية منه على المبيع، فهو كالجناية الحسية، فينفسخ البيع على الاظهر، ويثبت للمشتري الخيار في القول الثاني، بين أن يفسخ وبين أن يجيز ويأخذ القيمة من البائع. ولو طالب البائع بالتسليم، وزعم قدرته عليه، وقال البائع: أنا عاجز عنه، حلف. فإن نكل، حلف المشتري أنه قادر، وحبس إلى أن يسلمه أو يقيم البينة بعجزه، فإن ادعى ا لمشتري الاول على الثاني العلم بالحال، فأنكر: حله، فإن نكل، حلف هو وأخذ منه.
فصل إذا طرأ على المبيع قبل القبض، عيب أو نقص، نظر إن كان بآفة سماوية، بأن عمي العبد، أو شلت يده، أو سقطت، فللمشتري الخيار، إن شاء فسخ، وإلا، أجاز بجميع الثمن، ولا أرش له مع القدرة على الفسخ. وإن كان بجناية، عادت الاقسام الثلاثة. أولها: أن يكون الجاني هو المشتري. فإذا قطع يد العبد مثلا قبل القبض، فلا خيار له، لان النقص بفعله، بل يمتنع بسببه الرد بجميع العيوب القديمة، ويجعل قابضا لبعض المبيع، حتى يستقر عليه ضمانه. فإن مات العبد في يد البائع بعد الاندمال، لم يضمن المشتري اليد بأرشها المقدر، ولا بما نقص من القيمة، وإنما

(3/164)


يضمنها بجزء من الثمن، كما يضمن الجميع بكل الثمن. وفي معياره، وجهان. أصحهما وبه قال ابن سريج وابن الحداد: يقوم العبد صحيحا ثم مقطوعا، ويعرف التفاوت، فيستقر عليه من الثمن بمثل تلك النسبة. بيانه: قوم صحيحا بثلاثين، ومقطوعا بخمسة عشر، فعليه نصف الثمن. ولو قوم مقطوعا بعشرين، كان عليه ثلث الثمن. والوجه الثاني، قاله القاضي أبو الطيب: يستقر من الثمن بنسبة أرش اليد من القيمة، وهو النصف. وعلى هذا، لو قطع يديه واندملتا، ثم مات العبد في يد البائع، لزم المشتري تمام الثمن هذا كله تفريع على الصحيح أن إتلاف المشتري قبض. فأما على الوجه الضعيف أنه ليس بقبض، فلا يجعل قابضا لشئ من العبد، وعليه ضمان اليد بأرشها المقدر، وهو نصف القيمة كالاجنبي. وقياسه: أن يكون له الخيار. القسم الثاني: أن يكون الجاني أجنبيا، فيقطع يده قبل القبض، فللمشتري الخيار، إن شاء فسخ، وتبع البائع الجاني، وإن شاء أجاز البيع بجميع الثمن وغرم الجاني. قال الماوردي: وإنما يغرمه إذا قبض العبد. أما قبله، فلا، لجواز موت العبد في يد البائع وانفساخ البيع. ثم الغرامة الواجبة على الاجنبي، هل هي نصف القيمة، أو ما نقص من القيمة بالقطع ؟ قولان جاريان في جراح العبيد مطلقا. والمشهور: الاول. القسم الثالث: أن يجني البائع، فيقطع يد العبد قبل تسليمه، فإن قلنا بالاظهر: إن جنايته كالآفة السماوية، فللمشتري الخيار، إن شاء فسخ واسترد

(3/165)


الثمن، وإن شاء أجاز بجميع الثمن. وإن قلنا: كجناية الاجنبي، فله الخيار أيضا، إن فسخ، فذاك، وإن أجاز، رجع بالارش على البائع. وفي قدره القولان المذكوران في الاجنبي.
فصل إذا اشترى عبدين، فتلف أحدهما قبل القبض، انفسخ البيع فيه، وفي الباقي قولا التفريق. فإن قلنا: لا ينفسخ، وأجاز، فبكم يجيز ؟ فيه خلاف قدمناه في باب تفريق الصفقة. ولو احترق سقف الدار المبيعة قبل القبض، أو تلف بعض أبنيتها، فوجهان. أحدهما: أنه كالتعيب، كسقوط يد المبيع ونحوه. وأصحهما: أنه كتلف أحد العبدني، فينفسخ البيع فيه. وفي الباقي، القولان، لان السقف يمكن بيعه منفصلا، بخلاف يد العبد. وذكر بعض المتأخرين: أنه إذا احترمن الدار ما يفوت الغرض المطلوب منها، ولم يبق إلا طرف، انفسخ البيع في الكل، وجعل فوات البعض في ذلك، كفوات الكل. الحكم الثاني للقبض: التسلم على التصرف، فلا يجوز بيع المبيع قبل القبض، عقارا كان أو منقولا، لا بإذن البائع، ولا دون إذنه، لا قبل أداء الثمن، ولا بعده.

(3/166)


وفي الاعتاق قبل القبض أوجه. أصحها: يصح، ويصير قبضا، سواء كان للبائع حق الحبس، أم لا. والثاني: لا يصح. والثالث: إن لم يكن للبائع حق الحبس، بأن كان الثمن مؤجلا أو حالا وقد أداه المشتري، صح، وإلا، فلا. وإن وقف المبيع قبل القبض. قال في التتمة: إن قلنا: الوقف يفتقر إلى القبول، فهو كالبيع، وإلا، فهو كالاعتاق، وبه قطع في الحاوي، وقال: يصير قابضا، حتى لو لم يرفع البائع يده عنه، صار مضمونا عليه بدلقيمة. وكذا قال في إباحة الطعام للمساكين إذا كان قد اشتراه جزافا. والكتابة كالبيع على الاصح، إذ ليس لها قوة العتق وغلبته، والاستيلاد كالعتق. وفي الرهن والهبة، وجهان. وقيل: قولان. أصحهما عند جمهور الاصحاب: لا يصحان. وإذا صححناهما، فنفس العقد ليس بقبض، بل يقبضه المشتري من البائع، ثم يسلمه للمتهب والمرتهن. فلو أذن للمتهب والمرتهن في قبضه، قال في التهذيب: يكفي، ويتم به البيع والرهن والهبة بعده. وقال الماوردي: لا يكفي ذلك للبيع وما بعده، ولكن ينظر، إن قصد قبضه للمشتري، صح قبض البيع، ولا بد من استئناف قبض للهبة، ولا يجوز أن يأذن له في قبضه من نفسه لنفسه. وإن قصد قبضه لنفسه، لم يحصل القبض للبيع، ولا للهبة، لان قبضها، يجب أن يتأخر عن تمام البيع.

(3/167)


والاقراض والتصدق كالهبة والرهن، ففيهما الخلاف. ولا تصح إجارته على الاصح عند الجمهور. ويصح التزويج على أصح الاوجه، ولا يصح في الثاني. وفي الثالث: إن كان للبائع حق الحبس، لم يصح، وإلا، صح. وطرد هذا الوجه في الاجارة. وإذا صححنا التزويج، فوطئ الزوج، لم يكن قبضا. فرع كما لا يجوز بيع المبيع قبل القبض، لا يجوز جعله أجرة ولا عوضا في صلح. ولا يجوز السلم ولا التولية والاشراك. وفي التولية والاشراك، وجه ضعيف. فرع جميع ما ذكرنا، في تصرفه مع غير البائع. أما إذا باعه للبائع، فوجهان. أصحهما: أنه كغيره. والثاني: يصح، وهما فيما إذا باعه بغير جنس الثمن، أو بزيادة، أو نقص، أو تفاوت صفة، وإلا، فهو إقالة بصيغة البيع، قاله في التتمة. ولو رهنه أو وهبه له، فطريقان. أحدهما: القطع بالبطلان. وأصحهما: أنه على الخلاف كغيره. فإن جوزنا، فأذن له في القبض، فقبض، ملك في صورة الهبة، وثبت الرهن. ولا يزول ضمان البيع في صورة الرهن، بل إن تلف، انفسخ البيع. ولو رهنه عند البائع بالثمن، فقد سبق حكمه. فرع لابن سريج باع عبدا بثوب، وقبض الثوب، ولم يسلم العبد، فله بيع الثوب، وليس للآخر بيع العبد. فلو باع الثوب وهلك العبد، بطل العقد فيه، ولا يبطل في الثوب، ويغرم قيمته لبائعه. ولا فرق بين أن يكون هلاك العبد بعد تسليم الثوب أو قبله، لخروجه عن ملكه بالبيع، ولو تلف الثوب والعبد في يده،

(3/168)


غرم لبائع الثوب القيمة، ولمشتريه الثمن.
فصل المال المستحق للانسان عند غيره، عين، ودين. أما الثاني، فسيأتي في الفصل الذي بعد هذا إن شاء الله تعالى. وأما الاول: فضربان، أمانة، ومضمون. الضرب الاول: الامانات، فيجوز للمالك بيعها، لتمام الملك، وهي كالوديعة في يد المودع، ومال الشركة والقراض في يد الشريك والعامل، والمال في يد الوكيل في البيع ونحوه، وفي يد المرتهن بعد فكاك الرهن، وفي يد المستأجر بعد فراغ المدة، والمال في يد القيم بعد بلوغ الصبي رشيدا، وما كسبه العبد باحتطاب وغيره، أو قبله بالوصية قبل أن يأخذه السيد. ولو ورث مالا، فله بيعه قبل أخذه، إلا إذا كان المورث لا يملك بيعه أيضا مثل ما اشتراه ولم يقبضه. ولو اشترى من مورثه شيئا، ومات المورث قبل التسليم، فله بيعه، سواء كان على المورث دين، أم لا. وحق الغريم يتعلق بالثمن، فإن كان له وارث آخر، لم ينفذ بيعه في قدر نصيب الآخر حتى يقبضه. ولو أوصى له بمال، فقبل الوصية بعد موت الموصي، فلبيعه قبل قبضه. وإن باعه بعد الموت وقبل القبول، جاز إن قلنا: تملك الوصية بالموت. وإن قلنا: بالقبول، أو هو موقوف، فلا. الضرب الثاني: المضمونات، وهي نوعان. الاول: المضمون بالقيمة، ويسمى: ضمان اليد، فيصح بيعه قبل القبض، لتمام الملك فيه. ويدخل فيه ما صار مضمونا بالقيمة بعقد مفسوخ وغيره. حتى لو باع عبدا، فوجد المشتري به عيبا، وفسخ البيع، كان للبائع بيع العبد وإن لم يسترده، قال في التتمة: إلا إذا لم يؤد الثمن، فإن للمشتري حبسه إلى استرجاع

(3/169)


الثمن. ولو فسخ السلم لانقطاع المسلم فيه، فللمسلم بيع رأس المال قبل استرداده. وكذا للبائع بيع المبيع إذا فسخ بإفلاس المشتري، ولم يسترده بعد. ويجوز بيع المال في يد المستعير والمستام، وفي يد المشتري والمتهب في الشراء والهبة الفاسدين. ويجوز بيع المغصوب للغاصب. النوع الثاني: المضمون بعوض في عقد معاوضة، لا يصح بيعه قبل القبض، لتوهم الانفساخ بتلفه، وذلك كالمبيع والاجرة والعوض المصالح عليه عن المال. وفي بيع الصداق قبل القبض، قولان، بناء على أنه مضمون على الزوج ضمان العقد، أو ضمان اليد ؟ والاظهر: ضمان العقد. يجري القولان في بيع الزوج بدل الخلع قبل القبض، وبيع العافي عن القود المال المعفو عليه قبل القبض لمثل هذا المأخذ. فرع وراء ما ذكرنا صور، إذا تأملتها عرفت من أي ضرب هي. فمنها: حكى صاحب التلخيص عن نص الشافعي رضي الله عنه: أن الارزاق التي يخرجها السلطان للناس، يجوز بيعها قبل القبض. فمن الاصحاب من قال: هذا إذا أفرزه السلطان، فتكون يد السلطان في الحفظ يد المفرز له، ويكفي ذلك لصحة البيع. ومنهم من لم يكتف بذلك، وحمل النص على ما إذا وكل وكيلا في قبضه، فقبضه الوكيل، ثم باعه الموكل، وإلا، فهو بيع شئ غير مملوك، وبهذا قطع القفال في الشرح. قلت: الاول: أصح وأقرب إلى النص. وقوله: وبه قطع القفال، يعني بعدم الاكتفاء، لا بالتأويل المذكور، فإني رأيت في شرح التلخيص للقفال، المنع المذكور. قال: ومراد الشافعي رضي الله عنه بالرزق، الغنيمة، ولم يذكر غيره. ودليل ما قاله الاول، أن هذا القدر من المخالفة للقاعدة، احتمل للمصلحة والرفق بالجند، لمسيس الحاجة. والله أعلم. ومنها: بيع أحد الغانمين نصيبه على الاشاعة قبل القبض، صحيح إذا كان معلوما وحكمنا بثبوت الملك في الغنيمة. وفيما يملكها به خلاف مذكور في بابه. ومنها: لو رجح فيما وهب لولده، فله بيعه قبل قبضه على الصحيح. ومنها: الشفيع إذا تملك الشقص، قال في التهذيب: له بيعه قبل

(3/170)


القبض. وقال في التتمة: ليس له ذلك، لان الاخذ بها معاوضة. قلت: الثاني: أقوى. والله أعلم. ومنها: للموقوف عليه بيع الثمرة الخارجة من الشجرة الموقوفة، قبل أن يأخذها. ومنها: إذا استأجر صباغا لصبغ ثوب وسلمه إليه، فليس للمالك بيعه قبل صبغه، لان له حبسه لعمل ما يستحق به الاجرة. وإذا صبغه، فله بيعه قبل استرداده إن دفع الاجرة، وإلا، فلا، لانه يستحق حبسه إلى استيفاء الاجرة. ولو استأجر قصارا لقصر ثوب وسلمه إليه، لم يجز بيعه قبل قصره، فإذا قصره، بني على أن القصارة عين فيكون كمسألة الصبغ، أو أثر، فله البيع، إذ ليس للقصار الحبس على هذا، وعلى هذا قياس صبغ الذهب، ورياضة الدابة، ونسج الغزل. ومنها: إذا قاسم شريكه، فبيع ما صار له قبل قبضه، يبنى على أن القسمة بيع، أو إفراز ؟ ومنها: إذا أثبت صيدا بالرمي، أو وقع في شبكه، فله بيعه وإن لم يأخذه، ذكره صاحب التلخيص هنا، قال القفال: ليس هو مما نحن فيه، لانه بإثباته قبضه حكما. فرع تصرف المشتري في زوائد المبيع قبل القبض، كالولد، والثمرة، يبنى على أنها تعود إلى البائع لو عرض انفساخ، أو لا تعود، فإن أعدناها، لم يتصرف فيها كالاصل، وإلا، تصرف. ولو كانت الجارية حاملا عند البيع، وولدت قبل القبض، إن قلنا: الحمل يقابله قسط من الثمن، لم يتصرف فيه، وإلا، فهو كالولد الحادث بعد البيع. فرع إذا باع متاعا بدراهم، أو بدنانير معينة، فلها حكم المبيع، فلا يجوز تصرف البائع فيها قبل قبضها، لانها تتعين بالتعيين، فلا يجوز للمشتري إبدالها بمثلها، ولو تلفت قبل القبض، انفسخ البيع، ولو وجد البائع بها عيبا، لم يستبدل

(3/171)


بها، بل إن رضيها، وإلا، فسخ العقد، فلو أبدلها بمثلها، أو بغير جنسها برضى البائع، فهو كبيع المبيع للبائع.
فصل الدين في الذمة ثلاثة أضرب. مثمن، وثمن، وغيرهما. وفي حقيقة الثمن أوجه. أحدها: ما ألصق به الباء، قاله القفال والثاني: النقد، والمثمن ما يقابله على الوجهين. وأصحها: أن الثمن: النقد، والمثمن: ما يقابله. فإن لم يكن في العقد نقد، أو كان العوضان نقدين، فالثمن ما ألصق به الباء، والمثمن ما يقابله. فلو باع أحد النقدين بالآخر، فعلى الوجه الثاني: لا مثمن فيه. ولو باع عرضا بعرض، فعلى الوجه الثاني: لا ثمن فيه، وإنما هو مبادلة. ولو قال: بعتك هذه الدراهم بهذا العبد، فعلى الوجه الاول: العبد ثمن، والدراهم مثمن. وعلى الوجه الثاني والثالث: في صحة العقد، وجهان، كالسلم في الدراهم والدنانير. فإن صححنا، فالعبد مثمن. ولو قال: بعتك هذا الثوب بعبد، ووصفه، صح العقد، فإن قلنا: الثمن ما ألصق به الباء، فالعبد ثمن. ولا يجب تسليم الثوب في المجلس، وإلا، ففي وجوب تسليم الثوب وجهان، لانه ليس فيه لفظ السلم، لكن فيه معناه، فإذا عرفت هذا، عدنا إلى بيان الاضرب. الضرب الاول: المثمن، وهو المسلم فيه، فلا يجوز الاستبدال عنه، ولا بيعه. وهل تجوز الحوالة به، بأن يحيل المسلم إليه المسلم بحقه على من له عليه دين قرض أو إتلاف، أو الحوالة عليه، بأن يحيل المسلم من له دين قرض أو إتلاف على المسلم إليه ؟ فيه ثلاثة أوجه. أصحها: لا. والثاني: نعم. والثالث: لا تجوز عليه، وتجوز به. وهكذا حكوا الثالث، وعكسه في الوسيط فقال: تجوز عليه لا به، ولا أظن نقله ثابتا. الضرب الثاني: الثمن، فإذا باع بدراهم أو دنانير في الذمة، ففي الاستبدال

(3/172)


عنها، طريقان. أحدهما: القطع بالجواز، قاله القاضي أبو حامد، وابن القطان. وأشهرهما: على قولين. أظهرهما، وهو الجديد: جوازه. والقديم: منعه. ولو باع في الذمة بغير الدراهم والدنانير، فإن قلنا: الثمن ما ألصق به الباء، جاز الاستبدال عنه كالنقدين، وادعى في التهذيب: أنه المذهب، وإلا، فلا، لان ما ثبت في الذمة مثمنا، لم يجز الاستبدال عنه. والاجرة كالثمن، والصداق وبدل الخلع، كذلك إن قلنا: إنهما مضمونان ضمان العقد، وإلا، فهما كبدل الاتلاف. التفريع: إن منعنا الاستبدال عن الدراهم، فذاك إذا استبدل عنها عرضا. فلو استبدل نوعا منها بنوع، أو استبدل الدراهم عن الدنانير، فوجهان. لاستوائهما في الرواج، وإن جوزناه، فلا فرق بين بدل وبدل. ثم ينظر، إن استبدل ما يوافقهما في علة الربا كدنانير عن دراهم، اشترط قبض البدل في المجلس، وكذا إن استبدل عن الحنطة المبيع بها شعيرا إن جوزنا ذلك. وفي اشتراط تعيين البدل عند العقد، وجهان. أحدهما: يشترط، وإلا، فهو بيع دين بدين. وأصحهما: لا، كما لو تصارفا في الذمة، ثم عينا وتقابضا في المجلس. وإن استبدل ما لا يوافقها في علة الربا، كالطعام والثياب عن الدراهم، نظر، إن عين البدل، جاز. وفي اشتراط قبضه في المجلس، وجهان. صحح الغزالي وجماعة الاشتراط، وهو ظاهر نصه في المختصر، وصحح الامام والبغوي عدمه. قلت: الثاني: أصح، وصححه في المحرر. والله أعلم. وإن لم يعين، بل وصف في الذمة، فعلى الوجهين السابقين. إن جوزنا، اشترط التعيين في المجلس. وفي اشتراط القبض، الوجهان.

(3/173)


الضرب الثالث: ما ليس بثمن ولا مثمن، كدين القرض والاتلاف، فيجوز الاستبدال عنه بلا خلاف، كما لو كان له في يد غيره مال بغصب أو عارية، يجوز بيعه له، ثم الكلام في اعتبار التعيين والقبض، على ما سبق. وفي الشامل أن القرض إنما يستبدل عنه إذا تلف. فإن بقي في يده، فلا، ولم يفرق الجمهور. ولا يجوز استبدال المؤجل عن الحال، ويجوز عكسه. فرع اعلم أن الاستبدال، بيع لمن عليه دين. فأما بيعه لغيره، كمن له على إنسان مائة، فاشترى من آخر عبدا بتلك المائة، فلا يصح على الاظهر، لعدم القدرة على التسليم. وعلى الثاني: يصح، بشرط أن يقبض مشتري الدين الدين ممن عليه، وأن يقبض بائع الدين العوض في المجلس. فإن تفرقا قبل قبض أحدهما، بطل العقد. قلت: الاظهر: الصحة. والله أعلم. ولو كان له دين على إنسان، والآخر مثله على ذلك الانسان، فباع أحدهما ما له عليه بما لصاحبه، لم يصح، اتفق الجنس أو اختلف، لنهيه - صلى الله عليه وسلم - عن بيع الكالئ بالكالئ.

(3/174)


فصل في حقيقة القبض والقول الجملي فيه، أن الرجوع فيما يكون قبضا إلى العادة. ويختلف بحسب اختلاف المال. وتفصيله أن المبيع نوعان. النوع الاول: ما لا يعتبر فيه تقدير، إما لعدم إمكانه، وإما مع إمكانه، فينظر، إن كان مما لا ينقل كالارض والدور، فقبضه بالتخلية بينه وبين المشتري، وتمكينه من اليد والتصرف بتسليم المفتاح إليه. ولا يعتبر دخوله وتصرفه فيه، ويشترط كونه فارغا من أمتعة البائع، فلو باع دارا فيها أمتعة للبائع، توقف التسليم على تفريغها، وكذا لو باع سفينة مشحونة بالقماش. قلت: وقد حكى الرافعي بعد هذا وجها عند بيع الارض المزروعة في باب الالفاظ المطلقة في البيع، أنه لا يصح بيع الدار المشحونة، وأن إمام الحرمين، ادعى أنه ظاهر المذهب. والله أعلم. ولو جمع البائع متاعه في بيت من الدار، وخلى بين المشتري وبين الدار، حصل القبض فيما عدا ذلك البيت. وفي اشتراط حضور المتبايعين عند المبيع، ثلاثة أوجه. أحدها: يشترط، فإن حضرا عنده، فقال البائع للمشتري: دونك هذا ولا مانع، حصل القبض، وإلا، فلا. والثاني: يشترط حضور المشتري دون البائع. وأصحها: لا يشترط حضور واحد منهما، لان ذلك يشق. فعلى هذا هل يشترط زمان إمكان المضي ؟ وجهان. أصحهما: نعم. وفي معنى الارض الشجر الثابت، والثمرة المبيعة على ا لشجر قبل أوان الجداد. وإن كان المبيع من المنقولات، فالمذهب والمشهور: أنه

(3/175)


لا يكفي فيه التخلية، بل يشترط النقل والتحريك. وفي قول رواه حرملة: يكفي. وفي وجه: يكفي لنقل الضمان إلى المشتري، ولا يكفي لجواز تصرفه. فعلى المذهب: يأمر العبد بالانتقال من موضعه، ويسوق الدابة أو يقودها. قلت: ولا يكفي استعماله الدابة وركوبها بلا نقل، وكذا وطئ الجارية على الصحيح. ذكره في البيان. والله أعلم. وإذا كان المبيع في موضع لا يختص بالبائع، كموات، ومسجد، وشارع، أو في موضع يختص بالمشتري، فالتحويل إلى مكان منه، كاف. وإن كان في بقعة مخصوصة بالبائع، فالنقل من زاوية منه إلى زاوية، أو من بيت من داره إلى بيت بغير إذن البائع لا يكفي لجواز التصرف، ويكفي لدخوله في ضمانه. وإن نقل بإذنه، حصل القبض، وكأنه استعار ما نقل إليه. ولو اشترى الدار مع أمتعة فيها صفقة واحدة، فخلى البائع بينها وبينه، حصل القبض في الدار. وفي الامتعة، وجهان. أصحهما: يشترط نقلها كما لو أفردت. والثاني: يحصل فيها القبض تبعا، وبه قطع الماوردي وزاد فقال: لو اشترى صبرة ولم ينقلها حتى اشترى الارض التي عليها الصبرة، وخلى البائع بينه وبينها، حصل القبض في الصبرة. قلت: قال: ولو استأجرها، فوجهان. الصحيح: أنه ليس قبضا. والله أعلم. فرع لو لم يتفقا على القبض، فجاء البائع بالمبيع، فامتنع المشتري من قبضه، أجبره الحاكم عليه. فإن أصر، أمر الحاكم من يقبضه عنه، كما لو كان غائبا.

(3/176)


فرع لو جاء البائع بالمبيع، فقال المشتري: ضعه، فوضعه بين يديه، حصل القبض، وإن وضعه بين يديه ولم يقل المشتري شيئا، أو قال: لا أريده، فوجهان. أحدهما: لا يحصل القبض، كما لا يحصل الايداع. وأصحهما: يحصل، لوجوب التسليم، كما لو وضع الغاصب المغصوب بين يدي المالك، يبرأ من الضمان. فعلى هذا، للمشتري التصرف فيه، ولو تلف، فمن ضمانه. لكن لو خرج مستحقا ولم نجز إلا وضعه، فليس للمستحق مطالبة المشتري بالضمان، لان هذا القدر لا يكفي لضمان الغصب. ولو وضع المديون الدين بين يدي مستحقه، ففي حصول التسليم خلاف مرتب على المبيع، وأولى بعدم الحصول، لعدم تعين الدين فيه. فرع للمشتري الاستقلال بنقل المبيع، إن كان دفع الثمن، أو كان مؤجلا، كما للمرأة قبض الصداق بغير إذن الزوج إذا سلمت نفسها، وإلا، فلا، وعليه الرد، لان البائع يستحق الحبس لاستيفاء الثمن، ولا ينفذ تصرفه فيه، لكن يدخل في ضمانه. فرع دفع ظرفا إلى البائع وقال: اجعل المبيع فيه، ففعل، لا يحصل التسليم، إذ لم يوجد من المشتري قبض، والظرف غير مضمون على البائع، لانه استعمله في ملك المشتري بإذنه. وفي مثله في السلم، يكون الظرف مضمونا على المسلم إليه، لانه استعمله في ملك نفسه. ولو قال للبائع: أعرني ظرفك، واجعل المبيع فيه، ففعل، لا يصير المشتري قابضا. النوع الثاني: ما يعتبر فيه تقدير، بأن اشترى ثوبا أو أرضا مذارعة، أو متاعا موازنة، أو صبرة مكايلة، أو معدودا بالعدد، فلا يكفي للقبض ما سبق في النوع الاول، بل لا بد مع ذلك من الذرع، أو الوزن، أو الكيل، أو العد. وكذا لو أسلم في آصع طعام، أو أرطال منه، يشترط في قبضه الكيل والوزن. فلو قبض جزافا ما اشتراه مكايلة، دخل المقبوض في ضمانه. وأما تصرفه فيه بالبيع ونحوه، فإن باع الجميع، لم يصح، لانه قد يزيد على لمستحق. فإن باع ما يتيقن أنه له، لم يصح أيضا على الصحيح الذي قاله

(3/177)


الجمهور. وقبض ما اشتراه كيلا بالوزن، أو وزنا بالكيل، كقبضه جزافا. ولو قال البائع: خذه، فإنه كذا، فأخذه مصدقا له، فالقبض فاسد أيضا حتى يقع اكتيال صحيح. فإن زاد، رد الزيادة. وأن نقص، أخذ التمام. فلو تلف المقبوض، فزعم الدافع أنه كان قدر حقه أو أكثر، وزعم القابض أنه كان دون حقه أو قدره، فالقول قول القابض. فلو أقر بجريان الكيل، لم يسمع منه خلافه. وللمبيع مكايلة صور. منها: قوله: بعتك هذه الصبرة كل صاع بدرهم. ومنها: بعتكها على أنها عشرة آصع. ومنها: بعتك عشرة آصع منها، وهما يعلمان صيعانها، أو لا يعلمان إذا جوزنا ذلك. فرع ليس على البائع الرضى بكيل المشتري، ولا على المشتري الرضى بكيل البائع، بل يتفقان على كيال، وإن لم يتراضيا، نصب الحاكم أمينا يتولاه، قاله في الحاوي فرع مؤنة الكيل الذي يفتقر إليه القبض على البائع، كمؤنة إحضار المبيع الغائب، ومؤنة وزن الثمن على المشتري، لتوقف التسليم عليه. ومؤنة نقد الثمن هل على البائع، أو المشتري ؟ وجهان. قلت: ينبغي أن يكون الاصح، أنها على البائع. والله أعلم. فرع لو كان لزيد على عمرو طعام سلما، ولآخر مثله على زيد، فأراد زيد أداء ما عليه مما له على عمرو، فقال لغريمه: اذهب إلى عمرو واقبض لنفسك ما لي عليه، فقبضه، فهو فاسد، وكذا لو قال: احضر معي لاكتاله منه لك، ففعل. وإذا فسد القبض، فالمقبوض مضمون على القابض. وهل تبرأ ذمة عمرو من حق زيد ؟ وجهان. أصحهما: نعم. فإن قلنا: لا تبرأ، فعلى القابض رد المقبوض إلى عمرو. ولو قال زيد: اذهب فاقبضه لي، ثم اقبضه مني لنفسك بذلك الكيل، أو

(3/178)


قال: احضر معي لاقبضه لنفسي، ثم تأخذه بذلك الكيل، ففعل، فقبضه لزيد في الصورة الاولى، وقبض زيد لنفسه في الثانية، صحيحان، وتبرأ ذمة عمرو من حق زيد، والقبض الآخر فاسد، والمقبوض مضمون عليه. وفي وجه: يصح قبضه لنفسه في الصورة الاولى. ولو اكتال زيد وقبضه لنفسه، ثم كاله على مشتري وأقبضه، فقد جرى الصاعان، وصح القبضان. فلو زاد حين كاله ثانيا، أو نقص، فالزيادة لزيد، والنقص عليه إن كان قدرا يقع بين الكيلين. فإن كان أكثر، علمنا أن الكيل الاول غلط، فيرد زيد الزيادة، ويرجع بالنقصان. ولو أن زيدا لما اكتاله لنفسه لم يخرجه من المكيال، وسلمه كذلك إلى مشتريه، فوجهان. أحدهما: لا يصح القبض الثاني حتى يخرجه ويبتدئ كيلا. وأصحهما عند الاكثرين: أن استدامته في المكيال، كابتداء الكيل. وهذه الصورة، كما تجري في ديني السلم، تجري فيما لو كان أحدهما مستحقا بالسلم، والآخر بقرض أو إتلاف. فرع للمشتري أن يوكل في القبض، وللبائع أن يوكل في الاقباض، ويشترط فيه أمران. أحدهما: أن لا يوكل المشتري من يده يد البائع، كعبده، ومستولدته، ولا بأس بتوكيل أبيه وابنه ومكاتبه. وفي توكيله عبده المأذون له، وجهان. أصحهما: لا يجوز. ولو قال للبائع: وكل من يقبض لي منك، ففعل، جاز، ويكون وكيلا للمشتري. وكذا لو وكل البائع بأن يأمر من يشتري منه للموكل. الامر الثاني: أن لا يكون القابض والمقبض واحدا، فلا يجوز أن يوكل البائع رجلا بالاقباض، ويوكله المشتري بالقبض. كما لا يجوز أن يوكله هذا بالبيع، وذاك بالشراء. ولو كان عليه طعام أو غيره من سلم أو غيره، فدفع إلى المستحق دراهم، وقال: اشتر بها مثل ما تستحقه لي، واقبضه لي، ثم اقبضه لنفسك، ففعل، صح الشراء والقبض للموكل، ولا يصح قبضه لنفسه، لاتحاد القابض

(3/179)


والمقبض، ولامتناع كونه وكيلا لغيره في حق نفسه. وفي وجه ضعيف: يصح قبضه لنفسه، وإنما يمتنع قبضه من نفسه لغيره. ولو قال: اشتر بهذه الدراهم لي، واقبضه لنفسك، ففعل، صح الشراء، ولم يصح قبضه لنفسه، ويكون المقبوض مضمونا عليه. وهل تبرأ ذمة الدافع من حق الموكل ؟ فيه الوجهان السابقان. ولو قال: اشتر لنفسك، فالتوكيل فاسد، وتكون الدراهم أمانة في يده، لانه لم يقبضها ليملكها. فإن اشترى في الذمة، وقع عنه وأدى الثمن من ماله. وإن اشترى بعينها، فهو باطل على الصحيح. ولو قال لمستحق الحنطة: اكتل حقك من الصبرة، لم يصح على الاصح، لان الكيل أحد ركني القبض، وقد صار نائبا فيه من جهة البائع، متأصلا لنفسه. فرع يستثنى عن الشرط الثاني، ما إذا اشترى الاب لابنه الصغير من مال نفسه، أو لنفسه من مال الصغير، فإنه يتولى طرفي القبض، كما يتولى طرفي البيع. وفي احتياجه إلى النقل في المنقول، وجهان. أصحهما: يحتاج، كما يحتاج إلى الكيل إذا باع كيلا. فرع يستثنى عن صورة القبض المذكور، إتلاف المشتري المبيع، فإنه قبض كما سبق. قلت: ومما يستثنى أيضا، إذا كان المبيع خفيا يتناول باليد، فقبضه بالتناول واحتواء اليد عليه، كذا قاله المحاملي وصاحب التنبيه وغيرهم، لانه يعد قبضا. والله أعلم. فرع قبض الجزء الشائع، إنما يحصل بتسليم الجميع، ويكون ما عدا المبيع أمانة في يده، ولو طلب القسمة قبل القبض، قال في التتمة: يجاب إليها، لانا إن قلنا: القسمة إفراز، فظاهر. وإن قلنا: بيع، فالرضي غير

(3/180)


معتبر فيه، فإن الشريك يجبر عليه. وإذا لم يعتبر الرضى، جاز أن لا يعتبر القبض كالشفعة. فصل يلزم كل واحد من المتبايعين تسليم العوض الذي يستحقه الآخر. فإن قال كل: لا أسلم حتى أقبض ما أستحقه، فأربعة أقول. أحدها: يلزم الحاكم كل واحد بإحضار ما عليه، فإذا أحضر، سلم الثمن إلى البائع، والمبيع إلى المشتري، يبدأ بأيهما شاء، أو يأمرهما بالوضع عند عدل ليفعل العدل ذلك. والثاني: لا يجبر واحدا منهما، بل يمنعهما من التخاصم. فإذا سلم أحدهما، أجبر الآخر. والثالث: يجبر المشتري. وأظهرهما: يجبر البائع. وقيل: يجبر البائع قطعا، واختاره الشيخ أبو حامد. هذا إذا كان الثمن في الذمة، فإن كان معينا، سقط القول الثالث. قلت: الذي قطع به الجمهور وهو المذهب: أنه يسقط الرابع أيضا، كما إذا باعه عرضا بعرض، لان الثمن يتعين بالتعيين عندنا. والله أعلم. وإن تبايعا عرضا بعرض، سقط القول الرابع أيضا، وبقي الاولان.

(3/181)


أظهرهما: يجبران، وبه قطع في الشامل. فإذا قلنا: يجبر البائع أولا، أو قلنا: لا يجبر، فتبرع، وسلم أولا، أجبر المشتري على تسليم الثمن في الحال إن كان حاضرا في المجلس، وإلا، فللمشتري حالان. أحدهما: أن يكون موسرا، فإن كان ماله في البلد، حجر عليه أن يسلم الثمن، لئلا يتصرف في أمواله بما يبطل حق البائع. وحكى الغزالي وجها: أنه لا يحجر عليه، ويمهل إلى أن يأتي بالثمن. ولم أر هذا الوجه على هذا الاطلاق لغيره. فإذا قلنا بالمذهب المعروف، قال جماهير الاصحاب: يحجر عليه في المبيع وسائر أمواله. وقيل: لا يحجر في سائر أمواله إن كان ماله وافيا بديونه. وعلى هذا، هل يدخل المبيع في الاحتساب ؟ وجهان. أشبههما: يدخل. قلت: هذا الحجر، يخالف الحجر على المفلس من وجهين، أحدهما: أنه لا يسلط على الرجوع إلى عين المال. والثاني: أنه لا يتوقف على ضيق المال عن الوفاء. واتفقوا، على أنه إذا كان محجورا عليه بالفلس، لم يحجر أيضا هذا الحجر، لعدم الحاجة إليه. والله أعلم. وإن كان ماله غائبا عن البلد، نظر، إن كان على مسافة القصر، لم يكلف البائع الصبر إلى إحضاره. وفيما يفعل ؟ وجهان. أحدهما: يباع في حقه ويودى من ثمنه. وأصحهما عند الاكثرين: أن له فسخ البيع، لتعذر تحصيل الثمن، كما لو أفلس المشتري بالثمن. فإن فسخ، فذاك، وإن صبر إلى الاحضار، فالحجر على ما سبق. وقال ابن سريج: لا فسخ، بل يرد المبيع إلى البائع، ويحجر على المشتري، ويمهل إلى الاحضار، وزعم في الوسيط أنه الاصح، وليس كذلك. وإن كان دون مسافة القصر، فهل هو كالذي في البلد، أو كالذي على مسافة القصر ؟ وجهان. قلت: أصحهما: الاول، وبه قطع في المحرر. والله أعلم.

(3/182)


الحال الثاني: أن يكون معسرا، فهو مفلس، والبائع أحق بمتاعه، هذا هو ا لصحيح المنصوص. وفيه وجه ضعيف: أنه لا فسخ، بل تباع السلعة، ويوفى من ثمنها حق البائع، فإن فضل شئ، فللمشتري. فرع جميع ما ذكرناه من الاقول والتفريع، جار فيما إذا اختلف المكري والمستأجر في الابتداء بالتسليم بلا فرق. فرع هنا أمر مهم، وهو أن طائفة توهمت أن الخلاف في الابتداء بالتسليم، خلاف في أن البائع، هل له حق الحبس، أم لا ؟ إن قلنا: الابتداء بالبائع، فليس له حبس المبيع لاستيفاء الثمن، وإلا، فله. ونازع الاكثرون فيه، وقالوا: هذا الخلاف مفروض فيما إذا كان نزاعهما في مجرد الابتداء، وكان كل واحد يبذل ما عليه، ولا يخاف فوت ما عند صاحبه. فأما إذا لم يبذل البائع المبيع وأراد حبسه خوفا من تعذر الثمن، فله ذلك بلا خلاف، وكذلك للمشتري حبس الثمن خوفا من تعذر المبيع. وبهذا صرح الشيخ أبو حامد، والماوردي. والمثبتون من المتأخرين قالوا: وإنما يحبس البائع المبيع إذا كان الثمن حالا. أما المؤجل، فليس له الحبس به، لرضاه بتأخيره. ولو لم يتفق التسليم حتى حل الاجل، فلا حبس أيضا. ولو تبرع بالتسليم، لم يكن له رده إلى حبسه، وكذا لو أعاره للمشتري على الاصح. ولو أودعه إياه، فله ذلك. ولو صالح من الثمن على مال، فله إدامة حبسه لاستيفاء العوض. ولو اشترى بوكالة اثنين شيئا، ووفى نصف الثمن عن أحدهما، لم يلزم البائع تسليم النصف، بناء على أن الاعتبار بالعاقد. ولو باع بوكالة اثنين، فإذا قبض نصيب أحدهما من الثمن، لزم تسليم النصف، كذا قاله في التهذيب

(3/183)


وينبغي أن يجئ وجه في لزوم تسليم النصف من الوجهين السابقين في باب تفريق الصفقة، أن البائع إذا قبض بعض الثمن، هل يلزمه تسليم قسطه من المبيع ؟ ووجه في جواز أخذ الوكيل لاحدهما وحده من الوجهين في العبد المشترك إذا باعاه، هل لاحدهما أن يتفرد بأخذ نصيبه ؟ باب بيان الالفاظ التي تطلق في البيع وتتأثر بالقرائن المنضمة إليها هي ثلاثة أقسام، راجعة إلى مطلق العقد، وإلى الثمن، وإلى المبيع. القسم الاول: لفظان. أحدهما: التولية، وهي أن يشتري شيئا، ثم يقول لغيره: وليتك هذا العقد، فيجوز. ويشترط قبوله في المجلس على عادة التخاطب، بأن يقول: قبلت، أو توليت، ويلزمه مثل الثمن الاول قدرا وصفة، ولا يشترط ذكره إذا علماه، فإن لم يعلمه المشتري، أعلمه به ثم ولاه. وهي نوع بيع، فيشترط فيه القدرة على التسليم والتقابض إذا كان صرفا، وسائر الشروط، ولا يجوز قبل القبض على الصحيح. والزوائد المنفصلة قبل التولية، تبقى للمولي، ولو كان المبيع شقصا مشفوعا، وعفا الشفيع، تجددت الشفعة بالتولية. ولو حط البائع بعد التولية بعض الثمن، انحط على المولى أيضا. ولو حط الكل، فكذلك، لانه وإن كان بيعا جديدا، فخاصيته وفائدته التنزيل على الثمن الاول. وعن القاضي حسين: أنه ينبغي جريان خلاف في جميع هذه الاحكام. ففي وجه: يجعل المولى نائبا عن المولي، فتكون الزوائد للنائب، ولا تتجدد

(3/184)


الشفعة، ويلحقه الحط. وفي وجه: تعكس هذه الاحكام، ونقول: هي بيع جديد. والمذهب: ما سبق. وعلى هذا، لو حط البعض قبل التولية، لم تصح التولية إلا بالباقي. ولو حط الكل، لم تصح التولية. فرع من شرط التولية، كون الثمن مثليا. فلو اشتراه بعرض، لم يصح، إلا إذا انتقل ذلك العرض من البائع إلى إنسان فولاه العقد. ولو اشتراه بعرض وقال: قام علي بكذا، وقد وليتك العقد بما قام علي، أو أرادت عقد التولية على صداقها بلفظ القيام، أو أرادها الرجل في عوض الخلع، فوجهان. ولو أخبر المولي عما اشترى وكذب، فقيل: هو كالكذب في المرابحة، ويأتي بيانه إن شاء الله تعالى. وقيل: يحط قدر الخيانة قولا واحدا. اللفظ الثاني: الاشراك، وهو أن يشتري شيئا، ثم يشرك غيره فيه ليصير بعضه له بقسطه من الثمن. ثم إن صرح بالمناصفة وغيرها، فذاك. وإن أطلق الاشراك، فوجهان. أحدهما وبه قطع صاحب التهذيب: يفسد العقد، وأصحهما عند الغزالي وقطع به في التتمة: أنه يصح ويحمل على المناصفة. قلت: قطع القفال في شرح التلخيص بالوجه الثاني، وصححه في المحرر وهو الاصح. قال القفال، وصورة التصريح بالاشراك في النصف، أن يقول: أشركتك بالنصف. فإن قال: أشركتك في النصف، كان له الربع. والله أعلم. والاشراك في البعض، كالتولية في الكل في الاحكام السابقة. القسم الثاني: المرابحة: بيع المرابحة جائز من غير كراهة، وهو عقد يبنى

(3/185)


الثمن فيه على ثمن المبيع الاول مع زيادة، بأن يمشتري شيئا بمائة، ثم يقول لغيره: بعتك هذا بما اشتريته وربح درهم زيادة، أو بربح درهم لكل عشرة، أو في كل عشرة، ويجوز أن يضم إلى رأس المال شيئا ثم يبيعه مرابحة، مثل أن يقول: اشتريته بمائة، وقد بعتكه بمائتين وربح درهم زيادة، وكأنه قال: بعت بمائتين وعشرين. وكما يجوز البيع مرابحة، يجوز محاطة مثل أن يقول: بعت بما اشتريت به وحط ده زيادة. وفي القدر المحطوط، وجهان. أحدهما: من كل عشرة واحد، كما زيد في المرابحة على كل عشرة واحد. وأصحهما: يحط من كل أحد عشر واحد، لان الربح في المرابحة جزء من أحد عشر، فكذا الحط، وليس في حط واحد من عشرة رعاية للنسبة. فإذا كان قد اشترى بمائة، فالثمن على الوجه الاول: تسعون. وعلى الثاني: تسعون وعشرة أجزاء من أحد عشر جزءا من درهم. ولو اشترى بمائة وعشرة، فالثمن على الوجه الاول، تسعة وتسعون. وعلى الثاني، مائة. وطرد كثير من العراقيين وغيرهم الوجهين. فمن قال: بعت بما اشتريت، بحط درهم من كل عشرة، قال إمام الحرمين: هذا غلط، فإن في هذه الصيغة تصريحا بحط واحد من كل عشرة، فلا وجه للخلاف فيه. وهذا الذي قاله الامام بين. وذكر الماوردي وغيره: أنه إذا قال: بحط درهم من كل عشرة، فالمحطوط درهم من كل عشرة. وإن قال: بحط درهم لكل عشرة، فالمحطوط واحد من أحد عشر.
فصل لبيع المرابحة عبارات. أكثرها دورانا على الالسنة ثلاث. إحداهن بعت بما اشتريت، أو بما بذلت من الثمن وربح كذا. الثانية: بعت بما قام علي وربح كذا. ويختلف حكم العبارتين فيما يدخل تحتهما، وفيما يجب الاخبار عنه، كما سنفصله إن شاء الله تعالى. فإذا قال: بعت بما أشتريت، لم يدخل فيه سوى الثمن. فإذا قال: بما قام علي، دخل فيه مع الثمن أجرة الكيال والدلال والحمال والحارس والقصار والرفاء والصباغ، وقيمة

(3/186)


الصبغ، وأجرة الختان، وتطيين الدار، وسائر المؤن التي تلتزم للاسترباح، وألحق بها كراء البيت الذي فيه المتاع. وأما المؤن التي يقصد بها استبقاء الملك، دون الاسترباح، كنفقة العبد وكسوته، وعلف الدابة، فلا تدخل على الصحيح. ويقع ذلك في مقابلة الفوائد المستوفاة من المبيع، لكن العلف الزائد على المعتاد للتسمين، يدخل. وأجرة الطبيب إن اشتراه مريضا، كأجرة القصار. فإن حدث المرض عنده، فكالنفقة. وفي مؤنة السائس، تردد عند الامام. والاصح: أنها كالعلف. ولو قصر الثوب بنفسه، أو كال، أو حمل، أو طين الدار بنفسه، لم تدخل الاجرة فيه، لان السلعة إنما تعد قائمة عليه بما بذل، وكذا لو كان البيت ملكه، أو تبرع أجنبي بالعمل، أو بإعارة البيت، فإن أراد استدراك ذلك، فطريقه أن يقول: اشتريت، أو قام علي بكذا، وعملت فيه ما أجرته كذا، وقد بعتكه بهما وربح كذا. العبارة الثالثة: بعتك برأس المال وربح كذا، فالصحيح: أنه كقوله: بما اشتريت، وقال القاضي أبو الطيب: هو كقوله: بما قام علي، واختاره ابن الصباغ. فرع قال في التتمة: المكس الذي يأخذه السلطان، يدخل في لفظ القيام. قال: وفي دخول فداء العبد إذا جنى ففداه، وجهان. وقطع الجمهور بأن الفداء لا يدخل، ولا ما أعطاه لمن رد المغصوب في شئ من الالفاظ. فرع العبارات الثلاث، تجري في المحاطة جريانها في المرابحة. فصل ينبغي أن يكون رأس المال، أو ما قامت به السلعة، معلوما عند المتبايعين مرابحة. فإن جهله أحدهما، لم يصح العقد على الاصح كغير المرابحة. فعلى هذا، لو زالت الجهالة في المجلس، لم ينقلب صحيحا على

(3/187)


الصحيح. والثاني من الوجهين الاولين: يصح، لان الثمن الثاني مبني على الاول، ومعرفته سهلة، فصار كالشفيع يطلب الشفعة قبل معرفة الثمن لسهولتها. فعلى هذا، في اشتراط زوال الجهالة في المجلس، وجهان. ومهما كان الثمن دراهم معينة غير معلومة الوزن. ففي جواز بيعه مرابحة، الخلاف المذكور، الاصح: البطلان. فصلان بيع المرابحة مبني على الامانة، فعلى البائع الصدق في الاخبار عما اشترى به، وعما قام به عليه إن باع بلفظ القيام. ولو اشترى بمائة، وخرج عن ملكه، ثم اشتراه بخمسين، فرأس ماله خمسون، ولا يجوز ضم الثمن الاول إليه. ولو اشتراه بمائة، وباعه بخمسين، ثم اشتراه ثانيا بمائة، فرأس ماله مائة، ولا يجوز أن يضم إليه خسرانه أولا، فيخبر بمائة وخمسين. ولو اشتراه بمائة، وباعه بمائة وخمسين، ثم اشتراه بمائة، فإن باعه مرابحة بلفظ رأس المال، أو بلفظ ما اشتريت، أخبر بمائة. وإن باعه بلفظ قام علي، فوجهان. أصحهما: يخبر بمائة. والثاني: بخمسين. فرع يكره أن يواطئ صاحبه فيبيعه بما اشتراه، ثم يشتريه منه بأكثر، ليخبر به في المرابحة. فإن فعل ذلك، قال ابن الصباغ: ثبت للمشتري الخيار،

(3/188)


وخالفه غيره. قلت: ممن خالفه صاحب المهذب وغيره. وقول ابن الصباغ أقوى. والله أعلم. فرع لو اشترى سلعة، ثم قبل لزوم العقد، ألحقا بالثمن زيادة أو نقصا، وصححناه، فالثمن ما استقر عليه العقد. وإن حط عنه بعض الثمن بعد لزوم العقد، وباع بلفظ ما اشتريت، لم يلزمه حط المحطوط عنه، وإن باع بلفظ قام علي، لم يخبر إلا بالباقي. فإن حط الكل، لم يجز بيعه مرابحة بهذا اللفظ، ولو حط عنه بعض الثمن بعد جريان المرابحة، لم يلحق الحط المشترى منه على الصحيح. وفي وجه: يلحق كما في التولية والاشراك. فرع لو اشترى شيئا بعرض، وباعه مرابحة بلفظ الشراء، أو بلفظ القيام، ذكر أنه اشتراه بعرض قيمته كذا، ولا يقتصر على ذكر القيمة. وإن اشتراه بدين على البائع، فإن كان مليئا غير مماطل، لم يجب الاخبار به. وإن كان مماطلا، وجب. فرع يجوز أن يبيع مرابحة بع ض ما اشتراه، ويذكر قسطه من الثمن. وكذا

(3/189)


لو اشترى قفيزي حنطة ونحوها، وباع أحدهما مرابحة. ولو اشترى عبدين أو ثوبين، وأراد بيع أحدهما مرابحة، فطريقه أن يعرف قيمة كل واحد منهما يوم الشراء، ويوزع الثمن على القيمتين، ثم يبيعه بحصته من الثمن. فرع يجب الاخبار بالعيوب الحادثة في يده، سواء حدث العيب بآفة سماوية، أو بجنايته، أو بجناية غيره، سواء نقص العين، أو القيمة. ولو اطلع على عيب قديم، فرضي به، ذكره في المرابحة. ولو تعذر رده بعيب حادث وأخذ الارش، فإن باعه بلفظ قام علي، حط الارش، وإن باع بلفظ ما اشتريت، ذكما جرى به العقد والعيب، وأخذ الارش. ولو أخذ أرش جنايته، ثم باعه، فإن باع بلفظ ما اشتريت، ذكر الثمن والجناية. وإن باع بلفظ قام علي فوجهان. أحدهما: أنه كالكسب والزيادات، والمبيع قائم عليه بتمام الثمن. وأصحهما: يحط الارش من الثمن، كأرش العيب. والمراد من الارش هنا: قدر النقص، لا المأخوذ بتمامه. فإذا قطعت يد العبد، وقيمته مائة فنقص ثلاثين، أخذ خمسين من الجاني، وحط من الثمن ثلاثين، لا خمسين، هذا هو الصحيح. وفي وجه: يحط جميع المأخوذ من الثمن، وهو شاذ. ولو نقص من القيمة أكثر من الارش المقدر، حط ما أخذ من الثمن، وأخبر عن قيامه عليه بالباقي، وأنه نقص من قيمته كذا. فرع لو اشتراه بغبن، لزم الاخبار به على الاصح عند الاكثرين. واختار الامام والغزالي: أنه لا يلزم. ولو اشترى من ابنه الطفل، وجب الاخبار به، لان الغالب في مثله الزيادة، نظرا للطفل، ودفعا للتهمة. ولو اشترى من أبيه أو إبنه

(3/190)


الرشيد، لم يجب الاخبار به على الاصح باتفاقهم، كالشراء من زوجته ومكاتبه. وفي الشامل ما يقتضي ترددا في المكاتب. فرع لو اشتراه بثمن مؤجل، وجب الاخبار به على الصحيح. فرع لا يجب الاخبار بوطئ الثيب، ولا مهرها الذي أخذه، ولا الزيادات المنفصلة، كالولد، واللبن، والصوف، والثمرة. ولو كانت حاملا يوم الشراء، أو كان في ضرعها لبن، أو على ظهرها صوف، أو على النخلة طلع، فاستوفاها، حط بقسطها من الثمن. وهذا في الحمل بناء على أنه يأخذ قسطا من الثمن. فصل لو قال: اشتريت بمائة، وباعه مرابحة، ثم بان أنه اشتراه بتسعين بإقراره أو ببينة، فالبيع صحيح على الصحيح. فعلى هذا، كذبه ضربان، خيانة، وغلط. وفي الضربين، قولان. أظهرهما: يحكم بسقوط الزيادة وحصتها من الربح. والثاني: لا تسقط. فإن قلنا بالسقوط، ففي ثبوت الخيار للمشتري طريقان. أصحهما: على قولين. أظهرهما: لا خيار. والثاني: يثبت. والطريق الثاني: إن بان كذبه بالبينة، فله الخيار. وإن بان بالاقرار، فلا، لانه إذا ظهر بالبينة، لا يؤمن خيانة أخرى، والاقرار يشعر بالامانة. فإن قلنا: لا خيار، أو قلنا به، فأمسك بما بقي بعد الحط، فهل للبائع خيار ؟ وجهان. وقيل: قولان. أصحهما: لا. وقيل الوجهان في صورة الخيانة. وأما في صورة الغلط، فله الخيار قطعا. وإن قلنا بعدم السقوط، فللمشتري

(3/191)


الخيار، إلا أن يكون عالما بكذب البائع، فيكون كمن اشترى معيبا وهو يعلمه. وإذا ثبت الخيار، فقال البائع: لا تفسخ، فإني أحط عنك الزيادة، ففي سقوط خياره، وجهان. وجميع ما ذكرناه، إذا كان المبيع باقيا. فأما إذا ظهر الحال بعد هلاك المبيع، فقطع الماوردي بسقوط الزيادة وربحها. والاصح: طرد القولين. قلت: هذا الذي قطع به الماوردي، نقله صاحب المهذب والشاشي عن أصحابنا مطلقا. والله أعلم. فإن قلنا بالسقوط، فلا خيار للمشتري. وأما البائع، فإن لم يثبت له الخيار عند بقاء السلعة، فكذا هنا، وإلا، فيثبت هنا، وإن قلنا بعدم السقوط، فهل للمشتري الفسخ ؟ وجهان. أصحهما: لا، كما لو علم العيب بعد تلف المبيع، لكن يرجع بقدر التفاوت وحصته من الربح، كما يرجع بأرش العيب. ولو اشتراه بمؤجل فلم يبين الاجل، لم يثبت في حق المشتري الثاني، ولكن له الخيار، وكذا إذا ترك شيئا آخر مما يجب ذكره. قال الغزالي: إذا لم يخبر عن العيب، ففي استحقاق حط قدر التفاوت القولان في الكذب - ولم أر لغيره تعرضا لذلك - فإن ثبت الخلاف، فالطريق على قول الحط النظر إلى القيمة وتقسيط الثمن عليها. قلت: المعروف في المذهب: أنه لا حط بذلك، ويندفع الضرر عن المشتري بثبوت الخيار. والله أعلم. فرع إذا كذب بالنقصان فقال: كان الثمن، أو رأس المال، أو ما قامت به السلعة مائة، وباع مرابحة، ثم قال: غلطت، إنما هو مائة وعشرة، فينظر، إن صدقه المشتري، فوجهان. أحدهما: يصح البيع، كما لو غلط بالزيادة، وبه قطع الماوردي، والغزالي في الوجيز، وأصحهما عند الامام والبغوي: لا يصح، لتعذر إمضائه. قلت: الاول: أصح، وبه قطع المحاملي، والجرجاني، وصاحب المهذب، والشاشي، وخلائق. والله أعلم. فإن قلنا بالاول، فالاصح: أن الزيادة لا تثبت، لكن للبائع الخيار.

(3/192)


والثاني: أنها ثبت مع ربحها، وللمشتري الخيار. وإن كذبه المشتري، فله حالان. أحدهما: أن لا يبين للغلط وجها محتملا، فلا يقبل قوله، ولو أقام بينة، لم تسمع. فلو زعم أن المشتري عالم بصدقه، وطلب تحليفه أنه لا يعلم، فهل له ذلك ؟ وجهان. قلت: أصحهما: له تحليفه، وبه قطع المحاملي في المقنع وغيره. والله أعلم. فإن قلنا: يحلفه، فنكل، ففي رد اليمين على المدعي، وجهان. قلت: أصحهما: ترد. والله أعلم. وإذا قلنا: يحلف المشتري، حلف على نفي العلم، فإن حلف، أمضي العقد على ما حلف عليه. وإن نكل، ورددنا اليمين، فالبائع يحلف على القطع. وإذا حلف، فلمشتري الخيار بين إمضاء العقد بما حلف عليه، وبين الفسخ، كذا أطلقوه. ومقتضى قولنا: إن اليمين المردودة مع نكول المدعى عليه كالاقرار، أن يعود فيه ما ذكرنا في حالة التصديق. الحال الثاني: أن يبين للغلط وجها محتملا، بأن يقول: إنما اشتراه وكيلي وأخبرت أن الثمن مائة فبان خلافه، أو ورد علي منه كتاب فبان مزوطا، أو كنت راجعت جريدتي، فغلطت من ثمن متاع إلى غيره، فتسمع دعواه للتحليف. وقيل بطرد الخلاف في التحليف. فإن قلنا: لا يحلف، لم تسمع بينته، وإلا، سمعت على الاصح.
فصل قوله في المرابحة : بعتك بكذا، يقتضي أن يكون الربح من جنس الثمن الاول، ولكن يجوز جعل الربح من غير جنس الاصل. ولو قال: اشتريت

(3/193)


بكذا، وبعتك به وربح درهم على كل عشرة، فالربح يكون من نقد البلد، لاطلاقه الدراهم، ويكون الاصل مثل الثمن، سواء كان من نقد البلد أو غيره. فصل لو اتهب بغير عوض، لم يجز بيعه مرابحة إلا أن يبين القيمة، ويبيع بها مرابحة. ولو اتهب بشرط الثواب، ذكره وباع به مرابحة، وإذا أجر دارا بعبد، أو نكحت على عبد، أو خالعها على عبد، أو صالح من دم عليه، لم يجز بيع العبد مرابحة بلفظ الشراء، ويجوز بلفظ قام علي. ويذكر في الاجارة، أجرة مثل الدار. وفي النكاح والخلع، مهر المثل. وفي الصلح، الدية. فصل أطبقوا على تصوير المرابحة، فيما إذا قال: بعتك بما اشتريت وربح كذا، وبما قام علي، ولم يذكروا فيه خلافا. وذكروا فيما إذا قال: أوصيت له بنصيب ابني، وجها أنه لا يصح، وإنما يصح، إذا قال: بمثل نصيب ابني، فكأنهم اقتصروا هنا على الاصح، وإلا، فلا فرق بين البابين. قلت: هذا التأويل، خلاف مقتضى كلامهم، والفرق ظاهر، فإن السابق إلى الفهم من قوله: بما اشتريت، أن معناه: بمثل ما اشتريت، وحذفه اختصار، ولا يظهر هذا التقدير في الوصية. والله أعلم. القسم الثالث: فيما يطلق من الالفاظ في المبيع، وهي ستة. الاول: لفظ الارض، وفي معناها، البقعة، والساحة، والعرصة. فإذا قال: بعتك هذه الارض، وكان فيها أبنية وأشجار، نظر، إن قال: دون ما فيها من الشجر والبناء، لم تدخل الاشجار والابنية في البيع. وإن قال: بما فيها، دخلت. وكذا إن قال: بعتكها بحقوقها على الصحيح. فإن أطلق، فنص هنا أنها تدخل. ونص فيما لو رهن الارض، وأطلق: أنها لا تدخل. وللاصحاب طرق. أصحها عند الجمهور: تقرير النصين. والثاني: فيهما قولان. والثالث: القطع بعدم

(3/194)


الدخول فيهما، قاله ابن سريج، واختاره الامام، والغزالي. فصل الزرع، ضربان. الاول: ما يؤخذ دفعة واحدة، كالحنطة والشعير، فلا يدخل في مطلق بيع الارض. ويصح بيع الارض المزروعة على المذهب، كما لو باع دارا مشحونة بأمتعته. وقيل: يخرج على القولين في بيع المستأجرة. فإذا قلنا بالمذهب، فللمشتري الخيار إن جهل الحال، بأن كانت رؤية الارض سابقة على البيع، وإلا، فلا. وهل يحكم بمصير الارض في يد المشتري ودخولها في ضمانه إذا خلى البائع بينه وبينها ؟ وجهان. أحدهما: لا، لانها مشغولة فاشتبهت المشحونة بأمتعته. وأصحهما: نعم، لحصول تسليم الرقبة المبيعة. ويخالف الدار، فإن تفريغها ممكن في الحال وقد سبق فيها خلاف. فرع إذا كان في الارض جزر أو فجل أو سلق أو ثوم، لم يدخل في بيع الارض كالحنطة.

(3/195)


واعلم أن كل زرع لا يدخل عند الاطلاق، لا يدخل وإن قال: بحقوقها. فرع الضرب الثاني: ما تؤخذ ثمرته مرة بعد أخرى في سنتين أو أكثر، كالقطن الحجازي، والنرجس، والبنفسج، فالظاهر من ثمارها عند بيع الارض يبقى للبائع. وفي دخول الاصول، الخلاف السابق في الاشجار. وحكي وجه في النرجس والبنفسج: أنهما من الضرب الاول. وأما ما يجز مرارا، كالقت، والقصب، والهندباء، والنعنع، والكرفس، والطرخون، فتبقى جزتها الظاهرة عند البيع للبائع. وفي دخول الاصول، الخلاف. وعن الشيخ أبي محمد، القطع بدخولها في بيع الارض. وإذا قلنا: بدخولها، فليشترط على البائع قطع الجزة الظاهرة، لانها تزيد، ويشتبه المبيع بغيره. وسواء كان ما ظهر بالغا أوان الجز، أم لا. قال في التتمة: إلا القصب، فلا يكلف قطعه، إلا أن يكون ما ظهر قدرا ينتفع به. ولو كان في الارض أشجار خلاف تقطع من وجه الارض، فهي كالقصب. فرع لو كانت الارض المبيعة مبذورة، ففي البذر الكامن مثل التفصيل

(3/196)


المذكور في الزرع. فالبذر الذي لا ثبات لنباته، ويؤخذ دفعة واحدة، لا يدخل في بيع الارض، ويبقى إلى أوان الحصاد، وللمشتري الخيار إن كان جاهلا به، فإن تركه البائع له، سقط خياره، وعليه القبول، ولو قال: آخذه وأفرغ الارض، سقط الخيار أيضا إن أمكن ذلك في زمن يسير. والبذر الذي يدوم، كنوى النخيل، والجوز، واللوز، وبذر الكراث ونحوه من البقول، حكمه في الدخول تحت بيع الارض، حكم الاشجار. وجميع ما ذكرنا في المسألتين، هو فيمن أطلق بيع الارض. فأما إن باعها مع الزرع أو البذر، فسنذكره في اللفظ السادس إن شاء الله تعالى. فصل الحجارة إن كانت مخلوقة في الارض، أو مثبتة، دخلت في بيع الارض. فإن كانت تضر بالزرع والغرس، فهو عيب إن كانت الارض تقصد لذلك. وفي وجه ضعيف: أنه ليس بعيب، وإنما هو فوات فضيلة. وإن كانت مدفونة فيها، لم تدخل في البيع، كالكنوز والاقمشة في الدار. ثم إن كان المشتري عالما به، فلا خيار له في فسخ العقد، وله إجبار البائع على القلع والنقل، تفريغا لملكه، بخلاف الزرع، فإن له أمدا ينتظر، ولا أجرة للمشتري في مدة القلع والنقل وإن طالت، كما لو اشترى دارا فيها أقمشة يعلمها، فلا أجرة له في مدة نقلها، ويجب على البائع إذا نقل تسوية الارض. وإن كان جاهلا، فللحجارة مع الارض، أربعة أحوال. أحدها: أن لا يكون في قلعها ولا في تركها ضرر، بأن لا يحوج النقل وتسوية الارض إلى مدة لمثلها أجرة، ولا تنقص الارض بها، فللبائع النقل، وعليه تسوية الارض، ولا خيار للمشتري، وله إجبار البائع على النقل على الصحيح. وفي وجه: لا يجبره، والخيار للبائع. الحال الثاني: أن لا يكون في قلعها ضرر، ويكون في تركها ضرر، فيؤمر البائع بالنقل. ولا خيار للمشتري، كما لو اشترى دارا، فلحق سقفها خلل يسير يمكن تداركه في الحال، أو كانت منسدة البالوعة، فقال البائع: أنا أصلحه

(3/197)


وأنقيها، لا خيار للمشتري. الحال الثالث: أن يكون القلع والترك مضرين، فللمشتري الخيار، سواء جهل أصل الاحجار، أو كون قلعها مضا، ولا يسقط خياره بترك البائع الاحجار لان لقاءها مضر. وهل يسقط بقول البائع: لا تفسخ لاغرم لك أجرة المثل مدة النقل ؟ وجهان. أصحهما: لا، كما لو قال البائع: لا تفسخ بالعيب لاغرم لك الارش. ثم إن اختار المشتري إمضاء البيع، لزم البائع النقل، وتسوية الارض، سواء كان النقل قبل القبض أو بعده. وهل تجب أجرة المثل لمدة النقل قبل القبض بني على أن جناية البائع قبل القبض كآفة سماوية، أم كجناية الاجنبي ؟ إن قلنا بالاول، لم تجب، وإلا، فهو كما لو نقل بعد القبض. وإن كان النقل بعد القبض، ففي وجوبها وجهان. أصحهما عند الاكثرين: تجب، كما لو جنى على المبيع بعد القبض، عليه ضمانه. وإن اختصرت قلت: في الاجرة أوجه. أصحها ثالثها: إن كان النقل قبل القبض، لم يجب، وبعده، يجب. ويجري هذا الخلاف في وجوب الارش لو بقي في الارض بعد التسوية عيب. الحال الرابع: أن يكون في قلعها ضرر، وليس في تركها ضرر، فللمشتري الخيار، فإن أجاز، ففي وجوب الاجرة والارش ما سبق، ولا يسقط خياره بقول البائع: اقلع وأغرم الاجرة أو أرش النقص، قاله في التهذيب. ويجئ فيه الخلاف المذكور في الحالة الثالثة. ولو رضي بترك الاحجار في الارض، سقط خيار المشتري. ثم ينظر، إن قال: تركتها للمشتري، فهل هو تمليك للمشتري، أم مجرد إعراض لقطع الخصومة ؟ وجهان. كالوجهين في ترك نعل الدابة المردودة بالعيب. أصحهما: الثاني. فإن قلنا بالاول، فلو قلعها المشتري يوما، فهي له. ولو أراد البائع الرجوع فيها، لم يكن له. وإن قلنا بالثاني، فهي للبائع. فلو أراد الرجوع، قال الاكثرون: له ذلك، ويعود خيار المشتري. وقال الامام: لا

(3/198)


رجوع له، ويلزمه الوفاء بالترك. وإن قال: وهبتها لك، واجتمعت شرائط الهبة، حصل الملك، وقيل بطرد الخلاف. فإن لم تجتمع، ففي صحتها للضرورة، وجهان. فإن صححنا، ففي حصول الملك ما ذكرنا في لفظ الترك. وجميع ما ذكرنا، إذا كانت الارض بيضاء. أما إذا كان فيها غراس، فينظر، إن كان حاصلا يوم البيع واشتراه مع الارض، فنقصان الغراس وتعيبه بالاحجار، كتعيب الارض في إثبات الخيار وسائر الاحكام. وإن أحدثه المشتري عالما بالاحجار، فللبائع قلعها، وليس عليه ضمان نقص الغراس. وإن أحدثه جاهلا، لم يثبت الخيار على الاصح، لان الضرر راجع إلى غير المبيع. فإن كانت الارض تنقص أيضا بالاحجار، نظر، إن لم يحصل بالغرس وقلع المغروس نقص في الارض، فله القلع والفسخ. وإن حصل، فلا خيار في الفسخ، إذ لا يجوز رد المبيع ناقصا، لكن يأخذ الارش. وإذا قلع البائع، فنقص الغراس، لزمه أرش النقص بلا خلاف، أما إذا كان فوق الاحجار زرع للبائع أو للمشتري، ففي التهذيب: أنه يترك إلى أوان الحصاد، لان له غاية منتذرة، بخلاف الغراس. ومنهم من سوى بينه وبين الغراس. قلت: الاصح: قول صاحب التهذيب، وقد وافقه جماعة. قال صاحب الابانة: إذا قلع البائع الاحجار بعد الحصاد، فعليه تسوية الارض. والله أعلم. فرع هل له الاجرة في مدة بقاء الزرع ؟ قطع الجمهور، بأن لا أجرة. وقيل: وجهان. الاصح: لا أجرة، وتقع تلك المدة مستثناة، كمن باع دارا مشحونة بأمتعة، لا يستحق المشتري أجرة لمدة التفريغ. فرع تكلم إمام الحرمين، في أن الاصحاب رحمهم الله، لم يوجبوا على هادم الجدار إعادته، بل أوجبوا أرشه، وأوجبوا تسوية الحفر على البائع والغاصب، وأجاب عنه، بأن طم الحفر لا يكاد يتفاوت، وهيآت الابنية تتفاوت، فشبه الطم بذوات الامثال، والجذار بذوات القيم. حتى لو رفع لبنة أو لبنتين من رأس جدار، وأمكن الرد من غير خلل في الهيئة، فهو كطم الحفر. وفي وجوب إعادة الجدار، خلاف نذكره في الصلح إن شاء الله تعالى.

(3/199)


واللفظ الثاني: البستان، والباغ - بالغين المعجمة -، وهو بمعنى البستان. فإذا قال: بعتك هذا الباغ أو البستان، دخل في البيع الارض والاشجار والحائط. وفي دخول البناء الذي فيه، ما سبق في دخوله في لفظ الارض، وفي العريش الذي توضع عليه القضبان تردد للشيخ أبي محمد. والظاهر عند الامام: دخوله. وذكروا أن لفظ الكرم، كلفظ البستان. لكن العادة في نواحينا، إخراج الحائط عن مسمى الكرم، وإدخاله في مسمى البستان. ولكن لا يبعد أن يكون الحكم على ما استمر الاصطلاح عليه. ولو قال: هذه الدار، البستان، دخل الابنية والاشجار جميعا. ولو قال: هذا الحائط، البستان، أو هذه المحوطة، دخل الحائط المحوط وما فيه من الاشجار، وفي البناء، الخلاف السابق، كذا ذكره في التهذيب، ولا يظهر في لفظ المحوطة فرق بين الابنية والاشجار، فليدخلا، أو ليكونا على الخلاف. فرع لو قال: بعتك هذه القرية، دخلت الابنية والساحات التي يحيط بها السور. وفي الاشجار وسطها، الخلاف. الصحيح: دخولها. وفي المزارع، ثلاثة أوجه. الصحيح الذي عليه الجمهور: لا تدخل، سواء قال: بحقوقها، أم لا، بل لا تدخل إلا بالنص على المزارع. والثاني قاله إمام الحرمين: تدخل. والثالث قاله ابن كج: إن قال: بحقوقها، دخلت، وإلا، فلا. قلت: قد قال الغزالي وغيره: بعتك الدسكرة كبعتك القرية. والله أعلم اللفظ الثالث: الدار، فإذا قال: بعتك هذه الدار، دخلت الارض والابنية جميعها، حتى يدخل الحمام المعدود من مرافقها. وحكي عن نصه: أن الحمام لا يدخل، وحملوه على حمامات الحجاز، وهي بيوت من خشب تنقل. ولو كان في وسطها شجر، ففي دخوله الخلاف السابق في لفظ الارض. ونقل الامام في

(3/200)


دخولها، ثلاثة أوجه. ثالثها: إن كثرت بحيث يجوز تسمية الدار بستانا، لم تدخل، وإلا، دخلت. وأما الآلات في الدار، فثلاثة أضرب. أحدها: المنقولات، كالدلو، والبكرة، والرشاء، والمجارف، والسرر، والرفوف الموضوعة على الاوتاد، والسلالم التي لم تسمر ولم تطين، والاقفال، والكنوز، والدفائن، فلا يدخل شئ منها. وفي مفتاح المغلاق المثبت، وجهان. أصحهما: يدخل. ويجري الوجهان في ألواح الدكاكين، وفي الاعلى من حجري الرحى. الضرب الثاني: ما أثبت تتمة للدار ليبقى فيها، كالسقف والابواب المنصوبة وما عليها من الاغلاق والحلق والسلاسل والضبات، فتدخل قطعا. الثالث: ما أثبت على غير هذا الوجه، كالرفوف والدنان والاجانات المثبتة والسلالم المسمرة، والاوتاد المثبتة في الارض، أو في الجدار، والاسفل من حجري الرحى، وخشب القصار، ومعجن الخباز، فيدخل كل ذلك على الاصح، لثباتها. وأشار إمام الحرمين إلى القطع بدخول الحجرين في البيع باسم الطاحونة، وتدخل الاجانات المثبتة إذا باع باسم المدبغة والمصبغة، وإن الخلاف إنما هو في البيع باسم الدار. وفي التتمة ما يقتضي التسوية بين اسم الدار والمدبغة.

(3/201)


قلت: ويجري الوجهان في قدر الحمام، قاله في التتمة. والله أعلم. فرع لا تدخل مسايل الماء في بيع الارض، ولا يدخل فيه شربها من القناة والنهر المملوكين، إلا أن يشرطه، أو يقول: بحقوقها. وفي وجه: لا يكفي ذكر الحقوق. فرع لو كان في الدار المبيعة بئر ماء، دخلت في البيع، والماء الحاصل في البئر حال البيع، لا يدخل على الصحيح. وفي وجه: يدخل، كالثمرة التي لم تؤبر، للعرف. وإن شرط دخوله في البيع، صح على قولنا: الماء مملوك، بل لا يصح البيع دون هذا الشرط، وإلا، اختلط الماء الموجود للبائع بماء يحدث للمشتري، وانفسخ البيع. قلت: هذا الشرط على قولنا: الماء مملوك. فإن قلنا: لا يملك، صح البيع مطلقا، بل لا يجوز شرطه، لانه لا يملكه، ويكون المشتري أحق به، لانه في يده، كما لو توحل صيد في أرضه. والله أعلم. وذكر الخلاف في الماء وفروعه، يأتي في إحياء الموات إن شاء الله تعالى. فرع لو كان في الارض أو الدار معدن ظاهر، كالنفط، والملح، والقار، والكبريت، فهو كالماء. وإن كان باطنا، كالذهب، والفضة، دخل في البيع، إلا أنه لا يجوز بيع ما فيه معدن ذهب بالذهب، بسبب الربا. وفي بيعه بالفضة قولان، للجمع بين الصرف والبيع في صفقة. فرع باع دارا في طريق غير نافذ، دخل حريمها في البيع. وفي دخول الاشجار، الخلاف السابق. وإن كان في طريق نافذ، لم يدخل الحريم والاشجار

(3/202)


في البيع، بل لا حريم لمثل هذه الدار، مما سنذكره في إحياء الموات إن شاء الله تعالى. اللفظ الرابع: العبد، إذا ملك السيد عبده مالا، لم يملكه على الاظهر. فلو ملكه، ثم باعه، لم يدخل المال في البيع. فإن باعه مع المال، فإن قلنا: لا يملك، اعتبر في المال شروط المبيع. حتى لو كان مجهولا أو غائبا، أو دينا والثمن دين، أو ذهبا والثمن ذهب، لم يصح. فلو كان ذهبا، والثمن فضة، أو عكسه، ففيه قولا الجمع بين بيع وصرف. وإن قلنا: يملك، فقد نص أن المال ينتقل إلى المشتري مع العبد، وأنه لا بأس بجهالته وغيبته. واختلفوا في سبب احتمال ذلك، فقال الاصطخري: لان المال تابع، ويحتمل في التابع ما لا يحتمل في الاصل، كما يحتمل الجهل بحقوق الدار. والاصح عند الاصحاب، ما قاله ابن سريج وأبو إسحق: أن المال ليس مبيعا أصلا ولا تبعا، ويكون شرطه تبقية له على العبد كما كان، فللمشتري انتزاعه كما كان للبائع (الانتزاع). فعلى هذا، لو كان الثمن ربويا، والمال من جنسه، فلا بأس. وعلى الاول: لا يجوز. ولا يحتمل الربا في التابع، كما لا يحتمل في الاصل. فرع الثياب التي على العبد في دخولها في بيعه، أوجه. أصحها: لا يدخل شئ منها. والثاني: تدخل. والثالث: يدخل ساتر العورة فقط. ولا يدخل عذار الدابة في بيعها على الاصح كالسرج، ويدخل النعل، وبرة الناقة، إلا أن يكون من ذهب.

(3/203)


اللفظ الخامس: الشجر، فإذا باع الشجرة مطلقا، دخلت الاغصان لكن لا يدخل الغصن اليابس في بيع الشجرة الرطبة، لان العادة قطعة كالثمار، وقال في التهذيب: ويحتمل أن يدخل كالصوف على الغنم، وتدخل العروق والاوراق، إلا أن شجرة الفرصاد إذا بيعت في الربيع وقد خرجت أوراقها، ففي دخولها وجهان. أصحهما: الدخول كغير وقت الربيع، وتدخل أوراق شجر النبق على المذهب، وقيل: كالفرصاد. قلت: وتدخل الكمام تحت اسم الشجرة، لانها تبقى بقاء الاغصان، قاله في الوسيط. والله أعلم. ولو باع شجرة يابسة نابتة، لزم المشتري تفريغ الارض منها، للعادة. وقال في التتمة: لو شرط إبقاءها، بطل البيع، كما لو اشترى ثمرة مؤبرة وشرط عدم القطع عند الجداد، وإن باعها بشرط القطع، جاز. وتدخل العروق في البيع عند شرط القلع، ولا تدخل عند شرط القطع، بل تقطع عن وجه الارض. وإن كانت الشجرة رطبة، فباعها بشرط الابقاء أو بشرط القلع، اتبع الشرط، وإن أطلق، جاز الابقاء للعادة. وهل يدخل المغرس في البيع ؟ وجهان. أصحهما: لا، لان الاسم لا يتناوله، فإن أدخلناه فانقلعت الشجرة، أو قلعها المالك، كان له غرس بدلها، وله بيع المغرس، وإلا، فلا. ويجري الوجهان، فيما لو اشترى أرضا وشرط البائع لنفسه شجرة، هل يبقى له المغرس، أم لا ؟ قلت: وإذا لم يدخل المغرس في الصورة الاولى، فليس للبائع قلع الشجرة

(3/204)


مجانا. وهل يجب عليه إبقاؤها ما أراد المشتري، أم له قلعها بغير رضاه ويغرم ما نقص بالقلع كالعارية ؟ وجهان محكيان في النهاية والبسيط في كتاب الرهن. أصحهما: الاول. والله أعلم. فصل في بيان الحال الذي تندرج فيه الثمرة في بيع الشجرة النخل، ذكور وإناث. ومعظم المقصود من الذكور، استصلاح الاناث بها. والذي يبدو فيها أولا أكمة صغار، ثم تكبر وتطول حتى تصير كأذان الحمر. فإذا كبرت، شققت فظهرت العناقيد في أوساطها، فيذر فيها طلع الذكور ليكون رطبها أجود. والتشقيق وذر الطلع فيها، يسمى: التأبير، ويسمى: التلقيح. ثم الاكثرون يسمون الكمام الخارج كله: طلعا. والامام خص اسم الطلع بما يظهر من النور على العنقود عند تشقق الكمام. ثم المتعهدون للنخل، لا يؤبرون جميع الكمام، بل يكتفون بتأبير البعض، ويتشقق الباقي بنفسه، وتنبث ريح الذكور إليه. وقد لا يؤبر في ا لحائط شئ، وتتشقق الاكمة بنفسها، إلا أن رطبه لا يجئ جيدا. وكذا الخارج من الذكور، يتشقق بنفسه، ولا يشقق غالبا. فإذا باع نخلة عليها ثمرة، فإن شرطت لاحدهما، اتبع الشرط. وإن أطلقا، فإن كانت شققت أو تشققت بنفسها، فهي للبائع، وإلا، فللمشتري. وإن باع الذكور من النخل بعد تشقق طلعها، فالطلع للبائع، وإلا، فوجهان. أصحهما: للمشتري. والثاني: للبائع. فرع ما عدا النخل من الشجر، أقسام. أحدها: ما يقصد منه الورق، كشجر الفرصاد، وقد ذكرناه. قال في البيان: وشجر الحناء ونحوه، يجوز أن يكون فيخلاف كالفرصاد، ويجوز أن يقطع بأنه إذا ظهر ورقه، كان للبائع، لانه لا ثمر لها سوى الورق، بخلاف الفرصاد، فإن له ثمرة مأكولة. القسم الثاني: ما يقصد منه الورد، وهو ضربان.

(3/205)


أحدهما: يخرج في كمام، ثم يتفتح كالورد الاحمر. فإذا بيع أصله بعد خروجه وتفتحه، فهو للبائع كطلع النخل المتشقق. إن بيع قبل تفتحه، فللمشتري على الاصح. والضرب الثاني: يخرج ورده ظاهرا كالياسمين. فإن خرج ورده، فللبائع، وإلا، فللمشتري. القسم الثالث: ما يقصد منه الثمرة، وهو نوعان. ما تخرج ثمرته بارزة بلا قشر ولا كمام، كالتين، والعنب، فهو كالياسمين. والثاني: ما تخرج بهما، وهو ضربان. أحدهما: ما تخرج ثمرته في نور، ثم يتناثر نوره فتبرز الثمرة بلا حائل، كالمشمش، والتفاح، والكمثرى وشبهها. فإن باع الاصل قبل انعقاد الثمرة، انعقدت للمشتري وإن كان النور قد خرج. وإن باعه بعد الانعقاد وتناثر النور، فللبائع. وإن باعه بعد الانعقاد وقبل تناثر النور، فوجهان. أصحهما وهو نصه: أنها للمشتري. والثاني: للبائع الثاني: ما يبقى له حائل على الثمرة المقصودة، وهو صنفان. أحدهما: له قشر واحد كالرمان. فإذا بيع أصله وقد ظهر الرمان، فهو للبائع، وإلا، فهو للمشتري. والثاني: ما له قشران، كالجوز واللوز والفستق والرانج. فإن باعها قبل خروجها، فالذي يخرج للمشتري، وإلا، فللبائع. ولا يعتبر مع ذلك تشقق القشر

(3/206)


الاعلى على الاصح. ثم من هذين الصنفين، ما تخرج ثمرته في قشر بغير نور، كالجوز والفستق. ومنها: ما تخرج في نور، ثم يتناثر نوره، كالرمان، واللوز. وما ذكرناه من حكمهما، هو فيما إذا بيع الاصل بعد تناثر النور. فإن بيع قبله، عاد فيه الكلام السابق. فرع القطن نوعان. أحدهما: له ساق يبقى سنين يثمر كل سنة، وهو قطن الحجاز والشام والبصرة، فهو كالنخل، وإن بيع أصله قبل تشقق الجوزق، فالثمر للمشتري، وإلا، فللبائع. والثاني: ما لا يبقى أكثر من سنة، هو كالزرع، إن باعه قبل خروج الجوزق، أو بعده وقبل تكامل القطن، وجب شرط القطع. ثم إن لم يقطع حتى خرج الجوزق، فهو للمشتري، لحدوثه في ملكه. قاله في التهذيب: وإن باعه بعد تكامل القطن، فإن تشقق الجوزق، صح البيع مطقا، ودخل القطن في البيع، بخلاف الثمرة المؤبرة، لا تدخل، لان الشجرة مقصودة لثمار جميع الاعوام، ولا مقصود هنا سوى الثمرة الموجودة. وإن لم يتشقق، لم يصح البيع على الاصح، لان المقصود مستور بما ليس من صلاحه، بخلاف الجوز واللوز في القشر الاسفل. فرع لا يشترط لبقاء الثمرة على ملك البائع التأبير في كل كمام وعنقود، بل إذا باع نخلة أبر بعضها، فالكل للبائع، وإن باع نخلات أبر بعضها فقط، فله حالان. أحدهما: أن يكون في بستان واحد، فينظر، إن اتحد النوع والصفقة، فجميع الثمار للبائع. وإن أفرد بالبيع غير المؤبر، فالاصح أن الثمرة للمشتري، والثاني للبائع اكتفاء بوقت التأبير عنه. وإن اختلف النوع، فالاصح أن الجميع للبائع. وقال ابن خيران: غير المؤبر للمشتري، والمؤبر للجائع. الحال الثاني: أن تكون في بستانين، فالمذهب: أنه يستفرد كل بستان بحكمه. وقيل: هما كالبستان الواحد، سواء تباعد البستانان أو تلاصقا.

(3/207)


فرع باع نخلة وبقيت الثمرة له، ثم خرج طلع آخر من تلك النخلة، أو من أخرى حيث يقتضي الحال اشتراكهما، فوجهان. أصحهما: الطلع الجديد للبائع أيضا، لانه من ثمرة العام. وقال ابن أبي هريرة: للمشتري، لحدوثه في ملكه. فرع جمع في صفقة ذكور النخل وإناثها، له حكم الجمع بين نوعين من الاناث. فرع قال في التهذيب: تشقق بعض جوز القطن، كتشقق كله. وما تشقق من الورد، للبائع، وما لم يتشقق، للمشتر وإن كانا على شجرة واحدة، ولا يتبع بعضه بعضا، بخلاف النخل، لان الورد يجنى في الحال، فلا يخاف اختلاطه. قال: ولو ظهر بعض التين والعنب، فالظاهر للبائع، وغيره للمشتري، وفي هذه الصورة نظر. فصل إذا باع الشجرة، وبقيت الثمرة للبائع، فإن شرط القطع في الحال، لزمه. وإن أطلق، فليس للمشتري تكليفه القطع في الحال، بل له الابقاء إلى أوان الجداد وقطاف العنب. فإذا جاء وقت الجداد، لم يمكن من أخذها على التدريج، ولا أن يؤخرها إلى نهاية النضج. ولو كانت الثمرة من نوع يعتاد قطعه قبل النضج، كلف القطع على العادة.. ولو تعذر السقي لانقطاع الماء وعظم ضرر النخل ببقاء الثمرة، فالاظهر أنه ليس له الابقاء. ولو أصاب الثمار آفة، ولم يكن في تركها فائدة، فهل له الابقاء ؟ قولان. وسقي الثمار عند الحاجة على البائع، وعلى المشتري تمكينه من دخول البستان للسقي. فإن لم يأتمنه، نصب الحاكم أمينا للسقي، ومؤنته على البائع. وإذا كان السقي ينفع الثمار والاشجار، فلكل واحد

(3/208)


السقي، وليس للآخر منعه. وإن كان يضر بهما، فليس لاحدهما السقي إلا برضى الآخر، وإن أضر بالثمار ونفع الاشجار، فأراد المشتري السقي، فمنعه البائع، فوجهان. أحدهما: له السقي. وأصحهما: أنه إن سامح أحدهما بحقه أقر، وإلا، فسخ البيع، وإن أضر بالشجر ونفع الثمار، فتنازعا، فعلى الوجهين، الاصح: يفسخ إن لم يسامح. والثاني: للبائع السقي. هذا نقل الجمهور. وقال الامام: في الصورتين ثلاثة أوجه: أحدها: يجاب المشتري. والثاني: البائع. والثالث: يتساويان. ولو كان السقي يضر بواحد، وتركه يمنع حصول زيادة للآخر، ففي إلحاقه بتقابل الضرر، احتمالان عند الامام. ولو لم يسق البائع، وتضرر المشتري ببقاء الثمار لامتصاصها رطوبة الشجر، أجبر على السقي أو القطع. فإن تعذر السقي لانقطاع الماء، ففيه القولان السابقان. قلت: هذان القولان، فيما إذا كان للبائع نفع في ترك الثمرة. فإن لم يكن، وجب القطع بلا خلاف، كذا قاله الامام، وصاحب التهذيب. والله أعلم. اللفظ السادس: الثمار، وهي تباع بعد بدو الصلاح وقبله. الحالة الاولى: إذا بيعت بعد بدو الصلاح، جاز مطلقا، وبشرط إبقائها إلى وقت الجداد، وبشرط القطع، سواء كانت الاصول للبائع، أم للمشتري، أم لغيرهما. فإن أطلق، فله الابقاء إلى وقت الجداد، ولا يجوز بيع الثمار بعد الصلاح مع ما يحدث بعدها.

(3/209)


الثانية: إذا بيعت قبل بدو الصلاح، فإما أن تباع مفردة عن الشجر، وإما معه. الضرب الاول: المفردة. وللاشجار صورتان. إحداهما: أن تكون للبائع الغلة أو للمشتري أو لغيرهما. فلا يجوز بيع الثمار مطلقا، ولا بشرط الابقاء، ويجوز بشرط القطع بالاجماع. ولو كانت الكروم في بلاد شديدة البرد بحيث لا تنتهي ثمارها إلى الحلاوة، واعتاد أهلها قطع الحصرم، فوجهان. قال القفال: يجوز بيعها بغير شرط القطع، ويكون المعتاد كالمشروط. ومنع الاكثرون ذلك. ويجري الخلاف فيما لو جرت عادة قوم بانتفاع ا لمرتهن بالمرهون، حتى تنزل عادتهم على رأي منزله شرط الانتفاع، ويحكم بفساد الرهن. ولو باع بشرط القطع، وجب الوفاء به. فلو تراضيا على تركه، فلا بأس، ويكون بدو الصلاح، ككبر العبد الصغير. وإنما يجوز البيع بشرط القطع، إذا كان المقطوع منتفعا به، كالحصرم واللوز ونحوهما. فأما ما لا منفعة فيه، كالجوز والكمثرى، فلا يصح بيعه بشرط القطع أيضا. الصورة الثانية: أن تكون الاشجار للمشتري، بأن يبيع إنسانا شجرة، وتبقى الثمرة له، ثم يبيعه الثمرة، أو يوصي لانسان بالثمرة فيبيعها لصاحب الشجرة، ففي اشتراط القطع، وجهان. أصحهما عند الجمهور: يشترط، ولكن لا يلزمه الوفاء بالشرط هنا، بل له الابقاء، إذ لا معنى لتكليفه قطع ثماره عن أشجاره ولو باع شجرة عليها ثمرة مؤبرة، فبقيت للبائع، فلا حاجة إلى شرط القطع، لان المبيع هو

(3/210)


الشجرة، وهي غير متعرضة للعاهات، والثمرة مملوكة له بحكم الدوام. ولو كانت الثمرة غير مؤبرة، فاستثناها لنفسه، ففي وجوب شرط القطع وجهان. أصحهها: لا يجب، لانه في الحقيقة استدامة لملكها. فعلى هذا، له الابقاء إلى وقت الجداد. ولو صرح بشرط الابقاء، جاز. والثاني: يجب، ولا يصح التصريح بالابقاء. قلت: قال الامام: إذا قلنا: يجب شرط القطع، فأطلق، فظاهر كلام الاصحاب أن الاستثناء باطل، والثمرة للمشتري. قال: وهذا مشكل، فإن صرف الثمرة إليه مع التصريح باستثنائها محال. قال: فالوجه عد الاستثناء المطلق شرطا فاسدا مفسدا للعقد في الاشجار، كاستثناء الحمل. والله أعلم. الضرب الثاني أن تباع الثمرة مع الشجر، فيجوز من غير شرط القطع، بل لا يجوز شرط القطع. قلت: لو قطع شجرة عليها ثمرة ثم باع الثمرة وهي عليها، جاز من غير شرط القطع، لان الثمرة لا تبقى عليها، فيصير كشرط القطع. والله أعلم. فرع لا يشترط للاستغناء عن شرط القطع بدو الصلاح في كل عنقود، بل إذا باع ثمرة شجرة واحدة بدا الصلاح في بعضها، صح من غير شرط القطع. ولو باع ثمار أشجار بدا الصلاح في بعضها، نظر، إن اختلف الجنس، لم يغير بدو الصلاح في جنس حكم جنس آخر. فلو باع رطبا وعنبا بدا الصلاح في أحدهما فقط، وجب شرط القطع في الآخر. وإن اتحد الجنس، فالكلام في اتحاد البستان وتعدده. وإذا اتحد، ففي بيعها صفقة واحدة وإفراد ما لم يبد فيه الصلاح بالبيع. وحكم الاقسام كلها على ما سبق في التأبير بلا فرق، حتى أن الاصح: أنه لا

(3/211)


تبعية عند الافراد، وأنه لا أثر لاختلاف النوع، وأنه لا يتبع بستان بستانا. ولو بدا الصلاح في ملك غير البائع، ولم يبد في ملكه، فإن كانا في بستانين، فلا عبرة به قطعا، وكذا إن كانا في بستان واحد على الاصح. ويجري الوجهان، فيما لو أبر ملك غير البائع في بستان واحد. والاصح: أنه لا يكون للمبيع حكم المؤبر. فرع يحصل بدو الصلاح بظهور النضج، ومبادئ الحلاوة، وزوال العفوصة أو الحموضة المفرطتين، وذلك فيما لا يتلون، بأن يتموه ويلين، وفيما يتلون، بأن يحمر أو يصفر أو يسود، وهذه الاوصاف وإن عرف بها بدو الصلاح، فليس واحد منها شرطا فيه، لان القثاء لا يتصور فيه شئ منها، بل يستطاب أكله صغيرا وكبيرا. وإنما بدو صلاحه، أن يكبر بحيث يجنى في الغالب ويؤكل، وإنما يؤكل في الصغر على الندور. وكذا الزرع، لا يتصور فيه شئ منها، وبدو صلاحه باشتداد الحب. قال صاحب التهذيب: بيع أوراق الفرصاد قبل تناهيها، لا يجوز إلا بشرط القطع، وبعده يجوز مطلقا وبشرط القطع.

(3/212)


والعبارة الشاملة، أن يقال: بدو الصلاح في هذه الاشياء، ضرورتها إلي الصفة التي تطلب غالبا لكونها على تلك الصفة. فرع بيع البطيخ قبل بدو صلاحه، لا يصح من غير شرط القطع، فإن بدا الصلاح في كله أو بعضه، نظر، إن كان يخاف خروج غيره، فلا بد من شرط القطع، فإن شرط فلم يقطع حتى اختلط، ففي انفساخ البيع قولان يأتي نظيرهما إن شاء الله تعالى. وإن كان لا يخاف خروج غيره، جاز بيعه من غير شرط القطع. هذا إذا أفرد البطيخ بالبيع، ووراءه حالتان. إحداهما: لو أفرد أصوله بالبيع، قال العراقيون وغيرهم: يجوز، ولا حاجة إلى شرط القطع إذا لم يخف الاختلاط. ثم الحمل الموجود، يبقى للبائع، وما يحدث، يكون للمشترى. وإن خيف اختلاط الحملين، فلا بد من شرط القطع. فإن شرط، فلم يتفق حتى وقع الاختلاط، فطريقان سنذكرهما في نظيره إن شاء الله تعالى. ولو باع الاصول قبل خروج الحمل، فلا بد من شرط القطع والقلع، كالزرع الاخضر. وإذا شرط، ثم اتفق بقاؤه حتى خرج الحمل، فهو للمشترى. الحالة الثانية: باع البطيخ مع أصوله، قال الامام والغزالي: لا بد من شرط القطع، لان البطيخ مع أصوله متعرض للعاهة، بخلاف الشجرة مع الثمرة. فلو باع البطيخ مع الارض، استغني عن شرط القطع، والارض كالشجر. ومقتضى ما ذكرناه في بيع الاصول وحدها إذا لم يخف الاختلاط، أنه لا حاجة إلى شرط القطع. والباذنجان ونحوه، كالبطيخ في الاحوال الثلاث. فرع لابن الحداد لو باع نصف الثمار على رؤوس الشجر مشاعا قبل بدو الصلاح، لم يصح. وعللوه بأن هذا البيع يفتقر إلى شرط القطع، ولا يمكن قطع النصف إلا بقطع الكل، فيتضرر البائع بقطع غير المبيع، فأشبه ما إذا باع نصفا معينا من سيف. وما ذكروه من أن قطع النصف لا يمكن إلا بقطع الجميع، إنما يستمر بتقدير دوام الاشاعة وامتناع القسمة.

(3/213)


أما إذا جوزنا قسمة الثمار الرطبة بناء على أنها إفراز، فيمكن قطع النصف من غير قطع الجميع، بأن يقسم أولا، فليكن منع البيع مبنيا على القول بامتناع القسمة، لا مطلقا، وعلى هذا يدل كلام ابن الحداد. قال القاضي أبو الطيب: وهو الصحيح. ولو باع نصفها مع نصف النخل، صح وكانت الثمار تابعة. ولو كانت الثمرة لواحد، والشجرة لآخر، فباع صاحب الثمرة صاحب الشجرة نصفها، فوجهان بناء على اشتراط القطع هنا. ولو كانت الاشجار والثمار مشتركة بين رجلين، فاشترى أحدهما نصيب شريكه من الثمرة، لم يصح. ولو اشترى نصيب شريكه من الثمرة بنصيبه من الشجر، لم يجز مطلقا، ويجوز بشرط القطع، لان جملة الثمار تصير لمشترى الثمرة، وجملة الشجر للآخر، ويلزم مشترى الثمرة قطع الجميع، لانه بهذه المعاملة التزم قطع النصف المشترى، وتفريغ الاشجار لصاحبه، وبيع الشجرة على أن يفرغها البائع، جائز. وكذا لو كانت الاشجار لاحدهما، والثمرة بينهما، فاشترى صاحب الشجر نصيب صاحبه من الثمر بنصف الشجر على شرط القطع، جاز. فرع لا يصح بيع الزرع الاخضر إلا بشرط القطع. فإن باعه مع الارض، جاز تبعا. وكذا لا يجوز بيع البقول في الارض دون الارض إلا بشرط القطع أو القلع، سواء كان مما يجز مرارا، أو لا يجز إلا مرة، هكذا نقله صاحب التهذيب وغيره في البقول. وقال الغزالي: بيع أصول البقول لا يتقيد بشرط القطع، إذ لا تتعرض للآفة. وبيع الزرع بعد اشتداد حبه، كبيع الثمر بعد صلاحه،

(3/214)


فلا يحتاج إلى شرط القطع. فرع يشترط ظهور المقصود. فإذا باع ثمرة لا كمام لها، كالتين والعنب والكمثرى، جاز، سواء باعها على الشجرة، أو على الارض. ولو باع الشعير أو السلت مع سنبله، جاز بعد الحصاد وقبله، لان حباته ظاهرة. ولو كانت للثمر أو الحب كمام لا يزال إلا عند الاكل، كالرمان والعلس، فكمثل. وأما ما لكمامان يزال أحدهما، ويبقى الآخر إلى وقت الاكل، كالجوز واللوز والرانج، فيجوز بيعه في القشر الاسفل، ولا يجوز في الاعلى، لا على الشجر، ولا على الارض. وفي قول: يجوز في القشر الاعلى ما دام رطبا. وبيع الباقلاء في القشر الاعلى، فيه هذا الخلاف. وادعى إمام الحرمين، أن الظاهر فيه الصحة، لان الشافعي رضي الله عنه، أمر أن يشترى له الباقلاء الرطب. قلت: المنصوص في الام: أنه لا يصح بيعه. قال صاحب التهذيب وغيره: هو الاصح، وبه قطع صاحب التنبيه. هذا إذا كان الجوز واللوز والباقلاء رطبا. فإن بقي في قشره الاعلى، فيبس، لم يجز بيعه وجها واحدا إذا لم نجوز بيع الغائب، كذا قاله الامام وصاحب التهذيب وغيرهما. وحكى فيه صاحب التتمة وجها: أنه يصح وإن أبطلنا بيع

(3/215)


الغائب. ويصح بيع طلع النخل مع قشره في الاصح. والله أعلم. وأما ما لا يرى حبه في سنبله، كالحنطة، والعدس، والسمسم، فما دام في سنبله، لا يجوز بيعه مفردا عن سنبله قطعا، ولا معه على الجديد الاظهر، كبيع تراب الصاغة، وكبيع الحنطة في تبنها، فإنه لا يصح قطعا. وفي الارز، طريقان. المذهب: أنه كالشعير، فيصح بيعه في سنبله. وقيل: كالحنطة. ولا يصح بيع الجزر، والثوم، والبصل، والفجل، والسلق في الارض، لتستر مقصودها. ويجوز بيع أوراقها الظاهرة بشرط القطع. ويجوز بيع القنبيط في الارض، لظهوره، وكذا نوع من السلجم يكون ظاهرا. ويجوز بيع اللوز في القشر الاعلى قبل انعقاد الاسفل، لانه مأكول كله كالتفاح. وهل المنع في صور ا لفرع مقطوع به، أم مفرع على منع بيع الغائب ؟ قال الامام: هو مفرع عليه. فإن جوزنا بيع الغائب صح البيع في جميعها. وفي التهذيب: أن المنع في بيع الجزر ونحوه في الارض، ليس مفرعا عليه، لان في بيع الغائب يمكن رد المبيع بعد الرؤية بصفته، وهنا لا يمكن. قلت: هذا أصح، ونقله الماوردي عن جمهور الاصحاب. ونقل عن بعضهم كقول إمام الحرمين في الجزر ونحوه. والله أعلم. وإذا قلنا بالمنع، فباع الجوز مثلا في القشر الاعلى مع الشجرة، أو باع الحنطة في سنبلها مع الارض، فطريقان. أحدهما: يبطل في الجوز والحنطة، وفي الشجرة والارض قولا تفريق الصفقة. وأصحهما: القطع بالبطلان - في الجميع، للجهل بأحد المقصودين، وتعذر التوزيع. ولو باع أرضا مبذورة مع البذر، فقيل: يصح في البذر أيضا تبعا للارض. والمذهب: بطلان البيع فيه. ثم في الارض الطريقان. ومن قال بالصحة في الارض، لا يذهب إلى التوزيع، بل يوجب جميع الثمن بناء على قولنا في تفريق الصفقة، بأخذ جميع الثمن. فصل لا يصح بيع المحاقلة، وهو أن يبيع الحنطة في سنبلها بكيل

(3/216)


معلوم من الحنطة. ولبطلانه علتان. إحداهما: أنه بيع حنطة وتبن بحنطة، وذلك ربا. والثانية: أنه بيع حنطة في سنبلها. فلو باع شعيرا في سنبله بحنطة خالصة، وتقابضا في المجلس، أو باع زرعا قبل ظهور الحب بحب، جاز، لان الحشيش غير ربوي. فصل قد سبق أنه لا يجوز بيع الرطب بالتمر، ويستثنى منه بيع العرايا، فإنه جائز، وهو أن يبيع رطب نخلة أو نخلات باعتبار الخرص بقدر كيلها من التمر، ولا يصح إلا بالخرص. ويشترط التقابض في المجلس بتسليم التمر إلى البائع بالكيل، وتخلية البائع بينه وبين النخلة. فإن كان التمر غائبا عنهما، أو كانا غائبين عن النخل، فأحضراه، أو حضرا عند النخل، جاز. ثم إن لم يظهر تفاوت بين التمر المجعول عوضا، وبين ما في الرطب من التمر، بأن أكيل الرطب في الحال، فذاك. وإن ظهر، نظر، فإن

(3/217)


كان قدر ما يقع بين الكيلين، لم يضر. وإن كان أكثر، فالعقد باطل. وفي وجه ضعيف: يصح في قدر القليل من الكثير، ولمشترى الكثير الخيار. ويجوز بيع العرايا في العنب كالرطب، ولا يجوز في سائر الثمار على الاظهر. ويجوز فيما دون خمسة أسوق من التمر، لا فيما زاد على الخمسة قطعا، ولا في خمسة على الاظهر. هذا إذا باع في صفقة. فلو باع قدرا كثيرا في صفقات لا تزيد كل واحدة على ما ذكرنا، جاز. وكذا لو باع في صفقة لرجلين بحيث يخص كل واحد القدر الجائز. فلو باع رجلان لرجل، فوجهان. أصحهما: أنه كبيع رجل لرجلين. والثاني: كبيعه لرجل صفقة. ولو باع رجلان لرجلين صفقة، لم يجز فيما زاد على عشرة أوسق، ويجوز فيما دون العشرة. وفي العشرة القولان. قلت: وسواء في هذه الصور كانت العقود في مجلس أو مجالس. حتى لو باع رجل لرجل ألف وسق في مجلس واحد بصفقات كل واحدة دون خمسة أوسق، جاز. والله أعلم. وجميع ما ذكرنا في بيع الرطب بالتمر، فلو باع رطبا على النخل، برطب على النخل خرصا فيهما، أو برطب على الارض كيلا فيه، فأوجه. أصحها: لا يجوز، قاله الاصطخري. والثاني: يجوز، قاله ابن خيران. والثالث: إن اختلف نوعهما، جاز، وإلا، فلا، قاله أبو إسحق. والرابع: جريان هذا التفصيل إن كانا على النخل، فإن كان أحدهما على الارض، لم يجز، حكي أيضا عن أبي إسحق. ولو باع الرطب بالرطب على الارض، لم يصح على المذهب، وبه قطع الجمهور. وقال القفال: فيه هذا الخلاف، لانه إذا جاز البيع وهما على النخل، وإحتملت جهالة الخرص، فالجواز مع تحقق المساواة بالكيل أولى. فرع يجوز بيع العرايا للمحتاجين، وفي الاغنياء قولان. أظهرهما: الجواز.

(3/218)


فصل إذا باع الثمرة بعد بدو الصلاح، لزمه سقيها قبل التخلية وبعدها بقدر ما تنمى به الثمار وتسلم من التلف والفساد. فلو شرط كون السقي على المشترى، بطل البيع، ثم المشترى يتسلط على التصرف في الثمرة بعد تخلية البائع بينه وبينها من كل وجه. فإن عرضت جائحة من حر، أو برد، أو جراد، أو حريق، أو نحوها قبل التخلية، فهي من ضمان البائع. فإن تلف جميع الثمار، انفسخ البيع. وإن تلف بعضها، انفسخ فيه. وفي الباقي قولا التفرق. وإن عرضت بعدها، فإن كان باعها بعد بدو الصلاح، فقولان. الجديد الاظهر: أن الجوائح من ضمان المشترى. والقديم: أنها من ضمان البائع. ولا فرق على القولين، بين أن يشرط القطع، أم لا. وقيل: إن شرطه، كانت من ضمان المشترى قطعا، لتفريطه، ولانه لا علقة بينهما، إذ لا يجب السقي على البائع هنا، وحكي هذا عن القفال. وقيل: إن شرطه، كانت من ضمان البائع قطعا، لان ما شرط قطعه، فقبضه بالقطع والنقل، فقد تلفت قبل القبض. ويتفرع على كونها من ضمان البائع، فروع. أحدها: أن المحكوم بكونه من ضمان البائع، ما تلف قبل وقت الجداد أما ما تلف بعد وقت الجداد، وإمكان النقل، فمن ضمان المشترى على الاظهر. وقيل: على الاصح لتقصيره. وعلى الثاني: من ضمان البائع، لعدم التسليم التام. قال الامام: وهذا الخلاف إذا لم يعد مقصرا مضيعا بتأخيره، كاليوم واليومين. فإن عد، فلا مساغ للخلاف. الثاني: لو تلف بعض الثمر، فالحكم على هذا القول كما لو تلف قبل التخلية. ولو عابت الثمرة بالجائحة، ثبت الخيار على هذا القول، كما لو عابت قبل

(3/219)


التخلية. وعلى الجديد: لا يثبت. الثالث: لو ضاعت الثمرة بغصب أو سرقة، فالمذهب: أنها من ضمان المشترى، وبه قطع الاكثرون. وقيل: على القولين فالجائحة، وبه قطع العراقيون. قلت: إذا قلنا بالقديم، فاختلفا في الفائت بالجائحة، فقال البائع: ربع الثمرة. وقال المشترى: نصفها، فالقول قول البائع، لان الاصل براءة ذمته وعدم الهلاك. قال في التتمة: لو اختلفا في وقوع الجائحة، فالغالب أنها لا تخفى، فإن لم تعرف أصلا، فالقول قول البائع بلا يمين. وإن عرف وقوعها عاما، فالقول قول المشترى بلا يمين وإن أصابت قوما دون قوم، فالقول قول البائع بيمينه، لان الاصل عدم الهلاك ولزوم الثمن. والله أعلم. فرع هذا الذي ذكرناه من القولين، هو في الجوائح السماوية التي لا تنسب إلى البائع بحال. فأما إن ترك السقي وعرضت في الثمار آفة بسبب العطش. فإن تلفت، فالمذهب: القطع بانفساخ العقد. وقيل: فيه القولان كالسماوية. فإن قلنا: لا انفساخ، لزم البائع الضمان بالقيمة، أو المثل. وإنما يضمن ما تلف، ولا ينظر إلى ما كان ينتهي إليه لولا العارض. وإن تعيبت، فللمشترى الخيار. وإن قلنا: الجائحة من ضمانه، لان الشرع ألزم البائع تنمية الثمار بالسقي، فالتعيب الحادث بترك السقي، كالعيب المتقدم على القبض. وإن أفضى التعيب إلى تلف، نظر، إن لم يشعر به المشترى حتى تلف، عاد الخلاف في الانفساخ، ولزم البائع الضمان إن قلنا: لا انفساخ ولا خيار بعد التلف، كذا قاله الامام. وإن شعر به ولم يفسخ حتى تلف، فوجهان. أحدهما: يغرم البائع، لعدوانه. والثاني: لا، لتقصير المشترى بترك الفسخ. فرع باع الثمر مع الشجر، فتلف الثمر بجائحة قبل التخلية، بطل العقد فيه. وفي الشجر القولان. وإن تلف بعد التخلية، فمن ضمان المشترى بلا خلاف. قلت: ولو كانت الثمرة لرجل، والشجر لآخر، فباعها لصاحب الشجرة،

(3/220)


وخلى بينهما، ثم تلفت، فمن ضمان المشترى بلا خلاف، لانقطاع العلائق. والله أعلم. فرع اشترى طعاما مكايلة، وقبضه جزافا، فهلك في يده، ففي انفساخ البيع وجهان، لبقاء الكيل بينهما. فرع من العوارض، اختلاط الثمار المبيع‍ بغيرها لتلاحقها. فأما الاختلاط الذي يبقى معه التمييز، فلا اعتبار به. وأما غيره، فإذا باع الثمرة بعد بدو الصلاح والشجرة تثمر في السنة مرتين، نظر، إن كان ذلك مما يغلب التلاحق فيه، وعلم أن الحمل الثاني يختلط بالاول، كالتين، والبطيخ، والقثاء، والباذنجان، لم يصح البيع، إلا أن يشرط أن المشترى يقطع ثمرته عند خوف الاختلاط. وفي قول أو وجه: أنه موقوف. فإن سمح البائع بما حدث، تبين انعقاد البيع، وإلا، فلا. ثم إذا شرط القطع فلم يتفق حتى اختلط، فهو كالتلاحق فيما يندر. وإن كان مما يندر فيه التلاحق، وعلم عدم الاختلاط، أو لم يعلم كيف يكون الحال، فيصح البيع مطلقا، وبشرط القطع والتبقية. ثم إن حصل الاختلاط، فله حالان. أحدهما: أن يحصل قبل التخلية، فقولان. أحدهما: ينفسخ البيع، لتعذر التسليم قبل القبض. وأظهرهما: لا، لبقاء عين المبيع، فعلى هذا، يثبت للمشترى الخيار. وفي قول ضعيف: لا خيار. والاختلاط قبل القبض، كهو بعده. ثم إن سمح البائع بترك الثمرة الجديدة للمشترى، سقط خياره على الاصح كما سبق في نعل الدابة. وإن باع الثمرة قبل بدو الصلاح بشرط القطع، فلم يتفق القطع حتى اختلطت، جرى القولان في الانفساخ، ويجريان فيما إذا باع حنطة فانصب عليها مثلها قبل القبض، وكذا في المائعات. وإن اختلط الثوب بأمثاله،

(3/221)


أو الشاة المبيعة بأمثالها، فالصحيح الانفساخ. وفي وجه: لا، لامكان تسليمه بتسليم الجميع. ولو باع جزة من القت بشرط القطع، فلم يقطعها حتى طالت، وتعذر التمييز، جرى القولان. وقيل: لا ينفسخ هنا قطعا، تشبيها لطولها بكبر الثمرة والشجرة، وبنماء الحيوان، وهو ضعيف، لان البائع يجبر على تسليم الاشياء المذكورة بزيادتها، وهنا لا يجبر على تسليم ما زاد. الحال الثاني: أن يحصل الاختلاط بعد التخلية، فطريقان. أحدهما: القطع بعدم الانفساخ. وأصحهما عند الجمهور: أنه على القولين. فإن قلنا: لا انفساخ، فإن تصالحا وتوافقا على شئ، فذاك، وإلا، فالقول قول صاحب اليد في قدر حق الآخر. ولمن اليد في صورة الثمار ؟ فيه أوجه. أحدها: للبائع. والثاني: للمشترى. والثالث: لهما. وفي صورة الحنطة للمشترى، فإن كان المشترى أودعه الحنطة بعد القبض ثم اختلطت، فالقول قول البائع. فرع باع شجرة عليها ثمرة للبائع، وهي مما تثمر في السنة مرتين، ويغلب تلاحقها، لا يصح البيع إلا بشرط قطع البائع ثمرته عند خوف الاختلاط، ويجئ فيه الخلاف المذكور فيما إذا كان المبيع هو الثمرة. ثم إذا تبايع بهذا الشرط، فلم يتفق القطع حتى اختلطا، أو كانت الشجرة مما يندر فيها التلاحق والاختلاط، فاتفق وقوعه، فطريقان. قال الاكثرون: في الانفساخ القولان. وقيل: لا انفساخ قطعا. فإن قلنا: لا انفساخ، فسمح البائع بترك الثمرة القديمة، أجبر المشترى على القبول. وإن رضي المشترى بترك الثمرة الحادثة، أجبر البائع على القبول وأقر العقد. ويحتمل خلاف في الاجبار، فأن استمرا على النزاع، فالمثبتون للقولين قالوا: يفسخ العقد. والقاطعون قالوا: لا فسخ، بل أيهما كانت الثمرة والشجرة في يده، فالقول قوله في قدر ما يستحقه الآخر. قال في التهذيب: هذا هو القياس، لان الفسخ لا يرفع النزاع، لبقاء الثمرة الحادثة

(3/222)


للمشترى. وإن قلنا بالانفساخ، استرد المشترى الثمن ورد الشجرة مع جميع الثمار، قاله في التتمة.
باب معاملات العبيد
العبد مأذون له في التجارة، وغيره. الاول: المأذون له، فيجوز للسيد أن يأذن لعبده في التجارة وسائر التصرفات، كالبيع والشراء بالاجماع. ويستفيد بالاذن في التجارة كل ما يندرج تحت اسمها، وما كان من لوازمها وتوابعها، كالنشر، والطي، وحمل المتاع إلى الحانوت، والرد بالعيب، والمخاصمة في العهدة، ونحوها. ولا يستفيد غير ذلك، هذا جملة القول فيه. وتفصيله بصور. إحداها: ليس للمأذون في التجارة أن ينكح، كما ليس للمأذون في النكاح أن يتجر. الثانية: لا يجوز أن يؤجر نفسه على الصحيح، وله أن يؤجر مال التجارة

(3/223)


كعبيدها وثيابها ودوابها على الاصح. الثالثة: إذا أذن له في التجارة في نوع، أو شهر، أو سنة، لم يتجاوز المأذون. الرابعة: لو دفع إليه ألفا وقال: اتجر فيه، فله أن يشترى بعين الالف، وبقدره في الذمة، ولا يزيد. ولو قال: اجعله رأس مالك، وتصرف أو اتجر، فله أن يشترى بأكثر من الالف. الخامسة: ليس للمأذون أن يأذن لعبده في التجارة. فإن أذن له فيه السيد، جاز، ثم ينعزل المأذون الثاني بعزل السيد، سواء انتزعه من يد المأذون الاول، أم لا. وهل له أن يوكل عبده في آحاد التصرفات ؟ وجهان. أصحهما عند الامام والغزالي: نعم. والثاني: لا، وهو مقتضى كلام صاحب التهذيب. قلت: وليس له أن يوكل أجنبيا، كالوكيل لا يوكل، بخلاف المكاتب، لانه يتصرف لنفسه. والله أعلم. السادسة: لا يتخذ دعوة للمجهزين، ولا يتصدق، ولا ينفق على نفسه من مال التجارة، لانه ملك السيد، ولا يعامل سيده بيعا وشراء. السابعة: ما كسبه المأذون بالاحتطاب، والاصطياد، والاتهاب، وقبول الوصية، والاخذ من المعدن، هل يضم إلى مال التجارة حتى يتصرف فيه ؟ فيه وجهان. أصحهما في التهذيب: نعم، لانها من الاكساب. والثاني: لا، وبه

(3/224)


قطع الفوراني، والامام، والغزالي. الثامنة: لا ينعزل المأذون بالاباق، بل له التصرف في البلد الذي صار إليه، إلا إذا خص السيد الاذن بهذا البلد. قلت: وفي التتمة وجه ضعيف: أنه لا يصح تصرفه في الغيبة. والله أعلم. التاسعة: له أن يأذن في التجارة لمستولدته قطعا. ولو أذن لامته، ثم استولدها، لم تنعزل على الصحيح. العاشرة: لو رأى عبده يبيع ويشتري، فسكت عنه، لم يصر مأذونا. الحادية عشرة: لو ركبته الديون، لم يزل ملك سيده عما في يده. فلو تصرف فيه ببيع، أو هبة، أو إعتاق بإذن المأذون والغرماء، جاز، ويبقى الدين في ذمة العبد. وإن أذن العبد دون الغرماء، لم يجز. وإن أذنوا دونه، فوجهان. قلت: أصحهما: لا يجوز. وصححه البغوي، لان الدين يتعلق بذمة العبد ولم يرض. والله أعلم. الثانية عشرة: إقرار المأذون بدين المعاملة مقبول، سواء أقر لابيه أو ابنه، أو لاجنبي. الثالثة عشرة: لا. يجوز أن يبيع بنسيئة، ولا بدون ثمن المثل، ولا يسافر بمال التجارة إلا بإذن السيد، ولا يتمكن من عزل نفسه، بخلاف الوكيل.

(3/225)


قلت: ولو كان لرجلين عبد، فأذن له أحدهما في التجارة، لم يصح حتى يأذن الآخر، كما لو أذن له في النكاح، لا يصح حتى يأذن الآخر. والله أعلم. فرع قال صاحب التتمة: في جواز معاملة من لا يعرف رقه وحريته، قولان. أظهرهما: الجواز. لان الاصل والغالب الحرية. والثاني: المنع، لان الاصل بقاء الحجر. وقطع إمام الحرمين بالجواز. ومن عرف رقة، لم يجز له أن يعامله حتى يعرف إذن السيد. ولا يكفي قول العبد: أنا مأذون، كما لو زعم الراهن إذن المرتهن في بيع المرهون، وإنما يعرف كونه مأذونا بسماع الاذن من السيد، أو ببينة. فإن شاع في الناس كونه مأذونا، كفى على الاصح. وإذا علم كونه مأذونا، فقال: حجر علي السيد، لم تجز معاملته. فإن قال السيد: لم أحجر عليه، فوجهان. أصحهما: لا يعامل أيضا، لانه العاقد، وهو يقول: العقد باطل. ولو عامل المأذون من يعلم رقه، ولم يعلم الاذن، فبان مأذونا، قال الائمة: هو كمن باع مال أبيه على أنه حي فبان ميتا، ومثله قولان حكاهما الحليمي فيما إذا ادعى الوكالة فكذبه، فعامله، ثم بان أنه وكيل. قلت: ولو باع مالا يظنه لنفسه، فبان مال أبيه وكان متيا حال العقد، صح بلا خلاف، كذا نقله الامام عن شيخه. والله أعلم. فرع لو علم كونه مأذونا فعامله، ثم امتنع من التسليم إليه حتى يشهد على الاذن، فله ذلك خوفا من إنكار السيد، كما لو صدق مدعي الوكالة بقبض الحق، ثم امتنع من التسليم حتى يشهد الموكل على الوكالة. فصل إذا باع المأذون سلعة، وقبض الثمن، فاستحقت وقد تلف الثمن في يد العبد، فللمشتري الرجوع ببدله على العبد على الصحيح، لانه مباشر

(3/226)


العقد. وفي وجه: لا يرجع عليه، لان يده يد السيد. وفي مطالبته السيد أوجه. أصحها: يطالب أيضا، لان العقد له. والثاني: لا. والثالث: إن كان في يد العبد وفاء، لم يطالب، وإلا، فيطالب. وقال ابن سريج: إن كان السيد دفع إليه عين مال وقال: بعها وخذ ثمنها واتجر فيه، أو قال: اشتر هذه السلعة وبعها واتجر في ثمنها، ففعل، ثم ظهر الاستحقاق، فطالبه المشتري بالثمن، فله أن يطالب السيد بقضاء الدين عنه، لانه أوقعه فيه. وإن إشترى باختياره سلعة وباعها، ثم ظهر الاستحقاق، فلا. ولو اشترى المأذون شيئا للتجارة، ففي مطالبة السيد بالثمن هذه الاوجه. والوجه الاول والثاني جاريان في رب المال مع عامل القراض. ولو سلم الرجل إلى وكيله ألفا، وقال: اشتر لي عبدا وأد هذا الالف في ثمنه، فاشترى الوكيل، ففي مطالبة الموكل طريقان. أقيسهما: طرد الوجهين. والثاني: القطع بالمطالبة، ولا حكم لهذا التعيين. وإذا توجهت المطالبة على العبد، ثم تندفع بعتقه. وفي رجوعه بالمغروم بعد العتق على سيده، وجهان. أصحهما: لا يرجع. فصل لو سلم إلى عبده ألفا ليتجر فيه، فاشترى بعينه شيئا، ثم تلف الالف في يده، انفسخ البيع. وإن اشترى في الذمة على عزم صرف الالف في الثمن، فأربعة أوجه. أصحها: لا ينفسخ العقد، بل أن أخرج السيد ألفا آخر، امضي العقد، وإلا، فللبائع فسخه. والثاني: يجب على السيد ألف آخر. والثالث: يجب الثمن في كسب العبد. والرابع: ينفسخ العقد. فإذا قلنا: على السيد ألف آخر، فهل يتصرف العبد فيه بالاذن السابق، أم يشترط إذن جديد ؟ وجهان. قال الامام: وإنما يطالب بالالف الجديد البائع دون العبد. ولا شك أن العبد لا يمد يده إلى ألف من مال السيد، وأنه لا يتصرف فيما يسلمه البائع. وإنما تظهر فائدة الوجهين، فيما لو ارتفع العقد بسبب ورجع الالف. قلت: قال صاحب التهذيب: لو اشترى المأذون شيئا بعرض، فتلف الشئ ثم خرج العرض مستحقا، فالقيمة في كسبه، أم على السيد ؟ وجهان. والله أعلم. فصل ديون معاملات المأذون، تؤدى مما في يده من مال التجارة، سواء الارباح الحاصلة بتجارته ورأس المال. وهل تؤدى من أكسابه بغير التجارة

(3/227)


كالاحتطاب والاصطياد ؟ وجهان. أحدهما: لا، كسائر أموال السيد. وأصحهما: نعم. كما يتعلق به المهر ومؤن النكاح، ثم ما فضل، يكون في ذمته إلى أن يعتق، ولا يتعلق برقبته، ولا بذمة السيد قطعا، ولا بما يكسبه المأذون بعد الحجر على الاصح. وإذا باعه السيد، أو أعتقه، صار محجورا عليه على الاصح. وفي قضاء ديونه مما يكسبه في يد المشتري، الخلاف المذكور فيما كسبه بعد الحجر عليه. ولو كان للمأذون لها أولاد، لم يتعلق الدين بهم. ولو أتلف السيد ما في يد المأذون من مال التجارة، لزمه ما أتلف بقدر الدين. ولو قتله السيد وليس في يده مال، لم يلزمه قضاء الديون. فرع لو تصرف السيد فيما في يد المأذون ببيع أو هبة أو إعتاق، ولا دين على المأذون، جاز. وفي وجه ضعيف: يشترط أن يقدم عليه حجرا. وإن كان عليه دين، فقد سبق حكم تصرفه. فرع لو أذن لعبده في التجارة مطلقا، ولم يعين مالا، فعن أبي طاهر الزيادي، أنه لا يصح هذا الاذن. وعن غيره: أنه يصح، وله التصرف في أنواع أمواله. وقد بقيت من أحكام المأذون مسائل مذكورة في موضعها. قلت: قال في التهذيب: لو جني على المأذون، أو كانت أمة فوطئت

(3/228)


بشبهة، لا تقضى ديون التجارة من الارش والمهر. ولو اشترى المأذون من يعتق على سيده بغير إذنه، لم يصح على الاظهر. فإن قلنا: يصح، ولم يكن على المأذون دين، عتق على المولى. وإن كان دين، ففي عتقه قولان، كما لو اشترى بإذن المولى. وإن اشترى بإذنه، صح. فإن لم يكن على المأذون دين، عتق. وإن كان، فقولان. أحدهما: لا يعتق. والثاني: يعتق ويغرم قيمته للغرماء. ولو مات المأذون وعليه ديون مؤجلة، وفي يده أموال، حلت المؤجلة، كما تحل بموت الحر، ذكره القاضي حسين في الفتاوى. والله أعلم. فصل وأما غير المأزون، فقد يكون مأذونا في غير التجارة، وقد لا يكون مأذونا أصلا. وأحكامه مفرقة في أبوابها، لكن نذكر منها طرفا، فليس للعبد أن يتزوج بغير إذن السيد، وهكذا حكم كل تصرف يتعلق برقبته. فإن وصي له، أو وهب له، كان وصية وهبة لسيده. وفي صحة قبوله فيهما بغير إذن سيده، وجهان. والاصح: الصحة، كما لو خالع، صح، ودخل العوض في ملك سيده قهرا. وفي صحة ضمانه وجهان مذكوران بفروعهما في بابه. وفي صحة شرائه بغير إذن سيده، طريقان. أحدهما: القطع ببطلانه. وأصحهما: على وجهين. أصحهما: البطلان، فإن صححناه، فالثمن في ذمته. وذكروا وجهين. أحدهما: أن الملك للسيد. ثم إن علم البائع رقه، لم يطالبه بشئ حتى يعتق، وإلا، فله الخيار، إن شاء صبر إلى العتق، وإن شاء فسخ ورجع إلى عين ماله. والثاني: أن الملك للعبد، ثم السيد بالخيار بين أن يقره عليه، وبين أن ينزعه منه. وللبائع الرجوع إلى عين المبيع ما دام في يد العبد، لتعذر الثمن، كالافلاس. وإن تلف في يده، فليس له إلا الصبر، إلى أن يعتق. وإن انتزعه السيد، فليس للبائع الرجوع فيه على الصحيح الذي قاله الاكثرون، كما لو زالت يد المفلس عما اشتراه. وفي وجه: يرجع فيأخذه من السيد. وأما إذا أبطلنا شراءه، فللمالك استرداد العين ما دامت باقية، سواء كانت في يد السيد، أو العبد. فإن تلفت في يد العبد، تعلق الضمان بذمته. وإن تلفت في يد السيد، فللبائع مطالبته، وله مطالبة العبد بعد العتق. وإن أدى الثمن من مال السيد، فله استرداده، ولا يجب على السيد الضمان إذا رآه فلم يأخذه من يد العبد. والاستقراض كالشراء في جميع ما ذكرناه. فرع للعبد إجارة نفسه بإذن سيده، وله بيعها ورهنها على الاصح. ولو

(3/229)


اشترى أو باع لغيره بالوكالة بغير إذن السيد، لم يصح على الاصح، لتعلق العهدة بالوكيل. فصل لا يملك العبد بتمليك غير سيده. وفي ملكه بتمليك سيده، قولان. الاظهر الجديد: لا يملك. فعلى القديم: للسيد الرجوع فيه متى شاء، وليس للعبد التصرف فيه لا بإذن سيده. فلو كان له عبدان، فملك كل واحد منهما صاحبه، فالحكم للتمليك الثاني، وهو رجوع عن الاول. فإن وقعا معا من وكيلين، تدافعا. فإن ملكه جارية، وقلنا بالقديم، فهل للعبد وطؤها ؟ فيه أوجه. الصحيح: يجوز بإذن السيد، ولا يجوز بغيره. والثاني: يجوز مطلقا. والثالث: يحرم مطلقا، لضعف ملكه. قلت: قال في التهذيب: لو أولدها، فالولد مملوك للعبد، ولا يعتق عليه، لنقصان ملكه. فإذا عتق، عتق الولد. قال: والمدبر، والمعلق عتقه على صفة، كالقن، فلا يحل لهم الوطئ على الجديد وإن أذن السيد فيه. وفي حله على القديم ما ذكرنا. ومن بعضه حر، إذا ملك بحريته مالا، فاشترى جارية، ملكها، ولا يحل له وطؤها على الجديد، ويحل في القديم بإذن اليد، ولا يحل بغير إذنه، لان بعضه مملوك، فلم يصح التسري. ولا يحل للمكاتب التسري بغير إذن سيده، وبإذنه قولان، كتبرعه. وقيل: إن حرمنا التسري على العبد، فالمكاتب أولى، وإلا، فقولان. والله أعلم.
باب اختلاف المتبايعين وتحالفهما
إذا اختلفا في قدر الثمن، أو جنسه، أو صفته، أو شرط الخيار أو الاجل، أو قدرهما، أو في شرط الرهن أو الكفيل مع الاتفاق على عقد صحيح، فإن كان لاحدهما بينة، قضي بها. فإن أقاما بينتين وقلنا بالتساقط، فكأنه لا بينة، وإلا،

(3/230)


توقفنا إلى ظهور الحال. وإن لم تكن بينة، تحالفا، سواء كانت السلعة باقية أو تالفة، وسواء اختلف المتبايعان أو ورثتهما، وكذا لو اختلفا في قدر المبيع، فقال البائع: بعتك العبد بألف، فقال: بعتنيه مع الجارية بألفين، تحالفا. فلو قال البائع: بعتك العبد، فقال: بل الجارية، واتفقا على الثمن، فإن كان الثمن معينا، تحالفا. وإن كان في الذمة، فوجهان. أحدهما: يتحالفان، قاله ابن الحداد، واختاره القاضي أبو الطيب، وابن الصباغ. والثاني: لا، قاله الشيخ أبو حامد، واختاره الامام، وصاحب التهذيب. فإن قلنا: لا تحالف، حلف كل واحد على نفي ما ادعي عليه فقط، ولا يتعلق بيمينيهما فسخ ولا انفساخ. ولو كانت بحالها وأقام كل واحد بينة توافقه، سلمت الجارية للمشتري. وأما العبد، فقد أقر البائع ببيعه، وقامت البينة عليه. فإن كان في يد المشتري، أقر عنده. وإن كان في يد البائع، فوجهان. أحدهما: يسلم إلى المشتري ويجبر على قبوله. والثاني: لا يجبر، بل يقبضه الحاكم وينفق عليه من كسبه. فإن لم يكن له كسب، ورأى الحظ في بيعه وحفظثمنه، فعل. فرع يجري التحالف في جميع عقود المعاوضات، كالسلم، والاجارة والقراض، والمساقاة، والجعالة، والصلح عن الدم، والكتابة. ثم في البيع ونحوه، يفسخ العقد بعد التحالف، أو ينفسخ ويترادان، كما سيأتي إن شاء الله

(3/231)


تعالى. وفي الصلح عن الدم، لا يعود استحقاقه، بل أثر التحالف الرجوع إلى الدية، وكذا لا يرجع البضع، بل في النكاح ترجع المرأة إلى مهر المثل. وفي الخلع يرجع إليه الزوج. قال الامام: إن قيل: أي معنى للتحالف في القراض، مع أن لكل واحد فسخه بكل حال، وقد منع القاضي حسين التحالف في البيع في زمن الخيار، لامكان الفسخ بالخيار ؟ فالجواب: أن التحالف ما وضع للفسخ، بل عرضت الايمان رجاء أن ينكل الكاذب، فيقرر العقد بيمين الصادق. فإن لم يتفق ذلك، وأصرا، فسخ العقد للضرورة، ونازع القاضي فيما ذكره، ثم مال إلى موافقته، ورأى في القراض أن يفصل فيقال: التحالف قبل الشروع في العمل لا معنى له، وبعده يؤول النزاع إلى مقصود من ربح أو أجرة مثل، فيتحالفان، والجعالة كالقراض. فرع لو قال: بعتك هذا بألف، فقال: بل وهبتنيه، فلا تحالف إذا لم يتفقا على عقد، بل يحلف كل واحد على نفي ما يدعى عليه. فإذا حلفا، لزم مدعي الهبة رده بزوائده على المشهور. وفي قول: القول قول مدعي الهبة. وشذ صاحب التتمة فحكى وجها: أنهما يتحالفان، وزعم أنه الصحيح. ولو قال: بعتكه بألف، فقال: وهبتنيه، حلف كل واحد على نفي ما ادعي عليه، ورد الالف، واسترد العين. ولو قال: وهبتكه بألف استقرضته، فقال: بل بعتنيه، فالقول قول المالك مع يمينه، ويرد الالف، ولا يمين على الآخر، ولا يكون رهنا، لانه لا يدعيه.
فصل وإن اختلفا من غير اتفاق على عقد صحيح، بأن يدعي أحدهما صحة العقد، والآخر فساده. مثل أن يقول: بعتك بألف، فقال: بل بألف وزق خمر، أو قال: شرطنا شرطا مفسدا، فأنكر، فلا تحالف. والاصح عند الاكثرين: أن القول قول من يدعي الصحة، وهو ظاهر نصه. كما لو قال: هذا الذي بعتنيه حر الاصل، فقال: بل هو مملوك، فإن القول قول البائع. والثاني: القول قول الآخر.

(3/232)


ولو قال: بعتك بألف، فقال: بل بخمر، فعلى الوجهين. وفيل: يقطع بالفساد، فإذا قلنا: القول قول من يدعي الصحة، فقال: بعتك بألف، فقال: بل بخمسمائة وزق خمر، وحلف البائع على نفي سبب الفساد، صدق، وبقي النزاع في قدر الثمن، فيتحالفان.
فصل لو اشترى شيئا، فقبضه، ثم جاء بمعيب ليرده بالعيب، فقال البائع: ليس هذا هو الذي سلمته إليك، فالقول قول البائع، لان الاصل السلامة. فلو كان ذلك في السلم، فقال: ليس هذا على الوصف الذي سلمت إليك، فوجهان. أحدهما: القول قول المسلم إليه، كما أن القول قول البائع. وأصحهما: القول قول المسلم، لان اشتغال الذمة بمال السلم معلوم، والبراءة غير معلومة، ويخالف البيع، لانهما اتفقا على قبض ما ورد عليه الشراء، وتنازعا في سبب الفسخ، والاصل بقاء العقد. ويجري الوجهان في الثمن في الذمة، أن القول قول الدافع، أم القابض ؟ وعن ابن سريج وجه ثالث، يفرق بينما يمنع صحة القبض، وما لا يمنع. فإن كان الثمن دراهم في الذمة، وكان ما أراده البائع رده زيوفا، فالقول قول البائع، لانكاره أصل القبض الصحيح. وإن كانت ورقا رديئة النوع، لخشونة، أو اضطراب سكة، فالقول قول المشتري. ولا يخفى مثل هذا التفصيل في المسلم فيه. ولو كان الثمن معينا، فهو كالمبيع، فإذا وقع فيه هذا الخلاف، فالقول قول المشتري مع يمينه. قال في التهذيب: لكن لو كان المعين نحاسا لا قيمة له، فالقول قول الراد. وينبغي أن يكون هذا على الخلاف فيما إذا ادعى أحدهما صحة العقد، والآخر فساده.

(3/233)


فرع اشترى طعاما كيلا، وقبضه بالكيل، أو وزنا، وقبضه بالوزن، أو أسلم فيه وقبضه، ثم جاء وادعى نقصا، فإن كان قدرا ينفع مثله في الكيل والوزن، قبل، وإلا، فلا على الاظهر. فرع اختلفا في القبض، فالقول قول المشتري. فرع باع عصيرا وأقبضه، ووجد خمرا، فقال البائع: تخمرفي يدك، فقال: بل سلمته خمرا فيكون القبض فاسدا، وأمكن صدقهما، فأيهما يصدق ؟ قولان. قلت: أظهرهما: تصديق البائع. والله أعلم. ولو قال أحدهما: كان خمرا عند البيع، فهذا يدعي فساد العقد، والآخر يدعي صحته، وقد سبق حكمه. وعلى هذا يقاس ما لو اشترى لبنا، فأخذه المشتري في ظرف، ثم وجدت فيه فأرة ميتة، وتنازعا في نجاسته عند البيع، أو عند القبض. فرع قال بعتنيه بشرط أنه كاتب، وأنكر البائع الشرط، فوجهان. أصحهما: يتحالفان، كاختلافهما في الاجل. واثاني: القول قول البائع، كاختلافهما في العيب. ولو كان الثمن مؤجلا، فاختلفا في انقضاء الاجل، فالاصل بقاؤه.
فصل في كيفية التحالف قاعدته: أن يحلف كل واحد على إثبات قوله، ونفي قول صاحبه. وفيمن يبدأ بيمينه ؟ طريقان. أحدهما: البائع.

(3/234)


وأصحهما: أنه على ثلاثة أقوال. أظهرها: البائع. والثاني: المشتري. والثالث: يتساويان. وعلى هذا، وجهان. أصحهما: يتخير الحاكم فيبدأ بمن اتفق. والثاني: يقرع بينهما. ولو تحالف الزوجان في الصداق، فعلى الطريق الاول يبدأ بالزوج. وعلى الثاني: إن قدمنا البائع، فوجهان. أصحهما وأقربهما الى النص: يبدأ بالزوج. والثاني: بالمرأة. وإن قدمنا المشتري، فالقياس انعكاس الوجهين. ولا يخفى من ينزل منزلة البائع في سائر العقود. ثم جميع ما ذكرناه في الاستحباب دون الاشتراط، نص عليه الشيخ أبو حامد، وصاحبا التتمة والتهذيب. وتقديم أحد الجانبين، مخصوص بما إذا باع عرضا بثمن في الذمة. فأما إذا تبادلا عرضا بعرض، فلا يتجه إلا التسوية، قاله الامام. وينبغي أن يخرج على أن الثمن ماذا فرع المذهب، وظاهر النص: الاكتفاء بيمين واحدة - من كل واحد تجمع النفي والاثبات، فيقول البائع: ما بعت بخمسمائة، وإنما بعت بألف ويقول المشتري: ما اشتريت بألف، وإنما اشتريت بخمسمائة، وفيه قول ضعيف مخرج: أنه يحلف أولا على مجرد النفي. فإن اكتفينا بيمين تجمع النفي والاثبات، فحلف أحدهما، ونكل الآخر، قضي للحالف، سواء نكل عن النفي والاثبات معا، أو عن أحدهما. وينبغي أن يقدم النفي على الاثبات، لان النفي هو الاصل. وقال الاصطخري: يقدم الاثبات، لانه المقصود. والصحيح: الاول. وهذا الخلاف في الاستحباب على الاصح. وقيل: في الاستحقاق. فإذا قلنا بالمخرج:

(3/235)


إنه يحلف أولا على مجرد النفي، فأضاف إليه الاثبات، كان لغوا. فإذا حلف من ابتدئ به، عرضنا اليمين على الآخر. فإن نكل، حلف الاول يمينا ثانية على الاثبات، وقضي له، وإن نكل عن الاثبات، لم يقض له. قال الشيخ أبو محمد: ويكون كما لو تحالفا، لان نكول المردود عليه عن يمين الرد، نازل في الدعاوى منزلة حلف الناكل أولا. ولو نكل الاول عن يمين النفي أولا، حلف الآخر على النفي والاثبات، وقضي له. ولو حلفا على النفي، فوجهان. أصحهما وبه قال الشيخ أبو محمد: يكفي ذلك، ولا حاجة بعده إلى يمين الاثبات، لان المحوج إلى الفسخ جهالة الثمن وقد حصلت. والثاني: تعرض يمين الاثبات عليهما. فإن حلفا، تم التحالف. وإن نكل أحدهما، قضي للحالف. والكلام على هذا القول المخرج في تقديم النفي أو الاثبات كما ذكرنا، على المذهب. فلو نكلا جميعا، فوجهان. أحدهما: أنه كتحالفهما. والثاني: يوقف الامر وكأنهما تركا الخصومة. قلت: هذان الوجهان، ذكرهما إمام الحرمين احتمالين لنفسه، وذكر أن أئمة المذهب لم يتعرضوا لهذه المسألة، ثم ذكر في آخر كلامه أنه رأى التوقف لبعض المتقدمين. وقال الغزالي في البسيط: له حكم التحالف على الظاهر. والاصح: اختيار التوقف. والله أعلم. فصل إذا تحالفا، فالصحيح المنصوص: أنه لا ينفسخ العقد بمجرد التحالف وفي وجه: ينفسخ، حكي ذلك عن أبي بكر الفارسي، فإن قلنا: ينفسخ، فتصادقا بعده، لم يعد البيع، بل لا بد من تجديد عقد. وهل ينفسخ في الحال، أو نتبين ارتفاعه من أصله ؟ وجهان. أصحهما: الاول، لنفوذ تصرفات المشتري قبل الاختلاف. وإن قلنا: لا ينفسخ، دعاهما الحاكم بعد التحالف إلى الموافقة، فإن دفع المشتري ما طلبه البائع، أجبر عليه البائع، وإلا، فإن قنع بما قاله المشتري، فذاك، وإ، فيفسخ العقد. وفي من يفسخ وجهان. أحدهما: الحاكم. وأصحهما للعاقدين أيضا أن يفسخا، ولاحدهما أن ينفرد به كالفسخ بالعيب. قال الامام: وإذا قلنا: الحاكم هو الذي يفسخ، فذاك إذا استمرا على النزاع ولم يفسخا، أو التمسا الفسخ. أما إذا أعرضا عن الخصومة، ولم يتفقا على شئ، ولا فسخا، ففيه تردد. ثم إذا فسخ العقد، ارتفع في الظاهر. وفي ارتفاعه

(3/236)


في الباطن، ثلاثة أوجه. ثالثها: إن كان البائع صادقا، ارتفع، لتعذر وصوله إلى حقه. كما لو فسخ بإفلاسه. وإن كان كاذبا، فلا، لتمكنه بالصدق من حقه. وهل يجري مثل هذا الخلاف إذا قلنا: ينفسخ بمجرد التحالف، أم يقطع بالارتفاع باطنا ؟ وجهان. فإذا قلنا: يرتفع باطنا، ترادا، وتصرف كل واحد فيما عاد إليه. وإن منعناه، لم يجز لهما التصرف، لكن إن كان البائع صادقا، فقد ظفر بمال من ظلمه، وهو المبيع الذي استرده، فله بيعه بالحاكم على وجه، وبنفسه على الاصح، ويستوفي حقه من ثمنه. وقال الامام: إن صدر الفسخ من المحق، فالوجه تنفيذه باطنا. وإن صدر من المبطل، فالوجه منعه. وإن صدر منهما، فلا شك في الانفساخ باطنا، وليس ذلك موضع الخلاف، ويكون كما لو تقابلا. وإذا صدر من المبطل، ولم ينفذه باطنا، فطريق الصادق إنشاء الفسخ إن أراد الملك فيما عاد إليه. وإن صدر من القاضي، فالظاهر: الانفسا باطنا ليتنفع به المحق. فرع إذا انفسخ البيع بالتحالف، أو فسخ، لزم المشتري رد المبيع إن كان باقيا بحاله، ويبقى له الولد والثمرة والكسب والمهر. وإن كان تالفا، لزمه قيمته، سواء كانت أكثر من الثمن الذي يدعيه البائع، أم لا. قلت: وفي وجه ضعيف لابن خيران: لا يستحق البائع زيادة على ما ادعاه. والله أعلم. وفي القيمة المعتبرة، أوجه. وقال الامام: أقوال. أصحها: قيمة يوم التلف. والثاني: يوم القبض. والثالث: أقلها. والرابع: أكثر القيم من القبض إلى التلف. ولو اشترى عبدين، فتلف أحدهما، ثم اختلفا وتحالف، فهل يرد العبد الباقي ؟ فيه الخلاف المذكور في مثله إذا وجد الباقي معيبا. إن قلنا: يرد، فيضم قيمة التالف إليه. وفي القيمة المعتبرة هذه الاوجه. ولو كان المبيع باقيا، لكن حدث به عيب، رده مع الارش، وهو قدر ما نقص

(3/237)


من القيمة، لان الكل مضمون عليه بجميع القيمة، فبعضه ببعضها، بخلاف ما لو تعيب المبيع في يد البائع، واقتضى الحال الارش، يجب جزء من الثمن، لان الكل مضمون على البائع بجميع الثمن، فبعضه ببعضه. قال الشيخ أبو علي: هذا أصل مطرد في المسائل: أن ما ضمن كله بالقيمة، فبعضه ببعضها كالمغصوب وغيره، إلا في صورة، وهي لو عجل زكاة ماله، فتلف قبل الحول، وكان ما عجله تالفا، يغرم القابض القيمة. ولو كان معيبا، ففي الارش وجهان. وقد ذكرنا هذه المسألة في الزكاة، وميل الشيخ إلى طرد الاصل فيها. ثم التلف قد يكون حكميا، بأن وقف المبيع، أو أعتقه، أو باعه، أو وهبه وأقبضه، فتجب القيمة، وهذه التصرفات ماضية على الصحة. وقا أبو بكر الفارسي: نتبين بالتحالف فسادها، وترد العين، والصحيح، الاول. والتعيب أيضا، قد يكون حقيقيا، وقد يكون حكميا، بأن زوج الامة، فعليه ما بين قيمتها مزوجة وخلية، وتعود إلى البائع، والنكاح صحيح. وعن الفارسي: أنه يبطل النكاح. ومهما اختلفا في القيمة أو الارش، فالقول قول المشتري. ولو كان العبد المبيع قد أبق من يد المشتري حين تحالفا، لم يمتنع الفسخ، فإن الاباق لا يزيد على التلف، ويغرم المشتري قيمته، لتعذر حصوله. وكذا لو كاتبه كتابة صحيحة. وإن رهنه، فالبائع بالخيار، إن شاء صبر إلى فكاكه، وإن شاء أخذ القيمة. وإن آجره، بني على جواز بيع المستأجر. إن منعناه، فهو كما لو رهنه، وإن جوزناه، فللبائع أخذه، لكنه يترك عند المستأجر إلى انقضاء المدة، والاجرة المسماة للمشتري، وعليه للبائع أجرة المثل للمدة الباقية. وإن كان آجره للبائع، فله أخذه قطعا. وفي انفساخ الاجارة، وجهان، كما لو باع الدار

(3/238)


لمستأجرها. إن قلنا: لا تنفسخ، فعلى البائع الاجرة المسماة للمشتري، وعلى المشتري أجرة مثل المدة الباقية للبائع. وإذا غرم القيمة في هذه الصور، ثم ارتفع السبب الحائل، وأمكن الرد، فهل يرد العين ويسترد القيمة ؟ يبنى ذلك على أنه قبل ارتفاع الحائل ملك لمن ؟ أما الآبق، ففيه وجهان. أحدهما: أنه ملك للمشتري، ولا يرد عليه الفسخ، كما لا يباع، وإنما هو وارد على القيمة، وأصحهما: أنه في إباقة ملك البائع، والفسخ وارد عليه. وإنما وجبت القيمة للحيلولة. وأما المرهون والمكاتب، ففيهما طريقان. أحدهما: طرد الوجهين. وأصحهما: القطع ببقاء الملك للمشتري، وبه قال الشيخ أبو محمد، كما إذا أفلس والمبيع آبق، يجوز للبائع الفسخ والرجوع إليه. ولو كان مكاتبا أو مرهونا، لم يكن له ذلك. وأما المستأجر، فإن منعنا بيعه، فهل هو كالمرهون، أم كالآبق ؟ فيه احتمالان للامام. فإن قلنا ببقاء الملك للمشتري، فالفسخ وارد على القيمة كما لو تلف، فلا رد ولا استرداد. وإن قلنا بانقلابه إلى البائع، ثبت الرد والاسترداد عند زوال الحيلولة.
فصل لو اختلفا، ثم حلف كل واحد منهما بعد التحالف أو قبله بحرية العبد، لم يكن الامر كما قال، لم يعتق في الحال، لانه ملك المشتري وهو صادق بزعمه، فإن عاد العبد إلى البائع بالفسخ أو بغيره، عتق عليه، لان المشتري كاذب بزعمه، فهو كمن أقر بحريته ثم اشتراه. ولا يعتق في الباطن إن كان البائع كاذبا، ويعتق على المشتري أن كان صادقا. وولاء هذا العبد موقوف لا يدعيه ا لبائع ولا المشتري. ولو صدق المشتري البائع، حكم بعتقه عليه، ويرد الفسخ إن تفاسخا. كما لو رد العبد بعيب ثم قال: كنت أعتقته، يرد الفسخ، ويحكم بعتقه. فلو صدق البائع المشتري، نظر، إن حلف البائع بالحرية أولا، ثم المشتري، فإذا صدقه البائع بعد يمينه، ثم عاد إليه، لم يعتق، لانه لم يكذب المشتري بعدما حلف بالحرية حتى يجعل مقرا بعتقه. وأن حلف المشتري بحريته أولا، ثم حلف البائع، وصدقه، عتق إذا عاد إليه، لان حلفه بعد حلف المشتري، تكذيب له، واعتراف بالحرية عليه. ولو كانت المسألة بحالها، لكن المبيع بعض العبد، فإذا عاد إلى ملك

(3/239)


البائع، عتق ذلك القدر عليه، ولم يقوم عليه الباقي، لانه لم يقع العتق بمباشرته.
فصل لو جرى العقد بين وكيلين، ففي تحالفهما وجهان، لان فائدة اليمين الاقرار، وإقرار الوكيل لا يقبل. قلت: ينبغي أن يكون الاصح: التحالف. وفائدته الفسخ، أو أن ينكل أحدهما، فيحلف الآخر، ويقضى له إذا قلنا: حلفه مع النكول كالبينة. والله أعلم.
فصل لو كان المبيع جارية، فوطئها المشتري، ثم اختلفا وتحالف، فإن كانت ثيبا، فلا شئ عليه مع ردها. وإن كانت بكرا، ردها مع أرش البكارة، لانه نقصان جزء. ولو ترافع المتنازعان إلى مجلس الحكم، ولم يتحالفا بعد، فهل للمشتري وط المبيعة ؟ وجهان. أصحهما: نعم، لبقاء ملكه. وفي جوازه بعد التحالف وقبل الفسخ، وجهان مرتبان، وأولى بالتحريم.
فصل لو تقابلا، أو رد المشتري المبيع بعد قبض البائع الثمن، واختلفا في قدر الثمن، فالقول قول البائع مع يمينه، لانه غارم. قلت: ولو قال البائع: بعتك الشجرة بعد التأبير، فالثمرة لي، فقال المشتري: بل قبله، فلي، فالقول قول البائع، كأن الاصل بقاء ملكه. ولو اشترى عبدين، فتلف أحدهما، ووجد بالآخر عيبا فرده، وقلنا: يجوز رد أحدهما، فاختلفا في قيمة التالف، فالقول قول البائع على الاظهر، لانه ملك الثمن، فلا يزال ملكه إلا عما يقر به، والثاني: قول المشتري، كالغارم. وذكر في التتمة وجها: أنهما إذا اختلفا في صفة البيع، لا يتحالفان، بل القول قول البائع، لان الصفة المشروطة تلحقه بالعيب، فصار كدعواه عيبا. ولو اختلفا في وقت وجود العيب، كان القول قول البائع. والصحيح: أنهما يتحالفان كما سبق، وبه قطع الاصحاب. قال في التتمة: ولو اختلفا في انقضاء الاجل، حكي عن نصه: أن القول قول البائع. قال أصحابنا: صورة المسألة في السلم، لان الاجل في السلم حق البائع، فإذا ادعى المسلم انقضاءه، فقد ادعى استحقا مطالبة، والبائع المسلم

(3/240)


إليه ينكرها، فالقول قوله، ولان اختلافهما في انقضاء الاجل مع اتفاقهما على قدره، اختلاف في تاريخ العقد، فكان المسلم يدعي وقوعه في شهر، والمسلم إليه ينكره. فلو اختلفا في أصل العقد، كان القول قول منكره، فكذا هنا. وأما في باب الشراء، الاجل حق المشتري، فالقول قوله، لما ذكرنا من العلتين. فلو باع شيئا ومات، فظهر أن المبيع كان لابن الميت، فقال المشتري: باعه عليك أبوك في صغرك لحاجة، وصدقه الابن أن الاب باعه في صغره، لكن قال: لم يبعه علي، بل باعه لنفسه متعديا، قال الغزالي في الفتاوى: القول قول المشتري، لان الاب نائب الشرع، فلا يتهم إلا بحجة، كما لو قال: اشتريت من وكيلك، فقال: هو وكيلي، ولكن باع لنفسه، فالقول قول المشتري. والله أعلم.

(3/241)