روضة الطالبين وعمدة المفتين ط العلمية

روضة الطالبين - كتاب قسم الفئ والغنيمة
المال المأخوذ من الكفار، منقسم إلى ما يحصل بغير قتال وإيجاف خيل وركاب، وإلى حاصل بذلك، ويسمى الأول: فيئا. والثاني: غنيمة. ثم ذكر

(5/315)


المسعودي وطائفة أن اسم كل واحد من المالين يقع على الآخر إذا أفرد بالذكر، فإذا جمع بينهما، افترقا، كاسمي الفقير والمسكين. وقال الشيخ أبو حاتم القزويني وغيره: اسم الفئ يشمل المالين، واسم الغنيمة لا يتناول الاول. وفي لفظ الشافعي رضي الله عنه في المختصر ما يشعر به. وبيان قيمة المالين يقع في بابين.
الباب الأول : في الفئ فمنه ما جلا عنه الكفار خوفا من المسلمين إذا سمعوا خبرهم أو لضر أصابهم، وجزية أهل الذمة وما صولح عليه أهل بلد من الكفار، وعشور تجاراتهم المشروطة عليهم إذا دخلوا دار الاسلام، ومال من مات أو قتل على الردة، ومال من مات من أهل الذمة عندنا، ولا وارث له، وكل ذلك مخمس على ما سنفصله إن شاء الله تعالى. هذا هو المذهب. وحكي عن القديم: أن مال المرتد لا يخمس. فقيل: يختص هذا القول بالمرتد، ويخمس ما سواه قطعا، لان المرتد يستصحب به حكم الاسلام، كما يؤمر بقضاء الصلوات وتلزمه الحدود. وقيل: ما تركوه خوفا من المسلمين يخمس قطعا، وفيما سواه يطرد القول القديم، وبهذا الطريق قال الاكثرون. ومنهم من طرد في جميع مال الفئ قولين. الجديد: يخمس كالغنيمة. والقديم: المنع، لانه لم يقاتل عليه، كما لو صولحوا على الضيافة، فإنه لا حق لاهل الخمس في مال الضيافة، بل يختص به الطارقون. قال البغوي: وحيث قلنا: لا يخمس، فحكم جميع المجل حكم الاخماس الاربعة على قولنا بالتخميس، وفي مصرفها خلاف يأتي إن شاء الله تعالى. قال الروياني في الحلية، لو صالحونا على مال عند القتال، فهو غنيمة.

(5/316)


فصل مال الفئ يقسم خمسة أسهم، فأربعة يأتي بيان مصرفها، والخمس الآخر يقسم على خمسة أسهم متساوية. أحدها: السهم المضاف إلى الله عزوجل وإلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وكان لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ينفق منه على نفسه وأهله ومصالحه، وما فضل جعله في السلاح عدة في سبيل الله تعالى وفي سائر المصالح. وأما بعده - صلى الله عليه وسلم -، فيصرف هذا السهم في مصالح المسلمين، كسد الثغور، وعمارة الحصون والقناطر والمساجد، وأرزاق القضاة والائمة، ويقدم الاهم فالاهم. ونقل الشافعي رحمه الله عن بعض العلماء، أن هذا السهم يرد على أهل السهمان الذين ذكرهم الله تعالى، فذكر أبو الفرج الزاز: أن بعض الاصحاب جعل هذا قولا للشافعي، لانه استحسنه. وحكى في الوسيط وجها: أن هذا السهم يصرف إلى الامام، لانه خليفة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وهذان النقلان شاذان مردودان. السهم الثاني: لذوي القربى، وهم بنو هاشم، وبنو المطلب، يشترك فيه فقيرهم وغنيهم وكبيرهم وصغيرهم وذكرهم وأنثاهم، بشرط كون الانتساب بالآباء، فلا يعطى أولاد البنات. قلت: وحكى ابن المنذر وابن كج وجها في اختصاصه بفقرائهم، وهو شاذ متروك. والله أعلم. ولا يفضل أحد منهم على أحد إلا بالذكورة، فللذكر سهمان، وللانثى سهم. وقال المزني: يسوى بينهما. وقال القاضي حسين: المدلي بجهتين يفضل على المدلي بجهة. فرع يعم بالعطاء الحاضر في موضع حصول الفئ والغائب عنه على الصحيح. وقال أبو إسحق: ما حصل في إقليم، دفع إلى من فيه، لمشقة النقل. واحتجوا للصحيح بظاهر الآية، وبالقياس على الارث. وأما المشقة، فيأمر الامام أمناءه في كل أقليم بضبط من فيه، ولا يلزمه نقل ما في كل إقليم إلى جميع الاقاليم، بل الحاصل في كل إقليم يضبط، يفرق على ساكنيه. فإن لم يكن في بعضها شئ، أو لم يف بمن فيه، نقل قدر الحاجة. قال الامام: ولو كان الحاصل قدرا لو وزع

(5/317)


لم يسد مسدا، قدم الاحوج، ولا يستوعب للضرورة. السهم الثالث: لليتامى. واليتيم: الصغير الذي لا أب له، قيل: ولا جد. ويشترط فيه الفقر على المشهور. وقيل: على الصحيح. السهم الرابع والخامس: المساكين وابن السبيل، وقد سبق بيانهما في الزكاة. فرع في تعميم اليتامى والمساكين وابن السبيل، وتخصيص الحاصل في كل إقليم وناحية بأهله، الخلاف في أهل القربى، حكاه الشيخ أبو حامد وغيره. فرع سبق في باب الوصية: أن عند الانفراد يدخل الفقراء في اسم المساكين، وعكسه، ولفظ المساكين هنا مفرد، فيدخل فيه الفقراء، وحينئذ مقتضى القول بوجوب تعميم مساكين الاقليم أو العالم تناول الفقراء أيضا، وهذا مقتضى كلام بعضهم. ومنهم من يقول: يجوز الصرف إلى الفقراء، لانهم أشد حاجة، وهذا لا يقتضي تناولهم. قلت: الصحيح الاول، وأنهما داخلان في الاسم. وممن صرح به القاضي أبو الطيب في تعليقه. والله أعلم. فرع يجوز أن يفاوت بين اليتامى، وكذا في المساكين وأبناء السبيل، لان هؤلاء يستحقون بالحاجة، فتراعى حاجاتهم، بخلاف ذوي القربى، فانهم يستحقون بالقرابة.

(5/318)


فرع لا يشترط أن يكون هؤلاء الاصناف الثلاثة من المرتزقة على الصحيح المعروف. وعن القفال اختصاصه بيتامى المرتزقة، وذكر الماوردي مثله في المساكين وأبناء السبيل. فرع إذا فقد بعض الاصناف، وزع نصيبه على الباقين كالزكاة، إلا سهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فإنه للمصالح كما ذكرنا. فرع لا يجوز الصرف إلى كافر. فرع لا يجوز الاقتصار على إعطاء ثلاثة من اليتامى، ولا من المساكين، ولا من أبناء السبيل، كما قلنا في الزكاة إذا فرقها الامام. قلت: لا يجوز دفع شئ من سهم ذوي القربى إلى مواليهم، قال صاحب التلخيص: لو ادعى أنه مسكين أو ابن سبيل، قبل بلا بينة، ولا يقبل اليتم والقرابة إلا ببينة. والله أعلم.
فصل وأما أربعة أخماس الفئ، ففي مصرفها ثلاثة أقوال، أظهرها: أنها للمرتزقة المرصدين للجهاد. والثاني: للمصالح. والثالث: أنها تقسم كما يقسم الخمس، فيقسم جميع الفئ على الخمسة الذين ذكرناهم، وهذا غريب. فعلى الثاني: نبدأ بالاهم فالاهم. وأهمها تعهد المرتزقة. وكذا حكم خمس الخمس. فالقولان الاولان متفقان على أن المصرف المرتزقة، وإنما يختلفان فيما فضل عنهم. فرع وللامام في القسمة على المرتزقة وظائف. إحداها: يضع ديوانا. قال في الشامل: وهو الدفتر الذي يثبت فيه الاسماء. فيحصي المرتزقة بأسمائهم، وينصب لكل قبيلة أو عدد يراه عريفا ليعرض

(5/319)


عليه أحوالهم، ويجمعهم عند الحاجة ويثبت فيه قدر أرزاقهم. قلت: نصب العريف مستحب. والله أعلم. الثانية: يعطي كل شخص قدر حاجته، فيعرف حاله وعدد من في نفقته وقدر نفقتهم وكسوتهم وسائر مؤنتهم، ويراعي الزمان والمكان، وما يعرض من رخص وغلاء، وحال الشخص في مروءته وضدها، وعادة البلد في المطاعم، فيكفيه المؤونات ليتفرغ للجهاد، فيعطيه لاولاده الذين هم في نفقته أطفالا كانوا أو كبارا، وكلما زادت الحاجة بالكبر، زاد في حصته. وهل يدفع إليه ما يتعهد منه الاولاد ؟ أم يتولى الامام تعهدهم بنفسه ؟ أو بنائب له ؟ فيه قولان. أظهرهما: الاول. وحكى الحناطي وأبو الفرج الزاز وجها أنه لا يعطي الاولاد شيئا، لانهم لا يقاتلون، وهذا شاذ ضعيف وإذا كان له عبد يقتنيه للزينة أو للتجارة، لم يعط له. وإن كان يقاتل معه أو يحتاج إليه في الغزو لسياسة الدواب ونحوها، أعطي له، وكذا لو كان عبد يخدمه وهو ممن يخدم، بل لو لم يكن له عبد واحتاج إليه، أعطاه الامام عبدا، ولا يعطي إلا لعبد واحد. وفي الزوجات، يعطي للجماعة. وإذا نك جديدة، زاد في العطاء، لان نهايتهن أربع، والعبيد لا حصر لهم، وكأن هذا في عبيد الخدمة. فأما الذين يتعلق بهم مصلحة الجهاد، فينبغي أن يعطي لهم وإن كثروا. قلت: كذا هو منقول، وإنما يقتصر في عبيد الخدمة على واحد إذا حصلت به الكفاية. فأما من لا تحصل كفايته إلا بخدمة عبيد، فيعطي لمن يحتاج إليه، ويختلف باختلاف الاشخاص. والله أعلم. والوجه الشاذ في الاولاد يجري في الزوجات والعبيد. فرع يعطى المرتزق مؤنة فرسه، بل يعطى الفرس إذا كان يقاتل فارسا ولا فرس له، ولا يعطى للدواب التي يتخذها زينة ونحوها.

(5/320)


فرع يعطى كل منهم بقدر حاجتهم، ولا يفضل أحد منهم بشرف نسب أو سبق في الاسلام أو الهجرة وسائر الخصال المرضية، بل يستوون كالارث والغنيمة. وفي وجه: يفضل إذا اتسع المال. الثالثة: يستحب أن يقدم في الاعطاء وفي إثبات الاسم في الديوان قريشا على سائر الناس، وهم ولد النضر بن كنانة، بن خزيمة، بن مدركة، بن الياس، بن مضر، بن نزار، بن معد، بن عدنان. قال الاستاذ أبو منصور: هذا قول أكثر النسابين، وبه قال الشافعي وأصحابه، وهو أصح ما قيل. وقيل: هم ولد إلياس. وقيل: ولد مضر. وقيل: ولد فهر بن مالك بن النضر بن كنانة. ثم يقدم من قريش الاقرب فالاقرب إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وهو: محمد، بن عبد الله، بن عبد المطلب بن هاشم، بن عبد مناف، بن قصي، بن كلاب، بن مرة، بن كعب، بن لؤي، بن غالب، بن فهر، بن ملك بن النضر، بن كنانة، فيقدم بني هاشم، وبني المطلب على سائر قريش، ثم بني عبد شمس وبني نوفل أخوي هاشم، ويقدم منهما بني عبد شمس، لانه أخو هاشم لابويه، ونوفل أخوه لابيه، ثم بني عبد العزى وبني عبد الدار ابني قصي يقدم منهما بني عبد العزى، لانهم أصهار رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فإن خديجة رضي الله عنها بنت خويلد بن أسد بن عبد العزى، ثم بني زهرة بن كلاب أخي قصي، ثم بني تيم وبني مخزوم أخوي كلاب، ويقدم منهما بني تيم، لمكان أبي بكر الصديق رضي الله عنه وعائشة رضي الله عنها من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ثم بني جمح وبني سهم، وهما من ولد هصيص بن كعب، وبني عدي ابن كعب - وهصيص وعدي أخوا مرة بن كعب - وقدم عمر رضي الله عنه من هؤلاء القبائل الثلاث بني جمح، وسوى بين بني سهم وبني عدي، كما يسوى بين بني هاشم وبني المطلب. قال الشافعي رحمه الله: وقدم المهدي أمير المؤمنين في زمانه بني عدي على بني جمح وبني سهم، لمكان عمر رضي الله عنه، والذي فعله عمر رضي الله عنه كان تواضعا منه. ثم يقدم بني عامر بن لؤي، ثم بني الحارث بن فهر. فإذا فرغ من قريش، بدأ بالانصار، ثم يعطي سائر العرب. هكذا رتب

(5/321)


الاصحاب، وهو ظاهر نص الشافعي رحمه الله. وفي أمالي السرخسي: أن هذا محمول على الذين هم أبعد من الانصار، فأما سائر العرب الذين هم أقرب إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الانصار، فيقدمون عليهم. ومتى استوى اثنان في القرب، قدم أسنهما. فإن استويا في السن، فأقدمهما إسلاما وهجرة. قلت: قد عكس أقضى القضاة الماوردي هذا، فقال في الاحكام السلطانية: يقدم بالسابقة في الاسلام. فإن تقاربا فيه، قدم بالدين. فإن تقاربا فيه، قدم بالسن، فإن تقاربا، قدم بالشجاعة. فإن تقاربا فيه، فولي الامر بالخيار بين أن يرتبهم بالقرعة، أو برأيه واجتهاده، وهذا الذي قاله هو المختار. والله أعلم. ثم بعد العرب، يعطى العجم. وفي المهذب والتهذيب: أن التقديم فيهم بالسن والفضائل، ولا يقدم بعضهم على بعض بالنسب، وفيه كلامان. أحدهما: أن العجم قد يعرف نسبهم، فينبغي أن يعتبر فيمن عرف نسبه القرب والبعد أيضا. الثاني: أنا قدمنا في صفة الائمة في الصلاة عن إمام الحرمين: أن الظاهر رعاية كل نسب يعتبر في الكفاءة في النكاح، وسنذكر إن شاء الله تعالى، أن نسب العجم مرعي في الكفاءة على خلاف فيه، فليكن كذلك هنا. قلت: قد أشار الماوردي إلى اعتبار نسب العجم فقال: إن كانوا عجما لا يجتمعون على نسب، جمعهم بالاجناس، كالترك، والهند، وبالبلدان. ثم إن كانت لهم سابقة في الاسلام، ترتبوا عليها، وإلا، فبالاقرب من ولي الامر. فإن تساووا، فبالسبق إلى طاعته. والله أعلم. قال الائمة: وجميع الترتيب المذكور في هذه الوظيفة، مستحب لا مستحق. الرابعة: لا يثبت في الديوان اسم صبي، ولا مجنون، ولا امرأة، ولا عبد،

(5/322)


ولا ضعيف لا يصلح للغزو، كالاعمى، والزمن، وإنما هم تبع للمقاتل إذا كانوا في عياله، يعطى لهم كما سبق، وإنما يثبت في الديوان الرجال المكلفين المستعدين للغزو، وإذا طرأ على المقاتل مرض أو جنون، فإن رجي زواله، أعطي ولم يسقط اسمه، وإلا أسقط اسمه. وفي إعطائه الخلاف الآتي في زوجة المقاتل بعد موته، وأولى بالاعطاء. قلت: ترك من شروط من يثبته في الديوان الاسلام، وذكر الماوردي في الاحكام السلطانية شرطا اخر، وهو أن يكون فيه إقدام على القتال ومعرفة به. فإن اختل ذلك، لم يجز إثباته، لعجزه عما هو مرصد له. قال: ولا يجوز إثبات الاقطع، ويجوز إثبات الاعرج إن كان فارسا. وإن كان راجلا، فلا. ويجوز إثبات الاخرس والاصم. قال: وإذا كتبه في الديوان، فإن كان مشهور الاسم، لم يحسن تحليته. وإن كان مغمورا وصف وحلي، فيذكر سنه وقده ولونه وحلي وجهه، بحيث يتميز عن غيره. والله أعلم. فرع من مات من المرتزقة، هل ينقطع رزق زوجته وأولاده لزوال المتبوع ؟ أم يستمر ترغيبا للمجاهدين ؟ قولان. وقيل: وجهان. أظهرهما: الثاني. فعلى هذا، ترزق الزوجة إلى أن تتزوج، والاولاد إلى أن يبلغوا ويستقلوا بالكسب، أو يرغبوا في الجهاد فيثبت اسمهم في الديوان. ومن بلغ منهم وهو أعمى أو زمن، رزق على هذا القول كما كان يرزق قبل البلوغ، هذا في ذكور الاولاد. وأما الاناث، فمقتضى كلامه في الوسيط أنهن يرزقن إلى أن يتزوجن. الخامسة: يفرق الارزاق في كل عام مرة، ويجعل له وقتا معلوما لا يختلف. وإذا رأى مصلحة أن يفرق مشاهرة ونحوها، فعل. وإذا اقتصر في السنة على مرة، فيشبه أن يقال: يجتهد، فما اقتضته الحال وتمكن فيه من الاعطاء في أول السنة أو اخرها، فعله، وعلى هذا ينزل قوله في الوجيز: يفرق في أول كل سنة، وقول الآخرين: يفرق في آخر كل سنة. فرع إذا مات واحد من المرتزقة بعد جمع المال وانقضاء الحول، صرف نصيبه إلى ورثته ولا يسقط هذا الحق بالاعراض عنه على الظاهر، كذا قاله

(5/323)


الامام. وإن مات بعد جمع المال وقبل تمام الحول، فقولان. ويقال: وجهان. أظهرهما: يصرف قسط ما مضى إلى ورثته كالاجرة. والثاني: لا شئ لهم، كالجعل في الجعالة، لا يستحق قبل تمام العمل. وإن مات قبل جمع المال وبعد الحول، فظاهر النص: أنه لا شئ للورثة، وبه قال القاضي أبو الطيب وآخرون، وبه قطع البغوي. وقال الشيخ أبو حامد: يصرف نصيبه مما سيحصل إلى ورثته. وإن مات قبل جمع المال وقبل انقضاء الحول، فإن قلنا: إذا مات بعد الحول لا يستحق، فهنا أولى، وإلا، ففي قسط ما مضى الخلاف فيما إذا مات قبل الحول وبعد جمع المال. هذا كله إذا كان العطاء مرة في السنة. فإن رأى الاعطاء في السنة مرتين فصاعدا، فالاعتبار بمضي المدة المضروبة.
فصل جميع ما ذكرناه في المنقولات من أموال الفئ. فأما الدور والارض، فقد قال الشافعي رضي الله عنه: هي وقف للمسلمين تستغل وتقسم غلتها في كل عام كذلك أبدا. هذا نصه. فأما أربعة أخماس الفئ، فمن الاصحاب من يقول: الحكم بأنها وقف مفرع على أنها للمصالح، فأما إن جعلناها للمرتزقة، فتقسم بينهم كالمنقولات وكالغنيمة. والاصح جريان هذا الحكم، سواء قلنا: للمصالح أو للمرتزقة، لتبقى الرقبة مؤبدة، وينتفع بغلتها المستحق كل عام، بخلاف المنقولات، فإنها معرضة للهلاك، والغنيمة بعيدة عن نظر الامام واجتهاده، لتأكد حق الغانمين. فإذا قلنا بالوقف، فوجهان. أحدهما: المراد به التوقف عن قسمة الرقبة، دون الوقف الشرعي. وأصحهما: أن المراد الوقف الشرعي للمصلحة. فعلى هذا، وجهان. أحدهما: يصير وقفا بنفس الحصول، كما يرق النساء والصبيان بالاسر. وأصحهما: لا، لكن الامام يقفها. وإن رأى قسمتها أو بيعها وقسمة ثمنها، فله ذلك. وقول الشافعي رحمه الله: هي وقف، أي: تجعل وقفا. وأما

(5/324)


خمسه، فسهم المصالح لا سبيل إلى قسمته، بل يوقف وتصرف غلته في المصالح، أو يباع ويصرف ثمنه إليها، والوقف أولى ويجئ الوجه السابق، أنه يصير وقفا بنفس الحصول. وسهم ذوي القربى، فيه الخلاف المذكور في الاخماس الاربعة، تفريعا على أنها للمرتزقة. وسهم اليتامى والمساكين وابن السبيل، يرتب على سهم ذوي القربى. إن قلنا: إنه وقف، فهنا أولى، ولان ذوي القربى متعينون، وإلا، فالاصح أنه وقف. وقيل: لا. وإذا تأملت هذه الاختلافات في الاخماس الاربعة، ثم في الخمس، علمت أن المذهب أن الجميع وقف، وهو الموافق لنص الشافعي رضي الله عنه.
فصل إذا زادت الاخماس الاربعة على حاجات المرتزقة، فإن قلنا: إنها للمرتزقة، وهو الاظهر، صرف الفاضل إليهم أيضا على قدر مؤوناتهم. وفي جواز صرف شئ منه إلى إصلاح الحصون وإلى الكراع والسلاح ليكون عدة لهم، وجهان. أصحهما: نعم. فإن قلنا: إنها للمصالح، صرف الفاضل إلى باقي المصالح، كاصلاح الحصون والكراع والسلاح. وإن فضل شئ، ففي جواز صرفه إليهم وجهان. ويجوز صرفه إليهم عن كفاية السنة القابلة بلا خلاف.
فصل في مسائل منثورة إحداها: جاء رجل فطلب إثبات اسمه في الديوان، أجابه الامام إن وجد في المال سعة وفي الطالب أهلية، وإلا، فلا. (المسألة) الثانية: لا يحبس شئ من مال الفئ خوفا أن ينزل بالمسلمين نازلة، بل يفرغ الجميع في الوقت المعين. ثم إن نزلت نازلة، فعلى جميع المسلمين القيام بأمرها. فإن غشيهم العدو، فعلى جميعهم أن ينفروا. (المسألة) الثالثة: قال الشافعي رضي عنه: يرزق من مال الفئ الحكام وولاة

(5/325)


الاحداث والصلاة، وكل من قام بأمر الفئ من وال وكاتب وجندي لا يستغني أهل الفئ عنهم. والمراد بالحكام: الذين يحكمون بين أهل الفئ في مغزاهم. وولاة الاحداث، قيل: هم الذين يعلمون أحداث أهل الفئ الفروسية والرمي، وقيل: هم الذين ينصبون في الاطراف لتولية القضاة وسعاة الصدقات وعزلهم وتجهيز الجيوش إلى الثغور وحفظ البلاد من أهل الفساد ونحوها من الاحداث. وولاة الصلاة: الذين يقيمون لهم الجمعات والجماعات، وكذلك يرزق عرفاء أهل الفئ. وإذا وجد من يتطوع بهذه الاعمال، لم يرزق عليها غيره. (المسألة) الرابعة: يجوز أن يكون عامل الفئ من ذوي القربى. قال الماوردي رحمه الله: عامل الفئ، إن ولي وضع أموال الفئ وتقديرها وتقريرها اشترط كونه مسلما حرا مجتهدا عارفا بالحساب والمساحة. وإن ولي جباية أمواله بعد تقريرها، سقط الشرط الثالث. وإن ولي جباية نوع خاص من الفئ، نظر، إن لم يستغن فيه عن استنابة، اشترط إسلامه وحريته واطلاعه بشرط ماولي من حساب ومساحة، لما فيه من معنى الولاية. وإن استغنى عن الاستنابة، جاز أن يكون عبدا، لانه كالرسول المأمور. وأما تولية الذمي، فإن كانت جباية من أهل الذمة كالجزية وعشر التجار، جازت. وإن كانت من المسلمين، ففي جوازها وجهان. قلت: الاصح المنع. والله أعلم. وإذا فسدت ولاية العامل، وقبض المال مع فسادها، برئ الدافع، لبقاء الاذن. فلو نهي عن القبض بعد فسادها لم يبرأ الدافع إليه إن علم النهي، وإن جهله، فوجهان، كالوكيل. قلت: قال الماوردي: إذا تأخر العطاء عن المثبتين في الديوان عند استحقاقهم، وكان المال حاصلا، فلهم المطالبة كالديون. وإن أعوز بيت المال، كانت أرزاقهم دينا على بيت المال، وليس لهم مطالبة ولي الامر به. قال: وإذا أراد ولي الامر إسقاط بعضهم لسبب، جاز، وبغير سبب، لا يجوز. وإذا أراد بعضهم إخراج نفسه من الديوان، جاز إن استغنى عنه، ولا يجوز مع الحاجة، إلا أن يكون

(5/326)


معذورا. قال: وإذا جرد الجيش للقتال، فامتنعوا وهم أكفاء من حاربهم، سقطت أرزاقهم. وإن ضعفوا عنه، لم تسقط. وإذا جرد أحدهم لسفر، أعطي نفقة سفره إن لم يدخل في تقدير عطائه، ولم يعط إن دخل فيه. وإذا تلف سلاحه في الحرب، أعطي عوضه إن لم يدخل في تقدير عطائه، وإلا، فلا. والله أعلم.
الباب الثاني : في الغنيمة وقد ذكرنا، أنها المال الذي يأخذه المسلمون من الكفار بايجاف الخيل والركاب. قال البغوي: سواء ما أخذناه من أيديهم قهرا وما استولينا عليه بعدما هزمناهم في القتال وتركوه. وحل الغنيمة مختص بهذه الامة زادها الله شرفا، وكانت في أول الاسلام لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - خاصة، يصنع فيها ما يشاء، وعليه يحمل إعطاؤه - صلى الله عليه وسلم - من لم يشهد بدرا، ثم نسخ ذلك، فجعل خمسها مقسوما خمسة أسهم كالفئ، قال الله تعالى: * (واعلموا أنما غنمتم من شئ فأن لله خمسه، وللرسول، ولذي القربى، واليتامى والمساكين، وابن السبيل) * وجعل أربعة أخماسها للغانمين. ويعرض في أموال الغنيمة النفل والرضخ والسلب والقسمة، ويحصل بيانها في أربعة أطراف.

(5/327)


الأول : النفل بفتح النون والفاء، وهو زيادة مال على سهم الغنيمة، يشرطه الامام أو أمير الجيش لمن يقوم بما فيه نكاية زائدة في العدو، أو توقع ظفر، أو دفع شر، وذلك كالتقدم على طليعة، أو التهجم على قلعة، أو الدلالة عليها، وكحفظ مكمن، وتجسس حال وشبهها. وإنما ينفل إذا مست حاجة لكثرة العدو وقلة المسلمين، واقتضى الحال بعث السرايا وحفظ المكامن، ولذلك نفل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في بعض الغزوات دون بعض. ثم الكلام فيمن شرط له، وفي محل المشروط وقدره. أما الاول، فيجوز كونه شخصا معينا وجماعة، ويجوز أن يطلق فيقول: من فعل كذا فله كذا. وأما محله، فيجوز أن يشرط النفل من مال المصالح المرصدة ببيت المال، وحينئذ يشترط كونه معلوما، ويجوز أن يشرطه مما سيغنم ويؤخذ من الكفار في هذا القتال، وحينئذ يذكر جزءا كثلث أو ربع وغيرهما، ويحتمل الجهالة للحاجة. وإذا نفل من الغنيم، فمم ينفل ؟ فيه أوجه، ويقال: أقوال. أصحها: من خمس خمسها. والثاني: من أصلها. والثالث: من أربعة أخماسها. وأما قدره، فليس له حد مضبوط، فيجتهد الامام ويجعله بقدر العمل وخطره، وقد صح في كتاب الترمذي وغيره، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان ينفل في البدأة الربع، وفي الرجعة الثلث، وفي رواية الترمذي القفول بدل الرجعة، وقيل: البدأة: السرية الاولى، والرجعة: الثانية. وقال الجمهور: البدأة: السرية

(5/328)


التي يبعثها الامام قبل دخوله دار الحرب مقدمة له، والرجعة: التي يأمرها بالرجوع بعد توجه الجيش إلى دار الاسلام. ونقص البدأة، لانهم مستريحون لم يطل بهم السفر، ولان الكفار في غفلة، ولان الامام من ورائهم يستظهرون به، والرجعة بخلافهم في كل ذلك. واختلفوا في المراد بالحديث بحسب اختلافهم في محل النفل، فقيل: المراد، ثلث خمس الخمس، أو ربعه. وقيل: ثلث الجميع، أو ربعه. وقيل: ثلث أربعة أخماسها، أو ربعها. وقيل: المراد: أنه يزاد نصيب كل شخص من الغنيمة مثل ثلثه أو ربعه، ويجوز الزيادة على الثلث، والنقص عن الربع بالاجتهاد. فرع إذا قال الامير: من أخذ شيئا فهو له، لم يصح شرطه على الاظهر. فرع من ظهر منه في الحرب مبارزة وحسن إقدام وأثر محمود، أعطي سهمه، وزيد من سهم المصالح ما يليق بالحال.
الطرف الثاني : في الرضخ. فالصبي، والعبد، والمرأة، والخنثى، والزمن، والذمي، لا يسهم لهم، لكن يرضخ لهم، وهذا الرضخ مستحق على المشهور. وفي قول: مستحب. ويجتهد الامام في قدره، ولا يبلغ به سهم راجل إن كان من يرضخ له راجلا. وإن كان فارسا، فوجهان بناء على أنه هل يجوز أن يبلغ تعزير الحر حد العبيد ؟ وبالمنع قطع الماوردي. وسواء حضر العبد بإذن سيده، والصبي بإذن وليه، والمرأة بإذن

(5/329)


زوجها، أم بغير إذنهم. وإن حضر الذمي بغير إذن الامام، لم يستحق شيئا على الصحيح، بل يعزره الامام آن ذلك. وإن حضر بإذنه، فإن كان استأجره، فله الاجرة فقط، وإلا، فله الرضخ على الصحيح. وقيل: لا شئ له. وقيل: إن قاتل، استحق، وإلا، فلا. وإذا حضر نساء أهل الذمة بإذن الامام، فلهن الرضخ على الاصح. فرع يفاوت الامام بين أهل الرضخ بحسب نفعهم، فيرجح المقاتل ومن قتاله أكثر على غيره، والفارس على الراجل، والمرأة التي تداوي الجرحى وتسقي العطاش على التي تحفظ الرجال، بخلاف سهم الغنيمة، فإنه يستوي فيه المقاتل وغيره، لانه منصوص عليه. والرضخ بالاجتهاد، كدية الحر وقيمة العبد. فرع في محل الرضخ للعبيد والصبيان والنساء، ثلاثة أقوال. أظهرها: من أربعة أخماس الغنيمة. والثاني: من أصلها. والثالث: من خمس الخمس، وأهل الذمة كالعبيد على المذهب. وقيل: يرضخ لهم من خمس الخمس قطعا. وحيث رضخنا من أصل الغنيمة يبدأ به كالسلب، ثم يقسم الباقي خمسا وأربعة أخماس. فرع إذا انفرد العبيد والنساء والصبيان بغزوة وغنموا، خمست. وفي الباقي أوجه. أصحها: يقسم بينهم كما يقسم الرضخ على ما يقتضيه الرأي من تسوية وتفضيل. والثاني: يقسم كالغنيمة، للفارس ثلاثة أسهم، وللراجل سهم. والثالث: يرضخ لهم منه، ويجعل الباقي لبيت المال. وخصص البغوي هذا الخلاف بالصبيان والنساء، وقطع في العبيد بكونه لسادتهم، وحكى أنه لو سبى مراهقون أو مجانين صغارا، حكم باسلامهم تبعا لهم. أما إذا كان مع أهل الرضخ واحد من أهل الكمال، فيرضخ لهم، والباقي لذلك الواحد. فرع لا يخمس ما أخذه الذميون من أهل الحرب، لان الخمس حق يجب على المسلمين كالزكاة.

(5/330)


فرع من قاتل من أهل الكمال أكثر من غيره، رضخ له مع السهم، كذا ذكره المسعودي والبغوي، ومنهم من ينازع كلامه فيه. وقيل: يزاد من سهم المصالح ما يليق بالحال. فرع لو زال نقص أهل الرضخ، فعتق العبد، وأسلم الكافر، وبلغ الصبي قبل انقضاء دار الحرب، أسهم لهم. وإن كان بعد انقضائها، فقد أطلق الماوردي أنه ليس لهم إلا الرضخ، وينبغي أن يجئ فيما بين انقضاء الحرب وحيازة المال، الخلاف الآتي فيمن حضر في هذا الحال.
الطرف الثالث : في السلب. هو للقتال، والكلام في سبب استحقاقه ومستحقه ونفسه وكيفية إخراجه من الغنيمة. أما سبب استحقاقه، فقال في الوسيط في ضبطه: هو ركوب الغرر في قهر كافر مقبل على القتال بما يكفي شره بالكلية، وفيه قيود. أحدها: ركوب الغرر. فلو رمى من حصن أو من وراء الصف كافرا، وقتله، لم يستحق سلبه، وكذا لو رمى من صف المسلمين إلى صف الكفار، فقتل رجلا. (القيد) الثاني: إقبال الكافر على القتال، وليس المراد اشتغاله بالقتال حين قتله، لانهما لو تقاتلا زمانا ثم هر ب فقتله المسلم في إدباره، قال الاصحاب: استحق سلبه. ولا يشترط أيضا أن تكون مقاتلته مع قاتله، بل لو قصد كافر مسلما، فجاء مسلم آخر من ورائه فقتله، استحق سلبه، بل المرعي ما ذكره أصحابنا العراقيون، أن يقتله مقبلا أو مدبرا والحرب قائمة فأما إذا انهزم جيش الكفار فاتبعهم فقتل كافرا، فلا يستحق سلبه، لان بهزيمتهم اندفع شرهم، وما دامت الحرب قائمة فالشر متوقع، والمولي لا تؤمن كرته. ولو قتل كافرا وهو أسير في يده، أو نائم، أو مشغول بأكل أو نحوه، أو مثخن زائل الامتناع، لم يستحق سلبه. القيد الثالث: قهره بما يكفي شره بالكلية بقتل، أو إثخان، أو إزالة امتناع، بأن يعميه، أو يقطع يديه ورجليه. ولا يلحق به قطع يد أو رجل. فلو قطع يديه أو رجليه، أو

(5/331)


يدا ورجلا، فهو إثخان على الاظهر، وهو رواية المزني، وبه قطع جماعة. ولو اشترك جماعة في قتله أو إثخانه، فالسلب لهم. وفي وجه: أنه لو وقع بين جماعة لا يرجى نجاته منهم، لم يختص قاتله بسلبه، لانه زال شره بالوقوع بينهم. قال أبو الفرج الزاز: لو أمسكه واحد وقتله آخر، فالسلب بينهما، لاندفاع شره بهما، وكأن هذا فيما إذا منعه الهرب ولم يضبطه. فأما الامساك الضابط، فإنه أسر، وقتل الاسير لا يستحق به السلب. ولو أثخنه، فقتله اخر، فالسلب للمثخن. ولو جرحه فلم يثخنه، فقتله آخر، فالسلب للثاني. ولو أسره، ففي استحقاقه سلبه قولان. أحدهما: لا، لانه لم يدفع كل شره. وأظهرهما: نعم، لانه أصعب من القتل وأبلغ في القهر، ولان الامام يتمكن فيه من القتل وغيره. ثم الامام يتخير في الاسير الذي ليس من الذرية بين القتل والاسترقاق والمن والفداء كما يأتي إن شاء الله تعالى. فإن ارقه، فهل لمن أسره رقبته ؟ أو فاداه، هل له مال الفداء ؟ اطرد فيه القولان. وقيل: وجهان. ويشبه أن يكون الاظهر هنا المنع، لان اسم السلب لا يقع عليه. فرع لو كان الكافر المقتول امرأة أو صبيا، إن كان لا يقاتل، لم يستحق سلبه، لان قتله حرام. وإن كان يقاتل، استحق سلبه على الاصح، والعبد كالصبي. وقيل: بالاستحقاق قطعا. فصل فأما استحقاق السلب، فكل من يستحق سهم الغنيمة، يستحق السلب. والمذهب أن العبد والمرأة والصبي يستحقونه، ولا يستحقه الذمي على المذهب، وإذا قلنا: لا تستحق المرأة، فكان القاتل خنثى، وقف السلب حتى يتبين. وإذا حضر الذمي بغير إذن الامام، فلا سلب له قطعا، ولا سلب للمخذل

(5/332)


قطعا. والتاجر إذا قلنا: لا سهم له، كالصبي. فصل وأما نفس السلب، فما عليه من ثياب بدنه والخف والرانين، وما عليه من الات الحرب، كالدرع والمغفر والسلاح، ومركوبه الذي يقاتل عليه، وما عليه من سرج ولجام ومقود وغيرها، وكذا لو كان ممسكا عنانه وهو يقاتل راجلا. وفيما عليه من الزينة، كالطوق، والسوار، والمنطقة، والخاتم، والهميان، وما فيه من النفقة، فقولان. ويقال: وجهان. أحدهما: ليست سلبا، كثيابه وأمتعته المخلفة في خيمته. وأظهرهما: أنها سلب، لانها مسلوبة. والجنيبة التي تقاد بين يديه، فيها هذا الخلاف. وقيل بالمنع. والاصح، أنها سلب، صححه

(5/333)


الروياني وغيره. قال أبو الفرج الزاز: فعلى هذا، لا يستحق إلا جنيبة واحدة، فعلى هذا يبقى النظر إذا قاد جنائب في أن السلب، أيتها، يرجع إلى تعيين الامام، أم يقرع ؟ قلت: تخصيص أبي الفرج بجنيبه فيه نظر. وإذا قيل به، فينبغي أن يختار القاتل جنيبة قتيله، فهذا هو المختار بل الصواب، بخلاف ما أبداه الرافعي. والله أعلم. والحقيبة المشدودة على فرسه، وما فيها من الدراهم والامتعة ليست سلبا على المذهب. وقيل: كالمنطقة. فصل وأما كيفية إخراج السلب، ففي تخميسه قولان. المشهور: لا يخمس. والثاني: يخمس، فيدفع خمسه لاهل الخمس، وباقيه للقاتل، ثم يقسم باقي الغنيمة. فرع لا فرق في استحقاق السلب، بين أن يقتل كافرا مبارزة، وبين أن

(5/334)


ينعمر في صف العدو فيقتله، ولا بين أن يقول الامام: من قتل فله السلب وبين أن لا يقول. الطرف الرابع : في قسمة الغنيمة. من أحكام قسمتها ما يتعلق بهذا الموضع، ومنها ما يتعلق بكتاب السير. فمما يتعلق بهذا الباب، أنه إذا أراد الامام أو أمير الجيش القسمة، بدأ بالسلب فأعطاه للقاتل تفريعا على المشهور أن السلب لا يخمس، ثم يخرج المؤن اللازمة، كأجرة حمال وحافظ وغيرها، ثم يجعل الباقي خمسة أقسام متساوية، ويأخذ خمس رقاع، فيكتب على واحدة: لله تعالى أو للمصالح، وعلى أربع: لغانمين، ويدرجها في بنادق متساوية ويجففها، ويخرج لكل قسم رقعة، فما خرج عليه: سهم الله تعالى، جعله بين أهل الخمس على خمسة أسهم، ومنه يكون النفل على الاصح، ويقسم الباقي على الغانمين، ويقدم القسمة بين الغانمين على قسمة الخمس، لانهم حاضرون محصورون، ومنها يكون الرضخ على الاظهر. وسواء في القسمة، المنقول والعقار، لعموم الآية. ولا تكره قسمة الغنائم في دار الحرب. قلت: هذه العبارة ناقصة، فالصواب أن يقال: يستحب قسمتها في دار الحرب، كما قاله أصحابنا، بل قد ذكر صاحب المهذب وغيره: أنه يكره تأخيرها إلى دار الاسلام من غير عذر. والله أعلم.
فصل فيمن يستحق السهم من شهد الوقعة بنية الجهاد، استحقه، قاتل أو لم يقاتل، إذا كان ممن يسهم له، ويتعلق بهذا الاصل صور. إحداها: من حضر قبل انقضاء القتال، استحق. وإن حضر بعد حيازة المال، فلا وإن حضر بعد انقضائه، وقبل حيازة المال، فقولان. وقيل: وجهان. أظهرهما: لا يستحق. والثاني: بلى. وقيل: إن خيف رجعة الكفار، استحق. وإلا، فلا. ولو أقاموا على حصن وأشرفوا على فتحه، فلحق مدد قبل الفتح، شاركوهم. وإن فتحوا ودخلوا آمنين، ثم جاء المدد، لم يشاركوهم. (الصورة) الثانية: غاب في أثناء القتال منهزما ولم يعد حتى انقضى القتال، فلا حق

(5/335)


له. وإن عاد قبل انقضائه، استحق من المحوز بعد عوده دون المحوز قبل عوده، كذا ذكره البغوي، وقياسه أن يقال فيمن حضر قبل انقضاء القتال: لا حق له في المحوز قبل حضوره. كذا نقله أبو الفرج الزاز عن بعض الاصحاب، وإن كنا أطلقناه في الصورة السابقة. قلت: هذا الذي نقله أبو الفرج متعين، وكلام من أطلقه محمول عليه. والله أعلم. وإن ولى متحرفا لقتال أو متحيزا إلى فئة، استحق على تفصيل مذكور في كتاب السير ومن هرب ثم ادعى أنه كان متحرفا أو متحيزا، قال الغزالي: يصدق بيمينه. وقال البغوي: إن لم يعد إلا بعد انقضاء القتال، لم يصدق، لان الظاهر خلافه. وإن عاد قبله، صدق بيمينه. فإن حلف، استحق من الجميع. وإن نكل، لم يستحق إلا من المحوز بعد عوده. قلت: الذي قاله البغوي أرجح. والله أعلم. (الصورة) الثالثة: مات بعضهم قبل الشروع في القتال، فلا حقله. ولو مات فرسه أو سرق أو عار أو خرج من يده ببيع أو هبة ونحوهما، لم يستحق سهم الفرس. وفيما إذا عار وجه ضعيف. ولو مات رجل بعد انقضاء الحرب وحيازة المال، انتقل حقه إلى ورثته. ولو مات فرسه في هذه الحال، استحق سهم الفرس. ولو مات الرجل بعد انقضاء الحرب وقبل الحيازة، انتقل حقه إلى ورثته على الاصح. ولو مات فرسه في هذا الحال، استحق سهم الفرس على الاصح. ولو مات في أثناء القتال، سقط حقه على المنصوص. ونص في موت الفرس في هذا الحال أنه يستحق سهم الفرس. وللاصحاب طرق. أصحها: تقرير النصين، لان الفارس متبوع، والفارس تابع. وقيل: قولان فيهما. وقيل: إن حيز المال بقتال جديد، فلا استحقاق فيهما. وإن أفضى ذلك القتال إلى الحيازة، استحق فيهما.

(5/336)


(الصورة) الرابعة: إذا شهد الوقعة صحيحا، ثم مرض مرضا لا يمنع القتال، كالحمى الخفيفة والصداع، أو مرضا يرجى زواله، لم يبطل حقه. وإن كان غير ذلك، كالزمانة والفالج، ففي بطلان حقه قولان أو وجهان. أظهرهما: لا يبطل. ولو خرج في الحرب، استحق على المذهب. ثم الاكثرون أطلقوا القول في رجاء الزوال وعدمه. وحكي عن بعض أصحاب الامام أن المعتبر رجاء الزوال قبل انجلاء القتال. وإذا لم يستحق المريض، رضخ له. والمرض بعد انقضاء القتال وقبل حيازة المال، على الخلاف السابق. (الصورة) الخامسة: المخذل للجيش، يمنع الخروج مع الناس وحضور الصف. فإن حضر، لم يعط سهما ولا رضخا. ولا يلحق الفاسق بالمخذل على الصحيح، وقيل: يلحق، لانه لا يؤمن تخذيله. قلت: كذا قطع الجمهور، أن المخذل لا رضخ له. وقال الجرجاني في التحرير: إن حضر بإذن الامام، رضخ له. والله أعلم. فصل بعث الامام أو أمير الجيش سرية إلى دار الحرب وهو مقيم ببلده، فغنمت، لم يشاركها الامام ومن معه من الجيش. قلت: سواء كانت دار الحرب قريبة من الامام، أم لا. حتى لو بعث سرية، وقصد الخروج وراءها، فغنمت السرية قبل خروجه، لم يشاركها وإن قربت دار

(5/337)


الحرب، لان الغنيمة للمجاهدين، وقبل الخروج ليسوا مجاهدين. والله أعلم. ولو بعث سريتين إلى جهتين، لم تشارك إحداهما الاخرى. فلو أو غلتا في ديار الكفار، والتقتا في موضع، اشتركتا فيما غنمتا بعد الاجتماع. ولو بعثهما إلى جهة واحدة، فإن أمر عليهما أميرا واحدا، أو كانت إحداهما قريبة من الاخرى، بحيث تكون كل واحدة عونا للاخرى، اشتركتا، وإلا، فلا. ولو دخل الامام أو الامير دار الحرب، وبعث سرية في ناحية، فغنمت، شاركهم جيش الامام. ولو غنم الجيش، شاركته السرية، لاستظهار كل بالآخر. ولو بعث سريتين إلى جهة، اشترك الجميع فيما يغنم كل منهم. ولو بعثهما إلى جهتين، فكذلك على الصحيح. وقيل: لا شركة بين السريتين هنا. ثم ذكر ابن كج والامام أن شرط الاشتراك أن يكونوا بالقرب مترصدين للنصرة. وحد القرب: أن يبلغهم الغوث والمدد منهم إن احتاجوا، ولم يتعرض أكثر الاصحاب لهذا، واكتفوا باجتماعهم في دار الحرب. قلت: هذا المنقول عن الاكثرين، هو الاصح أو الصحيح. والله أعلم. فعلى الاول، لو كانت إحداهما قريبة، والاخرى بعيدة، اختصت القريبة بالمشاركة. فرع بعث الامام جاسوسا، فغنم الجيش قبل رجوعه، شاركهم على الاصح، وبه قال الداركي، لانه فارقهم لمصلحتهم، وخاطر بما هو أعظم من شهود الوقعة. فصل إذا شهد الاجير مع المستأجر الوقعة، نظر، إن كانت الاجارة لعمل في الذمة بغير تعيين مدة، كخياطة ثوب وبناء حائط، استحق السهم قطعا. وإن تعلقت بمدة معينة، بأن استأجره لسياسة الدواب وحفظ الامتعة شهرا، فنقل الغزالي والبغوي: أنه إن لم يقاتل، فلا سهم له، وإن قاتل فثلاثة أقوؤل. وأطلق المسعودي وآخرون الاقوال من غير فرق بين أن يقاتل، أو لا. وكذلك أطلقها الشافعي رضي الله عنه في المختصر. أظهرها: له السهم، لحضور الوقعة. والثاني: لا. وعلى هذين، يستحق الاجرة بمقتضى الاجارة. والثالث: يخير بين الاجرة والسهم. فإن اختار الاجرة، فلا سهم. وإن اختار السهم، فلا أجرة. قال صاحب

(5/338)


الافصاح: هذا الثالث هو فيما إذا استأجر الامام لسقي الغزاة وحفظ دوابهم من سهم الغزاة من الصدقات، فيخيره الامام إما أجير آحاد الناس، فلا يجئ فيه هذا القول، لان الاجارة لازمة، إلا أن يكون الجاري بينهما صورة جعالة. وقال الاكثرون: يجري القول الثالث في كل أجير، كما أطلقه الشافعي رحمه الله، لان لزوم الاجارة لا يختلف. ثم على الثالث، إذا اختار السهم، ففيما يسقط من الاجرة وجهان. أحدهما: قسطها من وقت دخول دار الحرب. وأصحهما: من وقت شهود الوقعة. وأما وقت تخييره، فنقل في الشامل عن الاصحاب أنهم قالوا: يخير، إما قبل القتال، وإما بعده. فيقال قبله: إن أردت القتال، فاطرح الاجرة، وإن أردت الاجرة فاطرح الجهاد. ويقال بعده: إن كنت قصدت الجهاد، فلا أجرة لك، وإن كنت قصدت الاجرة، فخذها ولا سهم لك. والمراد أنه يحصل الغرض بكل واحد منهما، إلا أنه يخير في الحالتين جميعا. فرع إذا أسهمنا للاجير، فله السلب إذا قتل. وإن لم نسهم، فوجهان. وعلى هذا، يرضخ له على الصحيح كالعبد. وقيل: لا، لانه لم يسهم له، وهو من أهله، بخلاف العبد. فرع هذا المذكور في الاجير لغير الجهاد. فأما الاجير للجهاد، ففي صحة استئجار الذمي والمسلم كلام يأتي في السير إن شاء الله تعالى. فإن صحت الاجارة، فله الاجرة، ولا سهم ولا رضخ، وإلا، فلا أجرة. وفي سهم الغنيمة وجهان. أحدهما: يستحقه، لشهوده الوقعة. والثاني: المنع، وبه قطع البغوي، قاتل، أم لا، لانه أعرض عنه بالاجارة. فصل تجار العسكر وأهل الحرف، كالخياطين، والسراجين، والبزازين، والبقالين، وكل من خرج لغرض تجارة أو معاملة، إذا شهدوا الوقعة، ففي استحقاقهم السهم طرق. المذهب أنهم إن قاتلوا، استحقوا، وإلا، فلا، وهو ظاهر نصه في المختصر. وقيل: بالاستحقاق مطلقا، وهو الاصح عند الروياني، وبالمنع مطلقا. وإذا لم نسهم لهم، فلهم الرضخ على الاصح.

(5/339)


فصل إذا أفلت أسير من الكفار، وشهد الوقعة مع المسلمين، فإن كان من هذا الجيش، استحق السهم، قاتل، أم لا ؟ وإن أسر من جيش آخر، فهل يستحق لشهوده الوقعة، أم لا لعدم قصده الجهاد ؟ قولان. ثم قيل بطرد القولين، قاتل، أم لا. والمذهب والمنصوص في المختصر أنهما إذا لم يقاتل، فإن قاتل، استحق قطعا. هذا إذا أفلت قبل انقضاء الحرب وحيازة الغنيمة. فإن أفلت بعد الحرب وقبل الحيازة، فعلى ما سبق في لحوق المدد. وإن أفلت بعد الحيازة، قال في الشامل: إن قلنا: تملك الغنيمة بالحيازة، فلا سهم له، وإلا، فهو كما لو أفلت قبل الحيازة ولم يقاتل. وإذا لم يسهم له، ففي الرضخ الخلاف السابق. فصل أسلم كافر، والتحق بجيش الاسلام، فشهد الوقعة، يسهم له إن قاتل قطعا، وكذا إن لم يقاتل على الصحيح، لانه قصد إعلاء كلمة الاسلام، وشهد الوقعة. وفي الرقم للعبادي: أنه لا يستحق. فصل سبق أن الغنيمة يبدأ منها بالسلب والمؤن، ثم يقسم الباقي خمسة أقسام، ويجعل أربعة أخماسها للغانمين، فيسوى بينهم في ذلك، ولا يفضل بعضهم إلا بشيئين. أحدهما: النقصان المقتضي للرضخ، تفريعا على الاظهر: أنه من أربعة أخماسها. والثاني: أن الفارس يفضل على الراجل، فيعطى الفارس ثلاثة أسهم، سهمين لفرسه، وسهما له، ويعطى الراجل سهما. ويتعلق بهذا الاصل مسائل. إحداها: راكب البعير، والفيل، والحمار، والبغل، لا يلحق بالفارس، لكن يعطى الراكب سهمه، ويرضخ لهذه الدواب، ويكون رضخ الفيل أكثر من رضخ البغل، ورضخ البغل أكثر من رضخ الحمار، ولا يبلغ رضخها سهم فرس، ويرضخ (المسألة) الثانية: سواء للصبي والذمي الفارسين أكثر مما يرضخ لو كانا راجلين في الخيل العتيق، وهو الذي أبواه عربيان، والبرذون، وهو

(5/340)


الذي أبواه أعجميان، والهجين، وهو الذي أبوه عربي وأمه عجمية، والمقرف، وهو الذي أبوه عجمي وأمه عربية، لان الكر والفر يقع منها كلها، ولا يضر تفاوتها، كالرجال. وقي قول شاذ: لا يسهم للبرذون، بل يرضخ له. (المسألة) الثالثة: ليتعهد الامام الخيل إذا أراد دخول دار الحرب، فلا يدخل إلا فرسا شديدا، ولا يدخل حطما، وهو الكسير، ولا قحما، وهو الهرم، ولا ضرعا، وهو الصغير الضعيف، ولا أعجف رازحا. والاعجف: المهزول. والرازح: هو بين الهزال. قلت: القحم، بفتح القاف وإسكان الحاء المهملة، والضرع، بفتح الضاد المعجمة وفتح الراء أيضا، والرازح، بالراء وبعد الالف زاي مكسورة ثم حاء مهملة، وضبطت هذه الالفاظ، لانها في كلام الشافعي فلو وكتب الاصحاب رحمهم الله، ورأيت من صحفها فأردت السلامة. والله أعلم أدخل بعضهم شيئا منها، نظر إن نهى الامام عن إدخاله وبلغه النهي، لم يسهم لفرسه، وإن لم ينه، أو لم يبلغه النهي، فقولان. أحدهما: يسهم له كالشيخ الضعيف. وأظهرهما: لا، لانه لا فائدة فيه، بل هو كل، بخلاف الشيخ فإنه ينتفع برأيه ودعائه. وقال الشيخ أبو إسحق: لا خلاف في المسألة، بل القول الاول محمول على ما إذا أمكن القتال عليه، والثاني إذا لم يمكن. (المسألة) الرابعة: من حضر بفرسين، لم يسهم إلا لواحد على المذهب، وبه قطع الجمهور. وحكى بعضهم قولا أنه يسهم لفرسين ولا يزاد. (المسألة) الخامسة: يسهم للفرس المستعار والمستأجر، فيكون السهم للمستعير والمستأجر. وحكي وجه: أنه للمعير. وأما الفرس المغصوب. فالمذهب أنه يسهم له، ويكون سهمه للغاصب. وقيل: للمغصوب منه. وقيل: لا يسهم له، لان

(5/341)


إحضاره حرام، فهو كالمعدوم. (المسألة) السادسة: إذا كان القتال في ماء أو حصن وقد أحضر فرسه، أسهم لفرسه، لانه قد يحتاج إلى الركوب، نص عليه، وحمله ابن كج على ما إذا كانوا بالقرب من الساحل، واحتمل أنه يخرج ويركب. فإن لم يحتمل الحال الخروج، فلا معنى لاعطاء سهم الفرس. (المسألة) السابعة: حضر اثنان بفرس مشترك بينهما، فهل يعطى كل منهما سهم فرس، لان معه فرسا قد يركبه، أم يعطيان سهم فرس واحد مناصفة، أم لا يعطيان للفرس شيئا لانه لم يحضر واحد منهما بفرس تام ؟ فيه أوجه. قلت: لعل الاصح المناصفة. والله أعلم. ولو ركب اثنان فرسا، وشهدا الوقعة، فهل لهما سنة أسهم لانهما فارسان ؟ أم سهمان لانهما راجلان لتعذر الكر والفر ؟ أم أربعة أسهم، سهمان لهما وسهمان للفرس ؟ فيه ثلاثة أوجه، وبالله التوفيق. قلت: اختار ابن كج في التجريد وجها رابعا حسنا أنه إن كان فيه قوة الكر والفر مع ركوبهما، فأربعة أسهم، وإلا، فسهمان. ومن مسائل الباب: لو دخل دار الحرب راجلا، ثم حصل فرسا ببيع أو إعارة أو غيرهما، وحضر به الحرب، أسهم له. قال صاحب العدة: ولو حضر فارسا، فضاع فرسه، فأخذه رجل وقاتل عليه، فأسهم المقاتل له وللفرس، كان سهما الفرس لمالكه، لانه شهد الوقعة وفرسه حاضر ولم يوجد منه اختيار إزالة يد، فصار كما لو كان معه ولم يقاتل عليه، ويفارق المغصوب حيث قلنا: سهم الفرس للغاصب على المذهب، لان المالك لم يشهد الوقعة. ومنها: الاعمى، والزمن، ومقطوع اليدين والرجلين، المذهب: أنه لا يسهم لهم، لكن يرضخ. وحكى الجرجاني في استحقاقهم السهم قولين.

(5/342)


ولو شرط الامام للجيش أن لا يخمس عليهم، فشرطه باطل، ويجب تخميس ما غنموا، وسواء شرط ذلك لضرورة، أم لا. وحكى ابن كج وجها أنه إن شرطه لضرورة، لم يخمس، وهذا شاذ باطل. ولو غزت طائفة بغير إذن الامام فغنمت، خمس على المذهب، وبه قطع الجمهور. وحكى ابن كج وجها: أنه لا يخمس، وهو باطل. ولو كان معه فرس فلم يركبه ولم يعلم به، قال ابن كج: لم يسهم له بلا خلاف. قال: ولو علم به ولم يركبه بحال، فلا سهم له. قال: وعندي يسهم له إذا كان يمكنه ركوبه ولم يحتج إليه. والله أعلم.

(5/343)