روضة الطالبين وعمدة المفتين ط العلمية

روضة الطالبين - كتاب الوصايا
يقال: أوصيت لفلان بكذا، ووصيت، وأوصيت إليه: إذا جعلته وصيا. ومن عنده وديعة، أو في ذمته حق لله تعالى، كزكاة، وحج، أو دين لآدمي، يجب

(5/92)


عليه أن يوصي به إذا لم يعلم به غيره. قلت: المراد، إذا لم يعلم به من يثبت يقوله. والله أعلم. ويستحب أن يوصي من له مال. وتعجيل الصدقة في الصحة ثم في الحياة أفضل، وإذا أراد أن يوصي، فالافضل أن يقدم من لا يرث من قرابته، ويقدم منهم المحارم، ثم غير المحارم، ثم يقدم بالرضاع، ثم بالمصاهرة، ثم بالولاء، ثم بالجوار، كما في الصدقة المنجزة. وفي أمالي السرخسي: أن من قل ماله، وكثر عياله، يستحب أن لا يفوته عليهم بالوصية. والصحيح المعروف هو الاول. ويشتمل الكتاب على أربعة أبواب.
الباب الأول : في أركانها، وهي أربعة.
الركن الأول : الموصي، وهو كل مكلف حر، فلا تصح وصية المجنون، والمبرسم، والمعتوه الذي لا يعقل، والصبي الذي لا يميز قطعا، ولا تصح وصية الصبي المميز. وتدبيره على الاظهر عند الاكثرين كهبته وإعتاقه، إذ لا عبارة له. وتصح وصية المحجور عليه لسفه على المذهب. وقيل: قولان كالصبي. وأما العبد، فإن أوصى، ومات رقيقا، فباطلة. وإن عتق، ثم مات، فباطلة أيضا على الاصح. والمكاتب كالقن وكالصبي. فرع تصح وصية الكافر بما يتمول أو يقتنى، ولا تصح بخمر، ولا

(5/93)


خنزير، سواء أوصى لمسلم أو ذمي، ولا بمعصية، كعمارة كنيسة، أو بنائها، أو كتب التوراة والانجيل، أو قراءتهما، وما أشبههما.
الركن الثاني : الموصى له. فإن كانت الوصية لجهة عامة، فشرطه: أن لا تكون جهة معصية وسواء أوصى به مسلم أو ذمي، فلو وصى مسلم ببناء بقعة لبعض المعاصي، لم يصح، كما لو وصى ذمي ببناء كنيسة. فرع يجوز للمسلم والذمي الوصية لعمارة المسجد الاقصى وغير من المساجد، ولعمارة قبور الانبياء، والعلماء، والصالحين، لما فيها من إحياء الزيارة، والتبرك بها، وكذا الوصية لفك أسارى الكفار من أيدي المسلمين، لان المفاداة جائزة، وكذا الوصية ببناء رباط ينزله أهل الذمة، أو دار لتصرف غلتها إليهم. فرع عدوا من الوصية بالمعصية، ما إذا أوصى لدهن سراج الكنيسة، لكن قيد الشيخ أبو حامد المنع بما إذا قصد تعظيم الكنيسة. فأما إذا قصد انتفاع المقيمين أو المجاورين بضوئها، فالوصية جائزة، كما لو أوصى بشئ لاهل الذمة.

(5/94)


فصل وإن كانت الوصية لمعين، فينبغي أن يتصور له الملك. ويتعلق بهذا الضبط مسائل. إحداها: الوصية للحمل جائزة، ثم ينظر، فإن قال: أوصيت لحمل فلانة، أو لحمل فلانة الموجود الآن، فلا بد لنفوذها من شرطين. أحدهما: أن يعلم وجوده حال الوصية، بأن ينفصل لاقل من ستة أشهر، فلو انفصل لستة فصاعدا، نظر، إن كانت المرأة فراشا لزوج أو سيد، لم يستحق شيئا، وان لم تكن فراشا، بل فارقها مستفرشها قبل الوصية. فان كان الانفصال لاكثر من أربع سنين من وقت الوصية، لم يستحق شيئا. وإن انفصل لدون ذلك، فقولان، وقيل: وجهان. أظهرهما: أنه يستحق، لان الظاهر وجوده. ولو قال: أوصيت لحمل فلانة من زيد، اشترط مع ذلك ثبوت نسبه من زيد حتى لو كانت الوصية بعد زوال الفراش، فأتت بولد لاكثر من أربع سنين من وقت الفراق، ولاقل من ستة أشهر من يوم الوصية، لم يستحق شيئا، لان النسب غير ثابت منه. ولو اقتضى الحال ثبوت نسبه من زيد، فنفاه باللعان، فالصحيح الذي قاله ابن سريج والجمهور: لا شئ له، لانه لم يثبت. وعن أبي إسحق، واختاره الاستاذ أبو منصور: يستحق، لان النسب كان ثابتا، واللعان إنما يؤثر في حق المتلاعنين،

(5/95)


ويجري الخلاف فيما لو أوصى لحمل أمة من سيدها، فادعى سيدها الاستبراء، ورأيناه نافيا للنسب. الشرط الثاني: أن ينفصل حيا، فلو فنفصل ميتا، فلا شئ له وإن انفصل بجناية وأوجبنا الغرة، لما ذكرناه في الميراث. فرع أتت بولدين بينهما أقل من ستة أشهر، وبين الوصية والاول أقل من ستة أشهر، صحت الوصية لهما وإن زاد ما بين الوصية والثاني على ستة أشهر وكانت المرأة فراشا، لانهما حمل واحد. فرع يقبل الوصية للحمل من يلي أمره بعد خروجه حيا. وإن قبلها قبل انفصاله، ثم انفصل حيا، فعن القفال: أنه لا يعتد بقوله. وقال غيره: فيه قولان. كمن باع مال أبيه على ظن حياته فبان ميتا. فرع هذا الذي ذكرناه، فيما إذا قال: أوصيت لحملها، أو لحملها الموجود. أما إذا قال: لحملها الذي سيحدث، فأوجه. أصحها عند الاكثرين: بطلان الوصية، لانها تمليك، وتمليك المعدوم ممتنع. والثاني: تصح، قاله أبو إسحق، وأبو منصور، كما تصح بالحمل الذي سيوجد. والثالث: إن كان الحمل موجودا حال الموت، صح، وإلا، فلا. المسألة الثانية: العبد الموصى له، إما أن يكون لاجنبي، وإما أن يكون للموصي، وإما للورثة. القسم الاول: لاجنبي، فتصح الوصية. ثم لا يخلو، إما أن يستمر رقه، وإما أن لا يستمر. الحالة الاولى: أن يستمر رقه، فالوصية للسيد، حتى لو قتل الموصي للعبد الموصى له، لم تبطل الوصية، ولو قتله سيد العبد، كانت وصيت للقاتل. وفي

(5/96)


افتقار قبول العبد إلى إذن السيد وجهان سبقا في باب معاملة العبيد. أصحهما: المنع، ولا. يصح من السيد مباشرة القبول بنفسه على الاصح، لان الخطاب لم يكن معه، والوجهان فيما حكى، مخصوصان بقولنا: إن قبول العبد يفتقر إلى إذن السيد. ويجوز أن يعمما، لان الملك للسيد بكل حال، فلا يبعد تصحيح القبول منه وإن لم يسم في الوصية، ألا ترى أن وارث الموصى له يقبل وإن لم يسم في الوصية. وأما قبول السيد ما وهب لعبده، فقال قائلون: هو على هذين الوجهين. وقال الامام: هو باطل قطعا، لان القبول في الهبة كالقبول في سائر العقود، بخلاف قبول الوصية. وإذا صححنا قبول العبد بغير إذن سيده، فلو منعه من القبول فقبل، قال الامام: الظاهر عندي الصحة، وحصول الملك للسيد، كما لو نهاه عن الخلع فخالع. وإذا قلنا: لا يصح بلا إذن، فلو رد السيد، فهو أبلغ من عدم الاذن. فلو بدا له أن يأذن في القبول، ففيه احتمال عند الامام، قال: وإذا صححنا القبول من السيد، فيجب أن يبطل رد العبد لو رده. الحالة الثانية: أن لا يستمر، بل يعتق. فينظر، إن عتق قبل موت الموصي، فالاستحقاق للعبد، لانه وقت الملك حر، وإن عتق بعد موته. فان قبل ثم عتق، فالاستحقاق للسيد، وإن عتق ثم قبل، فان قلنا: الوصية تملك بالموت، أو موقوفة، فالملك للسيد. وإن قلنا: تملك بالقبول، فللعبد. ولو أوصى لعبد هو لزيد، فباعه لعمرو، فينظر في وقت البيع، ويجاب بمثل هذا التفصيل. فرع أوصي لمن نصفه حر، ونصفه لاجنبي، فان لم تكن بينه وبين سيده

(5/97)


مهايأة، وقبل بإذن السيد، فالموصى به بينهما بالسوية، كما لو احتش أو احتطب. وإن قبل بغير إذنه، وقلنا: يفتقر قبول العبد إلى إذن سيده، فالقبول باطل في نصف السيد. وفي نصفه وجهان، لان ما يملكه ينقسم على نصفيه فيعزم دخول نصفه في ملك السيد بغير إذنه. وإن كان بينهما مهايأة، بني على أن الاكساب النادرة هل تدخل في المهايأة ؟ وفيه خلاف سبق في زكاة الفطر، وفي كتاب اللقطة. فإن قلنا: لا تدخل، فهو كما لو لم تكن مهايأة. وإن قلنا: تدخل، فلا حاجة إلى إذن السيد في القبول، لان المهايأة إذن له في جميع الاكساب الداخلة فيها. وهل الاعتبار بيوم موت الموصي، أم بيوم القبول، أم بيوم الوصية ؟ فيه أوجه. أصحها: الاول. ولو وهب لمن نصفه حر، فعلى القولين في دخول الكسب النادر في المهايأة. فإن أدخلنا ووقع العقد في يوم أحدهما، والقبض في يوم الآخر، بني على أ / ن الهبة المقبوضة يستند الملك فيه إلى العقد، أم يثبت عقب القبض ؟ فإن قلنا بالاول، فالاعتبار بيوم العقد، وإلا، فيوم القبض على الاصح، وعلى الثاني بيوم العقد. فرع قال: أوصيت لنصفه الحر، أو لنصفه الرقيق خاصة. فعن القفال: بطلان الوصية. قال: ولا يجوز أن يوصي لبعض شخص، كما لا يرث بعضه، وقال غيره: يصح وينزل بتقييد الموصي منزلة المهايأة، فيكون الموصى به للسيد إن وصى لنصفه الرقيق، وله إن أوصى لنفسه الحر. قلت: الاصح: الثاني. والله أعلم.

(5/98)


فرع تردد الامام، فيما إذا صرحا بادرا الاكسجب النادرة في المهايأة، أنها تدخل قطعا، أم تكون على الخلاف ؟ وفيما لو عمت الهبات والوصايا في قطر، أنها هل تدخل قطعا، أم تكون على الخلاف ؟ قلت: الراجح طرد الخلاف مطلقا، لكثرة التفاوت. والله أعلم. القسم الثاني: أن يكون العبد الموصى له للموصي، فينظر، إن أوصى لعبده القن برقبته، فسيأتي بيانه إن شاء الله تعالى في القسم الثاني من الباب الثاني. وإن أوصى له بجزء من رقبته، نفذت الوصية فيه، وعتق ذلك الجزء. وكذلك لو قال: أوصيت له بثلث مالي ولا مال له سواه. ولو قال: أوصيت له بثلث ما أملك من رقبته وغيرها من أموالي، نفذت الوصية في ثلثه، وبقي باقيه رقيقا للورثة، فيكون الثلث من سائر أمواله وصية لمن بعضه حر وبعضه رقيق لوارثه. وسنذكره إن شاء الله تعالى. ولو قال: أوصيت له بثلث ما أملك، أو بثلث أموالي، ولم ينص على رقبته، فأوجه. أصحها وبه قال ابن الحداد: أن رقبته تدخل في الوصية، لانها من أمواله. والثاني: لا، لاشعاره بغيره. فعلى هذا، لا يعتق منه شئ، والوصية له وصية للعبد بغير رقبته، وعلى الاول، هو كما لو قال: أوصيت له بثلث رقبته، وثلث باقي أموالي. والثالثة: تجمع الوصية في رقبته، فإن خرج كله من الثلث، عتق، وإن كان الثلث أكثر من قيمته، صرف الفضل إليه، وإن لم يخرج كله من الثلث، عتق منه بقدر ما يخرج. ولو أوصى له بعين مال، أو قال: أعطوه من مالكذا، فان مات وهو ملكه، فالوصية للورثة. وإن باعه الموصي، فهو للمشتري. وإن أعتقه، فهي للعتيق. ولو أوصى له بثلث جميع أمواله، وشرط

(5/99)


تقديم رقبته، عتق جميعه، ودفع إليه ما يتم به الثلث. فرع تجوز الوصية لام ولده، لانها تعتق بموته من رأس المال، وللمكاتب، لانه مستقل بالملك. ثم إن عجز ورق، صارت الوصية للورثة. وكذا المدبر. ثم عتقه والوصية له معتبران من الثلث. فإن وفى بهما، عتق، ونفذت الوصية. وإن لم يف الثلث بالمدبر، عتق منه بقدر الثلث، وصارت الوصية لمن بعضه حر وبعضه رقيق للوارث، وإن وفى بأحد الامرين من المدبر والوصية، بأن كان المدبر يساوي مائة، والوصية بمائة، وله غير هما مائة، فوجهان. أحدهما وبه قطع الشيخ أبو علي: تقدم رقبته، فيعتق كله، ولا شئ له بالوصية. وأصحهما عند البغوي: يعتق نصفه، والوصية وصية لمن بعض حر وبعضه رقيق للوارث. قلت: الاول: أصح. والله أعلم. القسم الثالث: أن يكون العبد لوارث الموصي، بأن باعه قبل موت الموصي، فالوصية للمشتري، وإن أعتقه، فهي للعتيق، فإن استمر في ملكه، فهي وصية لوارث، وسيأتي حكمها إن شاء الله تعالى. وكذا لو أوصى لعبد أجنبي، ثم اشتراه وارثه، ثم مات الموصي. ولو أوصى لمن نصفه حر، ونصفه لوارثه، فإن لم تكن بينه وبين السيد مهايأة، أو كانت، وقلنا: لا تدخل الوصية فيها، فهو كالوصية لوارث. قال الامام: وكان يحتمل أن يبعض الوصية، كما لو أوصى بأكثر من الثلث. وإن جرت مهايأة، وقلنا: يدخل فيها، فقد سبق أن الاعتبار بيوم موت الموصي على

(5/100)


الاصح. فإن مات في يوم العبد، فالوصية صحيحة له، وإلا، فوصية لوارث. وسواء كانت مهايأة يوم الوصية، أم أحدثاها قبل موت الموصي، قاله الشيخ أبو علي. فرع أوصى لمكاتب وارثه. فإن عتق قبل موت الموصي، نفذت الوصية له، وكذا لو أعتق بعده بأداء النجوم. فاعجز، ورق، صارت وصية لوارث. المسألة الثالثة: أوصى لدابة غيره، وقصد تمليكها، أو أطلق. قال الاصحاب: الوصية باطلة، لان مطلق اللفظ للتمليك، والدابة لا تملك. وفرقوا بينه وبين الوصية المطلقة للعبد، بأن العبد تنتظم مخاطبته، ويتأتى منه القبول، وربما عتق قبل موت الموصي، فثبت له الملك. وقد سبق في الوقف المطلق عليها وجهان في كونه وقفا على مالكها، فيشبه أن تكون الوصية على ذلك الخلاف. وقد يفرق بأن الوصية تمليك محض، فينبغي أن تضاف إلى من تملك. قلت: الفرق أصح. والله أعلم. ولو فسر بالصرف في علفها، صحت، لان علفها على مالكها، فالقصد بهذه الوصية المالك. هذا هو ظاهر المنقول، وبه قطع الغزالي، والبغوي، وغيرهما. ويحتمل طرد خلاف سبق في مثله، في الوقف. فعلى الصحة في اشتراط قبول المالك وجهان. اختيار أبي زيد: لا يشترط ويجعل وصية للدابة. والاصح: الاشتراط، وبه قطع صاحب التلخيص كسائر الوصايا. وهي وصية لمالكها، كما لو أوصى لعمارة داره، فعلى هذا، يتعين صرفه إلى جهة الدابة على الاصح. وبه قطع صاحب التلخيص رعاية لغرض الموصي. فعلى هذا، يتولى الانفاق الوصي. فإن لم يكن، فالقاضي، أو من يأمره من المالك أو غيره. قال القفال: لا يتعين، بل له إمساكه، وينفق عليها من غيره. فرع لو انتقلت الدابة من مالكها إلى غيره، فقياس كون الوصية للدابة، الاستمرار لها. وقياس كونها للمالك، اختصاصها بالمنتقل عنه.

(5/101)


قلت: بل القياس اختصاصها بالمنتقل إليه، كما سبق في الوصية للعبد. والله أعلم. فرع أوصى لمسجد، وفسر بالصر ف في عمارته ومصلحته، صحت الوصية. وإن أطلق، فهل تبطل كالوصية للدابة، أم تصتنزيلا على الصرف في عمارته ومصلحته عملا بالعرف ؟ وجهان. أصحهما: الثاني، ويصرفه القيم في الاهم والاصلح باجتهاده. وإن قال: أردت تمليك المسجد، فقد ذكر بعضهم أن الوصية باطلة. ولك أن تقول: سبق أن للمسجد ملكا، وعليه وقفا، وذلك يقتضي صحة الوصية. قلت: هذا الذي أشار الامام الرافعي إلى اختياره هو الافقه والارجح. والله أعلم. المسألة الرابعة: الوصية للذمي صحيحة بلا خلاف. وكذا للحربي والمرتد على الاصح المنصوص في عيون المسائل. (المسألة) الخامسة: في صحة الوصية للقاتل قولان. أظهرهما عند العراقيين والامام والروياني: الصحة، كالهبة. وسواء كان القتل عمدا أو خطأ، بحق أم بغيره. وقيل: القولان في القتل ظلما، وتصح للقاتل بحق قطعا، كالقصاص. وقال القفال: إن ورثنا القاتل بحق، صحت، وإلا، فعلى هذا الخلاف. وقيل: القولان فيمن أوصى لجارحه ثم مات. أما من أوصى لرجل، فقتله، فباطلة قطعا، لانه مستعجل، فحرم، كالوارث. وقيل: تصح في الجارح قطعا. والقولان في الآخر. والمذهب الصحة مطلقا.

(5/102)


فرع المستولدة إذا قتلت سيدها، عتقت قطعا وإن استعجلت، لان الاحبال كالاعتاق، ولو أعتق المريض عبدا، فقتل سيده، لم يؤثر في حريته. ولو قتل المدبر سيده، فان قلنا: التدبير وصية، فهو كما لو أوصى لرجب فقتله. وإن قلنا: تعليق عتق، بصفة، عتق قطعا، كالمستولدة. وقال البغوي: إن صححنا الوصية للقاتل، عتق المدبر بقتل سيده، وإلا، فلا. ويبطل التدبير، سواء قلنا: التدبير وصية، أم تعليق، لانه وإن كان تعليقا، ففي معنى الوصية، لانه من الثلث. فرع أوصى لعبد جارحه، أو لمدبره، أو لمستولدته، فان عتق قبل موت الموصي، صحت الوصية للعتيق، وإن انتقل منه إلى غيره، صحت لذلك الغير، وإلا، فهي وصية لجارح. فرع أوصى لعبزيد بشئ، فجاء العبد فقتل الموصي، لم تتأثر به الوصية. فإن جاء زيد وقتله، فهو وصية للقاتل. ولو أوصى لمكاتب، فقتل المكاتب الموصي، فان عتق، فهي وصية للقاتل. وإن عجز، فالوصية صحيحة للسيد. وإن قتله سيد المكاتب، فالحكم بالعكس. وتجوز الوصية للعبد القاتل، لانها تقع لسيده. فرع مستحق الدين المؤجل إذا قتل من عليه دين، حل دينه، لان الحظ له الآن في تعجيل براءته. (المسألة) السادسة: في الوصية للوارث. يقدم عليها أنه ينبغي أن لا يوصي بأكثر من ثلث ماله. فلو خالف وله وارث خاص، فرد، بطلت الوصية في الزيادة على الثلث، وإن أجاز، دفع المال بالزيادة إلى الموصى له. وهل إجازته تنفيذ لتصرف

(5/103)


الموصي، أم ابتداء عطية من الوارث ؟ قولان. أظهرهما: تنفيذ. وإن لم يكن وارث خاص، فالزيادة على الثلث باطلة على الصحيح المعروف، وبه قطع الجمهور، لان الحق للمسلمين، فلا مجيز. وحكى أبو عاصم العبادي وجها في صحتها. وقال المتولي: للامام ردها. وهل له إجازتها ؟ يبنى على أن الامام، هل يعطى حكم الوارث الخاص. وفي الوصية للوارث طريقان. أصحهما: أنه كما لو أوصى لاجنبي بزيادة على الثلث، فتبطل برد سائر الورثة. فان أجازوا، فعلى القولين. أحدهما: إجازتهم ابتداء عطية، والوصية باطلة. وأظهرهما: أنها تنفيذ. والطريق الثاني: القطع ببطلانها وإن أجازت الورثة. والفرق أن المنع من الزيادة هناك لحق الورثة، فإذا رضوا أجاز. والمنع هنا لتغيير الفروض التي قدرها الله تعالى سبحانه للورثة، فلا أثر لرضاهم. فإن قلنا: تنفيذ، كفى لفظ الاجازة، ولا يحتاج إلى هبة وتجديد قبول وقبض، وليس للمجيز الرجوع وإن كان قبل القبض. وإن قلنا: ابتداء عطية، فلا يكفي قبول الوصية

(5/104)


أولا، بل لا بد من قبول آخر في المجلس، ولابد من القبض، وللمجيز الرجوع قبل القبض، وهل يشترط لفظ التمليك أو لفظ الاعتاق إن كان الموصى به إعتاقا ؟ وجهان. أصحهما: نعم، ولا يكفي لفظ الاجارة، كما لو تصرف تصرفا فاسدا من بيع أو هبة ثم أجازه. فرع خلف زوجة هي بنت عمه، وأباها، وكان أوصى لها، فأجاز أبوها الوصية، فلا رجوع له إن جعلنا الاجازة تنفيذا، وإن جعلناها ابتداء عطية، فله الرجوع. فرع أعتق عبدا في مرضه، أو أوصى بعتقه، ولا مال له سواه، أو زادت قيمته على الثلث، فان قلنا: الاجازة ابتداء عطية من الورثة، فولاء ما زاد على الثلث للمجيزين ذكورهم وإناثهم بحسب استحقاقهم. وإن قلنا: تنفيذ، فولاء جميعه للميت يرثه ذكور العصبة. وحكي عن ابن اللبان وجه: أن الولاء للميت على القولين، وهو شاذ ضعيف. ولو أعتق المريض عبدا، فمات قبل سيده، فهل يموت كله حرا، أم لا ؟ فيه خلاف مذكور في باب العتق. فروع تتعلق بالمسألة إحداها: الهبة في مرض الموت للوارث، والوقف عليه وإبراؤه من دين كالوصية له، ففيها الخلاف. الثاني: لا اعتبار برد الورثة وإجازتهم في حياة الموصي. فلو أجازوا في حياته، أو أذنوا له في الوصية، ثم أرادوا الرد بعد موته، فلهم ذلك. فإن أجازوا بعد الموت وقبل القسمة، فالصحيح لزومها. وقيل: كالاجازة قبل الموت، حكاه أبو منصور. الثالث: ينبغي أن يعرف الوارث قدر الزائد على الثلث، وقدر التركة، فان جهل أحدهما، لم يصح إن قلنا: الاجازة ابتداء عطية. وإن قلنا: تنفيذ، فكالابراء عن مجهول، وهو باطل على الاظهر. الرابع: أجاز ثم قال: كنت أعتقد التركة قليلة، فبانت أكثر مما ظننت، قال الشافعي رضي الله عنه في الام: يحلف وتنفذ الوصية في القدر الذي كان يتحققه. قال الاصحاب: إنما يحتاج إلى اليمين إذا حصل المال في يد الموصى

(5/105)


له. فإن لم يحصل، فلا حاجة إلى اليمين إن جعلناها ابتداء عطية، فإن الهبة قبل القبض لا تلزم. وقال المتولي: التنفيذ في القدر المظنون مبني على أن الاجازة تنفيذ، فتنزل منزلة الابراء. أما إذا قلنا: ابتداء عطية، فإذا حلف، بطل في الجميع. واللفظ المحكي عن النص ينازعه فيما ادعاه. ولو أقام الموصى له بينة أنه كان عالما قدر التركة عند الاجازة، لزمت إن جعلناها تنفيذا، وإن قلنا: عطية، فلا، إذا لم يوجد القبض. ولو كانت الوصية بعبد معين، فأجاز، ثم قال: ظننت التركة كثيرة وأن العبد خارج من ثلثها وقد بان خلافه، أو ظهر دين لم أعلمه، أو بان لي أنه تلف بعضها، فإن قلنا: الاجازة عطية، صحت، لان العبد معلوم، والجهالة في غيره. وإن قلنا: تنفيذ، فقولان. أحدهما: الصحة، للعلم بالعبد. والثاني: يحلف ولا يلزم إلا الثلث، كما في الوصية بالمشاع، وبهذا قطع المتولي. الخامس: الاعتبار في كونه وارثا بيوم الموت، حتى لو أوصى لاخيه ولا ابن له، فولد له ابن قبل موته، صحت. ولو أوصى لاخيه وله ابن، فمات الابن قبل الموصي، فهي وصية لوارث، وهذا متفق عليه. وذكرنا في الاقرار للوارث خلافا في أن الاعتبار بيوم الاقرار، أم الموت ؟ والفرق أن استقرار الوصئ بالموت، ولا ثبات لها قبله. السادس: إذا أوصى لكل واحد من ورثته بقدر حصته من تركته، فوصيته

(5/106)


باطلة، لانه يستحقه بلا وصية. ويجئ فيه أوجه: أنه يصح، لان صاحب التتمة حكى وجهين فيما إذا لم يكن له إلا وارث واحد فأوصى له بماله، الصحيح منهما: أن الوصية باطلة، ويأخذ التركة بالارث. والثاني: تصح، فيأخذها بالوصية إذا لم ينقضها، قال: وفائدة الخلاف تظهر فيما إذا ظهر دين. إن قلنا: إنه أخذ التركة إرثا، فله إمساكها وقضاء الدين من غيرها. وإن قلنا بالوصية، قضاه منها ولصاحب الدين الامتناع لو قضى من غيرها. قلت: ومن فوائده لو حدثت من عين التركة زوائده. إن قلنا: وصية، لم يملكها. وإن قلنا: إرث ملكها على الصحيح. والله أعلم. ولو أوصى لكل وارث بعين هي قدر حصته، من ثوب، وعبد، وغيرهما، فهل تحتاج هذه الوصية إلى الاجازة، أم لا بل يختص كل واحد بما عينه له ؟ وجهان. أصحهما: تحتاج، لاختلاف الاغراض في الاعيان ومنافعها. ولهذا أوصى أن تباع عين ماله لزيد، صحت الوصية على الصحيح. وفيه وجه حكاه المتولي والشاشي. السابع: لو باع المريض ماله لوارثه بثمن المثل، نفذ قطعا. الثامن: أوصى بثلث ماله لاجنبي ووارث. إن صححنا الوصية للوارث، وأجازت الورثة، فالثلث بينهما. وإن أبطلناها، أو ردها سائر الورثة، بقي السدس للاجنبي على الصحيح. وقيل: تبطل فيه أيضا أخذا من تفريق الصفقة. وإن أوصى لهذا بالثلث، ولهذا بالثلث، فإن صححنا الوصية للوارث، وأجاز سائر الورثة، فلكل واحد منهما الثلث. وإن أبطلناها، أو ردوا، فلا شئ للوارث. ثم ينظر في كيفية الرد، إن ردوا وصية الوارث، سلم الثلث للاجنبي على الصحيح. وقيل: لا يسلم له إلا السدس. وإن قالوا: رددنا ما زاد على الثلث من الوصيتين، فالاصح:

(5/107)


أن للاجنبي الثلث. وقيل: السدس. التاسع: أوصى لاحد ورثته بقدر نصيبه من التركة، أو بما دونه، وأجاز الباقون، سلم له الموصى به، والباقي مشترك بينهم. قال الامام: وذلك القدر، خرج عن كونه موروثا باتفاق الورثة، ولو أوصى لبعض الورثة بأكثر من قدر نصيبه، فوجهان. أصحهما: أن الحكم كذلك. والثاني: أن الباقي لمن لم يوص له، لاحتمال أن غرضه من الوصية تخصيصه بتلك الزيادة. ويتخرج على هذا الخلاف ما إذا أوصى لاجنبي بنصف ماله، ولاحد ابنية الحائزين بالنصف، وأجازا الوصيتين، فللاجنبي النصف. وفيما يستحقه الابن الموصى له وجهان. أصحهما: النصف. والثاني: الربع والسدس، ويبقى نصف سدس الذي لم يوص له. ولو أجاز الابن الذي لم يوص له الوصيتين، ولم يجز الموصى له وصية الاجنبي، فالمسألة تصح من اثني عشر، للاجنبي الثلث أربعة بلا إجازة، ويأخذ سهما آخر من نصيب الذى أجاز، فيجتمع له خمسة، وللابن الموصى له سبعة، منها ستة بالوصية، وسهم لانه لم يجز وصية الاجنبي، كذا حكاه الاستاذ أبو منصور عن ابن سريج، وهو قياس الوجه الاول، وقياس الثاني: أن يأخذ الابن الموصى له ستة أسهم، ويبقى للابن الآخر سهم. ولو لم يجز الابن الذي لم يوص له وصية الاجنبي، فللاجنبي خمسة. ثم على قياس الوجه الاول، للابن الموصى له ستة أسهم، وللآخر سهم، وعلى قياس الثاني له خمسة، وللآخر سهمان. العاشر: أوصى لزيد بثلث ماله، ولاحد ابنيه الحائزين بالكل، وأجازا الوصيتين، فلزيد الثلث، والثلثان للابن الموصى له. وليس له زحمة زيد في الثلث، لان الوصية للاجنبي مستغنية عن الاجازة، وفيه احتمال للمتأخرين. وإن ردا، فثلث زيد بحاله، ولا شئ للابن بالوصية. ولو أوصى لزيد بالثلث، ولكل واحد من ابنيه بالثلث فردا، لم يؤثر ردهما في حق زيد على الصحيح. وقيل: ليس له إلا ثلث الثلث بالشيوع. الحادي عشر: وقف دارا في مرض موته على ابنه الحائز. فإن أبطلنا الوصية للوارث، فهو باطل. وإن صححناها بالاجازة، فقال ابن الحداد: إن احتملها ثلث ماله، لم يكن للوارث إبطال الوقف في شئ منها، لان تصرف المريض في ثلث ماله

(5/108)


نافذ، فإذا تمكن من قطع حق الوارث عن الثلث بالكلية، فتمكنه من وقفه عليه أولى، وإن زادت على الثلث، لم يبطل الوقف في قدر الثلث. وأما الزيادة، فليس للمريض تفويتها على الوارث، فللوارث ردها وإبطالها. فإن أجاز، فاجازته وقف منه على نفسه إن جعلنا إجازة الوارث عطية منه، وإن جعلناها تنفيذا، لزم الوقف. وقال القفال: له رد الكل في الوقف لان الوصية بالثلث في حق الوارث كهي بالزيادة في حق غير الوارث. والصحيح المعروف قول ابن الحداد، وعليه تتفرع الصور الآتية إن شاء الله تعالى. ثم ذكر الامام أن صورة المسألة فيما إذا نجز الوقف في مرضه، وكان الابن طفلا فقبله له ثم مات فأراد الابن الرد أو الاجازة، لكن لا حاجة إلى هذا التصوير، لانه وإن كان بالغا فقبله بنفسه، لم يمتنع عليه الرد بعد الموت، إذ الاجازة المعتبرة، هي الواقعة بعد الموت. ولو كان له ابن، وبنت، فوقف ثلث الدار على الابن، والثلث على البنت، فلا رد لهما إن خرجت الدار من الثلث. وإن زادت على الثلث، فلهما رد الوقف في الزيادة. وإن وقفها عليهما نصفين، والثلث يحتملها، فإن رضي الابن، فهي كما وقف، وإلا، فظاهر كلام ابن الحداد: أن له رد الوقف في ربع الدار، لانه لما وقف عليه النصف، كان من

(5/109)


حقه أن يقف على البنت الربع، فإذا زاد، كان للابن رده، ثم لا يصير شئ منه وقفا عليه، لان الاب لم يقف عليه إلا النصف، بل يكون الربع المردود بينهما أثلاثا ملكا، وتكون القسمة من اثني عشر، لحاجتنا إلى عدد لربعه ثلث، فتسعة منها وقف عليهما، وثلاثة ملك، وكلاهما بالاثلاث. وقال الشيخ أبو علي: عندي أنه ليس للابن إبطال الوقف إلا في سدس الدار، لانه إنما تعتبر إجازته في حقه، وحقه منحصر في ثلث الدار، وقد وقف عليه النصف، فليس له إلا تمام الثلثين، لكن تتخير البنت في نصف السدس، إن شاءت أجازت، فيكون وقفا. وإن شاءت ردت، فيكون ملكا. قلت: قول أبي علي هو الاصح، أو الصحيح، أو الصواب. والله أعلم. ولو وقف الدار على ابنه وزوجته نصفين ولا وارث سواهما، قال ابن الحداد: قد نقص المريض من حق الابن ثلاثة أثمان الدار، وهي ثلاثة أسباع حقه، فله رد الوقف في حقها وهو الثمن إلى أربعة أسباعه، ليكون الوقف عليها من نصيبها كالوقف عليه من نصيبه، ويكون الباقي بينهما أثمانا ملكا، فتكون القسمة من ستة وخمسين، لحاجتنا إلى عدد لثمنه سبع، فتكون أربعة أسباع الدار كلها - وهي اثنان وثلاثون - وقفا، ثمانية وعشرون منها وقف على الابن، وأربعة على الزوجة، والباقي - وهو أربعة وعشرون - ملكا، منها أحد وعشرون للابن، وثلاثة لها. قال الشيخ أبو علي: ليس له رد الوقف إلا في تتمة حقه وهو ثلاثة أثمان الدار، وأما الثمن، فالخيار فيه للزوجة. ولو وقف ثلث الدار على أبيه، وثلثها على أمه، ولا وارث سواهما، فالجواب على قياس ابن الحداد: أنه نقص من نصيب الاب ثلث الدار، لانه يستحق ثلثيها، ولم يقف عليه إلا الثلث، وذلك ك نصف نصيبه، فله رد الوقف في نصف نصيبها وهو سدس الدار، والباقي بينهما أثلاثا ملكا. وتقع القسمة من ستة، لحاجتنا إلى عدد لثلثه نصف، فيكون نصف الدار وقفا، ونصفها ملكا أثلاثا. وعلى قياس الشيخ: لا يرد الوقف إلا في تتمة حقه، وهو الثلث، ولها الخيار في السدس. ولفظ ابن الحداد في المولدات يمكن تنزيله على ما قاله الشيخ، فيرتفع الخلاف، لكنه يحوج إلى ضرب تعسف.

(5/110)


فصل والوصية للميت باطلة، سواء علم الموصي بموته، أم لا.
الركن الثالث : الموصى به، ويشترط فيه أربعة أمور. أحدها: كونه مقصودا، فيخرج عنه ما لا يقصد. ويلتحق به ما يحرم اقتناؤه والانتفاع به، فلا تصح الوصية به. فالمنفعة المحرمة كالمعدومة. والثاني: أن يقبل النقل من شخص إلى شخص. فما لا يقبله، لا تصح الوصية به، كالقصاص، وحد القذف، فانهما وإن انتقلا بالارث، لا يتمكن مستحقهما من نقلهما. وكذلك لا تجوز الوصية بالحقوق التابعة للاموال، كالخيار وحق الشفعة إذا لم تبطل بالتأخير لتأجيل الثمن. قلت: فلو أوصى بالشقص الذي يستحق الشفعة بسببه، كان الشقص للموصى له، والشفعة للورثة، قاله القاضي حسين في الفتاوى. والله أعلم. الثالث: أن لا يزيد على الثلث، على ما سيأتي إن شاء الله تعالى. الرابع: أن يكون مختصا بالموصي إذا قلنا: لا تجوز الوصية بمال الغير، كما سنذكره إن شاء الله تعالى.
فصل : الوصية بالحمل الموجود، إن أطلقها فقال: أوصيت بحمل فلانة،

(5/111)


أو قيدها، فقال: بحملها الموجود الآن، فهي صحيحة بشرط انفصاله حيا، ولوقت يعلم وجوده عند الوصية، كما سبق في الوصية للحمل. فلو انفصل ميتا مضمونا بجناية، لم تبطل، وتنفذ من الضمان، لانه انفصل مقوما، بخلاف ما إذا أوصى بحمل وانفصل ميتا بجناية، فإنها تبطل كما سبق، لان المعتبر هناك المالكية. وهل يصح قبول الموصي له قبل الوضع ؟ فيه خلاف مبني على أن الحمل هل يعرف، وإن كانت الوصية بحمل سيكون، صحت أيضا على الاصح. فرع الوصية بثمار البستان الحاصلة في الحال صحيحة، وبالتي ستحدث طريقان. أصحهما: على الوجهين في الحمل الذي سيحدث. والثاني: القطع بالصحة، كالوصية بالمنافع، لانها تحدث من غير إحداث أمر في أصلها، بخلاف الولد. فرع الوصية بصوف الشاة ولبنها، كالثمار.
فصل الوصية بمنافع الدار والعبد صحيحة، مؤبدة ومؤقتة، والاطلاق يقتضي التأبيد.
فصل الوصية بما لا يقدر على تسليمه، كالآبق، والمغصوب، والطير المفلت، صحيحة، وكذا بالمجهول، كقوله: أعطوه ثوبا أو عبدا. فرع لو أوصى بأحد العبدين، صحت. ولو أوصى لاحد الرجلين، لم تصح على الاصح، كسائر التمليكات. وقد يحتمل في الموصى به ما لا يحتمل في الموصى له، ثم الابهام في الموصى له إنما يمنع إذا قال: أوصيت لاحد الرجلين. فلو قال: أعطوا العبد أحد الرجلين، ففي المهذب والتهذيب وغيرهما: أنه جائز تشبيها بما إذا قال لوكيله: بعه لاحد الرجلين، وإذا أبهم الموصى به، عينه

(5/112)


الوارث، وإذا أبهم الموصى له، فسنذكر حكمه إن شاء الله تعالى.
فصل تصح الوصية بما يحل الانتفاع به من النجاسات، كالكلب المعلم، والزيت النجس، والزبل، وجلد الميتة، والخمر المحترمة، والخنزير، لثبوت الاختصاص فيها وانتقالها من يد إلى يد بالارث أو غيره. قال المتولي: ومن هذا القبيل، شحم الميتة لدهن السفن ولحمها إذا جوزنا الانتفاع به. وفي الجرو الذي يتوقع الانتفاع به وجهان، بناء على جواز إمساكه وتربيته لذلك، أصحهما: الجواز. فأما ما لا يحل اقتناؤه والانتفاع به، كالخمر، والخنزير، والكلب العقور، فلا تصح الوصية به. ونقل الحناطي وجها: أنه تصح الوصية، كالكلب الذي لا يجوز اقتناؤه، وقولا: أنه لا تجوز الوصية بالمقتنى، وهما شاذان ضعيفان. فصل تصح الوصية بنجوم الكتابة. فإن عجز، فلا شئ للموصى له، وتصح برقبة المكاتب إن جوزنا بيعه، وإلا، فقال المتولي: هو كما لو أوصى بمال الغير، وسنذكره إن شاء الله تعالى. فصل أن أوصى بمال الغير فقال: أوصيت بهذا العبد، وهو ملك غيره،

(5/113)


أو بهذا العبد إن ملكته، فوجهان. أحدهما: تصح، لانها تصح بالمعدوم، فذا أولى. والثاني: لا، لان مالكه يملك الوصية به، والشئ الواحد لا يكون محلا لتصرف شخصين، وبهذا قطع الغزالي. قلت: الاول أفقه وأجرى على قواعد الباب. والله أعلم.
فصل الوصية بالاصنام والسلاح للذمي والحربي، وبالعبد المسلم والمصح للكافر، كبيعها له. فرع إذا قال: أعطوه كلبا من كلابي، وله كلاب يحل الانتفاع بها، ككلب صيد، أو زرع، أو ماشية، أعطي واحدا منها. ولو قال: كلبا من مالي، فكذلك وإن لم يكن الكلب مالا، لان المنتفع به من الكلاب يقتنى وتعتوره الايدي، كالاموال، فقد يستعار له إسم المال. ولو قال: أعطوه كلبا من كلابي، أو من مالي، وليس له كلب ينتفع به، بطلت الوصية، بخلاف ما إذا قال: أعطوه عبدا، فإنه يشترى، لان الكلب يتعذر شراؤه.

(5/114)


قلت: هذا هو الصحيح المعروف. وفي وجه حكاه الجرجاني في المعاياة وغيره: أنه تصح الوصية ويعطى قيمة مثل الكلب من الجوارح الظاهرة، وهذا ليس بشئ. والله أعلم. ولو كان له كلب، ولا مال له، فأوصى بكلبه، لم تنفذ الوصية إلا في ثلثه، كالمال، فإن أوصى ببعضه، أو كان له كلاب فأوصى ببعضها، ففي وجه: لا يعتبر خروج الموصى به من الثلث، لانها غير متقومة، ويكفي أن يبقى للورثة شئ وإن قل. والصحيح إعتباره كالاموال. فعلى هذا، إن لم يكن إلا كلب واحد، لم يخف إعتبار الثلث. وإن كان كلاب، ففي كيفيته أوجه. أصحها ومنهم من قطع به: أنه ينظر إلى عدد الرؤوس، وتنفذ الوصية من ثلاثة في واحد. والثاني: ينظر إلى قيمتها بتقدير المالية فيها، كما يقدر الرق في الحر عند الحاجة، وتنفذ الوصية في الثلث بالقيمة. والثالث: تقوم منافعها، ويؤخذ الثلث من قيمة المنافع. ولو لم يملك إلا كلبا، وطبل لهو، وزق خمر محترمة، فأوصى بواحد منها، وأردنا إعتبار الثلث، لم يجز الوجه الاول ولا الثالث، لانه لا تناسب بين الرؤوس ولا المنفعة، فيتعين إعتبار القيمة. أما إذا كان له مال وكلاب، فأوصى بكلها، أو ببعضها، فثلاثة أوجه. أصحها: نفوذ الوصية فيها وإن كثرت وقل المال، لان المعتبر أن يبقى للورثة ضعف الموصى به، والمال وإن قل خير من

(5/115)


ضعف الكلب، إذ لا قيمة له، وبهذا قال أبو علي وابن أبي هريرة والطبري والشيخ. والثاني قاله الاصطخري: أن الكلاب ليست من جنس المال، فيقدر كأنه لا مال له، وتنفذ الوصية في ثلاث كلاب على ما سبق. والثالث: تقوم الكلاب أو منافعها على اختلاف الوجهين السابقين، وتضم إلى ما يملكه من المال، وتنفذ الوصية في ثلث الجميع. ولو أوصى بثلث ماله لرجل، وبالكلاب لآخر، فعلى قول الاصطخري: يعتبر ثلث الكلاب وحدها. وأما على الوجه الاول، فقال القاضي أبو الطيب: تنفذ الوصية بجميع الكلاب، لان ثلثي المال الذي يبقى للورثة، خير من ضعف الكلاب، واستبعده ابن الصباغ، لان ما يأخذه الورثة من الثلثين هو حصتهم بسبب ما نقلت فيه الوصية، وهو الثلث، فلا يجوز أن يحسب عليهم مرة أخرى في وصية الكلاب، فعلى هذا يلتقي الوجهان. قلت: قول ابن الصباغ أصح. والله أعلم. وقياس الوجه الثالث: أن تضم قيمة الكلاب أو منافعها إلى المال، ويدخل المال في حساب الوصية بالكلاب وإن لم تدخل الكلاب في حساب الوصية بالمال.
فصل اسم الطبل يقع على طبل الحرب الذي يضرب به للتهويل، وعلى طبل الحجيج والقوافل الذي يضرب به للاعلام بالنزول والارتحال، وعلى طبل العطارين وهو سفط لهم، وعلى طبل اللهو، كالطبل الذي يضرب به المخنثون، وسطه ضيق وطرفاه واسعان. فإن أطلق الطبل، ففيه كلام نذكره في أول الباب الثاني إن شاء الله تعالى. وإن عين ما سوى طبل اللهو، صح. وإن عين طبل اللهو، نظر، إن صلح للحجيج، أو الحرب، أو منفعة أخرى مباحة، إما على الهيئة التي هو عليها، وإما بعد التغيير الذي يبقى معه إسم الطبل، فالوصية أيضا صحيحة، وإلا، فباطلة، ولا نظر إلى المنافع المتوقعة بعد زوال إسم الطبل، لانه إنما أوصى بالطبل، هكذا ذكر المسألة جماهير الاصحاب. وقال الامام، والغزالي: إن لم يصلح لغرض مباح مع بقاء إسم الطبل، وكان لا ينتفع إلا برضاضه، لم تصح الوصية، لانه لا يقصد منه الرضاض إلا إذا كان من شئ نفيس، كذهب، أو عود،

(5/116)


فتنزل الوصية عليه، وكأنه أوصى برضاضه إذا كسر، والوصية تقبل التعليق. واعلم أنه سبق في بيع الملاهي التي يعد رضاضها مالا ثلاثة أوجه. ثالثها: إن كانت متخذة من شئ نفيس، صح، وإلا، فلا. فإن اكتفينا بمالية الرضاض لصحة البيع، فكذا الوصية، وإلا، فلا. فإذا ما ذكره الجمهور مع ما ذكره الامام، وجهان في المسألة. وكما أطلق الجمهور بطلان البيع، فكذا الوصية، وكما اختار الامام صحة البيع إذا كان شيئا نفيسا، فكذا صحح الوصية فيه. فصل سبق أن الموصى به ينبغي أن لا يزيد على ثلث المال، والاحسن أن ينقص من الثلث شيئا. وقيل: إن كان ورثته أغنياء استوفى الثلث، وإلا، فيستحب النقص منه. وبأي يوم يعتبر المال ؟ وجهان. أحدهما: بيوم الوصية، كما لو نذر التصدق بماله. وأصحهما: بيوم الموت، إذ يملك بعد الموت. فعلى هذا، لو زاد ماله بعد الوصية، تعلقت الوصية به. وكذا لو هلك ثم كسب مالا، تعلقت به. ولو أوصى بعشرة ولا مال له، ثم كسبه، تعلقت به. وعلى الوجه الاول، كل ذلك بخلافه. ومنهم من قطع في اعتبار القدر بيوم الموت وخص الخلاف بمن لم يملك شيئا أصلا ثم ملكه. ثم الثلث الذي تنفذ فيه الوصية، هو ثلث الفاضل عن الديون. فلو كان عليه دين مستغرق، لم تنفذ الوصية في شئ، لكن يحكم بانعقادها في الاصل حتى ينفذها لو تبرع شخص بقضاء الدين أو أبرأه المستحق. فرع التبرعات المعلقة بالموت - وهي الوصايا - معتبرة من الثلث، سواء

(5/117)


أوصى بها في صحته، أو في مرضه، وكذا التبرعات المنجزة في المرض المخوف المتصل بالموت معتبرة من الثلث. ولو وهبه في صحته، وأقبض في مرضه، فمن الثلث، لان الهبة إنما تملك بالقبض. وهذه القاعدة يحتاج فيها إلى معرفة ثلاثة أشياء: أن المرض المخوف ماذا ؟ وأن التبرعات والتصرفات المحسوبة من الثلث ما هي ؟ وأنها كيف تحسب ؟ فنعقد في كل واحدة فصلا. الفصل الاول: في بيان المرض المخوف والاحوال التي هي في معناه، وبيان طريق معرفته عند الاشكال، وبيان ما يحكم به اللخوف وغير المخوف، فهذه ثلاثة أمور. (أما) الاول: فما بالانسان من مرض وعلة، إما أن ينتهي به إلى حال يقطع فيها بموته منه عاجلا، وذلك بأن يشخص بصره عند النزع وتبلغ الروح الحنجرة، أو يقطع حلقومه ومريه، أو يشق بطنه وتخرج حشوته. وقال الشيخ أبو حامد: أو يغرق في الماء ويغمره، وهو لا يعرف السباحة، فلا اعتبار بكلامه ووصيته وغيرها في شئ من هذه الاحوال، حتى لا يصح إسلام الكافر ولا توبة الفاسق والحالة هذه، لانه صار في حيز الاموات، وحركته حركة المذبوح. قلت: واحتج أصحابنا بأن هذه هي الحال التي قال فيها فرعون: آمنت فلم يصح منه. والله أعلم. وإما أن لا ينتهي إليها، فأما أن يخاف منه الموت عاجلا، وهو المخوف الذي يقتضي الحجر في التبرعات، وإما أن لا يكون كذلك، فحكمه حكم الصحة. هذا

(5/118)


ضابطه. ثم تكلم الشافعي والاصحاب رضي الله عنهم في أمراض خاصة مخوفة، وغير مخوفة. فمن المخوفة: القولنج، وهو أن تنعقد أخلاط الطعام في بعض الامعاء فلا تنزل، ويصعد بسببه البخار إلى الدماغ فيؤدي إلى الهلاك. ومنها: ذات الجنب، وهي قروح تحدث في داخل الجنب بوجع شديد، ثم ينفتح في الجنب، ويسكن الوجع، وذلك وقت الهلاك، وكذلك وجع الخاصرة. ومنها: الرعاف الدائم، لانه يسقط القوة، وابتداؤه ليس بمخوف. ومنها: الاسهال، إن كان متواترا، فمخوف، لانه ينشف رطوبات البدن. وإن كان يوما ويومين ولم يدم، فليس مخوفا، إلا إذا انضم إليه أحد أمور. أحدها: أن ينخرق البطن، فلا يمكنه الامساك ويخرج الطعام غير مستحيل. الثاني: أن يكون معه زحير، وهو أن يخرج بشدة ووجع، أو تقطيع، وهو أن يخرج كذلك ويكون منقطعا، وقد يتوهم إنفصال شئ كثير، فإذا رآه نظره كان قليلا. الثالث: أن يعجله ويمنعه النوم. الرابع: إذا كان معه دم، نقل المزني أنه ليس بمخوف. وفي الام أنه إن كان يوما أو يومين ولا يأتي معه دم، لا يكون مخوفا. وهذا يشعر بأنه مع الدم مخوف. فمن الاصحاب من قال: سها المزني، وهو مخوف، لانه يسقط القوة، قاله المسعودي. وتأول الاكثرون فحملوا نقل المزني على دم يحدث من المخرج من

(5/119)


البواسير ونحوه. ونص في الام على دم الكبد وسائر الاعضاء الشريفة، فهذا مخوف، وذاك غير مخوف. ومنها: السل، وهو داء يصيب الرئة، ويأخذ البدن منه في النقصان والاصفرار. وقد أطلق في المختصر أنه ليس بمخوف، فأخذ بهذا الاطلاق آخذون، حتى قال الحناطي: إنه ليس بمخوف لا في أوله ولا في آخره، ووجهوه بأن السل وإن لم يسلم منه صاحبه غالبا، فإنه لا يخشى منه الموت عاجلا، فيكون كالشيخوخة والهرم، وذكر صاحب المهذب والغزالي: أنه مخوف في إنتهائه دون إبتدائه، وعكسه البغوي، والاشبه بأصل المذهب ما قاله الحناطي وموافقوه. ومنها: الفالج، وسببه غلبة الرطوبة والبلغم، وإبتداؤه مخوف. فإذا استمر، فليس بمخوف، وسواء كان معه إرتعاش، أم لا، لانه لا يخاف منه الموت عاجلا. وفي وجه: إن لم يكن معه إرتعاش، فمخوف.

(5/120)


ومنها: الحمى الشديدة، وهي ضربان: مطبقة، وغيرها. فالمطبقة: هي اللازمة التي لا تبرح فإن كانت حمى يوم أو يومين، لم تكن مخوفة. وإن زادت، فمخوفة. وفي وجه: الحمى من أول حدوثها مخوفة. والصحيح: الاول. وعلى هذا، لو اتصل الموت بحمى يوم أو يومين، نظر في عطيته، إن كانت قبل أن يعرق، فهي من الثلث، وقد بانت مخوفة، وإن كانت بعد العرق، فمن رأس المال، لان أثرها زال بالعرق، والموت بسبب آخر، ذكره صاحبا التهذيب والتتمة. الضرب الثاني: غير المطبقة. وهو أنواع. الورد، وهي التي تأتي كل يوم، والغب، وهي التي تأتي يوما وتقلع يوما، والثلث. وهي التي تأتي يومين وتقلع يوما. وحمى الاخوين، وهي التي تأتي يومين وتقلع يومين. والربع، وهي التي تأتي يوما وتقلع يومين. فما سوى الربع والغب من هذه الانواع، مخوف. والربع على تجردها غير مخوفة، لان المحموم يأخذ قوته في يوم الاقلاع. وفي الغب وجهان. قلت: أصحهما: مخوفة، وبه قطع الرافعي في المحرر. والله أعلم. وأما الحمى اليسيرة، فغير مخوفة بحال. ومنها: الدق، وهو داء يصيب القلب، ولا تمتد معه الحياة غالبا، وهو مخوف. ومنها: قال الشافعي رضي الله عنه: من ساوره الدم حتى تغير عقله، أو المرار أو البلغم، كاق مخوفا. وقال أيضا: الطاعون مخوف حتى يذهب. وقوله: ساوره بالسين المهملة، أي: واثبه وهاج به. والمرار: الصفراء فهيجان الصفراء والبلغم، مخوف. وكذا هيجان الدم، بأن يثور وينصب إلى عضو، كيد،

(5/121)


ورجل، فتحمر وتنتفخ، وقد يذهب العضو إن لم يتدارك أمره في الحال وإن سلم الشخص، وقوله: حتى تغير عقله، ليس مذكورا شرطا، بل هو مخوف وإن لم يتغير العقل، نص عليه في الام. والطاعون فسره بعضهم بما ذكرناه من إنصباب الدم إلى عضو. وقال أكثرهم: إنه هيجان الدم في جميع البدن، وانتفاخه. قال المتولي: وهو قريب من الجذام، من أصابه تأكلت أعضاؤه وتساقط لحمه. ومنها: الجراحة، إن كانت على مقتل، أو نافذة إلى جوف، أو في موضع كثير اللحم، أو لها ضربان شديد، أو حصل معها تأكل، أو ورم، فهي مخوفة، وإلا، فلا. وقيل: الورم وحدة لا يجعلها مخوفة، بل يشترط معه التأكل. ومنها: القئ إن كان معه دم أو بلغم أو غيرهما من الاخلاط، فمخوف، وإلا، فلا إلا أن يدوم. ومنها: البرسام، وهو مخوف. فرع وأما الجرب، ووجع الضرس والعين والصداع، فغير مخوفة. فرع هذا الذي ذكرناه، في الامراض، وقد تعرض أحوال تشبه الامراض في اقتضاء الخوف، وفيها صور. إحداها: إذا التقى الفريقان والتحم القتال بينهما واختلطوا. الثانية: إذا كان في سفينة فاشتدت الريح وهاجت الامواج.

(5/122)


الثالثة: إذا وقع في أسر الكفار وعادتهم قتل الاسارى. الرابعة: قدم ليقتل قصاصا ولم يجرح بعد، فالحكاية عن نص الشافعي رحمه الله في الصور الثلاث: الاولى أن لها حكم المخوف. وعن نصه في الاملاء: في الرابعة: المنع. وللاصحاب فيها طريقان. أصحهما: على قولين. أظهرهما: إلحاقها بالمخوف. والطريق الثاني: العمل بظاهر النصين. والفرق أن مستحق القصاص لا تبعد منه الرحمة والعفو طمعا في الثواب أو المال. وعن صاحب التقريب: أنه إن كان هناك ما يغلب على الظن أنه يقتص من شدة حقد أو عداوة قديمة، فمخوف، وإلا، فلا. ثم موضع الخلاف في صورة التحام القتال، ما إذا كان الفريقان متكافئين، أو قريبين من التكافؤ، وإلا، فلا خوف في حق الغالبين قطعا، ولا خوف أيضا قطعا فيما إذا التحم الحرب ولم يختلط الفريقان وإن كانا يتراميان بالنشاب والحراب، ولا فيما إذا كان البحر ساكنا، ولا في الاسير في أيدي الكفار الذين لا يقتلون الاسارى، كالروم. قلت: وسواء في مسألة القتال كان الفريقان مسلمين أو كفارا، أو فريقا مسلمين وفريقا كفارا، كذا صرح به القاضي أبو الطيب، وغيره. والله أعلم. الصورة الخامسة: إذا قدم ليقتل رجما في الزنا، أو ليقتل في قطع الطريق، فهو كالتحام القتال. فعلى طريق: يقطع بأنه مخوف. وعلى طريق: قولان. وقيل: إن ثبت الزنا بالبينة، فمخوف، بخلا ف الاقرار، لاحتمال الرجوع.

(5/123)


السادسة: إذا وقع الطاعون في البلد، وفشا الوباء، فهل هو مخوف في حق من لم يصبه ؟ وجهان. أصحهما: مخوف. السابعة: الحامل قبل أن يحضرها الطلق، ليست فيحال خوف. وإن ضربها الطلق، فقولان. أظهرهما: مخوف. وإذا وضعت، فالخوف باق إلى إنفصال المشيمة، فإذا انفصلت، زال الخوف، إلا إذا حصل من الولادة جراحة، أو ضربان شديد، أو ورم. وإلقاء العلقة والمضغة، لا خوف فيه، قاله الشيخ أبو حامد، وابن الصباغ، وقال المتولي: هو كالولادة. قلت: الاصح أو الصحيح: أنه لا خوف فيهما، كذا نقله القاضي أبو الطيب في تعليقه عن الاصحاب. قالوا: لانه أسهل خروجا من الولد. والله أعلم. وموت الولد في الجوف يوجب الخوف. الامر الثاني: إذا أشكل مرض فلم يدر أمخوف هو، أم لا ؟ فالرجوع فيه إلى أهل الخبرة، والعلم بالطب. ويشترط في المرجوع إليه: الاسلام، والبلوغ، والعدالة، والحرية، والعدد، وقد ذكرنا وجها في جواز العدول من الوضوء إلى التيمم بقول المراهق والفاسق، ووجها: أنه لا يشترط العدد، وعن أبي سليمان الخطابي وجه لم نذكره هناك: أنه يجوز العدول بقول طبيب كافر، كما يجوز شرب الدواء من يده ولا يدرى أنه دواء أم داء، ولا يبعد أن تطرد هذه الاوجه هنا. وقد قال الامام هنا: الذي أراه أن لا يلحق بالشهادات من كل وجه، بل يلحق بالتقويم وتعديل الانصباء في القسمة حتى يختلف الرأي في اشتراط العدد. قلت: المذهب: الجزم باشتراط العدد وغيره مما ذكرنا أولا، لانه يتعلق بهذا حقوق الآدميين من الورثة والموصى لهم، فاشترط شروط الشهادة كغيرها من الشهادات، بخلاف التيمم، فإنه حق لله تعالى مبني على المسامحة، مع أنه ينتقل إلى بدل، وليس كالتقويم الذي هو تخمين في محسوس يمكن تدارك الخطأ، إن

(5/124)


وقع فيه. والله أعلم. فرع إذا اختلف الوارث والمتبرع عليه في كون المرض مخوفا بعد موت المتبرع، فالقول قول المتبرع عليه، لان الاصل عدم الخوف. وعلى الوارث البينة، ولا تثبت دعواه إلا بشهادة رجلين، لانها شهادة على غير المال وإن كان المقصود المال. لكن لو كانت العلة بامرأة على وجه لا يطلع عليه الرجال غالبا، قبلت شهادة رجلين، ورجل وامرأتين، وأربع نسوة. ويعتبر في الشاهدين العلم بالطب، قاله البغوي. الامر الثالث: إذا وجدنا المرض مخوفا، حجرنا عليه في التبرع فيما زاد على الثلث، ولم ننفذه. لكنه لو فعل، ثم برأ من مرضه، تبين صحة تبرعه وأن ذلك المرض لم يكن مخوفا. ومن هذا القبيل ما إذا التحم القتال، وحكمنا بأنه مخوف، ثم انقضت الحرب وسلم. وأما إذا رأينا المرض غير مخوف، فاتصل به الموت، فينظر، إن كان بحيث لا يحال عليه الموت، كوجع الضرس ونحوه، فالتبرع نافذ، والموت محمول على الفجأة. وإن كان غيره، كإسهال يوم أو يومين، تبينا باتصال الموت به كونه مخوفا، وكذلك حمى يوم أو يومين، قاله في الوسيط، وقد سبق الفرق بين أن يعرق أو لا يعرق في هذه الصورة. فرع قال الامام: لا يشترط في المرض المخوف، كون الموت منه غالبا، بل يكفي أن لا يكون نادرا، بدليل البرسام. ولو قال أهل الخبرة: هذا المرض لا يخاف منه الموت، لكنه سبب ظاهر في أن يتولد منه المرض المخوف، فالاول مخوف أيضا. وهذا يشكل بالحمل قبل أن يأخذها الطلق. فإن قالوا: يفضي إلى المخوف نادرا، فالاول ليس بمخوف.

(5/125)


قلت: وإذا كان المرض مخوفا، فتبرع، ثم قتله إنسان، أو سقط من سطح فمات، أو غرق، حسب تبرعه من الثلث، كما لو مات بذلك المرض ذكره البغوي. والله أعلم. الفصل الثاني: في بيان التبرع المحسوب من الثلث، وهو إزالة الملك عن مال مجانا، كالهبة، والوقف، والصدقة، وغيرها. قلت: ينبغي أن يضم إليه ما يتناول التبرع بالكلب وسائر النجاسات، وبالمنفعة التي تصح الوصية بها، فيقال: إزالة الاختصاص عن مال ونحوه. والله أعلم. وفيما يدخل في الضابط ويخرج، مسائل. إحداها: ما يستحق عليه من ديون الله تعالى، كالزكاة، وحجة الاسلام، وديون الآدميين، تخرج بعد موته، وتكون من رأس المال أوصى بها أو لم يوص. وقيل: إذا أوصى بها، حسبت من الثلث، وهو ضعيف، وهذا الذي نوجبه، من رأس المال بلا خلاف إذا لم يوص هو فيما وجب بأصل الشرع، كالزكاة، وحجة الاسلام. وأما الكفارات، والنذور، ففيها خلاف سيأتي في الباب الثاني إن شاء الله تعالى. فرع لو قضى في مرضه ديون بعض الغرماء، لم يزاحمه غيره إن وفى المال بجميع الديون، وكذا إذا لم يف على الصحيح المعروف. (المسألة) الثالثة: البيع بثمن المثل نافذ من رأس المال، سواء باع للوارث، أم لغريمه، أم لغيرهما. وإن باع بمحاباة، فإن كانت يسيرة يتسامح بمثلها، كان كالبيع بثمن المثل، وإن كانت أكثر من ذلك، فإن كانت لوارث، فهي وصية لوارث، وإلا، فمعتبرة من الثلث. فإن لم تخرج من الثلث، فإن أجاز الوارث، نفذ البيع في الكل، وإلا، بطل فيما لا يخرج، وفيما يخرج، طريقان سبقا. وإذا لم تبطل، ففي كيفية صحة البيع قولان. وقد سبق كل هذا في باب تفريق

(5/126)


الصفة. ثم المحاباة المعتبرة من الثلث، ما تزيد على ما يتغابن بمثله، ذكره الحناطي، وأبو منصور. هذا كله إذا باع بثمن حال، فإن باع بمؤجل، ولم يحل حتى مات، اعتبر من الثلث، سواء باع بثمن المثل أو أقل أو أكثر، لما فيه من تفويت اليد على الورثة. وتفويت اليد ملحق بتفويت المال. ألا ترى أن الغاصب يضمن بالحيلولة كما يضمن بتفويت المال، فليس له تفويت اليد عليهم، كما ليس له تفويت المال. فإن لم يخرج من الثلث، ورد الوارث ما زاد، فالمشتري بالخيار بين فسخ البيع والاجازة في الثلث بثلث الثمن. فإن أجاز، فهل يزيد ما صح فيه البيع إذا أدى الثلث ؟ فيه وجهان حكاهما في التهذيب. أصحهما: لا، لانقطاع البيع بالرد. والثاني: نعم، لان ما يحصل للورثة ينبغي أن نصحح الوصية في مثل نصفه. فعلى هذا يصحح البيع في قدر نصف المؤدى، وهو السدس، بسدس الثمن. فإذا أدى ذلك السدس، زيد بقدر نصف النصف، وهكذا إلى أن يحصل الاستيعاب. (المسألة) الثانية: نكاح المريض صحيح فإن نكح بمهر المثل أو أقل، فهو من رأس المال، كما لو اشترى شيئا بثمن مثله، وإن كان بأكثر من مهر المثل، استحقت مهر المثل، والزيادة تبرع على الوارث. وقد سبق حكمه. فإن لم تكن وارثة، كالذمية، والمكاتبة، فالزيادة محسوبة من الثلث. فإن خرجت منه، نفذ التبرع بها. ولو ماتت الزوجة قبله، فإن كانت الزيادة تخرج من الثلث، سلمت لها، لانه لا يلزم الجمع بين التبرع والميراث. وإن لم تخرج، دارت المسألة، ونذكرها في باب الدور إن شاء الله تعالى. فرع لو نكحت المريضة بأقل من مهر المثل، فالنقصان تبرع على الوارث، فللورثة رده وتكميل مهر المثل. فإن لم يكن وارثا، بأن كان عبدا، أو مسلما وهي ذمية، لم يكمل مهر المثل، ولم يعتبر هذا النقص من الثلث. وإنما جعل ذلك وصية في حق الوارث، ولم يجعل وصية في الاعتبار من الثلث لان

(5/127)


المريض إنما يمنع من تفويت ما عنده، وهذا ليس بتفويت، إنما هو امتناع من الكسب. وأيضا فإن المنع فيما يتوهم بقاؤه للوارث وانتفاعه به، والبضع ليس كذلك. هذا هو الصحيح الذي قطع به الجمهور. وفي التتمة: أنه يعتبر من الثلث، وفرق بينه وبين ما إذا أجر نفسه بأقل من أجرة المثل - فإنه لا يعتبر من الثلث مع أن كل واحد منهما لا يبقى للورثة - بفرقين. أحدهما: أن النكاح بغير ذكر مهر يقتضي مهر المثل، فإذا تزوجت بدونه، فكأنها أسقطته بعد وجوبه، فصار كالابراء. والثاني: أن المحاباة في المهر فيها نوع عار على الورثة، فأثبت لهم ولاية رفعها، بخلاف الاجارة. قلت: هذان الفرقان ضعيفان جدا. وكذا الحكم الذي ادعاه وشذ به. والله أعلم. (المسألة) الرابعة: إجارة الدواب والعبيد وسائر الاموال بما دون أجرة المثل، معتبرة من الثلث. وكذلك إعارتها. حتى لو انقضت مدة الاجارة أو الاعارة في مرضه، واسترد العين، اعتبر قدر المحاباة في مسألة الاجارة وجميع الاجرة في الاعارة من الثلث. ولو أجر نفسه بمحاباة، أو عمل لغيره متبرعا، لم يحسب من الثلث على الاصح. (المسألة) الخامسة: كاتب في مرضه عبدا، أو أوصى بكتابته، تعتبر قيمته من الثلث، سواء كاتبه بقيمته، أو أقل، أو أكثر. ولو كاتب في الصحة، واستوفى النجوم في مرضه، لم تعتبر قيمته من الثلث. ولو أعتقه في مرضه، أو أبرأه من النجوم، اعتبر من الثلث أقل الامرين من قيمته أو النجوم. (المسألة) السادسة: الاستيلاد في المرض لا يعتبر من الثلث، كما يستهلكه من الاطعمة اللذيذة، والثياب النفيسة، ويقبل إقرار المريض بالاستيلاد، لقدرته على إنشائه، ولا تعتبر قيمتها من الثلث. المسألة

(5/128)


السابعة: قال لعبده: أنت حر قبل مرض موتي بيوم أو شهر، ثم مرض ومات، لم يعتبر من الثلث. وإن قال: قبل موتي بشهر، فإن نقص مرضه عن شهر، فكذلك الجواب، وإلا، فهو كما لو علق عتق عبده في الصحة ووجدت الصفة في المرض، وفيه قولان. فرع باع بمحاباة، بشرط الخيار، ثم مرض وأجاز في مدة الخيار. إن قلنا: الملك في زمن الخيار للبائع، فقدر المحاباة من الثلث، وإلا، فلا، لانه ليس بتفويت، بل امتناع من كسب، فصار كما لو أفلس المشتري والمبيع قئئم عنده ومرض البائع فلم يفسخ، وكما لو أمكنه فسخ النكاح بعيبها فترك حتى مات واستقر المهر، فإنه لا يحسب من الثلث. وكذا لو اشترى بمحاباة، ثم مرض ووجد بالمبيع عيبا، ولم يرد مع الامكان، لا يعتبر قدر المحاباة من الثلث. ولو وجد العيب، وتعذر الرد بسبب، فأعرض عن الارش، اعتبر قدر الارش من الثلث. وقدر المحاباة في الاقالة يعتبر من الثلث، وخلع المريض لا يعتبر من الثلث، لان له أن يطلق مجانا، وخلع المريضة مذكور في كتاب الخلع. الفصل الثالث: في كيفية الاحتساب من الثلث. إذا وجد تبرعان، وأكثر، وضاق الثلث عنها، فهي إما منجزة، وإما معلقة بالموت، وإما من النوعين.

(5/129)


القسم الاول، المنجزة، كالاعتاق، والابراء، والوقف، والصدقة، والهبة المقبوضة، والمحاباة في العقود، فإن ترتبت، قدم الاول فالاول إلى استغراق الثلث. فإذا تم الثلث، وقف أمر الزائد على إجازة الوارث على ما سبق. وسواء كان المتقدم والمتأخر جنسا أو جنسين، وسواء تقدم العتق على المحاباة ونحوها أو تقدمت عليه، لان الاول لازم لا يفتقر إلى رضى الورثة، فكان أقوى. وإن وجدت دفعة واحدة، واتحد الجنس، مثل أن قال لعبيد: أعتقتكم، أو أبرأ جماعة من ديونه، أو وهب لهم، لم يقدم البعض على البعض. لكن في غير العتق يقسط الثلث على الجميع باعتبار القيمة، كما يقتضيه الحال من التساوي أو التفاضل. وفي العتق، يقرع بين العبيد، ولا توزع الحرية. وإن اختلف الجنس، بأن وكل في كل تبرع وكيلا، فتصرفوا دفعة واحدة، فإن لم يكن فيها عتق، قسط الثلث على الجميع باعتبار القيمة، وإن كان، فهل يقسط، أم يقدم العتق ؟ قولان كما سنذكره في التبرعات المعلقة بالموت إن شاء الله تعالى. القسم الثاني: التبرعات المعلقة بالموت، كالوصايا، وتعليق العتق، فلا يقدم عتق على عتق، ولا تبرع غير العتق على غيره وإن تقدم بعضها على بعض في الايصاء، بل في العتق يقرع، وفي غيره يقسط الثلث على الجميع باعتبار القيمة. وفي العتق هنا وجه: أنه يقسط، وتخص القرعة بالمنجز، لورود الحديث الصحيح فيه، والصحيح: الاول. ثم هذا عند إطلاق الوصية. أما إذا قال: اعتقوا سالما بعد موتي، ثم غانما، أو ادفعوا إلى زيد مائة، ثم إلى عمرو مائة، فيقدم ما قدمه قطعا. وإذا اجتمع في هذا القسم عتق وغيره، فهل يقدم العتق لقوته، أم يسوى فيه ؟ قولان. أظهرهما: التسوية. هذا في وصايا التمليك مع العتق. أما إذا أوصى للفقراء بشئ، وبعتق عبد، فقال البغوي: هما سواء، لاشتراكهما في القربة. وقطع الشيخ أبو علي بطرد القولين، لوجود القوة والسراية. قلت: الثاني أصح. والله أعلم.

(5/130)


وإذا سوينا، فما خص العبيد إذا ضاق عنهم، يقرع. والكتابة مع الهبة وسائر الوصايا، كالعتق، فتكون على القولين. وقيل: يسوى هنا قطعا، إذ ليس لها قوة وسراية. القسم الثالث: إذا صدرت منه تبرعات منجزة، ومعلقة بالموت، قدمت المنجزة، لانها تفيد الملك ناجزا، ولانها لازمة. ولا يملك المريض الرجوع فيها. فرع علق غتق عبد بالموت، وأوصى بعتق آخر، فلا يقدم أحدهما على الآخر، لان وقت استحقاقهما واحد، وقد اشتركا في القوة. وفي وجه: المدبر أولى بالعتق، لانه سبق عتقه، فإن الآخر يحتاج إلى إنشاء عتقه، والصحيح الاول. فرع لا يؤثر تقدم الهبة وحدها بلا قبض، لان ملكها بالقبض، حتى لو وهب المريض ثم أعتق، أو حابى في بيع ثم أقبض الموهوب، قدم العتق والمحاباة، ولا تفتقر المحاباة في بيع ونحوه إلى قبض، لانها في ضمن معاوضة. فرع قال في مرضه: سالم حر، وغانم حر، وخالد حر، فهذا من صور ترتيب التبرعات المنجزة. ولو قال: سالم وغانم وخالد أحرار، فهو من صور وقوعها دفعة واحدة. ولو علق عتقهم بالموت، أقرع بينهم، سواء قال: إذا مت، فسالم حر، وغانم حر، وخالد حر، أو قال: فهم أحرار. ولو قال: إذا مت فسالم حر، وإن مت من مرضي هذا، فغانم حر، فإن مات من ذلك المرض ولم يف الثلث بهما، أقرع بينهما. وإن برأ، ومات بعده، بطل التدبير المقيد، ويعتق سالم. فرع قال: إن أعتقت غانما، فسالم حر، ثم أعتق غانما في مرض موته، فإن خرجا من الثلث عتقا، وإن لم يخرج إلا أحدهما، فقيل: يقرع، كما لو قال: أعتقتكما. والصحيح: أنه لا قرعة، بل يتعين غانم للعتق، لانا لو أقرعنا، ربما خرجت على سالم، فيلزم إرقاق غانم. فإن خرجا من الثلث، عتقا، وإن لم يخرج إلا أحدهما، فقيل: يقرع، كما لو قال: أعتقتكما. والصحيح: أنه لا قرعة، بل يتعين غانم للعتق، لانا لو أقرعنا، ربما خرجت

(5/131)


على سالم، فيلزم إرقاق غانم. وإذا رق، لم يحصل شرط عتق سالم. ولو قال: إن أعتقت غانما، فسالم حر في حال إعتاقي غان، ثم أعتق غانما في مرضه، فكذلك الجواب بلا فرق. وعلى هذا، لو قال: إن أعتقت غانما، فسالم وغانم حران، ثم أعتق غانما، والثلث لا يفي إلا بأحدهم، عتق غانم، ولا قرعة. وإن فضل من الثلث شئ، أقرع بين الآخرين. فمن خرجت له قرعة الحرية، عتق كله إن خرج كله، وبعضه إن لم يخرج إلا بعضه. وإن كان يخرج أحد الآخرين، وبعض الثالث، عتق من خرجت قرعته، وعتق من الآخر بعضه. فرع قال لعبده: إن تزوجت، فأنت حر. ثم تزوج في مرض الموت، فقد ذكرنا أن مهم المثل محسوب من رأس المال، والزيادة من الثلث. وإن اقتضى الحال تنفيذ الزيادة، نظر، إن خرجت الزيادة وقيمة العبد من الثلث نفذ، وإلا، فيقدم المهر، كذا ذكروه توجيها بأن المهر أسبق، فإنه يجب بالنكاح، والعتق يترتب عليه. لكن مقتضى قولنا: إن المرتب والمرتب عليه يقعان معا ولا يتلاحقان من حيث الزمان، أن لا يقدم أحدهما على الآخر، بل يوزع الثلث على الزيادة وقيمة العبد. وقد صرحوا بأنه لو قال: إن تزوجت، فأنت حر في حال تزوجي: أنه يوزع الثلث كذلك، لانه لا ترتب. والفرق بين هذا وبين مسألة العبدين - حيث لا يوزع هناك، كما لا يقرع - أن العتق هنا معلق بالنكاح، والتوزيع لا يرفع النكاح، ولا يقدح فيه، وهناك عتق سالم معلق بعتق غانم كاملا. وإذا وزعنا، فلا يكمل عتق غانم، ولا يمكن إعتاق شئ من سالم. فرع قال لامته الحامل: إن أعتقت نصف حملك، فأنت حرة، ثم أعتق نصف حملها في مرض موته، فمقتضى عتق نصف الحمل سرايته إلى باقيه وعتق الام بالتعليق. فإن خرجا من الثلث، عتقا، وإن لم يخرج من النصف إلا الام، أو النصف الآخر، بأن كان ماله ثلثمائة، والام منها خمسون، والولد مائة، فيقرع بين الام والنصف الآخر. وإن خرجت على النصف الآخر، عتق جميع الحمل، ورقت الام، وإن خرج على الام، لم يعتق كلها، لان الحمل في حكم جزء منها، يتبع عتقه عتقها، فتوزع قيمة الثلث وهي خمسون على الام، والنصف الباقي بالسوية،

(5/132)


فيعتق من الام نصفها، ومن النصف الباقي نصفه، فيكون ثلاثة أرجاعه حرا. ولو كانت الصورة كما ذكرنا، إلا أن قيمة الام مائة، وخرجت القرعة على الام وزعت الخمسون عليها وعلى النصف الآخر الباقي أثلاثا، فيعتق منها ثلثها، وهثلثا الخمسين، ومن النصف الباقي ثلثه وهو ثلث الخمسين، وسدس جملته، فيكون الحر من الام الثلث، ومن الولد الثلثين. فرع أوصى بعبد أو ثوب يخرج من ثلث ماله، وباقي ماله غائب، لا يدفع كله إلى الموصى له، ولا يسلط على التصرف فيه ما لم يحضر من المال الغائب ما يخرج الموصى به من ثلثه، لان ما يحصل للموصى له ينبغي أن يجعل للوارث مثلاه، وربما تلف الغائب. وهل يتسلط على التصرف في ثلثه ؟ وجهان. أصحهما: المنع، لان تسليطه يتوقف على تسليط الورثة على مثلي ما تسلط عليه. ولا يمكن تسليطهم، لاحتمال سلامة الغائب. فيخلص جميع الموصى به للموصى له. فلو تصرفوا في ثلثي الحاضر، قال أبو الفرج السرخسي: إن بان هلاك الغائب، تبينا نفوذ تصرفهم، ولك أن تقول: ينبغي تخريجه على وقف العقود. قلت: بل ينبغي تخريجه على القولين فيمن باع مال أبيه ظانا حياته فبان ميتا. والله أعلم. قال السرخسي: وإن سلم وعاد إليهم، تبينا بطلان التصرف على الصحيح. وقيل: يمضى على الصحة، ويغرم للموصى له الثلثين، وهو ضعيف. ولو أعتق عبداهو ثلث ماله، أو دبره، وباقي ماله غائب، ففي نفوذ العتق والتدبير في ثلثه الخلاف المذكور في الوصية. كذا ذكروه، وقد يستبعد التردد في العتق في الثلث، فإنه حر على كل تقدير. بل الوجه: الجزم بحصول الملك في الثلث، وفي الوصية أيضا. ورد الخلاف إلى أنه هل ينفذ تصرفه فيه، أم يمنع من التصرف إلى أن يتسلط الوارث على مثليه ؟.
الركن الرابع : الصيغة، فنتكلم في طرف الايجاب، ثم طرف القبول، أما الايجاب، فلا بد منه، بأن يقول: أوصيت له بكذا، أو أعطوه، أو ادفعوا إليه بعد موتي كذا، أو هوله، أو جعلته له بعد موتي، أو ملكته، أو وهبته له بعد موتي. أما إذا اقتصر على قوله: وهبته له، ونوى الوصية، فالاصح أنه لا يكون وصية، لانه

(5/133)


أمكن تنفيذه في موضوعه الصريح، وهو التمليك الناجز. ولو قال: هذا له، فهو إقرار يؤاخذ به، ولا يجعل كناية عن الوصية، إلا أن يقول: هو له من مالي، أو يقول: عبدي هذا لفلان، فيصح كناية عن الوصية، لانه لا يصلح إقرارا. ولو قال: عينته له، فهذا كناية، لانه يحتمل التعيين للتمليك بالوصية، والتعيين للاعارة وتصح الوصية بالكتابة مع النية بلا خلاف، لما سبق في كتاب البيع: أن ما يقبل مقصوده التعليق بالاغرار، كالكتابة، والخلع، ينعقد بالكتابة مع النية، والوصية تقبل التعليق بالاغرار، فأولى أن تنعقد بالكتابة. ولو كتب: إني أوصيت لفلان بكذا، قال المتولي: لا ينعقد إذا كان الشخص ناطقا، كما لو قيل له: أوصيت لفلان بكذا ؟ فأشار: أن نعم. ولو وجد له كتاب وصية بعد موته، ولم تقم بينة على مضمونه، أو كان قد أشهد جماعة أن الكتاب خطي، وما فيه وصيتي، ولم يطلعهم على ما فيه فقال جمهور الاصحاب: لا تنفذ الوصية بذلك، ولا يعمل بما فيه حتى يشهد الشهود به مفصلا. ونقل الامام، والمتولي: أن محمد بن نصر المروزي من أصحابنا قال: يكفي الاشهاد عليه مبهما. وروى أبو الحسن العبادي أنه قال: يكفي الكتاب من غير إشهاد، واحتج بقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: إلا ووصيته مكتوبة عنده أشعر ذلك باعتبار الكتابة.

(5/134)


واعلم أن انعقاد الوصية بالكتابة ليس ببعيد وإن استبعدوه، لان الكتابة ككنايات الالفاظ. وقد سبق في البيع ذكر الخلاف في انعقاد البيع ونحوه بالكنايات. وذكرنا الآن أن الوصية أشد قبولا للكنايات. فإذا كتب، وقال: نويت الوصية لفلان، أو اعترف ورثته به بعد موته، وجب أن يصح. فرع لو اعتقل لسانه، صحت وصيته بالاشارة والكتابة.
فصل وأما القبول، فإن كانت الوصية لغير معين، كالفقراء، لزمت بالموت، ولم يشترط فيها القبول. وإن كانت لمعين، فالمذهب اشتراط القبول ولا يصح قبول ولا رد في حياة الموصي، فله الرد وإن قبل في الحياة، وبالعكس، لانه حق له قبل الموت، فأشبه إسقاط الشفعة قبل البيع، ولا يشترط الفور في القبول بعد الموت. قلت: هذا هو الصحيح الذي قطع به الجمهور. وفيه وجه: يشترط الفور. حكاه صاحب المستظهري وليس بشئ. والله أعلم. فإن رد بعد الموت، فله أحوال. أحدها: أن يقع قبل القبول، فترتد الوصية، ويستقر الملك للورثة في الموصى به. ولو أوصى بالعين بالعين لواحد، وبالمنفعة الآخر، فرد الموصى له بالمنفعة، فهل هي للورثة، أم للموصى له بالعين ؟ وجهان. أصحهما: الاول. ولو أوصى بخدمة عبد لرجل سنة، وقال: هو حر بعد سنة، فرد الموصى له، لم يعتق قبل السنة. الثاني: أن يقع بعد القبول، وقبل الموصى له، فلا يصح رده، فإن راضى الورثة، فهو ابتداء تمليك منه لهم. الثالث: أن يقع بعد القبول، وقبل القبض، فلا يصح الرد على الاصح. ولو قال: رددت الوصية لفلان، يعني أحد الورثة، قال في الام: إن قال: أردت لرضاه، كان ردا على جميع الورثة. وإن قال أردت تخصيصه بالرد عليه، فهو هبة

(5/135)


له خاصة. قال الاصحاب: هذا تفريع على تصحيح الرد بعد القبول، وإلا، فما لا يملكه لا يمكنه أن يملكه غيره. ثم لم يعتبر لفظ الهبة والتمليك. وقال القاضي أبو الطيب: لا بد منه، وهو القياس. ولو مات ولم يبين ما أراده، جعل ردا على جميع الورثة. فرع إذا لم يقبل الموصى له، ولم يرد، فللوارث مطالبته بأحد الامرين. فإن امتنع، حكم عليه بالرد. فرع لو مات الموصى له قبل موت الموصي، بطلت الوصية. وإن مات بعد موته، قام وارثه مقامه في القبول والرد.
فصل متى يملك الموصى له الموصى به ؟ فيه ثلاثة أقوال. أحدها: بالموت. والثاني: بالقبول. وعلى هذا، هل الملك قبل القبول للوارث، أم للميت ؟ وجهان. أصحهما: الاول. والثالث - وهو الاظهر -: أنه موقوف. فإن قبل، تبينا أنه ملك بالموت، وإلا، بان أنه كان للوارث. ولو أوصى بإعتاق عبد معين بعد موته، فالملك في العبد إلى أن يعتق للوارث بلا خلاف، لانه ليس تمليكا. ويتفرع على الاقوال مسائل. إحداها: كسب العبد، وثمرة الشجرة، وسائر زوائد الموصى به، إن حصلت قبل موت الموصي فهي له، ولا تتناولها الوصية، وإن

(5/136)


حصلت بعده وبعد قبول الموصى له، فهي للموصى له، وإن حصلت بعد موته، وقبل القبول، فإن قلنا: يملك بالموت، فهي للموصى له، قبل الوصية أو ردها. وفيما إذا ردها وجه: أن الزوائد ترتد أيضا. وإن قلنا: يملك بالقبول، لم تكن الزوائد للموصى له، قبل الوصية أو ردها. وفيما إذا قبل وجه: أنها له، لان له حق التمليك من حين الموت، فهي حادثة في محل حقه. وإن قلنا بالوقف، فهي موقوفة. فإن قبل، فله، وإلا، فلا. وحيث قلنا: ترتد الزوائد، فإلى من ترتد ؟ وجهان. أحدهما: إلى الموصي، فتكون من جملة تركته يقضى منها دينه، وتنفذ وصاياه كالاصل. وأصحهما: أنها للوارث، لانها حدثت بعد زوال ملك الموصي. وعلى هذا الخلاف ولد الجارية والبهيمة الموصى بهما، ويتعلق بهما تفصيل وأحوال نذكرها إن شاء الله تعالى على الاثر موضحة. الثانية: فطرة العبد الموصى به، إذا وقع وقت وجوبها بين القبول والموت على من تجب ؟ يخرج على هذه الاقوال. وقد ذكرناه في زكاة الفطر. والنفقة والمؤن المحتاج إليها بين القبول والموت، حكمها حكم الفطرة. وقال في الوسيط: إنها على الموصى له إن قبل على كل قول، وعلى الوارث إن رد على كل قول، والمعتمد ما نقلناه عن الاصحاب من طرد الخلاف. وإذا توقف الموصى له في القبول والرد، ألزم النفقة، فإن أراد الخلاص، رد. الثالثة: إذا زوج أمته حرا، وأوصى له بها، فإن رد الوصية، استمر النكاح، إلا إذا قلنا: يملك بالموت، فيفسخ النكاح من يوم الموت وإن كان الملك ضعيفا. وإن قبل، انفسخ النكاح، ويكون الانفساخ من يوم القبول إن قلنا: يملك بالقبول، ومن يوم الموت على سبيل التبين إن قلنا بالتوقف. وإن كان زوجها وارثه، ثم أوصى بها لغيره، فإن قبل الموصى له الوصية، استمر النكاح، إلا إذا قلنا: الملك يحصل بالقبول، وإنه قبل القبول للوارث، فإنه ينفسخ على الاصح. وقيل: لا، لضعف الملك، وإن رد، انفسخ النكاح. وفي استناد الفسخ إلى حالة الموت لضعف الملك هذا الخلاف. هذا إذا خرجت الامة من الثلث، فإن لم تخرج ولم يجز الورثة، انفسخ النكاح، لدخول شئ مما يزيد على الثلث في ملك الزوج. وإن أجازوا وقلنا: يملكه بالموت، أو موقوف، فهل ينفسخ ؟ إن قلنا: إجازتهم تنفيذ لما فعله الموصي، فلا. وإن قلنا: ابتداء عطية، فنعم.

(5/137)


الرابعة: أوصى بأمته الحامل من زوجها لزوجها، ولابن لها حر، ومات، وخرجت كلها من الثلث، وقبلا الوصية وهما موسران، نظر، إن قبلا معا، عتقت الامة كلها على إبنها، نصفها بالملك، والباقي بالسراية، وعليه للزوج نصف قيمتها، ويعتق الحمل عليهما بالسوية. أما نصيب الزوج، فلانه ولده. وأما نصيب الابن، فلان الام عتقت عليه. والعتق يسري من الحامل إلى ما يملكه المعتق من حملها. ولا يقوم نصيب واحد منهما على الآخر، لان العتق عليهما حصل دفعة واحدة، فأشبه ما إذا اشترى إبنان أباهما، فإنه يعتق عليهما ولا تقويم، وإن قبل أحدهما قبل الآخر، فإن قلنا: يحصل الملك بالموت، أو قلنا: بالوقف، فالجواب كذلك، لان وقت الملك واحد وإن اختلف وقت القبول. وإن قلنا: يحصل بالقبول، فإن تقدم قبول الابن، عتقت الامة والحمل عليه. أما الام، فبالملك والسراية، وأما الحمل فبسراية عتق الام إليه، وعليه للزوج نصف قيمتها. وإن تقدم قبول الزوج، عتق جميع الحمل عليه، النصف بالملك، والباقي بالسراية، فيغرم نصف قيمته يوم الولادة للابن، ولا يعتق عليه من الامة شئ. فإذا قبل الابن، عتق عليه جميعها بالملك والسراية، وغرم للزوج نصف قيمتها. قلت: ويجئ وجه: أن الامة تعتق على الزوج تفريعا على قول الاستاذ أبي إسحاق: إن عتق الجنين يسري إلى عتق الام. والله أعلم. وأما إذا قبل الزوج وحده، فيعتق عليه الحمل، نصفه بالملك، ونصفه بالسراية، فيغرم نصف قيمته لورثة الموصي، ولا يسري العتق من الحمل إلى الام، لان الحمل تبع لها، وليست تبعا له. قلت: وفيه وجه أبي إسحاق. والله أعلم. وإن قبل الابن وحده، عتقا عليه جميعا، وغرم نصف قيمتها لورثة الموصي.

(5/138)


قلت: قد كرر الامام الرافعي نصف القيمة في هذه المسألة كما قاله غيره. والقياس: أنه يجب قيمة النصف، وهي أقل، لانه إنما أتلف نصفا. والله أعلم. الخامسة: أوصى لانسان بمن يعتق عليه، كأبيه وابنه، لم يجب عليه قبول الوصية، كما لا يجب شراؤه إذا قدر عليه، بل له الرد على الصحيح. وقيل: يمنع الرد إن قلنا: يملك بالموت، لانه يعتق عليه، وبه قطع المتولي تفريعا على هذا القول والجمهور على خلافه، وأنه لا يعتق عليه قبل قبوله. ثم إن رد، فذاك، وإن قبل و قلنا: يملك بالقبول، عتق عليه حينئذ. وإن قلنا: بالموت، أو موقوف، تبين أنه عتق عليه يوم الموت. ولو ملك ابن أخيه، وأوصى به لاجنبي، ووارثه أخوه، فقبل الموصى له الوصية، فهو للاجنبي إن قلنا: يملك بالموت أو موقوف. وإن قلنا: يملك بالقبول، وأنه قبل القبول للوارث، فمقتضاه العتق على الوارث يوم الموت، لكن المنقول عن الاصحاب أنه لا يعتق عليه كي لا تبطل الوصية. ولو أوصى لشخص بإبنه، ومات الموصى له بعد موت الموصي وقبل القبول، فأوجه. أحدها: أن الرد يمنع، لعتقه عليه بالموت إذا قلنا: يملك به. والثاني: ليس للوارث قبوله، لما فيه من العتق على الميت بغير إذنه وإثبات الولاء له. هذا إذا قلنا: إن العتق إذا حصل وقع على الميت، وسنذكر الخلاف فيه إن شاء الله تعالى. وهذان الوجهان ضعيفان جدا. والثالث وهو الصحيح: أن الوارث يقوم مقامه في الرد والقبول، لنيابته عنه في حقوقه. فإن قبل، فهو كقبول الموصى له بنفسه إن قلنا: يملك بالموت، أو موقوف. وإن قلنا: يملك بالقبول، نظر. فإن لم يكن بين الموصى به، ووارث الموصى له قرابة تقتضي عتقه عليه، بأن كان الوارث أخا الموصى له، فهل نحكم بعتقه ؟ وجهان. أحدهما: لا، وبه قطع ابن الصباغ وآخرون. وأصحهما: نعم، لان الموصي إنما أوجب الملك للموصى له فلا يثبت لغيره، وإنما اعتبرنا قبول وارثه نيابة، وهذا كما لو نصب شبكة في حياته وتعلق بها صيد بعد موته، فإنا نحكم بثبوت الملك له. وإن كان بين الموصى به ووارث الموصى له قرابة تقتضي العتق، بأن

(5/139)


كان الوارث أبا الموصى له، حكم بعتق الموصى به قطعا. ويعود الوجهان، في أنه يعتق على الموصى له، أم على وارثه ؟ وأن الولاء لمن يثبت ؟ فإن قلنا: عن الموصى له، قال الامام: يسند العتق إلى ألطف زمان قبل موت الموصى له. وإذا لم نحكم بالعتق فيما إذا لم يكن بينهما قرابة، فهل تقضى منه ديون الموصى له ؟ وجهان. أصحهما: نعم كديته فإنه تقضى منها ديونه وإن قلنا: إنها تثبت للورثة ابتداء. هذا حكم العتق. وهل يرث الذي عتق من الموصي ؟ أما إذا قبل بنفسه، فينظر، إن قبل في صحته، فنعم. وإن قبل في مرض موته، فإرثه مبني على أن عتقه إذا حصل الملك فيه لا بعوض، بل بإرث، أو هبة، أو قبول وصية، هل يعتبر من الثلث، أم من رأس المال ؟ وفيه وجهان مذكوران في كتاب العتق. إن قلنا: من الثلث، لم يرثه، وإلا، ورث، وهو الاصح. وإن مات قبل القبول، وقبل وارثه، فإن حكمنا بالحرية عند القبول، لم يرث، لرقه. وإن حكمنا بها عند الموت، فإن كان القابل ممن يحجبه الموصى به، كالاخ، لم يرث، لانه لو ورث لحجب الاخ وأخرجه عن كونه وارثا، ولبطل قبوله. وإن كان لا يحجبه، كابن الاخ، فالصحيح: أنه لا يرث أيضا، للدور في نصفه. وقيل: يرث. وقال الداركي: إن ثبت القبول للموصى له وهو مريض، لم يرث، لان قبول ورثته كقبوله، ولو قبل لكان وصيه، والارث لا يجامعها. أوصى له بمن يعتق عليه، فمات الموصى له عن إبنين، فالقول في قبولهما تفريعا على الاقوال في وقت الملك كما سبق. والمذهب صحته ووقوع العتق عن الميت. وإن قبل أحدهما فقط، صح القبول في النصف، وعتق على الميت. ثم قال ابن الحداد وآخرون: ينظر، إن ورث القابل من الموصى له ما يفي بباقي قيمة الموصى به، قوم عليه الباقي فيما ورثه، وإلا، فلا يقوم عليه، ولا اعتبار بيسار القابل في نفس، ولا يثبت التقويم في نصيب الذي لم يقبل من التركة. أما عدم اعتبار يساره، فلان العتق وقع عن الميت، فلا يكون التقويم على غيره. وأما عدم ثبوته في نصيب الذي لم يقبل، فلان سبب العتق القبول، فالذي لم يقبل لم ينسب إليه. ولك أن تقول: وإن لم ينسب إليه، فهو معترف بعتق نصيب القابل واقتضائه التقويم، فالتقويم كدين يلحق التركة. وقال الشيخ أبو علي: يجب أن لا يقوم على

(5/140)


الميت، ويقصر العتق على القدر المقبول لمعنيين. أحدهما: أن الملك حصل للميت بغير اختياره، بل بقبول الوارث، فأشبه ما إذا ورث شقصا من عبد فعتق عليه، لا يقوم الباقي. والثاني: أن العتق يحصل بعد موته، ولا مال له حينئذ، فأشبه ما اذا أعتق شقصا بعد الموت، لا يقوم الباقي. قال: ورأيت هذا لبعض الاصحاب، وللاولين أن يقولوا: إنما حكمنا بالعتق على الميت لجعلنا الوارث نائبا عنه، فكيف ينتفي اختياره مع النيابة ؟ لكنهما حكميان. وأما الثاني: فلا يسلم أن العتق يحصل بعد الموت، بل يستند إلى قبيل الموت كما سبق. ثم ولاء ما عتق منه، للميت. وهل يشترك فيه الابنان، أم ينفرد به القابل ؟ وجهان. ولو أوصى لانسان ببعض من يعتق عليه، ومات الموصى له، وقبل وارثه، فالقول في عتقه على الميت وتقويم الباقي عليه على ما ذكرناه في هذه المسألة. السادسة: أوصى بأمة لابنها من غيره، فإن خرجت من الثلث، وقبل الابن الوصية، عتقت عليه. وإن رد، بقيت للوارث. وإن لم تخرج، فالجواب في قدر الثلث كذلك. وأما الزائد، فإن أعتقه الوارث وهو موسر، عتق عليه. ثم إن لم يقبل إبنها الوصية، فقد تبينا أن جميعها للوارث، فيسري العتق من البعض الذي أعتقه إلى الباقي. وإن قبل، عتق عليه ما قبل. قال ابن الحداد: ولا يقوم نصيبه على الوارث، لانا تبينا بالقبول حصول ملكه بالموت وتقدمه على إعتاق الوارث الزيادة، ولا يقوم نصيب الوارث عليه، لانه أعتق نصيبه قبل قبوله. قال الشيخ أبو علي: الصواب عند الاصحاب أن يقال: إن قلنا: يملك بالموت ابتداء، وتبينا، قوم نصيب الوارث عليه. وإن قلنا: يملك بالقبول، عتق الكل على الوارث، لانه يسري من نصيبه إلى قدر الثلث. والقبول بعده كإعتاق الشريك الثاني بعد إعتاق الاول وهو موسر. هذا إذا حكمنا بحصول السراية بنفس الاعتاق. فإن قلنا: لا تحصل إلا بأداالقيمة، فقبوله كإعتاق الشريك الثاني نصيبه قبل أخذ القيمة. وفيه وجهان. أحدهما: ينفذ، لانه ملكه. وأصحهما: لا، لان الاول استحق تقويمه عليه. فعلى هذا، له قيمة نصيبه على الوارث. فلو كانت المسألة بحالها، ووارث الموصي ابن له من هذه الامة بنكاح، فإن رد الموصى له، عتقت على الابن الذي هو وارث السيد. وإن قبلها، نظر، إن خرجت من الثلث، عتقت على الموصى له. وإن لم تخرج، فالزائد منها على الثلث. أطلق ابن الحداد: أنه يعتق في

(5/141)


الحال على الوارث، وفصل الشارحون، فقالوا: إن لم يجز الوارث الزيادة على الثلث، فالجواب كذلك، وإن أجاز، فعتقه مبني على أن الاجازة ابتداء عطية، أم تنفيذ ؟ إن قلنا بالاول، فقد حكمنا للوارث بالملك قبل أن يعطى، فيعتق عليه. وإن قلنا: تنفيذ، لم يعتق، لانا على هذا القول لا نجعل الزائد للوارث، بل نقفه على الرد والاجازة. فإذا أجاز، تبين أنه لم يملكه. وأما قدر الثلث، فإنه يعتق على الموصى له، ولا يقوم نصيب أحدهما على الآخر. السابعة: أوصى بعبد لشخصين، أحدهما قريبه الذي يعتق عليه. فإن قبلا معا، عتق جميعه على القريب إن كان موسرا، النصف بالملك، والنصف بالسراية، ويغرم للاجنبي نصف قيمته. وإن قبل القريب أولا، فكذلك حكم العتق، ويكون غرم النصف للاجنبي إن قبل بعد ذلك، ولوارث الموصي إن لم يقبل. وإن قبل الاجنبي أولا، ملك نصيبه، ويبقى نصيب القريب موقوفا إلى أن يقبل أو يرد، فإن أعتق الاجنبي نصيبه قبل قبول القريب، ثم قبل، فإن قلنا: يملك بالقبول، قوم نصيبه على الاجنبي، وكان كما لو أعتق الشريك نصيبه وهو موسر ثم أعتق الثاني نصيبه، وإن قلنا: يملك بالموت، تبينا أن عتق الاجنبي غير نافذ، وأنه عتق جميعه على الوارث، وعليه نصف القيمة للاجنبي. الثامنة: أوصى بجارية فولدت، فلها أحوال. أحدها: أن تلد قبل موت الموصي، فينظر، إن انقضى أقل مدة الحمل من يوم الوصية، وهو ستة أشهر، ثم ولدت، لم يدخل الولد في الوصية، لانه يحتمل حدوثه بعد الوصية. والاصل عدم الحمل يومئذ، فلا يجعل للموصى له بالشك. وإن لم ينقض أقل مدة الحمل، علمنا وجوده يوم الوصية، فيبنى على الخلاف في أن الحمل هل يعرف ويعطى حكما قبل الانفصال، أم لا ؟ إن قلنا بالثاني، فالولد غير داخل في الوصية، بل هو زيادة حدثت في ملك الموصي، فيكون لورثته. وإن قلنا بالاول، فهو كما لو أوصى بالجارية وولدها بعد الانفصال، فينظر، أيقبلهما الموصى له ؟ أم يردهما ؟ أم يقبل أحدهما دون الآخر ؟ وفي هذا زيادة بحيث نذكره في أول الباب الثاني إن شاء الله تعالى. فإن كان الموصى له زوج الجارية، وقبل الوصية في الولد، عتق كله عليه بالملك، وله ولاؤه، ولا تصير الجارية أم ولد له،

(5/142)


لانها علقت منه برقيق الحال الثاني: أن تلد بعد موت الموصي، وقبل قبول الموصى له، فهذا ثلاثة أقسام. (القسم) الاول: ولدت بعد مضي أقل مدة الحمل من يوم الموت، فالولد غير موصى به، لاحتمال حدوثه بعد الموت. ثم إن كان الموصى له زوج الجارية، بني حكم الولد على أن الوصية متى تملك ؟ إن قلنا بالقبول، وأنها قبل القبول لورثة الموصي، فالولد لهم، لا إرثا من الميت، بل لحدوثه في ملكهم. وإن قلنا: تملك بالموت، أو موقوف، فقبل، فالعلوق في ملكه، فينعقد الولد حرا لا ولاء عليه، والجارية أم ولد له. (القسم) الثاني: ولدت قبل أقل مدة الحمل من يوم الموت، وبعدها من يوم الوصية، فيجعل كأنه حدث بعد الوصية. فإن قلنا: الحمل يعرف، فالولد زيادة حدثت في ملك الموصي، فهو له، ولورثته بعده. وإن قلنا: لا يعرف، ولا يعطى حكما، بني على أن الوصية متى تملك ؟ إن قلنا بالقبول وأنها للورثة قبل القبول، فالولد لهم، لحدوثه في ملكهم. وإن قلنا: بالموت، أو موقوف، وكان الموصى له زوج الجارية، وقبل، عتق الولد عليه بالملك، وله عليه الولاء، ولا تصير الجارية أم ولد. (القسم) الثالث: أن تلد قبل مضي أقمدة الحمل من يومي الموت والوصية جميعا. فإن قلنا: الحمل يعرف، فكأنه أوصى بالجارية والحمل جميعا، وإلا، فعلى الخلاف في أن الوصية متى تملك ؟ على ما ذكرناه في القسم الثاني. الحال الثالث: أن تلد بعد الموت والقبول، وله صور. أحدها: تلد بعد مضي أقل مدة الحمل من وقت القبول، فالولد للموصى له. فلو كان زوج الجارية، انعقد الولد حرا، وصارت أم ولد له. الثانية: تلد قبل مضهذه المدة من وقت القبول، وبعدها من وقت الموت. فإن قلنا: الوصية تملك بالموت، أو موقوف، فقبل، فحكمه حكم الصورة الاولى. وإن قلنا: تملك بالقبول، وأنها قبل القبول للورثة. فإن قلنا: الحمل يعرف، فهو زيادة للورثة، وإلا، فللموصى له، وإذا كان الموصى له زوج الجارية، عتق الولد عليه، وثبت له الولاء عليه، ولا تصير أم ولد.

(5/143)


الثالثة: تلد قبل مضي هذه المدة من وقت القبول والموت جميعا، وبعدها من يوم الوصية. فإن قلنا: الحمل يعرف، فالول غير داخل في الوصية. وإن قلنا: لا، واعتبرنا حالة الانفصال، فالانفصال حصل في ملك الموصى له، فيكون الولد له، ويعتق عليه إن كان زوجها، ولا استيلاد. الرابعة: تلد قبل مضيها من يوم الوصية أيضا. فإن قلنا: الحمل يعرف، فهو داخل في الوصية، وإلا، فهو حاصل في ملك الموصى له، فيكون له، فإن كان زوجها، عتق عليه بالملك، ولا استيلاد. فرع نتاج باقي الحيوان يقاس بما ذكرناه في الجارية، ويرجع في مدة حملها إلى أهل الخبرة، فإنها تختلف. فرع قال أبو الفرج الزاز: حيث حكمنا بمصير الجارية أم ولد، هل تعتبر حقيقة الاصابة من يوم الملك، أم يكفي إمكان الا صابة ؟ وجهان. والثاني هو مقتضى كلام الجمهور. قال: وحيث بقينا الولد على ملك الوارث، فالمعتبر من الثلث قيمة الجارية وحدها. وإذا لم نبقه، فالمعتبر من الثلث ما كان يوم موت الموصي موجودا. فإن كانت حائلا، اعتبر قيمتها وحدها. وإن كانت حاملا، فقيمتها مع قيمة الحمل، وحينئذ، فالنظر إلى قيمتها حاملا يوم موت الموصي عند جماهير الاصحاب. وقال ابن سريج: تعتبر قيمتها يومئذ لو كانت حائلا، وتعتبر قيمة الحمل في أول حال الانفصال. وإذا قومناهما فخرجا من الثلث، فذاك، وإلا، فلا يقرع، بل تنفذ الوصية في القدر الذي يحتمله الثلث منهما على نسبة واحدة. فرع نقل المزني في المختصر: أنه لو أوصى بأمة لزوجها، فلم يعلم حتى وضعت له بعد موت سيدها أولادا. فإن قبل، عتقوا ولم تكن أمهم أم ولد حتى تلد منه بعد قبوله بستة أشهر. وفيه إشكال من وجهين. أحدهما: أنه لم اعتبر عدم الحمل بالوصية ؟ وهل يفترق الحال بين العلم وعدمه ؟ والثاني: أنه حكم بحرية الاولاد، وأنها لا تصير أم ولد. فإن فرع على حصول الملك بالموت، أو على الوقف، فلم اعتبر مضي الاشهر في مصيرها أم ولد ؟ وإن ؟ وإن فرع على الملك بالقبول، فلم حكم بحرية الاولاد في الحال ؟ ! أما

(5/144)


الاول، فعن الخضري ما يقتضي الفرق بين العلم وعدمه، واحتج بأن الشافعي رضي الله عنه قالو وطئ أمة غيره يظن أنها زوجته الحرة، فالولد حر، ولو ظنها زوجته الرقيقة، فالولد رقيق. والصحيح: أنه لا فرق في ثبوت أمية الولد في أميه بين علمه وعدمه، حتى لو وطئ أمته يظنها أمة غيره، أو حرة فأحبلها، ثبتت أمية الولد. فإذا قوله: ولم يعلم ليس بقيد، بل خرج على الغالب، فإن الغالب أن الوصية لا تبقى مدة طويلة، لا مقبولة، ولا مردودة، إلا إذا لم يعلم الموصى له، لغيبته أو نحوها. وأما الثاني: فقيل: هو تخليط من المزني. فقوله: عتقوا، تفريع على حصوالملك بالموت. وقوله: ولا تصير أم ولد، تفريع على حصوله بالقبول. وقال الاكثرون: بل هو تفريع على قول الوقف. وأراد بالقبول، في قوله: بعد قبوله الموت، فسماه قبولا، لانه وقت القبول. وقال بعضهم: لفظ الشافعي الموت لكن المزني سها فيه. ولو كانت الجارية الموصى بها زوجة الموصى له، ومات الموصى له قبل القبول والرد، فقد سبق أن ورثته يقومون مقامه في الرد والقبول، فإن قبلوا، فعلى الخلاف في أن الملك متى يحصل ؟ إن قلنا: بالموت، أو موقوف، فقبولهم كقبول الموصى له في عتق الاولاد بالملك، وفي انعقادهم على الحرية ومصير الجارية أم ولد وفي بقائهم مماليك لورثة الموصي، على اختلاف الاحوال السابقة بلا فرق، إلا أنهم إذا عتقوا بقبول الموصى له، ورثوه. وإذا عتقوا بقبول الورثة، لم يرثوا كما سبق. وإن قلنا: يملك بالقبول. فإن كان بين الوارث والاولاد قرابة تقتضي العتق، بأن كان وارث الموصى له أباه، عتقوا عليه، وإلا، ففيه الوجهان السابقان، وإذا لم يحصل العتق، فهل تقضى ديون الموصى له منها ؟ أم تسلم للورثة ؟ فيه الوجهان السابقان أيضا، وبالله التوفيق.
الباب الثاني : في أحكام الوصية الصحيحة إذا جمعت الوصية شروط صحتها، صحت، ثم ينظر في أحكامها، وهي ثلاثة أقسام: لفظية، ومعنوية، وحسابية.

(5/145)


القسم الأول : اللفظية، وفيه طرفان.
الطرف الأول : في اللفظ المستعمل في الموصى به، وفيه مسائل. (المسألة) الاولى: إذا أوصى بجارية حامل، واستثنى حملها لنفسه، صح، بخلاف البيع. وكذلك تصح الوصية بالحمل وحده، بشرطه المتقدم، بخلاف بيعه. ولو أوصى بالحمل لرجل، وبالام لآخر، صحت الوصيتان. ولو أطلق الوصية بالجارية، ففي دخول الحمل فيها وجهان، أصحهما على ما دل عليه كلام الاصحاب: الدخول، كالبيع، ولا تبعد الفتوى، بخلاف البيع، لان الحمل لا ينفرد بالبيع، فجعل تبعا، ويفرد بالوصية، فلا يتبع، ولان الاصل تنزيل الوصية على المتيقن، ولانها عقد ضعيف، فلا يستتبع. فإن قلنا بدخوله، لم تنقطع الوصية بانفصال الحمل، بل يبقى موصى به، والانفصال زيادة حدثت فيه. ولو أوصى له بالحمل والجارية معا، صح فيهما قطعا كما لو أوصى بهما لرجلين. (المسألة) الثانية: الطبل أنواع سبق بيانها. وذكرنا أن طبل اللهو إن صلح لمنفعة مباحة، إما على هيئته، وإما بعد التغيير الذي لا يبطل إسم الطبل، صحت الوصية به، وإلا، فلا. إذا عرفت هذا، فإن أطلق وقال: أعطوه طبلا من مالي، ولم يكن له طبل يحل الانتفاع به، اشتري ودفع إليه. وإن قال: طبلا من طبولي، فإن كان له طبل يحل الانتفاع به، كطبل الحرب، وكان له أيضا طبل لهو لا تصح الوصية به، صحت الوصية ونزل على طبل الحرب ونحوه. وإن لم يكن له إلا طبول لا تصح الوصية بها، فالوصية باطلة. وإذا صحت الوصية بالطب، دفع إلى الموصى له معه الجلد الذي عليه إن كان لا يقع عليه إسم الطبل دون الجلد. فرع تجوز الوصية بالدف، فإن كان عليه جلاجل، وحرمناها، نزعت، ولم تدف إليه إلا أن ينص عليها.

(5/146)


(المسألة) الثالثة: إسم العود يقع على عود اللهوالذي يضرب به، وعلى واحد الاخشاب التي تستعمل في البناء والتي تصلح للسقي والعصي. والوصية بعود اللهو كهي بطبل اللهو، فينظر، هل يصلح على هيئته لمنفعة مباحة أو بعد التغيير الذي لا يبطل إسم العود، أم لا يصلح ؟ وإذا صحت الوصية به لم يدفع الوتر والمضراب، لانه يسمى عودا دونهما. وإذا قال: أعطوه عودا من عيداني، نظر، إن لم يكن له إلا عيدان القسي والبناء، أعطي واحدا منها. وكذا لو كان معها عيدان اللهو الصالحة لمنفعة مباحة، أعطاه الوارث ما شاء من الجميع. ولو كان له عيدان لهو غير صالحة لمباح، وعيدان قسي وبناء، فوجهان. أحدهما: تنزل الوصية على عيدان القسي والبناء، كمثله في الطبل، وكما لو لم يكن له إلا عيدان القسي والبناء، فيعطى واحدا منها. وأصحهما وهو المنصوص: أن الوصية باطلة، تنزيلا على عيدان اللهو، لان إسم العود عند الاطلاق لهذا الذي يضرب، واستعماله في غيره مرجوح، والطبل يقع على الجميع وقوعا واحدا. وللقائل الاول أن يمنع ظهور إسم العود فيما يضرب به، ويقول: هو مشترك بينه وبين الذي يتبخر يوفي واحد الاخشاب بحسب الحاجة، ولا ترجيح. فرع أوصى بعود، ولا عود له، فمقتضى تنزيل مطلق العود على عود اللهو إبطال الوصية، وأن يشترى له عود لهو يصلح لمباح، وأطلق المتولي أنه يشترى ما لو كان موجودا في ماله أمكن تنفيذ الوصية بالعود به. ولو أوصى بعود من عيدانه، وليس له إلا عود لهو، وعود بناء، وعود قسي. فإن حملنا لفظ العيدان على هذه الآحاد، فقد حملنا اللفظ المشترك على معانيه معا، وفيه خلاف لاهل الاصول. فإن منع، فهذه الصورة، كما لو أوصى بعود من عيدانه وليس له إلا عود لهو، أو لا عود له. قلت: مذهب الشافعي رحمه الله حمل اللفظ المشترك على معانيه، ووافقه عليه جماعة من أهل الاصول. والله أعلم. فرع الوصية بالمزمار كاوصية بعود اللهو. وإذا صحت، لم يلزم تسليم المجمع، وهو الذي يجعل بين شفتيه، لان الاسم لا يتوقف عليه.

(5/147)


(المسألة) الرابعة: إسم القوس يطلق على العربية، وهي التي يرمى بها النبل، وهي السهام العربية وعلى الفارسية، وهي التي يرمى بها النشاب. وعلى القسي التي لها مجرى تنفذ فيه السهام الصغار، ويسمى: الحسبان. وعلى الجلاهق، وهو ما يرمى به البندق. وعلى قول: الندف. والسابق إلى الفهم من لفظ القوس أحد الانواع الثلاثة الاول. فإذا قال: أعطوه قوسا، حمل على أحدهما، دون الجلاهق وقوس الندف. ولو قال: أعطوه ما يسمى قوسا، ففي التتمة أن للوارث أن يعطيه ما شاء من الانواع الثلاثة وغيرها. ويشبه أن يكون كما لو قال: أعطوه قوسا، إلا أن يقول: ما يسمى قوسا غالبا أو نادرا وما أشبهه. قلت: الذي قاله في التتمة هو الصواب. والله أعلم. ولو قال: أعطوه قوسا من قسي، وله قسي من كل نوع، أعطي ما يرمى به النبل أو النشاب أو الحسبان، دون البندق والجلاهق، وكذا لو كان له شئ من الانواع الثلاثة. فلو لم يكن له إلا قوس ندف، أو جلاهق، حمل عليه، للتقييد بالاضافة، ولو كان له قوس ندف وجلاهق، أعطي الجلاهق، لان الاسم إليه أسبق. وهذا كله عند الاطلاق. فلو قال: أعطوه قوسا يقاتل بها، أو يرمي الطير، أو يندف بها، فقد أبا الغرض. فرع لا يدخل الوتر في الوصية بالقوس على الاصح، لخروجه عن إسم القوس. وكما لا يدخل السرج في الوصية بالدابة. ويشبه أن يجري الوجهان في بيع القوس. وأما الريش، والنصل، فيدخلان في السهم لثبوتهما. (المسألة) الخامسة: إسم الشاة يقع على صغيرة الجثة، وكبيرتها، والسليمة، والمعيبة، والصحيحة، والمريضة، والضائنة، والماعز. وهل يدخل الذكر فيها ؟ قال الشافعي رضي الله عنه في الام: لا يدخل، وإنما هو للاناث بالعرف. ومن الاصحاب من قال: يدخل، لانه إسم جنس كالانسان، وليست التاء فيه للتأنيث، بل للواحد. قال الحناطي: وبهذا قال أكثر الاصحاب، ويؤيده أنه لو أخرج عن

(5/148)


خمس من الابل في الزكاة ذكرا، أجزأه على الاصح. وفي السخلة، والعناق وجهان. أصحهما: لا يقع عليهما إسم الشاة. والثاني: يقع. فإذا عرف هذا، فلو قال: أعطوه شاة من شياهي، أو من غنمي، فإن لم يكن له غنم، فالوصية باطلة وإن كان أعطى واحدة منها سليمة، أو معيبة من الضأن، أو المعز، وإذا كانت كلها ذكورا، أعطى ذكرا. وإن كانت كلها إناثا أعطى أنثى. وإن كانت ذكورا وإناثا، جاز أن يعطي أنثى. وفي جواز الذكر الخلاف المذكور في تناول الشاة الذكر. ولو قال: أعطوه شاة من مالي، أعطي واحدة يتناولها الاسم. فإن ملك غنما، فللوارث أن يعطي على غير صفة غنمه. فإن لم يكن غنما، اشترى له شاة، بخلاف ما إذا قال: من غنمي، ولا غنم له. ولو قال: اشتروا له شاة، حكى البغوي: أنه لا يجوز أن يشترى معيبة، لان إطلاق الامر بالشراء يقتضي التسليم كما في التوكيل بالشراء، وأبدى فيما حكاه احتمالا، ولو قال: كبشا أو تيسا، أو شاة لينزيها عن غنمه، فالوصية بالذكر. ولو قال: نعجة، أو شاة يحلبها، أو ينتفع بدرها ونسلها، فهي بالانثى. قلت: لم يفصح الامام الرافعي بالغرض في هذه المسألة. فإن قال نعجة: فهي للانثى من الضأن بلا خلاف عند الفقهاء وأهل اللغة. وقد أوضحت هذا في تهذيب الاسماء واللغات. وإن قال: شاة يحلبها، أو ينتفع بدرها ونسلها، فهي للانثى من الضأن، أو المعز. والله أعلم. فرع الظباء قد يقال لها: شياه البر، والثور الوحشي قد يسمى شاة في اللغة، لكن مطلق الوصية بالشاة لا يطلق عليها. لكن لو قال: أعطوه شاة من شياهي، وليس له إلا ظباء، ففيه وجهان حكاهما في المعتمد. قلت: ينبغي أن يكون الاصح تنزيل الوصية على واحد منها. والله أعلم. (المسألة) السادسة: البعير، والجمل، والناقة، أسماء تشتمل السليم، والمعيب، والبخاتي، والعراب. ولا يتناول الجمل الناقة، ولا الناقة الجمل. وفي تناول البعير الناقة مثل الخلاف المذكور في تناول الشاة الذكر، والحكاية عن النص المنع،

(5/149)


وتنزيل البعير منزلة الجمل. والاصح عند الاصحاب التناول، لانه إسم جنس عند أهل اللغة. وسمع من العرب: حلب فلان بعيره، وصرعتني بعيري. وربما أفهمك كلام الاصحاب توسطا بينهما، وهو تنزيل النص على ما إذا عم العرف باستعمال البعير بمعنى الجمل، والعمل بمقتضى اللغة إذا لم يعم. فرع إسم الثور للذكر. وفي البقرة وجهان. أصحهما: إختصاصها بالانثى. والثاني: يتناول الذكر، والهاء للواحد، كقولنا: تمرة، وكذا الخلاف في إسم البغلة. فرع قال: أعطوه عشرا من الابل، أو الغنم، جاز الذكر والانثى. ولو قال: عشر أينق، أو بقرات، لم يعط إلا الاناث. ولا فرق بعد التصريح بالاينق والبقرات بين أن يقول: عشرا وعشرة. وهذا تفريع على الاصح، وهو أن البقرة للانثى. ولو قال: أعطوه عشرا من الابل، أو عشرة، جاز الذكر والانثى، لتناول الابل النوعين، وفي وجه حكاه السرخسي: إن قال: عشرة، فللذكور، وعشر، للاناث. ولو قال: أعطوه رأسا من الابل، أو البقر، أو الغنم، جاز الذكر والانثى. فرع أوصى بكلب، أو حمار، قال الغزالي وغيره: لا يدخل فيه الانثى، لانهم ميزوا، فقالوا: كلب وكلبة، وحمار وحمارة. ويشبه أن يقال: إنهما للجنس، لان التمييز ليس مستمرا في اللغة، وبتقدير استمراره، فلا شك في استمرار العرف بخلافه. وقد قال بعض الاصحاب لهذا: يتبع العرف. قلت: الصواب ما قاله الغزالي وغيره. والله أعلم. فرع قياس تكميل البقر بالجواميس في نصب الزكاة، دخول الجواميس في البقر، وكونهما نوعي جنس واحد. وقال في المعتمد: لا تدخل في البقر، إلا إذا قال: من بقري وليس له إلا الجواميس، فوجهان كما ذكر في الظباء. (المسألة) السابعة: الدابة في اللغة: إسم لما يدب على الارض، ثم اشتهر استعماله فيما يركب من البهائم. والوصية تنزل على هذا الثاني. فإذا قال: أعطوه دابة، تناول الخيل، والبغال، والحمير. هذا نص الشافعي رضي الله عنه. فقال

(5/150)


ابن سريج رحمه الله: هذا ذكره الشافعي رحمه الله على عادة أهل مصر في ركوبها جميعا واستعمال لفظ الدابة فيها. فأما سائر البلاد، فحيث لا يستعمل اللفظ إلا في الفرس، لا يعطى إلا الفرس. وقال أبو إسحاق وابن أبي هريرة وغيرهما: الحكم في جميع البلاد كما نص عليه الشافعي رحمه الله، وهذا أصح عند الاصحاب. فعلى هذا، لو قال: دابة من دوابي، وله جنسان من الثلاثة، تخير الوارث. فإن لم يكن له إلا جنس، تعين. وإن لم يكن له شئ منها، فالوصية باطلة. ويدخل في لفظ الدابة، الذكر والانثى، والصغير والكبير، والسليم والمعيب. هذا كله إذا أطلق. فلو قال: دابة للكر والفر، أو للقتال، حمل على الفرس. ولو قال: لينتفع بدرها وظهرها، فكذلك. ولو قال: بظهرها ونسلها، حمل على الفرس، والجمل، والحمارة. ولو قال: للحمل، حمل على البغال والحمير، إلا أن يكون في بلد جرت عادتهم بالحمل على البراذين، فيدخل الجميع. قال المتولي: بل لو كان عر ف بلدهم الحمل على الجمال والبقر، جاز أن يعطى جملا، أو بقرة. وهذا الذي قاله ضعيف، لانا إذا حملنا الدابة على الاجناس الثلاثة لا يصح الحمل على غيرها لقيد أو صفة. قلت: قول المتولي قوي. والله أعلم. (المسألة) الثامنة: إسم الرقيق بالوضع يتناول الصغير والكبير، والسليم والمعيب، والمسلم والكافر، والذكر والانثى والخنثى. فرع إذا قال: أعطوه رأسا من رقيقي، أو أوصيت له برأس من رقيقي، فإن لم يكن له رقيق يوم الوصية، ولا حدث بعد ذلك، فالوصية باطلة. وكذا لو قال: أعطوه عبدي الحبشي، أو العبد الذي صفته كذا، ولا عبد له بتلك الصفة يوم الوصية، ولا حدث، فهي باطلة. فلو حدث له أرقاء بعد الوصية، ففيه الوجهان السابقان في أن الاعتبار بيوم الوصية، أم بيوم الموت ؟ وعليهما يخرج ما إذا كان له أرقاء يوم الوصية وحدث آخرون بعده، وهل للوارث أن يعطيه رقيقا من الحادثين، أم يتعين الاولون ؟ ولو لم يملك إلا رقيقا واحدا وقال: أعطوه رأسا من رقيقي، فهل تصح الوصية ويدفع إليه ذلك الواحد، أم تبطل ؟ وجهان. أصحهما: الاول. وإن

(5/151)


كان له أرقاء، أعطاه الوارث منهم من شاء، ويجوز الخنثى على الاصح، لشمول الاسم. وقيل: لا، لانصرا ف اللفظ إلى المعهود. ولا يجوز أن يعطى من غير أرقائه ولو تراضيا، لان حقه غير متعين، والمصالحة عن المجهول باطلة. فرع له أرقاء أوصى بأحدهم، فماتوا، أو قتلوا قبل موت الموصي، بطلت الوصية. وإن بقي واحد، تعين.. وكذا لو أعتقهم إلا واحدا. وليس للوارث أن يمسك الذي بقي ويدفع إليه قيمة مقتول. وإن قتلوا بعد موته وبعد قبول الموصى له، انتقل حقه إلى القيمة، فيصرف الوارث من شاء منهم إليه. وإن قتلوا بعد موته وقبل القبول، فكذلك إن قلنا: تملك الوصية بالموت، أو موقوفة. وإن قلنا: تملك بالقبول، بطلت الوصية. وإن مات واحد منهم، أو قتل بعد موت الموصي وقبول الموصى له، فللوارث التعيين فيه، حتى يجب التجهيز على الموصى له في صورة الموت، وتكون القيمة له في صورة القتل. وإن كان ذلك بعد موت الموصي وقبل القبول، فكذلك إن قلنا: تملك الوصية بالموت، أو موقوفة. وإن قلنا: تملك بالقبول، فيعطى واحدا من الباقين، كما لو كان ذلك قبل موت الموصي. فرع أوصى برقيق من ماله، ولم يضف إلى أرقائه فإن لم يكن له رقيق، اشتري من ماله. وإن كان، فالوارث يعطيه واحدا منهم، أو يشتري له كما يشاء. وإن قال: اشتروا له مملوكا، فكما ذكرنا في قوله: اشتروا له شاة. ولو قال: أعطوه رقيقا، ولم يقل: من مالي، قال البغوي: لا يكون وصية. وحكى المتولي وجهين. أحدهما: هذا، والثاني - قال: وهو المذهب -: تصحيح الوصية، وجعلها، كقوله: من مالي، لانه المراد ظاهرا. فرع قال: أعطوه عبدا، لم يعط أمة، ولا خنثى مشكلا. ولو قال: أمة، لم يعط عبدا، ولا خنثى مشكلا. وفي الواضح الوجهان السابقان. ولو قال: رقيقا يقاتل، أو يخدمه في السفر، تعين العبد. ولو قال: رقيقا يستمتع به، أو يحضن ولده، تعينت الامة. ولو قال: رقيقا يخدمه، فهو كما لو أطلق. فرع (لو) أوصى بإعتاق عبد، أعتق ما يقع عليه الاسم على الاصح. وقيل: يتعين ما يجزئ في الكفارة، لانه المعروف في الاعتاق، بخلاف: أعطوه

(5/152)


عبدا، فلا عرف فيه. فرع قال: اشتروا بثلثي عبدا واعتقوه عني، فامتثل الوارث، ثم ظهر عليه دين مستغرق، قال الاصحاب: إن اشتراه في الذمة، وقع عنه ولزمه الثمن، ويكون العتق عن الميت، لانه أعتق عنه. وإن اشتراه بعين التركة، بطل الشراء والعتق. كذا ذكروه بلا خلاف. وقد سبق في تصرف الورثة في التركة مع قيام الدين تفصيل، وذكرنا على تقدير البطلان خلافا في أنه إذا تصرف ثم ظهر دين، هل يتبين البطلان، أم لا ؟ وهذا ينبغي أن يكون على ذلك الخلاف. فرع قال: اعتقوا عني رقابا، أو قال: اشتروا بثلث مالي رقابا واعتقوهم، فأقل عدد يقع عليه إسم الرقاب ثلاثة. فإن تيسر شراء ثلاث فصاعدا بثلثه، فعل. قال الشافعي رحمه الله: الاستكثار مع الاسترخاص أولى من الاستقلال مع الاستغلاء، ومعناه: أن إعتاق خمس رقاب قليلة القيمة أفضل من إعتاق أربعة كثيرة القيمة. ولا يجوز صرف الثلث والحالة هذه إلى رقبتين. فإن صرفه إليهما، قال الشيخ أبو الفرج الزاز: يضمن الوصي للرقبة الثالثة. وهل يضمن ثلث ما نفذت فيه الوصية، أم أقل ما يجد به رقبة ؟ فيه الخلاف، كمن دفع نصيب أحد أصناف الزكاة إلى اثنين. أما إذا لم يتيسر شراء ثلاث رقاب بالثلث، فينظر، إن لم يوجد به إلا رقبتان، إشتريناهما وأعتقناهما. وإن وجدنا رقبتين، وفضل شئ، فهل يشتري بالفاضل شقصا ؟ وجهان. أحدهما: نعم واختاره الغزالي. وأصحهما عند جماهير الاصحاب وهو ظاهر النص: المنع، لان الشقص ليس برقبة، فصار كقوله: اشتروا بثلثي رقبة، فلم يجد رقبة، لا يشتري شقصا قطعا. فعلى هذا، يشتري رقبتين نفيستين يستغرق ثمنهما الثلث. فإن فضل عن أنفس رقبتين وجدناهما، بطلت الوصية في الفاضل، ورد على الورثة. وإذا قلنا: يشتري شقصا، فذاك إذا وجد شقص يشترى بالفاضل وزاد على ثمن أنفس رقبتين شئ. فأما إذا لم يمكن شراء شقص بالفاضل، إما لقلته، وإما لعدم الشقص، فيشترى رقبتان نفيستان. فإن فضل شئ عن أنفس رقبتين وجدناهما، بطلت الوصية في الفاضل على الاصح. وقيل: يوقف إلى أن يوجد شقص، فإن لم يزد على ثمن أنفس رقبتين شئ، بل أمكن شراء رقبتين نفيستين، وأمكن شراء خسيستين وشقص

(5/153)


من ثالثة، فأي الامرين أولى ؟ وجهان. أشبههما بالوجه الذي تفرع عليه، الثاني. ولو كان لفظ الموصي: اصرفوا ثلثي إلى العتق، اشترينا الشقص بلا خلاف. ولو قال: اشتروا عبدا بألف واعتقوه، فلم يخرج الالف من ثلثه، وأمكن شراء عبد بالقدر الذي يخرج، فيشترى ويعتق. الطرف الثاني : في اللفظ المستعمل في الموصى له، وفيه مسائل. (المسألة) الاولى: في الوصية للحمل، وقد سبق شرط صحتها. فالمقصود الآن بيان ما يقتضي اللفظ من حيث العدد والذكورة والانوثة. فإذا قال: أوصيت لحمل هند بكذا، فأتت بولدين، وزع عليهما بالسوية، ولا نفضل الذكر على الانثى، كما لو وهب لرجل وامرأة شيئا، إلا أن يصرح بالتفضيل. ولو خرج حي وميت فالاصح أن الجميع للحي، لان الميت كالمعدوم. وقيل: للحي النصف، والباقي لوارث الموصي. فرع قال: إن كان حملها غلاما، فأعطوه كذا، وإن كان جارية، فكذا، واقتصر على أحد الطرفين، فإن ولدت ذكرا أو أنثى، فعل ما ذكر. وإن ولدت ذكرا وأنثى جميعا، فلا شئ لواحد منهما، لانه شرط صفة الذكورة أو الأنوثة في جملة الحمل، ولم يحصل. وإن ولدت ذكرين، قال الغزالي: لا شئ لهما، لان التنكير يشعر بالتوحيد. ويصدق أن يقال: بأن حملها غلامين لا غلاما. لكنه ذكر في الطلاق في قوله: إن كان حملك ذكرا، فأنت طالق طلقة، وإن كان أنثى، فطلقتين، فولدت ذكرين، فيه وجهان. أحدهما: لا تطلق، لهذا المعنى. والثاني: تطلق طلقة. والمعنى: إن كان جن س حملك ذكرا. ولا فرق بين البابين، فيجئ هنا وجه: أنه يقسم المذكور للغلام بينهما. وبهذ قطع الشيخ أبو الفرج الزاز. قال: وبمثله لو قال: إن كان حملها إبنا، فله كذا، وإن كان بنتا، فكذا، فولدت ابنين، لا شئ لهما، وفرق بأن الذكر والانثى أسماء جنس، فتقع على الواحد والعدد، بخلاف الابن والبنت، وهذا ليس بواضح، والقياس أن لا فرق. قلت: بل الفرق واضح، والمختار ما قاله أبو الفرج، فيقسم بين الذكرين في

(5/154)


الصورة الاولى، دون الثانية، لما ذكرناه من الفرق. والله أعلم. ولو قال: إن كان ما في بطنها غلاما، أو الذي في بطنها، فهو كما لو قال: إن كان حملها غلاما. ولو قال: إن كان في بطنها غلام، فأعطوه كذا، فولدت غلاما وجارية، استحق الغلام ما ذكر. وإن ولدت غلامين، فوجهان. أحدهما: بطلان الوصية، بناء على أن التنكير يقتضي التوحيد. وأصحهما: صحتها. فعلى هذا هل يوزع بينهما، أم يوقف إلى أن يبلغا فيصطلحا عليه، أم يصرفه الوارث إلى من شاء منهما كما لو وقع الابهام في الموصى به ؟ فيه أوجه. أصحها: الثالث. وتجري الاوجه فيما لو أوصى لاحد شخصين وجوزنا الابهام في الموصى له فمات قبل البيان، ففي وجه: يعين الوارث. وفي وجه: يوزع. وفي وجه: يوقف حتى يصطلحا. ولو قال: إن كنت حاملا بغلام، أو إن ولد ت غلاما، فهو كما لو قال: إن كان في بطنها غلام. ولو قال: إن ولدت ذكرا، فله مائتان، وإن ولدت أنثى، فمائة، فولدت خنثى، دفع إليه الاقل. وإن ولدت ذكرا وأنثى، فلكل واحد منهما ما ذكر. وإن ولدت ذكرين وأنثيين، جاء الوجهان. ثم الاوجه الثلاثة في كل واحد من الصنفين. المسألة (الثانية): أوصى لجيرانه، صرف إلى أربعين دارا من كل جانب من جوانب داره الاربعة، هذا هو الصحيح المعروف للاصحاب. وقيل: هو الذي تلاصق داره داره. قلت: ويقسم المال على عدد الدور، لا على عدد سكانها. والله أعلم. (المسألة) الثالثة: أوصى للقراء، لا يصرف إلا إلى الذين يقرؤون جميع القرآن، وهل يدخل فيه من يقرأ من المصحف ولا يحفظ ؟ وجهان. ينظر في أحدهما إلى الوضع. والثاني: إلى العرف. والاصح: المنع. ولك أن تقول: إسم القراء والمقرئين في هذه الاعصار يطلق على الحفاظ وعلى الذين يقرؤون بالالحان، وبالمعنى الثاني لا يشترط لاطلاق اللفظ الحفظ، ولا قراءة جميع القرآن، فيجوز أن

(5/155)


يقال: إن كان هناك قرينة تفهم أحد المعنيين، فذاك، وإلا، فهو كما لو أوصى للموالي. قلت: الصواب ما رجحه الاصحاب: أنه لا يعطى إلا من يحفظ الجميع. والله أعلم. (المسألة) الرابعة: أوصى للعلماء أو لاهل ا - علم، صرف إلى العلماء بعلوم الشرع، وهي: التفسير، والفقه، والحديث. ولا يدخل فيه الذين يسمعون الحديث ولا علم لهم بطرقه، ولا بأسماء الرواة ولا بالمتون، فإن السماع المجرد ليس بعلم. ولا يدخل أيضا المقرئون وعابرو الرؤيا، ولا الادباء، والاطباء، والمنجمون، والحساب، والمهندسون، وقال أكثر الاصحاب: ولا يدخل فيه المتكلمون أيضا، وقال المتولي: الكلام يدخل في العلوم الشرعية، وهذا قريب.

(5/156)


فرع أوصى للفقهاء أو المتفقهة أو الصوفية، فهو على ما ذكرناه في الوقف. لكن في لفظ البغوي: أنه لا يقنع بما سبق في تفسير الفقهاء، لانه قال: لو أوصى للفقهاء، فهو لمن يعلم علم أحكام الشرع في كل نوع شيئا. وفي التتمة: أن الرجوع فيه إلى العادة. ثم ذكر وجها أن من حفظ أربعين مسألة، فهو فقيه وهو ضعيف جدا. (المسألة) الخامسة: أوصى لاعقل الناس في بلده، صرف إلى أزهدهم في الدنيا، نص عليه الشافعي رضي الله عنه. ولو أوصى لاجهل الناس، حكى الروياني: أنه يصرف إلى عبدة الاوثان. فإن قال: من المسلمين، قال: من يسب الصحابة رضي الله عنهم. وقال المتولي: يصرف إلى الامامية المنتظرة للقائم، وإلى المجسمة. قلت: وقيل: يصرف إلى مرتكبي الكبائر من المسلمين، إذ لا شبهة لهم. والله أعلم

(5/157)


(المسألة) السادسة: يدخل في الوصية للفقراء المساكين، فيجوز الصرف إلى هؤلاء وإلى هؤلاء، وكذلك يدخل في الوصية للمساكين الفقراء، ويجوز الصرف إلى الصنفين، لان كل واحد من الاسمين يقع على الفريقين عند الانفراد. وفي قول: ما أوصى به للفقراء، لا يصرف إلى المساكين، ويجوز عكسه، رواه عصام بن يوسف عن الشافعي رضي الله عنه، والمشهور الاول. ولو جمع بينهما، فأوصى للفقراء والمساكين، وجب الجمع بينهما، كما في الزكاة. ولو أوصى لسبيل الله، أو قال: ضعوا ثلثي في سبيل الله، فهو للغزاة المساكين المستحقين للزكاة. ولو أوصى للرقاب، أو قال: ضعوا ثلثي في الرقاب، فللمكاتبين. فإن دفع إلى مكاتب، فعاد إلى الرق والمال باق في يده أو في يد سيده، استرد. ولو أوصى للغارمين أو لابن السبيل، فلمن تصرف إليه الزكاة منهم. وبالجملة فالحكم في هذه المسائل كما في الزكاة، أخذا بعرف الشرع فيها. حتى إذا أوصى للفقراء والمساكين، جعل المال بين الصنفين نصفين. ولا يجعل على عدد رؤوسهم، بخلاف ما إذا أوصى لبني زيد، وبني عمرو. ولا يجب أيضا الاستيعاب، بل يكفي الصرف إلى الثلاثة من كل صنف. ولا تجب التسوية بين الثلاثة. ولو دفع إلى اثنين، غرم، إما الثلث، وإما أقل ما يتمول كما سبق في قسم الصدقات. ثم ليس له دفع ما يغرمه إلى ثالث، بل يسلمه إلى القاضي ليدفعه بنفسه، أو يرده إليه ويأتمنه بالدفع. فرع الوصية للعلماء وسائر الموصوفين، كالوصية لاصناف الزكاة في أنه لا

(5/158)


يجب الاستيعاب، ويقتصر على ثلاثة، والافضل إستيعاب الموجودين عند الامكان. كما في الزكاة. فرع لو أوصى لفقراء بلد بعينه، وهم عدد محصورون، اشترط استيعابهم والتسوية بينهم، لتعينهم. بل يشترط القبول في هذه الوصية، بخلاف الوصية لمطلق الفقراء. ذكره صاحب التهذيب وغيره. وفي جواز نقل ما أوصى به للفقراء أو المساكين من بلد إلى بلد، خلاف سبق في قسم الصدقات، والمذهب الجواز. فإذا قلنا: لا يجوز، وجب أن يكون قوله: أوصيت للفقراء - وفقراء البلد محصورون - كقوله: أوصيت لفقراء هذه البلدة - وهم محصورون -، ويدل عليه أن الاستاذ أبا منصور ذكر في الوصية للغارمين، أنه يعطى لثلاثة منهم إن كانوا غير محصورين، فإن كانوا محصورين، استوعبوا. فإن اقتصر الوصي على ثلاثة، فهل يجزئه، أم يضمن حصة الباقين ؟ فيه جوابان. فإن قلنا بالثاني، فالحساب على قدر ديونهم، أم على رؤوسهم ؟ وجهان. قلت: الصحيح المعتمد ما قاله الاصحاب، وهو ما سبق. والله أعلم. فرع لو أوصى لثلاثة معينين، وجب التسوية بينهم، بخلاف الثلاثة المصروف إليهم من الفقراء وسائر الاصناف، لانا عرفنا ذلك من معهود الشرع في الزكاة، والاستحقاق هنا مصاف إلى أعيانهم.

(5/159)


فرع لو أوصى لسبيل البر، أو الخير، أو الثواب، فعلى ما ذكرناه في الوقف. فرع لو قال: ضع ثلثي حيث رأيت، أو فيما أراك الله، ليس له وضعه في نفسه، كما لو قال: بع، لا يبيع لنفسه. والاولى صرفه إلى أقارب الموصي الذين لا يرثونه، ثم إلى محارمه من الرضاع، ثم إلى جيرانه. (المسألة) السابعة: أوصى لاقارب زيد، دخل فيه الذكر والانثى، والفقير والغني، والوارث وغيره، والمحرم وغيره، والقريب والبعيد، والمسلم والكافر، لشمول الاسم. ولو أوصى لاقارب نفسه، ففي دخول ورثته وجهان. أحدهما: المنع، لان الوارث لا يوصى له. فعلى هذا، يختص بالباقين، وبهذا قطع المتولي، ورجحه الغزالي، وهو محكي عن الصيدلاني. والثاني: الدخول، لوقوع الاسم، ثم يبطل نصيبهم ويصح الباقي لغير الورثة. ولك أن تقول: يجب اختصاص الوجهين بقولنا: الوصية للوارث باطلة. فأما إن وقفناها على الاجازة، فليقطع بالوجه الثاني. قلت: الظاهر أنه لا فرق في جريانهما، لان مأخذهما أن الاسم يقع، لكنه خلاف العادة. والله أعلم. وهل يدخل في الوصية لاقارب زيد أصوله وفروعه ؟ فيه أوجه، أصحها عند الاكثرين: لا يدخل الابوان والاولاد، ويدخل الاجداد والاحفاد، لان الوالد والولد لا يعرفان بالقريب في العرف، بل القريب من ينتمي بواسطة. والثاني: لا يدخل أحد من الاصول والفروع. والثالث: يدخل الجميع، وبه قطع المتولي. وقد ادعى

(5/160)


الاستاذ أبو منصور الاجماع على أنه لا يدخل الابوان والاولاد. ويعتبر أقرب جد ينسب إليه الرجل، ويعد أصلا وقبيلة في نفسه، فيرتقي في بني الاعمام إليه، ولا يعتبر من فوقه. حتى لو أوصى لاقارب حسني، أو أوصى حسني لاقارب نفسه، لم يدخل الحسينيون، وكذلك وصية المأموني لاقاربه. والوصية لاقارب المأموني لا يدخل فيها أولاد المعتصم وسائر العباسية. والوصية لاقارب الشافعي رضي الله عنه في زمانه، تصرف إلى أولاد شافع، ولا يدخل فيها أولاد علي والعباس رضي الله عنهما وإن كان شافع وعلي والعباس كلهم أولاد السائب بن عبيد. والشافعي هو محمد بن إدريس، بن العباس، بن عثمان، بن شافع، بن السائب، بن عبيد، بن عبد يزيد، بن هاشم، بن عبد المطلب، بن عبد مناف. ولو أوصى رجل لاقارب بعض أولاد الشافعي في هذه الازمنة، دخل فيه أولاد الشافعي دون غيرهم من أولاد شافع. وعلى هذا القياس. فرع إذا أوصى لاقاربه، فإن كان أعجميا، دخل قرابة الاب والام. وإن كان عربيا، فوجهان. أصحهما وبه قطع العراقيون وهو ظاهر نصه في المختصر: دخولهم من الجهتين كالعجم. والثاني: لا تدخل قرابة الام، ورجحه الغزالي، والبغوي، لان العرب لا تفتخر بها. فرع لا فرق في جميع ما ذكرناه بين قوله: أوصيت لاقاربي، أو لقرابتي، أو لذي قرابتي، أو ذي رحمي، أو ذوي قرابتي، أو ذوي رحمي، لكن قرابة الام تدخل في لفظ الرحم بلا خلاف في الوصية العرب والعجم جميعا. فرع إذا لم يوجد قريب واحد، صرف المال إليه إن أوصى لذي قرابته، أو ذي رحمه، أو لقرابته، لانه يوصف به الواحد والجمع. فإن كان اللفظ: لاقاربي، أو أقربائي، أو ذوي قرابتي، أو ذوي رحمي، فثلاثة أوجه. الاصح: أنه يعطى كل المال. والثاني: نصفه. والثالث: ثلثه، وتبطل الوصية في الباقي. وإن كان هناك جماعة محصورة، قسم المال بينهم بالسوية، ويجب استيعابهم على الصحيح. وحكى الحناطي وجها: أنه يجوز صرفه إلى ثلاثة منهم. وإن كانوا غير محصورين، فهو كالوصية للعلوية والقبائل العظيمة، وسيأتي بيانه إن شاء الله تعالى قريبا.

(5/161)


(المسألة) الثامنة: أوصى لاقرب أقارب زيد، دخل فيها الابوان والاولاد. فإن اجتمع أب وابن، فوجهان. وقيل: قولان. أحدهما: يسوى بينهما، لاستوائهما في الرتبة، فعلى هذا يقدم الاب على ابن الابن. وأصحهما وبه قطع طوائف: يقدم الابن لقوته وعصوبته. فعلى هذا، الاولاد مقدمون على من سواهم، ثم يليهم البطن الثاني، ثم الثالث، إلى حيث ينتهون. ويستوي أولاد البنين والبنات. فإن لم يكن أحد من الاولاد والاحفاد، قدم الابوان، ثم بعدهما الاجداد والجدات، إن لم يوجد الاخوة والاخوات، يقدم الاقرب فالاقرب منهم. أو الاخوة والاخوات، إن لم يوجد الاجداد والجدات، فإن اجتمع جد وأخ، قدم الاخ على الاظهر. والثاني: يستويان. وقيل: يقدم الاخ قطعا. ويجري هذا الخلاف في الجد أبي الاب، والجد أبي الام، مع الاخ للام والاخ لاب. فإن قلنا بالتسوية، فالجد أولى من ابن الاخ. وإن قدمنا الاخ، فكذا ابنه وإن سفل. والمذهب تقديم ابن الاخ على أبي الجد. وقيل بطرد الخلاف. ثم يقدم بعدهم أولاد الاخوة والاخوات، ثم الاعمام والعمات، ويساويهم الاخوال والخالات، ثم أولاد هؤلاء. والاخ من الجهتين، يقدم على الاخ من إحداهما، لزيادة قرابته. كذا قطع به الجمهور، وهو المذهب، وحكى الحناطي والامام عن بعضهم في تقديمه قولين كولاية النكاح. والاخ من الاب، والاخ من الام، يستويان. وكذا القول في أولاد الاخوة، والاعمام، والاخوال، وأولادهم. وفي تقديم الجدة من جهتين على الجدة من جهة، وجهان كالوجهين، ترجيحها في الميراث. ويحصل مما ذكرناه أنه إذا اجتمع أولاد إخوة مفترقين وأولاد أخوات مفترقات، فالمال لولد الاخ من الابوين وولد الاخت من الابوين، فإن لم يوجد أولاد الاخوة والاخوات من الابوين، فأولادهم من الاب وأولادهم من الام سواء. هذا إذا استوت الدرجة. فإن اختلفت، قدم الاقرب من أي جهة كان. فيقدم الاخ من الاب على ابن الاخ للابوين، ويقدم ابن الاخ للاب وابن الاخ للام على ابن ابن الاخ للابوين، لان جهة الاخوة واحدة. فروعي قرب الدرجة. فأما إذا اختلفت الجهة، فالبعيد من الجهة القريبة يقدم على القريب من الجهة البعيدة. فيقدم ابن ابن الابن على الاخ. ويقدم ابن ابن الاخ وإن سفل على العم. ولا يرجح في هذا الباب بالذكورة، ولا ينظر إلى الورثة، بل يستوي في الاستحقاق، الاب، والام. وكذا الابن والبنت، وكذا الاخ والاخت، كما يستوي

(5/162)


المسلم والكافر، ويقدم ابن البنت على ابن ابن الابن. وكل ذلك لان الاستحقاق منوط بزيادة القرب. فرع أوصى لجماعة من أقرب أقارب زيد، فلا بد من الصرف إلى ثلاثة، فإن كان له في الدرجة القربى ثلاثة، دفع إليهم. وإن كانوا أكثر، وجب تعميمهم على الاصح، لئلا تصير وصية لغير معين، بخلاف الفقراء، لان المراد بهم الجهة. وقيل: لا، فيختار الوصي ثلاثة منهم. فإن كانوا دون الثلاثة، تممنا الثلاثة ممن يليهم، فإن كان له إبنان، وابن ابن، دفع إليهم. وإن كان ابن، وابن ابن، وابن ابن ابن، دفع إليهم. وإن كان ابن، وابنا ابن، فكذلك. وإن كان ابن، وابن ابن، وبنو ابن ابن، دفع إلى الابن وابن الابن. وهل يدفع معهما إلى واحد من الدرجة الثالثة، أم يعممون ؟ فيه الوجهان. وإذا قلنا: يعممون، فالقياس التسوية بين كل المدفوع إليهم. وفي تعليق الشيخ أبي حامد: أن الثلث لمن في الدرجة الاولى، والثلث لمن في الثانية، والثلث لمن في الثالثة. هذا ما نص عليه الشافعي، وقال الاصحاب في هذا الفرع: وكان الاشبه أن يقال: إنها وصية لغير معين. قلت: الصواب، ما نص عليه، وقاله الاصحاب. والله أعلم. فرع أوصى لاقرب أقارب نفسه، فالترتيب كما ذكرنا، لكن لو كان الاقرب وارثا، صرفنا إلى من يليه ممن ليس بوارث، إن لم نصحح الوصية للوارث، أو صححناهما فلم يجزها سائر الورثة، كذا نقله البغوي وغيره، وهو تفريع على أنه لو أوصى لاقارب نفسه، لم تدخل الورثة بقرينة الشرع. أما إذا قلنا: يدخلون، ويوزع عليهم وعلى من ليس بوارث، فهنا تبطل الوصية، إلا أن يتعدد الاقربون ويكون فيهم وارث وغير وارث. (المسألة) التاسعة: آل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: هل هم بنو هاشم وبنو المطلب فقط، أم جميع أمته ؟ فيه وجهان ذكرناهما في كتاب الصلاة. أصحهما: الاول. ولو أوصى لآل غيره - صلى الله عليه وسلم -، فوجهان. أحدهما: بطلان الوصية، لابهام اللفظ وتردده بين

(5/163)


القرابة وأهل الدين وغيرهما. وأصحهما: الصحة، لظهور أصل له في الشرع. وعلى هذا قال الاستاذ أبو منصور: يحتمل أن يكون كالوصية للقرابة، ويحتمل أن يفوض إلى اجتهاد الحاكم. فإن كان هناك وصي، فهل المتبع رأي الحاكم، أم الوصي ؟ حكى الامام فيه وجهين، ولم يذكروا أن الحاكم والوصي يتحريان مراد الموصي أم أظهر معاني اللفظ بالوضع أو الاستعمال. وينبغي أن يقال: المرعي مراده إن أمكن العثور عليه بقرينة، وإلا، فأظهر المعاني. قلت: وهذا الذي اختاره الرافعي هو الراجح المختار. والله أعلم. فرع في أهل بيت الرجل وجهان. أحدهما: الحمل على ما يحمل عليه الآل. وأصحهما: دخول الزوجة أيضا. وفي أهله دون لفظ البيت وجهان. أحدهما: الحمل على الزوجة فقط. والثاني: على كل لن تلزمه نفقته. فعلى الاول لو صدرت الوصية من امرأة، بطلت. قلت: ينبغي أن لا تبطل، بل يتعين الوجه الثاني، أو يرجع فيه إلى العرف. والارجح من الوجهين الثاني. والله أعلم. (المسألة) العاشرة: آباء فلان: أجداده من الطرفين. وأمهاته: جداته من الطرفين. هكذا ذكره أبو منصور وغيره. وحكى الامام وجهين. أحدهما: هذا. وأصحهما عنده: لا يدخل الاجداد من جهة الام في الآباء، ولا الجدات من جهة الاب في الامهات. ولا خلاف في شمول الاجداد والجدات الطرفين، ولا يدخل في الاخوة والاخوات. (المسألة) الحادية عشرة: الاختان أزواج البنات، ولا يدخل فيه أزواج العمات والخالات. وفي أزواج الاخوات وجهان. أصحهما عند الامام: المنع. ويدخل أزواج الحوافد إن قلنا بدخول الاحفاد في الوصية للاولاد. وفي وجه: يدخل زوج كل ذات رحم محرم. ثم الاعتبار بكونه زوجها عند الموت. فلو كانت خلية يوم الوصية، منكوحة يوم الموت، استحق زوجها. وإن كانت مزوجة يوم الوصية،

(5/164)


مطلقة يوم الموت، فإن كان الطلاق رجعيا، استحق، وإلا، فلا. وإن أبانها بين الموت والقبول، استحق إن قلنا: يستحق الوصية بالموت أو موقوفة. وإن قلنا: بالقبول، فوجهان. ويجري الخلاف فيمن تزوجت بعد الموت وقبل القبول. فرع أحماء الرجل أبوا زوجته. وفي دخول أجدادها وجداتها تردد حكاه الامام، ولا يدخل أبوا زوجة الاب، وأبوا زوجة الابن، والاصهار كالاحماء، كذا نقله الاستاذ أبو منصور، وإمام الحرمين. وفي أمالي السرخسي: أن كل رجل من المحارم، فأبو زوجته، حمو. وأن الاصهار يشمل الاختان والاحماء. قلت: هذا الذي قاله السرخسي هو المعروف عند أهل اللغة. والله أعلم. فرع يدخل في المحارم، كل محرم بالنسب، أو بالرضاع، أو بالمصاهرة. فرع الاولاد، والذرية، والعقب، والنسل، والعترة، على ما ذكرناه في الوقف. فرع قال: لورثة فلان، فلمن ورثه من ذكر أو أنثى بنسب أو سبب بالسوية، لا على مقادير الارث. فإن لم يكن له وارث خاص، وصرف ماله إلى بيت المال، بطلت الوصية. وإن ورثه بنت واحدة، ولم يحكم بالرد، استحقت جميع الوصية على الاصح، وقسطها في الآخر. ولو مات الموصي، وبقي الذي أوصى لورثته أو عقبه حيا، فالمنقول عن الاصحاب: بطلان الوصية، لانه لا يورث، ولا يعقبه أحد في حياته. وقال الامام: الظاهر عندي صحتها في لفظ العقب إن كان له أولاد، لانهم يسمون عقبه في حياته. قال: ومثل هذا محتمل في لفظ الورثة. وعلى هذا، فيوقف إلى أن يموت فيتبين من يرثه. قلت: هذا الذي اختاره الامام في العقب، هو الذي قطع به صاحب العدة وجعله مذهبنا، وجعل البطلان مذهب أبي حنيفة. وهذا هو الراجح إن شاء الله تعالى. والله أعلم.

(5/165)


ولو أوصى لعصبة فلان، لم يشترط في الاستحقاق كون فلان ميتا يوم موت الموصي قطعا، بخلاف ما ذكروه في لفظ الورثة والعقب. ثم أولادهم بالتعصيب، أولادهم بالوصية. (المسألة) الثانية عشرة: الوصية للموالي على ما ذكرناه في الوقف. فإن كان له موال من أعلى، وموال من أسفل، ففيه الاوجه السابقة، وفي قول عن رواية البويطي: يوقف إلى الاصطلاح. أما إذا لم يكن إلا أحدهما، فيصرف المال إليه. فإن اقتضى الحال الحمل على الاسفل، أو صرح به، استحق كل من عتق عليه بتبرع، أو ملك، أو نذر، أو كفارة. وفي أم الولد والمدبر وهما يعتقان بموته وجهان. قلت: الاصح: لا يدخلان، إذ ليسا من الموالي، لا حال الوصية، ولا حال الموت. والله أعلم. (المسألة) الثالثة عشرة: يتامى القبيلة، هم الصبيان الفاقدون لآبائهم. وفي اشتراط الفقر فيهم، وجهان. أشبههما ما قيل في الغنيمة: نعم، وبه قطع أبو منصور. ثم إن انحصروا، وجب تعميمهم، وإلا، جاز الاقتصار على ثلاثة. فرع العميان، والزمنى، كالايتام في التفصيل والخلاف. قلت: قطع صاحب العدة بعدم اشتراط الفقر في الزمنى، قال: ومثله الوصية لاهل السجون، وللغارمين، وتكفين الموتى، وحفر القبور، ويدخل في كل ذلك الغني، والفقير. والمختار طرد الخلاف. والله أعلم. (المسألة) الرابعة عشرة: إسم الارامل، يقع على من مات زوجها، والمختلعة، والمبتوتة، دون الرجعية، والايامى غير ذوات الازواج، هذه عبارة الاستاذ، وبها أخذ الامام وقال: الفرق، أن الارملة: من كان لها زوج، والايم لا يشترط فيها تقدم زوج، ويشتركان في اشتراط الخلو عن الزوج في الحال. وعبارة صاحبي المهذب والتهذيب: لا يعتبر تقدم زوج في الارملة. وفي اشتراط الفقر،

(5/166)


الوجهان المذكوران في الايتام. وقطع الامام بالاشتراط هنا. وفي دخول رجل لا زوجة له في الارامل وجهان. قلت: الاصح تخصيص الارملة بمن فارقها زوجها، ونقله إمام الحرمين عن نص الشافعي، وهو المفهوم في العرف. والاصح: أن الرجل لا يدخل في الارامل. والله أعلم. فرع ثيب القبيلة: النساء دون الرجال على الاصح. وعلى الثاني: يدخل الرجال الذين أصابوا. وفي الابكار هذا الخلاف. (المسألة) الخامسة عشرة: المعتبرون من الاقارب، هم الذين يتعرضون ولا يسألون، وذوو القنوع: الذين يسألون. (المسألة) السادسة عشرة: غلمان القبيلة، وصبيانهم، والاطفال، والذراري: هم الذين لم يبلغوا. واختلفوا في الشيوخ، والشبان، والفتيان، ففي المهذب والتهذيب: أن الشيوخ: من جاوزوا أربعين سنة. والفتيان والشبان: من جاوز البلوغ إلى الثلاثين. والمفهوم منه، أن الكهول: من الثلاثين إلى الاربعين. ونقل الاستاذ عن الاصحاب أنهم قالوا: إن الرجوع في ذلك إلى اللغة، واعتبار لون الشعر في السواد والبياض والاختلاط، ويختلف ذلك باختلاف أمزجة الناس. قلت: هذا المنقول عن المهذب والتهذيب قاله أيضا آخرون، وهو الاصح المختار. وصرح الروياني وغيره بأن الكهول: من جاوز ثلاثين إلى أربعين. وكذا قال أهل اللغة: إنه من جاوز الثلاثين. لكن قال ابن قتيبة: إنه يبقى حتى يبلغ خمسين. وقد أوضحت هذه الاسماء مع اختلاف العلماء فيها وما يتعلق بها في تهذيب الاسماء. ومن المسائل المتعلقة بما سبق، لو أوصى للحجيج، قال صاحب العدة: يستحب دفعه إلى فقرائهم، فإن صرف إلى فقرائهم وأغنيائهم، جاز، لشمول الاسم. وينبغي أن يطرد فيه الوجهان، كالايتام، والارامل. واشتراط الفقر هنا أرجح. والله أعلم.

(5/167)


فصل إذا أوصى لزيد وجماعة معه. فإما أن يكونوا موصوفين، أو معينين. الحال الاول: موصوفون، غير محصورين، كالفقراء، والمساكين. وفي زيد أوجه. أصحها: أنه كأحدهم، فيجوز أن يعطى أقل ما يتمول، ولكن لا يجوز حرمانه وإن كان غنيا. والثاني: أنه يعطى سهما من سهام القسمة. فإن قسم المال على أربعة من الفقراء، أعطي زيد الخمس. وإن قسمه على خمسة، فالسدس، وعلى هذا القياس. والثالث: لزيد ربع الوصية، والباقي للفقراء، لان أقل من يقع عليه اسم الفقراء ثلاثة. والرابع: له النصف، ولهم النصف. والخامس: إن كان فقيرا، فهو كأحدهم، وإلا، فله النصف. والسادس: إن كان غنيا، فله الربع، لانه لا يدخل فيهم، وإلا، فالثلث، لدخوله فيهم. والسابع: أن الوصية في حق زيد باطلة، لجهالة من أضيف إليه، حكاه السرخسي في الامالي، وهو ضعيف جدا. ولا بد على اختلاف الاوجه من الصرف إلى ثلاثة من الفقراء. هذا كله إذا أطلق ذكر زيد. أما إذا وصفه بصفة الجماعة، فقال: لزيد الفقير، وللفقراء، فيجري الخلاف فيما لزيد إن كان فقيرا. ومنهم من خص الاوجه بهذه الحالة. وبقي القول بكونه كأحدهم عند الاطلاق. وإن كان غنيا، فلا شئ له، ونصيبه للفقراء إن قلنا: إنه كأحدهم، وإلا، فهو لورثة الموصي. وإن وصف زيدا بغير صفة الجماعة، فقال: لزيد الكاتب، وللفقراء، قال الاستاذ أبو منصور: فله النصف بلا خلاف. ويشبه أن يجئ القول بأن له الربع إن لم تجئ باقي الاوجه. ولو أوصى لزيد بدينار، وللفقراء بثلث ماله، لم يصرف إلى زيد غير الدينار وإن كان فقيرا، لانه قطع اجتهاد الوصي بالتقدير، ويحتمل الجواز. ولو أوصى لزيد، وللفقراء والمساكين، فإن جعلناه في الصورة السابقة كأحدهم، فكذا هنا. وإن قلنا: له النصف، فهنا الثلث. وإن قلنا: الربع، فهنا السبع. الحال الثاني: إذا كانوا معينين، نظر، إن لم يكونوا محصورين كالعلويين، فسنذكر الخلاف في صحة الوصية لهم إن شاء الله تعالى. فإن صححنا، فالحكم كما إذا كانوا موصوفين. وإن لم نصحح، قال المسعودي: هو كما لو أوصى لزيد وللملائكة، وسيأتي بيانه إن شاء الله تعالى. وإن كانوا محصورين، فهل هو

(5/168)


كأحدهم، أم له النصف ؟ قال أبو منصور: فيه احتمالان، أصحهما: الثاني. ثم حكى خلافا في أن النصف الذي لهم، يقسم بين جميعهم، أم يجوز صرفه إلى ثلاثة منهم ؟ والصحيح وجوب القسمة بين الجميع. فرع له ثلاث أمهات أولاد، فأوصى لامهات أولاده، وللفقراء والمساكين، قال المتولي: الصحيح: أنه يقسم على الاصناف أثلاثا. وعن أبي علي الثقفي: أنه يقسم على خمسة، لان أمهات الاولاد محصورات يجب استيعابهن، والفقراء والمساكين غير محصورين، فيجعل كل واحد من الصنفين مصرفا، وكل واحدة منهن مصرفا. فصل الوصية لجماعة معينين غير محصورين، كالهاشمية، والطالبية، والعلوية، صحيحة على الاظهر، كالفقراء. فعلى هذا، يجوز الاقتصار على ثلاثة منهم، ولا تجب التسوية بينهم ولا يشترط القبول، كالفقراء. ومتى أوصى لبني فلان. فإن عدوا قبيلة، كبني هاشم، وبني تميم، فهي كالوصية للعلوية. وفي جواز الصرف إلى إناثهم وجهان، أصحهما: الجواز. وإن لم يعدوا قبيلة، كبني زيد وعمرو، اشترط القبول والاستيعاب والتسوية. ولا يجوز الصرف إلى الاناث. قلت: وتصح الوصية هنا قطعا. والله أعلم. فصل أوصى لزيد وجبريل، فوجهان. أصحهما: لزيد النصف، وتبطل الوصية في الباقي. كما لو أوصى لابن زيد، وابن عمرو، ولم يكن لعمرو ابن، أو لزيد وعمرو وابني بكر، فلم يكن له إلا ابن اسمه زيد، يكون النصف للموجود، ويبطل الباقي. والثاني: أن لزيد الكل، ويلغو ذكر من لا يملك، بخلاف ما إذا ذكر معه من يملك. ويجري الوجهان في كل صورة أوصى لزيد ولمن لا يوصف

(5/169)


بالملك، كالشيطان، والريح، والحائط، والبهيمة، وغيرها. ولو أوصى لزيد، وللملائكة أو للرياح، أو للحيطان، فإن جعلنا الكل لزيد، فذاك، وإلا، فهل له النصف، أم الربع، أم للموصي أن يعطيه أقل ما يتمول ؟ فيه الخلاف السابق في الوصية لزيد وللفقراء. ولو أوصى لزيد ولله تعالى، فهل يكون لزيد الجميع وذكر الله تعالى للتبرك ؟ أم له النصف والباقي للفقراء ؟ أم له النصف والباقي يصرف في وجوه القرب لانها مصرف الحقوق المضافة إلى الله تعالى ؟ أم يرجع النصف الثاني إلى ورثة الموصي ؟ فيه أربعة أوجه، أصحها: الثالث. وقدمنا وجها فيما إذا أوصى لاجنبي ووارث، وبطلت في حق الوارث: أنها تبطل في حق الاجنبي أيضا، بناء على تفريق الصفقة. وذلك الوجه مع ضعفه، يلزم طرده في نصيب زيد في هذه الصور. قلت: فلو قال: أوصيت بثلث مالي لله عزوجل، صرف في وجوه البر، ذكره صاحب العدة وقال: هو قياس قول الشافعي رحمه الله. والله أعلم.
القسم الثاني : من أقسام الباب في الأحكام المعنوية. قد سبق أن الوصية بمنافع

(5/170)


العبد والدار صحيحة مؤبدة ومؤقتة، وكذا بغلة الدار والحانوت، وكذا بثمار البستان التي تحدث على الاصح. ولو أوصى بخدمة عبد سنة، ولم تعين صحت الوصية، والتعيين للوارث. ويجوز أن يجعل له ثمرة بستانه العام، فإن لم يثمر، فثمرة العام القابل، أو خدمة عبده العام، فإن مرض، فخدمة العام الثاني. ويجوز أن يوصي بخدمة عبده لرجل مدة حياة زيد. إذا تقرر هذا، فالغرض الآن الكلام في مسائل الوصية بالمنافع، وهو مبني على أصل، وهو أن هذه الوصية تمليك للمنافع بعد الموت، وليست مجرد إباحة، كما أن الوصية بالاعيان تمليك لها بعد الموت. فلو مات الموصى له، ورثت عنه كسائر حقوقه، وله الاجارة والاعارة والوصية بها. ولو تلف العبد في يده، لم يضمنه، كما لا يضمن المستأجر. قال البغوي: وليس عليه مؤنة الرد. هذا كله إذا أطلق الوصية، أو قيدها بالتأبيد. والمراد بالتأبيد: استيعاب الوصية منفعة العبد مدة حياته. وكذا الحكم فيما لو أوصى بمنفعته مدة مقدرة، كشهر وسنة. وحكي وجه: أنها لا تنتقل إلى وارث الموصى له، لا عند الاطلاق، ولا إذا قدر مدة ومات الموصى له قبل انقضائها. والصحيح المعروف الاول. أما إذا قال: أوصيت لك بمنافعه حياتك، فهو إباحة، وليس بتمليك، فليس له الاجارة. وفي الاعارة وجهان. وأما إذا مات الموصى له، رجع الحق إلى ورثة الموصي. ولو قال: أوصيت لك بأن تسكن هذه الدار، أو بأن يخدمك هذا العبد، فهو إباحة أيضا، لا تمليك، بخلاف قوله: أوصيت لك بسكناها، وخدمته. هكذا

(5/171)


ذكره القفال وغيره. وفي فتاوى القفال أنه لو قال: أطعموا زيدا كذا رطلا من الخبز من مالي، اقتضى تمليكه، كما في إطعام الكفارة. ولو قال: اشتروا خبزا واصرفوه إلى أهل محلتي، فسبيله الاباحة. هذا هو الاصل. أما المسائل، فإحداها: فيما يتعلق بجانب الموصى له، فيملك إثبات اليد على العبد الموصى بمنفعته، ويملك منافعه وأكسابه المعتادة، من الاحتطاب، والاحتشاش، والاصطياد، وأجرة الحرفة، لانها أبدال منافعه. ولا يملك الكسب النادر، كالهبة واللقطة على الاصح، لانه لا يقصد بالوصية. وحكى الحناطي وأبو الحسن العبادي وجها في كل الاكساب، وهو ضعيف، وسيأتي دليله إن شاء الله تعالى. ولو أتت الجارية الموصى بمنفعتها بولد من نكاح أو زنا، فثلاثة أوجه. أصحها وبه قطع العراقيون والبغوي: حكم الولد حكم أمه، رقبته للورثة، ومنفعته للموصى له، لانه جزء منها. والثاني: أنه للموصى له، ككسبها. والثالث: لورثة الموصي، لانه غير المنفعة. وإذا وطئت بشبهة، أو زوجت، ففي المهر وجهان. قطع العراقيون والبغوي بأنه للموصى له، كالكسب. والمنسوب إلى المراوزة: أنه لورثة الموصي، وبه قطع المتولي، وصححه الغزالي، وهو الاشبه، لانه بدل منفعة البضع، ومنفعة البضع لا تجوز الوصية بها، فكان تابعا للرقبة. ولا يجوز للموصى له وطؤها بلا خلاف فإن وطئ، لميحد على الصحيح، للشبهة. وقيل: يحد، كالمستأجر. ولو أولدها بالوطئ، لم تصر أم ولد له، لكن الولد حر على الصحيح، للشبهة. وقيل: رقيق. وإذا قلنا: حر، فإن قلنا: الولد المملوك كالكسب، فلا قيمة عليه، وإلا، فعليه القيمة. ثم هل هي لمالك الرقبة ؟ أم يشترى بها عبد تكون رقبته لمالك العبد ومنفعته للموصى له ؟ وجهان. هذا ما ذكروه في هذه الصور، ولم يفرقوا بين قوله: أوصيت بمنفعة العبد، أو غلته، أو خدمته، أو كسبه، وبمنفعة الدار، أو سكناها، أو غلتها. وكان الاحسن أن يقال: الوصية بالمنفعة تفيد استحقاق الخدمة في العبد، والسكنى في الدار. والوصية بالخدمة والسكنى لا تفيد استحقاق سائر المنافع. ألا ترى أنه إذا استأجر عبدا للخدمة، لا يملك تكليفه البناء، والغراس، والكتابة. وإذا استأجر دارا للسكنى، لم يكن له أن

(5/172)


يعمل فيها عمل الحدادين والقصارين، ولا أن يطرح الزبل فيها، ولا يبعد أن يكون هذا مرادهم وإن أطلقوا، بل ينبغي أن يقال: الوصية بالغلة والكسب لا تفيد استحقاق السكنى والركوب والاستخدام، وبواحد منها لا يفيد استحقاق الغلة والكسب. وهذا يوافق الوجه السابق عن الحناطي والعبادي. فرع هل ينفرد الموصى له بالمسافر بالموصى بمنفعته ؟ وجهان. أحدهما: لا، كزوج الامة. وأصحهما: نعم، لاستغراقه المنافع. المسألة الثانية: فيما يتعلق بجانب وارث الموصي، وفيه أربعة فروع. الاول: الوارث يملك إعتاق الموصى بمنفعته، لان رقبته له، وأشار صاحب الرقم وغيره إلى خلاف فيه. والمذهب الاول، لكن لا يجري إعتاقه عن الكفارة على الاصح، لعجزه عن الكسب. وإذا أعتق، فالصحيح الذي قطع به الجمهور: أن الوصية تبقى بحالها، وتكون المنافع مستحقة للموصى له كما كانت، كما إذا أعتق المستأجر. ولا يرجع العتيق بقيمة المنفعة قطعا. وقيل: تبطل الوصية، نقله أبو الفرج الزاز، لانه يبعد أن تكون منفعة الحر مستحقة أبدا. فعلى هذا في رجوع الموصى له على المعتق بقيمة المنافع وجهان. قلت: لعل أصحهما الرجوع. والله أعلم. وليس للوارث كتابة هذا العبد على الاصح، لان أكسابه مستحقة. ووجه الجواز توقع الزكاة ونحوها. الفرع الثاني: إذا كانت الوصية بمنفعة مدة معلومة، فنفقته على الوارث، كالمستأجر. وإن كانت على التأبيد، فثلاثة أوجه. أصحها: كذلك. والثاني: على الموصى له. والثالث: في كسبه. فإن لم يكن كسب. أو لم يف بها، ففي بيت المال. والفطرة كالنفقة، ففيها الاوجه، كذا قاله السرخسي وطائفة، وقطع

(5/173)


البغوي بأنها على مالك الرقبة. وعلف البهيمة، كنفقة العبد. أما عمارة الدار الموصى بمنافعها، وسقي البستان الموصى بثماره، فإن تراضيا عليه، أو تطوع أحدهما به، فذاك، وليس للآخر منعه. وإن تنازعا، لم يجبر واحد منهما، بخلاف النفقة، لحرمة الزوج. وأشار بعضهم إلى طرد الخلاف في العمارة وسائر المؤن. الفرع الثالث: بيع الموصى بمنفعته مدة، كبيع المستأجر. وأما الموصى بمنفعته على التأبيد، ففي بيع الوارث رقبته أوجه. أصحها: يصح بيعها للموصى له بالمنفعة دون غيره. والثاني: يصح مطلقا. والثالث: لا. والرابع: يصح بيع العبد والامة، لانهما يتقرب باعتاقهما، ولا يصح بيع البهائم والجمادات. والماشية الموصى بنتاجها يصح بيعها، لبقاء بعض المنافع والفوائد، كالصوف، والظهر. وإنما الخلاف فيما استغرقت الوصية منافعه. الفرع الرابع: هل للوارث وطئ الموصى بمنفعتها ؟ فيه أوجه. أصحها: ثالثها: يجوز إن كانت ممن لا تحبل، وإلا، فلا. فإن منعنا، فوطئ، فلا حد، للشبهة، وأما المهر، فيبنى على أنها لو وطئت بشبهة لمن المهر ؟ فإن قلنا: للوارث، فلا مهر عليه، وإلا، فعليه. فإن أولدها، فالولد حر، وعليه قيمته. وهل تكون القيمة للموصى له ؟ أم يشترى بها عبد يخدم الموصى له وتكون رقبته للوارث ؟ فيه الوجهان فيما إذا ولدت رقيقا. وتصير الجارية أم ولد يعتق بموته مسلوبة المنفعة. وقيل: لا تصير، وهو ضعيف. المسألة الثالثة: في الجناية على العبد الموصى بمنفعته، فإن قتل، نظر، إن كان قتلا يوجب القصاص، فلمالك الرقبة الاقتصاص، فإذا اقتص، بطل حق الموصى له، كما لو مات، أو انهدمت الدار، وبطلت منافعها. وإن كان مما يوجب

(5/174)


المال، أو رجع إليه، ففي القيمة المأخوذة أوجه. أصحها: يشترى بها عبد يقوم مقامه، فتكون رقبته للوارث، ومنافعه للموصى له. والثاني: أنها للوارث، ولا شئ للموصى له، كما لا حق لزوج الامة في بدلها. والثالث: أنها للموصى له خاصة. والرابع: توزع على الرقبة مسلوبة المنفعة، وعلى المنفعة وحدها، فتقوم الرقبة بمنافعها، ثم بلا منفعة، فيكون لها قيمة، لما في إعتاقها من الثواب وجلب الولاء. فقدر التفاوت هو قيمة المنفعة، فيكون للموصى له، والباقي للوارث. ويخرج على هذا الخلاف ما إذا قتله الوارث أو الموصى له، فلا شئ على من لو كان القاتل غيره، كانت القيمة مصروفة إليه. وإن جني عليه بقطع طرفه، فطريقان. أحدهما: طرد الاوجه، سوى الثالث. ولا يبعد تخريج الثالث أيضا على هذه الطريقة، تشبيها له بالولد. والطريق الثاني: القطع بأن الارش للوارث، واتفقوا على ترجيحه وإن ثبت الخلاف، وكان سببه أن العبد بقي منتفعا به، ومقادير المنفعة لا تنضبط، وتختلف بالمرض والكبر، وكان حق الموصى له باق بحاله. المسألة الرابعة: في جنايته، فإن اقتص منه، بطل حقهما كموته. وإن وجب مال، تعلق برقبته. فإن لم يفدياه، بيع في الجناية، وبطل حقهما. فإن زاد الثمن على الارش، قال أبو الفرج السرخسي: يقسم بينهما على نسبة حقهما. وينبغي أن يجئ فيه الخلاف السابق. قلت: مجئ الخلاف هو الوجه. والله أعلم. وإن فدياه، استمر الحقان. وإن فداه مالك الرقبة، فكذلك. وإن فداه الموصى له، ففي وجوب الاجابة على المجني عليه وجهان. أحدهما: لا، لانه أجنبي عن الرقبة. وأصحهما: الوجوب، لظهور غرضه. وهذا فيما إذا فدى أحدهما العبد بمنافعه. فلو فدى حصته، قال الحناطي: يباع نصيب صاحبه. وفيه إشكال، لانه إن فدى الوارث، فكيف تباع المنافع وحدها ؟ وإن فدى الموصى له واستمر حقه، فبيع الرقبة يكون على الخلاف السابق.

(5/175)


المسألة الخامسة: في كيفية حساب المنفعة من الثلث. فإن أوصى بالمنفعة أبدا، فوجهان. ويقال: قولان. أصحهما عند الجمهور وهو نصه في اختلاف العراقيين وفي الاملاء وبه قال ابن الحداد: أنه تعتبر الرقبة بتمام منافعها من الثلث، لانه حال بين الوارث وبينها، ولان المنفعة المؤبدة لا يمكن تقويمها، لان مدة عمره غير معلومة وإذا. تعذر تقويم المنافع، تعين تقويم الرقبة. والثاني خرجه ابن سريج: أن المعتبر ما بين قيمتها بمنافعها، وقيمتها مسلوبة المنافع، واختاره الغزالي وطائفة. فعلى هذا، هل تحسب قيمة الرقبة من التركة ؟ أم لا كما لا تحسب على الموصى له ؟ وجهان. أصحهما: الاول. مثاله: أوصى بعبد قيمته بمنافعه، مائة. ودون المنافع، عشرة. فعلى المنصوص: تعتبر المائة من الثلث. ويشترط أن يكون له مائتان سوى العبد. وعلى الثاني المعتبر تسعون. فيشترط أن يبقى للورثة ضعف التسعين مع العشرة على وجه، ودونها على وجه. أما إذا أوصى بمنفعته مدة، كسنة، أو شهر، ففيه طرق. أحدها: طرد الخلاف، كالوصية المؤبدة. والثاني: إن اعتبرنا هناك ما بين القيمتين، فهنا أولى، وإلا، فوجهان. أحدهما: التفاوت. والثاني: الرقبة. والطريق الثالث: أن المعتبر من الثلث أجرة مثل تلك المدة. والرابع وهو أصحها: يقوم العبد بمنافعه، ثم مسلوب منفعته تلك المدة، فما نقص حسب من الثلث. وقيمة الرقبة في هذه الحالة، محسوبة من التركة بلا خلاف. ويتفرع على الخلاف صور. إحداها: أوصى بمنفعة عبده ثلاث سنين، ولا مال سواه، إن اعتبرنا قيمة الرقبة من الثلث، صحت الوصية في منافع الثلث، وردت في الباقي. وإن اعتبرنا ما نقص، وكان النقص نصف القيمة، فهل ترد الوصية في سدس العبد ؟ أم ينقص من آخر المدة سدسها ؟ وجهان. أصحهما الاول، لان قيمة المنافع تختلف بالاوقات. الصورة الثانية: أوصى لرجل برقبته، ولآخر بمنفعته. إن قلنا: يعتبر من الثلث تمام القيمة، نظر فيما سواه من التركة، وأعطي كل واحد حقه كاملا أو غير كامل، وإن قلنا: المعتبر التفاوت، فإن حسبنا الرقبة على الوارث، إذا بقيت له،

(5/176)


حسب هنا كمال القيمة عليهما، وإلا، لم تحسب أيضا على الموصى له بها. وتصح وصيته من غير اعتبار الثلث. كذا ذكره المتولي. الصورة الثالثة: أوصى بالرقبة لرجل، وأبقى المنفعة للورثة، فإن قلنا: المعتبر من الثلث كمال القيمة، لم تعتبر هذه الوصية من الثلث، لجعلنا الرقبة الخالية عن المنفعة كالتالفة. وإن قلنا: المعتبر التفاوت، فإن حسبنا قيمة الرقبة على الوارث، حسبت هنا قيمة الرقبة على أهل الوصايا، وتدخل في الثلث، وإلا، فهنا يحسب قدر التفاوت على الوارث، ولا تحسب قيمة الرقبة على أهل الوصايا. الصورة الرابعة: العبد الموصى بمنفعته، لو غصبه غاصب، فلمن تكون أجرة المدة التي كانت في يد الغاصب ؟ قال في التتمة: إن قلنا: المعتبر من الثلث جميع القيمة، فهي للموصى له، وكأنه فوت الرقبة على الوارث، وإلا، فوجهان. أحدهما: أنها للوارث، كما لو غصب المستأجر. والصحيح: أنها للموصى له، لانه بدل حقه، بخلاف الاجارة، فانها تنفسخ في تلك المدة فتعود المنافع إلى مالك الرقبة. الصورة الخامسة: أوصى بثمرة بستانه، يخرج على الخلاف. ففي وجه: تعتبر جميع قيمة البستان من الثلث. وفي وجه: ما بين قيمته بمنافعه وفوائده، وبين قيمته مسلوب الفوائد. فإن احتمله الثلث، فذا ك، وإلا، فللموصى له القدر الذي يحتمله، والباقي للوارث. فإن لم يحتمل إلا نصفه، فله من ثمره كل عام النصف. والباقي للوارث.

(5/177)


فرع لابن الحداد أوصى لرجل بدينار كل شهر من غلة داره، أو كسب عبده، وجعله بعده لوارث الرجل، أو للفقراء والمساكين، والغلة والكسب عشرة مثلا، فاعتبار هذه الوصية من الثلث كاعتبار الوصية بالمنافع مدة معلومة، لبقاء بعض المنافع لمالك الرقبة، فيكون المذهب فيهما: أن المعتبر من الثلث قدر التفاوت بين القيمتين. ثم ينظر، فإن خرجت الوصية من الثلث، قال ابن الحداد: ليس للورثة أن يبيعوا بعض الدار ويدعوا ما يحصل منه دينار، لان الاجرة تختلف، فقد تنقص فتعود إلى دينار أو أقل، فيكون الجميع للموصى له. وهذا إذا أرادوا بيع بعضها على أن تكون الغلة للمشتري. فأما بيع مجرد الرقبة، فعلى ما سبق من الخلاف في بيع الوارث الموصى بمنفعته. وإن لم يخرج من الثلث، فالزائد على الثلث رقبة وغلة للوارث يتصرف فيه كيف شاء. ولو كانت الوصية بعشر الغلة كل سنة، فما سوى العشر للوارث يتصرف فيه كيف شاء. فرع أوصى لشخص بدينار كل سنة، حكى الامام: أن الوصية صحيحة في السنة الاول بدينار. وفيما بعدها قولان. أحدهما: الصحة، لان الجهالة لا تمنع صحة الوصية، ولان الوصية بالمنافع صحيحة لا إلى غاية. وأظهرهما: البطلان، لانه لا يعرف قدر الموصى به ليخرج من الثلث. فإن صححنا، فإن لم يكن هناك وصية أخرى، فللورثة التصرف في ثلثي التركة قطعا. وفي ثلثها وجهان. أحدهما: ينفذ التصرف بعد إخراج الدينار الواحد، لانا لا نعلم استحقاق الموصى له في المستقبل. الثاني: أنه يوقف، لان الاستحقاق ثبت إلى أن يظهر قاطع. فإن قلنا بالتوقف، وبقي الموصى له إلى أن استوعبت دنانيره الثلث، فذاك. وإن مات، فعن صاحب التقريب: أن بقية الثلث تسلم لورثة الموصي. قال الامام: وفيه نظر، لان هذه الوصية إذا صححناها، كالوصية بالثمار بلا نهاية، فوجب انتقال الحق إلى ورثة الموصى له. وإن نفذنا تصرفهم، فكلما انقضت سنة، طالب الموصى له الورثة بدينار، وكان ذلك كوصية تظهر بعد قسمة التركة. وإن كان هناك

(5/178)


وصايا اخر، قال صاحب التقريب: يوزع الثلث بعد الدينار الواحد على أصحاب الوصايا، ولا يتوقف. فإذا انقضت سنة أخرى، استرد منهم بدينار ما يقتضيه التقسيط. قال الامام: هذا بين إذا كانت الوصية مفيدة بحياة الموصى له. فأما إذا لم نقيد، وأقمنا ورثته مقامه، فهو مشكل لا يهتدى إليه. فرع لو انهدمت الدار الموصى بمنافعها، فأعادها الوارث بآلتها، هل يعود حق الموصى له ؟ وجهان. ولو أراد الموصى له إعادتها بآلتها، فعلى الوجهين. قلت: أصحهما العود. والله أعلم. المسألة السادسة: الوصية بالحج. الحج ضربان، متطوع به، ومفروض. فالتطوع تصح الوصية به على الاظهر تفريعا على صحة النيابة فيه. ثم هو محسوب من الثلث، ويحج عنه من بلده إن قيد به، ومن الميقات إن قيد به. فإن أطلق، فعلى أيهما يحمل ؟ وجهان أصحهما: من الميقات، وإليه ميل أكثرهم. وهل يقدم حج التطوع في الثلث على سائر الوصايا ؟ قال القفال: هو على القولين في تقديم العتق على غيره من الوصايا. قال الشيخ أبو علي: لم أر هذا لاحد من الاصحاب، بل جعلوا الوصية به مع غيره على الخلاف فيما إذا اجتمع حق الله تعالى وحقوق الآدميين. وإذا لم يف الثلث، أو حصة الحج منه بالحج، بطلت الوصية، وكذا لو قال: أحجوا عني بمائة من ثلثي ولم يمكن أن يحج بها. ولو قال: أحجوا عني بثلثي، صرف ثلثه إلى ما يمكن من حجتين وثلاث فصاعدا. فإن

(5/179)


فضل ما لا يمكن أن يحج به، فهو للورثة. ولو قال: أحجوا عني بثلثي حجة، صرف ثلثه إلى حجة واحدة. ثمإن كان الثلث أجرة المثل فما دونها، جاز أن يكون الاجير أجنبيا ووارثا. وإن كان أكثر، لم يستأجر إلا أجنبي، لان الزيادة محاباة فلا تجوز للوارث. الضرب الثاني: المفروض، وهو حجة الاسلام وغيرها. أما حجة الاسلام، فمن مات وهي في ذمته، قضيت من رأس ماله وإن لم يوص بها، كالزكاة، وسائر الديون. وإن أوصى بها، نظر، إن أضافها إلى رأس المال، فهي تأكيد. وإن أضاف إلى الثلث، قضيت منه، كما لو أوصى بقضاء دينه من ثلثه. وتتضمن هذه الوصية ترفيه الورثة بتوفير الثلثين. وفي تقديم الحج على سائر الوصايا وجهان - وقال الشيخ أبو علي: قولان - يجريان فيما لو أوصى بقضاء دينه من الثلث. أحدهما: يقدم، كما لو لم يوص فإنه يقدم، وأصحهما: لا يقدم، بل يزاحمها بالمضاربة، لانه وصية. ثم إن لم يف الثلث بالحج على الوجه الاول، أو الحاصل من المضاربة على الثاني، كمل من رأس المال، كما لو قال: اقضوا ديني من ثلثي فلم يوف الثلث به، وحينئذ تدور المسألة، وسنوضح مثالها قريبا إن شاء الله تعالى. وإن أطلق، فلم يضف إلى الثلث، ولا إلى رأس المال، حج عنه من رأس المال على المذهب، وبه قطع الجمهور، سواء قرن به ما يعتبر من الثلث، أم لا، وقيل: قولان. ثانيهما: أنه من الثلث. وقيل: إن قرن، فمن الثلث، وإلا، فمن رأس المال. ثم متى جعلنا الحج من رأس المال، حج عنه من الميقات، لانه لو كان حيا، لم يلزمه إلا هذا. وإذا جعلناه من الثلث، إما لتصريحه، وإما عند الاطلاق، فوجهان. أصحهما: من الميقات أيضا. فعلى هذا، لو أوصى أن يحج عنه من بلده، فلم يبلغ ثلثه حجة من بلده، حج من حيث أمكن. وإن لم يبلغ الحج من الميقات، تمم من رأس المال ما يتم به

(5/180)


الحج من الميقات. والثاني: من بلده. فعلى هذا قال أبو إسحق: إن أوصى بالحج من الثلث، فجميعه من الثلث. فإن أطلق، وجعلناه من الثلث، فالذي من الثلث مؤنة ما بين البلد إلى الميقات. فأما من الميقات، فهو من رأس المال. وأما الحجة المنذورة، ففيها وجهان. أصحهما: أنها كحجة الاسلام، إلا أن هاهنا وجها أنها إذا لم يوص بها، قضيت من الثلث، وهو شاذ. والثاني: كالتطوعات، لانها لا تلزم بأصل الشرع. فعلى هذا، إن لم يوص بها، لم تقض. وإن أوصى بها، كانت من الثلث. ويجري الخلاف في الصدقة المنذورة والكفارات. فرع أوصى بحجة الاسلام من الثلث، ولزيد بمائة، والتركة ثلاثمائة، وأجرة الحج مائة. فإن قدمنا الحج على سائر الوصايا، صرف الثلث إلى الحج. وإن لم نقدم، ووزعنا الثلث، دارت المسألة، لان حصة الحج تكمل من رأس المال، وإذا أخذنا شيئا من رأس المال، نقص الثلث. وإذا نقص، نقصت حصة الحج، فلا تعرف حصة الحج ما لم يعرف الثلث ولا يعرف الثلث ما لم يعرف المأخوذ من رأس المال، ولا يعرف المأخوذ ما لم تعرف حصة الحج. فالطريق أن نأخذ من التركة شيئا لاكمال حصة الحج، يبقى ثلثمائة إلا شيئا بقدر ثلثه، وهو مائة إلا ثلث شئ، يقسم بين الحج والموصى له نصفين، فنصيب

(5/181)


الحج خمسون إلا سدس شئ، فيضم الشئ المفرز إليه، تبلغ خمسين وخمسة أسداس شئ تعدل مائة، وذلك تمام الاجرة، فيسقط خمسين بخمسين، تبقى خمسة أسداس شئ في مقابلة خمسين. وإذا كان خمسة أسداس الشئ خمسين، كان الشئ ستين، فعرفنا أن ما أفرزناه ستون، فنأخذ ثلث الباقي بعد الستين، وهو ثمانون، ونقسمه بين الوصيتين، تخص كل واحدة أربعون والاربعون مع الستين، تمام أجرة الحج. فرع أوصى أن يحج عنه تطوعا، أو حجة الاسلام من ثلثه بمائة، وأوصى بما يبقى من الثلث بعد المائة لزيد، وبثلث ماله لعمرو، ولم تجز الورثة ما زاد على الثلث، فيقسم الثلث بين عمرو والوصيتين الاخريين نصفين. فإذا كان ثلث المال ثلثمائة، كان لعمرو مائة وخمسون، والباقي بين الحج وزيد. وفي قسمته وجهان. أحدهما قاله ابن خيران: تصرف خمسون إلى الحج، ومائة إلى زيد، لان الوصيتين لو نفذنا يخص زيدا ثلثا الثلث. وأصحهما: تصرف مائة إلى الحج، وخمسون لزيد. ولو كان الثلث مائتين، فلعمرو مائة، والمائة الباقية للحج على الاصح، ولا شئ لزيد. وعلى الثاني: هي بين زيد والحج نصفان. ولو كان الثلث مائة، قسمت بين الحج وعمرو نصفين، ولا شئ لزيد في هذا الحال. وكذا لو لم توجد الوصية لعمرو، بخلاف ما إذا كان الثلث فوق المائة. ولو أوصي أولا بالثلث لعمرو، ثم بالحج بمائة من الثلث، ثم لزيد بما يبقى من الثلث بعد المائة، فعن أبي إسحق: أن الوصية لزيد باطلة، لان وصية عمرو استغرقت الثلث. وقال الجمهور: لا فرق بين التقديم والتأخير، والوصية بالحج ولزيد وصية بثلث آخر، وهذا شخص أوصى بالثلثين، كمن أوصى لشخص بالثلث، ثم أوصى لآخر بالثلث، فإنه يوزع الثلث عليهما. هذا كله تفريع على أن الحج لا يقدم في الثلث على سائر الوصايا. فأما إذا قدمناه، فإن كان الثلث ثلثمائة، والمائة المقدرة للحج أجرة مثل الحج، أخذت المائة من رأس الثلث. وكيف يقسم الباقي بين زيد وعمرو ؟ قال ابن الحداد: نصفين، لان كل واحد منهما لو انفرد مع الحج لاخذ ما زاد على المائة. وغلطه جماهير الاصحاب وقالوا: يقسم الباقي بينهما على قدر وصيتهما. والوصية لزيد بالباقي، وهو مائتان، ولعمرو بالثلث، وهو ثلثمائة، فيقسم الباقي بينهما على

(5/182)


خمسة، لزيد ثمانون، ولعمرو مائة وعشرون. ولو كانت الصور بحالها، وأجرة مثل الحج خمسون، أخذ من الثلث خمسون أولا، ثم قال ابن الحداد: يجعل الباقي نصفين، نصفه لعمرو، ونصفه الآخر، للحج منه خمسون، وباقيه لزيد. وقال الجمهور: بل يقسم الباقي بعد أجرة مثل الحج على أحد عشر سهما، لان وصية عمرو في هذه الحالة بثلثمائة، وللحج وزيد بمائتين وخمسين، والنسبة بينهما ما ذكرنا، فلعمرو ما يخص ستة، والباقي يقدم الحج منه بخمسين، وباقيه لزيد. ولو كان الثلث مائتين، فإن كانت أجرة مثل الحج مائة، أخذت من رأس الثلث، ثم على قول ابن الحداد: الباقي بينهما نصفان، وعند الجمهور: يجعل بينهما على ثلاثة أسهم، لان الوصية لزيد بمائة، ولعمرو بمائتين. وإن كان أجرة مثله خمسين، أخذت خمسون أولا، والباقي على قول ابن الحداد بين عمرو والوصيتين الآخريين نصفين، ثم يقدم الحج بخمسين من حصتهما، وعند الجمهور: يقسم المال بعد الخمسين على سبعة أسهم، لانه أوصى لعمرو بمائتين، وللحج وزيد بمائة وخمسين. فلعمرو ما يخص أربعة، والباقي يؤخذ منه، خمسون للحج، والباقي لزيد. ولو كان الثلث مائة، فإن كان أجرة مثل الحج مائة، فلا شئ لزيد وعمرو وإن كان خمسين، أخذ للحج خمسون. ثم على قول ابن الحداد: الباقي بين الحج وعمرو نصفان. وعند الجمهور: للحج ثلث الباقي، ولعمرو ثلثاه، لان الوصية في هذه الحالة، للحج بخمسين، ولعمرو بمائة. وإذا لم تف حصة الحج في هذه الصورة بالحج. فإن كانت لحجة تطوع، بطلت. وإن كانت لحجة الاسلام، كملنا من رأس المال. وقد ذكرنا طريقه. فصل جرت العادة بذكر ما يقع عن الميت بفعل غيره في هذا الموضع لمناسبته الحج عنه فالحج يؤدى عنه إن كان فرضا. ثم إن عين شخصا وأوصى إليه فيه، فعله عنه، وارثا كان أو غيره. وإن قال: أحجوا عني، ولم يعين، فللوارث أن يحج عنه بنفسه، وله أن يأمر به أجنبيا. وإن لم يوص به أصلا، فللوارث أن يحج عنه، وكذا للاجنبي إن أذن له الوارث، وكذا إن لم يأذن على الاصح، كقضاء الدين. ووجه المنع: افتقاره إلى النية، فلا بد من استنابة. وأما حج التطوع، فالنيابة جائزة على الاظهر كما سبق. فإن جوزناها، فقال العراقيون: إن لم يوص

(5/183)


به، لا يصح الحج عنه. وفي أمالي السرخسي: أن للوارث أن يستنيب، وأنه إذا أوصى الميت إلى معين، فعل. ولو استقل به أجنبي، فوجهان. أصحهما: المنع. وفي هذا الكلام تجويز الاستنابة للوارث، وتجويز فعله بنفسه وإن لم يوص الميت. وأما أداء الزكا عنه، فكالحج الواجب، فيجوز للاجنبي أن يؤدي عنه زكاة المجل وزكاة الفطر على الاصح المنصوص. وأما الكفارة، فإن كانت مالية، فللوراث أن يؤدي الواجب من التركة، ويكون الولاء للميت إذا أعتق. وإن كانت مخيرة، فله أن يطعم، ويكسو. وفي الاعتاق وجهان. أحدهما: المنع، إذ لا ضرورة إليه. وأصحهما: الجواز، لانه نائبه شرعا، فاعتاقه كاعتاقه. ولو أدى الوارث من مال نفسه، ولا تركة، فالصحيح الجواز. وقيل بالمنع، لبعد العبادة عن النيابة. وقيل: يمنع الاعتاق فقط، لبعد إثبات الولاء للميت، فإذا جوزنا، فلو تبرع أجنبي بالطعام، أو الكسوة، أجزأ على الاصح، كقضاء الدين. واحتج له الامام بأنه لو اشترطت الورثة، لا يشترط صدوره من جميعهم، كالاقرار بالنسب، ولا يعتبر ذلك، بل يستبد به كل واحد من الورثة. ولو تبرع الاجنبي بالعتق، فقيل: على الوجهين. وقيل بالمنع قطعا. وأما إذا لم يكن على الميت عتق أصلا، فأعتق عنه وارث أو غيره، فلا يصح عن الميت، بل يقع العتق والولاء للمعتق. ولو أوصى بالعتق في الكفارة المخيرة، وزادت قيمة الرقبة على قيمة الطعام والكسوة، فوجهان. أحدهما: يعتبر من رأس المال، لانه أداء واجب. وأصحهما: الاعتبار من الثلث، لانه غير متحتم، وتحصل البراءة بدونه، وعلى هذا وجهان. وقيل: قولان. أحدهما: تعتبر جميع قيمته من الثلث، فإن لم يف به، عدل إلى الاطعام. وأقيسهما: أن لمعتبر من الثلث ما بين القيمتين، لان أقل القيمتين لازم لا محالة. ويجري الخلاف فيما إذا أوصى أن يكسى عنه - والكسوة أكثر من الطعام - وسنعيد المسألة في كتاب الايمان بزيادة إيضاح إن شاء الله

(5/184)


تعالى. ولو أعتق من عليه كفارة مخيرة في مرض الموت، قال المتولي: لا تعتبر قيمة العبد من الثلث، لانه مؤد فرضا، وهذا كأنه تفريع على الوجه القائل بأنه إذا أوصى به، أعتق من رأس المال. فرع وأما الدعاء للميت، والصدقة عنه، فينفعانه بلا خلاف. وسواء في الدعاء والصدقة، الوارث والاجنبي. قال الشافعي رحمه الله: وفي وسع الله تعالى أن يثيب المتصدق أيضا. قال الاصحاب: فيستحب أن ينوي المتصدق الصدقة عن أبويه، فإن الله تعالى ينيلهما الثواب، ولا ينقص من أجره شيئا. وذكر صاحب العدة: أنه لو أنبط عينا، أو حفر نهرا، أو غرس شجرة، أو وقف مصحفا في حياته، أو فعله غيره عنه بعد موته، يلجق الثواب الميت. وأعلم أن هذه الامور إذا صدرت من الحي، فهي صدقات جارية، يلحقه ثوابها بعد الموت كما صح في الحديث، وإذا فعل عيره عنه بعد موته، فقد تصدق عنه. والصدقة عن الميت

(5/185)


تنفعه، ولا يختص الحكم بوقف المصحف، بل يجري في كل وقف. وهذا القياس يقتضي جواز التضحية عن الميت، لانها ضرب من الصدقة. وقد أطلق أبو الحسن العبادي جواز التضحية عن الغير، وروى فيه حديثا. لكن في التهذيب أنه لا تجوز التضحية عن الغير بغير إذنه، وكذلك عن الميت، إلا أن يكون أوصى به. فرع وما عدا هذه القرب، ينقسم إلى صوم، وغيره، فأما الصوم، فلا يتطوع به عن الميت. وفي قضاء واجبه عنه قولان سبقا في الصيام. الجديد: المنع. والقديم: أن لوليه أن يصوم عنه. وعلى هذا، لو أوصى إلى أجنبي ليصوم، كان كالولي. ولو مرض بحيث لا يرجى برؤه، ففي الصوم عنه وجهان تشبيها بالحج. وأما غير الصوم، كالصلاة عنه قضاء أو غيره، وقراءة القران، فلا ينفعه. واستثنى صاحب التلخيص من الصلاة ركعتي الطواف، وقال: يأتي بهما الاجير عن المحجوج عنه تبعا للطواف. فوافقه بعض الاصحاب، وقال بعضهم: يقع عن الاجير وتبرأ ذمة المحجوج عنه بما يفعل، والاول أصح. فرع الذي يعتاد من قراءة القرآن على القبر، قد ذكرنا في كتاب الاجارة طريقين لعود فائدتها إلى الميت. وعن القاضي أبي الطيب طريق ثالث، وهو أن الميت كالحي الحاضر، فترجى له الرحمة ووصول البركة إذا وصل الثواب إلى القارئ. فصل إذا ملك في مرض موته من يعتق عليه، فإن ملكه بالارث، فهل يعتق من الثلث، أم من رأس المال ؟ وجهان، رجح البغوي والمتولي كونه من الثلث، والاصح: كونه من رأس المال، وبه قطع الاستاذ أبو منصور. وفي كلام الشيخ أبي علي وغيره: ما يقتضي الجزم به، لانه لم يقصد تملكه، ولا تضرر به الورثة. وإن ملكه بالهبة، أو الوصية، فإن قلنا في الموروث: يعتق من الثلث،

(5/186)


فهنا أولى، لانه مختار، وإلا، فوجهان. أصحهما: من رأس المال، وبه قطع ابن الحداد وأبو منصور، لانه لم يبذل مالا، وزوال الملك حصل بغير رضاه. فإن قلنا: من رأ س المال، عتق وإن لم يكن له مال سواه. وكذا لو كان عليه دين مستغرق، وكذا المفلس المحجور عليه إذا قبله ولا سبيل للغرماء عليه. وإن قلنا: يعتق من الثلث، فلم يكن مال سواه، عتق ثلثه فقط. وإن كان عليه دين، لم يعتق، وبيع في الدين، وكذا في المحجوز عليه بالفلس. ولو اشترى المريض من يعتق عليه، وعليه دين، ففي صحة الشراء وجهان. ويقال: قولان. أصحهما: الصحة، إذ لا خلل في الشراء، فيثبت الملك، ولا يعتق، لحق الغرماء. فإن لم يكن دين، اعتبر عتقه من الثلث. فإن خرج كله، صح الشراء، وعتق كله، وإلا، ففي صحة الشراء فيما زاد على الثلث الخلاف فيما إذا كان عليه دين. فإن قلنا: لا يصح، ففي قدر الثلث الخلاف المذكور في تفريق الصفقة. وإن قلنا: يصح، عتق الثلث فقط. وفي وجه: شراء المريض أباه باطل مطلقا، لانه وصية، وهي موقوفة على الخروج من الثلث، والبيع لا يوقف، وهذا ضعيف. هذا كله إذا لم يكن محاباة. أما إذا اشتراه بخمسين، وقيمته مائة، فقدر المحاباة هبة، فيجئ فيه الوجهان في أنه من الثلث، أو رأس المال ؟ فإن قلنا: من الثلث، فجميع المائة من الثلث، وإلا، فالمعتبر منه خمسون. ثم متى حكمنا بعتقه من الثلث، لا يرثه، لانه وصية، ولا سبيل إلى الجمع بينها وبين الارث. هكذا أطلقوه وعللوه، وكأنه تفريع على بطلان الوصية لوارث. فإن قلنا: يقف على إجازة الوارث، لم يمتنع الجمع بينها وبين الارث، فيحتمل توقف الامر على الاجازة، ويحتمل خلافه. وحكى الاستاذ أبو

(5/187)


...

(5/188)


منصور وجها: أنه يرث، لانه لا (يملك) رقبته حتى يقال: أوصى له بها. والصحيح الاول. ومتى عتق من رأس المال، ورث على الصحيح. وقال الاصطخري: لا يرث، وجعل عتقه وصية في حقه. وإن لم تكن وصية في حق الوارث، كما لو نكحت المريضة بدون مهر المثل، تصح المحاباة من رأس المال إن كان الزوج أجنبيا. فإن كان وارثا، جعل وصية، فتبطل ويجب مهر المثل. فصل إذا قال: أعتقوا عبدي بعد موتي، لم يفتقر إلى قبول العبد، لان لله تعالى حقا مؤكدا في العتق، فكان كالوصية للجهات العامة. ولو قال: أوصيت له برقبته، فهي وصية صحيحة، ومقصودها الاعتاق، ويشترط قبوله على الاصح، لاقتضاء الصيغة ذلك، كقوله لعبده: ملكتك نفسك، أو وهبت لك نفسك، فإنه يشترط فيه القبول في المجلس. ولو قال: وهبتك نفسك، ونوى به العتق، عتق بلا قبول. فصل قال: إذا مت، فاعتقوا ثلث عبدي، أو قال: ثلث عبدي حر إذا مت، لم يعتق إذا مات إلا ثلثه، ولا يسري، لانه ليس بمالك للباقي في حال العتق، ولا موسر بقيمته، بخلاف ما لو أعتق المريض بعض عبده، فإنه يسري إذا وفى به الثلث، لانه مالك للباقي. ولو ملك ثلاثة أعبد قيمتهم سواء، لا مال سواهم، فأعتق في مرضه ثلث كل واحد منهم، فقال: ثلث كل واحد منهم حر، أو أثلاثهم أحرار، فهل يعتق من كل عبد ثلثه كما ذكر ؟ أم يقرع بينهم فيعتق واحد بالقرعة لتجتمع الحرية كما لو قال: أعتقت هؤلاء ؟ فيه وجهان. أصحهما: الثاني. ولو قال: أعتقت ثلثكم، أو ثلثكم حر، أقرع قطعا. وقيل: فيه الوجهان.

(5/189)


ولو قال: أثلاث هؤلاء أحرار بعد موتي، أو ثلث كل واحد، عتق من كل عبد ثلثه، ولا قرعة، لما ذكرنا أن العتق بعد الموت لا يسري، لكن لو زاد ما أعتق على الثلث، أقرع لرد الزيادة، لا للسراية. وفي التهذيب وغيره وجه: أنه يقرع، كما لو نجز في المرض، فمن خرجت له القرعة، عتق، ورق الآخران. والصحيح الاول، وبه قال ابن الحداد، وفرع عليه فقال: لو قال للثلاثة: النصف من كل عبد منكم حر، فقد أعتق نصف ماله. فإن لم تجز الورثة، أقرع بين العبيد بسهم رق وسهمي حرية، فمن أصابه سهم الرق، رق، ويعتق من كل واحد من الآخرين نصفه، ولا يسري. ولو أعتق الانصاف في مرضه، فمن عتق منه شئ، سرى إلى باقيه إلى أن يتم الثلث، فيقرع بينهم بسهمي رق، وسهم عتق. فمن خرج له سهم العتق، عتق كله، وهو ثلث المال. ولو لم يملك إلا عبدين قيمتهما سواء، فقال: نصف غانم حر بعد موتي، وثلث سالم حر بعد موتي، فقد أعتق خمسة أسداس، وليس له إلا اربعة أسداس، فيقرع لرد الزيادة، فإن خرج العتق لغانم، عتق نصفه، وعتق سدس سالم ليتم الثلث. فإن خرج العتق لسالم، عتق ثلثه وثلث غانم. وإن أعتق نصف كل واحد منهما في مرضه، أقرع، فمن خرج له سهم العتق، عتق ثلثاه، ورق باقيه مع جميع الآخر. هذا كله، إذا أعتق الابعاض في المرض معا، بأن قال: أثلاث هؤلاء أحرار، أو نصف كل عبد حر. فأما إذا قدم وأخر، فيقدم الاسبق فالاسبق، حتى لو قال: نصف غانم حر، وثلث سالم حر، عتق ثلثا غانم، ولا قرعة. فصل أعتق جاريته بعد الموت وهي حامل، ففي الحمل وجهان. أحدهما: لا يعتق، لما سبق أن إعتاق الميت لا يسري. وأصحهما: يعتق، لانه كعضوها. ولو قال: هي حرة بعد موتي إلا جنينها، أو دون جنينها، لم يصح الاستثناء على الاصح. ولو نجز عتقها في الحياة، عتق الحمل، ولم يصح استثناؤه بلا خلاف. ولو كانت لشخص، وحملها لآخر، فأعتقها مالكها، لم يعتق الحمل قطعا، لان اختلاف الملك يمنع الاستتباع. فصل أوصى بثلث عبد معين، أو دار، أو غيرهما، فاستحق ثلثاه، نظر، إن لم يملك شيئا آخر، فللموصى له الثلث الباقي. وإن ملك غيره،

(5/190)


واحتمل ثلث ماله الثلث الباقي، فطريقان. أصحهما: على قولين. أظهرهما: يستحق الثلث الباقي. والثاني: ثلث الثلث. والطريق الثاني: ثلث الثلث قطعا. ثم عن ابن سريج: أن هذا فيما إذا قال: أوصيت له بثلث هذا العبد. فأما إذا قال: أعطوه ثلثه، فيدفع إليه الثلث الباقي قطعا. ولو قال: أوصيت له بشاة من هذه الثلاث، أو بأحد أثلاث هذا العبد، أو بثلث هذه الدار، فاستحق الثلثان، أو اشترى من زيد ثلثها، ومن عمرو ثلثيها، وأوصى بما اشتراه من زيد، فاستحق ما اشتراه من عمرو، نفذت الوصية في الثلث الباقي في هذه الصور قطعا. ولو أوصى بأثلاث الاعبد الثلاثة، فاستحق اثنان منهم، نفذت في الثلث الباقي. ولو أوصى بثلث صبرة، فتلف ثلثاها، فله ثلث الباقي قطعا. فصل ما أوصى به للمساكين، هل يجوز نقله إلى مساكين غير بلد المال ؟ فيه طريقان. أصحهما وبه قال الاكثرون: على قولين، كالزكاة. والثاني: الجواز قطعا. فإن منعنا فلم يكن في البلد مسكين، فهل ينقل كالزكاة، أم تبطل الوصية ؟ وجهان. قلت: أصحهما النقل. والله أعلم. ولو عين فقراء بلد، ولم يكن فيه فقير، بطلت الوصية. كما لو أوصى لولد فلان ولا ولد له. وبالله التوفيق.
القسم الثالث من الباب : في المسائل الحسابية. هذا فن طويل، ولذلك جعلوه علما برأسه، وأفردوه بالتدريس والتصنيف. وفيه أطراف.

(5/191)


الأول : فيما إذا أوصى بجزء، وفيه مسائل. إحداها: إذا أوصى بمثل نصيب ابنه، وله ابن واحد لا يرثه غيره، فالوصية بالنصف، فإن لم يجز، ردت إلى الثلث. وكذا لو كان له ابنان، أو بنون فأوصى بمثل نصيبهما، أو نصيبهم، فهو كابن. ولو لم يكن له ابن، أو لم يكن له وارثا لرق وغيره، فالوصية باطلة. ولو قال: أوصيت له بنصيب ابني، فوجهان. أصحهما عند العراقيين والبغوي: بطلان الوصية. وأصحهما عند الامام والروياني وغيرهما وبك قطع أبو منصور: صحتها. والمعنى: بمثل نصيب ابني. ويجري الوجهان فيما لو قال: بعتك عبدي بما باع به فلان فرسه وهما يعلمان قدره. فإن صححنا، فهو وصية بالنصف على الصحيح. وقيل: بالكل، حكاه البغوي. ولو كان له ابنان، فأوصى بمثل نصيب أحدهما، أو بمثل نصيب ابن، فالوصية بالثلث. وإن كانوا ثلاثة، فبالربع، أو أربعة، فبالحمس. وعلى هذا القياس. ويجعل الموصى له كابن آخر معهم. وضابطه: أن تصحح فريضة الميراث، ويزاد عليها مثل نصيب الموصى له بمثل نصيبه، حتى لو كان له بنت، وأوصى بمثل نصيبها، فالوصية بالثلث، لان المسألة من اثنين لو لم تكن وصية، فتزيد على الاثنين سهما، وتعطيه سهما من ثلاثة أسهم. ولو كان بنتان، فأوصى بمثل نصيب أحدهما، فالوصية بالربع، لان المسألة من ثلاثة لولا الوصية، لكل واحدة سهم، فتزيد للموصى له سهما، فتبلغ أربعة. ولو أوصى بمثل نصيبيهما معا، فالوصية بخمسي المال، لانها من ثلثه، ونصيبهما منها اثنان، فتزيد على الثلاثة سهمين.

(5/192)


ولو أوصى وله ثلاث بنات وأخ بمثل نصيب واحدة، فالوصية بسهمين من أحد عشر. لانها من تسعة لولا الوصية. ونصيب كل بنت منهما سهمان، فتزيدهما على التسعة. وكذا لو أوصى وله ثلاثة بنين، وثلاث بنات بمثل نصيب ابن، فالوصية بسهمين من أحد عشر. ولو كان له ثلاثة بنين، وبنت، وأوصى بمثل نصيبها، فالوصية بالثمن. ولو كان ابن، وثلاث بنات، وأبوان، وأوصى بمثل نصيب الابن، فالوصية بثمانية أسهم من ثمانية وثلاثين. فرع أوصى وله ابن بمثل نصيب ابن ثان لو كان، أو أوصى وله ابنان بمثل نصيب ابن ثالث لو كان، فالوصية في الاولى، بالثلث. وفي الثانية، بالربع. وقال الاستاذ أبو إسحق: في الاولى، بالنصف. وفي الثانية. بالثلث والصحيح الاول. وهل يفرق بين قوله: بمثل نصيب ب ابن ثان، أو ثالث لو كان ؟ وبين أن يحذف لفظه مثل فيقول: بنصيب ابن ثان ؟ القياس أنه على الوجهين فيما إذا أضاف إلى الوارث الموجود. وحكى الاستاذ أبو منصور عن الاصحاب: أنهم فرقوا فقالوا: إذا أوصى بمثل نصيبه، دفع إليه نصيبه لو كان زائدا على أصل الفريضة، وإذا أوصى بنصيبه، دفع إليه لو كان من أصل الفريضة. فعلى هذا، لو أوصى وله ابنان بنصيب ثالث لو كان، فالوصية بالثلث. ولو قال: بمثل نصيب ابن ثالث لو كان، فبالربع كما سبق. ولو أوصى وله ثلاثة بنين، بمثل نصيب بنت لو كانت، فالوصية بالثمن، وعلى قول الاستاذ أبي إسحق: بالسبع. فرع لابن سريج له ابنان، وأوصى لزيد بمثل نصيب ابن رابع لو كان، ولعمرو بمثل نصيب خامس لو كان، فللحساب طريقان. أحدهما: أن يقال: المسألة من اثنين لو لم يكن وصية، ومن أربعة لو كانوا أربعة، ومن خمسة لو كانوا خمسة، فهنا اثنان، وأرجعة، وخمسة، والاثنان والاربعة متداخلان، فتسقط الاثنين لدخولهما في الاربعة، وتضرب أربعة في خمسة، تبلغ عشرين، وهذا العدد ينقسم على الاثنين بلا وصية، وعلى الاربعة لو كانوا، ونصيب كل واحد خمسة، وعلى الخمسة لو كانوا، ونصيب كل واحد أربعة، فتزيد الاربعة

(5/193)


والخمسة على العشرين، تخلغ تسعة وعشرين، لزيد منها خمسة، ولعمرو أربعة، والباقي للاثنين. الطريق الثاني: أن يقال: لو لم يكن إلا وصية زيد، لكان له سهم من خمسة، فتقسم الباقي على خمسة، لوصيته لعمرو بمثل نصيب ابن خامس، فيخرج من القسمة أربعة أخماس، وهو نصيب كل ابن لو كانوا خمسة، فتزيد على الخمسة لعمرو أربعة أخماس، تكون خمسة وأربعة أخماس، لزيد منها واحد، ولعمرو أربعة أخماس، والباقي للاثنين، فإذا بسطناها أخماسا، كانت تسعة وعشرين. المسألة الثانية: أوصى لزيد بمثل نصيب أحد ورثته، أعطي مثل أقلهم نصيبا، وطريقه: أن تصحح المسألة بلا وصية، وتزيد عليها مثل سهم أقلهم، ثم تقسم، فإذا كان ابن وبنت، فالوصية بالربع، أو زوج وأم وأختان، فبالتسع، لان نصيب الام واحد من ثمانية، فتضمه إليها تصير تسعة، أو بنتان وثلاث زوجات وأخ، فبسهم من خمسة وعشرين، أو بنت وبنت ابن وأخ، فبالسبع. وإن أوصى بمثل نصيب أكثرهم نصيبا، فطريقه: أن تصححها بلا وصية، وتضم إليها مثل نصيب ذلك. فإن كان ابن وبنت، فله خمسان. فرع له ابنان، أوصى لزيد بمثل نصيب أحدهما، لعمرو بمثل نصيب الآخر، فاجازا لهما، قسم المال بين الاربعة أرباعا، وإن ردا الوصيتين، ارتدتا إلى الثلث وكان الثلث بينهما بالسوية، وإن أجازا إحداهما وردا الاخرى، فالصحيح: أن كل واحد منهما يأخذ سدس المال، وللمجاز له مع ذلك نصف سدس. وتصح من أربعة وعشرين، للمجاز له ستة، وللمردود أربعة، والباقي للابنين. وعن ابن سريج: أنه يضم سهم المجاز له إلى سهم الابنين ويقسم بينهما أثلاثا. وتصح من ثمانية عشر، للمردود ثلاثة، وللباقين خمسة خمسة. وإن أجاز أحدهما لاحدهما، وردهما الآخر، فعلى الصحيح: المسألة من أربعة وعشرين، للمردود أربعة، وللمجاز خمسة، وللمجيز سبعة، وللراد ثمانية. وعلى المحكي عن ابن سريج:

(5/194)


تصح من ثمانية عشر، وللمردود ثلاثة، وللمجاز أربعة، وللمجيز خمسة، وللراد ستة. المسألة الثالثة: الضعف، وهو الشئ ومثله، فإذا أوصى بضعف نصيب ابنه، وله ابن واحد، فهي وصية بالثلثين. ولو قال: بضعف نصيب أحد أولادي أو ورثتي، أعطي مثلي نصيب أقلهم نصيبا، فإن كان ثلاثة بنين، فله خمسان. ولو أوصى لزيد بمائة، ولعمرو بضعفها، فالثانية مائتين، وضعفا الشئ ثلاثة أمثاله، فإذا قال: ضعفي نصيب ابني، وله ابن واحد، فالوصية بثلاثة أرباع المال. ولو قال: ضعفي نصيب أحد بني وهم ثلاثة، فله ثلاثة أسهم من ستة، ولكل ابن سهم. ولو أوصى لزيد بمائة، ولعمرو بضعفيهما فلعمرو ثلثمائة، وثلاثة أضعاف الشئ أربعة أمثاله، وأربعة أضعافه خمسة أمثاله. (المسألة) الرابعة: أوصى بنصيب من ماله، أو جزء، أو حظ، أو قسط، أو شئ، أو قليل، أو كثير، أو سهم، يرجع في تفسيره إلى الورثة، ويقبل تفسيرهم بأقل ما يتمول، لان هذه الالفاظ تقع على القليل والكثير. فإن ادعى الموصى له أن الموصي أراد أكثر من ذلك، قال الاكثرون منهم أبو منصور والحناطي والمسعودي: يحلف الوارث أنه لا يعلم إرادة الزيادة. وحكى البغوي: أنه لا يتعرض للارادة، بل يحلف أنه لا يعلم استحقاق الزيادة، وسلم أنه لو أقر لمبهم ومات وجرى مثل هذا النزاع بين المقر له والوارث، حلف الوارث على نفي إرادة المورث، وفرق بأن الاقرار إخبار، والوصية إنشاء أمر على الجهالة. ورد المتولي افتراق البابين إلى شئ آخر فقال: الوارث هنا يحلف أنه لا يعلم الموصي أراد الزيادة، ولا يحلف أنه أراد هذا القدر، وفي الاقرار، يحلف أنه لا يعلم الزيادة، وأنه أراد هذا القدر. فرع أوصى بثلث ماله إلا شيئا، قبل التفسير وتنزيله على أقل ما يتمول وحمله الشئ المستثنى على مال كثير. وقال الاستاذ أبو منصور: يعطى زيادة على السدس. قال: وكذا لو قال: أعطوه ثلث مالي إلا قليلا. ولو قال: أعطوه الثلث إلا كثيرا، جاز أن يعطيه أقل من السدس. والصحيح المعروف هو الاول.

(5/195)


فرع قال: أعطوه من واحد إلى عشرة، ففيه الاوجه المذكورة في الاقرار. وقال الاستاذ أبو منصور عن بعض الاصحاب: إن أراد الحساب، فللموصى له خمسة وخمسون، وهو الحاصل من جمع واحد إلى عشرة على توالي العدد. وإن لم يرد الحسا ب، فله المتيقن، وهو ثمانية، ولا شك في اطراد هذا في الاقرار. ولو قال: أعطوه واحدا في عشرة، أو ستة في خمسة، أطلق الاستاذ ثبوت ما يقتضيه الضرب، وذكرنا فيه تفصيلا في الاقرار. فرع قال: أعطوه أكثر مالي، فالوصية بما فوق النصف. ولو قال: أكثر مالي ومثله، فالوصية بجميع ماله. ولو قال: أعطوه زهاء ألف درهم، أو معظم الالف أو عامته، فالوصية بما فوق النصف. قلت: هذا في زهاء مشكل، لان زهاء ألف، معناه في اللغة: قدر ألف، ولا يصدق ذلك على خمسمائة ودرهم. والله أعلم. ولو قال: أعطوه دراهم أو دنانير، فأقل ما يعطى ثلاثة. ولفظ الدراهم والدنانير عند الاطلاق يحمل على نقد البلد الغالب، وليس للوارث التفسير بغيره. فإن لم يكن غالب، رجع إلى الوارث. ولو قال: أعطوه كذا، أو قال: كذا وكذا، أو قال: كذا درهما، أو قال: كذا وكذا درهما، فعلى ما ذكرناه في الاقرار. ولو قال: مائة ودرهما، أو ألفا ودرهما، لم يلزم أن تكون المائة والالف دراهم. ولو قال: مائة وخمسين درهما، أو مائة وخمسة وعشرين درهما، فعلى الخلاف

(5/196)


المذكور في الاقرار. قال البغوي: لو قال: كذا وكذا من دنانيري، يعطى دينارا. ولو قال: كذا وكذا من دنانيري، يعطى دينارين. ولو قال: كذا وكذا من دنانيري، يعطى حبة، ولو قال: كذا وكذا من دنانيري فحبتان. ولك أن تقول: ينبغي أن يعطى حبة أيضا إذا قال: كذا وكذا من دنانيري.
الطرف الثاني : في طريق تصحيح مسائل الوصية بالأجزاء. فإذا أوصى من له ورثة بجزء شائع، وأردنا قسمة التركة بين الورثة والموصى له، فاما أن يوصي بالثلث فما دونه، وإما بأكثر. القسم الاول: إذا أوصى بالثلث فما دونه، فله حالان. أحدهما: أن تكون الوصية بجزء واحد، فتصحح مسألة الميراث عائلة أو غير عائلة، وينظر في مخرج جزء الوصية، ويخرج منه جزء الوصية. ثم إن انقسم الباقي على مسألة الورثة، صحت المسألتان، وذلك كمن أوصى بربع ماله، وترك ثلاثة بنين فمخرج جزء الوصية أربعة، والباقي بعد إخراج الربع ينقسم على البنين، وإن لم ينقسم، فلك طريقان. أحدهما: أن تنظر في الباقي وفي مسألة الورثة، فإن تباينا، ضربت مسألة الورثة في مخرج الوصية، وإن توافقا، ضربت وفق مسألة الورثة في مخرج الوصية، فما بلغ صحت منه القسمة. ثم من له شئ من مخرج الوصية، بعد إخراج جزء الوصية أخذه مضروبا فيما ضربته في مخرج الوصية، ومن له شئ من مسألة الورثة، أخذه مضروبا فيما بقي من مخرج الوصية بعد إخراج جزء الوصية إن كان الباقي مع مسألة الورثة متباينين. وإن كانا متوافقين، ففي وفق الباقي. الطريق الثاني: أن تنسب جزء الوصية إلى الباقي من مخرجها بعد الجزء، وتزيد مثل تلك النسبة على مسألة الورثة، فما بلغ، فمنه القسمة. فإن كان فيه كسر، ضربته في مخرج الكسر، فما بلغ، صحت منه القسمة. مثاله: ثلاثة بنين، أوصى بثلث ماله، مسألة الورثة من ثلاثة، ومخرج

(5/197)


الوصية أيضا ثلاثة، والباقي بعد جزء الوصية اثنان لا ينقسمان على ثلاثة. فعلى الطريق الاول: تضرب ثلاثة في مخرج الوصية، تبلغ تسعة منها القسمة، كان للموصى له سهم يأخذه مضروبا في الثلاثة المضروبة في مخرج الوصية، ولكل ابن سهم من مسألة الورثة مضروب في الباقي من مخرج الوصية بعد إخراج جزء الوصية وهو اثنان. وعلى الطريق الثاني تقول: جزء الوصية نصف الباقي من مخرجها، فتزيد على فسألة الورثة نصفها تكون أربعة ونصفا، تبسطها أنصافا تبلغ تسعة. أبوان وخمس بنات، وأوصى بخمس ماله، مسألة الورثة من ستة، وتصح من ثلاثين، ومخرج جزء الوصية خمسة، والباقي بعد إخراج جزء الوصية أربعة لا تصح على الثلاثين. فعلى الطريق الاول، هما متوافقان بالنصف، فتضرب نصف مسألة الورثة وهو خمسة عشر في مخرج الوصية، تبلغ خمسة وسبعين، كان للموصى له سهم يأخذه مضروبا في خمسة عشر، ولكل واحد من الابوين خمسة في نصف الاربعة تكون عشرة، ولكل بنت أربعة في اثنين ثمانية. وعلى الثاني تقول: الجزء المخرج مثل ربع الباقي، فتزيد على الثلاثين ربعها وتبسطها أنصافا، تبلغ خمسة وسبعين. ابنان وبنتان، وأوصى بالثلث، مسألة الورثة من ستة، والوصية من ثلثه، والباقي بعد جزء الوصية لا ينقسم على ستة. فعلى الطريق الاول: يتوافقان بالنصف، فتضرب نصف الستة في مخرج الوصية، تبلغ تسعة، للموصى له سهم في ثلاثة، ولكل ابن سهمان في واحد. وعلى الثاني تقول: جزء الوصية نصف الباقي من مخرجها، فتزيد على مسألة الورثة نصفها تكون تسعة. الحال الثاني: أن ثكون الوصية بجزءين فصاعدا، فيؤخذ مخرج الجزءين

(5/198)


بالطريق المذكور في أصول مسائل الفرائض، ثم العمل على ما تبين في الحال الاول. مثاله: أبوان، وأوصى بثمن ماله لزيد، وبخمسة لعمرو، مسألة الورثة من ثلاثة، ومخرج الجزءين أربعون. لزيد خمسة، ولعمرو ثمانية، ويبقى سبعة وعشرون تصح على ثلاثة بنين. وأوصى بربع ماله لزيد، وبنصف سدسه لعمرو، مسألة الورثة ثلاثة، ومخرج الوصيتين اثنا عشر، ومجموع الجزءين أربعة، إذا أخرجناها، يبقى ثمانية لا تصح على ثلاثة. فعلى الطريق الاول: لا موافقة، فتضرب ثلاثة في اثني عشر، فتبلغ ستة وثلاثين منها تصح. وعلى الثاني: الخارج بالوصيتين، نصف الباقي من مخرجهما، فتزيد على مسألة الورثة نصفها، تبلغ أربعة ونصفا، تبسطها أنصافا تكون تسعة، لكن نصيب الموصى لهما من مخرج الوصيتين أربعة، وحصتهما من التسعة ثلاثة لا تنقسم على أربعة، فتضرب أربعة في تسعة، تبلغ ستة وثلاثين. ولو كانت البنون ستة، والوصيتان بحالهما. فعلى الطريق الاول، تبقى ثمانية لا تصح على ستة، لكن توافق بالنصف، فتضرب نصف الستة في اثني عشر، تبلغ ستة وثلاثين. والطريق الثاني: كما سبق. القسم الثاني: إذا أوصى بأكثر من الثلث، فينظر إن كانت الوصية لشخص أو جماعة يشتركون فيه، إما بجزء، كالنصف، وإما بجزءين كالنصف والربع، فمدار المسألة على إجازة الورثة وردهم، وقد سبق بيان الحكم والحساب. وإن أوصى لشخص بجزء ولآخر بجزء، فإن أجاز الورثة، أعطي كل واحد ما سمي له، وقسم الباقي بين الورثة. وطريق القسمة ما سبق في القسم الاول. وإن ردوا الزيادة على الثلث، قسم الثلث بينهم على نسبة أنصبائهم بتقدير الاجازة، وسواء زاد الجزء الواحد، كالنصف والثلث، أو لم يزد واحد منهما، كالربع والثلث. مثاله: أبوان وابنان، وأوصى لزيد بنصف ماله، ولعمرو بثلثه، وأجازوهما،

(5/199)


فمسألة الورثة ستة، وكذا مخرج الوصيتين، والباقي بعد جزأي الوصيتين لا ينقسم على ستة. فعلى الطريق الاول: تضرب الستة في مخرج الوصيتين، تبلغ ستة وثلاثين. وعلى الثاني نقول: جزءا الوصيتين خمسة أمثال الباقي من مخرجهما، فيزاد على مسألة الورثة خمسة أمثالها، تبلغ ستة وثلاثين، منها تصح القسمة. وإن ردوا الوصيتين، قسمنا الثلث بينهما على خمسة، لان نصيبهما بتقدير الاجازة خمسة من ستة. ولذلك طريقان. أحدهما: أن ينظر إلى ما زاد من الوصايا على الثلث، وينقص بتلك النسبة من نصيب كل واحد من الموصى لهم، فنسبة ما زاد هنا ثلاثة أخماس، لان مجموع الوصية بخمسة من ستة، ولا خمس لمخرج الوصيتين، فتضرب مخرج الخمس في ستة، تبلغ ثلاثين، منها خمسة عشر للموصى له بالنصف، وعشرة للموصى له بالثلث، فينقص من كل واحد ثلاثة أخماسه، يبقى للاول ستة، وللثاني أربعة، والباقي عشرون للورثة. وهذه الانصباء متوافقة بالنصف، فترد للاختصار إلى أنصافها، وتقسم من خمسة عشر. الطريق الثاني: أنا نطلب مالا لثلثه خمس، فنضرب مخرج الثلث في مخرج الخمس، تبلغ خمسة عشر، للموصى له بالنصف ثلاثة، وللآخر اثنان، يبقى عشرة للورثة لا تنقسم على مسألتهم وهي ستة، لكن توافقها بالنصف، فنضرب نصف الستة في الخمسة عشر، تبلغ خمسة وأربعين، منها تصح القسمة. فرع هذا الذي ذكرناه، إذا لم تستغرق الوصية المال. فان استغرقت وأجيزت، قسم المال بين أصحاب الوصايا. وإن ردوا، قسم الثلث بينهم على نسبة أنصبائهم بتقدير الاجازة. وإن زادت الوصايا على المال، بأن اوصى لزيد بماله كله، ولعمرو بثلثه، فإن أجازوا، فقد عالت إلى أربعة، لزيد ثلاثة، ولعمرو سهم. وإن ردوا، قسم الثلث بينهم على أربعة، وتكون قسمة الوصية من اثني عشر. ولو أوصى لزيد بنصف ماله، ولعمرو بثلثه، ولبكر بربعه، قسم المال بينهم على ثلاثة عشر سهما إن أجازوا، وإلا، قسم ثلثه على ثلاثة عشر. فرع أوصى لزيد بعبد قيمته مائة، ولعمرو بدار قيمتها ألف، ولبكر

(5/200)


بخمسمائة، وكان ثلث ماله ثمانمائة، فقد أوصى بثلثي ماله. فإن أجازوا، فذاك، وإلا، فالزائد على الثلث مثل جميع الوصايا، فترد كل وصية إلى نصفها، ويخص كل واحد بنصف ما عين له. ولو أوصى لزيد بعشرة، ولعمرو بعشرة، ولبكر بخمسة، وثلثه عشرون، ولم يجيزوا، قسمت العشرون على خمسة، لكل واحد من الاولين ثمانية، ولبكر أربعة. ولو كانت بحالها وقال: قدموا بكرا على عمرو، قال ابن الحداد: لزيد ثمانية، ولعمرو سبعة، ولبكر خمسة. ولو قال: قدموا بكرا عليهما، أعطي خمسة، ودخل النقص عليهما بالسوية، فيكون لكل منهما سبعة ونصف. فرع أوصى لزيد بعبد، ولعمرو بما بقي من ثلث ماله، اعتبر ماله عند الموت. فإن خرج العبد من ثلثه، دفعناه إلى زيد، وأعطينا عمرا باقي الثلث إن بقي شئ، وإلا، بطلت وصية عمرو. وإن مات العبد قبل موت الموصي، لم يحسب من التركة، وينظر في باقي أمواله، فيحط من ثلثها قيمة العبد، ويدفع باقيه إلى عمرو. فإن لم يبق شئ، بطلت أيضا وصيته. وإن مات بعد موت الموصي، حسب من التركة، وحسبت قيمته من الثلث. فإن بقي شئ من الثلث، فهو لعمرو. ولو لم يكن له مال سوى العبد، فأوصى لزيد به، ولعمرو بثلثه، أو بثلث ماله، ولم يجر لفظ يقتضي الرجوع عن الوصية الاولى. فإن أجازوا، قسم العبد بينهما، لزيد ثلاثة أرباعه، ولعمرو ربعه. وإن لم يجيزوا، قسم الثلث كذلك. وإن أوصى لزيد بالعبد. وقيمته ألف، ولعمرو بثلث ماله، وله ألفان سوى العبد، فإن أجازوا، جعل العبد بينهما أرباعا كما ذكرنا، ولعمرو مع ربعه ثلث الالفين. وإذا كان العبد الذي هو ثلث المال أربعة، كان الالفان وهما ثلثاه ثمانية، لكن ليس للثمانية ثلث، فتضرب مخرج الثلث في اثني عشر، تبلغ ستة وثلاثين، العبد منها اثنا عشر، تسعة منها لزيد، وثلاثة منها مع ثمانية من الباقي لعمرو، والباقي للورثة. وإن ردوا الوصية، قسم الثلث بينهما على عشرين، لان جملة سهام الوصايا عند الاجازة عشرون. وإذا كان العبد وهو ثلث المال عشرين، كان الجميع ستين، لزيد تسعة من العبد، ولعمرو ثلاثة منه وثمانية أسهم من الباقي، كما كان في حال الاجازة، يبقى للورثة ثمانية أسهم من العبد، وإثنان وثلاثون سهما من الباقي، وجميع ما ذكرناه فيما إذا أجاز جميع الورثة جميع الوصايا، أو رد جميعهم جميعها إلى

(5/201)


الثلث. فلو أجازوا بعضها، أو أجاز بعضهم بعضها، وبعضهم كلها، أو أجاز بعضهم بعضها، وبعضهم بعضا آخر، أو أجاز بعضهم جميعها، ورد بعضهم جميعها، (أو رد بعضهم جميعها) وبعضهم بعضها، فالطريق في هذه الاحوال أن تصحح المسألة على تقدير الاجازة المطلقة وعلى تقدير الرد المطلق. فإن تماثلت المسألتان، اكتفيت بإحداهما. وإن تداخلتا، اكتفيت بالاكثر واستغنيت عن الضرب. وإن تباينتا، ضربت إحداهما في الاخرى وإن توافقتا، ضربت وفق إحداهما في الاخرى، ثم يقسم المال بينهما على تقديري الاجازة والرد من ذلك العدد، وينظر في الحاصل لكل مجيز على التقديرين، فيكون قدر التفاوت بينهما لمن أجاز له. مثاله: إبنان، وأوصى لزيد بنصف ماله، ولعمرو بثلثه، المسألة على تقدير الاجازة من اثني عشر، وعلى تقدير الرد من خمسة عشر، وهما متوافقان بالثلث، فتضرب ثلث إحداهما في الاخرى، تبلغ ستين، لزيد منها على تقدير الاجازة المطلقة ثلاثون، ولعمرو عشرون، ولكل ابن خمسة، ولزيد على تقدير الرد المطلق اثنا عشر، ولعمرو ثمانية، ولكل ابن عشرون، فالتفاوت في نصيب كل ابن خمسة عشر. فإن أجازا وصية زيد، فقد سامحه كل ابن بتسعة، فيتم له ثلاثون، ويبقى لكل ابن أحد عشر. وإن أجازا وصية عمرو، فقد سامحه كل ابن بستة، فيتم له عشرون، ولكل ابن أربعة عشر. وإن أجاز أحدهما الوصيتين وردهما الآخر، فقد سامح المجيز زيدا بتسعة، وعمرا بستة، فيكون لزيد أحد وعشرون، ولعمرو أربعة عشر، وللمجيز خمسة، وللراد عشرون. وإن أجاز أحدهما الوصيتين، وأجاز الآخر وصية زيد، تم لزيد ثلاثون. وإن أجاز الآخر وصية عمرو، تم له عشرون. وإن أجاز أحدهما وصية زيد، والآخر وصية عمرو، فهذا سامح زيدا بتسعة، وذاك سامح عمرا بستة، فيكون لزيد أحد وعشرون، ولمجيزه أحد عشر، ولعمرو أربعة عشر، ولمجيزه مثلها.
الطرف الثالث : في الدوريات من الوصايا. فصل في الوصية بمثل نصيب وارث، وبجزء شائع الجزء الشائع، قد يكون مضافا إلى ما يبقى من المال بعد النصيب، وقد يكون مضافا إلى جميع

(5/202)


المال. فإن كان مضافا إلى جميع المال، نظر، إن لم تزد جملة المال الموصى به على الثلث، جعل الموصى له بالنصيب كأحد الورثة، فتصحح مسألة الورثة، ثم يؤخذ مخرج الوصية ويخرج منه جزء الوصية، وينظر هل ينقسم الباقي على مسألة الورثة ؟ إن انقسم، فذاك، وإلا، فطريق التصحيح ما سبق. وإن زادت على الثلث وأجاز الورثة، فكذلك الحكم والحساب. وإن لم يجيزوا، قسم الثلث على نسبة القسمة عند الاجازة. مثاله: ثلاثة بنين، وأوصى لزيد بمثل نصيب أحدهم، ولعمرو بعشر المال، فمسألة الورثة وزيد من أربعة، ومخرج الجزء عشرة، يبقى منها بعد إخراج الجزء تسعة لا تنقسم على أربعة، ولا توافق، فتضرب أربعة في عشرة، تبلغ أربعين، لعمرو أربعة، ولزيد وكل ابن تسعة، وجملة الوصيتين ثلاثة عشر. وإن كان الجزء مضافا إلى ما تبقى من المال بعد النصيب، مثل أن ترك ثلاثة بنين، وأوصى لزيد بمثل نصيب أحدهم، ولعمرو بسدس ما تبقى من المال بعد النصيب، فالمقصود في هذه المسألة ونظائرها، يعرف بطرق. منها: طريقة الجبر، ولها وجوه. أسهلها: أن تأخذ مالا وتسقط منه نصيبا لزيد، يبقى مال سوى نصيب، تسقط سدسه لعمرو، يبقى خمسة أسداس مال إلا خمسة أسداس نصيب تعدل أنصباء الورثة، وهي ثلاثة، فتجبر وتقابل، فتكون خمسة أسداس مال معادلة لثلاثة أنصباء وخمسة أسداس نصيب، تضرب ثلاثة وخمسة أسداس مال في أقل عدد له سدس وهو ستة، تكون ثلاثة وعشرين، النصيب من ذلك خمسة، يبقى ثمانية عشر، سدسها لعمرو، يبقى خمسة عشر، لكل خمسة. ومنها: أن تجعل المال كله دينارا وستة دراهم، فالوصية بالسدس، فتجعل الدينار نصيب زيد، ودرهما من الستة لعمرو، يبقى خمسة دراهم للبنين، لكل ابن درهم وثلثان، فعلمنا أن قيمة الدينار درهم وثلثان، وكنا جعلنا المال دينارا وستة دراهم، فهو إذن سبعة دراهم وثلثان، فتبسطها أثلاثا، فتبلغ ثلاثة وعشرين، وتسمى هذه: طريقة الدينار والدرهم. ومنها: أن تقول: مسألة الورثة من ثلاثة، فيكون لزيد سهم مثل أحدهم،

(5/203)


فتزيد على كل واحد من سهام البنين مثل خمسه، لانه أوصى بسدسها، وسدس كل شئ مثل خمس الباقي بعد إخراج السدس، فيكون جميع المال أربعة أسهم وثلاثة أخماس، تبسطها أخماسا، تبلغ ثلاثة وعشرين، وتسمى هذه: طريقة القياس. ومنها: أن تقسم سهام الورثة وهي ثلاثة، وتضيف إليها سهما لزيد، تكون أربعة، تضربها في مخرج السدس، تبلغ أربعة وعشرين، تسقط منها الحاصل من ضرب الجزء الموصى به بعد النصيب في النصيب وهو واحد، يبقى ثلاثة وعشرون، وهو المال، فإذا أردت النصيب، أخذت سهما، فتضربه في مخرج السدس، تكون ستة، تسقط منها ما أسقطته من المال، يبقى خمسة، فهي النصيب، وهذه تسمى: طريقة الحشو، ويسمى هذا الذي يسقط: سهم الحشو. ويقال: كان محمد بن الحسن رحمه الله يعتمدها. ومنها: أن تأخذ سهام الورثة، وتضربها في مخرج السدس، تكون ثمانية عشر، تصرف سدسها إلى عمرو، يبقى خمسة عشر، لكل ابن خمسة. وإذا بان أن النصيب خمسة، فزد خمسة على ثمانية عشر، تكون ثلاثة وعشرين. ومنها: أن يقال: المال كله ستة ونصيب، النصيب لزيد، وسهم من الستة لعمرو، يبقى خمسة لا تصح على ثلاثة، فتضرب ثلاثة في ستة، تبلغ ثمانية عشر مع النصيب المجهول، فسدس الثمانية عشر لعمرو، والباقي بين البنين، لكل ابن خمسة. فعرفنا أن النصيب المجهول خمسة، والمال ثلاثة وعشرون. مسألة: ثلاثة بنين، وأوصى لزيد بمثل نصيب أحدهم، ولعمرو بثلث باقي المال بعد النصيب، استخراجها بطريق الخطائن أن يقدر المال أربعة، ليعلمنا أن هنا نصيبا وثلثا بعد النصيب، فتجعل النصيب واحدا، وتدفع ثلث الباقي إلى عمرو، يبقى الجنان، ونحن نحتاج إلى ثلاثة ليكون لكل ابن مثل النصيب المفروض، فقد نقص عن الواجب واحد، وهذا هو الخطأ الاول، ثم تجعل المال خمسة، وتجعل النصيب منها اثنين، وتدفع ثلث الباقي إلى عمرو، يبقى اثنان، ونحن نحتاج إلى ستة ليكون لكل ابن مثل النصيب المفروض، فقد نقص عن الواجب أربعة، وهذا هو الخطأ الثاني، والخطآن جميعا ناقصان، فتسقط أقلهما من أكثرهما، يبقى ثلاثة، فتحفظها، ثم تضرب المال الاول في الخطأ الثاني، فيكون

(5/204)


ستة عشر، وتضرب المال الثاني في الخطأ الاول، يكون خمسة، تسقط الاقل من الاكثر، يبقى أحد عشر، تقسمها على الثلاثة المحفوظة، يخرج بالقسمة ثلاثة وثلثان، تبسطها أثلاثا، تكون أحد عشر، فهو المال، ثم تضرب النصيب الاول في الخطأ الثاني، يكون أربعة، وتضرب النصيب الثاني في الخطأ الاول، يكون اثنين، تسقط الاقل من الاكثر، يبقى اثنان، تقسمها على الثلاثة المحفوظة، يخرج بالقسمة ثلثان، إذا بسطا كانا اثنين، فهما النصيب، فتدفع اثنين من أحد عشر إلى زيد، وثلث الباقي ثلاثة إلى عمرو، يبقى ستة، لكل ابن سهمان، وهذا إذا أجاز الورثة، لان الوصيتين زائدتان على الثلث، وتسمى هذه الطريقة: الجامع الكبير من طرق الخطائن. وبطريقة الباب نقول: سهام البنين ثلاثة، وقد أوصى بثلثها، فيبقى لكل ابن ثلثا سهم، فبان أن النصيب الموصى به لزيد ثلثا سهم، ثم تضم الثلث المخرج إلى أنصبائهم، تبلغ جملة المال ثلاثة أسهم وثلثي سهم، تبسطها أثلاثا، تكون أحد عشر. وبطريقة المقادير تعطي الموصى له بمثل النصيب نصيبا من المال، يبقى منه مقدار، تدفع ثلثه إلى عمرو، ويبقى ثلثا مقدار، تقسمها بين البنين، يحصل لكل ابن تسعا مقدار، فتعلم أن ما أخذه الموصى له بالنصيب تسعا مقدار، فالمال كله مقدار وتسعا مقدار، تبسطها أتساعا، يكون أحد عشر، وتخرج المسألة السابقة بهذه الطرق الثلاث خروج هذه المسألة بتلك الطرق الست.
فصل وقد تكون الوصية بجزء من جزء من المال يبقى بعد النصيب أو بعضه. مثاله: ثلاثة بنين، وأوصى لزيد بمثل نصيب أحدهم، ولعمرو بمثل ما تبقى من ثلث المال بعد النصيب، تقدر ثلث المال عددا له ثلث، لقوله: بثلث الباقي من الثلث. وليكن ثلاثة، تزيد عليه واحدا للنصيب، فيكون أربعة. وإذا كان الثلث أربعة، فالثلثان ثمانية، والجملة اثنا عشر، تعطي زيدا سهما، وعمرا سهما، وهو ثلث الثلاثة الباقية من ثلث المال الباقي، يبقى سهمان، تضمهما إلى ثلثي المال، تكون عشرة، وكان ينبغي أن يكون ثلاثة، ليكون لكل ابن مثل النصيب المفروض، فقد زاد على ما ينبغي سبعة، وهو الخطأ الاول، ثم تقدر الثلث خمسة، وتجعل النصيب اثنين، وتعطي عمرا واحدا، يبقى سهمان، تزيدهما على ثلثي المال وهو عشرة على هذا التقدير، تبلغ اثني عشر، وكان ينبغي أن يكون ستة، ليكون لكل ابن

(5/205)


سهمان، فزاد على ما ينبغي ستة، وهو الخطأ الثاني، ثم نقول: لما أخذنا أربعة، زاد على الواجب سبعة، ولما زدنا سهما نقص عن الخطأ سهم، فعلمنا أن كل سهم يزيد ينقص به من الخطأ سهم، وقد بقي من الخطأ ستة أسهم، فنزيد لها ستة أسهم، يكون أحد عشر، فهو ثلث المال، النصيب منها ثمانية، وجميع المال ثلاثة وثلاثون، ونسمي هذه الطريقة: الجامع الصغير من طرق الخطائن. مسألة: ثلاثة بنين، وأوصى لزيد بمثل نصيب أحدهم، ولعمرو بثلث ما تبقى من الثلث بعد نصف النصيب، خذ ثلث مال، وأسقط منه نصيبا، يبقى ثلث مال سوى نصيب، أسقط منه ثلث الباقي بعد نصف النصيب، وهو تسع مال إلا سدس نصيب، يبقى تسعا مال إلا خمسة أسداس نصيب، زده على ثلثي المال، يكون ثمانية أتساع مال، إلا خمسة أسداس نصيب، تعدل ثلاثة أنصباء، فأجبر وقابل، تعدل ثمانية أتساع مال، ثلاثة أنصباء وخمسة أسداس نصيب، فاضرب ثلاثة وخمسة أسداس في تسعة، تبلغ أربعة وثلاثين ونصفا، ابسطها أنصافا، تكون تسعة وستين، فهي المال، لزيد منها ستة عشر، ولعمرو خمسة.
فصل في الوصية بنصيب أحد الورثة مع الوصية بجزأين أحدهما من جميع المال، والآخر مما تبقى مثاله: بنت وأخ، وأوصى لزيد بمثل نصيب أحدهما، ولعمرو بربع المال، ولبكر بنصف الباقي بعد ذلك، فعلى طريق القياس، نعلم أنه إذا أخذ عمرو ربع المال، وزيد نصيبا، ينبغي أن يكون للباقي نصف، وأقل عدد له نصف اثنان، لبكر منهما سهم، يبقى سهم، لكل واحد من الوارثين نصف سهم، فعلمنا أن النصيب نصف سهم، فيكون الباقي من المال بعد الربع سهمين ونصف سهم، وذلك ثلاثة أرباع المال، نزيد عليه ثلاثة، وهو خمسة أسداس، يبلغ ثلاثة وسدسين، نبسطها أسداسا، تبلغ عشرين، لزيد ثلاثة ولعمرو خمسة، يبقى اثنا عشر، لبكر نصفها، ولكل واحد من الوارثين ثلاثة كالنصيب. ولو كانت المسألة بحالها، إلا أن وصية عمرو بخمس المال، ووصية بكر بثلث الباقي، فالمال خمسة، والنصيب واحد.
فصل فيما إذا كان الجزءان مع النصيب أحدهما بعد الآخر مثاله: أم، وعمان، أوصى لزيد بمثل نصيب أحدهم، ولعمرو بربع ما تبقى من المال بعد

(5/206)


النصيب، ولبكر بثلث ما تبقى من المال بعد ذلك، ولخالد بنصف ما تبقى بعد ذلك، تأخذ مالا، وتلقى منه نصيبا، يبقى مال إلا نصيبا، تلقي من هذا الباقي ربعه، يبقى ثلاثة أرباع مال إلا ثلاثة أرباع نصيب، تلقي من الباقي ثلثه، يبقى نصف مال إلا نصف نصيب، تلقي من الباقي نصفه، يبقى ربع مال إلا ربع نصيب تعدل ثلاثة أنصباء، تجبر وتقابل، فربع مال يعدل ثلاثة أنصباء وربع نصيب، فتضربها في أربعة، تبلغ ثلاثة عشر، النصيب منه واحد، يبقى اثنا عشر، لعمرو ربعها، يبقى تسعة، لبكر ثلثها، يبقى ستة، لخالد نصفها، يبقى ثلاثة، لكل واحد من الورثة واحد كالنصيب.
فصل في الوصية بنصيبين مع الوصية بجزء بعد كل نصيب مثاله: ثلاثة بنين، وأوصى لزيد بمثل نصيب أحدهم، ولعمرو بثلث ما تبقى من الثلث، ولبكر بمثل نصيب أحدهم، ولخالد بنصف ما تبقى من الثلث بعد النصيب، فخذ أحد أثلاث المال، وادفع منه نصيبا إلى زيد، يبقى منه مقدار، تدفع ثلثه إلى عمرو، يبقى معنا ثلثا مقدار، ونأخذ ثلثا آخر وتدفع منه نصيبا إلى بكر، يبقى مقدار، تعطي منه خالدا نصفه، يبقى نصف مقدار، فتضم الباقي من الثلثين وهو مقدار وسدس مقدار إلى الثلث الثالث وهو نصيب، ومقدار يكون نصيبا ومقدارين وسدس مقدار، وذلك يعدل أنصباء الورثة وهو ثلاثة، تسقط نصيبا بنصيب، يبقى مقداران وسدس مقدار في معادلة نصيبين، فالنصيب الواحد مقدار ونصف سدس مقدار، وكنا فرضنا كل ثلث نصيبا ومقدارا، فهو إذا مقداران ونصف سدس، تبسطها بالضرب في اثني عشر، تكون خمسة وعشرين، وجملة المال خمسة وسبعون، والنصيب ثلاثة عشر، فلزيد ثلاثة عشر، ولعمرو أربعة، ولبكر ثلاثة عشر، ولخالد ستة، ولكل ابن ثلاثة عشر كالنصيب.
فصل في الوصية بنصيب وبجزء شائع، على شرط أن لا يضام بعض الورثة، أي: لا يدخل النقص عليه مثاله: إبنان، وأوصى لزيد بربع المال، ولعمرو بنصيب أحد الابنين، على أن لا يضام الثاني بالوصيتين، هي من أربعة لذكره الربع، لزيد سهم، وللابن الذي شرط أن لا يضام سهمان، يبقى سهم لعمرو وللابن الآخر لا يصح عليهما، فتضرب اثنين في أربعة. مسألة: ثلاثة بنين، أحدهم بكر، وأوصى من ثلث ماله لزيد بنصيب

(5/207)


أحدهم، ولعمرو بثلث ما تبقى من الثلث، وشرط أن لا يضام بكر، فخذ ثلث المال، وادفع إلى زيد منه نصيبا، يبقى مقدار، تدفع ثلثه إلى عمرو، يبقى ثلثا مقدار تضمهما إلى الثلثين وهما نصيبان ومقداران، وذلك كله يعدل ثلث المال ونصيبين. أما ثلث المال، فهو الذي توفيه بكرا غير منقوص. وأما النصيبان، فهما نصيبا الابنين الآخرين، وذلك ثلاثة أنصباء ومقدار، فتسقط نصيبين بنصيبين، ومقدارا بمقدار، يبقى نصيب في معادلة مقدار وثلثين، فعرفنا أن النصيب مقدار وثلثان، وأن الثلث مقداران وثلثان، فنبسطها أثلاثا، فيكون ثمانية، فهي ثلث المال، والنصيب منها خمسة، وجملة المال أربعة وعشرون، لزيد خمسة، ولعمرو سهم، ولبكر ثمانية، ولكل واحد من الآخرين خمسة كالنصيب.
فصل في الوصية بالنصيب مع استثناء جزء من المال عنه مثاله: ثلاثة بنين، أوصى بمثل نصيب أحدهم إلا ربع جميع المال، تأخذ مالا، وتسقط منه نصيبا، يبقى مال ينقص نصيجا، تزيد عليه ربع المال المستثنى، يبلغ مالا وربع مال إلا نصيبا، وذلك يعدل ثلاثة أنباء، وهي أنصباء الورثة، تجبر وتقابل، فإذا مال وربع يعدل أربعة أنصباء، تبسطها أرباعا، وتقلب الاسم، فالمال ستة عشر، والنصيب خمسة، تدفع إلى الموصى له خمسة، وتسترجع منه ربع المال وهو أربعة، يبقى معنا خمسة عشر، لكل ابن خمسة كالنصيب. مسألة: ابن، وأوصى بمثل نصيبه إلا نصف المال، تأخذ مالا، وتسقط منه نصيبا، ثم تسترجع من النصيب نصف مال، يحصل معنا مال ونصف سوى نصيب، يعدل نصيبا واحدا، تجبر وتقابل، فيكون مال ونصف يعدل نصيبين، تبسطهما أنصافا، وتقلب الاسم، فيكون المال أربعة، والنصيب ثلاثة، تدفع إلى الموصى له ثلاثة، وتسترجع منه اثنين، يبقى معه سهم، وهو مثل نصيب الابن ناقصا بنصف المال. مسألة: ابن، وأوصى بنصيب ابن رابع لو كان إلا عشر المال، نقول: لو كان البنون أربعة، قسم المال بينهم على أربعة، تأخذ مالا، وتلقي منه نصيبا، وتسترجع منه عشر المال، يكون معنا مال وعشر مال سوى نصيب، يعدل أربعة أنصباء، تجبر وتقابل، فإذا مال وعشر مال تقابل خمسة أنصباء، تبسطها أعشارا،

(5/208)


وتقلب الاسم، فالمال خمسون، والنصيب أحد عشر، تدفع إلى الموصى له أحد عشر، وتسترجع منه عشر المال وهو خمسة، يبقى للموصى له ستة، ويأخذ الابن أربعة وأربعين، ولو كانوا أربعة لاخذ كل ابن أحد عشر كالنصيب.
فصل في الوصية بالنصيب مع استثناء جزء مما تبقى من المال فهذا، إما أن يكون مع تقييد الموصي الاستثناء بجزء مما تبقى من المال بعد النصيب، وإما مع التقييد بجزء مما تبقى من المال بعد الوصية، وإما مطلقا، فهذه ثلاثة أقسام. (القسم) الاول: مثاله: ثلاثة بنين، وأوصى بمثل نصيب أحدهم إلا ربع الباقي من المال بعد النصيب، تأخذ مالا وتسقط منه نصيبا، يبقى مال ناقص بنصيب، تزيد عليه ربعه وهو الذي يسترده من جملة النصيب، وربعه ربع مال إلا ربع نصيب، فيبلغ مالا وربع مال إلا نصيبا، وربع نصيب يعدل ثلاثة أنصباء، فتجبر وتقابل، فإذا مال وربع مال يعدل أربعة أنصباء وربع نصيب، تبسطها أرباعا وتقلب الاسم، فالمال سبعة عشر، والنصيب خمسة، تعطي الموصى له خمسة، يبقى اثنا عشر، تسترجع من الخمسة ربع الباقي وهو ثلاثة، يبقى مع الموصى له سهمان، ومع البنين خمسة عشر، لكل ابن خمسة. القسم الثاني: أن يقيد الاستثناج بجزء مما تبقى من المال بعد الوصية، فالجزء من باقي المال بعد الوصية، كالجزء الواقع تحته من باقي المال بعد النصيب، فعشر الباقي بعد الوصية كتسع الباقي بعد النصيب، وتسع الباقي بعد الوصية كثمن الباقي بعد النصيب، وعلى هذا القياس، حتى ينتهي إلى ثلث الباقي بعد الوصية، فهو كنصف الباقي بعد النصيب، وخرجوا صور هذا القسم بطريقين. أحدهما: البناء على القاعدة المذكورة. فإذا أوصى - وله ثلاثة بنين - بنصيب أحدهم إلا ربع ما تبقى من المال بعد الوصية، فهو كما لو أوصى بنصيب أحدهم إلا ثلث ما تبقى بعد النصيب، فتأخذ مالا، وتلقي منه نصيبا، يبقى مال ناقص بنصيب، تزيد ثلثه للاستثناء وهو ثلث مال إلا ثلث نصيب، يبلغ مالا وثلث مال إلا

(5/209)


نصيبا، وثلث نصيب يعدل ثلاثة أنصباء، فتجبر وتقابل، فإذا مال وثلث مال يعدل أربعة أنصباء وثلث نصيب، فتبسطها أثلاثا، وتقلب الاسم، فالمال ثلاثة عشر، والنصيب أربعة، تعطي الموصى له أربعة، يبقى تسعة، تسترد من الاربعة ثلث التسعة الباقية، يبقى معه سهم، ويحصل للبنين اثنا عشر، ولكل ابن أربعة، فالذي أخذه الموصى له مثل النصيب إلا ثلث الباقي بعد النصيب، ومثل النصيب إلا ربع الباقي بعد الوصية، لان الباقي بعد الوصية اثنا عشر. الطريق الثاني: إنا نعلم أن باقي المال في الصورة المذكورة بعد الوصية أنصباء البنين، وهي ثلاثة، وربعها ثلاثة أرباع نصيب، فهو المستثنى من نصيب أحد البنين، يبقى ربع نصيب وهو الوصية، فتزيده على أنصباء البنين، تبلغ ثلاثة أنصباء وربع نصيب، نبسطها أرباعا بالضرب في أربعة، تكون ثلاثة عشر، والوصية سهم. القسم الثالث: أن يطلق فيقول: أوصيت له بمثل نصيب فلان إلا ربع ما تبقى من المال، ولم يقل: بعد النصيب، ولا بعد الوصية، ففيه وجهان لاصحابنا. أحدهما: يحمل على الباقي بعد النصيب، لان المذكور هو النصيب فانصرف الاستثناء إليه. والثاني وهو قول أكثرهم: يحمل على الباقي بعد الوصية، لان الباقي بعد الوصية أكثر من الباقي بعد النصيب، فيكون المستثنى أكثر، ويقل نصيب الموصى له، وقد تقرر تنزيل الوصايا على الاقل المتيقن، ثم طريق الحساب على الوجهين ما سبق.
فصل في الوصية بالنصيب مع استثناء جزء مما تبقى من جزء من المال هذا يجئ فيه الاقسام المذكورة في الفصل الذي قبله. والقسم الثالث فيه الوجهان. فإن صرح بذكر النصيب، فأوصى - وله ثلاثة بنين - بمثل نصيب أحدهم إلا ثلث ما تبقى من الثلث بعد النصيب، فتأخذ ثلث مال، وتلقي منه نصيبا، يبقى ثلث مال سوى نصيب، تزيد على ثلثه وهو تسع مال إلا ثلث نصيب للاستثناء، تبلغ أربعة أتساع مال سوى نصيب وثلث نصيب تعدل أنصباء الورثة وهي ثلاثة، فتجبر وتقابل، فمال وتسع مال يعدل أربعة أنصباء وثلث نصيب، تبسطها أتساعا، وتقلب الاسم، فالمال تسعة وثلاثون، والنصيب عشرة، تأخذ الثلث ثلاثة عشر، فتسقط

(5/210)


منه نصيبا وهو عشرة، يبقى ثلاثة، تسترجع ثلثها بالاستثناء، يبقى تسعة، تسقطها من المال، يبقى ثلاثون، لكل ابن عشرة. مسألة: أربعة بنين، وأوصى بمثل نصيب أحدهم إلا ربع ما تبقى من الثلث بعد ثلث النصيب، تأخذ ثلث مال، وتسقط منه نصيبا، يبقى ثلث مال سوى نصيب، ثم تسترجع من النصيب ربع الباقي من الثلث بعد ثلث النصيب، وهو نصف سدس مال إلا سدس نصيب، وتضمه إلى ما معك، تبلغ خمسة أجزاء من اثني عشر جزءا من مال إلا نصيبا، وجزءا من اثني عشر جزءا من نصيب، تزيده على ثلثي المال، يبلغ مالا وجزءا من اثني عشر جزءا من مال إلا نصيبا، وجزءا من اثني عشر جزءا من نصيب يعدل أنصباء الورثة وهي أربعة، تجبر وتقابل، فإذا مال وجزء من اثني عشر جزءا من مال، يعدل خمسة أنصباء وجزءا من اثني عشر جزءا من نصيب، ثم ابسطها بأجزاء اثني عشر، واقلب الاسم، فالنصيب ثلاثة عشر، والمال أحد وستون، ولكن ليس لاحد وستين ثلث، فتضربها في ثلاثة، تبلغ مائة وثلاثة وثمانين، فهو المال، والنصيب تسعة وثلاثون، تأخذ ثلث المال وهو أحد وستون، تعزل منه تسعة وثلاثين للنصيب، ثم تسترجع منه اثني عشر، لان الباقي من الثلث بعد ثلث النصيب ثمانية وأربعون، وربعها اثنا عشر، فيبقى للموصى له سبعة وعشرون، تسقطها من المال، يبقى مائة وستة وخمسون، لكل ابن تسعة وثلاثون. فرع أوصى بمثل نصيب أح ورثته إلا ثلث ما تبقى، ولم يزد على هذا، فكأنه قال: إلا ثلث ما تبقى من المال بعد الوصية، لانه الاقل المتيقن. فإذا كان له ابنان والحالة هذه، فلهم سهم من تسعة، لان لكل واحد من الابنين والموصى له ثلاثة، ثم تسترجع منه بقدر ثلث الباقي وهو سهمان، فيبقى سهم. فرع وأما إن صرح بذكر الوصية والباقي من الجزء فقال - وله ثلاثة بنين -: أوصيت بمثل نصيب أحدهم إلا ثلث ما تبقى من الثلث بعد الوصية، فطرق الحساب فيه على قياس ما سبق، لكن يستعمل بدل ثلث الباقي من الثلث بعد الوصية، نصف الباقي من الثلث بعد النصيب كما سبق في الفصل السابق، ويكون المال في الصورة المذكورة سبعة وعشرين، والنصيب سبعة. فإذا أخذنا ثلث المال، وعزلنا منه سبعة، بقي اثنان، نسترجع نصفهما من النصيب وهو واحد، يبقى مع الموصى له

(5/211)


ستة، ومع البنين أحد وعشرون، مع كل ابن سبعة كالنصيب.
فصل في الوصية بجزء من المال وبالنصيب مع استثناء جزء من باقي المال الباقي من المال، قد يقيد بما بعد النصيب، وقد يقيد بما بعد الوصية، وقد يطلق كما سبق، فان جرى ذكر النصيب، بأن أوصى - وله ابنان - لزيد بربع المال، ولعمرو بمثل نصيب أحدهما إلا ثلث ما تبقى من المال بعد النصيب، فخذ مالا، واجعل ربعه لزيد، يبقى ثلاثة أرباع مال، تعطي عمرا منها نصيبا، يبقى ثلاثة أرباع مال إلا نصيبا، تسترجع من النصيب مثل ثلث هذا الباقي وهو ربع مال إلا ثلث نصيب، تزيده على ما معك، يبلغ مالا إلا نصيبا وثلث نصيب، وذلك يعدل نصيبين، فتجبر وتقابل، فإذا مال يعدل ثلاثة أنصباء وثلث نصيب، فتبسطها أثلاثا، وتقلب الاسم، فالمال عشرة، والنصيب ثلاثة، تعطي زيدا ربع العشرة، يبقى سبعة ونصف، تعزل منها ثلاثة لعمرو، يبقى أربعة ونصف، تسترجع ثلثها من الثلاثة وهو واحد ونصف، فتضمه إلى ما معك، تبلغ ستة، لكل واحد ثلاثة كالنصيب، فان أردت إزالة الكسر، بسطت العشرة أيضا أنصافا وقلت: المال عشرون، والنصيب ستة. وإن جرى ذكر الوصية، بأن أوصى - وله ابنان - لزيد بربع المال، ولآخر بمثل نصيب أحدهما إلا ثلث ما تبقى من المال بعد الوصية، فهو كقوله: إلا نصف ما تبقى من المال بعد النصيب كما سبق، فتأخذ مالا، وتجعل لزيد ربعه، يبقى ثلاثة أرباع مال، تعطي عمرا منها نصيبا، يبقى ثلاثة أرباع سوى نصيب، تسترجع منه نصف هذا الباقي، وهو ثلاثة أثمان مال سوى نصف نصيب، وتزيده على ما معك، يبلغ مالا وثمن مال إلا نصيبا ونصف نصيب، وذلك يعدل نصيبين، فإذا جبرت وقابلت، فمال وثمن مال يعدل ثلاثة أنصباء ونصف نصيب تبسطها أثمانا، فالمال ثمانية وعشرون، والنصيب تسعة، تعطي زيدا ربع المال، يبقى أحد وعشرون، تفرز منها تسعة لعمرو، يبقى اثنا عشرة، تسترجع نصفها من تسعة عمرو، وتضمه إليها، تبلغ ثمانية عشر، لكل ابن تسعة كالنصيب. فصل في الوصية بجزء شائع من المال وبالنصيب مع استثناء جزء مما (يبقى) من جزء (من) المال مثاله: خمسة بنين، وأوصى لزيد بثمن ماله، ولعمرو بثلث ما تبقى من الثلث بعد الثمن والنصيب، تأخذ ثلث مال، وتلقي منه

(5/212)


ثمن جميع المال، يبقى خمسة من أربعة وعشرين جزءا من المال، تفرز منه نصيبا لعمرو، يبقى خمسة من أربعة وعشرين جزءا سوى نصيب، تسترجع من النصيب ثلث هذا الباقي، وليس للخمسة ثلث صحيح، فتضرب المال في ثلاثة، تكون اثنين وسبعين، ويكون معك خمسة عشر جزءا من اثنين وسبعين جزءا من المال سوى نصيب، تزيد ثلث هذا المبلغ عليه، فيصير عشرين جزءا من اثنين وسبعين جزءا سوى نصيب وثلث نصيب يعدل أنصباء الورثة وهي خمسة، فإذا جبرت وقابلت، فثمانية وستون تعدل ستة أنصباء وثلث نصيب، فتبسطها بأجزاء اثنين وسبعين، وتقلب الاسم، فإذا المال أربعمائة وستة وخمسون، والنصيب ثمانية وستون، تأخذ ثلث المال وهو مائة واثنان وخمسون، وتلقي منه ثمن المال، وهو سبعة وخمسون، يبقى خمسة وتسعون، تلقي منها نصيبا وهو ثمانية وستون، يبقى سبعة وعشرون، تسترجع من النصيب ثلثها، وتزيدها على السبعة والعشرين، تبلغ ستة وثلاثين، تزيدها على ثلثي المال، وهو ثلثمائة وأربعة أسهم، تبلغ ثلثمائة وأربعين، لكل ابن ثمانية وستون كالنصيب. فإن كان المسألة بحالها، إلا أنه أوصى لعمرو بثلث ما يبقى من الثلث بعد الثمن وبعد وصيته، فالحساب كما مضى، لكن تجعل بدل استثناء ثلث الباقي من الثلث بعد الوصية، نصف الباقي من الثلث بعد النصيب، وإذا عملتها، كان المال ثلاثمائة واثني عشر، والنصيب سبعة وأربعين، تأخذ ثلث المال، وهو مائة وأربعة، وتسقط منه ثمن المال، وهو تسعة وثلاثون، يبقى خمسة وستون، تسقط منه النصيب سبعة وأربعين، يبقى ثمانية عشر، تسترجع من النصيب نصفها تسعة، وتزيدها عليها، تصير سبعة وعشرين، تزيدها على ثلثي المال، وهو مائتان وثمانية، تبلغ مائتين وخمسة وثلاثين لكل ابن سبعة وسبعون.
فصل في الوصية بمثل نصيب وارث أو عدد من الورثة، إلا مثل نصيب وارث آخر أو عدد منهم هذه الوصية، إما أن تتجرد عن الوصية بجزء شائع من المال والوصية بجزء مما تبقى من المال، أو بجزء من جزء مما تبقى، وإما أن لا تتجرد. فالحالة الاولى لا حاجة فيها إلى الطرق الجبرية، بل تقام مسألة الورثة، وتؤخذ سهام من أوصى بمثل نصيبه، فينقص منها نصيب من استثنى مثل نصيبه، ويزاد ما بقي على مسألة الورثة، فمنه تصح.

(5/213)


مثاله: زوجة وأخت وعم، وأوصى بمثل نصيب الاخت إلا مثل نصيب الزوجة، هي من أربعة، ونصيب الاخت سهمان، ينقص منها نصيب الزوجة وهو سهم، يبقى سهم، تزيده على الاربعة، يكون خمسة، واحد منها للموصى له، والباقي للورثة. الحالة الثانية: إذا لم تتجرد، وفيها صور. إحداها: أن يوصي مع ذلك بجزء شائع من المال. مثاله: أبوان، وأوصى لزيد بربع ماله، ولعمرو بمثل نصيب الاب إلا مثل نصيب الام، فالطريق أن تنظر في مسألة الورثة وهي من ثلاثة، ثم تأخذ مالا، وتلقي ربعه لزيد، يبقى ثلاثة أرباع، تلقي منها نصيبين كنصيب الاب، وتسترجع نصفهما كنصيب الام، يبقى ثلاثة أرباع مال سوى نصيب يعدل ثلاثة أنصباء هي سهام الورثة، فتجبر وتقابل، فثلاثة أرباع مال تعدل أربعة أنصباء، تبسطها أرباعا، وتقلب الاسم، فالمال ستة عشر، والنصيب ثلاثة. فإذا أخذنا ستة عشر، وأسقطنا ربعها، بقي اثنا عشر، تسقط منها نصيبين وهما ستة، وتسترجع نصيبا وهو ثلاثة، يبقى للموصى له ثلاثة. فإذا أسقطنا الوصيتين من المال، بقي تسعة، للاب ستة، وللام ثلاثة. الصورة الثانية: أن يوصي مع ذلك بجزء مما تبقى من المال. مثاله: أبوان، وأوصى لزيد بمثل نصيب الاب إلا مثل نصيب الام، ولعمرو ربع ما تبقى من المال، تأخذ مالا، وتلقي منه نصيبين، هما نصيب الابن من مسألة الورثة، فتسترجع نصيبا وهو نصيب الام، يبقى مال سوى نصيب، تعطي عمرا أربعة، وهو ربع مال إلا ربع نصيب، تلقي ثلاثة أرباع مال إلا ثلاثة أرباع نصيب، تعدل ثلاثة أنصباء، هي سهام المسألة، فتجبر وتقابل، فثلاثة أرباع مال تعدل ثلاثة أنصباء وثلاثة أرباع نصيب، فتبسطها أرباعا، وتقلب الاسم، فالمال خمسة عشر، والنصيب ثلاثة، تأخذ خمسة عشر، وتسقط منها نصيبين وهما ستة، وتسترجع نصيبا وهو ثلاثة، يبقى اثنا عشر، ربعها لعمرو، يبقى تسعة، ستة للاب، وثلاثة للام. الصورة الثالثة: أن يوصي بعد ذلك بجزء من جزء مما تبقى من المال. مثاله: أبوان، وأوصى لزيد بمثل نصيب الاب إلا مثل نصيب الام، ولعمرو

(5/214)


بربع ما تبقى من ثلثي المال، تأخذ ثلثي مال وتسقط منه نصيبين، وتسترجع منه نصيبا، يبقى ثلثا مال سوى نصي‍ ب، تسقط ربعه لعمرو، وهو سدس مال إلا ربع نصيب، يبقى نصف مال إلا ثلاثة أرباع نصيب، تعدل ثلاثة أنصباء، هي سهام المسألة، فتجبر وتقابل بخمسة أسداس مال، تعدل ثلاثة أنصباء وثلاثة أرباع نصيب، تبسطها بأجزاء اثني عشر، وتقلب الاسم، فالمال خمسة وأربعون، والنصيب عشرة، تأخذ ثلثي المال وهو ثلاثون، وتسقط منها نصيبين وهما عشرون، وتسترجع نصيبا، يبقى معك عشرون، تسقط ربعها لعمرو، يبقى خمسة عشر، تزيدها على ثلث المال، يكون ثلاثين، للاب عشرون، وللام عشرة.
فصل في الوصية بالنصيب مع استثناء نصيب وارث اخر منه وجزء شائع أيضا الجزء المستثنى مع النصيب، قد يكون من جميع المال، وقد يكون من جزء من الباقي. مثال الاول: أبوان، وأوصى بمثل نصيب الاب إلا مثل نصيب الام وإلا عشر جميع المال، تأخذ مالا، وتلقي منه نصيبين، وتسترجع نصيبا وعشر جميع المال، يبقى مال وعشر مال إلا نصيبا، يعدل أنصباء الورثة وهي ثلاثة، فتجبر وتقابل، فمال وعشر مال يعدل أربعة أنصباء، تبسطها أعشارا، وتقلب الاسم، فالمال أربعون، والنصيب أحد عشر، تأخذ أربعين، فتسقط منها نصيبين، وهما اثنان وعشرون، وتسترجع منها نصيبا وهو أحد عشر، وعشر جميع المال وهو أربعة، فيحصل للموصى له سبعة، وللاب اثنان وعشرون، وللام أحد عشر. مثال الثاني: المسألة بحالها، إلا أنه يستثنى مثل نصيب الام وعشر ما تبقى من المال بعد نصيب الام، فتأخذ مالا، وتلقي منه نصيب الام وهما سهمان من ثلاثة هي سهام المسألة، وتسترجع منه نصيبا، يبقى مال إلا نصيبا، تزيد عليه مثل عشره وهو عشر مال إلا عشر نصيب، تبلغ مالا وعشر مال إلا نصيبا وعشر نصيب تعدل ثلاثة أنصباء هي سهام المسألة. فتجبر وتقابل، وتبسطها أعشارا، وتقلب الاسم، فالمال أحد وأربعون، والنصيب أحد عشر، تأخذ أحدا وأربعين، وتسقط منها نصيبين وهما اثنان وعشرون، وتسترجع نصيبا، فيكون معك ثلاثون، وتسترجع عشر الثلاثين من ذهك النصيب وهو ثلاثة، وتزيده على ما معك، تبلغ ثلاثة وثلاثين، للاب اثنان

(5/215)


وعشرون، وللام أحد عشر. مثال الثالث: المسألة بحالها، إلا أنه استثنى مثل نصيب الام وثمن ما تبقى من ثلثي المال بعد نصيب الام، فتأخذ ثلثي مال، وغسقط منه نصيبين، وتسترجع نصيبا، يبقى ثلثا مال سوى نصيب، تسترجع ثمن هذا المبلغ أيضا من النصيب وهو نصيب سدس مال إلا ثمن نصف، وتزيده على المبلغ، يكون ثلاثة أرباع مال إلا نصيبا وثمن نصيب، تزيده على ثلث مال، يبلغ مالا ونصف سدس مال إلا نصيبا وثمن نصيب، وذلك يعدل أنصباء الورثة وهي سهام المسألة، فتجبر وتقابل، فمال ونصف سدس مال يعدل أربعة أنصباء وثمن نصيب، فتبسطها بأجزاء أربعة وعشرين، وتقلب الاسم، فالمال تسعة وتسعون، والنصيب ستة وعشرون، تأخذ ثلثي المال وهو ستة وستون، وتسقط منها نصيبين وهما اثنان وخمسون، وتسترجع نصيبا، يبقى معك أربعون، تسترجع ثمنها من النصيب أيضا وهو خمسة، وتزيده على الاربعين، يكون خمسة وأربعين، تزيده على ثلث المال وهو ثلاثة وثلاثون، تبلغ ثمانية وسبعين، للاب بنصيبين اثنان وخمسون، وللام بنصيب ستة وعشرون.
فصل في الوصية بالتكملة والمراد بها : البقية التي يبلغ بها الشئ حدا آخر، وهي إما مجردة عن الوصية بغيرها والاستثناء منها، وإما غير مجردة. أما القسم الاول: فالوصية إما أن تكون بتكملة واحدة، وإما بتكملتين فصاعدا. مثال الاول: أربعة بنين، وأوصى بتكملة ثلث ماله بنصيب أحدهم، فتأخذ مالا، وتصرف ثلث إلى ثلثه الموصى له، وتسترجع منه نصيبا، فيحصل معك ثلثا مال ونصيب، وذلك يعدل أنصباء الورثة وهي أربعة، فتلقي نصيبا بنصيب، يبقى ثلثا مال في معادلة ثلاثة أنصباء، فتبسطهما أثلاثا، وتقلب الاسم، فالمال تسعة، والنصيب اثنان، والتفاوت بين الثلث والنصيب سهم، فهو التكملة، تدفعه إلى الموصى له، يبقى ثمانية، لكل ابن سهمان. وبطريق الدينار والدرهم، تجعل ثلث المال دينارا ودرهما، وتجعل الدينار نصيبا، والتكملة درهما، تدفعه إلى الموصى له، يبقى من المال ثلاثة دنانير ودرهمان، يأخذ ثلاثة بنين ثلاثة دنانير، يبقى درهمان يأخذهما الابن الرابع، فعلمنا أن قيمة الدينار درهمان، وأن ثلث المال ثلاثة

(5/216)


دراهم، والنصيب درهمان. مثال التكملتين، أربعة بنين وبنت، وأوصى بتكملة ثلث ماله بنصيب ابن، ولآخر بتكملة ربع ماله بنصيب البنت، فالوصية الاولى ثلث مال سوى نصيبين، والثانية ربع مال سوى نصيب، فتأخذ مالا، وتسقط منه الوصيتين، يبقى خمسة أسهم من اثني عشر سهما من مال وثلاثة أنصباء، تعدل أنصباء الورثة وهي تسعة، تسقط ثلاثة أنصباء بثلاثة أنصباء، يبقى خمسة أسهم من اثني عشر سهما من مال في معادلة ستة أنصباء الورثة وهي تسعة، تسقط ثلاثة أيضا بثلاثة أنصباء، يبقى خمسة أسهم من اثني عشر سهما من مال في معادلة ستة أنصباء. ثم إن شئت بسطتها بأجزاء اثني عشر، وقلبت الاسم، فالمال اثنان وسبعون، والنصيب خمسة. وإن شئت قلت: إذا كانت خمسة من اثني عشر تعدل ستة، فالمال بتمامه يعدل أربعة عشر وخمسين، تبسطها أخماسا تبلغ اثنين وسبعين، تأخذ ثلث المال وهو أربعة وعشرون، وتسقط منه نصيبين وهما عشرة، يبقى أربعة عشر، فهي الوصية الاولى، وتأخذ ربعه وهو ثمانية عشر، تسقط منه نصيبا واحدا وهو خمسة، يبقى ثلاثة عشر، فهي الوصية الثانية، فتسقط الوصيتين من المال، يبقى خمسة وأربعون، لكل ابن عشرة، وللبنت خمسة. أما القسم الثاني، فيتصور على وجوه. منها الوصية بالتكملة مع الوصية بجزء شائع من المال. مثاله: ثلاثة بنين، وأوصى لزيد بربع ماله، ولعمرو بتكملة النصف بنصيب ابن، فتأخذ مالا، وتلقي منه ربعه لزيد، ثم تلقي نصفه لعمرو، وتسترجع منه نصيبا، يبقى معك ربع مال ونصيب، وذلك يعدل ثلاثة أنصباء، فتسقط نصيبا بنصيب، يبقى ربع مال في معادلة نصيبين، تبسطهما أرباعا، وتقلب الاسم، فالمال ثمانية، والنصيب واحد، تأخذ ثمانية، فتعزل ربعها لزيد، ثم تأخذ نصف الثمانية لعمرو، وتسترجع منه واحدا، يبقى معك ثلاثة، لكل ابن واحد. وبطريق القياس تقول: ربع المال ونصفه يستحقهما زيد وعمرو وأحد البنين، فتأخذ مالا له ربع ونصف وهو أربعة، فتسقط منه الربع والنصف، يبقى واحد تقسمه بين الابنين الآخرين، فلكل واحد منهما نصف، فتعلم أن النصيب نصف سهم، فتسقطه من الثلاثة التي أسقطتها من المال، يبقى اثنان ونصف، تسقط منها ربع جميع المال،

(5/217)


يبقى واحد ونصف، فهو التكملة، تبسط الجميع أنصافا ليزول الكسر، فالنصيب واحد، والتكملة ثلاثة، والربع اثنان، والمال ثمانية. وبطريق الدينار والدرهم، تجعل نصف المال دينارا ودرهما، وتدفع الدرهم بالتكملة إلى عمرو، يبقى ديناران ودرهم، تسقط منها ربع المال وهو نصف دينار ونصف درهم، يبقى دينار ونصف دينار ونصف درهم، وذلك يعدل ثلاثة دنانير، تسقط الجنس بالجنس، يبقى دينار ونصف في معادلة نصف درهم، تبسطها أنصافا، وتقلب الاسم، فالدينار واحد، والدرهم ثلاثة وهو التكملة. ومنها: الوصية بالتكملة مع الوصية بجزء مما بقي من المال. مثاله: أربعة بنين، وأوصى لزيد بتكملة ثلث ماله بنصيب ابن، ولعمرو بربع ما تبقى من المال، تأخذ مالا، وتدفع ثلثه إلى زيد، وتسترجع منه نصيبا، وتزيده على باقي المال، فيحصل معك ثلثا مال ونصيب، يخرج ربعه لعمرو وذلك سدس مال وربع نصيب، يبقى نصف مال وثلاثة أرباع نصيب تعدل أنصباء الورثة وهي أربعة، فتسقط ثلاثة أرباع نصيب بثلاثة أرباع نصيب، يبقى نصف مال في معادلة ثلاثة أنصباء وربع نصيب، فتبسطها أرباعا، وتقلب الاسم، فالمال ثلاثة عشر، والنصيب سهمان، لكن ليس للثلاثة عشر ثلث، فتضربها في ثلاثة، تبلغ تسعة وثلاثين، فهي المال، والنصيب ستة، تأخذ ثلثها وهو ثلاثة عشر، تسقط منه نصيبا، يبقى سبعة، فهي التكملة، تدفعها إلى زيد، يبقى من المال اثنان وثلاثون، تدفع ربعها إلى عمرو وهو ثمانية، يبقى أربعة وعشرون للبنين، لكل ابن ستة. ومنها: الوصية بالتكملة مع الوصية بجزء مما تبقى من جزء المال. مثاله: ثلاثة بنين، وأوصى لزيد بتكملة ثلث ماله بنصيب أحدهم، ولعمرو بثلث ما بقي من الثلث، تأخذ ثلث مال، وتلقي منه نصيبا، يبقى ثلث مال إلا نصيبا تدفعه إلى زيد فإنه التكملة، يبقى من الثلث نصيب، تدفع ثلثه إلى عمرو، يبقى ثلثا نصيب تضمهما إلى ثلثي المال، وذلك يعدل أنصباء الورثة وهي ثلاثة، تسقط ثلثي نصيب بثلثي نصيب، يبقى ثلثا مال تعدل نصيبين وثلث نصيب. ثم إن شئت بسطتها أثلاثا، وقلبت الاسم، فالمال سبعة، والنصيب اثنان. وإن شئت قلت: إذا

(5/218)


عادل ثلثا مال نصيبين وثلث نصيب، فالمال الكامل يعادل ثلاثة أنصباء ونصف نصيب، تبسطها أنصافا، يكون سبعة، وليس لها ثلث صحيح، فتضربها في ثلاثة، تبلغ أحدا وعشرين، فهو المال، والنصيب ستة، تأخذ ثلث المال وهو سبعة، وتلقي منه النصيب، يبقى واحد فهو التكملة، وتدفع ثلث الستة إلى عمرو، يبقى أربعة، تضمها إلى ثلثي المال، يكون ثمانية عشر، لكل ابن ستة. قال إمام الحرمين: كذا ذكروه، لكن لو تجردت الوصية الاولى في هذه الصورة، فأوصى وله ثلاثة بنين بتكملة ثلث ماله بنصيب أحدهم، فالوصية باطلة، لان نصيب كل ابن يستغرق الثلث، فلا تكملة، وحينئذ يمكن أن يقال: الوصية الاولى هنا باطلة، والثانية فرعها فتبطل أيضا، قال: ووجه ما ذكروه، أن الوصية الثانية تنقص النصيب عن الثلث، فتظهر بها التكملة، قال: ويجب أن تخرج المسألة وأخواتها على الوجهين، في أن العبرة باللفظ أو المعنى، كما إذا قال: بعتك بلا ثمن ونحوه ؟ قلت: الصحيح المختار صحة الوصيتين هنا قطعا، والفرق بين باب الوصية وغيرها من العقود ظاهر. والله أعلم. ومنها: الوصية بالتكملة مع الوصية بمثل النصيب. مثاله: ثلاثة بنين، وأوصى لزيد بمثل نصيب أحدهم، ولعمرو بتكملة ثلث ماله، تأخذ ثلث مال، تدفع منه نصيبا إلى زيد، والباقي إلى عمرو، يبقى معك ثلثا مال تعدل أنصباء الورثة وهي ثلاثة، تبسطها أثلاثا، وتقلب الاسم، فالمال تسعة، والنصيب اثنان، تأخذ ثلث التسعة ثلاثة، تدفع منه اثنين إلى زيد، وسهما إلى عمرو وهو التكملة، يبقى ستة للبنين. فرع أوصى - وله ابنان - بمثل نصيب أحدهما لزيد، ولعمرو بتكملة الثلث، فالوصية الثانية باطلة، لانه لم يبق شئ من الثلث. وكذا لو أوصى - وله ثلاثة بنين - بمثل نصيب أحدهم لزيد، ولعمرو بتكملة الربع. ومنها: الوصية بالتكملة مع استثناء جزء من المال. مثاله: ثلاثة بنين، وأوصى بتكملة نصف ماله بنصيب أحدهم إلا ثمن جميع المال.

(5/219)


طريقه أن يقال: نصف مال نصيب وتكملة، والتكملة شئ وثمن جميع المال، تدفع الشئ إلى الموصى له، يبقى بعد النصف نصيب وثمن جميع المال، تضمهما إلى النصف الثاني، يحصل معك خمسة أثمان المال ونصيب تعدل أنصباء الورثة وهي ثلاثة، تسقط نصيبا بنصيب، يبقى خمسة أثمان المال تعدل نصيبين، فتبسطهما أثمانا، وتقلب الاسم، فالمال ستة عشر، والنصيب خمسة، تأخذ نصف المال وهو ثمانية، تسقط منه النصيب خمسة، يبقى ثلاثة، تسقط منها ثمن جميع المال وهو اثنان، يبقى واحد وهو التكملة، تسقطه من جميع المال، يبقى خمسة عشر للبنين. ومنها: الوصية بالتكملة مع استثناء جزء مما تبقى من المال. ستة بنين، وأوصى بتكملة ثلث ماله بنصيب أحدهم إلا ثمن ما تبقى من المال، تأخذ ثلث المال، وتسترجع منه نصيبا، يبقى ثلث مال إلا نصيبا، فهو التكملة، يبقى معك ثلثا مال ونصيب، تسترجع من التكملة ثمنه، وينتظم الحساب من أربعة وعشرين لذكر الثلث والثمن، فالذي معك ستة عشر ونصيب وثمن ذلك وهو اثنان وثمن نصيب، تزيده عليه، تبلغ ثمانية عشر جزءا من أربعة وعشرين جزءا من مال ونصيبا وثمن نصيب تعدل أنصباء الورثة وهي ستة، تسقط المثل بالمثل، يبقى ثمانية عشر جزءا من أربعة وعشرين جزءا من مال تعدل أربعة أنصباء وسبعة أثمان نصيب، تبسطها بأجزاء المال وهي أربعة وعشرون، وتقلب الاسم، فالمال مائة وسبعة عشر، والنصيب ثمانية عشر، تأخذ ثلث المال وهو تسعة وثلاثون، وتسقط منه نصيبا، يبقى أحد وعشرون وهو التكملة، فإذا أسقطناه من جميع المال، بقي ستة وتسعون ثمنها اثنا عشر، تسقطه من التكملة، يبقى تسعة، فهي التي يأخذها الموصى له، يبقى مائة وثمانية للبنين، لكل ابن ثمانية عشر. ومنها: الوصية بالتكملة مع استثناء جزء مما تبقى من جزء من المال. سبعة بنين، وأوصى بتكملة ربع ماله بنصيب أحدهم إلا ثلث ما تبقى من الثلث، تأخذ ربع مال، وتلقي منه نصيبا، يبقى ربع مال سوى النصيب وهو التكملة، تلقيها من الثلث، يبقى نصف سدس مال ونصيب، تلقي ثلث ذلك من التكملة، وينتظم الحساب من ستة وثلاثين، فإنه أقل عدد لنصف سدسه ثلث، فإذا

(5/220)


الذي معك من الثلث ثلاثة ونصيب، تسترجع ثلاثة من التكملة وهو واحد وثلث نصيب، يبقى للوصية ثمانية أجزاء من ستة وثلاثين جزءا من مال إلا نصيبا وثلث نصيب، تسقطها من المال، يبقى ثمانية وعشرون جزءا من ستة وثلاثين جزءا من مال ونصيب وثلث نصيب، وذلك يعدل سبعة أنصباء، تسقط المثل بالمثل، يبقى ثمانية وعشرون جزءا من ستة وثلاثين جزءا من مال في معادلة خمسة أنصباء وثلثي نصيب، تبسطها بأجزاء ستة وثلاثين، وتقلب الاسم، فالمال مائتان وأربعة، والنصيب ثمانية وعشرون، تأخذ ربع المال وهو أحد وخمسون، وتسقط منه النصيب، يبقى ثلاثة وعشرون هي التكملة، تلقيها من ثلث المال وهو ثمانية وستون، يبقى خمسة وأربعون، تسترجع ثلثها وهو خمسة عشر من التكملة، يبقى ثمانية فهي الوصية، تسقطها من المال، يبقى مائة وستة وتسعون للبنين، لكل ابن ثمانية وعشرون. ومنها: الوصية بالتكملة مع استثناء تكملة أخرى. ثلاثة بنين، وأوصى بتكملة نصف ماله بنصيب أحدهم إلا تكملة ثلث ماله بنصيب أحدهم، تأخذ نصف مال، وتسقط منه نصيبا، فالباقي هو تكملة النصف، وتأخذ ثلث مال وتسقط منه نصيبا، فالباقي هو تكملة الثلث، تسقط تكملة الثلث من تكملة النصف، يبقى سدس مال بلا استثناء، فالوصية إذا بسدس المال، يبقى خمسة أسداس مال تعدل ثلاثة أنصباء، فتبسطها أسداسا، وتقلب الاسم، فالمال ثمانية عشر، والنصيب خمسة، تأخذ نصف المال تسعة، وتسقط منه النصيب، يبقى أربعة فهي تكملة النصف، ثم تأخذ ثلثه وهو ستة، وتسقط منها نصيبا، يبقى واحد فهو تكملة الثلث، تسقط واحدا من أربعة، يبقى ثلاثة فهي الوصية، تسقطها من جميع المال، يبقى خمسة عشر للبنين، لكل ابن خمسة. ومنها: الوصية بالتكملة مع الوصية بالنصيب وبجزء مما تبقى من المال. خمسة بنين، وأوصى لزيد بمثل نصيب أحدهم، ولعمرو بتكملة ربع ماله بنصيب أحدهم، ولثالث بثلث ما تبقى بعد ذلك، تأخذ ربع مال، وتنقص منه نصيبا، فالباقي هو تكملة الربع، تدفعه إلى عمرو، وتدفع النصيب إلى زيد، فانصرف الربع إلى الوصيتين، يبقى ثلاثة أرباع المال، تدفع منه واحدا إلى الثالث، يبقى ربعان يعدلان أنصباء البنين وهي خمسة، تبسطها أرباعا، وتقلب

(5/221)


الاسم، فالمال عشرون، والنصيب اثنان، تأخذ ربع المال خمسة، تدفع منها اثنين إلى زيد، وثلاثة إلى عمرو، يبقى خمسة عشر، ثلثها خمسة للثالث، والباقي للبنين. ومنها: الوصية بالتكملة مع الوصية بالنصيب وبجزء مما تبقى من المال. خمسة بنين، وأوصى لزيد بمثل نصيب أحدهم، ولعمرو بتكملة الربع بالنصيب، ولثالث بثلث ما يبقى من الثلث بعد الوصيتين، يحتاج إلى مال له ربع وثلث، والباقي من الثلث بعد إسقاط الربع ثلث، وأقله ستة وثلاثون، تأخذ ربعه وهو تسعة، فتصرفها إلى الوصية بالتكملة والنصيب، وإذا أسقطت تسعة من الثلث، يبقى ثلاثة، تصرف منها واحدا إلى الثالث، يبقى اثنان، تزيدهما على ثلثي المال، تبلغ ستة وعشرين تعدل أنصباء الورثة وهي خمسة، تبسطها بأجزاء ستة وثلاثين، وتقلب الاسم، فالمال مائة وثمانون، والنصيب ستة وعشرون، تأخذ ثلث المال وهو ستون، فتلقي منه ربعه وهو خمسة وأربعون بالوصيتين الاوليين ستة وعشرين بالوصية بالنصيب، والباقي بالوصية الاخرى، يبقى من الثلث خمسة عشر، نصرف ثلثها إلى الوصية الثالثة، يبقى عشرة، تزيدها على ثلثي المال، تبلغ مائة وثلاثين للبنين، لكل ابن ستة وعشرون. ومنها: الوصية بالتكملة مع الوصية بالنصيب مستثنى منه جزء مما تبقى من المال. أربعة بنين، فأوصى لزيد بتكملة الثلث بنصيب أحدهم، ولعمرو بمثل نصيب أحدهم إلا خمس ما تبقى من المال، تأخذ ثلث المال، وتصرفه إليهما بالنصيب والتكملة، وتسترجع من النصيب خمس الباقي، واجعل المال خمسة عشر ليكون للباقي بعد الثلث خمس، فالثلث المخرج بالنصيب والتكملة إذا خمسة، تسترجع من النصيب خمس الباقي وهو اثنان، فالحاصل اثنا عشر جزءا من خمسة عشر جزءا من مال، وذلك يعدل أنصباء الورثة وهي أربعة، تبسطها بأجزاء خمسة عشر، وتقلب الاسم، فالمال ستون، والنصيب اثنا عشر، تأخذ ثلث المال وهو عشرون، تلقي منه النصيب اثني عشر، يبقى ثمانية هي التكملة، تدفعها إلى زيد، وتسترجع من النصيب خمس الباقي وهو ثمانية، يبقى لعمرو أربعة، فالوصيتان جميعا اثنا عشر، يبقى ثمانية وأربعون للبنين، لكل ابن اثنا عشر.

(5/222)


ومنها: الوصية بالتكملة مع الوصية بالنصيب مستثنى منه جزء مما تبقى من جزء من المال. خمسة بنين، وأوصى لزيد بتكملة الربع بنصيب أحدهم، ولعمرو بمثل نصيب أحدهم إلا ثلث ما تبقى من الثلث بعد ذلك، يحتاج إلى مال له ربع وثلث، وللباقي من الثلث بعد إسقاط الربع ثلث، وأقله ستة وثلاثون، تأخذ ربعه وهو تسعة، فتصرفها في الوصيتين، وتسترجع من النصيب ثلث ما تبقى من ثلث المال وهو واحد، وتزيده على الباقي من الثلث، تبلغ أربعة، تزيدها على ثلثي المال، تبلغ ثمانية وعشرين جزءا من ستة وثلاثين جزءا من مال، وذلك يعدل أنصباء الورثة وهي خمسة، تبسطها بأجزاء ستة وثلاثين، وتقلب الاسم، فالمال مائة وثمانون، والنصيب ثمانية وعشرون، يبقى سبعة عشر فهي التكملة، ثم تلقي الربع من ثلث جميع المال وهو ستون، يبقى خمسة عشر، تسقطها ثلثها من النصيب، يبقى لعمرو ثلاثة وعشرون، والوصيتان معا أربعون، يبقى مائة وأربعون للبنين، لكل ابن ثمانية وعشرون.
فصل في الوصية بالنصيب مستثنى من التكملة ثلاثة بنين، وأوصى بمثل نصيب أحدهم إلا تكملة ثلث ماله بالنصيب، تجعل ثلث المال دينارا ودرهما، وتجعل النصيب دينارا، تدفعه إلى الموصى له، وتسترجع منه درهما، لان التكملة درهم، يبقى من الثلث درهمان، تزيدهما على الثلثين، تبلغ دينارين وأربعة دراهم تعدل أنصباء الورثة وهي ثلاثة دنانير، تسقط المثل بالمثل، يبقى أربعة دراهم في معادلة دينار، فتقلب الاسم وتقول: الدينار أربعة، والدراهم واحد، فالثلث خمسة، والمال خمسة عشر، تأخذ ثلث المال خمسة، تدفع منه إلى الموصى له نصيبا وهو أربعة، ويسترجع واحد وهو التكملة، يبقى للموصى له ثلاثة، تسقطها من المال، يبقى اثنا عشر، لكل ابن أربعة.
فصل في الوصايا المتعرضة للجذور والكعاب الجذر: كل مضروب في نفسه، والحاصل من الضرب يسمى: مالا ومجذورا ومربعا. والكعب: كل ما ضرب في مثله ثم ضرب مبلغه فيه، والحاصل من الضربين يسمى مكعبا، فالواحد جذره وكعبه الواحد.

(5/223)


والاعداد ضربان. أحدهما: ماله جذر صحيح ينطق به، كالاربعة، جذرها اثنان، والتسعة، جذرها ثلاثة، والمائة، جذرها عشرة. والثاني: ما ليس له جذر ينطق به، وإنما يستخرج جذره بالتقريب، كالعشرة والعشرين، ويقال له: الاصم. وكذلك من الاعداد ما له كعب ينطق به كالثمانية، كعبها اثنان، والسبعة والعشرين، كعبها ثلاثة. ومنها ما ليس له كعب ينطق به، كالعشرة والمائة، وإنما يستخرج كعبه بالتقريب، وقد يكون العدد منطوقا بجذره وكعبه كالاربعة والستين، جذرها ثمانية، وكعبها أربعة. وقد يكون أصم في الجذر دون الكعب، كالسبعة والعشرين. أو في كعب دون الجذر، كالاربعة والتسعة، أو فيهما، كالعشرة. إذا عرف ذلك، فتعرض الوصية للجذر والكعب بفرض من وجوه. منها: الوصية بجذر المال. قال الاستاذ أبو منصور: تفرض المسألة من عدد مجذور إذا أسقط منه جذره انقسم الباقي صحيحا على سهام الورثة. فإذا أوصى بجذر ماله وله ثلاثة بنين، فان جعلت المال تسعة، فللموصى له ثلاثة، والباقي للبنين، لكل ابن سهمان. وإن جعلته ستة عشر، فللموصى له أربعة، والباقي للبنين، لكل ابن أربعة. ولو أوصى بكعب ماله - والورثة هؤلاء - يجعل المال عددا مكعبا، فإذا أسقط منه كعبه انقسم الباقي على سهام الورثة بلا كسر. فإن جعلت المال ثمانية، فاثنان للموصى له، والباقي للبنين. وإن جعلته سبعة وعشرين، فثلاثة للموصى له، والباقي للبنين. هذا كلام الاستاذ، وتعجب الامام من إرساله الكلام هكذا، لاستحالة أن يكون الامر في ذلك على التخيير، والفرض كيف شاء الفارض، فإن الاقدار تختلف باختلاف العدد المفروض. فإذا كان المال تسعة، فالجذر ثلاثة. وإذا كان ستة عشر، فالجذر أربعة. وفيه إشكال آخر، وهو أن كل عدد، مجذور، إلا أن من الاعداد ما ينطق بجذره، ومنها ما لا ينطق، كما سبق، وليس في اللفظ إلا جذر المال، فلم حمل على مجذور صحيح ؟ ولم شرط أن ينقسم الباقي صحيحا على الورثة ؟ فإذا كلام الاستاذ على ما ذكره الامام، محمول على ما إذا قيد الموصي وصيته بما يقتضي الحمل على عدد معين من الاعداد المجدورة. فإذا قال: نزلوا مالي على أول مجذور صحيح إذا طرح جذره انقسم

(5/224)


الباقي على سهام ورثتي بلا كسر، تعين الحمل على الصورة المذكورة على تسعة، وكانت الوصية بثلث المال. وإن عين مرتبة أخرى، تعينت. قال الامام: فإن أطلق الوصية بالجذر، ولم يقيد بشئ من ذلك، لكن أراد بالجذر ما يريده الحساب، فان كان ماله مقدرا بكيل، أو وزن، أو ذرع، كالارض، أو عدد، كالجوز، نزل عليه. ثم إن كان جذره مما ينطق به، فذاك، وإلا، فالقدر المتيقن يسلم للموصى له، والقدر المشكوك فيه، يفصل أمره بالتراضي. وإن لم يكن المال مقدرا بشئ من ذلك، كعبد وجارية، قوم ودفع جذر القيمة إلى الموصى له. ومنها: الوصية بجذر النصيب. فلو أوصى وله ثلاثة بنين بجذر نصيب أحدهم، قال الاستاذ: يجعل نصيب كل ابن عددا مجذورا، ثم يجمع أنصباء البنين، ويزاد عليها جذر نصيب أحدهم، فما بلغ صحت منه القسمة. فان جعلنا نصيب كل ابن واحدا، فأنصباؤهم ثلاثة، تزيد عليها واحدا، تبلغ أربعة تصح منها القسمة. وإن جعلنا النصيب أربعة، فأنصباؤهم اثنا عشر، تزيد عليها اثنين، تبلغ أربعة عشر تصح منها القسمة. ولو أوصى بجذري نصيب أحدهم، وفرضنا النصيب أربعة، فأنصباؤهم اثنا عشر، تزيد عليها جذري النصيب، تبلغ ستة عشر منها تصح القسمة. ولو أوصى بكعب نصيب أحدهم، جعلنا النصيب مكعبا، وجمعنا الانصباء، وزدنا عليها كعب نصيب. قال الامام: وليكن هذا الجواب فيما إذا تقيدت الوصية كما ذكرنا، أو فيما إذا قال السائل: كيف يصور عدد تصح منه الوصية والميراث ؟ فيجاب بأنه يمكن فيه وجوه. منها: كيت وكيت. أما إذا أطلق الوصية بجذر النصيب، فذكر فيه احتمالين. أظهرهما: أنه ينظر في حصة ابن من التركة، فيؤخذ جذره منطوقا به أو أصم، كما ذكرنا في جذر جميع المال، فيزاد على مسألة الورثة. والثاني: أنه ينظر في نصيب كل واحد من سهام المسألة، فيؤخذ جذره، ويزاد على مسألة الورثة. وعلى هذا، فنصيب كل ابن هنا واحد، فيزاد على السهام الثلاثة واحد، ويصير الحكم كما لو أوصى بنصيب أحدهم. ومنها: الوصية بجذر النصيب وجذر المال معا، فلو أوصى وله ثلاثة بنين بجذر نصيب أحدهم لزيد، وأوصى لعمرو بجذر جميع المال، فالمفهوم من كلام

(5/225)


الاستاذ أن يقال: إذا كانت وصية زيد جذر نصيب ابن، فنصيب كل ابن مال، ثم يجعل المال أموالا لها جذور صحيحة، فان شئت جعلتها أربعة أموال، فتكون وصية عمرو جذرين، كما أن جذر أربعة من العدد اثنان، فتكون الوصيتان ثلاثة أجذار، وتسقطها من المال، يبقى أربعة أموال إلا ثلاثة أجذار تعدل أنصجاء الورثة وهي ثلاثة أموال، فتجبر وتقابل، فأربعة أموال تعدل ثلاثة أموال وثلاثة أجذار، تسقط الجنس بالجنس، فمال يعدل ثلاثة أجذار، فالجذر ثلاثة، والمال تسعة، وتقدير الكلام: مال يعدل ثلاثة أجذاره، وحينئذ فالتركة ستة وثلاثون، لانها أربعة أموال، ونصيب كل ابن تسعة، يأخذ زيد جذر النصيب وهو ثلاثة، وعمرو جذر المال وهو ستة، يبقى سبعة وعشرون للبنين. قال الامام: وهذه المسألة وضعية، وطريق تطبيقها على الفقه على ما سبق. ومنها: الوصية بالجذر والنصيب. فإذا أوصى وله ثلاثة بنين بمثل نصيب أحدهم لزيد، ولعمرو بجذر المال، يقدر كأن البنين أربعة وأوصى بجذر المال وحده، وقد بان طريقه. ومنها: الوصية بالجزاء والنصيب مع استثناء الجذر منها. مثاله: أوصى وله ثلاثة بنين بثلث ماله إلا جذر جميع المال، تدفع إلى الموصى له ثلث المال، وتسترجع جذرا، فيكون معك ثلثا مال وجذر تعدل أنصباء الورثة وهي ثلاثة، فتجعل المال عددا له ثلث صحيح، بشرط أن ينقسم ثلثاه مزيدا عليه جذره على ثلاثة، وليكن ذلك ستة وثلاثين، فتدفع ثلثها إلى الموصى له، وتسترجع منه جذر المال وهو ستة، يبقى عنده ستة، فقد أخذ ثلث المال إلا جذر المال، يبقى ثلاثون للبنين. ولو أوصى بمثل نصيب أحدهم إلا جذر جميع المال، فخذ مالا، وأسقط منه نصيبا، واسترجع من النصيب جذر المال، يبقى مال وجذر إلا نصيبا تعدل أنصباء البنين، فتجبر وتقابل، فمال وجذر تعدل أربعة أنصباء، فتجعل المال عددا مجذورا إذا زيد عليه جذره انقسم على أربعة، وليكن ستة عشر، إذا زيد عليه جذره كان عشرين، إذا قسم على أربعة، خرج من القسمة خمسة، فإذا نقصت من النصيب جذر المال، بقي واحد تدفعه إلى الموصى له، يبقى خمسة عشر للبنين. ولو أوصى بمثل نصيب أحدهم إلا جذر نصيب أحدهم، فالنصيب عدد

(5/226)


مجذور. فان جعلته أربعة، فالوصية اثنان، والانصباء اثنا عشر، وجملة المال أربعة عشر، إذا دفعت إلى الموصى له اثنين فقد أخذ مثل نصيب أحدهم إلا جذر نصيب أحدهم، وإن جعلته تسعة، فالانصباء سبعة وعشرون، والوصية ستة. ومنها: الوصية بالجذور المضافة إلى الجذور. مثاله: ثلاثة بنين، أوصى لزيد بجذر نصيب أحدهم، ولعمرو بجذر وصية زيد، ولبكر بجذر وصية عمرو، فاجعل وصية بكر ما شئت من الاعداد، فان جعلته اثنين، فوصية عمرو أربعة، ووصية زيد ستة عشر، ونصيب كل ابن مائتان وستة وخمسون، وجملة المال سبعمائة وتسعون. ومنها: الوصية الجامعة بين الجذر والتكملة. مثاله: أوصى بتكملة ثلث ماله بجذر نصيب أحدهم، تجعل ثلث المال مالا وجذرا، وتدفع المال إلى الموصى له، يبقى جذره، تزيده على ثلثي المال، يبلغ مالين وثلاثة أجذار وذلك يعدل أنصباء البنين وهي ثلاثة أموال، فتسقط مالين بمالين، يبقى ثلاثة أجذار في معادلة مال، فالجذر ثلاثة، والمال تسعة، فثلث المال اثنا عشر، والوصية تسعة، تسقطها من المال، يبقى سبعة وعشرون للبنين، وقد أخذ الموصى له ثلث المال إلا جذر نصيب أحدهم.
فصل في الوصايا المتعرضة لمقدر من المال من درهم ودينار وغيرهما منها: الوصية بالنصيب وبدرهم. مثاله: أربعة بنين، وأوصى بمثل نصيب أحدهم وبدرهم، وقال الاستاذ: اجعل التركة أي عدد شئت بعد أن تكون بحيث إذا عزلت منها درهما وقسمت الباقي بين البنين والموصى له على خمسة كان النصيب الواحد مع الدرهم مثل ثلث التركة أو أقل. فان جعلت التركة أحد عشر درهما، فأسقط منها درهما، يبقى عشرة، لكل واحد سهمان. وإن جعلتها ثلاثة عشر، فأسقط درهما، واقسم الباقي بينهم، تخرج القسمة اثنان وخمسان، فترد على الخارج الدرهم المسقط، يكون ثلاثة وخمسين للموصى له. فإن أردت زوال الكسر، فأسقط الدرهم من ثلاثة عشر، واضرب الباقي بخمسة، تبلغ ستين، لكل ابن اثنا عشر، وللموصى له مثل ذلك

(5/227)


بزيادة درهم. واستدرك الامام فقال: المدفوع إلى الموصى له يختلف باختلاف الاعداد المفروضة، والفتوى لا تحتمل التخيير بين القليل، فليحمل ما قاله الحساب على مثل ما سبق في الماضي. أما إذا أطلق الوصية، فتنزل على ما يوجد في التركة، تعزل منها درهما، ثم تقسم الباقي بين البنين والموصى له. ثم إن انحصرت الوصية في الثلث، نفذت، وإلا، فتعتبر الاجازة. وهذا الاستدراك لا بد منه في أكثر أنواع الفصل. ومنها: الوصية بالنصيب مع استثناء درهم. فإذا أوصى وله أربعة بنين بمثل نصيب أحدهم إلا درهما، فإن جعلت للموصى له درهمين، فاجعل لكل ابن ثلاثة، واجعل التركة أحدا وعشرين. وإن جعلت له ثلاثة، فاجعل لكل ابن أربعة، واجعل التركة خمسة عشر. ومنها: الوصية بجزء شائع وبدرهم. فإذا أوصى وله ثلاثة بنين بسدس ماله وبدرهم، فيخرج سدس التركة ودرهم، ويقسم الباقي بين الورثة. وبطريق الجبر، تأخذ مالا، وتسقط منه سدسه ودرهما، يبقى خمسة أسداس مال إلا درهما تعدل ثلاثة أنصباء، فتجبر وتقابل، فخمسة أسداس المال تعدل ثلاثة أنصباء ودرهما، فتكمل أجزاء المال، بأن تزيد عليها مثل خمسها، وتزيد على العديل خمسة، فمال يعدل ثلاثة أنصباء وثلاثة أخماس نصيب ودرهما وخمس درهم، فاضرب الانصباء الثلاثة وأخماس النصيب في عدد، يبلغ الحاصل منه مزيدا عليه الدرهم والخمس عددا صحيحا، وذلك بأن تضربها في ثلاثة، فيحصل عشرة دراهم وأربعة أخماس درهم، حذا زدت عليها الدرهم والخمس، بلغ اثني عشر درهما منها تصح القسمة، لصاحب السدس والدرهم ثلاثة، ولكل ابن ثلاثة. ومنها: الوصية بجزء شائع مع استثناء درهم. فإذا أوصى وله ثلاثة بنين بسدس ماله إلا درهما، فخذ مالا، وأسقط منه سدسه، واسترجع من السدس درهما، يحصل معك خمسة أسداس مال ودرهم، تعدل ثلاثة أنصباء، فتكمل أجزاء المال، بأن تزيد عليها خمسها، وتزيد الخمس على كل ما في المعادلة، فمال ودرهم وخمس درهم تعدل ثلاثة أنصباء وثلاثة

(5/228)


أخماس نصيب، فتضرب هذه الانصباء والاخماس في عدد إذا نقص من الحاصل من الضرب درهم وخمس كان الباقي عددا صحيحا وهو سبعة، فإذا ضربت سبعة في ثلاثة وثلاثة أخماس، حصل خمسة وعشرون وخمس، فإذا نقص منها درهم وخمس، بقي أربعة وعشرون منها تصح المسألة، للموصى له سدسها، يسترجع منه درهم، يبقى أحد وعشرون للبنين. ومنها: الوصية بالنصيب وبجزء وبدرهم أو دراهم، أو مع استثناء درهم أو دراهم. مثاله: خمسة بنين، وأوصى لزيد بمثل نصيب أحدهم ودرهم، ولعمرو بثلث ما بقي من ثلثه ودرهم، تأخذ ثلث مال، وتسقط منه نصيبا ودرهما، يبقى ثلث مال إلا نصيبا ودرهما، تسقط لعمرو من هذا الباقي ثلثه ودرهما، يبقى تسعا مال إلا ثلثي نصيب وإلا درهما وثلثي درهم، تزيده على ثلثي المال، يكون ثمانية أتساع مال إلا ثلثي نصيب، وإلا درهما وثلثي درهم تعدل خمسة أنصباء، فتجبر وتقابل، فثمانية أتساع مال تعدل خمسة أنصباء وثلثي نصيب ودرهما وثلثي درهم، تكمل أجزاء المال، بأن تزيد عليها ثمنها، وتزيد على كل ما في المعادلة ثمنه، فمال يعدل ستة أنصباء وثلاثة أثمان نصيب ودرهما وسبعة أثمان درهم، فتطلب عددا إذا ضرب في ستة وثلاثة أثمان يكون الحاصل منه مزيدا عليه درهم وسبعة أثمان عددا صحيحا، وهو ثلاثة إذا ضربتها بستة وثلاثة أثمان حصل تسعة وعشرون، إذا زيد عليه درهم وسبعة أثمان كان أحدا وعشرين، فمنه القسمة، والنصيب ثلاثة، تضرب الانصباء في الثلاثة، تأخذ ثلث المال وهو سبعة، فتدفع منها إلى زيد أربعة بالنصيب والدرهم، يبقى ثلاثة، تدفع ثلثها ودرهما إلى عمرو، يبقى درهم، تزيده على ثلثي المال، يكون خمسة عشر للبنين الخمسة. مسألة: ستة بنين، وأوصى لزيد بمثل نصيب أحدهم، ولعمرو بسدس مال إلا درهما، تأخذ مالا، وتسقط منه نصيجا لوصية زيد، وسدسه إلا درهما لوصية عمرو، يبقى خمسة أسداس مال ودرهم إلا نصيبا تعدق ستة أنصباء، فتجبر وتقابل، وتكمل أجزاء المال بزيادة خمسها، وتزيد على ما في المعادلة خمسة، فمال ودرهم وخمس درهم تعدل ثمانية أنصباء وخمسي نصيب، فتضرب الانصباء الثمانية والخمسين في عدد إذا نقص مما يحصل من الضرب درهم وخم كان الباقي عددا صحيحا، وهو

(5/229)


ثلاثة، إذا ضربتها في ثمانية وخمسين، حصل خمسة وعشرون وخمس درهم، إذا نقص منه درهم وخمس، بقي أربعة وعشرون منها القسمة، والنصيب ثلاثة، فتعطي عمرا السدس إلا درهما وهو ثلاثة، وزيدا ثلاثة، يبقى ثمانية عشر للبنين الستة. مسألة: ابنان، وأوصى لزيد بمثل نصيب أحدهما، ولعمرو بمل ما تبقى من النصف وبدرهم، والتركة عشرون درهما، تأخذ نصف التركة عشرة، وتسقط منه نصيبا، تسقط من هذا الباقي نصفه ودرهما لعمرو وهو ستة إلا نصف نصيب، يبقى من العشرة أربعة إلا نصف نصيب، تزيدها على نصف المال، تبلغ أربعة عشر درهما إلا نصف نصيب تعدل نصيبي الابن، تجبر وتقابل، فأربعة عشر تعدل نصيبين ونصف نصيب، تبسطها أنصافا، فالمال ثمانية وعشرون، والنصيب خمسة، تقسم المال على النصيب، يخرج من القسمة خمسة دراهم وثلاثة أخماس درهم، فهو النصيب، تأخذ عشرة، وتدفع إلى زيد منها خمسة دراهم وثلاثة أخماس درهم، يبقى أربعة دراهم وخمسان، تدفعها نصفها ودرهما آخر إلى عمرو، يبقى من العشرة درهم وخمس، تزيده على العشرة الاخرى، يكون أحد عشر وخمسا للابنين، لكل ابن خمسة دراهم وثلاثة أخماس درهم.
فصل في نوادر الفصول المتقدمة مسألة: ثلاثة بنين وبنت، أوصى لزيد بمثل نصيب البنت وثلث ما أوصى به لعمرو، ولعمرو بمثل نصيب أحد البنين وربع ما أوصى به لزيد، فتجعل وصية زيد عددا له ربع يكون أربعة دنانير، ووصية عمرو عددا له ثلث، وليكن ثلاثة دراهم، وتعلم أنك إذا نقصت من وصية زيد ثلث وصية عمرو وهو درهم، بقي أربعة دنانير إلا درهما، وذلك نصيب البنت، لان جملة وصية زيد مثل نصيب البنت وثلث وصية عمرو، وإذا نقصت من وصية عمرو ربع وصية زيد وهو دينار، بقي ثلاثة دراهم إلا دينارا وهو نصيب الابن، وإذا بان أن نصيب البنت أربعة دنانير إلا درهما، ونصيب الابن ثلاثة دراهم إلا دينارا، قابلت بين الجملتين، وضعفت نصيب البنت ليعادل نصيب الابن، وضعفه ثمانية دنانير إلا درهمين تعدل ثلاثة دراهم إلا دينارا، فتجبر كل واحد من الاستثناءين وتقابل، فتسعة دنانير تقابل خمسة دراهم، فالدينار خمسة أسهم، والدرهم تسعة أسهم، وكانت

(5/230)


وصية زيد أربعة دنانير، فهي إذا عشرون، ووصية عمرو ثلاثة دراهم، فهي إذا سبعة وعشرون، ونصيب كل ابن اثنان وعشرون، لانه ثلاثة دراهم وهي سبعة وعشرون إلا دينارا، وهو خمسة، ونصيب البنت أحد عشر، لانه أربعة دنانير، وهو عشرون إلا درهما، وهو تسعة، فوصية زيد مثل نصيب البنت وهو أحد عشر، ومثل ثلث وصية عمرو وهو تسعة، ووصية عمرو مثل نصيب ابن وهو اثنان وعشرون، مثل ربع وصية زيد، وهو خمسة. مسألة: ثلاثة بنين، وأوصى بمثل نصيب أحدهم إلا ما انتقص من أحدهم بالوصية، فتقول: لو لم يكن وصية، لكان لكل ابن ثلث المال وقد انتقص منه بالوصية شئ، فثلث المال نصيب وشئ، والمال كله ثلاثة أنصباء وثلاثة أشياء، يعطى الموصى له نصيبا إلا شيئا، يبقى نصيبان وأربعة أشياء تعدل ثلاثة أنصباء، تسقط نصيبين بنصيبين، يبقى نصيب يعدل أربعة أشياء، والتركة ثلاثة أنصباء وثلاثة أشياء، فهي إذا خمسة عشر سهما، والوصية نصيب إلا شيئا، وهي ثلاثة أسهم، يبقى اثنا عشر سهما للبنين، وقد أخذ الموصى له مثل نصيب أحدهم إلا ما انتقص بالوصية وهو سهم من خمسة عشر، لانه لولا الوصية لكان لكل واحد منهم خمسة من خمسة عشر. مسألة: ثلاثة بنين، وأوصى لزيد بمثل نصيب أحدهم إلا ربع ما تبقى من ماله بعد الوصايا كلها، ولعمرو بمثل نصيب أحدهم إلا خمس ما تبقى من ماله بعد الوصايا، ولثالث بمثل نصيب أحدهم إلا سدس ما يبقى بعد الوصايا، فتعلم أن الباقي من المال بعد الوصايا كلها ثلاثة أنصباء، فوصية زيد نصيب إلا ربع ثلاثة أنصباء وهو ثلاثة أرباع نصيب، تبقى وصيته بربع نصيب، ووصية عمرو بنصيب إلا خمس ثلاثة أنصباء وهو ثلاثة أخماس نصيب، تبقى وصيته بخمسي نصيب، ووصية الثالث بنصيب إلا سدس ثلاثة أنصباء وهو نصف نصيب، فجملة الوصايا ربع نصيب وخمسا نصيب ونصف نصيب، فهي نصيب وثلاثة أجزاء من عشرين جزءا من نصيب، فيبقى مال إلا نصيبا وثلاثة أجزاء من عشرين جزءا من نصيب، وذلك يعدل ثلاثة أنصباء، فتجبر وتقابل، فمال يعدل أربعة أنصباء وثلاثة أجزاء من عشرين جزءا من نصيب، فتبسطها بأجزاء عشرين، وتقلب الاسم، فالمال ثلاثة وثمانون، والنصيب عشرون، تلقي الوصايا كلها وهي ثلاثة وعشرون، يبقى ستون للبنين،

(5/231)


ولزيد نصيب إلا ربع ما تبقى من المال بعد الوصايا وهو خمسة عشر، فله خمسة، ولعمرو نصيب إلا خمس ما تبقى بعد الوصايا وهو اثنا عشر، فله ثمانية، وللثالث نصيب إلا سدس ما تبقى بعد الوصايا وهو عشرة، فله عشرة. مسألة: خمسة بنين، فأوصى بمثل نصيب أحدهم إلا سدس ما تبقى من ماله بعد الوصية، وإلا ثلث ما تبقى من ثلثه بعد الوصية، فتجعل الوصية شيئا، والباقي أنصباء الورثة، فالمال شئ وثلاثة أنصباء، فتسقط الوصية، وتأخذ سدس الباقي وهو نصف نصيب، فتحفظه ثم تأخذ ثلث المال وهو نصيب وثلث شئ، فتسقط منه الوصية وهي شئ، يبقى نصف إلا ثلثي شئ، تأخذ ثلثه وهو ثلث نصيب إلا تسعي شئ وهو المستثنى من النصيب، فتضمه إلى نصف النصيب المحفوظ، يصير خمسة أسداس نصيب إلا تسعي شئ وهو المستثنى من النصيب، فتضمه إلى الوصية وهي شئ ليكمل النصيب، فيبلغ خمسة أسداس نصيب وسبعة أتساع شئ، وذلك يعدل نصيبا، تسقط خمسة أسداس نصيب بمثلها، يبقى سدس نصيب في معادلة سبعة أتساع شئ، فالنصيب الكامل يعدل أربعة أشياء وثلثي شئ، تبسطها أثلاثا، وتقلب الاسم، فالنصيب أربعة عشر، والشئ ثلاثة، والمال كله خمسة وأربعون، لانه ثلاثة أنصباء وشئ، تلقي الوصية من المال، يبقى اثنان وأربعون، تأخذ سدسها سبعة وتحفظها، ثم تلقي الوصية من ثلث المال أيضا وهو خمسة عشر، يبقى اثنا عشر، تأخذ ثلثها وهو أربعة، وتضمها إلى السبعة المحفوظة، تبلغ أحد عشر، تلقيها من النصيب، يبقى ثلاثة. مسألة: ثلاثة بنين وبنت، وأوصى لزيد بمثل نصيب البنت إلا ثلث ما أوصى به لعمرو، ولعمرو بمثل نصيب أحد البنين إلا ربع ما أوصى به لزيد، فتجعل وصية زيد عددا له ربع، وليكن أربعة دنانير، ووصية عمرو عددا له ثلث، وليكن ثلاثة دراهم. فإذا أخذت ثلث وصية عمرو، وضممته إلى وصية زيد، صار أربعة دنانير ودرهما، وذلك مثل نصيب البنت، فنصيب كل ابن ضعفه وهو ثمانية دنانير ودرهمان. وإذا أسقطت من ذلك ربع وصيته زيد وهو دينار، بقي سبعة دنانير ودرهمان وهي وصية عمرو، وتقابل بها الدراهم التي جعلناها وصية أولا، فتسقط درهمين بمثلها، يبقى سبعة دنانير في مقابلة درهم واحد، فالدينار واحد، والدرهم سبعة، كانت وصية زيد أربعة دنانير، فهي إذا أربعة، وكانت وصية عمرو ثلاثة

(5/232)


دراهم، فهي إذا أحد وعشرون، ونصيب البنت أربعة دنانير ودرهم، فهو أحد عشر، ونصيب كل ابن اثنان وعشرون فما أخذه زيد مثل نصيب البنت إلا ثلث وصية عمرو، وما أخذه عمرو مثل نصيب ابن إلا ربع وصية زيد. مسألة: ابن وبنت، وأوصى بوصية إذا زدت عليها أربعة دراهم كانت مثل نصيب البنت. وإذا زدت عليها تسعة كانت مثل نصيب الابن، فاجعل نصيب البنت شيئا وأربعة دراهم، ونصيب الابن شيئا وتسعة دراهم، ثم تضعف نصيب البنت يصير شيئين وثمانية دراهم، وذلك يعدل نصيب الابن، فتسقط شيئا بشئ، وثمانية دراهم بثمانية، يبقى شئ يعدل درهما وهو الوصية. فإذا زدت درهما على أربعة، صارت خمسة وهي نصيب البنت، وإذا زدت درهما على تسعة، صارت عشرة وهي نصيب الابن، وجملة التركة ستة عشر. مسألة: إبنان وبنت، وأوصى لكل واحد من زيد وعمرو بوصية إذا زدت على وصية زيد أربعة دراهم كانت مثل نصيب البنت، وإذا زدت على وصية عمرو تسعة دراهم كانت مثل نصيب ابن، والوصيتان معا عشرون، كم كانت التركة ؟ وكم كانت الانصباء وكل وصية ؟ فاجعل نصيب البنت شيئا، يكون نصيب الابن شيئين، وتكون وصية زيد شيئا إلا أربعة دراهم، ووصية عمرو شيئين إلا تسعة، فالوصيتان ثلاثة أشياء إلا ثلاثة عشر درهما، وذلك يعدل عشرين درهما، فتجبر وتقابل، فثلاثة أشياء تعدل ثلاثة وثلاثين، فيكون الشئ أحد عشر، فهو نصيب البنت، ونصيب كل ابن اثنان وعشرون. فإذا نقصت من أحد عشر أربعة، بقي سبعة، فهي وصية زيد، وإذا نقصت من اثنين وعشرين تسعة، بقي ثلاثة عشر، فهي وصية عمرو، فالوصيتان معا عشرون، والتركة خمسة وسبعون. مسألة: ثلاثة بنين، وأوصى لزيد وعمرو وبكر بوصايا هي مثل نصيب ابن، ووصية زيد وعمرو معا أكثر من وصية بكر بثلاثة دراهم، ووصية عمرو وبكر معا أكثر من وصية زيد بسبعة دراهم، ووصية زيد وبكر معا أكثر من وصية عمرو بإثني عشر درهما، كم التركة ؟ وكم كل وصية ؟ فاجعل نصيب كل ابن شيئا، تكون الوصايا كلها شيئا، تسقط منه فضل وصية زيد وعمرو على وصية بكر وهو ثلاثة دراهم، يبقى شئ إلا ثلاثة دراهم، تأخذ نصفه وهو نصف شئ إلا درهما ونصفا، فهو وصية

(5/233)


بكر، ثم تسقط منه فضل وصية عمرو وبكر على وصية زيد وهو سبعة، يبقى شئ إلا سبعة دراهم، تأخذ نصفه وهو نصف شئ إلا ثلاثة دراهم ونصف درهم، فهو وصية زيد، ثم تسقط منه فضل وصية زيد وبكر على وصية عمرو وهو اثني عشر، يبقى شئ إلا اثني عشر، تأخذ نصفه وهو نصف شئ إلا ستة، فهي وصية عمرو، وجميعها عند الضم شئ ونصف شئ إلا أحد عشر درهما، وذلك يعدل شيئا، فتجبر وتقابل، فشئ ونصف شئ يعدل شيئا وأحد عشر، تسقط الشئ بالشئ، فالنصف يعدل أحد عشر، والشئ الكامل يعدل اثنين وعشرين، فعرفت أن نصيب كل ابن اثنان وعشرون، وكذلك جميع الوصايا. فإذا أردت معرفة كل وصية، فأسقط من مبلغ الجميع فضل وصيتي زيد وعمرو على وصية بكر وهو ثلاثة، تبقى تسعة عشر، تأخذ نصفها وهو تسعة ونصف، فهي وصية بكر، ثم أسقط منه فضل وصيتي عمرو وبكر على وصية زيد وهو سبعة، يبقى خمسة عشر، تأخذ نصفها وهو سبعة ونصف، فهي وصية زيد، ثم أسقط منه فضل وصيتي زيد وبكر على وصية عمرو وهو اثنا عشر، يبقى عشرة، تأخذ نصفها خمسة، فهي وصية عمرو، وجملتها اثنان وعشرون. ولما كانت الوصايا في هذه الصورة ثلاثا، وكانت كل اثنتين منها تفضل الثالثة بعدد، كانت كل مفضولة نصف الباقي من جملة الوصايا بعد إسقاط الفضل. ولو كانت الوصايا أربعا، وكل ثلاث تفضل الرابعة بعدد، كانت المفضولة ثلث الباقي من جملة الوصايا بعد إسقاط الفضل. ولو كانت خمسا، وكل أربع منها تفضل الخامسة بعدد، كانت المفضولة ربع الباقي من جملة الوصايا بعد إسقاط الفضل، وعلى هذا القياس. مسألة: إبنان، وأوصى لزيد بمثل نصيب أحدهما، ولعمرو بثلث ما تبقى من النصف وبدرهم، وترك ثلاثين درهما، فتجعل الوصيتين شيئا، وتلقيه من التركة، يبقى ثلاثون درهما إلا شيئا، لكل ابن خمسة عشر إلا نصف شئ، فهو النصيب، ثم تأخذ نصف المال وهو خمسة عشر، فتسقط منه نصيبا وهو خمسة عشر إلا نصف شئ، يبقى نصف شئ، تأخذ لعمرو ثلاثة وهو سدس شئ، وتضم إليه درهما، فالوصيتان معا ستة عشر إلا ثلث شئ، وذلك يعدل شيئا، فتجبر وتقابل، فستة عشر درهما تعدل شيئا

(5/234)


وثلث شئ، فالشئ يعدل اثني عشر درهما، وهي تعدل جملة الوصيتين، يبقى ثمانية عشر للابنين، تأخذ نصف المال وهو خمسة عشر درهما، تسقط منه نصيبا وهو تسعة، تدفعه إلى زيد، يبقى ستة، تأخذ ثلثها ودرهما لعمرو، يبقى ثلاثة، تزيدها على النصف الآخر، تصير ثمانية عشر، لكل ابن تسعة.
الطرف الرابع : في المسائل الدورية من سائر التصرفات الشرعية. ولنوردها على ترتيب أبوابها في الفقه. فمنها: البيع، وقد ذكرنا في تفريق الصفقة مسائل منه، منها: باع مريض قفيزا جيدا قيمته عشرون بقفيز قيمته عشرة، وذكرنا أن هذا البيع باطل في قول، فتبطل المحاباة التي في ضمنه. وفي قول: يصح البيع في بعض القفيز ببعض القفيز، واستخرجنا بالجبران ذلك البعض هو الثلثان. ولو باع كرا قيمته خمسون، بكر قيمته ثلاثون وله سواه عشرة دراهم، صح البيع في جميع الكر، لانه رجع إليه ثلاثون، وعنده عشرة، فيبقى لورثته أربعون، ولم يحاب إلا بعشرين. ولو كانت قيمة كر المريض خمسين، والذي يقابله خمسة عشر، وله عشرة، فتقول: صح البيع في شئ من الكر الجيد، وقابله من الثمن ثلاثة أعشار ذلك الشئ، فبقيت المحاباة وسبعة أعشار شئ، ومع الورثة عشر دراهم وهي عشرا كر، فيجتمع معهم كر وعشرا كر إلا سبعة أعشار شئ، وذلك يعدل ضعف المحاباة وهو شئ وأربعة أعشار شئ، لان المحاباة سبعة أعشار شئ، فتجبر وتقابل، فكر وعشرا كر تعدل شيئين وعشر شئ، تبسطها أعشارا، فيكون الكر أحدا وعشرين، والشئ اثني عشر، فيصح البيع في اثني عشر جزءا من أحد وعشرين جزءا من الكر، وذلك أربعة أسباعه بأربعة أسباع الكر الردئ، وهي بالقيمة ثلاثة أعشار المبيع من الجيد، فتجعل الكر عددا له سبع وعشر، وأقله سبعون، فيصح البيع في أربعة أسباعه وهي أربعون بثلاثة أعشار الاربعين وهي اثنا عشر، فبقيت المحاباة بثمانية وعشرين، ومع الورثة مما بطل البيع فيه ثلاثون وعشرا كر وهما أربعة عشر بأجزاء السبعين، فيجتمع معهم ستة وخمسون ضعف المحاباة، وبطريق النسبة والتقدير نقول: ثلثا الكر والعشرة المتروكة عشرون، والمحاباة بخمسة وثلاثين، والعشرون أربعة أسباع الخمسة والثلاثين، فيصح البيع في أربعة أسباع الكر.

(5/235)


مسألة: باع كرا قيمته مائة بكر قيمته خمسون، وعليه عشرة دراهم دينا، فيحط العشرة من ماله، ويقدر كأنه لا يملك إلا تسعين، وثلثها ثلاثون، والمحاباة بخمسين، والثلاثون ثلاثة أخماس الخمسين، فيصح البيع في ثلاثة أخماس الجيد بثلاثة أخماس الردئ، فيخرج من ملكه ستون، ويعود إليه ثلاثون، ويبقى مما بطل فيه ثلاثون، وذلك ضعف المحاباة. فرع إذا كان على المريض دين وله مال سوى ما باع، فقابل الدين بالتركة، فإن تساويا، فكأنه لا دين ولا تركة، وإن زاد أحدهما، اعتبرنا الزائد على ما ذكرناه. فرع هذا المذكور هو في بيع الجنس بجنسه الربوي. فلو باع كر حنطة قيمته عشرون، بكر شعير قيمته عشرة، فإن قلنا: يصح البيع في بعض بقسطه من الثمن، فهو كبيع الحنطة الجيدة بالرديئة، فيصح البيع في ثلثي الحنطة بثلثي الشعير. وإن قلنا: يصح فيما يحتمله الثلث، وفيما يوازي الثمن بجميع الثمن، صح البيع في خمسة أسداس الحنطة بجميع الشعير، لانه يصح في قدر الثلث، وفيما يوازي الشعير بالقيمة وهو النصف، ولا بأس بالمفاضلة في الكيل.
فصل في بيع المريض بالمحاباة مع حدوث زيادة أو نقص أما الزيادة، فالاعتبار في القدر الذي يصح فيه البيع، بيوم البيع، وزيادة المشتري غير محسوبة عليه. والاعتبار في القدر الذي يبطل فيه البيع ويبقى للورثة، بيوم الموت، ولا فرق بين أن تكون الزيادة بمجرد ارتفاع السوق أو بصفة تزيد في القيمة. فإذا باع عبدا قيمته عشرون بعشرة، ثم بلغت قيمته أربعين، وصححنا البيع في بعضه على ما بيناه في تفرى الصفقة، فإن صححناه في بعضه بكل الثمن، فللمشتري بالعشرة نصف العبد وهي قيمته يوم الشراء، يبقى نصف العبد وقيمته يوم الموت عشرون، يضمه إلى الثمن، يبلغ ثلاثين، فله من ذلك شئ بالمحاباة، وشئ يتبع المحاباة بسبب زيادة القيمة غير محسوب عليه، يبقى ثلاثون درهما إلا شيئين تعدل ضعف المحاباة وهو شيئان، فتجبر وتقابل، فثلاثون درهما تعدل أربعة أشياء، فالشئ ربع الثلاثين وهو سبعة دراهم ونصف، وهذا ما يجوز التبرع فيه وهو ثلاثة أثمان العبد يوم البيع، فيضم إلى النصف الذي ملكه المشتري بالثمن، فيحصل له بالثمن والتبرع

(5/236)


سبعة أثمان العبد، يبقى للورثة ثمنه وهو خمسة يوم الموت، والثمن وهو عشرة، وهما ضعف المحاباة. وإن صححنا البيع في بعضه بقسطه من الثمن، فنقول: يصح البيع في شئ من العبد بنصف شئ من الثمن، فتكون المحاباة بنصف شئ، ويبطل البيع في عبد إلا شئ، وقيمته عند الموت أربعون درهما إلا شيئين. وإنما استثنى شيئين، لان الاستثناء يزيد بحسب زيادة المستثنى منه، فيضم إليه الثمن وهو نصف شئ، يبقى أربعون إلا شيئا ونصف شئ، وذلك يعدل ضعف المحاباة وهو شئ، فتجبر وتقابل، أربعون تعدل شيئين ونصف شئ، فالشئ خمسا الاربعين، وهما ستة عشر، وهي أربعة أخماس العبد يوم البيع، فللمشتري أربعة أخماس العبد بأربعة أخماس الثمن وهي ثمانية، فتكون المحاباة بثمانية، وللورثة أربعة أخماس الثمن وهي ثمانية، وخمس العبد وقيمته يوم الموت ثمانية، فالمبلغ ستة عشر ضعف المحاباة، ولا اعتبار بالزيادة الحادثة بعد موت المرى ض، بل وجودها كعدمها. وأما النقص، فإما أن يحدث في يد المشتري، وإما في يد البائع المريض. القسم الاول: إذا حدث النقص في يد المشتري، فإما أن يحدث قبل موت البائع، وإما بعده. فالحالة الاولى: مثالها: أن يبيع عبدا قيمته عشرون بعشرة، ثم تعود قيمته إلى عشرة، ثم يموت البائع، فإن صححنا البيع في بعض العبد بجميع الثمن، قلنا: ملك المشتري نصف العبد بالعشرة، ونضم نصفه الآخر يوم الموت وهو خمسة إلى الثمن، يبلغ خمسة عشر، للمشتري شئ من ذلك المحاباة، وذلك الشئ محسوب عليه بشيئين، لان النقص بالقسط محسوب على المتبرع عليه، فيبقى للورثة خمسة عشر إلا شيئا يعدل ضعف المحسوب عليه من المحاباة وهو أربعة أشياء، فتجبر وتقابل، فخمسة عشر تعدل خمسة أشياء، فالشئ ثلاثة، وهي ثلاثة أعشار العبد يوم الموت. وإذا انضم إليها النصف الذي ملكه بالثمن وهو خمسة يوم الموت، كان المبلغ ثمانية وهي أربعة أخماس العبد يوم الموت، فيصح البيع في أربعة أخماس العبد وهو ستة عشر بجميع الثمن وهو عشرة، يبقى التبرع بستة، وللورثة خمس العبد وهو درهمان، والثمن وهو عشرة، فالجملة اثنا عشر ضعف

(5/237)


المحاباة. وإن صححنا البيع في بعضه بالقسط، قلنا: يصح البيع في شئ من العبد بنصف شئ من الثمن، ويبط في عبد ناقص بشئ، وقيمته يوم الموت عشرة إلا نصف شئ، فتضم الحاصل من الثمن وهو نصف شئ إليه، فيكون عشرة دراهم بلا استثناء، وهي تعدل ضعف المحاباة، وهي شئ، فالشئ عشرة دراهم، وهي نصف العبد يوم البيع، فيصح البيع في نصفه وهو عشرة بنصف الثمن وهو خمسة فالمحاباة بخمسة دراهم، وللورثة نصف العبد يوم الموت وهو خمسة، ونصف الثمن وهو خمسة، وجملتها ضعف المحاباة. وفقه هذه الحالة: أن ما صح فيه البيع، فحصته من النقص محسوبة على المشتري، لانه مضمون عليه بالقبض. وما بطل فيه البيع، فحصته من النقص غير مضمونة على المشتري، لانه أمانة في يده، لانه لم يتعد بإثبات اليد عليه، ولا قبضه لمنفعة نفسه. واستدرك إمام الحرمين فقال: إن كان النقص بانخفاض السوق، فهذا صحيح، لان نقص السوق لا يضمن باليد مع بقاء العين. فإن كان النقص في نفس العبد، فيحتمل أن يقال: إنه مضمون على المشتري، لانه مقبوض على حكم البيع. حتى لو برأ المريض، كان البيع لازما في الجميع. فعلى هذا، يصير المشتري غارما لقدر من النقصان مع الثمن، ويختلف القدر الخارج بالحساب. الحالة الثانية: أن يحدث النقص بعد موت البائع، فظاهر ما ذكره الاستاذ أبو منصور، أنه كما لم حدث قبل الموت، حتى يكون القدر المبيع هنا كالقدر المبيع فيما إذا حدث قبل موته. قال الامام: وهذا خطأ إن أراد هذا الظاهر، لان النظر في التركة وحساب الثلث والثلثين إلى حالة الموت، ولا معنى لاعتبار النقص بعده، كما لا تعتبر الزيادة. القسم الثاني: إذا حدث النقص في يد البائع، بأن باع مريض عبدا يساوي عشرين بعشرة، ولم يسلمه حتى عادت قيمته إلى عشرة، ذكر الاستاذ: أنه يصح البيع في جميعه، لان التبرع إنما يتم بالتسليم، وقد بان قبل التسليم أنه لا تبرع. قال: وكذا لو عادت قيمته إلى خمسة عشر، لان التبرع يكون بخمسة، والثلث واف بها. واعترض الامام بأن التبرع الواقع في ضمن البيع لا يتوقف نفوذه وانتقال الملك فيه على التسليم، فوجب أن ينظر إلى وقت انتقال الملك، وأن لا يفرق بين النقص قبل القبض وبعده، وهذه الاعتراضات بينة.

(5/238)


فرع الحادث في يد المشتري، إن كان بانخفاض السوق، لم يدفع خيار المشتري بتبعض الصفقة عليه. وإن كان لمعنى في نفس المبيع، فقد شبهوه بالعيب الحادث مع الاطلاع على العيب القديم.
فصل محاباة المشتري تعتبر من الثلث كمحاباة البائع. فإذا اشترى مريض عبدا قيمته عشرة بعشرين لا يملك غيره، فثلث ماله ستة وثلثان، والمحاباة عشرة، والستة والثلثان ثلثا العشرة، فيصح الشراء في ثلثي العبد وهو ستة وثلثان بثلثي الثمن وهو ثلاثة عشر وثلث، يبقى مع الورثة ثلث الثمن وهو ستة وثلثان، وثلثا العبد وهو ستة وثلثان، وذلك ضعف المحاباة. هذا إن أجاز البائع البيع، وله أن يفسخ ويسترد العبد لتبعض الصفقة عليه. ولو اشترى عبدا قيمته عشرة بعشرين، فزادت قيمة العبد في يده، أو في يد البائع، فصارت خمسة عشر، فقد زادت خمسة في تركته. فإن قلنا: يصح الشراء فبعض ما حابى فيه بجميع ما يقابله، فتضم الخمسة الزائدة إلى الثمن، فيصير جميع التركة خمسة وعشرين، وثلثها ثمانية وثلث، فيقال للبائع: ثلث ماله ثمانية وثلث، وقد حاباك بعشرة، فإما أن تفسخ البيع وتسترد العبد، وإما أن ترد ما زاد على الثلث وهو درهم وثلثان. فإن رد، فمع الورثة العبد، وقيمته يوم الموت خمسة عشر، ومعهم درهم وثلثان، والجملة ضعف المحاباة. وإن قلنا: يصح الشراء في بعضه ببعض ما يقابله، قلنا: يصح الشراء في شئ من العبد بشيئين من الثمن، فتكون المحاباة بشئ، يبقى عشرون درهما إلا شيئين، تضم إليها المشترى من العبد وكان شيئا، فصار شيئان ونصف شئ، تبلغ عشرين إلا نصف شئ، وذلك يعدل ضعف المحاباة وهو شيئان، فتجبر وتقابل، فالعشرون تعدل شيئين ونصف شئ، فالشئ ثمانية وهي خمسا العشرين وأربعة أخماس العبد، فيصح البيع في أربعة أخماس العبد وهي ثمانية بأربعة أخماس وهي ستة عشر، فتكون محاباة المشتري بثمانية، يبقى للورثة خمس الثمن وهي أربعة، وأربعة أخماس العبد وهي اثنا عشر يوم الموت، فالجملة ستة عشر ضعف المحاباة. ولو اشترى كما ذكرنا، ثم نقص العبد في يد المريض فعادت قيمته إلى خمسة، فإن قلنا بالاول من القولين، فقد كانت تركته عشرين، وصارت بالآخرة خمسة عشر، وثلثها خمسة، فيقال للبائع: إما أن ترد على الورثة خمسة ليكون معهم العبد وهو خمسة والدراهم الخمسة فيكون لهم ضعف الخمسة، وإما أن تفسخ

(5/239)


البيع وترد الثمن بتمامه وتسترد العبد ناقصا ولا ضمان. وإن قلنا بالتقسيط، فقال الاستاذ أبو منصور: يضمن المشتري قسط ما بطل فيه البيع من النقصان، وينقص ذلك من التركة كدين يلزم قضاؤه. قال الامام: هذا رجوع إلى ما قدمناه أن المأخوذ على أنه مبيع يكون مضمونا عليه، ومناقض لما ذكر الاستاذ أن مالا يصح فيه البيع أمانة في يد المشتري، ثم حسابه أن يقال: صح الشراء في شئ من العبد بشيئين من الثمن، وبطل في عبد ناقص بشئ قيمته بالتراجع خمسة دراهم إلا نصف شئ، فينقص القدر الذي نقص من التركة، يبقى خمسة عشر درهما إلا شيئا ونصف شئ، تضم إليه الشئ المشترى من العبد وقد رجع إلى نصف، فيكون الحاصخمسة عشر درهما إلا شيئا تعدل ضعف المحاباة وهو شيئان، فتجبر وتقابل، فخمس عشر تعدل ثلاثة أشياء، فالشئ ثلث الخمسة عشر وهو نصف العبد، فيصح الشراء فنصف العبد بنصف الثمن، فتكون المحاباة بخمسة، يبقى للورثة نصف الثمن وهو عشرة، ونصف العبد وهو اثنان ونصف، تسقط من المبلغ قسط ما بطل العقد فيه من النقصان وهو اثنان ونصف، يبقى في أيديهم عشرة ضعف المحاباة. فرع اشترى مريض عبدا يساوي عشرة بعشرين، وله ثلاثون درهما، وقبض العبد وأعتقه، فالمحاباة بعشرة وهي ثلث ماله، قال ابن الحداد: إن كان ذلك قبل توفية الثمن على البائع، نفذ العتق وبطلت المحاباة، والبائع يأخذ قدر قيمة العبد بلا زيادة، لان المحاباة في الشراء كالهبة، فإذا لم تكن مقبوضة حتى جاء ما هو أقوى منها وهو العتق، أبطلها. وإن كان بعد توفية الثمن، بطل العتق، لان المحاباة المقبوضة استغرقت الثلث. قال الشيخ أبو علي: قد أكثر ابن الحداد التبجح بهذه المسألة، وهو غالظ فيها عند الاصحاب كلهم، وقالوا: لا فرق في المحاباة بين أن تكون مقبوضة أو لا تكون، لانها متعلقها بالمعاوضة، والمعاوضات تلزم بنفس العقد، ولهذا يتمكن الواهب من إبطال الهبة قبل القبض، ولا يتمكن من إبطال المحاباة، والحكم في الحالتين تصحيح المحاباة المتقدمة وإبطال العتق المتأخر. قال: وأما قوله: يأخذ البائع قيمة العبد بلا زيادة، فهذا لا يجوز أن يلزم ويكلف به، لانه لم يزل ملكه إلا بعشرين، لكن يخير بين ما ذكره وبين أن يفسخ البيع ويبطل العتق. فرع باع مريض قفيز حنطة قيمته خمسة عشر لاخيه يقفيز قيمته خمسة،

(5/240)


فمات أخوه قبله، وخلف بنتا وأخاه البائع، ثم مات البائع ولا مال لهما سوى القفيزين، صح البيع في شئ من القفيز الجيد، ويرجع بالعوض ثلث شئ، يبقى معه قفيز ثلثي شئ، فالمحاباة بثلثي شئ، ويحصل مع المشتري شئ من القفيز الجيد، والباقي من قفيزه وهو قيمة القفيز الجيد ثلث قفيز إلا ثلث شئ، فهما معا ثلث قفيز وثلثا شئ، يرجع نصفه بالارث إلى البائع وهو سدس قفيز وثلث شئ، فتزيده على ما كان للبائع، فالمبلغ قفيز وسدس قفيز إلا ثلث شئ، وهذا يعدل ضعف المحاباة، وهو شئ وثلث شئ، فتجبر وتقابل، فقفيز وسدس قفيز تعدل شيئا وثلثا شئ، فتبسطهما أسداسا، وتقلب الاسم، فالقفيز عشرة، والشئ سبعة، فيصح البيع في سبعة أعشار الجيد، وهي عشرة ونصف، بسبعة أعشار الردئ، وهو ثلاثة ونصف، فتكون المحاباة بسبعة، يبقى مع البائع من قفيزه أربعة ونصف، وقد أخذ بالعوض ثلاثة دراهم ونصفا، فالمجموع ثمانية، وللمشتري من قفيزه درهم ونصف، ومن القفيز الجيد عشرة ونصف، تكون اثني عشر درهما، يرجع نصفه إلى البائع وهو ستة، يبلغ ما عنده أربعة عشر وهو ضعف المحاباة. ولو كان القفيز الردئ نصف قيمة الجيد، والجيد يساوي عشرين، صح البيع في الجميع، لانه تكون المحاباة بعشرة، فيبقى عنده عشرة، ويرجع إليه بالارث عشرة. فرع باع مريض عبدا يساوي عشرين بعشرة، فاكتسب العبد عشرين في يد البائع أو في يد المشتري، ثم مات المريض، فإن ترك عشرة سوى ثمن العبد، نفذ البيع في جميع العبد، وكان الكسب للمشتري، وإن لم يملك شيئا آخر، بطل البيع في بعض العبد، لان المحاباة لم تخرج من الثلث. ثم حكى الامام عن الاستاذ، أن جميع الكسب للمشتري، لانه حصل في ملكه ثم عرض الفسخ والرد كاطلاع المشتري على عيب قديم، فإنه يرد ويبقى له الكسب، قال: وهذا زلل عظيم، بل الوجه القطع بأن الكسب يتبعض بتبعض العبد كما في العتق، وليس هذا فسخا وردا للبيع في بعض العبد، بل يتبين صحة البيع وحصول الملك للمشتري في بعض العبد دون بعضه، وهذا حق، لكن الاستاذ لم يقل هذا عن نفسه حتى يشنع عليه، وإنما نقله عن ابن سريج وأكثر الاصحاب، ثم حكى عن بعضهم أن الكسب كالزيادة الحادثة في قيمته. وعلى هذا، فحكمه التبعيض كالزيادة. ولو اشترى المريض عبدا قيمته عشرة بعشرين (فاكتسب)، فالكسب كالزيادة في القيمة، لكن التركة تزداد

(5/241)


به، وحكم الزيادة ما سبق. فرع اشترى مريض عبدا بعشرة، وترك سواه بعشرين، وأوصى لزيد بعشرة، ثم وجد بالعبد عيبا ينقصه خمسة، فاختار إمساكه، جاز، وكأنه حاباه بخمسة، والمحاباة مقدمة على الوصية، وللموصى له باقي الثلث وهو خمسة. وإن وجد الورثة العبد معيبا وأمسكوه، فلزيد العشرة، وما نقص بالعيب كأنهم أتلفوه، لانهم لو شاؤوا لفسخوا أو استردوا الثمن. ولو اشترى عبدا بثلاثين فأعتقه، وخلف ستين درهما، ثم وجد الورثة به عيبا ينقصه خمسة دراهم، رجعوا على البائع بالارش. ولو وهبه وأقبضه، لم يرجعوا به، لانه ربما عاد إليهم فيردونه. هذا جواب الاستاذ، وفيه وجه مشروح في موضعه. ولو لم يخلف غير العبد وكان قد أعتقه، عتق منه خمساه وهو عشرة دراهم، ويرجع الورثة بالارش وهو خمسة على البائع، ولهم مع ذلك ثلاثة أخماس العبد وهي خمسة عشرة، فيكون عشرين ضعف المجاباة. قال الاستاذ: وللبائع أن يأخذ ثلاثة أخماس العبد، ويرد ثلاثة أخماس الثمن، ويغرم أرش خمسيه وهو درهمان. ولو كان قد وهبه وأقبضه بدل الاعتاق، فالخمسة الناقصة تحسب من الثلث، لان المريض هو الذي فوت الرجوع بالارش بما أنشأ من الهبة، وللموهوب له خمسه وهو خمسة، وللورثة أربعة أخماسه وهي عشرون. فرع ترك عبدا قيمته ثلاثون، وأوصى ببيعه لزيد بعشرة، فثلث ماله عشرة، وأوصى بالمحاباة بعشرين، فإن لم تجز الورثة، بيع منه على قول ثلثا العبد بجميع العشرة لتحصل له المحاباة بقدر الثلث، وللورثة ضعفه. وعلى قول التقسيط، يباع منه نصف العبد بنصف الثمن. ولو أوصى مع ذلك بثلث ماله لعمرو، فالثلث بينهما على ثلاثة، لزيد سهمان، ولعمرو سهم.
فصل ومن التصرفات الدورية السلم. فإذا أسلم المريض عشرة في قدر من الحنطة مؤجلا يساوي عشرة، ومات قبل حلول الاجل، فللوارث الخيار. فإن أجاز، فالسلم بحاله. وإن قالوا: لا نرضى بالاجل في محل حقنا وهو الثلثان، فلهم ذلك كما ذكرنا في بيع الاعيان بثمن مؤجل، وحينئذ فالمسلم إليه بالخيار، إن شاء فسخ السلم ورد رأس المال بتمامه، وإن شاء رد ثلثي رأس المال وفسخ العقد في الثلثين وبقي الثلث عليه مؤجلا، وإن شاء عجل ثلثي ما عليه ويبقى الثلث عليه

(5/242)


مؤجلا، وأيهما اختار سقط حق الورثة من الفسخ. ولو أسلم عشرة في قدر يساوي ثلاثين، فللورثة الخيار أيضا مع الغبطة بسبب الاجل، وللمسلم إليه الخيار كما ذكرنا، ويكفيه أن يجعل مما عليه ثلثي العشرة وذلك تسعا ما عليه من الحنطة، ويكون الباقي عليه إلى انقضاء الاجل. ولو أسلم الثلاثين في قدر يساوي عشرة، فللورثة الاعتراض هنا بسبب الاجل وبسبب التبرع. فإذا لم يجيزوا، فالمسلم إليه بالخيار، إن شاء فسخ السلم ورد رأس المال، وإن شاء فسخه في الثلاثين ورد ثلثي رأس المال، ويكون الباقي عليه إلى أجله، فإن شاء عجل ما عليه مع ما زاد من المحاباة على الثلث، ولا يكفيه تعجيل ما عليه هنا، لانه لا يحصل للورثة ثلثا المال، ولو عجل نصف ما عليه مع نصف رأس المال وفسخ السلم في النصف، كفى. ولو أسلم مريض إلى رجلين ثلاثين درهما في قفيز من الحنطة قيمته عشرة إلى أجل، ولم يجز الورثة، واختار المسلم إليهما إمضاء السلم فيما يجوز فيه السلم، فإن قلنا: يصح العقد في بعض ما حابى فيه بقسطه، صح لهما السلم في نصف المسلم فيه، وقيمته خمسة دراهم، بنصف رأس المال وهو خمسة عشر، فتكون المحاباة بعشرة، وللورثة نصف المسلم فيه وهو خمسة، ونصف رأس المال وهو خمسة عشر، وذلك ضعف المحاباة. وإن قلنا: يصح العقد في بعض ما حابى به بجميع الثمن، فإذا أمضيا العقد، صح السلم في جميع القفيز بثلثي رأس المال، فيؤديان القفيز ويردان عشرة دراهم. فصل ومنها الضمان، والاقرار، والشفعة. وقد ذكرنا مثال الدور فيها في أبوابها. ومن صوره في الاقرار، قال زيد لعمرو: علي عشرة إلا نصف ما على بكر، وقال بكر لعمرو: علي عشرة إلا نصف ما على زيد، فعلى كل واحد من زيد وبكر عشرة إلا شيئا، تأخذ نصف ما على أحدهما وهو خمسة إلا نصف شئ، وذلك يعدل الشئ الناقص من العشرة، فخمسة إلا نصف شئ تعدل شيئا، فتجبر وتقابل، فخمسة تعدل شيئا ونصفا، فالشئ ثلثا الخمسة وهو ثلاثة وثلث، فهي الشئ، تسقطها من العشرة، يبقى ستة وثلثان، فهي الواجب على كل واحد منمما. وو قال: كل واحد منهما عشرة إلا ربع ما على الآخر، قلنا: على كل واحد عشرة إلا شيئا، تأخذ ربع ما على أحدهما وهو درهمان ونصف إلا ربع شئ

(5/243)


، وذلك يعدل الشئ الناقص، فتجبر وتقابل، فيقع درهمان ونصف في معادلة شئ وربع شئ، فالشئ درهمان تسقطهما من العشرة، يبقى ثمانية، فهي الواجب على كل واحد منهما. ولو قال: كل واحد عشرة ونصف ما على الآخر، قلنا: على كل واحد عشرة وشئ، تأخذ نصف ما على أحدهما وهو خمسة ونصف شئ، وذلك يعدل الشئ الزائد على العشرة، فتسقط نصف شئ بنصف شئ، يبقى نصف شئ في معادلة خمسة دراهم فالشئ عشرة دراهم، فعلى كل واحد عشرون. ولو قال: كل واحد عشرة وثلث ما على الآخر، فيزاد على العشرة نصفها، تبلغ خمسة عشر، فهي الواجب على كل منهما. ولو قال: وربع ما على الآخر، فيزاد على العشرة ثلثها، فعلى كل واحد ثلاثة عشر وثلث، وعلى هذا التنزيل. فصل ومنها الهبة، فإذا وهب مريض عبدا، ثم رجع العبد أو بعضه إلى الواهب بهبة أو غيرها، دارت المسألة، لان التركة تزيد بقدر الراجع. وإذا زادت، زاد الثلث. وإذا زاد الثلث، زاد الراجع فزادت التركة، فإذ وهب مريض لزيد عبدا، وأقبضه، ثم وهبه زيد للاول وهو مريض أيضا، وماتا ولا مال لهما سوى العبد، فبالجبر نقول: صحت هبة الاول في شئ من العبد، فبقي عبد إلا شيئا، وصحت هبة زيد في ثلث ذلك الشئ، فيرجع إلى الاول ثلث شئ، فيكون معه عبد إلا ثلثي شئ، وذلك يعدل ضعف ما صحت هبته فيه وهو شيئان، فبعد الجبر: عبد يعدل شيئين وثلثي شئ، تبسطها أثلاثا، وتقلب الاسم، فالعبد ثمانية، والشئ ثلاثة، فتصح هبة الاول في ثلاثة أثمان العبد، وتبطل في الباقي، وتصح هبة زيد في ثمن من الاثمان الثلاثة، فيبقى مع ورثة زيد ثمنان وهما ضعف هبته، ومع ورثة الاول ستة أثمان العبد وذلك ضعف هبته. وبطريق السهام، تطلب عددا له ثلث، ولثلثه ثلث بسبب الهبتين، وأقله تسعة، فتصح هبة الاول في ثلاثة، ويرجع من الثلاثة سهم وهو سهم الدور، تسقطه من التسعة، يبقى ثمانية، تصح الهبة فثلاثة منها كما سبق. ولو وهب زيد لمريض ثالث وأقبه، ثم وهب الثالث الاول، صحت هبة الاول في شئ من العبد، وهبة زيد في ثلث ذلك الشئ، وهبة الثالث في ثلث ثلثه وهو تسع، فيرجع

(5/244)


إليه تسع ذلك الشئ، يبقى معه عبد إلا ثمانية أتساع شئ تعدل شيئين، فبعد الجبر: عبد يعدل شيئين وثمانية أتساع شئ، فتبسطها أتساعا، وتقلب الاسم، ف العبد ستة وعشرون، والشئ تسعة، فتصح هبة الاول في تسعة أجزاء من ستة وعشرين جزءا من العبد، وهبة زيد في ثلاثة منها، يبقى مع ورثته ستة هي ضعف هبته، وهبة الثالث في واحد، يبقى مع ورثته سهمان، وينضم جزء إلى ما بقي مع ورثة الاول، تكون ثمانية عشر هي ضعف ما صحت فيه هبته. وبالسهام تطلب عددا له ثلث، ولثلثه ثلث، ولثلث ثلثه ثلث، وأقله سبعة وعشرون، يسقط منه سهم الدور، يبقى ستة وعشرون على ما ذكرنا. مسألة: كان للواهب تركة سوى العبد، بأن وهب لزيد عبدا قيمته مائة، وأقبضه، ثم وهبه زيد - وهو مريض أيضا - للاول، ثم ماتا وللاول خمسون سوى العبد، فبطريق الدينار والدرهم تقول: العبد دينا ودرهم، تصح هبة الاول في درهم، ويرجع إليه بهبة زيد ثلث درهم، يبقى معه من العبد دينار، ومما سواه نصف دينار ونصف درهم، فإنه مثل نصف العبد، ومما رجع إليه ثلث درهم، فالمبلغ دينار ونصف دينار وخمسة أسداس درهم، وذلك يعدل ضعف المحاباة وهو درهمان، تسقط خمسة أسداس بخمسة أسداس درهم، يبقى دينار ونصف دينار في معادلة درهم وسدس درهم، تبسطها أسداسا، وتقلب الاسم، فالدرهم تسعة، والدينار سبعة، وكان العدد درهما ودينارا، فهو إذا ستة عشر، تصح الهبة في تسعة منها، ويرجع إليه بهبة زيد ثلاثة ومعه تركة مثل نصف العبد، فالمبلغ ثمانية عشر ضعف التسعة. ولو كان على الواهب الاول دين ولا تركة سوى العبد، فإن كان الدين مثل العبد أو أكثر، فالهبة باطلة. وإن كان أقل، بأن وهب عبدا قيمته مائة وعليه عشرون دينا، صحت هبة الاول في شئ، ويرجع إلية ثلث شئ، فيبقى عبد إلا ثلثي شئ يعدل شيئين، فبعد الجبر: أربعة أخماس عبد تعدل شيئين وثلثي شئ، فتبسطهما بأجزاء الثلث والخمس بأن تضربهما في خمسة عشر، وتقلب الاسم، فالعبد أربعون، والشئ اثنا عشر، تصح هبة الاول في اثني عشر من أربعين من العبد، ويعود إليه أربعة، يبقى اثنان وثلاثون، يقضى منها الدين وهو ثمانية أجزاء مثل خمس العبد، يبقى أربعة وعشرون ضعف الهبة. ولو كان للمريض الثاني تركة سوى العبد، بأن كان العبد مائة، وللثاني خمسون سواه، ووهب جميع

(5/245)


ماله، فتصح هبة الاول في شئ من العبد ويكون مع الثاني نصف عبد وشئ، يرجع ثلثه إلى الاول وهو سدس عبد وثلث شئ، فيجتمع عنده عبد وسدس عبد إلا ثلثي شئ يعدل شيئين، فبعد الجبر: عبد وسدس عبد يعدل شيئين وثلثي شئ، فتبسطهما أسداسا، وتقلب الاسم، فالعبد ستة عشر، والشئ سبعة، ومع الثاني نصف عبد وهو ثمانية مع الشئ وهو سبعة، فالمبلغ خمسة عشر، ويرجع إلى الاول من هبته خمسة، فيصير معه أربعة عشر ضعف الهبة. مسألة: وهب مريض عبدا قيمته مائة، فمات في يد المتهب، ثم مات الواهب ولا مال له، فعن ابن سريج وجهان. أحدهما: تصح الهبة في جميع العبد، لانه لم يبق شئ يورث، فتكون هبته كهبة الصحيح. وأصحهما: أنها باطلة، لانها في معنى الوصية. فإن أبطلناها، ففي وجوب الضمان على المتهب وجهان. أحدهما: نعم، لانه قبضه لنفسه فأشبه المستعير. وأصحهما: لا، بخلاف المستعير، فإنه قبض ليرد. فإن أوجبنا الضمان، قال الاستاذ: يضمن ثلثي قيمته لورثة الواهب، وقياس بطلان الهبة أن يضمن جميع القيمة. ولو اكتسب العبد في يد المتهب مائة، ثم مات، فإن صححنا الهبة في الجميع، فالكسب للمتهب. وإن أبطلناها في الجميع إذا لم يكن كسب، فهنا تصح الهبة في شئ من العبد، ويكون للمتهب شئ من الكسب غير محسوب عليه من الوصية، وللورثة باقي الكسب وهو مائة إلا شيئا تعدل شيئين، فبعد الجبر والمقابلة: مائة تعدل ثلاثة أشياء، فالشئ ثلث المائة، فتصح الهبة في ثلث العبد، وتبطل في ثلثه، ولورثة الواهب ثلثا كسبه، وذلك ضعف ما صحت فيه الهبة، ولم يحسب ثلثا العبد على ورثة الواهب، لانه تلف قبل موت الواهب، وحسبنا على المتهب ما تلف من وصيته، لانه تلف تحت يده. مسألة: وهب لاخيه مالا لا مال له سواه، فمات الاخ قبله وخلف بنتا وأخاه

(5/246)


الواهب، ثم مات الواهب، فتصح الهبة في شئ من العبد، ويرجع بالميراث نصفه، فالباقي عبد إلا نصف شئ، وذلك يعدل شيئين، فتجبر وتقابل، فعبد يعدل شيئين ونصف شئ، فالشئ خمسا العبد، فتصح الهبة في خمسيه، وتبطل في ثلاثة أخماسه، ويرجع بالميراث أحد الخمسين، فيحصل للورثة أربعة أخماسه وهي ضعف ما صحت فيه الهبة. مسألة: أخ وأخت مريضان، وهب كل للآخر عبدا لا يملك سواه وهما متساويا القيمة، ثم مات الاخ وخلف بنتين والاخت الواهبة، أو ماتت الاخت وخلفت زوجا والاخ الواهب، فإن ماتت الاخت أولا، صارت هبتها للاخ وصية للوارث. وأما هبة الاخ، فتصح في شئ، ويرجع إليه بالارث نصف شئ مع نصف العبد الذي كان لها، فيجتمع لورثته عبد ونصف عبد إلا نصف شئ، وذلك يعدل شيئين، فبعد الجبر: عبد ونصف عبد تعدل شيئين ونصف شئ، فتبسطها أنصافا، وتقلب الاسم، فالعبد خمسة، والشئ ثلاثة، تصح الهبة في ثلاثة أخماس العبد، ويرجع إليه بالارث نصفها ونصف العبد الذي لها وهو أربعة أخماس، فيضم إلى الخمسين الباقيين له، يكون ستة أجزاء ضعف الهبة. وإن مات الاخ أولا، صارت هبته للاخت وصية لوارث، وتصح هبة الاخت في شئ من العبد، ويرجع إليها ثلثها مع ثلث العبد الذي كان له، فيجتمع لورثتها عبد وثلث عبد إلا ثلثي شئ يعدل شيئين، فبعد الجبر: عبد وثلث عبد يعدل شيئين وثلثي شئ، فتبسطها أثلاثا، وتقلب الاسم، فالعبد ثمانية، والشي أربعة وهي نصفها، تصح الهبة في نصف العبد، وينضم إليه ماله وهو عبد، فالمبلغ عبد ونصف يعود ثلثه إلى الاخت وهو نصف عبد، فيجتمع لورثتها عبد ضعف الهبة. ولو عمي موتهما ولم يرث أحدهما الآخر، صحت هبة كل واحد في نصف عبده. مسألة: وهب لزوجته مائة لا يملك غيرها، وأقبضها، فأوصت هي بثلث مالها، ثم ماتت قبل الزوج، صحت هبته في شئ من المائة، وصحت وصيتها في ثلث ذلك الشئ، ويرجع إلى الزوج بالارث نصف ذلك الباقي وهو ثلث شئ، فيحصل عند الزوج مائة إلا ثلثي شئ وذلك يعدل شيئين، فبعد الجبر: مائة تعدل شيئين وثلثي شئ، فتبسطهما أثلاثا، وتقلب الاسم، فالمائة ثمانية، والشئ ثلاثة، فتصح الهبة في ثلاثة أثمان المائة، وتصح الوصية في ثمن، ويرجع بالارث

(5/247)


ثمن إلى الزوج، فيحصل عند ورثت ستة أثمان وهو ضعف الهبة. مسألة: وهب مريض لمريض عبدا، وأقبضه، ثم وهبه الثاني للاول وأقبضه، ولا مال لهما غيره، ثم أعتقه الاول وماتا، قال ابن سريج: المسألة تصح من أربعة وعشرين، لورثة الواهب الاول ثلثاه، ولورثة الثاني ربعه، ويعتق منه باقي الثلث وهو نصف سدسه، قال الاستاذ: هذا خطأ عند حذاق الاصحاب، والعتق باطل، لانه قدم الهبة على العتق وهي تستغرق الثلث. وإذا بطل العتق، صحت هبة الاول في ثلاثة أثمان العبد، ويرجع إليه بالهبة الثانية ثمنه، فيجتمع مع ورثته ستة أثمان وهي ضعف الهبة. وصوب الامام ابن سريج فقال: إذا اجتمع للاول ستة أثمانه، ثم أعتق، فتنفيذ العتق في تمام الثلث لا ينقص حق ورثته من الثلثين، ولا حق الموهوب له، فيتعين المصير إليه، وحينئذ لا بد من تعديل الثلث والثلثين ورعاية الاثمان، فتضرب ثلاثة في ثمانية، تبلغ أربعة وعشرين كما ذكره. فلو أعتقه قبل هبة الثاني، ثم وهبه الثاني، لغا العتق، إذ لم يصاد ف محلا، إلا أن يحتمل الوقف. فرع زيادة الموهوب ونقصه، كزيادة العبد المعتق ونقصه، لكن ما يحسب هناك للعبد المعتق أو عليه، يحسب هنا على ورثة الواهب، وسنوضحه في العتق إن شاء الله تعالى. مسألة: وهب مريض لاخيه عبدا، ثم وهبه المتهب نصفه وهو صحيح، ومات قبل المريض وخلف بنتا وأخاه الواهب، فقولان. أظهرهما عند الاستاذ: أن هبة الثاني تنحصر فيما ملكه بهبة الاول، وتصح في جميعه، وحسابه أن هبة المريض تصح في شئ، ويرجع إليه بهبة الثاني ذلك الشئ كله فمعه عبد يعدل شيئين، فالشئ نصف عبد، فتصح الهبة في نصف العبد، ثم يرجع إليه، فيكون لورثته عبد تام ضعف الهبة. والقول الثاني: أنها تشيع، لمصادفتها ما ملكه وغيره، فتصح في نصف ما ملك. وحسابه: أن هبة المريض تصح في شئ من العبد، ويرجع بهبة الثاني نصف ذلك الشئ، ثم يرجع بالارث نصف ما بقي وهما ثلاثة أرباع شئ، يبقى عبد إلا ربع شئ يعدل شيئين، فبعد الجبر: عبد يعدل شيئين وربع شئ، فتبسطها أرباعا، وتقلب الاسم، فالعبد تسعة، والشئ أربعة، فتصح الهبة في

(5/248)


أربعة أتساع العبد، ويرجع إليه بالهبة تسعان، وبالارث تسع آخر، فيجتمع لورثته ثمانية أتساع ضعف الهبة. فرع فيما إذا وطئت الموهوبة وطئا يوجب المهر إن وطئها أجنبي بشبهة قبل موت الواهب، فالمهر كالكسب يقسم علما تصح فيه الهبة، وعلى ما لا تصح، فحصة ما تصح هبته لا تحسب على المتهب، وحصة ما لا تصح تحسب على ورثة الواهب. وإن وطئها الواهب في يد المتهب ومهرها مثل قيمتها، صحت الهبة في شئ، ويستحق المتهب على الواهب مثل ذلك الشئ من المهر، فيقضى مما بقي، يبقى جارية إلا شيئين تعدل شيئين، فبعد الجبر: جارية تعدل أربعة أشياء، فالشئ ربع الجارية، تصح الهبة في ربع الجارية، ويثبت على الواهب مثل ربعها يقضى من الجارية، يبقى مع الورثة نصفها وهو ضعف الموهوب. وإن وطئها المتهب ومهرها مثل قيمتها، صحت الهبة في شئ، وتبطل في جارية سوى شئ، وثبت للواهب على المتهب مثل ما بطلت فيه الهبة وهو جارية إلا شيئا، فيحصل له جاريتان إلا شيئين يعدلان شيئين، فبعد الجبر: جاريتان تعدلان أربعة أشياء، فالشئ نصف جارية، فتصح الهبة في نصفها، ويستحق بالوطئ مثل نصفها، فيحصل للورثة جارية تامة وهي ضعف الموهوب. وإن كان مهرها نصف قيمتها، صحت الهبة في شئ، وبطلت في جارية سوى شئ، ويستحق الواهب على المتهب مثل نصف ما بطلت فيه الهبة، وهو نصف جارية إلا نصف شئ فيجتمع عند الواهب جارية ونصف إشيئا، ونصف شئ يعدل شيئين، فبعد الجبر: جارية ونصف تعدل ثلاثة أشياء ونصف شئ، فتبسطها أنصافا، وتقلب الاسم، فالجارية سبعة، والشئ ثلاثة، تصح الهبة في ثلاثة أسباع الجارية، وتبطل في أربعة أسباعها، ويغرم المتهب من مهرها مثل سبع قيمتها، فيجتمع مع ورثة الواهب ستة أسباعها ضعف الموهوب. وإن وطئها الواهب والمتهب ومهرها مثل قيم تها، صحت الهبة في شئ وثبت للمتهب على الواهب مثل ذلك الشئ، يبقى جارية إلا شيئين، وثبت للواهب على المتهب مثل ما بطلت في الهبة وهو جارية إلا شيئا، فتضم إلى ما بقي للواهب، تبلغ جاريتين إلا ثلاثة أشياء تعدل شيئين، فبعد الجبر: جاريتان تعدلان خمسة أشياء، فالشئ خمس الجاريتين وهو خمسا جارية، فتصح الهبة في خمسيها، ويثبت للمتهب على الواهب خمسان آخران، فالمبلغ أربعة أخماس، ثم يسترجع

(5/249)


الواهب مثل ما بطلت فيه الهبة وهو ثلاثة أخماس، فيجتمع لورثته أربعة أخماس وهو ضعف الموهوب. ولو كان مهرها مثل نصف قيمتها، صحت الهبة في ثلاثة أثمانها، وبطلت في خمسة أثمانها، ويثبت للمتهب على الواهب ثمن ونصف ثمن، فيجتمع له أربعة أثمان ونصف ثمن، ثم يسترجع الواهب نصف ما بطلت فيه الهبة وهو ثمنان ونصف، فيجتمع لورثته ستة أثمان وهو ضعف الموهوب. فصل ومنها: الصداق والخلع، وقد سبق أن المريض إذ نكح بمهر المثل، جعل من رأس المال. وإن نكح بأكثر، فالزيادة من الثلث. فإكانت وارثة، فالتبرع على وارث، وذكرنا أنه إن ماتت الزوجة قبله وورثها الزوج، وقع الدور، فيتخرج على هذا مسائل. إحداها: أصدقها مائة، ومهر مثلها أربعون، فماتت قبله ولا مال لهما سوى الصداق، فلها أربعون من رأس المال، ولها شئ بالمحاباة، يبقى مع الزوج ستون إلا شيئا، ويرجع إليه بالارث نصف ما للمرأة وهو عشرون ونصف شئ، فالمبلغ ثمانون إلا نصف شئ يعدل شيئين ضعف المحاباة، فبعد الجبر تعدل ثمانون شيئين ونصف شئ، فالشئ خمسا الثمانين وهو اثنان وثلاثون، فلها اثنان وسبعون، أربعون مهر، والباقي محاباة، يبقى مع الزوج ثمانية وعشرون، ويرجع إليه بالارث ستة وثلاثون، فيجتمع لورثته أربعة وستون ضعف المحاباة. فإن كان لها ولد، فالراجع إليه بالارث ربع مالها وهو عشرة وربع شئ، فيحصل للزوج سبعون إلا ثلاثة أرباع شئ وذلك يعدل شيئين، فبعد الجبر: تعدل سبعون شيئين وثلاثة أرباع شئ، تبسطهما أرباعا، فتكون الدراهم مائتين وثمانين، والاشياء أحد عشر، تقسم الدراهم على الاشياء، يخرج من القسمة خمسة وعشرون وخمسة أجزاء من أحد عشر جزءا من درهم، فهذا قدر المحاباة، فلها بالمهر والمحاباة خمسة وستون درهما وخمسة أجزاء من أحد عشر جزءا من درهم، يرجع إلى الزوج ربع ذلك وهو ستة عشر درهما وأربعة أجزاء من أحد عشر جزءا من درهم، وذلك ضعف المحاباة. (المسألة) الثانية: أعتق مريض جارية ونكحها على مهر مسمى، نظر، إن لم يملك

(5/250)


غيرها، فالنكاح باطل، لانه لا ينفذ عتق جميعها، والنكاح والملك لا يجتمعان. ثم إن لم يدخل بها، فلا مهر. وإن دخل، فهو وطئ شبهة، فلها من المهر بقسط ما عتق منها، ويقع فيه الدور. فإذا كانت قيمتها مائة، والمهر خمسين، عتق منها شئ ولها بالمهر نصف شئ، لان المهر نصف القيمة، يبقى جارية إلا شيئا ونصف شئ يعدل شيئين، فبعد الجبر: جارية تعدل ثلاثة أشياء ونصف شئ، فالشئ سبعا الجارية، فينفذ العتق في سبعيها، ويبطل في خمسة أسباعها، فيصرف سبع منها إلى مهر السبعين، يبقى للورثة أربعة أسباعها ضعف ما عتق، ثم السبع المصروف إلى المهر، إن رضيت به بدلا عما لها من المهر، فذاك، ويعتق عليها حين ملكته لا بالاعتاق الاول وإن أبت بيع سبعها في مهرها. هذا إذا لم يملك غيرها. فإن ملك، وكانت الجارية قدر الثلث، بأن خلف مائتين سواها، فإن لم يدخل بها، فلا مهر، لانها لو استحقت مهرا للحق التركة دين، فلا تخرج كلها من الثلث، ولبطل النكاح وسقط المهر، وإن دخل بها، قال الشيخ أبو علي: لها الخيار، فإن عفت عن مهرها، عتقت وصح النكاح، وإلا، فلها ذلك، ويتبين أن جميعها لم يعتق، وأن النكاح فاسد ولها مهرها ما عتق منها. فيقال: عتق شئ، ولها بالمهر نصف شئ، يبقى للورثة ثلثمائة إلا شيئا ونصف شئ يعدل شيئين، فبعد الجبر: ثلثمائة تعدل ثلاثة أشياء ونصف شئ، فمائة تعدل شيئا وسدس شئ، تبسطها أسداسا، وتقلب الاسم، فالشئ ستة، والمائة سبعة، فالشئ ستة أسباع الجارية. (المسألة) الثالثة: قد علم أن خلع المريض بأقل من مهر المثل، لا يعتبر من الثلث، وأن المريضة لو نكحت بأقل من مهر المثل جاز، ولا اعتراض للورثة إذا لم يكن الزوج وارثا، وأن المريضة لو اختلعت بأكثر من مهر المثل، اعتبرت الزيادة من الثلث. فإذا نكح مريض امرأة بمائة، ومهرها أربعون درهما، ثم خالعته في مرضها بمائة، وماتا من مرضهما ولا مال لهما إلا المائة، فاما أن يكون الخلع قبل الدخول، وإما بعده. الحالة الاولى: بعده، فللمرأة أربعون من رأس المال، وله شئ

(5/251)


بالمحاباة، ثم يرجع إلى الزوج أربعون بالخلع، وله ثلث شئ بالمحاباة، فيحصل لورثة الزوج مائة إلا ثلثي شئ تعدل شيئين، فبعد الجبر: مائة تعدل شيئين وثلثي شئ، فالشئ ثلاثة أثمان المائة وهو سبعة وثلاثون درهما ونصف درهم وهي المحاباة، فللمرأة بالمهر والمحاباة سبعة وسبعون درهما ونصف درهم، ثم يأخذ الزوج من ذلك أربعين درهما بعوض الخلع، وبالمحاباة ثلث الباقي وهو اثنا عشر ونصف، وكان بقي له اثنان وعشرون ونصف، فالمبلغ خمسة وسبعون ضعف المحاباة. هذا إذا جرى الخلع بمائة في ذمتها، فلو جرى بعين المائة التي أصدقها، فقد خالعها على مملوك وغير مملوك. قال الاستاذ تفريعا على أن المسمى يسقط ويرجع إلى مهر المثل: لها أربعون من رأس المال، وشئ بالمحاباة، وللزوج عليها أربعون بالخلع، ولا شئ له بالمحاباة، لان المسمى إذا بطل بطل ما في ضمنه من المحاباة، فيكون لورثة الزوج مائة إلا شيئا يعدل شيئين، فبعد الجبر يتبين أن المسمى ثلث المائة، فلها بالمهر والمحاباة ثلاثة وسبعون درهما وثلث درهم، يأخذ الزوج من ذلك أربعين، يجتمع لورثته ستة وستون وثلثان ضعف المحاباة. الحالة الثانية: إذا جرى الخلع قبل الدخول، فيتشطر الصداق، والحاصل للمرأة نصف مهر المثل من رأس المال وهو عشرون درهما، وشئ بالمحاباة، للزوج من ذلك أربعون مهر المثل، يبقى شئ إلا عشرين درهما له ثلاثة بالمحاباة وهو ثلث شئ إلا ستة دراهم وثلثي درهم، يبقى لورثتها ثلثا شئ إلا ثلاثة عشر درهما وثلث درهم، فيجتمع لورثة الزوج مائة وثلاثة عشر درهما وثلث درهم إلا ثلثي شئ، وذلك يعدل ضعف المحاباة شيئين، فبعد الجبر: مائة وثلاثة عشر وثلث تعدل شيئين وثلثي شئ، فالشئ ثلاثة أثمان هذا المبلغ وهي اثنان وأربعون درهما ونصف درهم وهي المحاباة، فللمرأة المحاباة ونصف المهر اثنان وستون درهما ونصف درهم يبقى للزوج سبعة وثلاثون درهما ونصف درهم، ويأخذ مما صار لها بعوض الخلع أربعين، ويأخذ أيضا ثلث الباقي وهو سبعة دراهم ونصف، فالمبلغ خمسة وثمانون ضعف المحاباة. هذا كلام الاستاذ، واعترض الامام، بأن مهر المثل مع المحاباة الصداق، فوجب أن يرجع إلى الزوج نصف الجميع، وعلى هذا طريق الحساب أن يقال: لها من رأس المال أربعون، وبالمحاباة شئ، يبقى للزوج ستون إلا شيئا، ويرجع إليه نصف ما ملكته صداقا وهو عشرون ونصف شئ،

(5/252)


فللزوج ثمانون إلا نصف شئ، ثم تأخذ مما بقي لها أربعين، يبقى نصف شئ إلا عشرين درهما، تأخذ بالمحاباة ثلث هذا الباقي وهو سدس شئ إلا ستة دراهم وثلثي درهم، فيجتمع لورثته مائة وثلاثة عشر درهما وثلث درهم إلا ثلث شئ يعدل شيئين، فبعد الجبر يتبين أن الشئ ثلاثة أسباع مائة وثلاثة عشر درهما وثلث درهم، وهو ثمانية وأربعون درهما وأربعة أسباع درهم، يبقى للزوج أحد عشر درهما وثلاثة أسباع، ويرجع بالشطر أربعة وأربعون درهما وسبعان، ويأخذ من الشطر الآخر قدر مهر المثل وهو أربعون وثلث الباقي وهو درهم وثلاثة أسباع، فالمبلغ سبعة وتسعون درهما وسبع درهم، وذلك ضعف المحاباة، يبقى لورثة المرأة درهمان وستة أسباع درهم. وعلى قول الاستاذ، يبقى لهم خمسة عشر، ثم لا فرق في المسألة بين موته أولا وعكسه، وموتهما معا، لانقطاع الارث بالخلع، والدور إنما يقع في جانبه دونها، إذ لا يعود إليها شئ مما يخرج منها.
فصل ومنها الجنابات، فإذا جنى عبد على حر خطأ، وعفا المجني عليه ومدت لم يكن العفو وصية لقاتل، لان فائدته تعود إلى السيد، فإن أجاز الورثة، فذاك، وإلا، نفذ في الثلث، وانفك ثلث العبد عن تعلق أرش الجناية. وأشار الامام إلى وجه: أنه لا ينفك، كما أنه لا ينفك شئ من المرهون ما بقي شئ من الدين. والصحيح الاول. ثم السيد بالخيار بين أن يسلم ثلثيه للبيع، وبين أن يفديه. فإن سلمه، فلادور، بل يباع ويؤخى من ثمنه ثلثا الارش، أو ما تيسر. وإن فداه، فيفدي الثلثين بثلثي الارش، كم كان، أم بالاقل من ثلثي القيمة وثلثي الدية ؟ فيه قولان. فإن كان الفداء بثلثي القيمة، فلا دور، وإن كان بالدية، فيقع الدور، فيقطع بالحساب. مثاله: قيمة العبد ثلثمائة، وقومنا الابل فكانت ألفا ومائتين، فيصح العفو في شئ من العبد، ويبطل في عبد ناقص بشئ يفديه السيد بأربعة أمثاله، لان الدية أربعة أمثاله، وأربعة أمثاله أربعة أعبد إلا أربعة أشياء، فيحصل لورثة العافي أربعة أعبد إلا أربعة أشياء، وذلك يعدل شيئين، فتجبر وتقابل، فأربعة أعبد تعدل ستة أشياء، فتقلب الاسم وتقول: العبد ستة، والشئ أربعة وهي ثلثا الستة، فيصح العفو في ثلثي العبد وهو مائتان، ويفدي السيد ثلثه بثلث الدية وهو أربعمائة،

(5/253)


فيحصل لورثة العافي ضعف المائتين. هذا إذا لم يترك العافي سوى ما يستحقه من الدية. فإن ترك مالا، نظر، إن كانت القيمة أقل من الدية، وكان ما تركه ضعف القيمة، صح العفو في جميع العبد. وإن كان ما تركه دون ضعف القيمة، ضمت التركة إلى قيمة العبد، وصح العفو في ثلث الجملة من العبد. وإن كانت القيمة أكثر من الدية، جمع بين التركة والدية، وصح العفو فثلث الجملة من الدية. فروع أحدها: لو لم يترك سوى ما يستحق من الدية وعليه مائتان دينا، وسلمه للبيع، واختار الفداء، وقلنا: الفداء بأقل الامرين، سقط الدين من قيمة العبد، يبقى مائة للسيد، ثلثها وهو تسع العبد، فيصح العفو في تسعه، ويباع ثمانية أتساعه، أو يفديها السيد بثمانية أتساع قيمته، وهو مائتان وستة وستون درهما وثلثان، يقضى منها دينه، يبقى ستة وستون وثلثان ضعف ما صح فيه العفو. وإن قلنا بالدية، صح العفو في شئ، وفدى السيد الباقي بأربعة أمثاله وهي أربعة أعبد إلا أربعة أشياء، تحط منها قدر الدين وهو ثلثا عبد، يبقى ثلاثة أعبد وثلث عبد إلا أربعة أشياء تعدل شيئين، فتجبر وتقابل وتبسطها أثلاثا، وتقلب الاسم، فالعبد ثمانية عشر، والشئ عشرة وهو خمسة أتساعها، فيصح العفو في خمسة أتساع العبد وهي مائة وستة وستون درهما وثلثان، ويفدي السيد باقيه وهو مائة وثلاثة وثلاثون درهما وثلث درهم بأربعة أمثاله وهي خمسمائة وثلاثة وثلاثون، يقضى منها الدين، يبقى ثلثمائة وثلاثة وثلاثون وثلث درهم ضعف ما صح العفو فيه. (الفرع) الثاني: جنى عبدان خطأ على حر، فعفا عنهما، ومات ولا مال له سوى الدية، فإن اختار السيدان تسليمهما أو اختارا الفداء، وقلنا: الفداء بأقل الامرين، صح العفو في ثلث كل عبد، وبيع ثلثاه، أو فدى سيده ثلثيه بثلثي القيمة. وإن قلنا: الفداء بالدية، وكانت قيمة كل عبد ثلثمائة، وقيمة الدية ألفا ومائتين، صح العفو في شئ من كل عبد، وفدى سيده باقيه بضعفه، لان نصف الدية هو الذي تعلق بكل عبد، ونصف الدية ضعف كل عبد، فيحصل لورثة العافي أربعة أعبد إلا أربعة أشياء، وذلك يعدل ضعف ما جاز العفو فيه وهو أربعة أشياء، فبعد الجبر: أربعة أعبد تعدل ثمانية أشياء، فتقلب الاسم، وتجعل العبد ثمانية، والشئ أربعة وهو

(5/254)


نصفها، فيصح العفو في نصف كل عبد، ويفدي كل سيد نصف عبده بعبد، فيحصل للورثة عبدان ضعف ما صح العفو فيه. (الفرع) الثالث: قتل عبد حرين خطأ، تعلقت برقبته الديتان. فإن سلمه سيده، بيع ووزع عليهما. وإن فداه وقلنا: الفداء بالقيمة، وزعت القيمة. وإن قلنا بالدية، فداه بالديتين. فإن عفا أحدهما في مرضه، قال ابن سريج: يدفع إلى ورثة العافي ثلثا نصفه، وإلى ورثة الذي لم يعف جميع النصف، كأن كل واحد متعلق بنصف منه، فينفذ عفو العافي في ثلث محل حقه. قال الاستاذ: هذا لا. يستقيم على أصل الشافعي رضي الله عنه، بل الديتان متعلقتان بجميع العبد، فإذا عفا أحدهما، سقط ثلث الدية، فورثته وورثة الآخر يتضاربون هؤلاء بثلثي دية مورثهم، وهؤلاء بكل دية مورثهم. فصل ومنها العتق، فإذا أعتق مريض عبدا، فاكتسب مالا قبل موت المعتق، وزع الكسب على ما يعتق وما يرق، وحصة العتق لا تحسب عليه، وحصة مارق تزاد في التركة، وإذا زادت التركة، زاد ما عتق، فتزيد حصته من الكسب، وإن زادت حصة ما عتق، نقصت التركة، فينقص ما عتق، فيزيد المال، فيزيد ما عتق، وهكذا تدور زيادته على نقصه، ونقصه على زيادته، فيقطع الدور بالطرق الحسابية، وفيه مسائل. مسألة: اكتسب العبد مثل قيمته، فيعتق منه شئ، ويتبعه من الكسب شئ غير محسوب عليه، يبقى للورثة عبدان إلا شيئين، وذلك يعدل ضعف ما عتق وهو شيئان، فبعد الجبر: عبدان يعدلان أربعة أشياء، فتقلب الاسم، فالعبد أربعة، والشئ اثنان، والاثنان ضعف الاربعة، فعلمنا أنه يعتق من العبد نصفه، ويتبعه نصف الكسب غير محسوب عليه، يبقى للورثة نصف العبد ونصف الكسب، وذلك ضعف ما عتق. وبطريق السهام: تأخذ للعتق سهما، ولما يتبعه من الكسب سهما، وتأخذ للورثة ضعف ما أخذت للعتق وهو سهمان، يجتمع أربعة أسهم، ثم تأخذ الرقبة والكسب وهما مثلان، فتقسمهما على الاربعة، يخرج من القسمة نصف، فعلمنا أن الذي عتق نصف الرقبة. ولو اكتسب العبد - وقيمته تسعون - مثل قيمته ومثل نصفها، عتق منه شئ، وتبعه من الكسب شئ ونصف غير محسوب عليه، يبقى للورثة

(5/255)


عبدان ونصف إلا شيئين ونصف شئ يعدل شيئين، فبعد الجبر: عبدان ونصف يعدل أربعة أشياء ونصف شئ، فتبسطها أنصافا، وتقلب الاسم، فالعبد تسعة، والشئ خمسة، فيعتق منه خمسة أتساعه وقيمتها خمسون، ويتبعها خمسة أتساع الكسب وهي خمسة وسبعون، يبقى للورثة أربعة أتساع العبد وهي أربعون وهي أربعة أتساع الكسب وهي ستون، وهما مائة ضعف ما عتق. ولو كانت الصورة الثانية بحالها، وعلى السيد مثل قيمة العبد دينا، عتق منه شئ، وتبعه من الكسب شئ ونصف، يبقى عند الورثة عبدان ونصف عبد إلا شيئين ونصف شئ، تسقط منه عبد الدين، يبقى عبد ونصف إلا شيئين ونصف يعدل ضعف ما عتق وهو شيئان، فبعد الجبر: عبد ونصف تعدل أربعة أشياء ونصف شئ، تبسطها أنصافا، وتقلب الاسم، فالعبد تسعة، والشئ ثلاثة، يعتق من العبد ثلاثة أتساعه، ويتبعه من الكسب ثلاثة أتساعه، يقضى الدين من الباقي، يبقى مع الورثة ضعف ما عتق. ولو كانت بحالها، إلا أنه لا دين على السيد، وله سوى العبد وكسبه تسعون، عتق منه شئ، وتبعه من الكسب شئ ونصف، يبقى مع الورثة عبدان ونصف إلا شيئين ونصف شئ، ومعهم مثل قيمة العبد، فيجتمع معهم ثلاثة أعبد ونصف عبد إلا شيئين ونصف شئ يعدل شيئين، فبعد الجبر: ثلاثة أعبد ونصف عبد تعدل أربعة أشياء ونصف شئ، تبسطها أنصافا، وتقلب الاسم، فالعبد تسعة، والشئ سبعة، فيعتق منه سبعة أتساعه وهو سبعون، ويتبعه من الكسب سبعة أتساعه وهو مائة وخمسة، يبقى للورثة تسعاه عشرون، وتسعا الكسب ثلاثون، ومعهم تسعون أيضا، فالمبلغ مائة وأربعون ضعف ما عتق. فرع متى ترك السيد ضعف قيمة العبد، عتق كله، وتبعه كسبه ولا دور. وإذا كان عليه دية، وله سوى العبد وكسبه مال، قوبل بذلك المال. فان تساويا، فكأن لا دين ولا ما، وإن زاد الدين، فكأن القدر هو الدين. وإن زاد المال، فكأن القدر الزائد هو المتروك. فرع الموهوب للعبد وأرش الجناية عليه، كالكسب. فرع قيمته تسعون، واكتسب بعد العتق تسعين، فاستقرضها السيد منه وأتلفها، ثم مات السيد، عتق منه شئ واستحق على السيد شيئا هو دين عليه،

(5/256)


يبقى للورثة عبد إلا شيئين تعدل ضعف ما عتق، فبعد الجبر: عبد يعدل أربعة أشياء، فتقلب الاسم، وتقول: عتق منه ربعه، ويتبعه ربعه كربع كسبه، يبقى للورثة نصفه وهو ضعف ما عتق، ثم ربع الكسب الذي هو دين، إن أداه الورثة من عندهم، جاز واستمر ملكهم على ثلاثة أرباعه، وملك هو ما سلموه إليه بربعه الحر، وإن تراضوا هم والعبد على أن تكون رقبته بدلا عن ربع الكسب، جاز وعتق ربعه على نفسه. قال ابن سريج: ويكون ولاهذا الربع لبيت المال. وقال غيره: لاولاء عليه. وإن أراد الورثة بيعه لغيره، وقال العبد: أخذه بدلا عن الدين، فقد ذكر الاستاذ، أنه أحق بنفسه من الاجانب. قال الامام: هذا محمول على الاولوية دون الاستحقاق. فرع مات العبد المعتق قبل موت السيد، فهل يموت حرا، أم رقيقا ؟ أم ثلثه حرا وثلثاه رقيقا ؟ فيه ثلاثة أوجه، قال الاستاذ: والصحيح هو الاول. فإن كان العبد اكتسب ضعف قيمته، ولم يخلف إلا السيد، مات حرا بلا خلاف، لان السيد يرث هنا بالولاء كسبه، فيحصل لورثته ضعف العبد. وإن كان الكسب مثل قيمته، فإن قلنا: لو لم يخلف كسبا لمات حرا، فهنا أولى، وإن قلنا: يموت رقيقا، فهنا لا يرث جميعه، لانه خلف شيئا، ولا يعتق جميعه، لان الكسب ليس ضعفه. فإن قلنا: من بعضه حر يورث، عتق نصفه، وكان جميع كسبه لسيده، نصفه بالملك، ونصفه بالارث بالولاء، فيحصل لورثته ضعف ما عتق. وإن قلنا: لا يورث، قال الامام: يعتق منه شئ، ويتبعه من الكسب شئ، يصرف ذلك الشئ إلى بيت بالمال، فيبقى عبد ناقص بشئ يعدل ضعف ما عتق وهو شيئان، فبعد الجبر: عبد يعدل ثلاثة أشياء، فالشئ ثلث العبد، فيعتق ثلثه، ويتبعه من الكسب ثلثه، يبقى للسيد ثلثا كسبه بالملك وهو ضعف ما عتق. ولو كان الكسب ضعف القيمة، وخلف العتيق مع السيد بنتا، فإن قلنا: لو لم يخلف بنتا لمات حرا، فكذا هنا، والكسب بين البنت والسيد سواء. وإن قلنا: يموت رقيقا. فإن قلنا: من بعضه حر يورث، عتق منه شئ، ويتبعه من الكسب شيئان، ترث البنت أحدهما، والسيد الثاني، فيحصل لورثة السيد ضعف العبد إلا شيئا، وذلك يعدل شيئين، فبعد الجبر: عبدان يعدلان ثلاثة أشياء، والشئ ثلث العبدين، وهو ثلثا عبد، فيعتق من العبد ثلثاه، ويتبعه ثلثا الكسب، ثم يرجع أحدهما إلى السيد بالارث، فيحصل لورثة السيد ثلثا الكسب

(5/257)


وهو ضعف ما عتق. وإن قلنا: من بعضه حر لا يورث، لم ترث البنت، لانها لو ورثت لما خرج جميعه الثلث، وإذا لم يعتق كله لا يورث، فيؤدي توريثها إلى منع توريثها، وهذه من الدوريات الحكمية، وإذا لم ترث، كأنه لم يخلف إلا السيد، فيموت حرا، وجميع الكسب للسيد كما سبق. ولو لم يمت العتيق، لكن كان له ابن حر، فمات قبل موت السيد، وترك أضعاف قيمة أبيه وليس له إلا أبوه وسيد أبيه، فلا يرث منه أبوه، لانه لو ورث لاستغرق ولم يحصل للسيد شئ، وحينئذ فلا يعتق جميعه، فلا يرث. وإذا لم يرث، حكم بحريته، وورث السيد مال ابنه بالولاء. ولو كانت تركة الابن مثل قيمة العتيق، عتق منه شئ، وثبت للسيد الولاء على الابن بقدر ما عتق، فيرث من تركته شيئا، ولا يرث أبوه، فيحصل لورثة السيد عبد إلا شيئا والشئ الذي ورثه السيد بالولاء، فيتم لهم عبد، لان تركته مثل العبد، وذلك يعدل شيئين، فالشئ نصف العبد، فيعتق نصفه، ويكون للورثة نصفه ونصف تركة ابنه وهما ضعف ما عتق منه. مسألة: من الاصول المقررة، أن المريض إذا أعتق عبيدا لامال له غيرهم معا، أقرع بينهم. وإن أعتقهم على الترتيب، بدئ بالاول فالاول. فإن زاد الاول على الثلث، عتق منه قدر الثلث. فلو أعتق عبدا فاكتسب مثل قيمته، ثم أعتق آخر، ولا مال له سواهما وهما متساويا القيمة، عتق من الاول شئ، وتبعه من كسبه شئ غير محسوب عليه، يبقى للورثة ثلاثة أعبد إلا شيئين، فبعد الجبر: ثلاثة أعبد تعدل أربعة أشياء، فالشئ ثلاثة أرباع العبد، فيعتق من الاول ثلاثة أرباعه، ويتبعه ثلاثة أرباع كسبه، يبقى عبد ونصف، وهما ضعف ما عتق. ولو اكتسب الثاني مثل القيمة دون الاول، عتق الاول، وبقي الثاني وكسبه للورثة. وإن اكتسب كل واحد قدر قيمته، عتق، وتبعه كسبه، وبقي الثاني وكسبه للورثة. وإن اكتسب الاول مثل قيمتهما، عتق منه شئ، وتبعه من الكسب شيئان، يبقى للورثة أربعة أعبد إلا ثلاثة أشياء تعدل شيئين، فبعد الجبر يكون الشئ خمس أربعة أعبد وهو أربعة أخماس عبد، يعتق من الاول أربعة أخماسه، ويتبعه أربعة أخماس كسبه، يبقى للورثة خمسه وخمس كسبه والعبد الآخر. وإن اكتسب الثاني مثل قيمتهما، عتق الاول، ومن الثاني شئ، ويتبعه من الكسب شيئان، يبقى للورثة من الثاني وكسبه ثلاثة أعبد إلا ثلاثة أشياء تعدل ضعف ما عتق وهو عبدان وشيئان،

(5/258)


لان الذي عتق عبد وشئ، فبعد الجبر: ثلاثة أعبد تعدل عبدين وخمسة أشياء، تسقط عبدين بعبدين، يبقى عبد في معادلة خمسة أشياء، فالشئ خمس عبد، فالذي عتق من الثاني خمسه، وكذا الحكم لو اكتسب كل واحد منهما مثل قيمتهما. أما إذا أعتق العبدين معا، فيقرع بينهما، فمن خرجت قرعته، فكأن السيد قدمه. والحساب في الصور كما ذكرنا. ولو أعتق المريض ثلاثة أعبد معا لا يملك غيرهم، فاكتسب أحدهم قبل موته كقيمته، وقيمهم متساوية، أقرع بينهم بسهم عتق وسهمي رق، فإن خرج سهم العتق على المكتسب، عتق، وتبعه كسبه، وبقي الآخران للورثة. وإن خرج لاحد الآخرين، عتق، ثم تعاد القرعة لاستكمال الثلث، فإن خرج للآخر، عتق ثلثه، وبقي ثلثاه مع المكتسب، وكسبه للورثة، ولا دور. وإن خرج سهم العتق والقرعة الثانية للمكتسب، دخل الدور، فتقول: يعتق منه شئ، ويتبعه من الكسب شئ، يبقى للورثة ثلاثة أعبد إلا شيئين، يعدل ضعف ما عتق وهو عبدان وشيئان، فبعد الجبر: ثلاثة أعبد تعدل عبدين وأربعة أشياء، تسقط عبدين بعبدين، يبقى عبد في معادلة أربعة أشياء، فالشئ ربع العبد، فيعتق منه ربعه، ويتبعه ربع كسبه، يبقى للورثة ثلاثة أرباعه وثلاثة أرباع كسبه والعبد الآخر، وذلك عبدان ونصف وهو ضعف ما عتق. ولو كانت الصورة بحالها، على السيد دين كقيمة أحدهم، أقرع بين العبيد بسهم دين وسهمي تركة، ولسهم الدين حالان. أحدهما: أن يخرج لاحد اللذين لم يكتسبا، فيباع في الدين، ثم يقرع بين الآخرين، لاعتاق الثلث بعد قضاء الدين بسهم عتق وسهم رق، فإن خرج سهم العتق للذي لم يكتسب، عتق، وبقي المكتسب وكسبه للورثة. وإن خرج للمكتسب، دخل الدور، فيعتق منه شئ، ويتبعه من الكسب شئ، يبقى للورثة ثلاثة أعبد إلا شيئين تعدل شيئين. فبعد الجبر: ثلاثة أعبد تعدل أربعة أشياء، فالشئ ربع العبيد وهو ثلاثة أرباع عبد. الحال الثاني: أن يخرج سهم الدين للمكتسب، فيباع منه ومن كسبه بقدر الدين، والدين مثنصفهما، فيباع في الدين نصف رقبته ونصف كسبه، ثم يقرع بين باقيه وبين الآخرين بسهم عتق وسهمي رق. فإن خرج سهم العتق لاحد

(5/259)


الآخرين، عتق، وبقي الآخر ونصف المكتسب وكسبه للورثة. وإن خرج للمكتسب، عتق نصفه الباقي، وتبعه الكسب غير محسوب، ثم تعاد القرعة بين الآخرين لاستكمال الثلث، فأيهما خر عليه، عتق ثلثه، فيكون جميع ما عتق خمسة أسداس عبد، يبقى للورثة عبد وثلثا عبد ضعف ما عتق. ولو كانت الصورة بحالها، إلا أن قيمة أحدهم مائة، والثاني مائتين، والثالث ثلثمائة، وأكتسب كل عبد كقيمته، أقرع، فإن خرج سهم العتق على الاعلى، عتق، وتبعه كسبه، وبقي الآخران وكسبهما للورثة، وذلك ضعف الاعلى، وإن خرج على الادنى، عتق، وتبعه كسبه، وتعاد القرعة لاستكمال الثلث. فإخرج العتق للاوسط، عتق، وتبعه كسبه، وبقي الاعلى وكسبه للورثة، وذلك ضعف العتيقين، وإن خرج للاعلى، عتق منه شئ، وتبعه من كسبه مثله، يبقى للورثة باقيه وباقي كسبه والعبد الاوسط وكسبه، وجملة ذلك ألف إلا شيئين تعدل ضعف ما عتق وهو مائتان وشيئان، فبعد الجبر: ألف تعدل مائتين وأربعة أشياء، تسقط مائتين بمائتين، يبقى ثمانمائة تعدل أربعة أشياء، فالشئ مائتان، وذلك ثلثا الاعلى، فيعتق منه ثلثاه، ويتبعه ثلثا كسبه، يبقى للورثة ثلثه وثلث كسبه والاوسط وكسبه، وذلك ستمائة ضعف الادنى وما عتق من الاعلى. وإن خرج على الاوسط، عتق، وتبعه كسبه، وتعاد القرعة، فإن خرج للادنى، عتق، وتبعه كسبه، وبقي الاعلى وكسبه للورثة، وإن خرج للاعلى، عتق ثلثه، وتبعه ثلث كسبه، وباقيه مع الادنى للورثة. مسألة: إذا زادت قيمة العتيق قبل موت سيده، دارت المسألة، لان الزيادة كالكسب، فقسط ما عتق لا يحسب على العبد، وقسط مارق تزيد به التركة، وكذا نقصان القيمة يوزع، فقسط ما عتق يحسب على العبد كأنه قبضه وأتلفه وقسط مارق كأنه تلف من مال السيد. فإذا نقص المال، نقص ما يعتق واحتيج إلى الحساب. مثال الزيادة: أعتق عبدا قيمته مائة لا يملك غيرها، فصارت قيمته قبل موت سيده مائة وخمسين، تقول: عتق منه شئ، وذلك الشئ محسوب بثلثي شئ، يبقى مع الورثة عبد إلا شيئا يعدل ضعف المحسوب على العبد وهو شئ وثلث شئ، فبعد الجبر: عبد يعدل شيئين وثلث شئ، فتبسطها أثلاثا، وتقلب الاسم، فالعبد سبعة، والشئ ثلاثة، فيعتق ثلاثة أسباعه، وقيمتها يوم الموت

(5/260)


أربعة وستون وسبعان، والمحسوب عليه منها قيمة يوم الاعتاق وهو اثنان وأربعون وستة أسباع، يبقى للورثة أربعة أسباع العبد، وقيمتها خمسة وثمانون وخمسة أسباع وهي ضعف المحسوب على العبد. ومثال النقص، قيمته مائة، صارت خمسين، يعتق منه شئ وهو محسوب عليه بشيئين، فالباقي وهو عبد إلا شيئا يعدل ضعف المحسوب وهو أربعة أشياء، فبعد الجبر: عبد يعدل خمسة أشياء، فالشئ خمس العبد، فيعتق خمسه، وقيمته يوم الموت عشرة، ويحسب عليه بعشرين، لان قيمته يوم الموت عشرون، يبقى للورثة أربعة أخماسه، وقيمتها أربعون ضعف المحاباة. فصل ومنها الكتابة، فإذا كاتب في مرضه عبدا لا يملك غيره، ولم يؤد شيئا من النجوم في حياة سيده، فثلثه مكاتب. فإذا أدى نجوم الثلث، عتق. وهل يزاد في الكتابة لكون التركة زادت بما أدى ؟ فيه خلاف مذكور في باب الكتابة، فإن زيدت، فطريق الحساب، أن الكتابة تصح في شئ من العبد، ويؤدي المكاتب عنه شيئا، والفرض فيما إذا كانت النجوم مثل القيمة، فيحصل للورثة من الرقبة ومال الكتابة مثل عبد، وذلك يعدل ضعف ما صحت فيه الكتابة وهو شيئان، فالشئ نصف العبد، فإذا أدى نجوم النصف، عتق نصفه، واسترد من الورثة كسب سدسه، فيحصل للورثة نصف الرقبة ونصف النجوم، وذلك ضعف ما صحت فيه الكتابة. ولو كاتب في الصحة، ثم أعتقه في المرض، أو أبرأه عن النجوم، نظر، إن عجز نفسه، عتق ثلثه، ورق ثلثاه. وإن استدام الكتابة، فإن كانت النجوم مثل القيمة، فوجهان. أصحهما: يعتق ثلثه، وتبقى الكتابة في ثلثيه. والثاني: لا يعتق ثلثه حتى يسلم الثلثان للرثة، إما بالعجز، وإما بأداء نجوم الثلثين. وإن كان بين النجوم والقيمة تفاوت، فقد سبق أن المعتبر من الثلث أقل الامرين، فإن كانت النجوم أقل، عتق ثلثه، وسقط ثلث النجوم، ويبقى للورثة ثلثا النجوم إن أدى، وإلا، فثلثا الرقبة. وإن كانت الرقبة أقل، بأن كانت مائة، والنجوم مائتين، حصل الدور، فيقال: عتق شئ، وسقط من النجوم شيئان، يبقى للورثة من النجوم مائتا درهم إلا شيئين، وذلك يعدل ضعف ما عتق وهو شيئان، فيعد الجبر: مائتان تعدلان أربعة أشياء، فالشئ ربع المائتين وهو نصف العبد، فعلمنا أن الذي عتق نصف العبد، وأنه يسقط نصف النجوم. قال الاستاذ: فإن عجل ما عليه من

(5/261)


النجوم، عتق نصفه، وإن لم يؤد شيئا، لم يحكم بعتق شئ. ثم كلما أدى شيئا، حكم بعتق نصف ما أدى حتى يؤدي نصف الكتابة ويستوفي وصيته.
فصل في مسائل يتولد الدور فيها من أصلين مسألة: أعتق مريض عبدا لا يملك غيره، ثم قتله السيد، فهل ينفذ العتق في جميعه إذ لا تركة، أم لا يعتق شئ منه لانه لا يبقى للورثة ضعف المحكوم بعتقه ؟ فيه خلاف سبق في نظائره. قال الاستاذ: قياس مذهب الشافعي رحمه الله هو الثاني، فإن ترك السيد مولا إذا قضيت الدية منه كان الباقي ضعف قيمته، فهو حر، وإن ترك من المال دون ذلك، عتق بعضه، ولزم السيد قسط ما عتق من الدية، ولا يرث السيد من ديته، لانه قاتل، بل إن كان له وارث أقرب من سيده، فهي له، وإلا، فلاقرب عصبات السيد. مثاله: قيمته مائة، وقيمة إبل الدية ثلثمائة، ولو ترك السيد ثلثمائة، فتقول: عتق شئ، وعلى السيد من الدية ثلاثة أمثاله، وباقي العبد الذي بطل العتق فيه قد أتلفه بالقتل، فلم يترك إلا ثلثمائة وهي مثل ثلاثة أعبد، يقضى منها ما وجب من الدية، ويبقى ثلاثة أعبد إلا ثلاثة أشياء تعدل ضعف ما عتق وهو شيئان، فتجبر وتقابل، فثلاثة أعبد تعدل خمسة أشياء، فتقلب الاسم، فالعبد خمسة، والشئ ثلاثة، يعتق منه ثلاثة أخماسه وهو ستون، ويجب عليه ثلاثة أخماس الدية وهي مائة وثمانون، يبقى مائة وعشرون ضعف ما عتق. مسألة: أعتق المريض عبدا، فجنى العبد على أجنبي بقطع أو قتل، ولا مال للسيد غيره، فإن كان أرش الجناية مثل قيمته فأكثر، لم يعتق منه شئ، لان الارش دين، فيقدم على الوصية. وإن كان دونها، بأن كانت قيمته مائة، والارش خمسة وسبعين، عتق شئ، ورق الباقي، والارش يتوزع عليهما، فحصة ما عتق يتعلق بذمة العبد، وحصة مارق تؤدى منه إن أراد السيد التسليم والارش ثلاثة أرباع القيمة، فعلى السيد تسليم ثلاثة أرباع مارق وهو ثلاثة أرباع عبد إلا ثلاثة أرباع شئ، يبقى مع ورثته ربع عبد إلا ربع شئ يعدل شيئين، فبعد الجبر: ربع عبد يعدل شيئين وربع شئ، فتبسطها أرباعا، وتقلب الاسم، فالعبد تسعة، والشئ واحد، فيعتق منه سبعة، ويرق الباقي، فيسلم في الجناية ثلاثة أرباعه وهي ستة

(5/262)


أتساع، يبقى مع الورثة تسعان ضعف ما عتق.
الطرف الخامس : في مسائل العين والدين. مقصوده، أن يخلف الميت عينا ودينا على بعض الورثة، أو على أجنبي، فنصيب الوارث بعض ما عليه بالارث، أو الاجنبي بعض ما عليه بوصية. وأول ما نقدمه أن الميت إذا لم يخلف إلا دينا على بعض الورثة، برئ من عليه من حصته، ولا تتوقف براءته على توفير حصة الباقين، لان الملك جالارث لا يتأخر، والانسان لا يستحق على نفسه شيئا. ولو خلف عينا ودينا على بعض الورثة، نظر، إن كان الدين من غير جنس العين، أو من غير نوعه، قسمت العين بين الورثة، فما أصاب من لا دين عليه، دفع إليه، وما أصاب المدين، دفع إليه إن كان مقرا مليئا. وإن كان جاحدا أو معسرا، فالآخر مستحق ظفر بغير جنس حقه. وحكمه مذكور في موضعه. وإن كان الدين من نوع العين، بأن خلف عشرة عينا وعشرة دينا على أحد ابنيه الحائزين، قال الاستاذ: يأخذ من لا دين عليه العشرة نصفها إرثا، ونصفها قصاصا بما يصيبه من الدين. وفي كيفية القصاص الخلاف المعروف. قال الامام: هذا بعيد، والخلاف إنما هو في تقاص الدينين، لا في تقاص الدين والعين، بل المذهب أن الارث يثبت شائعا في العين والدين، وليس لمن لا دين عليه الاستبداد بالعشرة إن كان المدين مقرا مليئا، فإن تراضيا، أنشآ عقدا، وإن كان جاحدا أو معسرا، فله أن يأخذها على قصد التملك، لانه ظفر بجنس حقه المتعذر تحصيله. ولو خلف دينا وعينا، وأوصى بالدين لانسان وهو ثلث ماله أو أقل، فحقه منحصر فيه، فما نض دفع إليه. ولو أوصى بثلث الدين، فوجهان. أحدهما: أن ما نض منه يضم إلى العين. فإن كان مانض ثلث الجميع أو أقل، دفع إلى الموصى له. وأصحهما: أنه كلما نض منه شئ، دفع ثلثه إلى الموصله وثلثاه إلى الورثة، لان الوصية شائعة في الدين. إذا تقرر هذا، فالدين المخلف مع العين من جنسه ونوعه، إما أن يكون على وارث، وإما على أجنبي، وإما عليهما. أما
القسم الأول : على وارث، فنصيبه من جملة التركة، إما أن يكون مثل ما عليه من الدين، وإما أكثر، وإما أقل.

(5/263)


الحالة الاولى: أن يكون مثله، فتصحح المسألة، ويطرح مما صحت منه نصيب المدين، وتقسم العين على سهام الباقين، ولا يدفع إلى المدين شئ، ولا يؤخذ منه شئ. مثاله: زوج وثلاثة بنين وترك خمسة دينا على ابن، وخمسة عشر عينا، فجملة التركة عشرون، نصيب كل ابن خمسة، وما على المدين مثل نصيبه، فتصحح المسألة من أربعة، ويطرح منها نصيب ابن، يبقى ثلاثة، تقسم العين عليها، نصيب كل واحد خمسة، ونصيب المدين يقع قصاصا، كذا أطلقوه. قال الامام: هذا محمول على ما إذا رضي المدين بذلك، أو كان جاحدا، أو معسرا. وعلى هذا ينزل الجواب المطلق في جميع هذه المسائل. الحالة الثانية: أن يكون نصيبه أكثر مما عليه، فتقسم التركة بينهم، فما أصا ب المدين، طرح منه ما عليه، ويعطى الباقي من العين. الثالثة: أن يكون نصيبه أقل، فيطرح من المسألة نصيبه، وتقسم العين على الباقي، فما خرج من القسمة، يضرب في نصيب المدين الذي طرح، فما بلغ، فهو الذي حيي من الدين، والمراد بهذه اللفظة أن ما يقع في مقابلة العين من الدين، كالمستوفى بالمقاصة، فكأنه حيي من الدين، ولولا المقاصة، فالدين على المفلس ميت فائت، ثم الباقي من الدين بعد الذي حيي يسقط منه شئ، ويبقى شئ يؤديه المدين إلى سائر الورثة. وطريق معرفة الساقط والباقي، أن تقسم كل التركة بين الورثة، فما أصاب المدين، طرح مما عليه من الدين، فما بقي، فهو الذي يؤديه المدين، فيقسمه سائر الورثة على ما بقي من سهام الفريضة بعد إسقاط نصيب المدين. مثاله: الدين في الصورة المذكورة ثمانية، والعين اثنا عشر، فسهام الفريضة أربعة، يطرح منها نصيب المديون، وتقسم العين على الباقي، يخرج من القسمة أربعة، تضربها في نصيب المدين وهو واحد، يكون أربعة، فذلك هو الذي حيي من الدين، يبقى منه أربعة، تأخذ منه نصيب المدين من التركة وهو خمسة، تطرحها مما عليه، يبقى ثلاثة، فالثلاثة هي التي تبقى من الدين، ويسقط واحد،

(5/264)


وتلك الثلاثة مقسومة على سهامهم مما صحت منه المسألة وهي ثلاثة. هذا إذا لم يكن وصية، فإن كانت، بأخلف ابنين وترك عشرة عينا وعشرة دينا على أحدهما، وأوصى بثلث ماله لزيد، فوجهان. أصحهما وينسب إلى ابن سريج وبه قطع الجمهور: أننا ننظر إلى الفريضة الجامعة للوصية والميراث وهي ثلاثة، للموصى له سهم، ولكل ابن سهم، فيأخذ المدين سهمه مما عليه، ويقتسم الابن الآخر وزيد العين نصفين، وقد حيي من الدين خمسة، يبقى خمسة، للمدين ثلاثة، يبقى ثلاثة وثلث، إذا أداها اقتسمها الابن الآخر وزيد نصفين. والوجه الثاني وينسب إلى أبي ثور: يأخذ الموصى له ثلث العين، والابن الذي لا دين عليه، يأخذ ثلثا إرثا، والثلث قصاصا، فيبرأ المدين من ثلثي الدين بالارث والمقاصة، يبقى عليه ثلث الدين، يأخذه الموصى له.
القسم الثاني : أن يكون الدين على أجنبي، فينظر، إن لم يكن وصية، اشتركت الورثة في العين والدين، وإن كانت، فاما أن يكون لغير المدين، وإما له، وإما لهما. فإن كانت لغيره، بأن خلف ابنين، وترك عشرة عينا وعشرة دينا على زيد، وأوصى لعمرو بثلث ماله، فالابنان وعمرو يقتسمون العين أثلاثا، وكلما حصل من الدين شئ اقتسموه كذلك. ولو قيد الوصية بثلث الدين، اقتسم الابنان العين. وأما الدين، فقد ذكرنا فيه وجهين. أحدهما: أن الحاصل منه الدين، يضم إلى العين ويدفع ثلث الدين مما حصل إلى زيد، ويسمى: وجه الحصر، لانه حصر حق الموصى له فيما يتنجز من الدين. وأصحهما: أن ما يحصل من الدين يدفع إلى زيد ثلثه، ويسمى: وجه الشيوع. وإن كانت الوصية للمدين، نظر فيما يستحقه بالوصية، أهو مثل الدين، أم أقل، أم أكثر ؟ ويقاس بما ذكرنا فيما إذا كان الدين على وارث. وإن كانت الوصية لهما، بأن أوصى - والصورة ما سبق - لعمرو بثلث العين، ولزيد بما عليه، ورد الابنان الوصيتين إلى الثلث، فيكون الثلث بينهما على أربعة، لعمرو سهم، ولزيد ثلاثة، فعلى قول ابن سريج: الفريضة الجامعة من اثني عشر، للوصيتين أربعة، وللابنين ثمانية، فيقتسم عمرو والابنان العين على قدر سهامهم وهي تسعة، لعمرو سهم وتسع، ولكل ابن أربعة وأربعة

(5/265)


أتساع، ويبرأ زيد من ثلاثة أرباع الثلث وهي خمسة دراهم، يبقى عليه خمسة، كلما أدى شيئا كان بين عمرو والابنين على تسعة، فيحصل لعمرو خمسة أتساع درهم، فيتم له ربع الثلث وهو درهم وثلثان، وللابنين الباقي. ثم ليكن المصروف إلى عمرو عند خروج الدين من نفس العين إن كانت باقية. وعلى الوجه المنسوب إلى أبي ثور: لعمرو ربع الثلث وهو درهم وثلثان يأخذه من العين، والباقي من العين للابنين، فيبرأ الغريم من خمسة، يبقى عليه خمسة، إذا أداها اقتسمها الابنان. ولو خلف ابنين وعشرين درهما عينا وعشرة دينا على رجل، وأوصى للغريم بما عليه، ولزيد بعشرة من العين، ولم يجز الابنان ما زاد على الثلث، فيجعل الثلث بينهما نصفين. ثم عن ابن سريج رحمه الله وجهان. أصحهما: أن الفريضة الجامعة من ستة، للوصيتين اثنان، وللابنين أربعة، فلزيد من العشرين أربعة، ولكل ابن ثمانية، ويبرأ الغريم عن نصف الثلث وهو خمسة، يبقى عليه خمسة، إذا حصل منها شئ جعل بينهم أخماسا حتى يتم لزيد خمسة، ولكل ابن عشرة. والثاني: أنه يدفع إلى زيد من العين نصف وصيته وهو خمسة، ويبرأ الغريم من نصف ما عليه وهو خمسة، وللابنين باقي العين خمسة عشر، ويقتصان باقي الدين وهو خمسة. قال الامام: هذا الوجه على ضعفه يجري فيما سبق.
القسم الثالث : أن يكون الدين على وارث وأجنبي، بأن ترك ابنين وعشرة عينا وعشرة دينا على أحدهما وعشرة دينا على أجنبي، وأوصى بثلث ماله، فعلى قياس ابن سريج والجمهور: الفريضة الجامعة من ثلاثة، يجعل سهم المدين ما عليه، ويقتسم الابن الآخر والموصى له العين نصفين، وما حصل مما على الاجنبي اقتسماه نصفين. وعلى الوجه الثاني: يأخذ الموصى له ثلث العين، والباقي للابن الذي لا دين عليه، ويبرأ الابن المدين مما عليه، وإذا حصل ما على الاجنبي، أخذ الموصى له ثلثيه، والابن الذي لا دين عليه ثلثه، وبالله التوفيق.
الباب الثالث : في الرجوع عن الوصية يجوز الرجوع عن الوصية وعن بعضها، كمن أوصى بعبد ثم رجع عن نصفه، ويجوز الرجوع في كل تبرع معلق بالموت، كقوله: إذا مت فلفلان كذا، أو فادفعوا إليه، أو فاعتقوا عبدي، أو فهو وقف. وفي الرجوع عن التدبير صريحا خلاف يذكر

(5/266)


في بابه إن شاء الله تعالى، ولا يصح الرجوع عن التبرعات المنجزة في مرض الموت.
فصل يحصل الرجوع بطرق، منها أن يقول: نقضت وصيتي، أو أبطلتها، أو رددتها، أو رفعتها، أو فسختها، أو رجعت عنها. ولو سئل عن الوصية فأنكرها، فهو رجوع. ولو قال: لا أدري، فليس برجوع. ولو قال: هو حرام على الموصى له، فرجوع على المذهب. ولو قال: هذا لوارثي بعد موتي، أو هو ميراث عني، فرجوع. ولو قال: هو تركتي، فليس برجوع على الاصح. ومنها إزالة الملك عن الموصى به ببيع أو إعتاق، أو صداق، أو جعله أجرة، أو عوض خلع، فهو رجوع. والهبة مع الاقباض، رجوع، ودونه أيضا على الاصح. والرهن كالهبة. وقيل: ليس برجوع، لانه لا يزيل الملك، فأشبه الاستخدام. والكتابة رجوع، والتدبير رجوع على المذهب، وقيل: إن جعلناه وصية، فهو كما لو أوصى به لزيد ثم عمرو، فيكون نصفه مدبرا. ولو أوصى بالبيع أو غيره مما هو رجوع، فالصحيح المنصوص أنه رجوع وقيل: هو كما لو أوصى لزيد ثم عمرو. وذكر صاحب: المعتمد الوجهين، فيما لو أوصى بعبد لرجل، ثم أوصى بعتقه، ففي وجه: يعتق وتبطل الوصية الاولى. وفي وجه: يعتق نصفه، ويدفع إلى الموصى له نصفه. ولو أوصى بعتقه، ثم أوصى به لرجل، فالقياس أنه يصرف إلى الموصى له على الاول، وأن ينصف على الثاني، لكنه قال: أحدهما: يتعين العتق، وتبطل الوصية الثانية. والثاني: التنصيف، والتوكيل بالتصرفات المذكورة كالوصية بها،

(5/267)


والاستيلاد رجوع. ولو أقر بأن العبد الموصى به مغصوب أو حر الاصل، أو قال: كنت أعتقته، قال الاستاذ أبو منصور: تبطل الوصية، وذكر أنه لو باعه ثم فسخ بخيار المجلس، فإن قلنا: الملك يزول بنفس العقد، حصل الرجوع. وإن قلنا: يحصل بانقطاع الخيار، فلا، ولك أن تقول: هو على كل حال أقوى من الرهن والهبة قبل القبض. فإذا كان الاصح فيهما حصول الرجوع، فهنا أولى، وتعليق العتق رجوع، قاله العبادي في الرقم، ويشبه أن يجئ فيه الخلاف فيما لا يزيل الملك. فرع أوصى بعين لزيد، ثم أوصى بها لعمرو، فوجهان. أحدهما: أنه رجوع عن الاولى، فتصح وصية عمرو، كما لو وهب لزيد مالا ثم وهبه قبل القبض لعمرو. والصحيح المنصوص أنليس برجوع، لاحتمال إرادة التشريك، فيشرك بينهما، كما لو قال دفعة واحدة: أوصيت لكما، قال الاصحاب: ولو قال: أوصيت به لكما، فرد أحدهما، لم يكن للآخر إلا نصفه، لانه لم يوجب له إلا النصف. ولو أوصى به لزيد، ثم أوصى به لعمرو، فرد أحدهما، كان للآخر الجميع. ولو أوصى به لاحدهما، ثم أوصى بنصفه للآخر، فإن قبلاه، فثلثاه للاول، وثلثه للثاني. وإن رد الاول، فنصفه للثاني. وإن رد الثاني، فكله للاول.

(5/268)


فرع قال: الذي أوصيت به لزيد، قد أوصيت به لعمرو، أو قال لعمرو: أوصيت لك بالعبد الذي أوصيت به لزيد، فهو رجوع على الصحيح، لاشعاره به. وقيل: ليس برجوع كالصورة السابقة. والفرق على الصحيح، أن هناك يجوز أنه نسي الوصية الاولى، فاستصحبناها بقدر الامكان، وهنا بخلافه. ولو أوصى ببيعه وصرف ثمنه إلى الفقراء، ثم قال: بيعوه واصرفوا ثمنه إلى الرقاب، جعل الثمن بين الجهتين، لان الوصيتين متفقتان على البيع، وأن الزحمة في الثمن. ولو أوصى له بدار، أو بخاتم، ثم أوصى بأبنية الدار، أو بفص الخاتم لآخر، فالدار والخاتم للاول، والابنية والفص بينهما تفريعا على الصحيح المنصوص. ولو أوصى له بدار، ثم أوصى لآخر بسكناها، أو بعبد، ثم أوصى بخدمته لآخر، نقل الاستاذ أبو منصور أن الرقبة للاول، والمنفعة للثاني، وكان يحتمل أن يشتركا في المنفعة كالابنية والفص. فرع هذا كله في الوصية بمعين، فإذا أوصى بثلث ماله، ثم تصرف في جميع ما يملكه ببيع أو إعتاق أو غيرهما، لم يكن رجوعا. وكذلك لو هلك جميع ماله، لم تبطل الوصية، لان ثلث المال مطلقا لا يختص بما عنده من المال حال الوصية، بل المعتبر ما يملكه عند الموت زاد أم نقص أم تبدل. فرع التوسل إلى أمر يحصل به الرجوع، كالعرض على البيع والهبة والرهن، رجوع على الاصح. ويجري الوجهان في مجرد الايجاب في الرهن والهبة والبيع. فرع أوصى بحنطة فطحنها، أو جعلها سويقا، أو بذرها، أو بدقيق فعجنه، بطلت الوصية، وكان ما أتى به رجوعا لمعنيين. أحدهما: زوال الاسم. والثاني: إشعاره باعراضه عن الوصية. ونسب الشيخ أبو حامد المعنى الاول إلى الشافعي رحمه الله، والثاني إلى أبي اسحاق. فلو حصلت هذه الاحوال بغير إذن الموصي، فقياس المعنى الاول بطلان الوصية، وقياس الثاني بقاؤها، ونقل بعضهم وجهين في بعضها، والباقي ملحق به، وألحقوا بهذه الصور ما إذا أوصى بشاة

(5/269)


فذبحها، أو بعجين فخبزه، لكن خبز العجين ينبغي أن لا يلحق بعجن الدقيق، فإن العجين يفسد لو ترك، فلعله قد إصلاحه وحفظه على الموصى له، وألحق العبادي في الرقم بها ما إذا أوصى بجلد فدبغه، أو بيض فأحضنه دجاجة، ولك أن تقول: قياس المعنى الاول أن لا يكون الدبغ رجوعا، لبقاء الاسم، وكذا الاحضان إلى أن يتفرخ. ولو أوصى بخبز فجعله فتيتا، فرجوع على الاصح كما لو ثرده. ويجري الوجهان فيما لو أوصى بلحم ثم قدده. ولو طبخه أو شواه، فرجوع قطعا. ولو أوصى برطب فتمره، فوجهان. الاشبه أنه ليس برجوع، وكذا تقديد اللحم إذا تعرض للفساد. ولو أوصى بقطن فغزله، فرجوع، أو بغزل فنسجه، فرجوع على الصحيح. ولو حشا بالقطن فراشا أو جبة، فرجوع على الاصح. فرع أوصى بدار فهدمها حتى بطل اسم الدار، فهو رجوع في الاخشاب والنقض، وكذا في العرصة على الاصح. ولو انهدمت بطلت الوصية في النقض على الصحيح، لزوال اسم الدار، وتبقى في العرصة على الصحيح، لانه لم يوجد منه فعل. وإن كان الانهدام بحيث لا يبطل اسم الدار بقيت الوصية فيما بقي بحاله. وفي المنفصل وجهان. وإذا قلنا في الانهدام: تبطل الوصية في النقض، فكان الانهدام بعد الموت وقبل القبول، فطريقان. أحدهما: تخريجه على أقوال الملك. وأصحهما: القطع بأنه للموصى له، لان الوصية تستقر بالموت وكان اسم الدار باقيا يومئذ. فرع أوصى بثوب فقطعه قميصا، أو صبغه، فرجوع على الاصح، وغسله ليس برجوع. ولو قصره وقلنا: القصارة أثر، فكالغسل. وإن قلنا: عين، فكالصبغ. ولو أوصى بثوب مقطوع فخاطه، فليس برجوع، واتخاذ الباب من الخشب الموصى به كاتخاذ القميص من الثوب. فرع أوصى بشئ، ثم نقله من بلد الموصى له إلى مكان بعيد، فليس برجوع على الاصح، ويشبه أن يكون الخلاف مخصوصا بما إذا أشعر التبعيد بتغير

(5/270)


القصد. فأما إذا أوصى صحيح البدن بدابة، ثم أركبها غلامه، أو حمل عليها إلى مكان بعيد، فلا إشعار. فرع أوصى بصاع حنطة بعينه، ثم خلطه بحنطة، فرجوع. قال أبو زيد: إن خلطه بأجود، فرجوع، وإلا، فلا. والاول هو الصحيح المنصوص. ولو أوصى بصاع من صبرة، ثم خلطها بمثلها، فليس برجوع، لان الموصى به كان مخلوطا شائعا، فلا تضر زيادة الخلط. وإن خلط بأجود، فرجوع، وبالاردإ، ليس برجوع على الاصح. ولو اختلطت بنفسها بالاجود، فعلى الخلاف الساب في نظائره. وإذا أبقينا الوصية، فالزيادة الحاصلة بالجودة غير متميزة، فتدخل في الوصية. ولو أوصى بصاع من حنطة، ولم يعين الصاع، ولا وصف الحنطة، فلا أثر للخلط، ويعطيه الوارث مما شاء من حنطة التركة. ولو وصفها وقال: من حنطتي الفلانية، فالوصف مرعي. فإن بطل بالخلط، بطلت الوصية. وإن قال: من مالي، حصله الوارث. فرع أوصى بمنفعة عبد أو دار سنة، ثم أجر الموصى به سنة مثلا، فإن مات بعد انقضاء مدة الاجارة، فالوصية بحالها. وإن مات قبله، فوجهان. أصحهما: أنه إن انقضت مدة الاجارة قبل سنة من يوم الموت، كانت المنفعة بقية السنة للموصى له، وتبطل الوصية فيما مضى. وإن انقضت بعد سنة من يوم الموت، بطلت الوصية، لان المستحق للموصى له منفعة السنة الاولى، فإذا انصرفت إلى جهة، بطلت الوصية. والثاني: أنه يستأنف للموصى له سنة من يوم انقضاء الاجارة، فإن كان الموصي قيد وصيته بالسنة الاولى، وجب أنه لا يجئ الخلاف. ولو لم يسلم الوارث حتى انقضت سنة بلا عذر، فمقتضى الوجه الاول أنه يغرم قيمة المنفعة، ومقتضى الثاني تسليم سنة أخرى. فرع تزويج العبد والامة الموصى بهما، وإجارتهما، وختانهما، وتعليمهما، والاعارة، والاذن في التجارة، والاستخدام، وركوب الدابة، ولبس الثوب، ليس برجوع، ووطئ الجارية مع العزل، ليس برجوع، وكذا مع الانزال

(5/271)


على الصحيح وقول الاكثرين. وقال ابن الحداد: رجوع. فرع أوصى بعرصة ثم زرعها، فليس برجوع كلبس الثوب. ولو بنى فيها أو غرس، فرجوع على الاصح. فإن لم نجعله رجوعا، فموضع البناء والغراس هل هو كالبياض المتخلل حتى يأخذه الموصى له إن زال البناء والغراس يوما ؟ أم تبطل الوصية فيه تبعا للبناء ؟ فيه وجهان. ومطلق عمارة الدار، ليس برجوع. فإن بطل الاسم، بأن جعلها خانا، فرجوع. وإن لم يبطل، ولكن أحد ث فيها بناء وبابا من عنده، فعلى الوجهين فيما لو بنى في الارض. فإن لم نجعله رجوعا، فالبناء الجديد لا يدخل في الوصية على الصحيح.
فصل أوصى بمائة معينة، ثم بمائة معينة، فله المائتان. وإن أطلق إحداهما، حملت المطلقة على المعينة، وكذا لو أطلقها، لم يكن له إلا مائة. ولو أوصى بخمسين، ثم بمائة، فله مائة. ولو أوصى بمائة، ثم بخمسين، فوجهان. أصحهما: ليس له إلا خمسون. والثاني: له مائة وخمسون.
الباب الرابع : في الأوصياء الوصاية مستحبة في رد المظالم، وقضاء الديون، وتنفيذ الوصايا، وأمور الاطفال. قلت: هي في رد المظالم وقضاء الديون التي يعجز عنها في الحال واجبة. والله أعلم. فإن لم يوص إلى أحد نصب القاضي من يقوم بها. وأغرب الاستاذ أبو منصور فحكى وجها، أنه إذا كان فالورثة رشيد، قام بهذه الامور وإن لم ينصبه القاضي. وللوصاية أركان وأحكام أما أركانها، فأربعة.
الركن الأول : الوصي، وله خمسة شروط، وهي: التكليف، والحرية، والاسلام، والعدالة، والكفاية في التصرفات. فالصبي والمجنون ومن بعضه

(5/272)


رقيق، والمكاتب والمدبر وأم الولد، لا تصح الوصية إليهم. وفي مستولدته مدبره خلاف مبني على أن صفات الوصي تعتبر حالة الوصاية والموت، أم حالة الموت ؟ ولا ججوز وصاية مسلم إلى ذمي، ويجوز عكسه، وتجوز وصاية الذمي إلى الذمي على الاصح بشرط العدالة في دينه، ولا تجوز إلى فاسق ولا إلى عاجز عن التصرف لا يهتدي إليه لسفه أو هرم أو غيرهما، هذا هو الصحيح. وربما دل كلام بعض الاصحاب على أن هذا الشرط الاخير غير معتبر. وتجوز الوصاية إلى أعمى على الاصح. وقيل: لا، فتكون الشروط ستة. وزاد الروياني وآخرون شرطا سابعا، وهوأن لا يكون الوصي عدوا للطفل الذي يفوض أمره إليه، وحصروا الشروط كلها بلفظ مختصر فقالوا: ينبغي أن يكون الوصي بحيث تقبل شهادته على الطفل. وكل ما اعتبر من الشروط، ففي وقت اعتباره ثلاثة أوجه. أصحها: يعتبر حاله عند الموت. والثاني: عند الوصاية والموت جميعا. والثالث: يعتبر في الحالتين وفيما بينهما. فرع لا يشترط في الوصي الذكورة، بل يجوز التفويض إلى المرأة، وإذا حصلت الشروط في أم الاطفال، فهي أولى من غيرها. وحكى الحناطي وجها، أنه لا تجوز الوصاية إليها، لانها ولاية، ومقتضاه الطرد في جميع النساء.

(5/273)


فرع إذا تغير حال الوصي، فإن كان قبل موت الموصي، بني على أن الشروط متى تعتبر ؟ وإن تغير بعد موته، نظر، إفسق، إما بتعد في المال، وإما بسبب آخر، بطلت ولايته. وقيل: لا تبطل حتى يعزله الحاكم، والصحيح الاول، وبه قطع الجمهور، وفي معناه قيم القاضي. وفي بطلان ولاية القاضي بالفسق وجهان. أصحهما: البطلان. والثاني: لا، كالامام الاعظم. والاب، والجد، إذا فسقا، انتزع الحاكم مال الطفل منهما. ولا تبطل ولاية الامام الاعظم بالفسق، لتعلق المصالح الكلية بولايته، بل تجوز ولاية الفاسق ابتداء إذا دعت إليها ضرورة، لكن لو أمكن الاستبدال به إذا فسق من غير فتنة، استبدل. وفيه وجه، أنها تبطل أيضا، وبه قطع الماوردي في الاحكام السلطانية، والصحيح الاول. وإذا تاب الفاسق وصلحت حاله، فهل تعود ولايته ؟ أما الوصي والقيم، فلا تعود ولايتهما على الصحيح. والاب، والجد، تعود ولايتهما، والقاضي كالوصي. وإذا كان الوصي قد أتلف مالا، لم يبرأ عن ضمانه حتى يدفعه إلى الحاكم، ثم يرده الحاكم إليه إن ولاه. فإن كان أبا، قبض المضمون من نفسه لولده، وليس من التعدي أكل الاب والوصي مال الطفل لضرورة، لكن إذا وجب الضمان، فطريق البراءة ما ذكرنا. فرع تصرفات الوصي بعد الانعزال باطلة. قال القفال: لكن رد المغصوب والعواري والودائع وقضاء الديون من جنسها في التركة، لا ينقض، لان أخذ المستحق فيها كاف. فرع إذا جن الموصي، أو أغمي عليه، أقام الحاكم غيره مقامه. فإن أفاق، فهل يبقى على ولايته كالاب والجد والامام الاعظم إذا أفاقوا ؟ أم تبطل لانه

(5/274)


يلي بالتفويض كالتوكيل بخلاف الاب وبخلاف الامام للمصلحة الكلية ؟ فيه وجهان. أصحهما: الثاني، ويجريان في القاضي إذا أفاق. وإذا أفاق الامام الاعظم بعدما ولي غيره، فالولاية للثاني، إلا أن تثور فتنة، فهي للاول، ذكره البغوي. فرع لو اختلت كفاية الوصي، بأن ضعف عن الكتابة والحساب، أو ساء تدبيره لكبر أمرض، ضم القاضي إليه من يعينه ويرشده. ولو عرض ذلك لقيم القاضي، عزله، لانه الذي ولاه.
الركن الثاني : الموصي، فإن كانت الوصاية في قضاء الديون وتنفيذ الوصايا، صحت من كل حر مكلف. وإن كانت في أمور الاطفال، اشترط مع ذلك أن يكون للموصي ولاية على الموصى في حقه من الصبيان والمجانين ابتداء من الشرع، لا بتفويض، وفيه مسائل. إحداها: أن الوصي هل يوصي ؟ فيه صور. إحداها: ليس للموصي في الوصاية المطلقة أن يوصي. الثانية: قال: أوصيت إليك إلى أن يبلغ ابني فلان، أو يقدم من سفره، فإذا بلغ أو قدم، فهو الوصي. أو قال: أوصيت إليك سنة وبعدها وصيي فلان، فالمذهب صحته، وبه قطع الجمهور، وتحتمل الوصية التعليق كما تحتمل الجهالات والاخطار. وحكى الحناطي وآخرون فيه خلافا كتعليق الوكالة، وبالمنع أجاب الروياني فقال: لو قال: إذا مت فقد أوصيت إليك، لا يجوز، بخلاف قوله: أوصيت إليك إذا مت. ولو قال: أوصيت إليك، فإذا حضرك الموت فقد أوصيت إلى من أوصيت إليه، أو فوصيك وصيي، فباطلة على الاظهر. وقيل: قطعا. وقيل: صحيحة قطعا. الثالثة: أوصى إلى زيد، وأذن له في الوصاية، نظر، إن لم يعين، بل قال:

(5/275)


أوص بتركتي إلى من شئت، فأوصى بها إلشخص، صح على الظهر. وقيل: قطعا. وإن عين فقال: أوص بها إلى فلان، فكذلك. وقيل: تصح قطعا، لانه قطع اجتهاده، فصار كقوله: أوصيت بعده إلى فلان. فرع لو أطلق فقال: أوص إلى من شئت، أو إلى فلان، ولم يضف إلى نفسه، فهل يحمل على الوصاية عنه حتى يجئ فيه الخلاف ؟ أم يقطع بأنه لا يوصي عنه ؟ فيه وجهان حكاهما البغوي، وقال: الاصح الثاني. المسألة الثانية: لا يجوز نصب وصي على الاولاد البالغين العقلاء، لانه لا يلي أمرهم. وأما المجانين، فتجوز الوصاية في أمرهم كالصبيان، وله نصب الوصي لقضاء الدين والوصايا. وإذا نصبه لذلك، لم يتمكن من إلزام الورثة تسليم التركة لتباع في الدين، بل لهم إمساكها وقضاء الدين من مالهم. فلو امتنعوا من التسليم والقضاء من عندهم، ألزمهم أحد الامرين. هذا إذا أطلق الوصاية بقضاء الدين. فإن قال: ادفع هذا العبد إليه عوضا عن دينه، فينبغي أن لا يكون للورثة

(5/276)


إمساكه، لان في أعيان الاموال أغراضا. ولو قال: بعه واقض الدين من ثمنه، فيجوز أن لا يكون لهم الامساك أيضا، لانه قد يكون أطيب. المسألة الثالثة: لا يجوز للاب نصب الوصي في حياة الجد على الصحيح، لان ولايته ثابتة شرعا كولاية التزويج. هذا في أمر الاطفال، فأما في قضاء الديون والوصايا، فله ذلك، ويكون الوصي أولى من الجد. ولو لم ينصب وصيا، فأبوه أولى بقضاء الدين وأمر الاطفال، والحاكم أولى بتنفيذ الوصايا، كذا نقله البغوي وغيره. الرابعة: ليس لغير الاب والجد الوصاية في أمر الاطفال، ولا للام إلا على قول الاصطخري في أنها تلي فتوصي.
الركن الثالث : الموصى فيه، وهو التصرفات المالية المباحة، فيدخل فيه الوصاية بقضاء الديون، وتنفذ في الوصايا وأمور الاطفال، ولا تجوز في تزويج الاطفال، ولا في معصية، كبناء كنيسة وكتب التوراة. وذكر طائفة منهم الامام، أن الوصاية لا تجري في رد المغصوب والودائع، ولا في الوصية بعين لمعين، لانها مستحقة بأعيانها فيأخذها أصحابها، وإنما يوصي فيما يحتاج إلى نظر واجتهاد، كالوصية للفقراء، وهذا الذي قالوه موضع توقف نقلا ومعني. أما النقل، فما سيأتي

(5/277)


في بقية الباب وفي كتاب الوديعة إن شاء الله تعالى حيث قالوا: إن أوصى إلى فاسق، ضمن. وأما المعنى، فلانه قد يخاف خيانة الوارث.
الركن الرابع : الصيغة، فلا بد في الوصاية من الايجاب، بأن يقول: أوصيت إليك، أو فوضت، أو أقمتك مقامي، ونحو ذلك، ويجوز فيها التوقيت كما سبق من جواز التعليق، وذلك كقوله: أوصيت إليك سنة، أو إلى أن يبلغ ابني فلان، أو أوصى إلى زوجته إلى أن تتزوج. وأما القبول، فالمذهب اشتراطه، وأشار بعضهم إلى خلاف فيه. وهل يقوم عمل الوصي مقام لفظ قبوله ؟ وجهان. وكل هذا مأخوذ من الوكالة، ولا يشترط القبول في حياة الموصي. فلو قيل في حياته، لم يعتد به على الاصح. كما لو أوصى بمال، يشترط القبول بعد الموت. وقيل: يعتد به، كما لو وكله بعمل يتأخر، يصح القبول في الحال. والرد في حياة الوصي على هذين الوجهين. فعلى الاول، لو رد في حياته، ثم قبل بعد موته، جاز، ولو رد بعد الموت، لغت الوصاية. فرع إن فصل فقال: أوصيت إليك في قضاء ديوني وتنفيذ وصاياتي والتصرف في أموال أطفالي والقيام بمصالحهم، أو ذكر بعض هذه الاعمال، فذاك، وإن اقتصر على قوله: أوصيت إليك، أو أقمتك مقامي في أمر أطفالي، ولم يذكر التصرف، فثلاثة أوجه. أصحها: له التصرف والحفظ اعتمادا على العرف. والثاني: ليس له إلا الحفظ تنزيلا على الاقل. والثالث: لا تصح الوصاية حتى يبين ما فوضه إليه. ولو اقتصر على قوله: أوصيت إليك، فباطلة قطعا. فرع لو اعتقل لسانه، فأوصى بالاشارة المفهمة، أو قرئ عليه كتاب الوصاية، فأشار برأسه أن نعم، صحت الوصاية كالاخرس. فرع أوصى إليه في تصرف، يتعداه.

(5/278)


فرع يجوز أن يوصي إلى اثنين فصاعدا، وأن يوصي إلى واحد وينصب عليه مشرفا، ولا يتصرف الوصي إلا بإذنه. ثم إذا أوصى إلى اثنين، إن كانت في رد الودائع أو الغصوب والعواري وتنفيذ الوصية المعينة وقضاء الدين الذي في التركة من جنسه، فلكل منهما الانفراد به، لان صاحب الحق مستقل في هذه الصور بالاخذ. هكذا نقل البغوي وغيره، وهذا أحد المواضع التي صرحوا فيها بجريان الوصاية في رد الغصوب والعواري، خلاف ما قالته تلك الطائفة. ثم وقوع المدفوع موقعه، وعدم الرد والنقص عند انفراد أحدهما، بين، لكن تجويز الانفراد ليس ببين، فإن تصرفهما في هذه الاموال مستفاد بالوصاية، فليكن بحسبها، ولتجئ فيه الاحوال التي سنذكرها إن شاء الله تعالى في سائر التصرفات، وستجد في كلام الاصحاب ما هو كالصريح فيما ذكرتي. وإن كانت الوصاية في تفرقة الثلث وأمور الاطفال والتصرف في أموالهم، فلها أحوال. أحدها: أن يثبت الاستقلال لكل واحد فيقول: أوصيت إليكما، أو إلى كل منكما، أو يقول: كل واحد واحد منكما وصيي في كذا، قال أبو الفرج الزاز: أو يقول: أنتما وصياي في كذا، فلكل منهما الانفراد بالتصرف. وإذا مات أحدهما أو جن أو فسق، أو لم يقبل الوصاية، كان للآخر الانفراد. وإن ضعف نظر أحدهما، فللآخر الانفراد، وللحاكم أن يضم إلى ضعيف النظر من يعينه. الثاني: أن يشترط اجتماعهما على التصرف، فليس لواحد منهما الانفراد. فإن انفرد، لم ينفذ البيع والشذاء والاعتاق، ويضمن ما أنفق. فإن مات أحدهما، أو جن، أو فسق، أو غاب، أو لم يقبل الوصية، نصب الحاكم بدلا عنه ليتصرف مع الآخر. وهل له إثبات الاستبداد للآخر ؟ وجهان. أصحهما: له. ولو ماتا جميعا، فهل للحاكم نصب واحد ؟ أم لا بد من اثنين ؟ فيه الوجهان. قال إمام الحرمين: وليس المراد من اجتماعهما على التصرف تلفظهما بصيغ العقود معا، بل المراد صدوره عن رأيهما، ثم لا فرق بين أن يباشر أحدهما أو غيرهما بإذنهما. الثالث: أن يطلق قوله: أوصيت إليكما، فهو كالتقييد بالاجتماع، لانه المتيقن.

(5/279)


فصل قال: أوصيت إلى زيد، ثم قال: أوصيت إلى عمرو، لم يكن عزلا لزيد، ثم إن قبلا، فهما شريكان، وليس لاحدهما الانفراد بالتصرف على الصحيح، وبه قطع المتولي وقال البغوي: ينفرد، وهو ضعيف. ولو قبل أحدهما فقط، انفرد بالتصرف. ولو قال لعمرو: ما أوصيت به إلى زيد قد أوصيت به إليك، فهو رجوع. ولو قال لزيد: ضممت إليك عمرا، أو قال لعمرو: ضممتك إلى زيد، فإن قبل عمرو دون زيد لم ينفرد بالتصرف، بل يضم القاضي إليه أمينا، وينبغي أن يجئ في استقلاله الوجهان. وإن قبل زيد دون عمرو، فالذي ذكره الغزالي والمتولي، أنه ينفرد بالتصرف، وفيه نظر، وإن قبلا جميعا، فقال الغزالي: هما شريكان، ويشبه أن يقال: زيد وصيي، وعمرو مشرف. فرع أوصى إلى شخصين، فاختلفا في التصرف، نظر، إن كانا مستقلين، وقال كل واحد: أنا أتصرف، حكى الشيخ أبو حامد أنه يقسم فيتصرف كل واحد في نصفه، فإن كان مما لا ينقسم، ترك بينهما حتى يتصرفا فيه. وقال غيره: لا حاصل لهذا الاختلاف، ومن سبق نفذ تصرفه. وإن لم يكونا مستقلين، أمرهما الحا كم بما رآه مصلحة. فإن امتنع أحدهما، ضم القاضي إلى الآخر أمينا. وإن امتنعا، أقام مقامهما أمينين، ولا ينعزلان بالاختلاف، بل الآخران نائبان عنهما. وإن اختلفا في تعيين من يصرف إليه من الفقراء، عين القاضي من يراه. وإن اختلفا في الحفظ، قسم، ولكل واحد التصرف فيما في يده ويد صاحبه. وقيل: إن لم يكونا مستقلين، لم ينفرد أحدهما بحفظ شئ. والصحيح المنصوص الذي عليه الجمهور: أنه لا فرق. ثم إذا قسم، وتنازعا في عين النصف المحفوظ، أقرع على الاصح. وقيل: يعين القاضي. هذا إذا كان المتاع منقسما، وإلا فيحفظانه معا بجعله في بيت يقفلانه، أو برضاهما بنائب يحفظه من جهتهما، وإلا، فيتولى القاضي حفظه، وكذا لو كان منقسما وقلنا: لا ينقسم عند عدم الاستقلال. ثم ذكر البغوي، أن هذا التفصيل فيما إذا

(5/280)


جعل إليهما التصرف واختلفا في الحفظ إلى التصرف. فأما إذا جعل الحفظ إلى اثنين، فلا ينفرد أحدهما بحال.
فصل في أحكام الوصاية فمنها الجواز، فللموصي الرجوع متى شاء، وللموصي عزل نفسه متى شاء. قلت: إلا أن يتعين عليه، أو يغلب على ظنه تلف المال باستيلاء ظالم من قاض وغيره. والله أعلم. ومنها: أن الوصي يقضي الديون التي على الصبي من الغرامات والزكوات وكفارة القتل. وفي الكفارة وجه، لانها ليست على الفور، وينفق عليه وعلى من عليه نفقته، ولينفق بالمعروف، وهو ترك الاسراف والتقتير. فان أسرف، ضمن الزيادة، ويشتري له الخادم عند الحاجة إذا كان مثله يخدم. فرع إذا بلغ الصبي، ونازعه في أصل الانفاق، صدق الوصي بيمينه.

(5/281)


ولو قال: أسرفت في الانفا، فإن كان بعد تعيينهما قدرا، نظر فيه، وصدق من يقتضي الحال تصديقه. وإن لم يعينا، فالمصدق الوصي على المذهب، وبه قطع الجمهور، وحكى البغوي عن بعضهم فيه وجهين، وهذا على غرابته يجئ في أصل الانفاق. فرع ادعى أن الوصي خان في بيع ماله، فباعه بلا حاجة ولا غبطة، ففيه خلاف قدمناه في باب الحجر. والمذهب أن القول قول المدعي. فرع تنازعا في تاريخ موت أبيه، فقال: من خمس سنين، فقال الوصي: من ست، واتفقا على إنفاقه من يوم الموت لم يقبل قول الوصي على الاصح. فرع ادعى دفع المال إليه بعد البلوغ، لا يقبل بغير بينة على الصحيح. فرع يقبل قول الوصي في التلف بالغصب والسرقة. فرع قيم الحاكم، كالوصي فيما ذكرناه، والمجنون بعد إفاقته كالصبي بعد بلوغه في كل ذلك. فصل إذا بلغ الصبي مجنونا أو سفيها، استمرت ولاية الصبي كما سبق في باب الحجر، ثم إن رأى أن يدفع إلى المبذر نفقة أسبوع أسبوع، فعل، فإن لم يثق به، دفعها إليه يوما يوما، ويكسوه كسوة مثله، فإن كان يخرقها، هدده، فإن لم يمتنع، اقتصر في البيت على إزار. وإذا خرج، كساه وجعل عليه رقيبا.
فصل ليس له تزويج الاطفال وإن ذكره الموصي، ولا بيع مال الصبي لنفسه ولا عكسه، ولا بيع مال صبي لصبي، وتجوز شهادة الوصي على الاطفال، ولا تجوز شهادته لهم بمال وإن كان وصيا في تفرقة الثلث فقط، لانه يثبت لنفسه ولاية، ويجوز لمن هو وصي في مال معين أن يشهد بغيره.
فصل في مسائل منثورة يجوز للوصي أن يوكل فيما لم تجر العادة

(5/282)


بمباشرته لمثله، ولا يجوز أن يبيع شيئا من مال كبار الورثة بغير إذنهم. وإذا أوصى بثلث ماله وليس له إلا عبد، لم يبع الوصي إلا ثلثه. ولو كان الوصي والصبي شريكين، لم يستقل بالقسمة، سواء قلنا: هي بيع أو إفراز. وفي فتاوى القفال: ليس له خلط حنطته بحنطة الصبي، ولا دراهمه بدراهمه، وقول الله تعالى: * (وإن تخالطوهم) * محمول على ما لا بد منه للارفاق، وهو خلط الدقيق بالدقيق واللحم باللحم للطبخ ونحوه، ولا يلزم الوصي الاشهاد في بيع مال اليتيم على الاصح. وفي الجرجانيات لابي العباس الروياني وجهان في أن الولي لو فسق قبل انبرام البيع، هل يبطل البيع ؟ ووجهان في أن الوصاية هل تنعقد بلفظ الولاية، كقوله: وليتك كذا بعد موتي ؟ ويجوز للوصي أن يدفع مال اليتيم مضاربة إلى من يتصرف في البلد، ويجوز إلى من يسافر به إذا جوزنا المسافرة به عند أمن الطريق، وهو الاصح كما سبق في الحجر ولو أوصى إلى الله تعالى، وإلى زيد، فقياس ما سبق فيما إذا أوصى لله تعالى ولزيد مجئ وجهين. أحدهما: أن الوصاية إلى زيد. والثاني: إلى زيد والحاكم. ولو أوصى بشئ لرجل لم يذكره، وقال: قد سميته لوصيي، فللورثة أن لا يصدقوه. وفي شرح أدب القاضي لابي عاصم العبادي، أنه لو قال: سميته لوصيي زيد وعمرو، فعينا رجلا، استحقه. وإن اختلفا في التعيين، فهل تبطل الوصية، أم يحلف كل منهما مع شاهده ؟ قولان. وفي الزيادات لابي عاصم: أنه لو خاف الوصي أن يستولي غاصب على المال، فله أن يؤدي شيئا لتخليصه، والله يعلم المفسد من المصلح.

(5/283)


وفي فتاوى القفال: أنه لو أوصى إلى رجل فقال: بع أرضي الفلانية، واشتر من ثمنها رقبة فاعتقها عني، وأحج عني، واشتر مائة رطل خبز فأطعمها الفقراء، فباع الارض بعشرة، وكان لا توجد رقبة إلا بعشرة، ولا يحج إلا بعشرة، ولا يباع الخبز بأقل من خمسة، فتوزع العشر عليها خمسة أسهم، ولا يحصل الاعتاق والحج بحصتهما، فيضم إلى حصة الخبز تمام الخمسة، فينفذ فيه الوصية، ويرد الباقي على الورثة، كما لو أوصى لكل واحد من زيد وعمرو بعشرة، وكان ثلاثة عشر، فرد أحدهما، دفعت العشرة إلى الآخر. ولو قال: اشتر من ثلثي رقبة فاعتقها، وأحج عني، واحتاج كل منهما إلى عشرة، فإن قلنا: يقدم العتق، صرفت العشرة إليه، وإلا، فينبغي أن يقرع بينهما ولا يوزع، إذ لو وزع، لم يحصل واحد منهما، وبالله التوفيق.

(5/284)