روضة الطالبين وعمدة المفتين ط العلمية

روضة الطالبين - كتاب العارية
هي بتشديد الياء. قال الخطابي في الغريب: وقد تخفف، وفيه بابان.
الأول : في أركانها، وهي أربعة.

(4/70)


الاول: المعير، ويعتبر فيه أن يملك للمنفعة، وأن لا يكون محجورا عليه في التبرعات، فيجوز للمستأجر أن يعير لانه يملك المنفعة، وللموصى له بخدمة عبد أو سكن دار ونحوهما أن يعيرهما، وليس للمستعير أن يعير على الصحيح، ولكن له أن يستوفي المنفعة لنفسه بوكيله.

(4/71)


قلت: قال صاحب العدة: ليس للاب أن يعير ولده الصغير لمن يخدمه، لان ذلك هبة لمنافعه، فأشبه إعارة ماله. وهذا الذي قاله، ينبغي أن يحمل على خدمة تقابل بأجرة، أما ما كان محقرا بحيث لا يقابل بأجرة، فالظاهر الذي تقتضيه أفعال السلف: أنه لا منع منه إذا لم يضر بالصبي، وقد سبق في كتاب الحجر نحو هذا. والله أعلم. الركن الثاني: المستعير، ويشترط فيه كونه أهلا للتبرع (عليه) بعقد يشتمل على إيجاب وقبول بقول أو فعل، فلا تصح الاعارة للصبي، كما لا يوهب له. الركن الثالث: المستعار، وله شرطان. أحدهما: كونه منتفعا به مع بقاء عينه، كالعبد، والثوب، والدابة، والدار، فلا يجوز إعارة الطعام قطعا، ولا الدراهم والدنانير على الاصح. قال الامام: ويجري الوجهان في إعارة الحنطة والشعير ونحوهما. ثم السابق إلى الفهم من كلام الاصحاب، أن الخلاف فيما إذا أطلق إعارة الدراهم، فأما إذا صرح بالاعارة للتزيين، فينبغي أن يقطع بالصحة، وبه قطع المتولي، لانه اتخذ هذه المنفعة مقصودا وإن ضعفت، وإذا لم نصححها، فجرت، فهي مضمونة على الصحيح، لان العارية الصحيحة مضمونة، وللفاسد حكم الصحيح في الضمان، وقيل: لا ضمان، لان ما جرى بينهما ليس بعارية صحيحة ولا فاسدة. ومن قبض مال غيره بإذنه لا لمنفعته، كان أمانة.

(4/72)


الشرط الثاني: كون المنفعة مباحة، فيحرم استعارة الجارية للاستمتاع. وأما للخدمة، فيجوز إن أعارها لمحرم أو امرأة، وإلا، فلا يجوز، لخوف الفتنة، إلا إذا كانت صغيرة لا تشتهى، أو قبيحة، فوجهان. قلت: أصحهما: الجواز، وبه قطع جماعة، منهم صاحب التهذيب. والله أعلم. قال الغزالي: وإذا أعارها، صحت الاعارة، وإن كانت محرمة. ويشبه أن يقال بالفساد، كالاجارة للمنفعة المحرمة، ويشعر به إطلاق الجمهور نفي الجواز. فرع قلت: يكره استعارة أحد الابوين للخدمة لان استخدامهما مكروه ولفظ الامام ينفي الحل الذي قاله الاصحاب، أنه يكره كراهة تنزيه، قال الجرجاني: ويكره أيضا استئجارهما. وقد يجوز إعارة ما لا يجوز إجارته، وهو الفحل للضراب، والكلب للصيد، فإن إعارتهما صحيحة، وإجارتهما باطلة على الاصح. والله أعلم.

(4/73)


وتكره إعارة العبد المسلم لكافر كراهة تنزيه. قلت: صرح الجرجاني وآخرون، بأنها حرام، وصرح صاحب المهذب وآخرون، بأنها لا تجوز، وظاهره التحريم، ولكن الاصح الجواز، وقد سبق في أول البيوع. والله أعلم. فرع يحرم على الحلال إعارة الصيد من المحرم، فإن فعل فتلف في يده، ضمن الجزاء لحق الله تعالى، والقيمة للحلال. ولو أعار المحرم حلالا، فإن نا: المحرم يزول ملكه عن الصيد فلا قيمة له على الحلال لانه غير مالك، وعلى المحرم الجزاء لحق الله تعالى إن تلف في يد الحلال، لانه متعد بالاعارة، فإنه يلزمه إرساله. وإن قلنا: لا يزول، صحت الاعارة وعلى الحلال القيمة إن تلف عنده. فرع دفع شاة إلى رجل وقال: ملكتك درها ونسلها، فهي هبة فاسدة، وما حصل في يده من الدر والنسل، كالمقبوض بالهبة الفاسدة، والشاة مضمونة بالعارية الفاسدة. ولو قال: أبحت لك درها ونسلها، فوجهان. أحدهما: أنه كقوله: ملكتك. والثاني: أنها إباحة صحيحة، والشاة عارية صحيحة، وبه قطع المتولي. قلت: هذا أصح، واختاره أيضا القاضي أبو الطيب، وصاحب الشامل، وحكم هذان والمتولي بالصحة فيما إذا أعاره الشاة ليأخذ لبنها، أو أعاره شجرة ليأخذ ثمرها. والله أعلم. فعلى هذا، قد تكون العارية لاستفادة عين، وليس من شرطها أن يكون المقصود مجرد المنفعة، بخلاف الاجارة. ولو قال: ملكتك درها، أو أبحتكه على أن تعلفها، قال البغوي: العلف أجرة الشاة وثمن الدر والنسل، فالشاة غير مضمونة لانها مقبوضة بإجارة فاسدة، والدر والنسل مضمو نان في الشراء الفاسد. وكذا لو دفع

(4/74)


قراضة إلى سقاء، وأخذ الكوز ليشرب، فسقط الكوز من يده وانكسر، ضمن الماء لانه مأخوذ بالشراء الفاسد، ولم يضمن الكوز لانه في يده بإجارة فاسدة، وإن أخذه مجانا، فالكوز عارية، والماء كالمقبوض بالهبة الفاسدة. فرع قال المتولي: تعيين المستعار عند الاعارة، ليس بشرط. حتى لو قال: أعرني دابة، فقال: ادخل الاصطبل فخذ ما أردت، صحت العارية، بخلاف الاجارة، فإنها تصان عن مثل هذا، لان الغرر لا يحتمل في المعاوضات. الركن الرابع: الصيغة، واللفظ المعتد به في الباب ما يدل على الاذن في الانتفاع، كقوله: أعرتك، أو خذه لتنتفع به، وما أشبههما. واختلفوا في الواجب من اللفظ، فالاصح الاشهر ما قطع به البغوي وغيره: أن المعتبر اللفظ من أحد لطرفين، والفعل من الآخر. حتى لو قال المستعير: أعرني، فسلمه المالك إليه، صحت الاعارة، كما لو قال: خذه لتنتفع به، فأخذه، قياسا على إباحة الطعام. وقال الغزالي: يعتبر اللفظ من جهة المعير، ولا يعتبر من جهة المستعير، وإنما يعتبر منه القبول، إما بالفعل وإما بالقول. وقال المتولي: لا يعتبر اللفظ في واحد منهما، حتى لو رآه عاريا فأعطاه قميصا فلبسه، تمت العارية. وكذا لو فرش لضيفه فراشا أو بساطا أو مصلى، أو ألقى له وسادة فجلس عليها، كان ذلك إعارة، بخلاف ما لو دخل فجلس على الفرش المبسوطة، لانه لم يقصد بها انتفاع شخص بعينه، ولا بد في العارية من تعيين المستعير، وهذا الذي قاله المتولي فيه تمام التشبيه باباحة الطعام، ويوافقه ما حكي عن الشيخ أبي عاصم، أنه إذا انتفع بظرف الهدية المبعوثة إليه حيث جرت العادة باستعماله، كأكل الطعام من القصعة المبعوث فيها، كان عارية، لانه انتفاع بملك الغير بإذنه.

(4/75)


قلت: هذا المحكي عن أبي عاصم، هو فيما إذا كانت الهدية لا تقابل. فأما إن كانت عوضا، فالظرف أمانة في يده كالاجارة الفاسدة، كذا حكاه المتولي عن أبي عاصم. والله أعلم. فرع قال: أعرتك حماري لتعيرني فرسك، فهي إجارة فاسدة، وعلى كل واحد أجرة مثل دابة صاحبه، وكذا الحكم، لو أعاره شيئا بعوض مجهول، كما لو أعاره دابة ليعلفها، أو داره ليطين سطحها، وكذا لو كان العوض معلوما، ولكن مدة الاعارة مجهولة، كقوله: أعرتك داري بعشرة دراهم، أو لتعيرني ثوبك شهرا. وفي وجه ضعيف: أنها عارية فاسدة، نظرا إلى اللفظ، فعلى هذا تكون مضمونة عليه، وعلى الاول: لا ضمان، ولو بين مدة الاعارة وذكر عوضا معلوما، فقال: أعرتك هذه الدار شهرا من اليوم بعشرة دراهم، أو لتعيرني ثوبك شهرا من اليوم، فهل هي إجارة صحيحة، أو إعارة فاسدة ؟ وجهان، بناء على أن الاعتبار باللفظ، أو المعنى ؟ فرع دفع دراهم إلى رجل وقال: اجلس في هذا الحانوت واتجر فيها لنفسك، أو دفع إليه بذرا وقال: ازرعه في هذه الارض، فهو معير للحانوت والارض، وأما الدراهم والبذر، فهل يكون هبة، أم قرضا ؟ وجهان.
الباب الثاني : في أحكامها
وهي ثلاثة. الاول: الضمان. فإذا تلفت العين في يد المستعير، ضمنها، سواء تلفت

(4/76)


بآفة سماوية أم بفعله، بتقصير أم بلا تقصير، هذا هو المشهور. وحكي قول: أنها لا تضمن إلا بالتعدي فيها، وهو ضعيف. ولو أعار بشرط أن يكون أمانة، لغا الشرط وكانت مضمونة، وإذا ضمن، ففي القيمة المعتبرة أوجه. أصحها: قيمته يوم التلف. والثاني: يوم القبض. والثالث: أقصى القيم من يوم القبض إلى يوم التلف. ويبنى على هذا الخلاف، أن العارية إذا ولدت في يد المستعير، هل يكون الولد مضمونا في يده ؟ إن قلنا بالثالث، كان مضمونا، وإلا، فلا. وليس له استعماله بلا خلاف. قلت: ولو استعار دابة وساقها، فتبعها ولدها، ولم يتكلم المالك فيه بإذن ولا نهي، فالولد أمانة، قاله القاضي حسين في الفتاوى. والله أعلم. والمقبوض على جهة السوم، إذا تلف، في المعتبر من قيمته هذه الاوجه، لكن قال الامام: الاصح فيه قيمته يوم القبض. وقال غيره: الا صح يوم التلف هذا إذا تلفت العارية لا بالاستعمال، أما إذا تلفت بالاستعمال المأذون فيه، بأن انمحق الثوب باللبس، فلا يجب ضمانه على الاصح كالاجزاء. وقيل: يضمن،

(4/77)


فعلى هذا، وجهان. أحدهما: يضمن العين بجميع أجزائها، وبه قطع الامام. وأصحهما: يضمنه في آخر حالات التقويم، وبه قطع البغوي. وأما الاجزاء، فما تلف منها بسبب استعمال المأذون فيه، كانمحاق الثوب باللبس، لا يجب ضمانه على الصحيح، وما تلف منها بغير الاستعمال، ففيه وجهان. أحدهما: لا يضمن، كالتالف بالاستعمال. وأصحهما: الضمان، كتلف العين كلها. وأما إذا تلفت الدابة بسبب الركوب والحمل المعتاد، فهو كانمحاق الثوب، وتعييبها به كالانمحاق. وعن القفال: لو قرح ظهرها بالحمل وتلفت منه، يضمن، سواء تعدى بما حمل، أم لا، لانه إنما أذن في الحمل، لا في الجراحة، وردها إلى المالك لا يخرجه عن الضمان، لان السراية تولدت من مضمون، وهذا في الحمل الذي هو غير متعد به، تفريع على وجوب الضمان في صورة الانمحاق، كذا ذكره الامام. فرع مؤنة الرد على المستعير، هذا كله إذا استعار من المالك. فلو استعار من المستأجر أو الموصى له بالمنفعة، فتلفت العين، فوجهان. أحدهما: يضمن كما لو استعار من الملك. وأصحهما: لا يضمن، لان المستأجر لا يضمن وهذا نائبه، ومؤنة الرد في هذه الاستعارة على المستعير إن رد على المستأجر، وعلى المالك إن رد عليه كما لو رد عليه المستأجر. فرع إذا استعار العين المغصوبة من الغاصب، وتلفت في يده، غرم المالك من شاء منهما قيمته يوم التلف، وقرار الضمان على المستعير. فإن كانت قيمته قبل يوم التلف أكثر، نظر، إن كانت الزيادة في يد المعير الغاصب، لم يطالب

(4/78)


بها غيره. وإن كانت في يد المستعير، فإن قلنا: العارية تضمن بأقصى القيم، فهي كقيمته يوم التلف، وإلا، فالزيادة كبدل المنافع. وحكم بدل المنافع، أن ما تلف منها تحت يده، فقرار الضمان على المعير، لان يد المستعير في المنافع ليست يد الضمان. والتي استوفاها بنفسه فيها قولان. أظهرهما: على المستعير، لمباشرته الاتلاف، والمستعير من المستأجر من الغاصب، حكمه حكم المستعير من الغاصب إن ضمنا المستعير من المستأجر، وإلا، فيرجع بالقيمة التي غرمها على المستأجر ويرجع المستأجر على الغاصب. فرع إذا أركب وكيله الذي استعمله في شغله دابة الموكل، وسيره إلى موضع، فتلفت الدابة في يده بلا تفريط، فلا ضمان، لانه لم يأخذها لغرض نفسه، وكذا لو سلمها إلى رائض ليروضها، أو كان له عليها متاع نفيس فأركب إنسانا فوقه إحرازا للمال، فلا ضمان. فرع لو وجد (من) أعيا في الطريق فأركبه فتلفت الدابة، فالمذهب أنه يضمن، سواء التمس الراكب أو ابتدأه المركب، ومال الامام، إلى أنه لا يضمن، وجعل الغزالي هذا وجها، وزعم أنه الاصح، والمعروف الاول، وهو الصواب. ولو أركبه مع نفسه، فعلى الرديف نصف الضمان، ورأى الامام أنه لا شئ عليه، تشبيها بالضيف. وعلى المذهب: لو وضع متاعه على دابة رجل، وقال الواضع: سيرها، ففعل، كان صاحب المتاع مستعيرا من الدابة بقسط متاعه مما عليها، حتى لو كان عليها لكن سيرها المالك، لم يكن الواضع مستعير ا، بل يدخل المتاع في ضمان صاحب

(4/79)


الدابة، لانه كان حقه أن يطرحه. ولو كان لاحد الرفيقين في السفر دابة، وللآخر متاع، فقال صاحب المتاع للآخر: احمل متاعي على دابتك، فأجابه، فصاحب المتاع مستعير، ولو قال: صاحب الدابة: أعطني متاعك لاضعه على الدابة، فهو مستودع متاعه، ولا تدخل الدابة في ضمان صاحب المتاع، ذكره البغوي. فرع استعار دابة ليركبها إلى موضع، فجاوزه، فهو متعد من حين المجاوزة، وعليه أجرة المثل ذهابا من ذلك الموضع ورجوعا إليه. وفي لزوم أجرة المثل من ذلك الموضع إلى أن يرجع إلى البلد الذي استعار منه، وجها ن. فإن أوجبناها، فليس له الركوب من ذلك الموضع، بل يسلمه إلى قاضي الموضع الذي استعار إليه. قلت: الاصح. فرع أودعه ثوبا وقال: إن شئت أن تلبسه فالبسه، فهو بعد اللبس عارية، وقبله وديعة على الصحيح، وقيل: عارية، لانه مقبوض لتوقع نفع كالمقبوض بالسوم. قال صاحب التقريب: ولو قيل: لا ضمان في السوم تخريجا من هذا، لم يبعد. فرع استعار صندوقا، فوجد فيه دراهم، فهي أمانة عنده، كما لو طيرت الريح ثوبا في داره. الحكم الثاني: تسلط المستعير على الانتفاع بحسب إذن المعير، وفيه مسائل. الاولى: إذا أعاره أرضا للزراعة، فإن بين ما يزرعه، كقوله: أعرتك لزراعة

(4/80)


الحنطة، نظر، إن لم ينهه عن غيرها، فله أن يزرع الحنطة وما ضرره كضررها أو دونه كالشعير، وليس (له) أن يزرع ما فوقها كالذرة والقطن. وإن نهاه عن غيرها، لم يكن له زرع غيرها. وحيث زرع ما ليس له، فللمعير قلعه مجانا. وإن أطلق ذكر الزراعة ولم يبين الزروع، صحت الاعارة على الاصح، ويزرع ما شاء، لاطلاق اللفظ. والثاني: لا يصح، لتفاوت الضرر. ولو قيل: يصح ولا يزرع إلا أقل الانواع ضررا، لكان مذهبا. الثانية: إذا أعار للزراعة، لم يكن له البناء ولا الغراس. وإن أعار لاحدهما، فله الزراعة، وليس له الآخر على الاصح. قلت: حكى صاحب المهذب وغيره وجها: أنه لا يجوز الزرع إذا استعار للبناء، لان الزرع يرخي الارض، بخلاف البناء. والصحيح: الجواز. والله أعلم. الثالثة: إذا كان المستعار لا ينتفع به إلا بجهة واحدة، كالبساط الذي لا يصلح إلا لان يفرش، فلا حاجة في إعارته إلى بيان الانتفاع، وإن كان ينتفع به بجهتين فصاعدا، كالارض تصلح للزراعة، والبناء، والغراس، وكالدابة للركوب، والحمل، فهل تصح الاعارة مطلقا، أم يشترط بيان جهة الانتفاع ؟ وجهان. أصحهما عند الامام، والغزالي: الثاني، وقطع الروياني والبغوي بالاول. قلت: صحح الرافعي في المحرر الثاني. والله أعلم.

(4/81)


فعلى الاول: له أن ينتفع كيف شاء. وقال الروياني: ينتفع بما هو العادة فيه، وهذا أحسن. وعلى الثاني: لو قال: أعرتك لتنتفع به كيف شئت، أو لتفعل به ما بدا لك، فوجهان. الحكم الثالث: الجواز. فللمعير الرجوع متى شاء، وللمستعير الرد متى شاء، سواء العارية المطلقة والمؤقتة، إلا في صورتين. الاولى: إذا أعار أرضا لدفن ميت، فدفن، لم يكن له الرجوع ونبش القبر إلى أن يندرس أثر المدفون، وله سقي الاشجار التي فيها إن لم يفض إلى ظهور شئ من بدن الميت، وله الرجوع ما لم يوضع فيه الميت، قال المتولي: وكذا بعد الوضع ما لم يواره التراب. قال: ومؤنة الحفر إذا رجع بعد الحفر وقبل الدفن، على ولي الميت، ولا يلزمه طمها. قلت: كذا هو في نسخ كتاب الامام الرافعي رحمه الله، وهو غلط في النقل عن المتولي، فإن المتولي قال: إذا رجع في العارية بعد الحفر وقبل الدفن، غرم لولي الميت مؤنة الحفر، لانه بإذنه في الحفر أوقعه في التزام ما التزام، وفوت عليه مقصوده لمصلحة نفسه، فهذا لفظ المتولي بحروفه، وهو الصواب. والله أعلم. وإطلاق الاعارة، لا يسلط على الدفن قطعا وإن كان يسلط على ما شاء من المنافع على الوجهين كما سبق، والفرق ظاهر. قلت: في البيان وغيره: أنه لو أعار أرضا ليحفر فيها بئرا، صحت العارية. فإذا نبع الماء، جاز للمستعير أخذه، لان الماء يستباح بالاباحة. والله أعلم. الصورة الثانية: إذا أعاره جدارا لوضع الجذوع، ففي جواز الرجوع

(4/82)


وجهان. فإن جوزناه، فهل فائدته طلب الاجرة للمستقبل، أم التخيير بينه وبين القلع وضمان أرش النقص ؟ وجهان. وقد سبق بيان هذا كله واضحا مع بيان الاصح في كتاب الصلح. قلت: ومن أحكامها، أنه لو مات المعير، أو جن، أو أغمي عليه، أو حجر عليه لسفه، انفسخت الاعارة كسائر العقود الجائزة. وإن مات المستعير، انفسخت أيضا، لان الاذن بالانتفاع إنما كان للمستعير دون وارثه، وإذا انفسخت، وجب على المستعير ردها، ذكر هذه الجملة المتولي. والله أعلم.
فصل إعارة الارض للبناء أو الغراس، ضربان: مطلقة لم يبين لها مدة، ومقيدة بمدة. الاول: المطلقة، وللمستعير فيها أن يبني ويغرس ما لم يرجع المعير، فإذا رجع، لم يكن له البناء والغراس. ولو فعل وهو عالم بالرجوع، قلع مجانا، وكلف تسوية الارض كالغاصب. وإن كان جاهلا، فوجهان كالوجهين فيما إذا حمل السيل نواة إلى أرضه فنبتت. وأما ما بني وغرس قبل الرجوع، فإن أمكن رفعه من غير نقص يدخله، رفع، وإلا، فينظر، إن شرط عليه القلع مجانا عند رجوعه، وتسوية الحفر، لزمه، فإن امتنع، قلعه المعير مجانا، وإن شرط القلع دون

(4/83)


التسوية، لم تلزمه التسوية، لان شرط القلع رضى بالحفر. وإن لم يشرط القلع، نظر، إن أراده المستعير، مكن منه، لانه ملكه، ويلزمه تسوية الحفر على الاصح. قلت: كذا صححه الجمهور: أنه يلزمه تسوية الحفر هنا منهم القاضي أبو الطيب في المجرد وصاحب الانتصار وغيرهما، وبه قطع المحاملي في المقنع والروياني في الحلية وهو الاصح. ولا يغتر بتصحيح الرافعي في المحرر: أنه لا يلزمه، فإنه ضعيف، نبهت عليه في مختصر المحرر. والله أعلم. وإن لم يرده، لم يكن للمعير قلعه مجانا، لانه محترم، ولكن يتخير المعير. وفيما يتخير ؟ فيه أوجه. أحدها، وبه قطع الامام، وأبو الحسن العبادي، والغزالي: يتخير بين ثلاث خصال. إحداها: أن يبقيه بأجرة يأخذها. والثانية: أن يقلع ويضمن أرش النقص، وهو قدر التفاوت بين قيمته نابتا ومقلوعا. والثالثة: أن يتملكه بقيمته، فإن اختار خصلة، أجبر عليها المستعير. والثاني، وبه قطع البغوي: لا بد في الخصلة الاولى والثالثة من رضى المستعير، لان الاولى إجارة والثالثة بيع. والثالث: يتخير بين خصلتين، القلع وضمان الارش، والتملك بالقيمة، وبهذا قطع أبو علي الزجاجي وأكثر العراقيين وغيرهم، وهذا أصح في المذهب. فعلى هذا، لو امتنع من الخصلتين، وبذل المستعير الاجرة، لم يكن

(4/84)


للمعير القلع مجانا. وإن لم يبذلها، فكذلك على الاصح، وبه قطع المخيرون بين الخصال الثلاث إذا امتنع منها جميعا. وما الذي يفعل فيه ؟ وجهان. أحدهما: وبه قال: أبو علي الزجاجي: يبيع الحاكم الارض مع البناء أو الغراس لفصل الخصومة. وقال الاكثرون، منهم المزني: يعرض الحاكم عنهما إلى أن يختارا شيئا، ويجوز للمعير دخول الارض، والانتفاع بها، والاستظلال بالبناء والشجر، لانه جالس في ملكه، وليس للمستعير دخولها للتفرج بغير إذن المعير، ويجوز لسقي الاشجار وإصلاح الجدار على الاصح، صيانة لملكه عن الضياع. ووجه المنع: أنه يشغل ملك غيره إلى أن يصل إلى ملكه. وعلى الاول: لو تعطلت المنفعة على صاحب الارض بدخوله، قال المتولي: لا يمكن إلا بالاجرة، ولكل واحد من المعير والمستعير بيع ملكه للآخر، وللمعير بيع ملكه لثالث، ثم يتخير المشتري تخير المعير، وهل للمستعير بيع البناء والغراس لثالث ؟ وجهان. أصحهما: الجواز. فعلى هذا، يتنزل المشتري منزلة المستعير، وللمعير الخيار كما سبق وللمشتري فسخ البيع إن جهل الحال. ولو اتفق المعير والمستعير على بيع الارض بما فيها بثمن واحد، فقد قيل: هو كما لو كان لهذا عبد، ولهذا عبد، فباعاهما بثمن واحد، والمذهب: القطع بالجواز للحاجة. ثم كيفيوزع الثمن هنا، وفيما إذا باعهما الحاكم على أحد الوجهين ؟ قال المتولي: هو على الوجهين فيما إذا غرس الراهن الارض المرهونة. وقال البغوي: يوزع على الارض مشغولة بالغراس أو البناء،

(4/85)


وعلى ما فيها وحده، فحصة الارض للمعير، وحصة ما فيها للمستعير، وحكم الدخول والانتفاع والبيع، على ما ذكرنا في ابتداء الرجوع إلى الاختيار، وفيما إذا امتنعا من الاختيار وأعرض القاضي عنهما سواء. الضرب الثاني: المقيدة بمدة. وللمستعير البناء والغراس في المدة، إلا أن يرجع المعير، وله أن يجدد كل يوم غرسا، وبعد انقضاء المدة ليس له إحداث البناء والغراس. وإذا رجع المعير قبل المدة أو بعده، فالحكم كما لو رجع في الضرب الاول، لكن هنا وجه: أنه لا يتمكن من الرجوع قبل المدة، وقول: أنه إذا رجع بعد المدة، فله القلع مجانا، نقله الساجي، واختاره الروياني. والمذهب: الاول. فرع قال المتولي: إذا بنى أحد الشريكين، أو غرس في الارض المشتركة بإذن صاحبه، ثم رجع صاحبه، لم يكن له القلع بأرش النقص، لانه يتضمن قلع بناء المالك في ملكه، وليس له أن يتملك بالقيمة، لان للباني في الارض مثل حقه، لكن له الابقاء بأجرة. فإن لم يبذلها الباني، فهل يباع أو يعرض عنهما ؟ فيه ما سبق. قلت: كذا قال المتولي: فإن لم يبذلها الباني، وكان ينبغي أن يقول: فإن لم يرض بها الشريك، فإن بذل الباني، ليس بشرط على المختار كما تقدم، ولو بنى أو غرس بغير إذن شريكه، قلعه مجانا، وسيأتي بيانه في بناء المشتري في المشفوع. والله أعلم.
فصل أعار للزرع، فزرعها، فرجع قبل إدراك الزرع، فإن كان مما يعتاد قطعه، كلف قطعه، وإلا، فأوجه، أحدها: للمعير أن يقلع ويغرم أرش النقص. والثاني: له تملكه بالقيمة، قاله القاضي أبو الطيب. والثالث وهو الصحيح: لا تثبت واحدة من هاتين الخصلتين، لان للزرع أمدا، بخلاف البناء والغراس، فعلى هذا، يلزم المعير إبقاؤه إلى أوان حصاده، وهل له الاجرة ؟ وجهان. أحدهما: لا، وهو منقول عن المزني، واختاره الروياني، لان منفعة الارض إلى الحصاد

(4/86)


كالمستوفاة. وأصحهما: نعم، لانه إنما أباح له المنفعة إلى وقت الرجوع، فأشبه من أعار دابة إلى بلد ثم رجع في الطريق، فإن عليه نقل متاعه إلى مأمن بأجرة المثل. ولو أعار لزرع مدة، فانقضت والزرع غير مدرك، فإن كان ذلك لتقصيره في الزراعة بالتأخير، قلع مجانا، وإلا، فهو كما لو أعار مطلقا. فرع لو أعار للفسيل، قال الشيخ أبو محمد: إن كان ذلك مما يعتاد نقله، فهو كالزرع، وإلا، فكالبناء. فرع قال البغوي: إذا أعار للزرع مطلقا، لم يزرع إلا زرعا واحدا، وكذا لو أعار للغراس، فغرس وقلعه، لا يغرس بعده إلا بإذن جديد وهذا بين أن قولنا: المستعير للبناء والغراس مطلقا يبني ويغرس ما لم يرجع المعير، معناه: البناء المأذون فيه، وهو مرة واحدة، إلا إذا كان قد صرح له بالتجديد مرة بعد أخرى. فصل إذا حمل السيل حبات أو نوى لغيره إلى أرضه، لزمه ردها إلى مالكها إن عرفه، وإلا، فيدفعها إلى القاضي، ولو نبتت في أرضه، فوجهان. أحدهما: لا يجبر مالكها على قلعها، لانه غير متعد. فعلى هذا، هو مستعير، فينظر في النابت أهو شجر، أم زرع ؟ ويكون الحكم على ما سبق. وأصحهما: يجبر، لان المالك لم يأذن، فهو كما لو انتشرت أغصان شجرة في هواء دار غيره، فله قطعها. ولو حمل ما لا قيمة له، كنواة واحدة، أو حبة، فهل هي لمالك الارض لان التقوم حصل في ملكه ؟ أم لمالك الحبة لانها كانت محرمة الاخذ ؟ وجهان. فعلى الثاني: في قلع النابت، الوجهان. قلت: الاصح: كونها لمالك الحبة، وهذا في حبة ونواة لم يعرض عنها مالكها، أما إذا أعرض عنها أو ألقاها، فينبغي القطع بكونها لصاحب الارض. والله أعلم. ولو قلع صاحب الشجرة شجرته، لزمه تسوية الارض، لانه لتخليص ملكه.

(4/87)


فصل في الاختلاف وفيه مسائل. الاولى: قال راكب الدابة لمالكها: أعرتنيها. فقال: بل أجرتكها مدة كذا بكذا، فتارة يختلفان والدابة باقية، وتارة (يختلفان) وهي تالفة. الحال الاول: الباقية، وهو ضربان. أحدهما: يختلفان بعد مضي مدة لمثلها أجرة. والثاني: قبلها. فالاول: نص فيه أن القول قول الراكب بيمينه. ونص فيما إذا زرع أرض غيره واختلفا هكذا، أن القول قول صاحب الارض. والله أعلم. وللاصحاب طريقان. أحدهما: تقرير النصين، واختاره القفال، لان الدواب تكثر فيها الاعارة، بخلاف الارض، وأصحهما عند الجمهور، وبه قال المزني، والربيع، وابن سريج: فيهما قولان. أظهرهما: القول قول المالك، فعلى هذا كيف يحلف ؟ وجهان. قال الشيخ أبو محمد وطائفة: يحلف على نفي الاعارة، ولا يتعرض لاثبات الاجرة، لانه مدع فيها. وقال العراقيون والقاضي والاكثرون: يتعرض لاثبات الاجرة مع نفي الاعارة. فعلى الاول: إذا حلف، استحق أقل الامرين من أجرة المثل والمسمى. وعلى الثاني: أوجه. أحدها: يستحق المسمى. والثاني: أقل الامرين. وأصحها وهو نصه في الام: أجرة المثل. فلو نكل المالك عن اليمين، لم يحلف الراكب والزارع، لانهما لا يدعيان حقا على المالك، وإنما يدعيان الاعارة وليست لازمة. وعن القاضي حسين رمز إلى أنهما يحلفان للتخلص من الغرم، أما إذا قلنا: القول قول الراكب والزارع، فإن حلف على نفي الاجارة، كفاه وبرئ، وإن نكل، ردت اليمين على المالك، واستحق بيمينه المسمى على الصحيح، وعلى الشاذ أجرة المثل. الضرب الثاني: أن يقع الاختلاف قبل مضي مدة لها أجرة، فالقول قول الراكب بيمينه. فإذا حلف على الاجارة، سقطت دعوى الاجرة، وردت العين إلى المالك. وإن نكل، حلف المالك يمين الرد، واستحق الاجرة. وإنما لم يجر القولان، لان الراكب لا يدعي لنفسه حقا، ولم تتلف المنافع على المالك. الحال الثاني: أن تكون الدابة تالفة، فإن تلفت قبل مضي مدة لها أجرة،

(4/88)


فالراكب مقر بالقيمة، و المالك ينكرها ويدعي الاجرة، فيخرج على الخلاف السابق في كتاب الاقرار: أن اختلاف الجهة، هل يمنع الاخذ ؟ إن قلنا: نعم، سقطت القيمة برده. وفيمن القول قوله في الاجرة، الطريقان في الحال الاول. وإن قلنا: لا، فإن كانت الاجرة مثل القيمة أو أقل، أخذ ها بلا يمين. وإن كانت أكثر، أخذ قدر القيمة. وفي المصدق في الزائد، الخلاف السابق. المسألة الثانية: قال المتصرف: أعرتني هذه الدابة أو الارض، فقال المالك: بل غصبتنيها، فإن لم تمض مدة لها أجرة، فلا معنى للمنازعة، فيرد المال إلى مالكه. وإن مضت مدة لها أجرة، فنقل المزني: أن القول قول المستعير. وللاصحاب طرق. أصحها: أنها على الطريقين في المسألة الاولى، ففي طريق: يفرق بين الارض والدابة. وفي طريق: هما على قولين. والطريق الثاني: القطع بأن القول قول المتصرف، لان الظاهر أنه تصرف بحق. والثالث: القطع بأن القول قول مالكه، لان الاصل عدم إذنه. ومن قال بهذا، خطأ المزني في النقل. قال الشيخ أبو حامد: لكنه ضعيف، لان الشافعي رضي الله عنه نص في الام على ما نقله المزني، هذا إذا كانت العين باقية. فلو تلفت، نظر، إن تلفت بعد مدة لها أجرة، فالمالك يدعي أجرة المثل والقيمة بالغصب، والمتصرف ينكر الاجرة ويقر بالقيمة بجهة العارية، فالحكم في الاجرة على ما ذكرنا عند بقاء العين. وأما القيمة، فقال البغوي: إن قلنا: اختلاف الجهة يمنع الاخذ، لم يأخذها إلا باليمين، وإلا، فإن قلنا: العارية تضمن ضمان الغصب، أو لم نقل به، وكانت القيمة يوم التلف أكثر، أخذها بلا يمين، وإن كانت يوم التلف أقل، أخذها بلا يمين، وفي الزيادة يحتاج إلى اليمين. وإن هلكت قبل مدة لها أجرة، لزمه القيمة. ثم قياس ما ذكره البغوي: أنا إن جعلنا اختلاف الجهة مانعا من الاخذ، حلف، وإلا، فيأخذ بلا يمين، ومقتضى كلام الامام: أن لا يخرج على ذلك الخلاف، لا هذه الصورة، ولا ما إذا كان الاختلاف بعد مدة لها أجرة، قال: لان العين متحدة ولا أثر للاختلاف في الجهة مع اتحاد العين. والاول أصح. الثالثة: قال المالك: غصبتنيها، وقال المتصرف: بل أجرتني، فالمذهب:

(4/89)


أنه إن كانت العين باقية، ولم تمض مدة لها أجرة، فالمصدق المالك. فإذا حلف، استرد المال. وإن مضت مدة لها أجرة، فالمالك يدعي أجرة المثل، والمتصرف يقر بالمسمى. فإن استويا، أو كانت أجرة المثل أقل، أخذ بلا يمين. وإن كانت أجرة المثل أكثر، أخذ قدر المسمى بلا يمين، والزيادة باليمين. قال البغوي: ولا يجئ هنا خلاف اختلاف الجهة، كما لو ادعى المالك فساد الاجارة، والمتصرف صحتها، يحلف المالك، ويأخذ أجرة المثل. وإن كان الاختلاف بعد بقاء العين في يد المتصرف مدة، وتلفها، فالمالك يدعي أجرة المثل والقيمة، والمتصرف يقر بالمسمى وينكر القيمة، فللمالك أخذ ما يقر به بلا يمين. وأخذ ما ينكره باليمين. الرابعة: قال المالك: غصبتني، وقال (صاحب اليد): بل أودعتني، حلف المالك على الاصح، وأخذ القيمة إن تلف المال، وأجرة المثل إن مضت مدة لها أجرة. الخامسة: قال الراكب: أكريتنيها، وقال المالك: بل أعرتكها، والدابة باقية، فالقول قول المالك في نفي الاجارة. فإذا حلف، استردها. فإن نكل، حلف الراكب واستحق الامساك. ثم إن مضت مدة لها أجرة، فالراكب يقر بالاجرة، والمالك ينكرها، ولا يخفى حكمه. وإن كان هذا الاختلاف بعد هلاك الدابة، فإن هلكت عقب القبض، فالمذهب: أن المالك يحلف، ويأخذ القيمة، لان الراكب أتلفها، ويدعي مسقطا. وخرج قول في المسألة الاولى: أن القول قول الراكب، لان الاصل براءته، وإن تلفت بعد مدة لها أجرة، فالمالك يدعي القيمة وينكر الاجرة، والراكب يقر بالاجرة وينكر القيمة. فإن قلنا: اختلاف الجهة يمنع الاخذ، حلف وأخذ القيمة، ولا عبرة باقرار الراكب. وإن قلنا: لا يمنع، وهو الاصح، فإن

(4/90)


كانت القيمة والاجرة سواء، أو كانت القيمة أقل، أخذها بلا يمين. وإن كانت القيمة أكثر، أخذ الزيادة باليمين. فرع استعمل المستعير العارية بعد رجوع المعير وهو جاهل بالرجوع، لم يلزمه الاجرة، ذكره القفال. فرع مات المستعير، يلزم ورثته الرد وإن لم يطالب المعير. قلت: قال أصحابنا: الرد الواجب والمبرئ، هو أن يسلم العين إلى المالك أو وكيله في ذلك. فلو رد الدابة إلى الاصطبل، أو الثوب ونحوه إلى البيت الذي أخذه منه، لم يبرأ من الضمان، وسيأتي إن شاء الله تعالى في باب الغصب بيان هذا واضحا. ولو رد الدابة إلى دار المعير، فلم يجده، فسلمها إلى زوجته، أو ولده، فإن سلمها المتسلم إلى المدعي، فضاعت، فالمعير بالخيار، إن شاء ضمن المستعير، وإن شاء غرم الزوجة أو الولد. فإن غرم المستعير، رجع عليهما، وإن غرمهما. لم يرجعا على المستعير. والله أعلم.

(4/91)