روضة الطالبين وعمدة المفتين ط العلمية

روضة الطالبين - كتاب الحوالة
أصلها مجمع عليه. ومن أحيل على ملئ استحب أن يحتال. ولا بد في وجودها من ستة أمور: محيل، ومحتال، ومحال عليه، ودين للمحتال على المحيل، ودين للمحيل على المحال عليه، ومراضاة بالحوالة بين المحيل والمحتال. ويشترط في صحتها أمور. منها ما يرجع إلى الدينين، ومنها ما يتعلق بالاشخاص الثلاثة.

(3/461)


وفي حقيقة الحوالة، وجهان. أحدهما: أنها إستيفاء حق، كأن المحتال استوفى ما كان له على المحيل وأقرضه المحا عليه. إذ لو كانت معاوضة، لما جاز فيها التفرق قبل القبض إذا كانا ربويين. وأصحهما: أنها بيع، وهو المنصوص، لانها تبديل مال بمال. وعلى هذا، وجهان. أحدهما: أنها بيع عين بعين، وإلا، فيبطل، للنهي عن بيع دين بدين. والصحيح: أنها بيع دين بدين، واستثني هذا للحاجة. قال الامام وشيخه رحمهما الله: لا خلا ف في اشتمال الحوالة على المعنيين: الاستيفاء والاعتياض، والخلاف في أن أيهما أغلب ؟ أما شروطها فثلاثة. الاول: الرضى، فلا تصح إلا برضى المحيل والمحتال. وأما المحال عليه، فإن كان عليه دين للمحيل، لم يعتبر رضاه على الاصح. وإن لم يكن، لم يصح بغير رضاه قطعا. وبإذنه وجهان، بناء على أنها اعتياض أم استيفاء، إن قلنا: استيفاء، صح، وإلا، فلا. فإن صححنا، فوجهان. أحدهما: يبر المحيل بنفس الحوالة كسائر الحوالات. وأصحهما وبه قطع الاكثرون: لا يبرأ، بل قبوله ضمان مجرد. فإن قلنا: لا تصح هذه الحوالة، فلا شئ على المحال عليه. فإن تطوع وأداه، كان قضاء لدين غيره. وإن قلنا: يصح، فهو كما لو ضمن، فيرجع

(3/462)


على المحيل إن أدى بإذنه، وكذا بغير إذنه على الاصح، لجريان الحوالة بإذنه، وفي رجوعه قبل الاداء، وجهان بناء على براءة المحيل. إن قلنا: يبرأ، فنعم، وإلا، فلا. وإذا طالب المحتال بالاداء، فله مطالبة المحيل بتخليصه. وهل له ذلك قبل مطالبة المحتال ؟ وجهان، كالوجهين في مطالبة الضامن. ولو أبرأ المحتال، لم يرجع على المحيل بشئ. ولو قبضه المحتال ثم وهبه له، ففي الرجوع وجهان. قلت أصحهما: الرجوع. والله أعلم. ولو ضمن عنه ضامن، لم يرجع على المحيل حتى يأخذ المحتال منه، أو من ضامنه. ولو أحال المحتال على غيره، نظر، إن أحاله على من عليه دين، رجع على محيله بنفس الحوالة، لحصول الاداء بها. وإن أحال على من لا دين عليه، لم يرجع (ما لم يرجع) عليه الذي أحال عليه.
فرع قد ذكرنا أن الرضى شرط. والمراد به: الايجاب والقبول. ولو قال المحتال: أحلني. فقال: أحلتك، ففيه الخلاف السابق في مثله في البيع. وقيل: ينعقد هنا قطعا، لان مبناها على الرفق والمسامحة. الشرط الثاني: أن يكون دينا لازما، أو مصيره إلى اللزوم. والدين، ضربان. لازم، وغيره. أما غيره، ففيه مسائل.

(3/463)


إحداها: الثمن في مدة الخيار، تصح الحوالة به وعليه، على الاصح. فإن منعنا، ففي انقطاع الخيار به، وجهان. وإن جوزنا، فقطع الامام والغزالي: بأنه لا يبطل الخيار. فلو اتفق فسخ البيع، بطلت الحوالة، لانها إنما صحت لافضاء البيع إلى اللزوم. فإذا لم يفض، لم تصح. ومنقول الشيخ أبي علي واختياره، بطلان الخيار، لان مقتضى الحوالة اللزوم. فلو بقي الخيار، فات مقتضاها، فإن أبطلنا، فأحال البائع المشتري على ثالث، بطل خيارهما، لتراضيهما. وإذا أحال البائع رجلا على المشتري، لا يبطل خيار المشتري إلا إذا فرض منه قول ورضى. وأما الحوالة بالثمن بعد انقضاء الخيار، وقبل قبض المبيع، فالمذهب الذي عليه الجمهور: القطع بجوازها. وللمسعودي إشارة إلى منعها، لكونه غير مستقر. وقد اشتهر في كتب الاصحاب اشتراط استقرار ما يحال به وعليه. المسألة الثانية: إذا أحال السيد على مكاتبه بالنجوم، لم يصح على الاصح. وقال الحليمي: يصح. ولو أحال المكاتب سيده بالنجوم، صح على الاصح، وبه قطع الاكثرون. ولو كان للسيد عليه دين معاملة، فأحال عليه، بني على أنه لو عجز نفسه، هل يسقط ذلك الدين ؟ إن قلنا: لا، صحت، وإلا، فلا. قلت: الاصح: الصحة، وبه قطع صاحب الشامل. والله أعلم. الثالثة: مال الجعالة. القياس أن يجئ في الحوالة به وعليه، الخلاف المذكور في الرهن به، وفي ضمانه. وقطع المتولي بجوازها به وعليه بعد العمل، ومنعها قبله. قلت: قطع الماوردي بالمنع مطلقا. والله أعلم.

(3/464)


قال المتولي: لو أحال من عليه الزكاة الساعي، جاز إن قلنا: هي استيفاء. وإن قلنا: اعتياض، فلا، لامتناع أخذ العوض عن الزكاة. الضرب الثاني: الدين اللازم، فتجوز الحوالة به وعليه، سواء اتفق الدينان في سبب الوجوب، أو اختلفا، بأن كان أحدهما ثمنا، والآخر أجرة، أو قرضا، أو بدل متلف. قلت: أطلق الامام الرافعي، أن الدين اللازم، تصح الحوالة به وعليه، واقتدى في ذلك بالغزالي، وليس كذلك، فإن دين السلم لازم، ولا تصح الحوالة به ولا عليه على الصحيح، وبه قطع الاكثرون. وحكي وجه في الحاوي والتتمة وغيرهما: أنه يجوز بناء على أنها استيفاء، وسبقت هذه المسألة في باب حكم المبيع قبل القبض. فكان ينبغي أن يقول: الدين المستقر، ليخرج هذا. والله أعلم.
فرع كل دين تجوز الحوالة به وعليه، فسواء كان مثليا كالاثمان والحبوب، أو متقوما كالثياب والعبيد. وفي وجه: يشترط كونه مثليا. ولا خلاف أنه يشترط العلم بقدر ما يحال به وعليه، وبصفتهما، إلا إذا أحال بابل الدية أو عليها، وصححنا الحوالة في المنقولات، فوجهان، أو قولان، بناء على جواز المصالحة والاعتياض عنها. والاصح: المنع، للجهل بصفتها.

(3/465)


الشرط الثالث: اتفاق الدينين، فيشترط اتفاقهما جنسا، وقدرا، وحلولا، وتأجيلا، وصحة، وتكسرا، وجودة، ورداءة وفي وجه: تجوز الحوالة بالقليل على الكثير، وبالصحيح على المكسر، وبالجديد على الردئ، وبالمؤجل على الحال، وبالابعد أجلا على الاقرب، وكأنه تبرع بالزيادة. والصحيح: المنع. قال المتولي: ومعنى قولنا: هذه الحوالة غير صحيحة عند الاختلاف، أن الحق لا يتحول من الدراهم إلى الدنانير مثلا، لكنها لو جرت فهي حوالة على من لا دين عليه وسبق حكمها.
فصل الحوالة إذا جرت بشروطها، برئ المحيل من دين المحتال، وتحول الحق إلى ذمة المحال عليه، وبرئ المحال عليه من دين المحيل. حتى لو أفلس المحال عليه ومات، أو لم يمت، أو جحد وحلف، لم يكن للمحتال الرجوع إلى المحيل، كما لو أخذ عوضا عن الدين ثم تلف في يده. فلو شرط في الحوالة الرجوع بتقدير الافلاس، أو الجحود، فهل تصح الحوالة والشرط، أم الحوالة فقط ؟ أم لا يصحان ؟ فيه أوجه، هذا إذا طرأ الافلاس. فلو كان مفلسا حال الحوالة، فالصحيح المنصوص الذي عليه جمهور الاصحاب: أنه لا خيار للمحتال، سواء شرط يساره، أم أطلق. وفي وجه: يثبت خياره في الحالين، وفي وجه: يثبت إن شرط فقط. واختار الغزالي، الثبوت مطلقا، وهو خلاف المذهب.

(3/466)


فرع صالح مع أجنبي عن دين على عين، ثم جحده الاجنبي وحلف، ففي عوده إلى من كان عليه الدين، وجهان. قال القاضي حسين: نعم. وأبو عاصم: لا. قلت: الاصح: قول القاضي. والله أعلم. فرع خرج المحال عليه عبدا. فإن كان لاجنبي وللمحيل دين في ذمته، صحت الحوالة، كما لو أحال على معسر، ويتبعه المحتال بعد العتق. وهل له الرجوع على المحيل ؟ فيه خلاف مرتب على ما إذا بان معسرا، وأولى بالرجوع. وإن كان عبدا للمحيل، فإن كان له في ذمته دين، بأن ثبت قبل ملكه، وقلنا: لا يسقط، فهو كما لو كان لاجنبي. وإن لم يكن له في ذمته دين، فهي حوالة على من لا دين عليه. فإن صححناها وجعلناها ضمانا، فهو ضمان العبد عن سيده بإذنه، وسيأتي بيانه في كتاب الضمان إن شاء الله تعالى. ولا يخفى حكمه لو كان لاجنبي ولم يكن للمحيل عليه دين. فصل إذا اشترى عبدا، وأحال البائع بالثمن على رجل، ثم علم بالعبد عيبا قديما، فرده بالعيب أو بالاقالة، أو التحالف، أو غيرها، ففي بطلان الحوالة، ثلاثة طرق. أحدها: البطلان. والثاني: لا. والثالث: على قولين. أظهرهما: البطلان، وهما مبنيان على أنها إستيفاء، أم بيع ؟ إن قلنا: إستيفاء بطلت، وإلا، فلا. قلت: المذهب: البطلان، وصححه في المحرر. والله أعلم. وسواء كان الرد بالعيب بعد قبض المبيع، أو قبله، على المذهب، وبه قطع الجمهور. وقيل: إنما الخلاف إذا كان بعده. فإن رد قبله، بطلت قطعا، لعدم تأكدها. وسواء كان الرد بعد قبض المحتال مال الحوالة أم قبله على الاصح، وهو إختيار الاكثرين. وقال العراقيون والشيخ أبو علي: إن كان بعده، لم تبطل قطعا، وإنما الخلاف قبله. ولو أحال البائع رجلا على المشتري بالثمن، فقيل: فيه

(3/467)


القولان، والمذهب: أنها لا تبطل قطعا، وبه قطع الجمهور، سواء قبض المحتال مال الحوالة، من المشتري، أم لا. والفرق، أن هنا تعلق الحق بثالث، فإذا القولان مخصوصان بالصورة الاولى، فنفرع عليهما. فإن لم نبطلها، لم يطالب المشتري المحال عليه بحال، بل يرجع على البائع فيطالبه إن كان قبض مال الحوالة، ولا يتعين حقه في ما أخذ، بل له إبداله. وإن لم يقبضه، فله قبضه. وهل للمشتري الرجوع عليه قبل قبضه لكون الحوالة كالمقبوض، أم لا، لعدم حقيقة القبض ؟ وجهان. أصحهما: الثاني. فعلى هذا له مطالبته بتحصيل القبض ليرجع عليه. وفي وجه: لا يملك مطالبته بالتحصيل أيضا، وهو شاذ ضعيف. وأما إذا أبطلنا الحوالة، فإن كان قبض من المحال عليه، فليس له رده عليه، لان قبضه بإذن المشتري. فلو رد، لم يسقط عنه مطالبة المشتري، بل يلزمه الرد على المشتري، ويتعين حقه فيما قبضه. فإن كان تالفا، لزمه بدله، وإن لم يكن قبضه، فليس له قبضه، لانه عاد إلى ملك المشتري كما كان فلو خالف وقبض، لم يقع عنه وفي وقوعه عن المشتري، وجهان. أحدهما: يقع، لبقاء الاذن. وأصحهما: لا، لعدم الحوالة والوكالة، ولانه إنما يقبض لنفسه، ولم يبق له حق، بخلاف ما إذا فسدت الشركة والوكالة، فإن التصرف يصح، لبقاء الاذن، لكن التصرف يقع للموكل. أما في صورة إحالة البائع على المشتري، إذا قلنا بالمذهب: إنها لا تبطل، فإن كان المحتال قبض من المشتري، رجع المشتري على البائع، وإن لم يقبض، فهل للمشتري الرجوع في الحال، أم لا يرجع إلا بعد القبض ؟ فيه الوجهان السابقان. فرع قال ابن الحداد: إذا أحالها بصداقها، ثم طلقها قبل الدخول، لم تبطل الحوالة، وللزوج مطالبتها بنصف المهر. قال من شرح كتابه: المسألة تترتب على ما إذا أحال المشتري البائع. فإن لم تبطل هناك، فهنا أولى، وإلا ففي بطلانها في نصف الصداق، وجهان. والفرق أن الطلاق سبب حادث، لا يستند إلى ما تقدم، بخلاف الفسخ، ولان الصداق أثبت من غيره. ولو أحالها ثم انفسخ النكاح بردتها، أو بفسخ أحدهما بعيب، لم تبطل الحوالة على الاصح أيضا، ويرجع الزوج عليها في صورة الطلاق بنصف الصداق، وبجميعه في الردة والفسخ. وإذا قلنا بالبطلان، فليس له مطالبة المحال عليه، ويطالب الزوج بالنصف في الطلاق.

(3/468)


فرع باع عبدا وأحال بثمنه على المشتري، ثم تصادق المتبايعان على أنه حر الاصل. فإن وافقهما المحتال، أو قامت بينة بحريته، بطلت الحوالة، لبطلان البيع، فيرد المحتال ما أخذه على المشتري، ويبقى حقه كما كان، وهذه البينة يقيمها العبد، أو يشهدون حسبة. ولا يتصور أن يقيمها المتبايعان، لانهما كذباها بدخولهما في البيع. وإن كذبهما المحتال، ولا بينة، فلهما تحليفه على نفي العلم، فإذا حلف، بقيت الحوالة في حقه، وله أخذ المال من المشتري. وهل يرجع المشتري على البائع لانه قضى دينه بإذنه ؟ أم لا، لانه يقول: ظلمني المحتال بما أخذ، والمظلوم لا يطالب غير ظالمه ؟ قال في التهذيب بالثاني. وقال الشيخ أبو حامد، وابن كج، وأبو علي بالاول فعلى هذا، يرجع إذا دفع المال إلى المحتال. وفي رجوعه قبله، الوجهان السابقان. وإن نكل المحتال، حلف المشتري. ثم إن جعلنا اليمين المردودة كالاقرار، بطلت الحوالة. وإن جعلناها كالبينة، فهو كما لو حلف، لانه ليس للمشتري إقامة البينة. ثم ما ذكرناه في إقرار المحتال وقيام البينة، من بطلان الحوالة، مفروض فيما إذا وقع التعرض، لكون الحوالة بالثمن. فإن لم تقع، وزعم البائع أن الحوالة عليه بدين آخر له على المشتري. فإن أنكر المشتري أصل الدين، فالقول قوله مع يمينه. وإن

(3/469)


صدقه وأنكر الحوالة به، فإن لم نعتبر رضى المحال عليه، فلا عبرة بإنكاره. وإن اعتبرناه، فهل القول قول مدعي صحة الحوالة، أو فسادها ؟ فيه الخلاف في نظائرها. فصل إذا كان لزيد عليك مائة، ولك على عمرو مائة، فوجد زيد منك ما يجوز له قبض مالك على عمرو، فله صورتان. إحداها: أن تقول لزيد: وكلتك لتقبضه لي، وقال: بل أحلتني عليه 2 (212)، فينظر، إن اختلفتما في أصل اللفظ، فزعمت الوكالة بلفظها، وزعم زيد الحوالة بلفظها، فالقول قولك مع يمينك عملا بالاصل. وإن اتفقتما على جريان لفظ الحوالة، وزعمت أنك أردت به تسليطه بالوكالة، فوجهان. أصحهما: القول قولك، وبه قال أكثر الاصحاب. وقال ابن سريج: القول قول زيد مع يمينه. وقطع به القاضي حسين. قال الائمة: وموضع الوجهين أن يكون اللفظ الجاري بينكما: أحلتك بمائة على عمرو. فأما إذا قلت بالمائة التي لك علي على عمرو، فهذا لا يحتمل إلا حقيقة الحوالة، فالقول قول زيد قطعا. فإن قلنا: القول قول زيد، فحلف، ثبتت الحوالة وبرئت. وإن قلنا: القول قولك في الصورة الاولى أو الثانية على الاصح، فحلفت، نظر، هل قبض زيد من عمرو، أم لا ؟ فإن قبض، برئت ذمة عمرو، لدفعه إلى وكيل أو محتال. وفي وجه: لا يبرأ في صورة اتفاقكما على لفظ الحوالة. والصحيح: الاول. ثم ينظر، فإن كان المقبوض باقيا، لزمه تسليمه إليك. وهل له مطالبتك بحقه ؟ وجهان. أحدهما: لا، لاعترافه ببرأتك بدعوى الحوالة. وأصحهما: نعم، لانه إن كان وكيلا، فظاهر. وإن كان محتالا، فقد استرجعت منه ظلما، فلا يضيع حقه والوجهان، في الرجوع ظاهرا. فأما بينه وبين الله تعالى، فإنه إذا لم يصل إلى حقه عندك، فله إمساك المأخوذ، لانه ظفر بجنس حقه من مالك وأنت ظالمه. وإن كان المقبوض تالفا، فقد قطع الاكثرون، بأنه لا يضمن إذا لم يكن التلف بتفريط، لانه وكيل في زعمك، والوكيل أمين، وليس له مطالبتك، لانه استوفى بزعمه. وقال في التهذيب: يضمن، لانه ثبتت وكالته. والوكيل، إذا أخذ المال لنفسه، ضمن. أما إذا لم يقبض زيد من عمرو، فليس له القبض بعد حلفك، لان الحوالة اندفعت وصار معزولا عن الوكالة بانكاره، ولك مطالبة عمرو بحقك. وهل لزيد مطالبتك بحقه ؟ فيه الوجهان فيما إذا قبض

(3/470)


وسلم إليك، قال صاحب البيان: ينبغي أن لا يطالبك هنا قطعا، لاعترافه بأن حقه على عمرو، وأن ما قبضته أنت من عمرو، ليس حقا له، بخلاف ما إذا قبض، فإن حقه تعين في المقبوض، فإذا أخذته، أخذت ماله. الصورة الثانية: أن تقول لزيد: أحلتك على عمرو، فيقول: بل وكلتني بقبض ما عليه، وحقي باق. ويظهر تصوير هذا الخلاف عند إفلاس عمرو. فينظر، إن اختلفتما في أصل اللفظ، فالقول قول زيد مع يمينه. وإن اتفقتما على لفظ الحوالة، جرى الوجهان السابقان في الصورة الاولى على عكس ما سبق. فعلى قول ابن سريج، القول قولك، مع اليمين، وعلى قول الاكثرين، القول قول زيد مع يمينه. فإن قلنا: قولك، فحلفت، برئت من دين زيد، ولزيد مطالبة عمرو، إما بالوكالة، وإما بالحوالة، وما يأخذه يكون له، لانك تقول: إنه حقه، وعلى زعمه هو لك، وحقه عليك، فيأخذه بحقه. وحيث قلنا: القول قول زيد، فحلف، فإن لم يكن قبض المال من عمرو، فليس له قبضه، لان قولك: ما وكلتك، يتضمن عزله إن كان وكيلا، وله مطالبتك بحقه. وهل لك الرجوع إلى عمرو ؟ وجهان. لانك اعترفت بتحول ما عليه إلى زيد. ووجه الرجوع وهو اختيار ابن كج، أن زيدا إن كان وكيلا فلم يقبض، فبقي حقك. وإن كان محتالا، فقد ظلمك بأخذه منك، وما على عمرو حقه، فلك أخذه عوضا عما ظلمك به. وإن قبض المال من عمرو، فقد برئت ذمة عمرو. ثم إن كان المقبوض باقيا، فقد حكى الغزالي وجهين. أحدهما: يطالبك بحقه، ويرد المقبوض عليك. والثاني وهو الصحيح: أنه يملكه الآن وإن لم يملكه عند القبض، لانه من جنس حقه، وصاحبه يزعم أنه ملكه. ويشبه أن لا يكون فيه خلاف محقق، بل له أن يرده ويطالب ببدل حقه، وله أن يأخذه بحقه. وإن تلف بتفريط، فلك عليه الضمان، وله عليك حقه. وربما يقع التقاص. وإن لم يكن منه تفريط، فلا ضمان، لانه وكيل أمين. وفي وجه ضعيف: يضمن، لان الاصل فيما يتلف في يد الانسان من ملك غيره، الضمان، ولا يلزم من تصديقه في نفي الحوالة ليبقى حقه، تصديقه في إثبات الوكالة، ليسقط عنه الضمان. فصل في مسائل منثورة الاولى: لو أحلت زيدا على عمرو، ثم أحال

(3/471)


عمرو زيدا على بكر، ثم أحاله بكر على آخر، جاز، وقد تعدد المحال عليهم دون المحتال. هنا ولو أحلت زيدا على عمرو، ثم أحال زيد بكرا على عمرو، ثم أحال بكر آخر على عمرو، جاز التعدد هنا في المحتالين دون المحال عليه. ولو أحلت زيدا على عمرو، ثم ثبت لعمرو عليك مثل ذلك الدين، فأحال زيدا عليك، جاز. الثانية: لك على رجلين مائة، على كل واحد خمسون، وكل واحد ضامن عن صاحبه، فأحالك احدهما بالمائة على إنسان، برئا جميعا. وإن أحلت على أحدهما بالمائة، برئ الثاني، لان الحوالة كالقبض. وإن أحلت عليهما على أن يأخذ المحتال من كل واحد خمسين، جاز، ويبرأ كل واحد عما ضمن. وإن أحلت عليهما على أن يأخذ المائة من أيهما شاء، فعن ابن سريج: في صحته وجهان. وجه المنع: أنه لم يكن له إلا مطالبة واحد، فلا يستفيد بالحوالة زيادة صفة. الثالثة: لك على رجل مال، فطالبته، فقال: أحلت فلانا علي وفلان غائب، فأنكرت، فالقول قولك مع يمينك. فلو أقام بينة، سمعت وسقطت مطالبتك له. وهل تثبت به الحوالة في حق الغائب حتى لا يحتاج إلى إقامة بينة إذا قدم ؟ وجهان.

(3/472)