روضة الطالبين وعمدة المفتين ط العلمية

روضة الطالبين - كتاب النكاح
وفيه أبواب.
الباب الأول : في خصائص رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في النكاح وغيره.
قال الائمة: هي أربعة أضرب. أحدها: ما اختص به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الواجبات، والحكمة فيه زيادة الزلفى والدرجات، فلن يتقرب المتقربون إلى الله تعالى بمثل أداء ما افترض

(5/344)


عليهم. قلت: قال إمام الحرمين هنا: قال بعض علمائنا: الفريضة يزيد ثوابها على ثواب النافلة بسبعين درجة، واستأنسوا فيه بحديث. والله أعلم. فمن ذلك، صلاة الضحى، ومنه الاضحية، والوتر، والتهجد،

(5/345)


والسواك، والمشاورة على الصحيح في الخمسة. والارجح: أن الوتر غير التهجد. قلت: جمهور الاصحاب، على أن التهجد كان واجبا عليه - صلى الله عليه وسلم -. قال القفال: وهو أن يصلي في الليل وإن قل.

(5/346)


وحكى الشيخ أبو حامد: أن الشافعي رحمه الله نص على أنه نسخ وجوبه في حقه - صلى الله عليه وسلم -، كما نسخ في حق غيره، وهذا هو الاصح أو الصحيح. وفي صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها ما يدل عليه. والله أعلم. وكان عليه - صلى الله عليه وسلم -، إذا رأى منكرا أن يغيره، لان الله تعالى وعده بالعصمة. قلت: قد يقال: هذا ليس من الخصائص، بل كل مكلف تمكن من إزالته، لزمه تغييره، ويجاب عنه بأن المراد أنه لا يسقط عنه للخوف، فإنه معصوم، بخلاف غيره. والله أعلم. وكان عليه - صلى الله عليه وسلم -، مصابرة العدو وإن كثر عددهم. وكان عليه - صلى الله عليه وسلم -، قضاء دين من مات من المسلمين معسرا. وقيل: كان يقضيه تكرما. وفي وجوب قضاء دين المعسر على الامام من مال المصالح، وجهان.

(5/347)


وقيل: كان يجب عليه - صلى الله عليه وسلم - إذا رأى شيئا يعجبه أن يقول: لبيك إن العيش عيش الآخرة. وأما في النكاح، فأوجب الله سبحانه وتعالى عليه - صلى الله عليه وسلم - تخيير نسائه بين مفارقته واختياره. وحكى الحناطي وجها أن هذا التخيير كان مستحبا، والصحيح الاول. ولما خيرهن، اخترنه والدار الآخرة، فحرم الله تعالى عليه - صلى الله عليه وسلم - التزويج عليهن والتبدل بهن مكافأة لهن على حسن صنيعهن، فقال تعالى: * (لا يحل لك النساء من بعد ولا أن تبدل بهن من أزواج) * ثم نسخ ذلك لتكون المنة لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - بترك التزويج عليهن، بقوله تعالى: * (إنا أحللنا لك أزواجك اللاتي آتيت أجورهن) * وهل حرم عليه - صلى الله عليه وسلم - طلاقهن بعدما اخترنه ؟ فيه أوجه. أصحهما: لا، والثاني: نعم. والثالث: يحرم عقيب اختيارهن، ولا يحرم إن انفصل. ولو فرض أن واحدة منهن اختارت الدنيا، فهل كان يحصل الفراق بنفس الاختيار ؟ وجهان. أصحهما: لا. وهل كان جوابهن مشروطا بالفور ؟ وجهان. أصحهما: لا. فإن قلنا بالفور، فهل كان يمتد بامتداد المجلس، أم المعتبر ما يعد جوابا في العرف ؟ وجهان. وهل كان قولها: اخترت نفسي، صريحا في الفراق ؟ فيه وجهان. وهل كان يحل له - صلى الله عليه وسلم - التزويج بها بعد الفراق ؟ وجهان. الضرب الثاني: ما اختص به من المحرمات، وهي قسمان. أحدهما: المحرمات في غير النكاح، فمنها الزكاة، وكذا الصدقة على الاظهر. وأما الاكل متكئا، وأكل الثوم والبصل والكراث، فكانت مكروهة له

(5/348)


- صلى الله عليه وسلم - على الاصح. وقيل: محرمة. ومما عد من المحرمات، الخط والشعر، وإنما يتجه القول بتحريمها ممن يقول: إنه - صلى الله عليه وسلم - كان يحسنهما. وقد اختلف فيه، فقيل: كان يحسنهما لكنه يمتنع منهما، والاصح أنه كان لا يحسنهما. قلت: ولا يمتنع تحريمهما وإن لم يحسنهما. والمراد تحريم التوصل إليهما. والله أعلم. وكان يحرم عليه - صلى الله عليه وسلم -، إذا لبس لامته أن ينزعها حتى يلقى العدو ويقاتل،

(5/349)


وقيل: كان مكروها لا محرما. والصحيح الاول. وقيل: بناء عليه أنه كان لا يبتدئ تطوعا إلا لزمه إتمامه. وكان يحرم عليه - صلى الله عليه وسلم - مد العين إلى ما متع به الناس، ويحرم عليه خائنة الاعين، وهي الايماء إلى مباح من قتل أو ضرب، على خلاف ما يظهره ويشعر به الحال. وقال صاحب التلخيص: ولم يكن له أن يخدع في الحرب، وخالفه الجمهور. وفي الجرجانيات ذكر وجهين، في أنه هل كان يجوز له أن يصلي على من عليه دين ؟ وهل كان يجوز أ يصلي مع وجود الضامن ؟ قلت: الصواب الجزم بجوازه مع الضامن، ثم نسخ التحريم، فكان - صلى الله عليه وسلم - بعد ذلك يصلي على من عليه دين ولا ضامن له، ويوفيه من عنده. والاحاديث الصحيحة مصرحة بما ذكرته. والله أعلم. القسم الثاني: المحرمات المتعلقة بالنكاح. فمنها: إمساك من كرهت نكاحه على الصحيح. وقيل: إنما كان يفارقها تكرما. ومنها: نكاح الكتابية على الاصح، وبه قال ابن سريج والقاضي أبو حامد

(5/350)


والاصطخري. وقال أبو إسحق: ليس بحرام، ويجري الوجهان في التسري بالامة الكتابية ونكاح الامة المسلمة، لكن الاصح في التسري بالكتابية، الحل. وفي نكاح المسلمة، التحريم. قالوا: ولو قدر نكاح أمة، كان ولده منها حرا على الصحيح مع تجويزنا جريان الرق على العرب. وفي لزوم قيمة هذا الولد وجهان. قال أبو عاصم: نعم. وقال القاضي حسين: لا، بخلاف ولد المغرور بحرية أمه، لانه فوت الرق بظنه، وهنا الرق متعذر. وأما الامة الكتابية، فكان نكاحها محرما عليه على المذهب. وطرد الحناطي فيه الوجهين. الضرب الثالث: التخفيفات والمباحات. وما أبيح له - صلى الله عليه وسلم - دون غيره قسمان. أحدهما: متعلق بغير النكاح، فمنه الوصال في الصوم، واصطفاء ما يختاره من الغنيمة قبل القسمة من جارية وغيرها، ويقال لذلك المختار: الصفي والصفية، والجمع: الصفايا. ومنه، خمس خمس الفئ والغنيمة، وأربعة أخماس الفئ، ودخول مكة بغير إحرام، نقله صاحب التلخيص وغيره. ومنه، أنه لا يورث ماله. ثم حكى الامام وجهين. أحدهما: أن ما تركه باق على ملكه، ينفق منه على أهله كما كان ينفق في حياته. قال: وهذا هو الصحيح. والثاني: أن سبيل ما خلفه سبيل الصدقات، وبهذا قطع أبو العباس الروياني في الجرجانيات. ثم حكى وجهين في أنه هل يصير وقفا على ورثته ؟ وأنه إذا صار وقفا، هل هو للواقف لقوله - صلى الله عليه وسلم -: ما تركنا صدقة ؟ وجهان. قلت: كل هذا ضعيف، والصواب الجزم بأنه زال ملكه - صلى الله عليه وسلم -، وأن ما تركه فهو صدقة على المسلمين لا يختص به الورثة. وكيف يصح غير ما ذكرته مع قول - صلى الله عليه وسلم -:

(5/351)


لا نورث ما تركناه فهو صدقة ؟ فهذا نص على زوال الملك. والله أعلم. وهذه الخصلة، عدها الغزالي من هذا الضرب، وعدها الاكثرون من الضرب الرابع. ومنه، أنه - صلى الله عليه وسلم - كان له أن يقضي بعلمه، وفي غيره خلاف. وأن يحكم لنفسه ولولده على المذهب، وأن يشهد لنفسه ولولده، وأن يقبل شهادة من يشهد له، وأن يحمي الموات لنفسه، وأن يأخذ الطعام والشراب من مالكهما المحتاج إليهمد إذا احتاج إليهما، وعلى صاحبهما البذل، ويفدي بمهجته مهجة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قال الله تعالى: * (النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم) *. قلت: ومثله ما ذكره الفوراني وابراهيم المروذي وغيرهما، أنه لو قصده ظالم، وجب على من حضره أن يبذل نفسه دونه - صلى الله عليه وسلم -. والله أعلم. وكان لا ينتقض وضوؤه - صلى الله عليه وسلم - بالنوم مضطجعا، وحكى أبو العباس فيه وجها غريبا ضعيفا، وحكى وجهين فيانتقاض طهره باللمس. قلت: المذهب الجزم بانتقاضه باللمس. والله أعلم. وحكى أيضا صاحب التلخيص: أنه كان يحل له - صلى الله عليه وسلم - دخول المسجد جنبا، ولم يسلمه القفال له، بل قال: لا أظنه صحيحا. قلت: هذا الذي قاله صاحب التلخيص، قد يحتج له بما رواه الترمذي عن عطية عن أبي سعيد (الخدري) رضي الله عنه قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم - يا علي لا يحل لاحد يجنب في هذا المسجد غيري وغيرك قال الترمذي: حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه. قال الترمذي: قال ضرار بن صرد،

(5/352)


معناه: لا يحل لاحد يستطرقه جنبا غيري وغيرك، وهذا التأويل الذي قاله ضرار، غير مقبول وقال إمام الحرمين: هذا الذي قاله صاحب التلخيص هو لا يدرى من أين قاله، وإلى أي أصل أسنده. قال: فالوجه: القطع بتخطئته، وهذا كلام من لم يعلم الحديث المذكور، لكن قد يقدح قادح في الحديث بسبب عطية، فإنه ضعيف عند جمهور المحدثين، لكن قد حسنه الترمذي، فلعله اعتضد بما اقتضى حسنه كما نقرر لاهل هذا الفن، فظهر ترجيح قول صاحب التلخيص. واعلم أن معظم هذه المباحات، لم يفعلها - صلى الله عليه وسلم - وإن كانت مباحة له. القسم الثاني: المتعلق بالنكاح، فمنه الزيادة على أربع نسوة. والاصح أنه لم يكن منحصرا في تسع، وقطع بعضهم بهذا، وينحصر طلاقه - صلى الله عليه وسلم - في الثلاث، وينعقد نكاحه - بلفظ الهبة - - صلى الله عليه وسلم - على الاصح فيهما. وإذا انعقد بلفظ الهبة، لم يجب مهر بالعقد ولا بالدخول، ويشترط لفظ النكاح من جهته - صلى الله عليه وسلم - على الاصح. قال الاصحاب: وينعقد نكاحه - صلى الله عليه وسلم - بمعنى الهبة، حتى لا يجب المهر ابتداء ولا انتهاء، وفي المجرد للحناطي وغيره وجه غريب: أنه يجب المهر. ومنه، أنه - صلى الله عليه وسلم - لو رغب في نكاح امرأة، فإن كانت خلية، لزمها الاجابة على الصحيح، ويحرم على

(5/353)


غيره خطبتها. وإن كانت مزوجة، وجب على زوجها طلاقها لينكحها على الصحيح. ومنه انعقاد نكاحه - صلى الله عليه وسلم - بغير ولي ولا شهود، وفي حال الاحرام على الاصح في الجميع. وفي وجوب القسم بين زوجاته، وجهان. قال الاصطخري: لا. والاصح عند الشيخ أبي حامد والعراقيين والبغوي: الوجوب، وأكثر هذه المسائل وأخواتها، تتخرج على أصل اختلف فيه الاصحاب، وهو أن النكاح في حقه - صلى الله عليه وسلم -، هل هو كالتسري في حقنا ؟ إن قلنا: نعم، لم ينحصر عدد المنكوحات والطلاق، وانعقد بالهبة ومعناها، وبلا ولي وشهود، وفي الاحرام، ولم يجب القسم، وإلا انعكس الحكم. وكان له - صلى الله عليه وسلم - تزويج المرأة ممن شاء بغير إذنها ولا إذن وليها، وتزوجها لنفسه، وتولي الطرفين بغير إذنها ولا إذن وليها. قال الحناطي: ويحتمل أنه إنما كان يحل بإذنها، وكان يحل له نكاح المعتدة على أحد الوجهين. قلت: هذا الوجه حكاه البغوي، وهو غلط لم يذكره جمهور الاصحاب، وغلطوا من ذكره. بل الصواب القطع بامتناع نكاح المعتدة من غيره. والله أعلم. وهل كان يلزمه نفقة زوجاته ؟ فيه وجهان بناء على المهر. قلت: الصحيح الوجوب. والله أعلم. وكانت المرأة تحل له - صلى الله عليه وسلم - بتزويج الله تعالى، لقوله في قصة زينب امرأة

(5/354)


زيد: * (فلما قضى زيد منها وطرا زوجناكها) * وقيل: بل نكحها بنفسه. ومعنى الآية: أحللنا لك نكاحها. وهل كان يحل له الجمع يبن امرأة وعمتها أو خالتها ؟ وجهان باء على أن المخاطب هل يدخل في الخطاب ؟ ولم يكن يحل الجمع بينها وبين أختها وأمها وبنتها على المذهب. وحكى الحناطي فيه وجهين. وأعتق - صلى الله عليه وسلم - صفية وتزوجها، وجعل عتقها صداقها. فقيل: معناه: أعتقها وشرط أن ينكحها، فلزمها الوفاء، بخلاف غيره. وقيل: جعل نفس العتق صداقا، وجاز ذلك، بخلاف غيره. قلت: وقيل: معناه: أعتقها بلا عوض، وتزوجها بلا مهر لا في الحال ولا في ما بعد، وهذا أصح. والله أعلم. الضرب الرابع: ما اختص به - صلى الله عليه وسلم - من الفضائل والاكرام، فمنه أن زوجاته اللاتي توفي عنهن - رضي الله عنهن - محرمات على غيره أبدا، وفيمن فارقها في الحياة أوجه. قال ابن أبي هريرة: يحرم، وهو المنصوص في أحكام القرآن، لقول الله تعالى: * (وأزواجه أمهاتهم) *. والثاني، يحل. والثالث: يحرم الدخول بها فقط. قال الشيخ أبو حامد: هو الصحيح. قلت: الاول أرجح. والله أعلم. فإن حرمنا، ففي أمة يفارقها بالموت أو غيره بعد وطئها وجهان.

(5/355)


ولو فرض أن بعض المخيرات اختارت الفراق، ففي حلها لغيره طريقان. قال العراقيون: فيها الاوجه، وقطع أبو يعقوب الابيوردي وآخرون بالحل، لتحصل فائدة التخيير، وهو التمكن من زينة الدنيا، وهذا اختيار الامام، والغزالي. ومنه، أن أزواجه أمهات المؤمنين، سواء من ماتت تحته - صلى الله عليه وسلم -، ومن مات عنها وهي تحته، وذلك في تحريم نكاحهن ووجوب احترامهن وطاعتهن، لا في النظر والخلوة، ولا يقال: بناتهن أخوات المؤمنين، ولا آباؤهن وأمهاتهن أجداد وجدات المؤمنين، ولا إخوتهن وأخواتهن أخوال المؤمنين وخالاتهم. وحكى أبو الفرج الزاز وجها أنه يطلق إسم الاخوة على بناتهن، وإسم الخؤولة على إخوتهن وأخواتهن، لثبوت حرمة الامومة لهن، وهذا ظاهر لفظ المختصر. قلت: قال البغوي: كن أمهات المؤمنين من الرجال دون النساء، روي ذلك عن عائشة رضي الله عنها، وهذا جار على الصحيح عند أصحابنا وغيرهم من أهل الاصول، أن النساء لا يدخلن في خطاب الرجال. وحكى الماوردي في تفسيره خلافا في كونهن أمهات المؤمنات، وهو خارج على مذهب من أذخلهن في خطاب الرجال. قال البغوي: وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - أبا للرجال والنساء جميعا. وقال الواحدي من أصحابنا: قال بعض أصحابنا: لا يجوز أن يقال: هو أبو المؤمنين، لقول الله تعالى: * (ما كان محمد أبا أحد من رجالكم) * قال: نص الشافعي على أنه يجوز أن يقال: هو أبو المؤمنين، أي: في الحرمة. ومعنى الآية: ليس أحد من رجالكم ولد صلبه. والله أعلم. ومنه، تفضيل زوجاته على سائر النساء، وجعل ثوابهن وعقابهن مضاعفا،

(5/356)


ولا يحل أن يسألهن أحد شيئا إلا من وراء حجاب، ويجوز أن يسأل غيرهن مشافهة. قلت: وأفضل زوجاته - صلى الله عليه وسلم -، خديجة، وعائشة رضي الله عنهما قال المتولي: واختلفوا أيتهما أفضل. والله أعلم. ومنه، في غير النكاح، أنه خاتم النبيين، صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، وأمته خير الامم، وشريعته مؤبدة وناسخة لجميع الشرائع، وكتابه معجز محفوظ عن التحريف والتبديل، وأقيم بعده حجة على الناس، ومعجزات سائر الانبياء انقرضت، ونصر بالرعب مسيرة شهر، وجعلت له الارض مسجدا، وترابها طهورا، وأحلت له الغنائم، ويشفع في أهل الكبائر. قلت: هذه العبارة ناقصة أو باطلة، فإن شفاعته - صلى الله عليه وسلم - التي اختص بها ليست الشفاعة في مطلق أهل الكبائر، فإن لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - في القيامة شفاعات خمسا. أولاهن: الشفاعة العظمى في الفصل بين أهل الموقف حين يفزعون إليه بعد الانبياء،. كما ثبت في الحديث الصحيح، حديث الشفاعة. والثانية: في جماعة، فيدخلون الجنة بغير حساب. والثالثة: في ناس استحقوا دخول النار فلا يدخلونها. والرابعة: في ناس دخلوا النار، فيخرجون. والخامسة: في رفع درجات ناس في الجنة، وقد أوضحت ذلك (كله) في كتاب الايمان من أول شرح صحيح مسلم رحمه الله، والشفاعة المختصة به - صلى الله عليه وسلم -، هي الاولى والثانية، ويجوز أن تكون الثالثة والخامسة أيضا. والله أعلم.

(5/357)


وبعث - صلى الله عليه وسلم - إلى الناس كافة، وهو سيد ولد آدم، وأول من تنشق عنه الارض، وأول شافع ومشفع، وأول من يقرع باب الجنة، وهو أكثر الانبياء أتباعا، وأمته معصومة لا تجتمع على ضلالة، وصفوفهم كصفوف الملائكة. وكان لا ينام قلبه، ويرى من وراء ظهره كما يرى من قدامه، وتطوعه بالصلاة قاعدا كتطوعه قائما وإن لم يكن عذر، وفي حق غيره ثواب القاعد النصف. قلت: هذا قد قاله صاحب التلخيص، وتابعه البغوي، وأنكره القفال، وقال: لا يعرف هذا، بل هو كغيره، والمختار الاول، لحديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: أتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فوجدته يصلي جالسا، فقلت: حدثت يا رسول الله أنك قلت: صلاة الرجل قاعدا على نصف الصلاة وأنت تصلي قاعدا: قال: أجل ولكني لست كأحدكم رواه مسلم في صحيحه. والله أعلم. ويخاطبه - صلى الله عليه وسلم - المصلي بقوله: السلام عليك أيها النبي ورحمة الله، ولا يخاطب سائر الناس، ولا يجوز لاحد رفع صوته فوق صوته، ولا أن يناديه من وراء

(5/358)


الحجرات، ولا أن يناديه باسمه فيقول: يا محمد، بل يقول: يا رسول الله، يا نبي الله، ويجب على المصلي إذا دعاه، أن يجيبه، ولا تبطل صلاته. وحكى أبو العباس الروياني وجها أنه لا يجب، وتبطل به الصلاة، وكان يتبرك ويستشفى ببوله ودمه، ومن زنا بحضرته أو استهان به، كفر. قلت: في الزنا، نظر. والله أعلم. وأولاد بناته ينسبون إليه، وأولاد بنات غيره، لا ينسبون إليه في الكفاءة وغيرها. قلت: كذا قال صاحب التلخيص وأنكره القفال وقال: لا اختصاص في انتساب أولاد البنات. والله أعلم. وقال - صلى الله عليه وسلم -: كل سبي ونسب منقطع يوم القيامة، إلا سبيي ونسبي قيل: معناه: أن أمته ينتسبون إليه يوم القيامة، وأمم سائر الانبياء لا ينسبون إليهم. وقيل: ينتفع يومئذ بالنسبة إليه، ولا ينتفع بسائر الانساب. وقال - صلى الله عليه وسلم - تسموا باسمي، ولا تكتنوا بكنيتي وقال الشافعي رضي الله عنه: ليس لاحد أن يكتني بأبي القاسم، سواء كان اسمه محمدا، أم لا، ومنهم من حمله على كراهة الجمع بين الاسم والكنية، وجوز الافراد، ويشبه أن يكون هذا أصح، لان الناس ما زالوا يكتنون به في جميع الاعصار من غير إنكار.

(5/359)


قلت: هذا الذي تأوله الرافعي واستبدل به فيهما، ضعيف، وهذه المسألة فيها ثلاثة مذاهب. أحدها: مذهب الشافعي، وهو ما ذكره. والثاني: مذهب مالك: أنه يجوز التكني بأبي القاسم لمن إسمه محمد ولغيره. والثالث: يجوز لمن إسمه محمد دون غيره. ومن جوز مطلقا، جعل النهي مختصا بحياة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وقد يستدل له بما ثبت في الحديث من سبب النهي، وأن اليهود تكنوا به، وكانوا ينادون: يا أبا القاسم، فإذا التفت النبي - صلى الله عليه وسلم - قالوا: لم نعنك، إظهارا للايذاء، وقد زال ذلك المعنى، وهذا المذهب أقرب، وقد أوضحته مع ما يتعلق به في كتاب الاذكار وكتاب الاسماء. وما يتعلق بهذا الضرب، أن شعره - صلى الله عليه وسلم - طاهر على المذهب وإن نجسنا شعر غيره، وأن بوله ودمه وسائر فضلاته، طاهرة على أحد الوجهين كما سبق، وأن الهدية له حلال، بخلاف غيره من الحكام وولاة الامور من رعاياهم. وأعطي جوامع الكلم. ومن خصائصه - صلى الله عليه وسلم -، ما ذكره صاحب التلخيص والقفال قالا: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يؤخذ عن الدنيا عند تلقي الوحي، ولا تسقط عنه الصلاة ولا غيرها. وفاته - صلى الله عليه وسلم - ركعتان بعد الظهر، فقضاهما بعد العصر، ثم واظب عليهما بعد العصر.

(5/360)


وفي اختصاصه بهذه المداومة، وجهان. أصحهما: الاختصاص. ومنها: أنه لا يجوز الجنون على الانبياء، بخلاف الاغماء. واختلفوا في جواز الاحتلام، والاشهر امتناعه. ومنها، أنه من رآه - صلى الله عليه وسلم - في المنام فقد رآه حقا. وأن الشيطان لا يتمثل في صورته، ولكن لا يعمل بما يسمعه الرائي منه في المنام مما يتعلق بالاحكام، لعدم ضبط الرائي، لا للشك في الرؤية، فإن الخبر لا يقبل إلا من ضابط مكلف، والنائم بخلافه.

(5/361)


ومنها، أن الارض لا تأكل لحوم الانبياء، للحديث الصحيح في ذلك. ومنها قوله - صلى الله عليه وسلم - في الحديث: إن كذبا علي ليس ككذب على أحد. فالكذب عمدا عليه من الكبائر، ولا يكفر فاعله على الصحيح وقول الجمهور. وقال الشيخ أبو محمد: هو كفر. ولنختم الباب بكلامين. أحدهما: قال إمام الحرمين: قال المحققون: ذكر الاختلاف في مسائل الخصائص خبط غير مفيد، فإنه لا يتعلق به حكم ناجز تمس إليه حاجة، وإنما يجري الخلاف فيا لا نجد بدا من إثبات حكم فيه، فإن الاقيسة لا مجال لها، والاحكام الخاصة تتبع فيها النصوص، وما لا نص فيه، فتقدير اختيار فيه، هجوم على الغيب من غير فائدة. والكلام الثاني: قال الصيمري: منع أبو علي بن خيران الكلام في الخصائص، لانه أمر انقضى، فلا معنى للكلام فيه. وقال سائر أصحابنا: لا بأس به، وهو الصحيح، لما فيه من زيادة العلم، فهذا كلام الاصحاب، والصواب الجزم بجواز ذلك، بل باستحبابه. بل لو قيل بوجوبه، لم يكن بعيدا، لانه ربما رأى جاهل بعض الخصائص ثابتة في الحديث الصحيح فعمل به أخذا بأصل التأسي، فوجب بيانها لتعرف فلا يعمل بها، وأي فائدة أهم من هذه ؟ وأما ما يقع في ضمن الخصائص مما لا فائد فيه اليوم، فقليل لا تخلو أبواب

(5/362)


الفقه عن مثله للتدرب ومعرفة الادلة وتحقيق الشئ على ما هو عليه. والله أعلم.
الباب الثاني : في مقدمات النكاح وفيه فصول.
الفصل الأول : فيمن يستحب له النكاح. الناس ضربان، تائق إلى النكاح، وغيره. فالتائق، إن وجد أهبة النكاح، استحب له، سواء كان مقبلا على العبادة، أم لا. وإن لم يجدها، فالاولى أن لا يتزوج ويكسر شهوته بالصوم، فإن لم تنكسر به، لم يكسرها بالكافور ونحوه، بل يتزوج. وأما غير التائق، فإن لم يجد أهبة، أو كان به مرض أو عجز، بجب أو تعنين أو كبر، كره له النكاح لما فيه من التزام ما لا يقدر على القيام به من غير حاجة. وإن وجد الاهبة، ولم يكن به علة، لم يكره له النكاح، لكن التخلي للعبادة أفضل. فإن لم يكن مشتغلا بالعبادة، فوجهان حكاهما ابن القطان وغيره، وأصحهما: النكاح أفضل كيلا تفضي به البطالة والفراغ إلى الفواحش. والثاني: تركه أفضل، ما فيه من الخطر بالقيام بواجبه. وحكي وجه: أن النكاح أفضل من التخلي للعبادة. وفي شرح مختصر الجويني وجه: أنه إن خاف الزنا، وجب عليه النكاح.

(5/363)


وقال القاضي أبو سعد الهروي: ذهب بعض أصحابنا بالعراق، إلى أن النكاح فرض كفاية، حتى لو امتنع منه أهل قطر، أجبروا عليه. قلت: الوجه المحكي عن شرح الجويني، لا يحتم النكاح، بل يخير بينه وبين التسري، ومعناه ظاهر. والله أعلم.
الفصل الثاني : إذا أراد النكاح، فالبكر أولى من الثيب إذا لم يكن عذر،

(5/364)


والولود أولى، والنسيبة أولى، والتي ليست بقرابة قريبة أولى، وذات الدين أولى. قلت: وبعد الدين، ذات الجمال والعقل أولى، وقرابته غير القريبة أولى من الاجنبية، والمستحب أن لا يزيد على امرأة من غير حاجة ظاهرة، ويستحب أن لا يتزوج من معها ولد من غيره لغير مصلحة، قاله المتولي. وإنما قيدت لغير المصلحة، لان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تزوج أم سلمة رضي الله عنها ومعها ولد أبي سلمة رضي الله عنهم. قال أصحابنا: ويستحب أن يتزوج في شوال، للحديث الصحيح عن عائشة رضي الله عنها (في ذلك). والمستحب، أن لا يتزوجها إلا بعد بلوغها، نص عليه الشافعي رضي الله عنه، وهذا إذا لم يكن حاجة أو مصلحة. والله أعلم. فرع إذا رغب في نكاحها، استحب أن ينظر إليها لئلا يندم. وفي وجه: لا يستحب هذا النظر، بل هو مباح. والصحيح الاول، للاحاديث. ويجوز تكرير هذا النظر ليتبين هيئتها، وسواء النظر بإذنها وبغير إذنها. فإن لم يتيسر النظر، بعث امرأة تتأملها وتصفها له، والمرأة أيضا تنظر إلى الرجل إذا أرادت

(5/365)


تزوجه، فإنه يعجبها منه ما يعجبه منها، ثم المنظور إليه الوجه والكفان ظهرا وبطنا، ولا ينظر إلى غير ذلك. وحكى الحناطي وجهين في المفصل الذي بين الكف والمعصم. وفي شرح مختصر الجويني وجه: أنه ينظر إليها نظر الرجل إلى الرجل. والصحيح الاول. قال الامام: ويباح هذا النظر وإن خاف الفتنة لغرض التزوج، ووقت هذا النظر، بعد العزم على نكاحها، وقبل الخطبة، لئلا يتركها بعد الخطبة فيؤذيها، هذا هو الصحيح. وقيل: ينظر حين تأذن في عقد النكاح. وقيل: عند ركون كل واحد منهما إلى صاحبه، وذلك حين تحرم الخطبة على الخطبة. قلت: وإذا نظر فلم تعجبه، فليسكت، ولا يقل: لا أريدها، لانه إيذاء. والله أعلم.
الفصل الثالث : في أحكام النظر. جرت العادة بذكره هنا، وله حالان. أحدهما: آن لا تمس الحاجة إليه. والثاني: أن تمس. والحال الاول: أربعة أضرب، نظر الرجل إلى المرأة، وعكسه، والرجل إلى الرجل، والمرأة إلى المرأة. الضرب الاول: نظر الرجل إلى المرأة، فيحرم نظره إلى عورتها مطلقا، وإلى وجهها وكفيها إن خاف فتنة. وإن لم يخف، فوجهان، قال أكثر الاصحاب لا سيما المتقدمون: لا يحرم، لقول الله تعالى: * (ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها) * وهو مفسر بالوجه والكفين، لكن يكره، قاله الشيخ أبو حامد وغيره. والثاني: يحرم، قاله الاصطخري وأبو علي الطبري، واختاره الشيخ أبو محمد، والامام، وبه قطع صاحب المهذب والروياني، ووجهه الامام باتفاق المسلمين على منع النساء من الخروج سافرات، وبأن النظر مظنة الفتنة، وهو محرك

(5/366)


للشهوة، فاللائق بمحاسن الشرع، سد الباب فيه، والاعراض عن تفاصيل الاحوال، كالخلوة بالاجنبية. ثم المراد بالكف، اليد من رؤوس الاصابع إلى المعصم. وفي وجه: يختص الحكم بالراحة. وأما أخمصا القدمين، فعلى الخلاف السابق في ستر العورة. وصوتها ليس بعورة على الاصح، لكن يحرم الاصغاء إليه عند خوف الفتنة. وإذا قرع بابها، فينبغي أن لا تجيب بصوت رخيم، بل تغلظ صوتها. قلت: هذا الذي ذكره من تغليظ صوتها، كذا قاله أصحابنا. قال إبراهيم المروذي: طريقها أن تأخذ ظهر كفها بفيها وتجيب كذلك. والله أعلم. هذا كله إذا كان الناظر بالغا فحلا، والمنظور إليها حرة كبيرة أجنبية. ثم الكلام في ست صور. إحداها: الطفل الذي لم يظهر على عورات النساء، لا حجاب منه. وفي المراهق وجهان. أحدهما: له النظر، كما له الدخول بلا استئذان إلا في الاوقات الثلاثة، فعلى هذا، نظره كنظر المحارم البالغين. وأصحهما: أن نظره كنظر البالغ إلى الاجنبية، لظهوره على العورات. ونزل الامام أمر الصبي ثلاث درجات. إحداها: أن لا يبلغ أن يحكي ما يرى. والثانية: يبلغه ولايكون فيه ثوران شهوة وتشوف. والثالثة: أن يكون فيه

(5/367)


ذلك. فالاول حضوره كغيبته، ويجوز التكشف له من كل وجه. والثاني: كالمحرم. والثالث: كالبالغ. واعلم أن الصبي لا تكليف عليه، وإذا جعلناه كالبالغ، فمعناه يلزم المنظور إليها الاحتجاب منه، كما يلزمها الاحتجاب من المجنون قطعا. قلت: وإذا جعلنا الصبي كالبالغ، لزم الولي أن يمنعه النظر، كما يلزم أن يمنعه الزنا وسائر المحرمات. والله أعلم. الصورة الثانية: في الممسوح وجهان. قال الاكثرون: نظره إلى الاجنبية، كنظر الفحل إلى المحارم، وعليه يحمل قول الله تعالى: * (أو التابعين غير أولي الاربة من الرجال) *. والثاني: أنه كالفحل مع الاجنبية، لانه يحل له نكاحها. قلت: والمختار في تفسير غير أولي الاربة أنه المغفل في عقله الذي لا يكترث للنساء ولا يشتهيهن، كذا قاله ابن عباس وغيره. والله أعلم. وأما المجبوب الذي بقي أنثياه، والخصي الذي بقي ذكره، والعنين، والمخنث وهو المشبه بالنساء، والشيخ الهم، فكالفحل، كذا أطلق الاكثرون. وقال في الشامل: لا يحل للخصي النظر، إلا أن يكبر ويهرم وتذهب شهوته، وكذا المخنث. وأطلق أبو مخلد البصري المتأخر في الخصي والمخنث وجهين. قلت: هذا المذكور عن الشامل قاله شيخه القاضي أبو الطيب، وصرح بأن الشيخ الذي ذهبت شهوته، يجوز له ذلك، لقوله تعالى: * (أو التابعين غير أولي الاربة) *. والله أعلم.

(5/368)


الصورة الثالثة: مملوك المرأة محرم لها على الاصح (عند الاكثرين). قلت: وهو المنصوص، وظاهر الكتاب والسنة وإن كان فيه نظر من حيث المعنى، قال القاضي حسين: فإن كاتبته، فليس بمحرم. والله أعلم. الصورة الرابعة: إذا كان المنظور إليها أمة، فثلاثة أوجه. أصحها فيما ذكره البغوي والروياني: يحرم النظر إلى ما بين السرة والركبة، ولا يحرم ما سواه، لكن يكره. والثاني: يحرم ما لا يبدو حال المهنة دون غيره. والثالث: أنها كالحرة، وهذا غريب لا يكاد يوجد لغير الغزالي. قلت: قد صرح صاحب البيان وغيره، بأن الامة كالحرة وهو مقتضى إطلاق كثيرين، وهو أرجح دليلا. والله أعلم. الصورة الخامسة: في النظر إلى الصبية، وجهان. أحدهما: المنع. والاصح الجواز، ولا فرق بين عورتها وغيرها، لكن لا ينظر إلى الفرج. قلت: جزم الرافعي، بأنه لا ينظر إلى فرج الصغيرة. ونقل صاحب العدة الاتفاق على هذا، وليس كذلك، بل قطع القاضي حسين في تعليقه بجواز النظر إلى فرج الصغيرة التي لا تشتهى، والصغير، وقطع به في الصغير إبرهيم المروذي. وذكر المتولي فيه وجهين، وقال: الصحيح الجواز، لتسامح الناس بذلك قديما وحديثا، وأن إباحة ذلك تبقى إلى بلوغه سن التمييز، ومصيره بحيث يمكنه ستر عورته عن الناس. والله أعلم.

(5/369)


وأما العجوز، فألحقها الغزالي بالشابة، لان الشهوة لا تنضبط، وهي محل الوطئ. وقال الروياني: إذا بلغت مبلغا يؤمن الافتتان بالنظر إليها، جاز النظر إلى وجهها وكفيها، لقول الله تعالى: * (والقواعد من النساء) *. الصورة السادسة: المحرم لا ينظر إلى ما بين السرة والركبة، وله النظر إلى ما سواه على المذهب. وفي وجه: أنه يباح ما يبدو عند المهنة. وهل الثدي زمن الارضاع مما يبدو ؟ وجهان. وسواء المحرم بالنسب والمصاهرة والرضاع، وقيل: لا ينظر بالمصاهرة والرضاع إلا إلى البادي في المهنة. والصحيح الاول. قلت: ويجوز للمحرم الخلوة والمسافرة بها. والله أعلم. الضرب الثاني: نظر الرجل إلى الرجل، وهو جائز في جميع البدن، إلا ما بين السرة والركبة، لكن يحرم النظر إلى الامرد وغيره بالشهوة، وكذا النظر إلى المحارم وسائر المذكورات في الضرب السابق بالشهوة حرام قطعا. ولا يحرم النظر إلى الامرد بغير شهوة إن لم يخف فتنة، وإن خافها، حرم على الصحيح وقول الاكثرين. قلت: أطلق صاحب المهذب وغيره: أنه يحرم النظر إلى الامرد لغير حاجة، ونقله الداركي عن نص الشافعي رحمه الله. والله أعلم. الضرب الثالث: نظر المرأة إلى المرأة كالرجل إلى الرجل إلا في شيئين. أحدهما: حكى الامام وجها: أنها كالمحرم، وهو شاذ ضعيف. الثاني: في نظر الذمية إلى المسلمة وجهان. أصحهما عند الغزالي: كالمسلمة. وأصحهما عند البغوي: المنع. فعلى هذا، لا تدخل الذمية

(5/370)


الحمام مع المسلمات، وما الذي تراه من المسلمة ؟ قال الامام: هي كالرجل الاجنبي. وقيل: ترى ما يبدو في المهنة، وهذا أشبه. قلت: ما صححه البغوي هو الاصح أو الصحيح، وسائر الكافرات كالذمية في هذا، ذكره صاحب البيان. والله أعلم. الضرب الرابع: نظر المرأة إلى الرجل، وفيه أوجه. أصحها: لها النظر إلى جميع بدنه إلا ما بين السرة والركبة. والثاني: لها نظر ما يبدو منه في المهنة فقط. والثالث: لا ترى منه إلا ما يرى منها. قلت: هذا الثالث، هو الاصح عند جماعة، وبه قطع صاحب المهذب وغيره، لقول الله تعالى: * (وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن) * ولقوله - صلى الله عليه وسلم -: أفعمياوان أنتما، أليس تبصرانه الحديث، وهو حديث حسن. والله أعلم.

(5/371)


وأما نظرها إلى محرمها، فلا يحرم إلا ما بين السرة والركبة على المذهب، وبه قطع المحققون. وقيل: هو كنظره إليها، ويحرم عليها النظر إلى الرجل عند خوف الفتنة قطعا. وحديث أفعمياوان، يحمل على هذا أو على الاحتياط. فرع ما لا يجوز النظر إليه متصلا كالذكر وساعد الحرة وشعر رأسها وشعر عانة الرجل وما أشبهها، يحرم النظر إليه بعد الانفصال على الاصح. وقيل: لا، وقال الامام احتمالا لنفسه: إن لم يتميز المبان من المرأة بصورته وشكله عما للرجل: كالقلامة، والشعر، والجلدة، لم يحرم. وإن تميز، حرم. قلت: ما ذكره الامام، ضعيف، إذ لا أثر للتمييز، مع العلم بأنه جزء يحرم نظره. وعلى الاصح: يحرم النظر إلى قلامة رجلها دون قلامة يدها، ويده ورجله. والله أعلم. وينبغي لمن حلق عانته، أن يواري الشعر، لئلا ينظر إليه أحد. وفي فتاوى البغوي: أنه لو أبين شعر الامة أو ظفرها، ثم عتقت، ينبغي أن يجوز النظر إليه وإن قلنا: إن المبان كالمتصل، لانه حين انفصل لم يكن عورة، والعتق لا يتعدى إلى المنفصل. فرع يجوز للزوج النظر إلى جميع بدن زوجته غير الفرج. وفي الفرج، وجهان. أحدهما: يحرم. وأصحهما: لا، لكن يكره. وباطن الفرج أشد كراهة، ويكره للانسان نظره إلى فرج نفسه بلا حاجة، ونظر السيد إلى أمته التي يجوز استمتاعه بها كنظر الزوج إلى زوجته، سواء كانت قنة، أو مدبرة، أو

(5/372)


مستولدة، أو عرض مانع قريب الزوال كالحيض والرهن، فإن كان مرتدة، أو مجوسية، أو وثنية، أو مزوجة، أو مكاتبة، أو مشتركة بينه وبين غيره، حرم نظره إلى ما بين السرة والركبة، ولا يحرم ما زاد على الصحيح. وزوجته المعتدة عن وطئ أجنبي بشبهة، كالمكاتبة. ونظر الزوجة إلى زوجها كنظره إليها. وقيل: يجوز نظرها إلى فرجه قطعا. قلت: ونظرها إلى سيدها كنظره إليها. والله أعلم. فرع حيث حرم النظر، حرم المس بطريق الاولى، لانه أبلغ لذة، فيحرم على الرجل دلك فخذ رجل بلا حائل. فإن كان ذلك فوق إزار، جاز إذا لم يخف فتنة. وقد يحرم المس دون النظر، فيحرم مس وجه الاجنبية وإن جاز النظر، ومس كل ما جاز النظر إليه من المحارم والاماء، بل لا يجوز للرجل مس بطن أمه ولا ظهرها، ولا أن يغمز ساقها ولا رجلها، ولا أن يقبل وجهها، حكاه العبادي عن

(5/373)


القفال. قال: وكذا لا يجوز للرجل أن يأمر ابنته أو أخته بغمز رجله. وعن القاضي حسين أنه كان يقول: العجائز اللاتي يكحلن الرجال يوم عاشوراء مرتكبات للحرام. فرع لا يجوز أن يضاجع الرجل الرجل، ولا المرأة المرأة وإن كان كل واحد في جانب من الفراش، وإذا بلغ الصبي أو الصبية عشر سنين، وجب التفريق بينه وبين أمه وأبيه وأخته وأخيه في المضجع. فرع يستحب مصافحة الرجل الرجل، والمرأة المرأة. قال البغوي: وتكره المعانقة والتقبيل، إلا تقبيل الولد شفقة. وقال أبو عبد الله الزبيري: لا بأس أن يقبل الرجل رأس الرجل وما بين عينيه، عند قدومه من سفره أو تباعد لقائه. قلت: المختار أن تقبيل يد غيره إن كان لزهده وصلاحه أو علمه أو شرفه وصيانته، ونحو ذلك من الامور الدينية، فهو مستحب. وإن كان لغناه ودنياه وشوكته ووجاهته عند أهل الدنيا ونحو ذلك، فمكروه. وقال المتولي في باب صلاة الجمعة: لا يجوز. وتقبيل الصغار شفقة سنة، سواء ولده وولد غيره إذا لم يكن بشهوة. والسنة معانقة القادم من سفر وتقبيله. ولا بأس بتقبيل وجه الميت الصالح، ويكره حني الظهر في كل حال لكل أحد، ولا بأس بالقيام لاهل الفضل، بل هو مستحب للاحترام، لا للرياء والحعظام، وقد ثبتت أحاديث صحيحة بكل ما ذكرته، وقد أوضحتها مبسوطة في كتاب السلام من كتاب الاذكار، وهو مما لا يستغني متدين عن مثله، وفي كتاب الترخيص في القيام. والله أعلم. فرع الخنثى المشكل فيه وجهان. أصحهما: الاخذ بالاشد، فيجعل مع

(5/374)


النساء رجلا، ومع الرجال امرأة. والثاني: الجواز، قاله القفال، استصحابا لحكم الصغر. قلت: قطع الفوراني والمتولي بالثاني، وإبرهيم المروذي، ونقله المروذي عن القاضي. والله أعلم. الحال الثاني: إذا احتاج إلى النظر، وذلك في صور. منها: أن يريد نكاحها، فله النظر كما سبق. ومنها: أن يريد شراء جارية، وقد سبق في البيع. ومنها: إذا عامل امرأة ببيع أو غيره، أو تحمل شهادة عليها، جاز النظر إلى وجهها فقط ليعرفها. وإذا نظر إليها وتحمل الشهادة، كلفت الكشف عن وجهها عند الاداء. فإن امتنعت، أمرت امرأة بكشفه. ومنها: يجوز النظر والمس للفصد والحجامة ومعالجة العلة، وليكن ذلك بحضور محرم أو زوج، ويشترط في جواز نظر الرجل إلى المرأة لهذا أن لا يكون هناك امرأة تعالج، وفي جواز نظر المرأة إلى الرجل، أن لا يكون هناك رجل يعالج، كذا قاله أبو عبد الله الزبيري والروياني، وعن ابن القاص خلافه. قلت: الاول أصح، وبه قطع القاضي حسين والمتولي. قالا أيضا: ولا يكون ذميا مع وجود مسلم. والله أعلم.

(5/375)


ثم أصل الحاجة كاف في النظر إلى الوجه واليدين، وفي النظر إلى سائر الاعضاء يعتبر تأكد الحاجة، وضبطه الامام فقال: ما يجوز الانتقال من الماء إلى التيمم وفاقا أو خلافا، كشدة الضنى وما في معناها، يجوز النظر بسببه، وفي النظر إلى السوأتين، يعتبر مزيد تأكد، قال الغزالي: وذلك بأن تكون الحاجة بحيث لا يعد التكشف بسببها هتكا للمروءة ويعذر في العادة. ومنها: يجوز للرجال النظر إلى فرج الزانيين لتحمل شهادة الزنا، وإلى فرج المرأة للشهادة على الولادة، وإلى ثدي المرضعة للشهادة على الرضاع، هذا هو الصحيح. وقال الاصطخري: لا يجوز كل ذلك. وقيل: يجوز في الزنا دون غيره. وقيل: عكسه.
الفصل الرابع : في الخطبة - بكسر الخاء -، قال الغزالي: هي مستحبة، ويمكن أن يحتج له بفعل النبي - صلى الله عليه وسلم -، وما جرى عليه الناس، ولكن لا ذكر للاستحباب في كتب الاصحاب، وإنما ذكروا الجواز. ثم المرأة إن كانت خلية عن النكاح والعدة، جازت خطبتها تعريضا وتصريحا، وإن كان معتدة، حرم التصريح بخطبتها مطلقا. وأما التعريض، فيحرم في عدة الرجعية، ولا يحرم في عدة الوفاة. وقيل: إن كانت عدة الوفاة بالحمل، لم تخطب، خوفا من تكلف إلقاء ولدها. والصحيح الاول. والبائن بطلاق أو فسخ، يحل التعريض بخطبتها على الاظهر. والتي لا تحل لمن منه العدة بلعان أو رضاع أو طلاق الثلاث، كالمعتدة عن الوفاة. وقيل: كالفسخ. ثم سواء كانت العدة في هذه الصور بالاقراء أم بالاشهر. وقيل: إن كانت بالاقراء، حرم قطعا. والصحيح وبه قطع الجمهور: أن لا فرق. وفي المعتدة عن وطئ بشبهة، طريقان. المذهب: القطع بالجواز.

(5/376)


والثاني: طرد الخلاف. والتصريح، كقوله: أريد نكاحك، أو إذا انقضت عدتك نكحتك. والتعريض بما يحتمل الرغبة في النكاح وغيرها، كقوله: رب راغب فيك، من يجد مثلك ؟ أنت جميلة، إذا حللت فآذنيني، لا تبقين أيما، لست بمرغوب عنك، إن شاء الله لسائق إليك خيرا، ونحو ذلك، وحكم جواب المرأة في هذه الصور تصريحا وتعريضا حكم الخطبة. وجميع ما ذكرناه، فيما إذا خطبها غير صاحب العدة. فأما صاحبها الذي يحل له نكاحها، فله التصريح بخطبتها. فرع تحرم الخطبة على خطبة غيره بعد صريح الاجابة، إلا إذا أذن الغير أو ترك. وصريح الاجابة أن تقول: أجبتك إلى ذلك، أو تأذن لوليها (في) أن يزوجها

(5/377)


إياه، وهي معتبرة الاذن. فلو لم تصرح بالاجابة، لكن وجد ما يشعر بها، كقولها: لا رغبة عنك، فقولان. القديم، تحريم الخطبة. والجديد، الجواز. ولو ردته، فللغر خطبتها قطعا. ولو لم يوجد إجابة ولا رد، فقيل: يجوز قطعا. وقيل بالقولين. والمعتبر، رد الولي وإجابته إن كانت مجبرة، وإلا فردها وإجابتها، وفي الامة رد السيد وإجابته، وفي المجنونة رد السلطان وإجابته. ثم المفهوم من إطلاق الاكثرين، أن سكوت الولي عن الجواب، فيه الخلاف المذكور، وخص بعضهم الخلاف بسكوتها وقال: سكوت الولي لا يمنع قطعا. وعن الداركي أن الخلاف في سكوت البكر، ولا يمنع سكوت الثيب بحال. فرع يجوز الهجوم على الخطبة لمن لم يدر أخطبت أم لا، ولم يدر أجيب. خاطبها أم رد، لان الاصل الاباحة. فرع سواء فيما ذكرناه الخاطب المسلم والذمي إذا كانت كتابية. وقيل: يختص المنع بالخطبة على خطبة المسلم. قلت: قال الصيمري: لو خطب خمس نسوة دفعة، فأذن، لم يحل لاحد خطبة واحدة منهن حتى يتركها الاول، أو يعقد على أربع فتحل الخامسة. وإن خطب كل واحدة وحدها، فأذن، حلت الخامسة دون غيرها. هذا كلامه، والمختار تحريم الجميع، إذ قد يرغب في الخامسة. قال أصحابنا: ويكره التعريض بالجماع للمخطوبة، ولا يكره التعريض والتصريح به لزوجته وأمته. والله أعلم. فرع يجوز الصدق في ذكر مساوئ الخاطب ليحذر، وكذا من أراد

(5/378)


نصيحة غيره ليحترز عن مشاركته ونحوها، وليس هذا من الغيبة المحرمة. قلت: الغيبة تباح بستة أسباب قد أوضحتها بدلائلها وما يتعلق بها وطرق مخارجها في آخر كتاب الاذكار. أحدها: التظلم، فيجوز للمظلوم أن يتظلم إلى السلطان والقاضي وغيرهما ممن له ولاية أو قدرة على إنصافه ممن ظلمه، فيقول: ظلمني فلان وفعل بي كذا. الثاني: الاستعانة على تغيير المنكر ورد العاصي إلى الصواب، فيقول لمن يرجو قدرته على إزالة المنكر: فلان يعمل كذا فازجره عنه، ونحو ذلك. الثالث: الاستفتاء. بأن يقول للمفتي: ظلمني فلان أو أبي أو أخي بكذا، فهل له ذلك، أم لا ؟ وما طريقي في الخلاص (منه) ودفع ظلمه عني ؟ ونحو ذلك. وكذا قوله: زوجتي تفعل معي كذا، وزوجي يضربني ويقول لي كذا، فهذا جائز للحاجة. والاحوط أن يقول: ما تقول في رجل أو زوج أو والد من أمره كذا، ومع ذلك فالتعيين جائز، لحديث هند في الصحيحين: إن أبا سفيان شحيح... الحديث.

(5/379)


الرابع: تحذير المسلمين من الشر، وذلك من وجوه. منها: جرح المجروحين من الرواة والشهود والمصنفين، وذلك جائز بالاجماع، بل واجب، صونا للشريعة. ومنها: الاخبار بعيبه عند المشاورة في مواصلته. ومنها: إذا رأيت من يشتري شيئا معيبا، أو عبدا سارقا، أو زانيا، أو شاربا، تذكره للمشتري - إذا لم يعلمه - نصيحة، لا بقصد الايذاء والافساد. ومنها: إذا رأيت متفقها يتردد إلى فاسق أو مبتدع يأخذ عنه علما، وخفت عليه ضرره، فعليك نصيحته ببيان حاله قاصدا النصيحة. ومنها: أن يكون له ولاية لا يقوم بها على وجهها لعدم أهليته أو فسقه، فتذكره لمن عليه ولاية ليستبدل به، أو يعرف حاله فلا يعتبر به أو يلزمه الاستقامة. الخامس: أن يكون مجاهرا بفسقه أو بدعته، كالخمر، ومصادرة الناس، وجباية المكوس، وتولي الامور الباطلة، فيجوز ذكره بما يجاهر به، ولا يجوز بغيره إلا بسبب آخر. السادس: التعريف، فإذا كان معروفا بلقب، كالاعمش والاعرج والازرق والقصير ونحوها، جاز تعريفه به، ويحرم ذكره به تنقصا، ولو أمكن التعريف بغيره، كان أولى. هذا مختصر ما تباح به الغيبة. والله أعلم. الفصل الخامس: في الخطبة، بضم الخاء. يستحب لمن يخطب امرأة أن يقدم بين يدي خطبته خطبة، فيحمد الله تعالى، ويثني عليه، ويصلي على النبي - صلى الله عليه وسلم -، ويوصي بتقوى الله تعالى، ثم يقول: جئتكم راغبا في كريمتكم،

(5/380)


ويخطب الولي كذلك، ثم يقول: لست بمرغوب عنك، أو نحو ذلك. وتستحب الخطبة أيضا عند العقد، ويحصل الاستحباب سواء خطب الول أو الزوج أو أجنبي. وإذا قال الولي: الحمد لله، والصلاة على رسول الله، زوجتك، فقال الزوج: الحمد لله، والصلاة على رسول الله، قبلت نكاحها، فوجهان. أحدهما: لا يصح النكاح، للفصل، والصحيح صحته، وبه قطع الجمهور، وقالوا: للنكاح خطبتان مسنونتان، إحداهما تتقدم العقد، والثانية تتخلله، وهي أن يقول الولي: بسم الله، والصلاة على رسول الله، أوصيكم بتقوى الله تعالى، زوجتك فلانة، ثم يقول الزوج مثل ذلك، ثم يقول: قبلت. ثم قال الاصحاب: موضع الوجهين إذا لم يطل الذكر بينهما، فإن طال، فالعقد باطل قطعا. ولو تخلل كلام يسير لا يتعلق به العقد ولا. يستحب فيه، بطل العقد على الاصح. واستحب الشافعي رحمه الله أن يقول الولي: زوجتكها على ما أمر الله العظيم، من إمساك بمعروف، أو تسريح بإحسان. وهذا إن ذكراه قبل العقد، فذاك. وإن قيد الولي الايجاب به، وقبل الزوج مطلقا أو ذاكرا له، فوجهان. أحدهما: يبطل النكاح، واختاره الشيخ أبو محمد، لانه شرط الطلاق على أحد التقديرين. وأصحهما: الصحة، لان كل زوج مأخوذ به بمقتضى الشرع، فهو ذكر لمقتضى العقد. وفصل الامام فقال: إن أجرياه شرطا ملزما، فالوجه البطلجن. وإن قصدا الوعظ دون الالزام، لم يضر. وإن أطلقا، احتمل واحتمل، وقرينة الحال تقتضي الوعظ.

(5/381)


فرع يستحب الدعاء لزوجين بعد العقد، فيقال: بارك الله لك، وبارك عليك، وجمع بينكما في خير. قلت: ويكره أن يقال: بالرفاء والبنين، لحديث ورد بالنهي عنه، ولانه من ألفاظ الجاهلية. ومما يتعلق بآداب العقد، أنه يستحب إحضار جمع من أهل الصلاح زيادة على الشاهدين، وأن ينوي بالنكاح المقاصد الشرعية، كإقامة السنة، وصيانة دينه وغيرهما، ويستحب للولي عرض موليته على أهل الفضل والصلاح، لحديث عمر رضي الله عنه في الصحيحين. والله أعلم.
الباب الثالث : في أركان النكاح وهي أربعة.
الركن الأول : الصيغة إيجابا وقبولا، فيقول الولي: زوجتك، أو أنكحتك، ويقول الزوج: تزوجت، أو نكحت، أو قبلت تزويجها أو نكاحها. أو يقول الزوج أولا: تزوجتها، أو نكحتها، فيقول الولي: زوجتك أو أنكحتك، ولا ينعقد بغير لفظ التزويج والانكاح. وفي انعقاده بمعنى اللفظين بالعجمية من العاقدين أو أحدهما أوجه. أصحها: الانعقاد. والثالث: إن لم يحسن العربية، انعقد، وإلا، فلا. وإذا صححناه، فذاك إذا فهم كل منهما كلام الآخر. فإن لم يفهم، فأخبره ثقة عن

(5/382)


معنى لفظه، ففي الصحة وجهان. ولا يشترط اتفاق اللفظين منهما. فلو قال: زوجتك، فقال الزوج: نكحت، أو قال: أنكحتك، فقال: تزوجت، صح، ولا ينعقد بالكناية. فرع إذا قال: زوجتكها، فليقل: قبلت نكاحها أو تزويجها، أو قبلت هذا النكاح، فإن اقتصر على قبلت، لم ينعقد على الاظهر. وقيل: قطعا. وقيل: ينعقد قطعا. وإن قال: قبلت النكاح أو قبلتها، فخلاف مرتب، وأولى بالصحة. ولو قال: زوجني أو أنكحني، فقال الولي: قد فعلت ذلك، أو نعم، أو قال الولي: زوجتكها أو أنكحتكها، أقبلت ؟ فقال: نعم، أو قال: نعم، من غير قول الولي: أقبلت، فقيل بالمنع قطعا. وقيل بطرد الخلاف، وهو أقيس. وفي نظائر هذه الصور من البيع، ينعقد البيع. وكذا لو قال: بعتك كذا، فقال: قبلت، ينعقد على الصحيح. وحكى الحناطي فيه وجها. فرع إذا كتب بالنكاح إلى غائب أو حاضر، لم يصح. وقيل: يصح في الغائب وليس بشئ، لانه كناية، ولا ينعقد بالكنايات.

(5/383)


ولو خاطب غائبا بلسانه، فقال: زوجتك بنتي، ثم كتب، فبلغه الكتاب أو لم يبلغه، وبلغه الخبر، فقال: قبلت نكاحها، لم يصح على الصحيح. وإذا صححنا في المسألتين، فشرطه القبول في مجلس بلوغ الخبر، وأن يقع بحضرة شاهدي الايجاب. قلت: لا يكفي القبول في المجلس، بل يشترط الفور. والله أعلم. فرع إذا استخلف القاضي فقيها في تزويج امرأة، لم يكف الكتاب، بل يشترط اللفظ على المذهب، وحكى الحناطي وجهين، وليس للمكتوب إليه اعتماد الخط على الصحيح. فرع إذا قال (للولي): زوجني، قال الولي: زوجتك. فإن قال الزوج بعده: قبلت، صح النكاح قطعا، وإلا، فالمذهب والنص صحته أيضا. وقيل بطرد الخلاف السابق في البيع في مثله. والخلع، والصلح عن الدم، والاعتاق على مال، ينعقد بالاستيجاب والايجاب على المذهب، وبه قطع الجمهور. فإذا قالت: طلقني أو خالعني على ألف، فأجابها الزوج، طلقت ولزمها الالف، ولا حاجة إلى قبول بعده. وكذا لو قال العبد لسيده: أعتقني على كذا، فأجابه إليه، أو قال: من عليه القصاص: صالحني على كذا، فقال المستحق: صالحتك عليه. وقيل بطرد الطريقين في كل هذه العقود كالنكاح. وأما الكتابة فكالعتق، وقيل: كالنكاح. هذا كله إذا كانت صيغته: زوجني أو خالعني وأعتقني ونحوها. فلو قال الزوج: قل: زوجتكها، قال الشيخ أبو محمد: ليس هو باستيجاب، لانه استدعى اللفظ دون التزويج، فإذا تلفظ اقتضى القبول. ولو قال الولي أولا: تزوج ابنتي، فقال: تزوجت، فهو كما لو قال الزوج:

(5/384)


زوجني، فقال الولي: زوجتك، هكذا قالوه. وقد حكينا عن بعضهم المنع في البيع، ويمكن أن يقال بمثله هنا. ولو قال: أتزوجني ابنتك ؟ فقال الولي: زوجتك، هكذا قالوه. وقد حكينا عن بعضهم المنع في البيع، ويمكن ان يقال بمثله هنا. ولو قال: أتزوجني ابنتك ؟ فقال الولي: زوجتك، لم ينعقد إلا أن يقول الخاطب بعده: تزوجت، وكذا لو قال الولي: أتتزوج بنتي، أو تزوجتها ؟ فقال: تزوجت، لا ينعقد، إلا أن يقول الولي بعده: زوجتك، لانه استفهام. ولو قال المتوسط للولي: زوجته ابنتك ؟ فقال: زوجت، ثم أقبل على الزوج فقال: قبلت نكاحها ؟ فقال: قبلته، صح على الاصح، لوجود الايجاب والقبول مترابطين، ومنعه القفال، لعدم التخاطب. فرع تشترط الموالاة بين الايجاب والقبول على ما سبق في البيع. ونقل القاضي أبو سعد الهروي: أن أصحابنا العراقيين اكتفوا بوقوع القبول في مجلس الايجاب. قلت: الصحيح، اشتراط القبول على الفور، فلا يضر الفصل اليسير، ويضر الطويل، وهو ما أشعر بإعراضه عن القبول، فهذا هو المعروف في طريقتي العراق وخراسان. وما ادعاه الهروي عن العراقيين جملة لا يقبل، والمشاهدة تدفعه، والدليل يبطله، فلا اغترار به. والله أعلم. فرع إذا وجد أحد شقي العقد من أحد العاقدين، فلا بد من إصراره عليه حتى يوجد الشق الآخر، فلو رجع عنه، لغا العقد. وكذا لو أوجب ثم جن أو أغمي عليه، لغا إيجابه، وامتنع القبول. وكذا لو أذنت المرأة في تزويجها حيث يعتبر إذنها، ثم أغمي عليها قبل العقد، بطل إذنها.

(5/385)


فصل النكاح لا يقبل التعليق، كقوله: إذا جاء رأس الشهر، فقد زوجتك. فلو أخبر بمولود، فقال لجليسه: إن كانت بنتا، فقد زوجتكها، أو قال: إن كانت بنتي طلقها زوجها، أو مات عنها وانقضت عدتها، فقد زوجتكها، أو لو كان تحته أربع نسوة، فقال له رجل: إن كانت ماتت إحداهن فقد زوجتك بنتي، أو قال: إن مات أبي وورثت هذه الجارية، فقد زوجتكها، وبان الامر كما قدر، لم يصح النكاح على المذهب، وبه قطع الاكثرون. وقيل: وجهان كمن باع مال أبيه ظانا حياته فبان ميتا. قال البغوي: ولو بشر ببنت، فقال: إن صدق المخبر فقد زوجتكها، صح، ولا يكون ذلك تعليقا، بل هو تحقيق، كقوله: إن كنت زوجتي فأنت طالق، وتكون إن بمعنى إذ. قال: وكذا لو أخبر من له أربع نسوة بموت إحداهن، فقال لرجل: إن صدق المخبر فقد تزوجت بنتك، فقال ذلك الرجل: زوجتكها، صح، وهذا الذي قاله البغوي، يجب أن يكون مفروضا فيما إذا تيقن صدق المخبر، وإلا، فلفظ إن للتعليق. فرع قال: زوجتك بنتي على أن تزوجني بنتك، على أن يكون بضع كل

(5/386)


واحدة صداقا للاخرى، فقبل الآخر، أو قال: زوجتك بنتي وتزوجت بنتك أو أختك، على أن يكون بضع كل واحدة صداقا للاخرى، فقال المخاطب: تزوجت وزوجت على ما ذكرت، فهذا نكاح الشغار، وهو باطل، للحديث الصحيح، ولمعنى الاشتراك في البضع. وقال القفال: للتعليق والتوقف. ولو قال كل واحد: زوجتك بنتي على أن تزوجني بنتك، وقبل الآخر، ولم يجعلا البضع صداقا، فوجهان. أصحهما: الصحة، لانه ليس فيه إلا شرط عقد في عقد، وذلك لا يفسد النكاح. فعلى هذا، يصح النكاحئن، ولكل واحدة مهر المثل. والثاني: لا يصح لمعنى التعليق والتوقف. وخص الامام الوجهين بما إذا كانت الصيغة هذه، ولم يذكرا مهرا، وقطع بالصحة فيما لو قال: زوجتك بنتي بألف على أن تزوجني بنتك، وفيما قاله نظر. فعلى الوجه الاول، لو قال: زوجتك على أن تزوجني بنتك، وبضع بنتك صداق لبنتي، فقبل، صح الاول، وبطل الثاني. ولو قال: وبضع بنتي صداق لبنتك، بطل الاول، وصح الثاني، وهذا نظر إلى معنى التشريك. ولو سميا لهما أو لاحداهما مهرا مع جعل البضع صداقا، بأن قال: زوجتك بنتي بألف على أن تزوجني بنتك بألف، وبضع كل واحدة صداق للاخرى، أو قال: على أن تزوجني بنتك، وبضع كل واحدة صداق للاخرى، أو قال: زوجتك بنتي على أن تزوجني بنتك ويكون بضع كل واحدة وألف درهم صداقا للاخرى، فوجهان. أحدهما: وهو ظاهر نصه في المختصر: الصحة. وأصحهما: البطلان، وهو نصه في الاملاء. فرع قال: زوجتك بنتي بمتعة جاريتك، صح النكاح، وفسد الصداق. ولو قال: زوجتك جاريتي على أن تزوجني بنتك، وتكون رقبة جاريتي صداقا لبنتك، قال ابن الصباغ: صح النكاحان، لانه لا تشريك فيما يرد عليه عقد النكاح، ويفسد الصداق، ويجب لكل واحدة مهر المثل، ويجئ على معنى التعليق والتوقف أن يحكم ببطلان النكاحين.

(5/387)


ولو طلق امرأته على أن يزوجه صاحبه بنته، ويكون بضع امرأته صداقا لها، وزوجه صاحبه على ذلك، فهل يبطل النكاح، أم يصح ويفسد الصداق ؟ وجهان حكاهما ابن كج عن ابن القطان. قلت: أفقههما: الثاني. والله أعلم. ولو طلق امرأته على أن يعتق صاحبه عبده، ويكون طلاق امرأته عوضا عن عتقه، قال الحناطي: يقع الطلاق ولا رجوع بالمهر على أحد. وفي عتق العبد وجهان. إن عتق، فلا رجوع بقيمته وقال ابن كج: عندي يقع الطلاق ويحصل العتق، ويرجع المطلق على المعتق بمهر امرأته، والمعتق على المطلق بقيمة عبده. فصل النكاح الموقت باطل، سواء قيده بمدة مجهولة أو معلومة، وهو نكاح المتعة. وإذا وطئ في نكاح المتعة جاهلا بفساده، فلا حد. وإن علم، فلا حد أيضا على المذهب. وحيث لا حد، يجب المهر والعدة، ويثبت النسب. ولو قال: نكحتها متعة، ولم يزد على هذا، حكى الحناطي في صحة النكاح وجهين. قلت: الاصح، البطلان. والله أعلم.
الركن الثاني : المنكوحة، ويشترط خلوها من موانع النكاح. والكلام في الموانع مبسوط في مواضعها، لا سيما باب الموانع، فيقتصر هنا على عد تراجمها. فمن الموانع أن تكون منكوحة أو معتدة عن غيره، أو مطلقته بالثلاث

(5/388)


ما لم تحلل، أو ملاعنته، أو مرتدة، أو مجوسية، أو وثنية، أو زنديقة، أو كتابية دخلت في دينهم بعد مبعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أو بعد تبديلهم على الاظهر، أو تكون أمة والناكح حر واجد طول حرة، أو غير خائف عنتا، أو يكون بعضها أو كلها ملكا للناكح، أو تكون محرما له، أو خامسة، أو يكون في نكاحه أختها وغيرها ممن لا يجمع بينها وبينها، أو تكون محرمة بحج أو عمرة، وثيبا صغيرة، أو تكون يتيمة لا جد لها. فصل يشترط في كل واحد من الزوجين أن يكون معينا. فلو قال: زوجتك إحدى بنتي، أو زوجت بنتي أحدكما، أو أحد ابنيك، لم يصح. ولو كان له بنت واحدة فقال: زوجتك بنتي، صح وإن لم يسمها. ولو كانت حاضرة فقال: زوجتك هذه، أو كانت في الدار فقال: زوجتك التي في الدار، وليس فيها غيرها، صح.

(5/389)


ولو كان له بنت واحدة، فقال: زوجتك بنتي فلانة، وسماها بغير إسمها، صح النكاح على الاصح، لان البنتية صفة لازمة مميزة، فاعتبرت ولغا الاسم، كما لو أشار إليها وسماها بغير إسمها، فإنه يصح قطعا. وقد يمنع هذه الصورة القائل الآخر، والاصح الصحة فيهما، حتى لو قال: زوجتك هذا الغلام، وأشار إلى بنته، نقل الروياني عن الاصحاب صحة النكاح، تعويلا على الاشارة. ولو قال: بعتك داري هذه، وحددها وغلط في حدودها، صح البيع، بخلاف ما لو قال: بعتك الدار التي في المحلة الفلانية، وحددها وغلط، لان التعويل هنا على الاشارة. ولو قال: بعتك داري، ولم يقل: هذه، وحددها وغلط، ولم يكن له دار سواها، وجب أن يصح تفريعا على الاصح في قوله: زوجتك بنتي فلانة وغلط في اسمها. وأما إذا كان إسم بنته (الواحدة) فاطمة، فقال: زوجتك فاطمة، ولم يقل: بنتي، فلا يصح النكاح لكثرة الفواطم، لكن (لو) نواها، صح. كذا قال به العراقيون والبغوي، واعترض ابن الصباغ بأن الشهادة شرط، والشهود لا يطلعون على النية، وهذا قوي، ولهذا الاصل منعنا النكاح بالكنايات. ولو كان له بنتان فصاعدا، اشترط تمييز المنكوحة بإسم أو إشارة أو صفة، كقوله: فاطمة، أو هذه، أو الكبرى. قال المكتفون بالنية: أو بأن ينويا واحدة بعينها وإن لم يجر لفظ مميز. ولو قال: بنتي الكبرى وسماها بإسم الصغرى، صح النكاح على الكبرى على الوصف. ويجئ على قياس الوجه المذكور في الواحدة أن يبطل النكاح.

(5/390)


وإذا لم يتعرض للكبر والصغر، بل قال: زوجتك بنتي فلانة، وذكر إسم الكبيرة وقصد تزويجه الصغيرة، أو بالعكس، وقصد الزوج التي قصدها الولي، صح النكاح على التي قصداها، ولغت التسمية. وفي الاعتماد على النية الاشكال السابق. ولو قال الزوج: قصدنا الكبيرة، فالنكاح في الظاهر منعقد على الكبيرة. وإن صدق الولي في أنه قصد الصغيرة، لم يصح، لانه قبل غير ما أوجب، هكذا ذكره العراقيون والبغوي المعتبرون للنية، وهذا يخالف مسألة منقولة، وهي أن زيدا خطب إلى قوم، وعمرا إلى آخرين، ثم جاء زيد إلى الآخرين، وعمرو إلى الاولين، وزوج كل فريق من جاءه، قال ابن القطان: وقعت في أيام أبي السائب ببغداد، فأفتى الفقهاء بصحة النكاحين، ومعلوم أن كل ولي أوجب لغير من قبل. قلت: ليست هذه المسألة مثلها، والفرق أظهر من أن يذكر. ومن فروع المسألة، زوج رجل رجلا إحدى بنتيه، فمات الاب، وادعت كل واحدة عليه أنها زوجته، أو ادعى هو على إحداهما، وسيأتي بيانه إن شاء الله تعالى في الباب الثاني عشر. والله أعلم.
الركن الثالث : الشهادة، فلا ينعقد النكاح إلا بحضرة رجلين مسلمين مكلفين حرين عدلين سميعين بصيرين متيقظين عارفين لسان المتعاقدين. وقيل: يصح بالاعميين، وحكى أبو الحسن العبادي رحمه الله وجها أنه ينعقد بمن لا يعرف لسان المتعاقدين، لانه ينقله إلى الحاكم. وأما المغفل الذي لا يضبط، فلا ينعقد به، وينعقد بمن يحفظ وينسى عن قريب.

(5/391)


وفي الاخرس وذي الحرفة الدنية، والصباغ، والصائغ، وجهان. وفي عدوي الزوجين أو أحدهما، أوجه. أصحها عند البغوي وهو المنصوص في الام: الانعقاد. والثالث: ينعقد بعدوي أحدهما دون عدويهما، واختاره العراقيون. وفي ابنيهما وابني أحدهما وابنه وابنها هذه الاوجه. وقيل: يختص الخلاف بهذه الصورة، وينعقد في العدوين قطعا، لان العداوة في تزول. وقيل: ينعقد بابنيها وعدويه دون ابنيه وعدويها، لانه محتاج إلى الاثبات دونها، ويجري الخلاف في جده وجدها، وأبيه مع جدها. وأما أبوها، فولي عاقد، فلا يكون شاهدا. ولو وكل، لم ينعقد بحضوره، لان الوكيل نائبه، وكذا لو وكل غير الاب وحضر مع شاهد آخر، لم ينعقد. قال البغوي في الفتاوى: لو كان لها إخوة، فزوج أحدهم، وحضر آخران منهم شاهدين، ففي صحة النكاح جوابان. وجه المنع: أن الشرع جعل المباشر نائبا عن الباقين فيما توجه عليهم. قلت: الراجح منهما، الصحة. قال أصحابنا: وينعقد بحضرة ابنيه مع ابنيها، أو عدويه مع عدويها بلا خلاف، لامكان إثبات شقته. والله أعلم.

(5/392)


فرع ينعقد النكاح بشهادة المستورين على الصحيح. وقال الاصطخري: لا. والمستور: من عرفت عدالته ظاهرا، لا باطنا. وقال البغوي: لا ينعقد بمن لا تعرف عدالته ظاهرا، وهذا كأنه مصور فيمن لا يعرف إسلامه، وإلا، فظاهر من حال المسلم الاحتراز من أسباب الفسق. قلت: الحق، قول البغوي، وأن مراده من لا يعرف ظاهره بالعدالة، وقد صرح البغوي بهذا، وقاله شيخه القاضي حسين، ونقله إبرهيم المروذي عن القاضي ولم يذكر غيره. والله أعلم. ولا ينعقد بمن لا يظهر إسلامه وحريته، بأن يكون في موضع يختلط فيه المسلمون بالكفار والاحرار بالعبيد ولا غالب. وتردد الشيخ أبو محمد في مستور الحرية، والصحيح الاول، بل لا يكتفى بظاهر الاسلام والحرية بالدار حتى يعرف حاله فيهما باطنا. هذا مقتضى كلام البغوي وغيره، وفرقوا بأن الحرية يسهل الوقوف عليها، بخلاف العدالة والفسق. ولو أخبر عدل بفسق المستور، فهل يزول الستر فلا ينعقد بحضوره، وإن زال فيسلك به مسلك الرواية ؟ أم يقال: هو شهادة فلا يقدح إلا قول من يجرح عند القاضي ؟ تردد فيهما الامام.

(5/393)


قلت: لو ترافع الزوجان إلى حاكم، وأقرا بنكاح عقد بمستورين، واختصما في حق زوجته، كنفقة ونحوها، حكم بينهما، ولا ينظر في حال الشاهدين إلا أن يعلم فسقهما فلا يحكم. فإن جحد أحدهما النكاح، فأقام المدعي مستورين، لم يحكم بصحته ولا فساده، بل يتوقف حتى يعلم باطنهما، ذكره الشيخ أبو حامد وغيره. والله أعلم. فرع لو بان الشاهد فاسقا حال العقد، فالنكاح باطل على المذهب، كما لو بان كافرا أو عبدا، وإنما يتبين الفسق ببينة أو بتصادق الزوجين أنهما كانا فاسقين ولم نعلمهما، أو نسينا فسقهما. فأما لو قالا: علمنا (فسقهما) حينئذ، أو علمه أحدنا، فقال الامام: نتبين البطلان بلا خلاف، لانهما لم يكونا مستورين عند الزوجين، وعليهما التعويل، ولا اعتبار بقول الشاهدين: كنا فاسقين يومئذ، كما لا اعتبار بقولهما: كنا فاسقين بعد الحكم بشهادتهما، وكذا لو تقار الزوجان أن النكاح وقع في الاحرام أو العدة أو الردة، نتبين بطلانه، ولا مهر إلا إذا كان دخل بها، فيجب مهر المثل. فلو نكحها

(5/394)


بعد ذلك، ملك ثلاث طلقات. ولو اعترف الزوج بشئ من ذلك وأنكرت، لم يقبل قوله عليها في المهر، فيجب نصف المسمى إن كان قبل الدخول، وكله إن كان بعده، ويفرق بينهما بقوله. وفي سبيل هذا التفريق خلاف. قال أصحاب القفال: هو طلقة بائنة، فلو نكحها يوما، عادت بطلقتين. قالوا: وهذا مأخوذ من نص الشافعي رضي الله عنه، أنه لو نكح أمة، ثم قال: نكحتها وأنا واجد طول حرة، بانت بطلقة. وعن الشيخ أبي حامد والعراقيين: أنها فرقة فسخ لا تنقص عدد الطلاق، كما لو أقر الزوج بالرضاع. وإلى هذا مال الامام، والغزالي، وهؤلاء أنكروا نصه في مسألة الامة، ولانكاره وجه ظاهر، لانه نص في عيون المسائل أنه إذا نكح أمة، ثم قال: نكحتها وأنا أجد طولا، فصدقه مولاها، فسخ النكاح بلا مهر، فإن كان دخل، فعليه مهر مثلها. وإن كذبه، فسخ النكاح بإقراره، ولم يصدق على المهر، دخل أم لم يدخل. هذا لفظه وهو يوافق قول العراقيين. قلت: الاصح أو الصحيح، قول العراقيين. وحكى العراقيون وجها: أنه يقبل قوله في المهر، فلا يلزمه. وعلى هذا قالوا: إن كان اعترافه قبل الدخول، فلا شئ عليه. وإن كان بعده، فعليه أقل الامرين من المسمى ومهر المثل، ولا خلاف أنها إذا ماتت لا يرثها. وإن مات قبلها، فإن قلنا: القول قوله ولم يكن حلف، فيحلف وارثه: لا يعلمه تزوجها بشهادة عدلين، ولا إرث لها. وإن قلنا: القول قولها، حلفت أنه عقد بعدلين وورثت.

(5/395)


ولو قالت: عقدنا بفاسقين، فقال: بل بعدلين. فأيهما يقبل ؟ وجهان. الاصح: قوله. فإن مات، لم ترثه، وإن مات أو طلقها قبل الدخول، فلا مهر، لانكارها، وبعد الدخول لها أقل الامرين من المسمى ومهر المثل. والله أعلم. فرع إستتابة المستورين قبل القد، إحتياط واستظهار، وتوبة المعلن بالفسق حينئذ، هل تلحقه بالمستور ؟ فيه تردد للشيخ أبي محمد. والاصح: المنع. فإن ألحقنا فعاد إلى فجوره على قرب، قال الامام: فالظاهر أن تلك التوبة تكون ساقطة، قال: وفيه احتمال. فرع الاحتياط، الاشهاد على رضى المرأة حيث يشترط رضاها، لكنه ليس بشرط في صحة النكاح. قلت: ومن مسائل الفصل، أنه لا يشترط إحضار الشاهدين، بل إذا حضرا

(5/396)


بأنفسهما، وسمعا الايجاب والقبول، صح وإن لم يسمعا الصداق. ولو عقد بشهادة خنثيين، ثم بانا رجلين، قال القاضي أبو الفتوح: احتمل أن يكون في انعقاده وجهان بناء على ما لو صلى رجل خلفه فبان رجلا. هذا كلامه. والانعقاد هنا هو الاصح، لان عدم جزم النية يؤثر في الصلاة. والله أعلم.
الركن الرابع : العاقدان، وهما الموجب، والقابل. فالقابل: هو الزوج ومن ينوب عنه. والموجب: هو الولي أو وكيله، ولا تصح عبارة المرأة في النكاح إيجابا وقبولا. فلا تزوج نفسها بإذن الولي ولا بغير إذنه، ولا غيرها، لا بولاية ولا وكالة، (ولا يقبل النكاح لا بولاية ولا وكالة). ولو وكل بنته بأن توكل رجلا بتزويجها، فوكلت، نظر، إن قال: وكلي عن نفسك، لم يصح. وإن قال: وكلي عني، أو أطلق، فوجهان. فرع روى يونس بن عبد الاعلى، أن الشافعي رضي الله عنه قال: إذا كان في الرفقة امرأة لا ولي لها، فولت أمرها رجلا حتى يزوجها، جاز، وليس هذا قولا في صحة النكاح بلا ولي، لان أبا عاصم العبادي حكى هذا النص في طبقات

(5/397)


الفقهاء، ثم ذكر أن من أصحابنا من أنكره، ومنهم من قبله، وقال: إنه تحكيم، والمحكم قام مقام الحاكم. قلت: ذكر صاحب الحاوي فيما إذا كانت امرأة في موضع ليس فيه ولي ولا حاكم، ثلاثة أوجه. أحدها: لا تزوج. والثاني: تزوج نفسها للضرورة. والثالث: تولي أمرها رجلا يزوجها. وحكى الشاشي أن صاحب المهذب كان يقول في هذا: تحكم فقيها مجتهدا، وهذا الذي ذكره في التحكيم صحيح بناء على الاظهر في جواه في النكاح، ولكن شرط الحكم أن يكون صالحا للقضاء، وهذا يعتبر في مثل هذه الحال. فالذي نختاره، صحة النكاح إذا ولت أمرها عدلا وإن لم

(5/398)


يكن مجتهدا، وهو ظاهر نصه الذي نقله يونس، وهو ثقة. والله أعلم. فرع إذا وطئ في نكاح بلا ولي، وجب مهر المثل، ولا حد سواء صدر ممن يعتقد تحريمه أو إباحته باجتهاد أو تقليد أو حسبان مجرد، لشبهة اختلاف العلماء، ولكن معتقد التحريم يعزر. وقال الاصطخري وأبو بكر الفارسي والصيرفي: يحد معتقد التحريم، ولا مهر، وهو ضعيف. ولو رفع النكاح بلا ولي إلى قاض يصححه، فحكم بصحته، ثم رفع إلينا، لم ننقض قضاءه على الصحيح. وقال الاصطخري: ننقضه، ولو طلق فيل، لم يقع، فلو طلق ثلاثا، لم يفتقر إلى محلل. وقال أبو إسحق: يقع ويفتقر إلى محلل احتياطا للابضاع، وهذا كوجهين ذكرهما أبو الحسن العبادي عن القفال، أنها إذا زوجت نفسها، هل للولي أن يزوجها قبل تفريق القاضي بينهما ؟ قال: وبالمنع أجاب القفال الشاشي، لانها في حكم الفراش، وهو تخريج ابن سريج. فرع إذا أقرت حرة مكلفة بالنكاح، فقولان. الجديد الاظهر: يقبل إقرارها مع تصديق الزوج بلا بينة، لان النكاح حقهما، فثبت بتصادقهما، كالبيع وغيره، ولا فرق على هذا بين البكر والثيب، ولا بين الغريبين والبلديين. والقديم: أنهما إن كانا غريبين، ثبت النكاح، وإلا، طولبا بالبينة، لسهولتها عليهما، وللاحتياط، فعلى الجديد: هل يكفي إطلاق الاقرار، أم يشترط أن يفصل فيقول: زوجني به وليي بحضرة شاهدين عدلين ورضاي ؟ إن كانت معتبرة الرضى، وجهان. أصحهما: الثاني. ثم إذا أقرت وكذبها الولي، فثلاثة أوجه. أصحها: يحكم بقولها، لانها تقر على نفسها، قاله ابن الحداد والشيخ أبو علي. والثاني: لا، لانها كالمقرة على الولي، قاله القفال، والثالث: يفرق بين العفيفة والفاسقة، قاله القاضي حسين. ولا فرق في هذا الخلاف بين أن تفصل الاقرار وتضيف التزويج إلى الولي فيكذبها، وبين أن تطلق إذا قبلنا الاقرار المطلق فقال الولي: لا ولي لك غيري، وما زوجتك. ويجري الخلاف أيضا في تكذيب الشاهدين إذا كانت قد عينتهما. والاصح: أنه لا يقدح تكذيبهما، لاحتمال النسيان والكذب. فإن قلنا: تكذيب الولي يمنع قبول إقرارها، فكان غائبا، لم ينتظر حضوره، بل تسلم إلى الزوج في

(5/399)


الحال للضرورة، فإن عاد وكذبها، فهل يحال بينهما لزوال الضرورة، أم يستدام ؟ وجهان، رجح الغزالي الاول، وغيره الثاني. وإذا قلنا بالقديم، فجرى الاقرار في الغربة، ثم رجعا إلى الوطن، ففي الحوالة بينهما الوجهان. قال الامام: ولا شك أنه لو قضى قاض بالاقرار، لم ينقض. فرع أقر الولي بإنكاحها، إن كان له إنشاء النكاح المقر به عند الاقرار بغير رضاها، قبل إقراره، لقدرته على الانشاء. وحكى الحناطي وجها أنه لا يقبل حتى توافقه البالغة. والصحيح الاول. وإن لم يكن له الانشاء بغير رضاها، لكونه غير مجبر، أو الحال غير حال الاجبار، أو الزوج ليس بكف ء، لم يقبل إقراره. ولو قال وهي ثيب: كنت زوجتها في بكارتها، لم يقبل، واعتبر وقت الاقرار، كذا أطلقه الامام، وهو الظاهر. ويمكن جعله على الخلاف فيما لو أقر مريض لوارثه بهبة في الصحة. فرع أقرت لزوج، وأقر وليها المقبول إقراره لآخر، فهل المقبول إقراره، أم إقرارها ؟ فيه وجهان حكاهما أبو الحسن العبادي والحليمي عن القفال الشاشي والاودني. فرع قال الخاطب لولي المرأة: زوجت نفسي بنتك، فقبل، قال المتولي: يبنى انعقاد النكاح على أن كل واحد من الزوجين معقود عليه لان بقاءهما شرط لبقاء العقد كالعوضين في البيع، أم المعقود عليه المرأة فقط لان العوض من جهته المهر لا نفسه، ولانه لا حجر عليه في نكاح غيرها معها ؟ فيه خلاف. فعلى الثاني: لا ينعقد. وعلى الاول: وجهان. قال أبو عاصم وأبو سهل الابيوردي: ينعقد كما لو أضاف إليها، ومنعه القاضي حسين، لانه غير معهود. الباب الرابع : في بيان الأولياء وأحكامهم وفيه ثمانية أطراف.

(5/400)


الطرف الأول : في أسباب الولاية، وهي أربعة. السبب الاول: الابوة، وفي معناها الجدودة، وهي أقوى الاسباب، لكمال الشفقة، فللاب تزويج البكر الصغيرة والكبيرة بغير إذنها، ويستحب استئذان البالغة. ولو أجبرها، صح النكاح. فلو كان بين الاب وبينها عداوة ظاهرة، قال ابن كج: ليس له إجبارها، وكذا نقله الحناطي عن ابن المرزبان، قال: ويحتمل جوازه. فأما الثيب، فلا يزوجها الاب إلا بإذنها في حال البلوغ، والجد كالاب في كل هذا، وحكى الحناطي قولا: أن الجد لا يجبر البكر البالغة، واختاره ابن القاص وأبو الطيب بن سلمة، والمشهور الاول. وسواء حصلت الثيوبة بوطئ محترم أو زنا. وحكي عن القديم: أن المصابة بالزنا كالبكر. والمذهب الاول، ولو زالت بكارتها بسقطة، أو أصبع، أو حدة الطمث، أو طول التعنيس، أو وطئت في دبرها، فبكر على الصحيح. ولو وطئت مجنونة، أو مكرهة، أو نائمة، فثيب على الصحيح. ولو خطب البكر رجل، فمنعها أبوها، فذهبت وزوجت نفسها به، ثم زوجها الاب غيره بغير إذنها، إن كان الاول لم يطأها، صح تزويج الاب، وإلا، فلا، لانها ثيب بوطئ شبهة. قلت: إنما يصح تزويج الاب، إذا لم يكن حكم بصحة نكاحها بنفسها حنفي ونحوه. والله أعلم. فرع إذا التمست البكر البالغة التزويج وقد خطبها كف ء، لزم الاب والجد إجابتها، فإن امتنع، زوجها السلطان. وفي وجه: لا تلزمه الاجابة، ولا يأثم

(5/401)


بالامتناع، لان الغرض يحصل بتزويج السلطان، وهو ضعيف. ولو التمست صغيرة بلغت إمكان الشهوة، قال بعضهم: لزمه إجابتها. قلت: هذا ضعيف. والله أعلم. فرع عينت كفئا، وأراد الاب تزويجها بكف ء آخر، كان له ذلك على الاصح. قلت: قال الشافعي رضي الله عنه: أستحب للاب أن لا يزوج البكر حتى تبلغ ويستأذنها. قال الصيمري: فإن قاربت البلوغ، وأراد تزويجها، استحب أن يرسل إليها ثقات ينظرن ما في نفسها. قال الصيمري: ولو خلقت المرأة بلا بكارة، فهي بكر. ولو ادعت البكارة أو الثيوبة، فقطع الصيمري وصاحب الحاوي: بأن القول قولها، ولا يكشف حالها، لانها أعلم. قال صاحب الحاوي: ولا تسأل عن الوطئ، ولا يشترط أن يكون لها زوج. قال الشاشي: وفي هذا نظر، لانها ربما أذهبت بكارتها بأصبعها، فله أن يسألها. فإن اتهمها، حلفها. والله أعلم. السبب الثاني: عصوبة من على حاشية النسب، كالاخ والعم وبنيهما، فلا تزوج بها الصغيرة بكرا كانت أو ثيبا. وأما البالغة، فإن كانت ثيبا، فلهم تزويجها بإذنها الصريح. وإن زوجت بغير رضاها، لم ينعقد. وإن كانت بكرا، فلهم تزويجها إذا استأذنوها. وهل يكفي سكوتها، أم يشترط صريح نطقها ؟ وجهان. أصحهما: الاول. وحكي وجه: أنه لا حاجة للاستئذان أصلا، بل إذا عقد بين يديها ولم تنكر، كان رضى. والصحيح الاشتراط. وإذا اكتفينا بالسكوت، حصل الرضى، ضحكت، أم بكت، إلا إذا بكت مع الصياح وضرب الخد، فلا يكون رضى. وإذا أراد الاب تزويج البكر بغير كف ء، فاستأذنها، فهل يكفي السكوت ؟ فيه

(5/402)


الوجهان. قلت: ونقل الرافعي في آخر كتاب النكاح عن فتاوى القاضي حسين الجزم بصحة النكاح إذا استأذنها ولي في تزويجها بغير كف ء فسكتت. قال صاحب البيان: قال أصحابنا المتأخرون: إذا استأذن الولي البكر في أن يزوجها بغير نقد البلد، أو بأقل من مهر المثل، لم يكن سكوتها إذنا في ذلك. والله أعلم. فرع قال: أزوجك بشخص ؟ فسكتت، قال بعض المتأخرين: الاليق بمذهبنا أنه لا يكون رضى، لان الرضا بالمجهول لا يتصور. ولك أن تقول: هذا يخرج على أنه يشترط تعيين الزوج في الاذن. والاصح أنه ليس بشرط، فلا يضر الجهل إذا اكتفينا بالسكوت. قلت: هذا الذي أورده الرافعي، هو الصواب. والله أعلم. فرع قال: أيجوز أن أزوجك ؟ فقالت: لم لا يجوز ؟ أو قال: أتأذنين ؟ فقالت: لم لا آذن ؟ حكى بعضهم: أنه ليس بإذن، ولك أن تقول: هذا مشعر برضاها، فهو أولى من سكوتها. قلت: المختار أنه إذن. والله أعلم. فرع قالت: وكلتك بتزويجي، فالذي لقيناهم من الائمة لا يعدونه إذنا، لان توكيل المرأة في النكاح باطل، لكن المسألة غير مسطورة، ويجوز أن يعتد به إذنا، كما إذا فسدت الوكالة، نفذ التصرف بالاذن. قلت: هذا عجب من الامام الرافعي، والمسألة منصوصة للشافعي. قال صاحب البيان: يجوز للمرأة أن تأذن لوليها غير المجبر بلفظ (الاذن)، ويجوز بلفظ الوكالة، نص عليه الشافعي رحمه الله، لان المعنى فيهما واحد، فهذا هو الصواب نقلا ودليلا. ولو أذنت له، ثم رجعت، لم يصح تزويجها، كالموكل إذا عزل الوكيل، فإن زوجها الولي بعد العزل قبل العلم، ففي صحته وجهان بناء على بيع الوكيل. والله أعلم. فرع في فتاوى البغوي: أن التي يعتبر إذنها في تزويجها إذا قالت

(5/403)


لوليها وهي في نكاح أو عدة: أذنت لك في تزويجي إذا فارقني زوجي أو انقضت عدتي، فينبغي أن يصح الاذن، كما لو قال الولي للوكيل: زوج بنتي إذا فارقها زوجها أو انقضت عدتها. وفي هذا التوكيل وجه ضعيف: أنه لا يصح، وقد سبق في الوكالة. وفيها أنه لو قيل للبكر: رضيت بما تفعله أمك ؟ وهي تعرف أنهم يعنون النكاح، فقالت: رضيت، لم يكن إذنا، لان الام لا تعقد، بخلاف ما لو قالت: رضيت بما يفعل الولي. ولو قالت: رضيت بالتزويج بمن تختاره أمي، جاز. ولو قالت: رضيت إن رضيت أمي، لا يجوز. ولو قالت: رضيت إن رضي وليي. فإن أرادت التعليق، لم يجز. وإن أرادت: إني رضيت بما يفعله الولي، كان إذنا. وفيها: لو أذنت في التزويج بألف، ثم قيل لها عند العقد: بخمسمائة، فسكتت وهي بكر، كان سكوتها إذنا في تزويجها بخمسمائة. ولو قيل ذلك لامها وهي حاضرة، فسكتت، لم يكن إذنا. السبب الثالث: الاعتاق، فالمعتق وعصبته يزوجون كالاخ. السبب الرابع: السلطنة، فيزوج السلطان بالولاية العامة البوالغ بإذنهن، ولا يزوج الصغار. ثم السلطان يزوج في مواضع. أحدها: عدم الولي الخاص. الثاني: عند غيبته. الثالث: عند إرادته تزوجها لنفسه. الرابع: عضله، فإذا عضلها وليها بقرابة أو إعتاق، واحدا كان، أو جماعة مستوين، زوجها السلطان. وهل تزويجه في هذا الحال بالولاية، أم النيابة عن الولي ؟ وجهان حكاهما الامام فيه وفي جميع صور تزويج السلطان مع وجود أهلية الولي الخاص. ثم إنما يحصل العضل إذا دعت البالغة العاقلة إلى تزويجها بكف ء فامتنع. فأما إذا دعت إلى غير كف ء، فله الامتناع، ولا يكون عضلا. وإذا حصلت

(5/404)


الكفاءة، فليس له الامتناع لنقصان المهر، لانه محض حقها. ولا بد من ثبوت العضل عند الحاكم ليزوجها. قال البغوي: ولا يتحقق العضل حتى يمتنع بين يدي القاضي، وذلك بأن يحضر الخاطب والمرأة والولي، ويأمره القاضي بالتزويج فيقول: لا أفعل، أو يسكت، فحينئذ يزوجها القاضي. وكان هذا فيما إذا تيسر إحضاره عند القاضي. فأما إذا تعذر بتعزز أو توار، فيجب أن يجوز الاثبات بالبينة كسائر الحقوق. وفي تعليق الشيخ أبي حامد ما يدل عليه، وعند الحضور لا معنى للبينة، فإنه إن زوج، وإلا فعضل. فرع سيأتي خلاف في أن السيد يزوج أمته بالملك، أم بالولاية ؟ إن قلنا: بالولاية، صارت الاسباب خمسة.
الطرف الثاني : في ترتيب الأولياء، فتقدم جهة القرابة، ثم الولاء، ثم السلطنة. ويقدم من القرابة الاب، ثم أبوه، ثم أبوه، إلى حيث ينتهي، ثم الاخ من الابوين، أو من الاب، ثم ابنه وإن سفل، ثم العم من الابوين، أو من الاب، ثم ابنه وإن سفل، ثم سائر العصبات. والترتيب في التزويج، كالترتيب في الارث، إلا في مسائل. إحداها: الجد يقدم على الاخ هنا. المسألة الثانية: الاخ للابوين يقدم على الاخ للاب في الارث، وهنا قولان. أظهرهما وهو الجديد: يقدم أيضا. والقديم: يستويان، ويجري القولان في ابني الاخ والعمين وابني العم إذا كان أحدهما من الابوين والآخر من الاب. ولو كان ابنا عم أحدهما أخوها من الام، أو ابنا ابن عم أحدهما ابنها، فقال الامام: هما سواء. وطرد الجمهور القولين وقالوا: الجديد: يقدم الاخ والابن. ولو كان ابنا عم أحدهما من الابوين، والآخر من الاب، لكنه أخوها من الام، فالثاني هو الولي، لانه يدلي بالجد والام، والاول بالجد والجدة.

(5/405)


ولو كان ابنا ابن عم أحدهما ابنها، والآخر أخوها من الام، فالابن هو المقدم، لانه أقرب. ولو كان ابنا معتق أحدهما ابنها، فهو المقدم، وبه قال ابن الحداد، لكنه ذكر في التفريع أنه لو أراد المعتق نكاح عتيقته وله ابن منها وابن من غيرها لانها تستحق الحرية بسببه، زوجه ابنه منها دون ابنه من غيرها، وهذا غلط عند جمهور الاصحاب، لان ابن المعتق لا يزوج في حياة المعتق، وإنما يزوجه السلطان، وإنما يزوج ابن المعتق بعد موته. وهذا كله على الجديد. وأما على القديم، فيسوى بينهما في الصور. قلت: ولو كان ابنا عم أحدهما معتق، فعلى القولين، أو ابنا عم أحدهما خال، فهما سواء بلا خلاف. والله أعلم. (المسألة) الثالثة: الابن لا يزوج بالبنوة، فإن شاركها في نسب كابن هو ابن ابن عمها، فله الولاية بذلك. وكذا إن كان معتقا أو قاضيا، أو تولدت قرابة من أنكحة المجوس، أو وطئ الشبهة، بأن كان ابنها أخاها، أو ابن أخيها، أو ابن عمها، ولا تمنعه البنوة التزويج بالجهة الاخرى. فصل وأما الولاء، فمن لا عصبة لها بنسب، وعليها ولاء، فينظر، إن أعتقها رجل، فولاية تزويجها له. فإن لم يكن بصفة الولاية، فلعصباته، ثم لمعتقه، ثم لعصبات معتقه، وهكذا على ترتيبهم في الارث. وترتيب عصبات المعتق في التزويج، كترتيب عصبات النسب، إلا في ثلاث مسائل. إحداها: جدها أولى من أخيها، وفي جد المعتق وأخيه قولان كارثهما بالولاء. أظهرهما: تقديم الاخ. والثاني: يستويان. ولو اجتمع جد المعتق وابن أخيه، فإن قدمنا الاخ على الجد، قدمنا ابنه، وإلا فيقدم الجد. وقد حكينا في الارث تفريعا على هذا القول وجها أنهما يستويان، فيجوز أن يطرد هنا. (المسألة) الثانية: ابن المرأة لا يزوجها، وابن المعتق يزوج، ويقدم على أبيه، لان التعصيب له.

(5/406)


(المسألة) الثالثة: إذا اجتمع أخو المعتق. لابويه وأخوه لابيه، فالمذهب القطع بتقديم الاخ للابوين. وقيل بطرد القولين كالنسب. وقيل: يستويان قطعا. أما إذا كان المعتق إمرأة، فلا ولاية لها، لعدم أهليتها، فإن كانت حية، فوجهان. أحدهما قاله صاحب التلخيص: يزوجها السلطان. والصحيح أنه يزوجها من يزوج معتقها، فيزوجها أبو المعتقة ثم جدها على ترتيب الاولياء، ولا يزوجها ابن المعتقة، ويشترط في تزويجها رضاها، ولا يشترط رضى المعتقة على الاصح، إذ لا ولاية لها. وقيل: يشترط، فإن عضلت، ناب السلطان عنها في الاذن، ويزوج الولي. فإن كانت المعتقة ميتة، زوجها من له الولاء من عصبات المعتقة، ويقدم الابن على الاب. وتعود الصور المذكورة في مفارقتهم عصبات النسب فيما إذا كان المعتق رجلا. وحكي وجه: أن الاب يقدم على الابن بعد موت المعتقة، ووجه: أن الابن يقدم على الاب في حياتها، وهما شاذان. فرع متى اجتمع عدد من عصبات المعتق في درجة، كالبنين والاخوة، فهم كالاخوة في النسب. فإذا زوجها أحدهم برضاها، صح، ولا يشترط رضى الآخرين. ولو أعتق الامة اثنان، اشترط رضاهما، فيوكلان، أو يوكل أحدهما الآخر، أو يباشران العقد معا. ولو أراد أحد المعتقين أن يتزوجها، اشترط موافقة السلطان للآخر. ولو مات أحدهما عن ابنين أو أخوين، كفى موافقة أحدهما للمعتق الآخر. ولو مات كل منهما عن ابنين، كفى موافقة أحد ابني هذا أحد ابني ذاك. ولو مات أحدهما ووارثه الآخر، استقل بتزويجها. فرع كان المعتق خنثى مشكلا، ينبغي أن يزوجها أبوه بإذنه، فيكون وليا أو وكيلا إن كان الخنثى ذكرا. فصل فيمن بعضها حر، خمسة أوجه. أصحها: يزوجها مالك البعض ومعه وليها القريب. فإن لم يكن، فمعتق بعضها، وإلا، فالسلطان. والثاني:

(5/407)


يكون معه معتق البعض. والثالث: معه السلطان. والرابع: يستقل مالك البعض. والخامس: لا يجوز تزويجها أصلا، لضعف الملك والولاية بالتبعيض.
الطرف الثالث : في موانع الولاية، وهي خمسة. (المانع) الاول: الرق، فلا ولاية لرقيق، ويجوز أن يتوكل لغيره في قبول النكاح بإذن سيده قطعا، وبغير إذنه على الاصح، ولا يصح توكيله في الايجاب على الاصح عند الجمهور. وقد سبق هذا في الوكالة. (المانع) الثاني: ما يسلب النظر والبحث عن حال الزوج ز وفيه صور ست. إحداها: الصبا والجنون المطبق يمنعان الولاية وينقلانها إلى الابعد. وفي الجنون المنقطع وجهان. أصحهما: أنه كالمطبق، ويزوجها الابعد يوم جنونه، لبطلان أهليته. والثاني: لا يزيل ولايته كالاغماء، فعلى هذا ينتظر حتى يفيق على الصحيح. وقيل: يزوجها الحاكم كالغيبة، والخلاف جار في الثيب المنقطع جنونها. فعلى رأي: تزوج في حال جنونها. وعلى رأي: ينتظر إفاقتها لتأذن. ولو وكل هذا الولي في إفاقته، اشترط عقد وكيله قبل عود الجنون، وكذا إذا أذنت الثيب، يشترط تقدم العقد على عود الجنون. قال الامام: وإذا قصرت نوبة الافاقة جدا، لم تكن الحال حال تقطع، لان السكون اليسير لا بد منه مع إطباق الجنون. ولو أفا، وبقيت آثار خبل يحمل مثلها ممن لا يعتريه الجنون على حدة في الخلق، فهل تعود ولايته، أم يستدام حكم الجنون إلى أن يصفو من الخبل ؟ فيه وجهان. قلت: لعل الثاني أصح. والله أعلم.

(5/408)


الصورة الثانية: إختلال النظر لهرم أو خبل جبلي أو عارض، يمنع الولاية وينقلها إلى الابعد، والحجر بالفلس لا يمنعها، وبالسفه يمنعها على المذهب. وقيل: وجهان. قلت: وحكى الشاشي في المفلس وجها. والله أعلم. الصورة الثالثة: الاغماء الذي لا يدوم غالبا، فهو كالنوم، ينتظر إفاقته، ولا يزوج غيره. وإن كان مما يدوم يوما أو يومين فأكثر، فوجهان. أحدهما: نقل الولاية إلى الابعد كالجنون. وأصحهما: المنع. فعلى هذا، قال البغوي وغيره: تنتظر إفاقته كالنائم. وقال الامام: ينبغي أن تعتبر مدته بالسفر. فإن كانت مدة يعتبر فيها إذن الولي الغائب، وقطع المسافة ذهابا ورجوعا، انتظرت إفاقته، وإلا، فيزوج الحاكم، ويرجع في معرفة مدته إلى أهل الخبرة. الصورة الرابعة: السكران الذي سقط تمييزه بالكلية كلامه لغو. فإن بقي له تمييز ونظر، فالمذهب أنه لا يزوج، وتنتظر إفاقته. الصورة الخامسة: الاسقام والآلام الشاغلة عن النظر ومعرفة المصلحة، تمنع الولاية وتنقلها إلى الابعد، نص عليه، وأخذ به الاصحاب. (الصورة) السادسة: للاعمى أن يتزوج قطعا، وله أن يزوج على الاصح. ويجري الخلاف في ولاية الاخرس الذي له كتابة أو إشارة مفهمج. وقيل: يزوج قطعا. فإن

(5/409)


لم تكن مفهمة، فلا ولاية له. المانع الثالث: الفسق فيه سبع طرق. أشهرها: في ولاية الفاسق قولان، وقيل بالمنع قطعا. وقيل: يلي قطعا. وقيل: يلي المجبر فقط. وقيل: عكسه، لانه لا يستقل. وقيل: يلي غير الفاسق بشرب الخمر. وقيل: يلي المستتر بفسقه دون المعلن. وأما الراجح، فالظاهر من مذهب الشافعي رضي الله عنه: منع ولاية الفاسق، وأفتى أكثر المتأخرين بأنه يلي، لا سيما الخراسانيون، واختاره الروياني. قلت: الذي رجحه الرافعي في المحرر: منع ولايته. واستفتي الغزالي فيه فقال: إن كان بحيث لو سلبناه الولاية لانتقلت إلى حاكم يرتكب ما يفسقه، ولي، وإلا، فلا. وهذا الذي قاله حسن، وينبغي أن يكون العمل به. والله أعلم. فرع قال القاضي حسين والشيخ أبو علي وغيرهما: ولاية الفاسق لمال ولده على الخلاف في ولاية النكاح بلا فرق. وقطع غيرهم بالمنع، وهو المذهب. فرع سبق أن الامام الاعظم لا ينعزل بالفسق على الصحيح، وحينئذ في تزويجه بناته وبنات غيره بالولاية العامة وجهان، تفريعا على أن الفاسق لا يلي. أحدهما: المنع كغيره، ويزوجهن من دونه من الولاة والحكام. وأصحهما: أنه يزوج، تفخيما لشأنه، ولهذا لم يحكم بانعزاله. فرع إذا تاب الفاسق، قال البغوي في هذا الباب: له التزويج في الحال، ولا يشترط مضي مدة الاستبراء. والقياس الظاهر وهو المذكور في الشهادات: اعتبار الاستبراء، لعود الولاية حيث يعتبر لقبول الشهادة، وسنفصله إن

(5/410)


شاء الله تعالى. فرع للفاسق أن يتزوج لنفسه على المذهب، وبه قطع الجمهور. وفي تعليق الشيخ ملكداذ القزويني، عن القاضي أبي سعد وجه: أنه ليس له التزويج إذا قلنا: لا يلي. فرع إذا قلنا: الفاسق لا يلي، فالولاية للابعد على الصحيح، وبه قطع الجمهور. وحكى الحناطي وجها: أنها للسلطان. ثم الفسق إنما يتحقق بارتكاب كبيرة، أو إصرار على صغيرة، وليس العضل من الكبائر، وإنما يفسق به إذا عضل مرات أقلها - فيما حكى بعضهم - ثلاث، وحينئذ فالولاية للابعد. فرع إذا قلنا: الفاسق لا يلي، ففي أصحاب الحرف الدنية وجهان. قلت: المذهب القطع بثبوت ولايتهم، قاله البغوي وغيره. والله أعلم. المانع الرابع: إختلاف الدين، فلا يزوج المسلمة قريبها الكافر، بل يزوجها الابعد من أولياء النسب أو الولاء، وإلا، فالسلطان. ولا يزوج الكافرة قريبها المسلم، بل يزوجها الابعد الكافر. فإن لم يكن،

(5/411)


زوجها قاضي المسلمين بالولاية العامة، فإن لم يكن هناك قاض للمسلمين، فحكى الامام عن إشارة صاحب التقريب: أنه يجوز للمسلم قبول نكاحها من قاضيهم. والمذهب المنع. وهل يزوج اليهودي النصرانية ؟ يمكن أن يلحق بالارث، ويمكن أن يمنع. ثم الكافر إما يلي تزويج قريبته الكافرة إذا كان لا يرتكب محرما في دينه، فإن ارتكبه، فتزويجه إياها كتزويج المسلم الفاسق بنته. وعن الحليمي أن الكافر لا يلي التزويج، وأن المسلم إذا أراد تزوج ذمية، زوجه بها القاضي. والصحيح أنه يلي. فرع في فتاوى البغوي: أنه يجوز أن يوكل نصرانيا أو مجوسيا في قبول نكاح نصرانية، ولا يجوز في قبول نكاح مسلمة، ويجوز توكيل النصراني مسلما في قبول نكاح نصرانية، ولا يجوز في قبول نكاح مجوسية، لان المسلم لا يجوز له نكاحها (بحال)، بخلاف توكيل المعسر موسرا في تزويج أمة، فإنه جائز، لانه يستبيحها في الجملة. فرع المرتد لا ولاية له على مسلمة ولا مرتدة ولا غيرها من الكافرات. قلت: لا يزوج مسلم كافرة إلا السلطان والسيد على الاصح وإذا زوج أمة موليته، ولا يزوج كافر مسلمة إلا (أمته و) أم ولده على وجه، قاله الفوراني. والله أعلم. المانع الخامس: الاحرام. فإحرام أحد العاقدين أو المرأة يمنع إنعقاد النكاح. وقيل: إن كان العاقد الامام أو القاضي، فله التزويج، لقوة ولايتهما. والصحيح المنع.

(5/412)


وفي تأثير الاحرام وجهان. أحدهما: سلب الولاية ونقلها إلى الابعد، كالجنون. وأصحهما: أنه مجرد الامتناع دون زوال الولاية، لبقاء الرشد والنظر، فعلى هذا، يزوجها السلطان كما لو غاب. وسواء الاحرام بالحج أو العمرة، والصحيح والفاسد، (وقيل: لا يمنع الفاسد)، وينعقد بشهادة المحرم على الصحيح، وخالف الاصطخري. وتصح الرجعة في الاحرام على الاصح. ومن فاته الحج، هل يصح نكاحه قبل التحلل بعمل عمرة ؟ فيه وجهان حكاهما الحناطي. قلت: الصحيح المنع، لانه محرم. والله أعلم. فرع إذا وكل حلال حلالا في التزويج، ثم أحرم أحدهما، أو المرأة،

(5/413)


ففي انعزال الوكيل وجهان. أصحهما: لا ينعزل، فيزوج بعد التحلل بالوكالة السابقة، وليس للوكيل الحلال أن يزوج قبل تحلل الموكل. هذا هو المعروف في المذهب، ونقل الغزالي في الوجيز فيه وجها، ولم أره لغيره ولا له في الوسيط. ولو وكله في حال إحرام الوكيل أو الموكل أو المرأة، نظر، إن وكله ليعقد في الاحرام، لم يصح. وإن قال: لتزوج بعد التحلل، أو أطلق، صح، لان الاحرام يمنع الانعقاد دون الاذن. ومن ألحق الاحرام بالجنون، لم يصححه. ولو قال: إذا حصل التحلل فقد وكلتك، فهذا تعليق للوكالة، وقد سبق الخلاف فيه. وإذن المرأة في حال إحرامها على التفصيل المذكور في التوكيل. ولو وكل حلال محرما ليوكل حلالا بالتزويج، صح على الاصح، لانه سفير محض ليس إليه من العقد شئ. واعلم أن وكيل المصلي يزوج، بخلاف وكيل المحرم، لان عبارة المحرم غير صحيحة، وعبارة المصلي صحيحة. حتى لو زوجها في صلاته ناسيا، صح النكاح والصلاة. فصل إذا لم يكن الولي الاقرب حاضرا، نظر، إن كان مفقودا لا يعرف مكانه ولا موته وحياته، زوجها السلطان، لتعذر نكاحها من جهته. وإن انتهى الامر إلى غاية يحكم القاضي فيها بموته وقسم ماله بين ورثته - على ما سبق في الفرائض - انتقلت الولاية إلى الابعد. وإن عرف مكان الغائب، فإن كان على مسافة القصر، زوجها السلطان، ولا يزوجها الابعد. وقيل: يزوج الابعد. وعن القاضي أبي حامد: إن كان من الملوك وكبار الناس، اشترط مراجعته، وإن كان من التجار وأوساط الناس، فلا. والصحيح الاول. وإن كان دون مسافة القصر، فأوجه. أحدها: كالطويلة، وهو ظاهر نصه في المختصر. وأصحها: لا تزوج حتى يراجع فيحضر أو يوكل، نص عليه في الاملاء. والثالث: إن كان بحيث يتمكن المبتكر إليه من الرجوع إلى منزله قبل الليل، اشترطت مراجعته، وإلا، فلا.

(5/414)


فرع عن الشافعي رضي الله عنه: أن السلطان لا يزوج من تدعي غيبة وليها حتى يشهد شاهدان أنه ليس لها ولي حاضر، وأنها خلية عن النكاح والعدة. فقيل: هذا واجب. وقيل: مستحب. قلت: الاصح أنه مستحب، وبه قطع إبرهيم المروذي، ذكره في آخر كتاب الطلاق. والله أعلم. فعلى هذا، لو ألحت في المطالبة، ورأى السلطان التأخير، فهل له ذلك ؟ وجهان، ولا يقبل في هذا إلا شهادة مطلع على باطن أحوالها. وإن كان الولي الغائب ممن لا يزوج إلا بإذن، فقالت: ما أذنت له، فللقاضي تحليفها على نفي الاذن. قلت: قال الغزالي: وللقاضي تحليفها أن وليها لم يزوجها في الغيبة إن رأى ذلك. ومثل هذه اليمين التي لا تتعلق بدعوى، هل هي مستحبة، أم واجبة ؟ وجهان. والله أعلم. فرع إذا غاب الولي الاقرب الغيبة المعتبرة، فالاولى للقاضي أن يأذن للابعد أن يزوج، أو يستأذن ليزوج القاضي. فرع في فتاوى البغوي: أن القاضي إذا زوج من غاب وليها، ثم قدم وليها بعد العقد، بحيث يعلم أنه كان قريبا من البلد عند العقد، لم يصح النكاح.
الطرف الرابع : في تولي طرفي العقد، فيه مسائل. إحداها: هل يتولى الجد طرفي تزويج بنت ابنه الصغيرة أو الكبيرة بابن ابن آخر مولى عليه ؟ فيه وجهان. اختار ابن الحداد والقفال وابن الصباغ الجواز،

(5/415)


وصاحب التلخيص وجماعة من المتأخرين المنع. قلت: قال الرافعي في المحرر: رجح المعتبرون الجواز. والله أعلم. فإن جوزنا، اشترط الاتيان بشقي الايجاب والقبول على الاصح. وقيل: يكفي أحدهما. وإن منعنا، فإن كانت بالغة، زوجها السلطان بإذنها، ويقبل الجد للابن. وإن كانت صغيرة، وجب الصبر إلى أن تبلغ فتأذن، أو يبلغ الصغير فيقبل، كذا حكاه الشيخ أبو علي وغيره. وذكر الامام تفريعا على المنع: أنه يرفع إلى السلطان ليتولى أحد الطرفين. قال: ثم يحتمل أن يتخير منهما، ويحتمل أن يقال: يأتي بما يستدعيه الولي، وهذا مفروض فيما إذا كانت الولاية بسبب الجنون، وإلا، فغير الاب والجد لا يزوج الصغير ولا الصغيرة. المسألة الثانية: للعم تزويج بنت أخيه بابنه البالغ، ولابن العم تزويجها بابنه على المذهب فيهما. هذا إذا أطلقت الاذن وجوزناه. فإن عينته في الاذن، جاز قطعا، لانتفاء التهمة. وإن زوجها بابنه الطفل، لم يصح على المذهب، لانه نكاح لم يحضره أربعة، وليس له قوة الجدودة. المسألة الثالثة: إذا كان الولي ممن يجوز له نكاحها، كابن العم، والمعتق، والقاضي، وأراد نكاحها، لم تجز تولية الطرفين، ولكن يزوج ابن العم من في

(5/416)


درجته، فإن لم يكن، فالقاضي. وإن كان الراغب القاضي، زوجه وال فوقه، أو خرج إلى قاضي بلد آخر، أو يستخلف من يزوجه إن كان له الاستخلاف. وإن كان الراغب الامام الاعظم، زوجه بعض قضاته. هذا هو الصحيح. وفي الامام وجه مشهور: أنه يتولى الطرفين. وفي القاضي وابن العم وجه أبعد، ويجئ مثله في المعتق. وحكي الوجه في القاضي عن أبي يحيى البلخي. ولو أراد أحد هؤلاء تزويجها بابنه الصغير، فكنفسه. وحيث جوزنا لنفسه، فذلك إذا سمته في إذنها. فإن أطلقت، وجوزنا الاطلاق، فوجهان حكاهما الحناطي. وفي فتاوى البغوي: أنه لو أراد نكاح بنت عمه وهو وليها، وهو غائب عنها، زوجها به قاضي بلد المرأة، لا قاضي بلد الرجل. المسألة الرابعة: من منعناه تولي الطرفين، فوكل في أحدهما، أو وكل شخصين فيهما، لم يصح على الاصح، لان فعل الوكيل فعل الموكل. وقيل: يصح، لوجود العدد. وقيل: يجوز للجد، لتمام ولايته من الطرفين. ولو وكل الولي رجلا، ووكله الخاطب، أو وكله في تزويجه لنفسه، فتولى الطرفين، لم يصح على الصحيح. المسألة الخامسة: زوج أمته بعبده الصغير، وجوزنا له إجباره، فهو كتولي الجد طرفيه. المسألة السادسة: ابنا عم، أحدهما لاب، والآخر لابوين، أراد الاول نكاحها، يزوجه الثاني، وإن أراد الثاني وقلنا: هما سواء، زوجه الاول، وإلا، فالقاضي. المسألة السابعة: قالت لابن عمها أو معتقها: زوجني، أو زوجني من شئت،

(5/417)


ليس للقاضي تزويجه بها بهذا الاذن، لان المفهوم منه التزويج بأجنبي. وإن قالت: زوجني نفسك، حكى البغوي عن بعض الاصحاب: أنه يجوز للقاضي تزويجه إياها. قال: وعند لا يجوز، لانها إنما أذنت له، لا للقاضي. قلت: الصواب الجواز، لان معناه: فوض إلى من يزوجك إياي. والله أعلم.
الطرف الخامس : في التوكيل، التوكيل بالتزويج جائز. فإن كان الولي مجبرا، فله التوكيل بغير إذنها على الصحيح. وقيل: يشترط إذنها، حكاه الحناطي والقاضي أبو حامد. فعلى هذا، إن كانت صغيرة، امتنع التوكيل. فعلى الصحيح: إذا وكل لا يشترط تعيين الزوج على الاظهر. ولو أذنت الثيب في النكاح أو البكر لغير الاب والجد، ففي اشتراط التعيين القولان. وقيل: لا يشترط قطعا، لان الولي يعتني بدفع العار عن النسب، بخلاف الوكيل. قال الامام: وظاهر كلام الاصحاب يقتضي طرد الخلاف وإن رضيت بترك الكفاءة، لكن القياس تخصيصه بمن لم ترض. فأما من أسقطت الكفاءة، فلا معنى لاشتراط التعيين فيها. وإذا جوزنا التوكيل المطلق، فعلى الوكيل رعاية النظر. فلو زوج لغير كف ء، لم يصح على الصحيح. وحكى ابن كج وجها: أنه يصح، ولها الخيار. فإن كانت صغيرة، خيرت عند البلوغ. ولو خطب كفآن، وأحدهما أشرف، فزوج الآخر، لم يصح. وإذا جوزنا الاذن المطلق، فقالت: زوجني ممن شئت، فهل له تزويجها غير كف ء ؟ وجهان، أصحهما عند الامام والسرخسي وغيرهما: نعم، كما لو قالت: زوجني ممن شئت كف ءا كان أو غيره. هذا كله إذا كان الولي مجبرا. فإن كان غير مجبر، لكونه غير

(5/418)


الاب والجد، أو كانت ثيبا، ففيه صور. إحداها: قالت: زوجني ووكل، فله كل واحد منهما. الثانية: نهت عن التوكيل، لا يوكل. الثالثة: قالت: وكل بتزويجي واقتصرت عليه، فله التوكيل. وهل له أن يزوج بنفسه ؟ وجهان. أصحهما: نعم. الرابعة: قالت: أذنت لك في تزويجي، فله التوكيل على الاصح، لانه متصرف بالولاية. ولو وكل من غير مراجعتها واستئذانها بالكلية، لم يصح على الصحيح، لانه لا يملك التزويج بنفسه حينئذ. والثاني: يصح. فعلى هذا، يستأذن الولي أو الوكيل للولي، ثم يزوج. ولا يجوز أن يستأذن لنفسه. ثم إذا وكل غير المجبر بعد إذن المرأة، فهل يشترط تعيين الزوج إن أطلقت الاذن ؟ وجهان كما في توكيل المجبر. قال الامام: وإذا عينت زوجا، سواء شرطنا تعيينها، أم لا، فليذكره الولي للوكيل. فإن لم يفعل وزوج الوكيل غيره، لم يصح. وكذا لو زوجه، لم يصح على الظاهر، لان التفويض المطلق - مع أن المطلوب معين - فاسد. وهذا كما لو قال الولي للوكيل: بع مال الطفل بالعين، فباع بالغبطة، لم يصح. فرع قالت: أذنت لك في تزويجي، ولا تزوجني بنفسك، قال الامام: قال الاصحاب: لا يصح هذا الاذن، لانها منعت الولي، وجعلت التفويض للاجنبي، فأشبه الاذن للاجنبي ابتداء. فرع في فتاوى البغوي: أنه إذا لم يكن ولي سوى الحاكم، فأمر قبل أن يستأذنها رجلا بتزويجها، فزوجها الرجل بإذنها، هل يصح النكاح ؟ يبنى على أن

(5/419)


استنابة القاضي في شغل معين - كتحليف وسماع شهادة - يجري مجرى الاستخلاف، أم لا ؟ إن قلنا: نعم، جاز قبل استئذانها، وصح النكاح، وإلا، فلا يصح على الاصح، كتوكيل الولي قبل الاذن. فصل في بيان لفظ الوكيل في عقد النكاح فيقول وكيل الولي للزوج: زوجتك بنت فلان. فإن كان الوكيل للزوج، قال الولي: زوجت بنتي فلانا، فيقول وكيله: قبلت نكاحها له. فلو لم يقل: له، فعلى الخلاف السابق إذا قال الزوج: قبلت ولم يقل: نكاحها. ولو قال الولي لوكيل الزوج: زوجت بنتي لك، فقال: قبلت نكاحها لفلان، لم ينعقد. وإن قال: قبلت نكاحها، وقع العقد للوكيل، ولم ينصرف إلى الموكل بالنية. ولو جرى النكاح بين وكيلين، فقال وكيل الولي: زوجت فلانة فلانا، فقال وكيل الزوج: قبلت نكاحها لفلان، صح. وفي البيع يجوز أن يقول البائع لوكيل المشتري: بعتك، ويقول الوكيل: إشتريت وينوي موكله، فيقع العقد للموكل وإن لم يسمه. وفرقوا بينهما بوجهين. أحدهما: أن الزوجين كالثمن والمثمن، ولا بد من تسميتهما. الثاني: أن البيع يرد على المال، وهو قابل للنقل من شخص إلى شخص، والنكاح يرد على البضع، وهو لا يقبل النقل، ولهذا لو قبل النكاح لزيد بوكالة، فأنكرها زيد، لم يصح العقد. ولو اشترى لزيد، فأنكرها، صح الشراء للوكيل. ولو قال وكيل الزوج أولا: قبلت نكاح فلانة منك لفلان، فقال وكيل الولي: زوجتها فلانا، جاز. ولو اقتصر على قوله: زوجتها، ولم يقل: فلانا، فعلى الخلاف السابق.

(5/420)


استنابة القاضي في شغل معين - كتحليف وسماع شهادة - يجري مجرى الاستخلاف، أم لا ؟ إن قلنا: نعم، جاز قبل استئذانها، وصح النكاح، وإلا، فلا يصح على الاصح، كتوكيل الولي قبل الاذن. فصل في بيان لفظ الوكيل في عقد النكاح فيقول وكيل الولي للزوج: زوجتك بنت فلان. فإن كان الوكيل للزوج، قال الولي: زوجت بنتي فلانا، فيقول وكيله: قبلت نكاحها له. فلو لم يقل: له، فعلى الخلاف السابق إذا قال الزوج: قبلت ولم يقل: نكاحها. ولو قال الولي لوكيل الزوج: زوجت بنتي لك، فقال: قبلت نكاحها لفلان، لم ينعقد. وإن قال: قبلت نكاحها، وقع العقد للوكيل، ولم ينصرف إلى الموكل بالنية. ولو جرى النكاح بين وكيلين، فقال وكيل الولي: زوجت فلانة فلانا، فقال وكيل الزوج: قبلت نكاحها لفلان، صح. وفي البيع يجوز أن يقول البائع لوكيل المشتري: بعتك، ويقول الوكيل: إشتريت وينوي موكله، فيقع العقد للموكل وإن لم يسمه. وفرقوا بينهما بوجهين. أحدهما: أن الزوجين كالثمن والمثمن، ولا بد من تسميتهما. الثاني: أن البيع يرد على المال، وهو قابل للنقل من شخص إلى شخص، والنكاح يرد على البضع، وهو لا يقبل النقل، ولهذا لو قبل النكاح لزيد بوكالة، فأنكرها زيد، لم يصح العقد. ولو اشترى لزيد، فأنكرها، صح الشراء للوكيل. ولو قال وكيل الزوج أولا: قبلت نكاح فلانة منك لفلان، فقال وكيل الولي: زوجتها فلانا، جاز. ولو اقتصر على قوله: زوجتها، ولم يقل: فلانا، فعلى الخلاف السابق.

(5/421)


فرع قال: أقبل لي نكاح فلانة على عبدك هذا، ففعل، صح النكاح. وفي العبد وجهان. أحدهما: لا تملكه المرأة، بل على العبد مهر المثل. والثاني: تملكه. وهل هو قرض، أم هبة ؟ وجهان.
الطرف السادس : فيما يلزم الولي. فإن كان مجبرا، فقد ذكرنا أن عليه الاجابة إلى التزويج إذا طلبت. ويلزمه تزويج المجنونة والمجنون عند الحاجة بظهور أمارات التوقان، أو بتوقع الشفاء عند إشارة الاطباء، ولا يلزمه تزويج ولديه الصغير والصغيرة لعدم الحاجة. فلو ظهرت الغبطة في تزويجهما، ففي الوجوب احتمال للامام، كما إذا طلب ماله بزيادة، يجب البيع. والوجوب في الصغير أبعد، للزوم المؤن. أما غير المجبر، فإن تعين، كأخ واحد، لزمه الاجابة إذا طلبت كالمجبر، ويجئ فيه الخلاف المذكور هناك. وإن لم يتعين كإخوة، فطلبت من بعضهم، وجبت على الاصح. ولو عضل الواحد أو الجمع، زوج السلطان كما سبق. فصل إذا قبل الاب للصغير أو المجنون نكاحا بصداق من مال الابن، فإن كان عينا، فذاك، ولا تعلق له بالاب. وإن كاق دينا، فقولان. القديم: إن الاب يكون ضامنا للمهر بالعقد. والجديد: لا يكون ضامنا، إلا أن يضمن صريحا، كما لو اشترى لطفله شيئا. فإن كان الثمن عليه، لا على الاب، قال ابن كج: القولان فيما إذا أطلق. فإن شرطه على الابن، فعلى الابن قطعا. ثم قال العراقيون وعامة الاصحاب: القولان إذا لم يكن للابن مال. فإن كان، فالاب غير ضامن قطعا. وقيل بطرد القولين. فإن قلنا بالجديد، فتبرع بالاداء، لم يرجع، وكذا الاجنبي. وإن ضمن صريحا، وغرم، فقصد الرجوع هنا بمنزلة إذن المضمون عنه. فإن ضمن بقصد الرجوع، وغرم بقصد الرجوع، رجع، وإلا، فعلى الخلاف المذكور في الضمان بغير الاذن. وإن ضمن بشرط براءة الاصيل، قال القاضي حسين: إن لم نصحح الضمان بشرط براءة الاصيل، فهذا ضمان فاسد شرط في الصداق. وقد سبق ذكر قولين في أن شرط الضمان الفاسد أو الرهن الفاسد في عقد هل يفسد العقد ؟ وإن صححنا الضمان بشرط براءة الاصيل، فالشرط هنا فاسد، لانه لا دين في ذمة المعقود له. وإذا فسد الشرط، ففي فساد الضمان وجهان سبقا في الضمان. فإن قلنا بالقديم، فغرم، قال القاضي حسين

(5/422)


والشيخ أبو علي: لا يرجع على الابن، لانه غرم بالشرع، كما لا ترجع العاقلة على الجاني. واعترض الامام فقال: المطالبة متوجهة على الابن، بخف الجاني. فعلى هذا، يرجع إن قصد الرجوع عند الاداء، وبهذا قطع البغوي. ولو شرط الاب أن لا يكون ضامنا، فعن القاضي: أنه يبطل العقد على القديم. قال الامام: وهذا وهم من الناقلين عنه، فإن النكاح لا يفسد بمثل ذلك، ولعله قال: يبطل الشرط ويلزم الضمان. فصل يجب على الولي حفظ مال الصبي وصونه عن أسباب التلف، وعليه استنماؤه قدر ما لا تأكل النفقة والمؤن المال إن أمكن ذلك، ولا تلزمه المبالغة في الاستنماء وطلب النهاية. وإذا طلب متاعه بأكثر من ثمنه، لزمه بيعه. ولو كان شئ يباع بأقل من ثمنه، وللطفل مال، لزمه شراؤه إذا لم يرغب فيه لنفسه، هكذا أطلقه الامام والغزالي في الطرفين، ويجب أن يتقيد ذلك بشرط الغبطة، بل بالاموال المعدة للتجارة. أما ما يحتاج إلى عينه، فلا سبيل إلى بيعه وإن ظهر طالب بالزيادة. وكذا العقار الذي يحصل منه كفايته. وكذا في طرف الشراء قد يؤخذ الشئ رخيصا، لكنه عرضة للتلف، ولا يتيسر بيعه لقلة الراغبين فيه، فيصير كلا على مالكه. قلت: هذا الذي قاله الرافعي، هو الصواب، ولا يغتر بما خالفه. والله أعلم. فرع إذا تضجر الاب بحفظ مال الطفل والتصرف فيه، رفع الامر إلى القاضي لينصب قيما بأجرة، وله أن ينصب بنفسه، ذكره الامام. ولو طلب من القاضي أن يثبت له أجرة على عمله، فالذي يوافق كلام الجمهور: أنه لا يجيبه إليه غنيا كان أو فقيرا، إلا أنه إذا كان فقيرا ينقطع عن كسبه، فله أن يأكل منه بالمعروف كما سبق في الحجر، وذكر الامام أن هذا هو الظاهر. قال: ويجوز أن يقال: يثبت له أجرة، لان له أن يستأجر، فجاز له طلبها لنفسه، وبهذا الاحتمال قطع الغزالي. وعلى هذا، لا بد من تقدير القاضي، وليس له الاستقلال به، وهذا إذا لم يكن هناك متبرع بالحفظ والعمل. فإن وجد متبرع، وطلب الاب الاجرة، فقد أشار الامام إلى وجهين أيضا. الصحيح: أنه لا يثبتها له، للاستغناء عنه. والثاني:

(5/423)


يثبتها، لزيادة شفقته، كما تقدم الام في الرضاع على قول على المتبرعة.
الطرف السابع : في خصال الكفاءة. إحداها: التنقي من العيوب المثبتة للخيار، واستثنى البغوي منها التعنين وقال: لا يتحقق، فلا ينظر إليه. وفي تعليق الشيخ أبي حامد وغيره: التسوية بين التعنين وغيره، وإطلاق الجمهور يوافقه. فمن به عيب، ليس كف ءا لسليمة منه، وكذا إن كان بها ذلك (العيب)، لكن ما به أفحش، أو أكثر، فليس بكف ء. فإن تساويا، أو كان ما بها أكثر، فوجهان بناء على ثبوت الخيار في هذه الحالة، ويجريان لو كان مجبوبا وهي رتقاء، وزاد الروياني على العيوب المثبتة للخيار العيوب المنفرة، كالعمى، والقطع، وتشوه الصورة. وقال: هي تمنع الكفاءة عندي، وبه قال بعض الاصحاب، واختاره الصيمري. الثانية: الحرية، فلا يكون رقيق كفئا لحرة أصلية ولا عتيقة، ولا عتيق لاصلية، ولا من مس الرق أحد آبائه لمن لم يمس أحدا من آبائها، ولا من مس أبا

(5/424)


أقرب في نسبه لمن مس أبا أبعد من نسبها. ويشبه أن يكون الرق في الامهات مؤثرا، ولذلك تعلق به الولاء. قلت: المفهوم من كلام الاصحاب، أن الرق في الامهات لا يؤثر كما سيأتي في النسب إن شاء الله تعالى. وقد صرح بهذا صاحب البيان فقال: من ولدته رقيقة كف ء لمن ولدته عربية، لانه يتبع الاب في النسب. والله أعلم. الثالثة: النسب، فالعجمي ليس كف ءا للعربية، ولا غير القرشي للقرشية، ولا غير الهاشمي والمطلبي للهاشمية أو المطلبية. وبنو هاشم وبنو المطلب أكفاء. وحكي وجه: أن قريشا بعضهم أكفاء بعض، ويعتبر النسب في العجم كالعرب. وقال القفال والشيخ أبو عاصم: لا يعتبر، لانهم لا يعتنون بحفظها وتدوينها. والاول أصح. ومقتضاه الاعتبار فيمن سوى قريش من العرب أيضا، لكن ذكر ذاكرون أنهم أكفاء. قلت: مقتضى كلام الاكثرين، أن غير قريش من العرب بعضهم أكفاء بعض، كما صرح به هؤلاء الجماعة. وذكر الشيخ إبرهيم المروذي، أن غير كنانة ليسوا أكفاء لكنانة. ومما يتعلق بهذا ما حكاه في البيان عن الصيمري، أنه قال: موالي قريش أكفاء لقريش، وكذا موالي كل قبيلة أكفاء لها، (قال): وجمهور الاصحاب على أنهم ليسوا بأكفاء، وهو الصحيح. والله أعلم. فرع الاعتبار في النسب بالاب، فمن أبوه عجمي وأمه عربية، ليس بكف ء لمن أبوها عربي وأمها عجمية. الرابعة: الدين والصلاح، فمن أسلم بنفسه، ليس كف ءا لمن لها أبوان أو ثلاثة

(5/425)


في الاسلام، وقيل: كف ء، وقيل: لا ينظر إلا إلى الاب الاول والثاني، فمن له أبوان في الاسلام، كف ء لمن لها عشرة آباء في الاسلام، والاول أصح. والفاسق ليس بكف ء للعفيفة، ولا تعتبر الشهرة، بل من لا يشهر بالصلاح كف ء للمشهورة به. وإذا لم يكن الفاسق كف ءا للعفيفة، فالمبتدع أولى أن لا يكون كف ءا للنسيبة، وقد نص عليه الروياني رحمه الله. الخامسة: الحرفة. فأصحاب الحرف الدنية ليسوا أكفاء لغيرهم. فالكناس، والحجام، وقيم الحمام، والحارس، والراعي ونحوهم، لا يكافؤون بنت الخياط، والخياط لا يكافئ بنت تاجر أو بزاز، ولا المحترف بنت القاضي والعالم. وذكر في الحلية أنه تراعى العادة في الحرف والصنائع، لان في بعض البلاد التجارة أولى من الزراعة، وفي بعضها بالعكس. فرع الحرفة الدنية في الآباء، والاشتهار بالفسق، مما يعير به الولد، فيشبه أن يكون حال من كان أبوه صاحب حرفة دنية، أو مشهورا بفسق، مع من أبوها عدل، كما ذكرنا فيمن أسلم بنفسه مع من أبوها مسلم. والحق أن يجعل النظر في حق الآباء دينا وسيرة وحرفة من حيز النسب، فإن مفاخر الآباء ومثالبهم، هي التي يدور عليها أمر النسب، وهذا يؤكد إعتبار النسب في العجم. ويقتضي أن لا تطلق الكفاءة بين غير قريش من العرب. السادسة: اليسار على وجه. والاصح: أنه غير معتبر. فإن اعتبرناه، فوجهان. أحدهما: أن المعتبر يسار بقدر المهر والنفقة، فإذا أيسر به، فهو كف ء لصاحبه الالوف. وأصحهما: لا يكفي ذلك، بل الناس أصناف، غني، وفقير،

(5/426)


ومتوسط، وكل صنف خكفاء وإن اختلفت المراتب. وفي فتاوى القاضي حسين: أنه لو زوج بنته البكر بمهر مثلها رجلا معسرا بغير رضاها، لم يصح النكاح على المذهب، لانه بخس حقها، كتزويجها بغير كف ء. فرع ليس من الخصال المعتبرة في الكفاءة الجمال ونقيضه، لكن ذكر الروياني، أن الشيخ لا يكون كفئا للشابة على الاصح، وأن الجاهل ليس كف ءا للعالمة، وهذا فتح باب واسع. قلت: الصحيح خلاف ما قاله الروياني. قال أصحابنا: وليس البخل والكرم والطول والقصر معتبرا. قال الصيمري: واعتبر قوم البلد، فقالوا: ساكن مكة والمدينة والبصرة والكوفة، ليس كفئا لساكن الجبال، قال: وهذا ليس بشئ. والله أعلم. فرع مقتضى كلام الجمهور، أن خصال الكفاءة لا تقابل بعضها ببعض، وقد صرح به البغوي وأبو الفرج السرخسي، حتى لا تزوج سليمة من العيوب دنية بمعيب نسيب، ولا حرة فاسقة بعبد عفيف، ولا عربية فاسقة بعجمي عفيف، ولا رقيقة عفيفة بحر فاسق، وتكفي صفة النقص في المنع. وفصل الامام فقال: السلامة من العيوب لا تقابل بسائر فضائل الزوج، وكذا الحرية، وكذا النسب. وفي انجبار دناءة نسبه بعفته الظاهرة، وجهان. أصحهما: المنع، قال: والتنقي من الحرف الدنية، يقابله الصلاح وفاقا. والصلاح إن اعتبرناه، يقابل بكل خصلة، والامة العربية بالحر العجمي على هذا الخلاف. فرع قال الامام والغزالي: لا اعتبار بالانتساب إلى عظماء الدنيا والظلمة المستولين على الرقاب وإن كان الناس قد يتفاخرون بهم، وهذا الذي قالاه، لا يساعده كلام النقلة. وقد قال المتولي: للعجم عرف في الكفاءة، فيعتبر عرفهم. واعلم أن صاحب الشامل نقل قولا عن كتاب البويطي: أن الكفاءة في

(5/427)


الدين وحده، والمشهور ما سبق. فصل الكفاءة حق المرأة والولي واحدا كان أو جماعة مستوين في درجة. فإن زوجها بغير كف ء وليها المنفرد برضاها، أو أحد الاولياء برضاها ورضى الباقين، صح النكاح، فالكفاءة ليست شرطا للصحة. وإذا زوجها الولي الاقرب بغير كف ء برضاها، لم يكن للابعد الاعتراض. فلو كان الذي يلي أمرها السلطان، فهل له تزويجها بغير كف ء إذا طلبته ؟ قولان أو وجهان. أصحهما: المنع، لانه كالنائب، فلا يترك الحظ. ولو زوجها أحد الاولياء بغير كف ء برضاها دون رضى الباقين، لم يصح على المذهب. وفي قول: يصح، ولهم الخيار في فسخه. وقيل: يصح قطعا. وقيل: لا يصح قطعا. وإن زوجها أحدهم أو كلهم بغير رضاها، وكانت قد أذنت في التزويج مطلقا، وقلنا: لا يشترط تعيين الزوج، أو زوج الاب أو الجد البكر الصغيرة أو البالغة بغير كف ء بغير إذنها، لم يصح على المذهب. وقيل: يصح. وقيل: إن علم الولي عدم الكفاءة، فالنكاح باطل، وإلا، فصحيح. وإذا صححنا، فللمرأة الخيار إن كانت بالغة، وإن كانت صغيرة، فإذا بلغت، تخيرت. وحكى الامام وجها: أنها لا تتخير، وعليها الرضى بعقد الاب. وهل للولي الخيار في صغرها ؟ وجهان. ورواهما القاضي أبو الطيب قولين. أحدهما: نعم، كما لو اشترى للصغير معيبا. والثاني: لا، لانه خيار شهوة. وهذا الخلاف فيما ذكره الحناطي والبغوي ورآه الامام مخصوص بما إذا جهل الولي حال الزوج، فإن علم، فلا خيار له. وطرده ابن كج وآخرون في حالتي العلم والجهل، وقالوا: ليس هو عاقدا لنفسه حتى يؤاخذ بعلمه. فرع في فتاوى البغوي: أنها لو أقرت بنكاح لغير كف ء، فلا اعتراض للولي، لانه ليس بإنشاء عقد، ولا يقبل قوله: ما رضيت، كما لو أقرت بالنكاح وأنكر الولي، لا يقبل إنكاره، قال: ولو زوجت بوكالة، ثم أنكر الولي التوكيل والمرأة ساكتة، فالقول قول الولي. فلو أقرت بالنكاح، قبل قولها.

(5/428)


فرع إذا زوج الاب ابنه الصغير بمن لا تكافئه، نظر، فإن كانت معيبة بعيب يثبت الخيار، ففي صحة النكاح الخلاف السابق في تزويج الصغيرة بغير كف ء. والمذهب: أنه يصح. وقيل: لا يصح إنكاحه الرتقاء والقرناء قطعا، لانه بذل مال في بضع لا ينفع، بخلا ف تزويج الصغيرة بمجبوب. وإن زوجه أمة، لم يصح، لانه لا يخاف العنت. وإن زوجه بمن لا تكافئه بجهة أخرى، صح على الاصح، إذ لا عار على الرجل في استفراش من دونه. فإن صححنا، فالتفريع كما سبق في الصغيرة. وإن زوجه عمياء، أو عجوزا، أو مفقودة بعض الاطراف، فوجهان. ويجب أن يكون في تزويج الصغيرة بالاعمى والاقطع والشيخ الهم الوجهان. وإن زوج المجنون أمة، جاز إن كان معسرا وخشي عليه العنت. وفي وجه: لا يجوز، لانه لا يخشى عليه وطئ يوجب حدا أو إثما، وهو ضعيف. وإن كان النقص بسبب آخر، فعلى ما ذكرنا في الصغيرة. فرع زوج بنته بخنثى قد بان رجلا، أو ابنه بخنثى قد بان إمرأة، فإن أثبتنا الخيار بهذا السبب، فالخنثى كالمجنون والمجنونة، وإلا، فكالاعمى. قلت: الخصي كالخنثى في هذا، قال البغوي: وكذا لو أذنت البالغة في التزويج مطلقا فزوجها بخصي أو خنثى. والله أعلم. فرع للسيد أن يزوج أمته برقيق ودنئ النسب، ولا يزوجها من به عيب يثبت الخيار، ولا من لا يكافئها بسبب آخر. فإن خالف، فهل يبطل النكاح، أم يصح ولها الخيار ؟ فيه مثل الخلاف السابق. وفي وجه ضعيف: يصح بلا خيار. ولو زوجها بمعيب برضاها، لم يكن لها الامتناع من تمكينه، وله بيعها ممن به بعض تلك العيوب. وهل لها الامتناع من تمكينه ؟ وجهان. قلت: قال المتولي: أصحهما: يلزمها التمكين. ومما يتعلق بالفصل، لو زوجها بعض الاولياء بكف ء بدون مهر المثل برضاها دون رضى بقية الاولياء، صح قطعا، إذ لا حق لهم في المهر، ولا عار. ولو طلبت التزويج برجل، وادعت كفاءته، وقال الولي: ليس بكف ء، رفع إلى القاضي، فإن ثبتت كفاءته، ألزمه تزويجها، فإن امتنع، زوجها القاضي به، وإن لم

(5/429)


تثبت، لم يلزمه تزويجها به. قال البغوي: ولو زوجها واحد برضاها ورضى الباقين بغير كف ء، فاختلعت منه، ثم زوجها أحدهم به برضاها دون إذن الباقين، فقيل: يصح قطعا، لانهم رضوا به أولا. وقيل: على الخلاف، لانه عقد جديد. ولو امتنعوا، فلهم ذلك بلا خلاف. قال: ولو استأذن الاب البكر البالغة في التزويج بغير كف ء، فسكتت، فهل يصح قطعا، أم يكون على الخلاف ؟ فيه طريقان. والمذهب: الصحة. وقد سبقت المسألة في أول الباب. قال الشافعي رحمه الله في الاملاء: لو زوج أخته، فمات الزوج، فادعى وارثه أن الاخ زوجها بغير رضاها، وأنها لا ترث، فقالت: زوجني برضاي، فالقول قولها وترث، قال في الاملاء: وإن قال رجل: هذه زوجتي، فسكتت فمات، ورثته، وإن ماتت، لم يرثها، لان إقراره يقبل عليه دونها. ولو أقرت بزوجية رجل، فسكت فماتت، ورثها، وإن مات، لم ترثه. والله أعلم.
الطرف الثامن : في اجتماع الأولياء. فإذا اجتمعوا في درجة، كالاخوة والاعمام وبنيهم، استحب أن يزوجها أفضلهم بالفقه أو الورع، وأسنهم، برضى الباقين، لان هذا أجمع للمصلحة. ولو تعارضت هذه الخصال، قدم الافقه، ثم الاورع، ثم الاسن. ولو زوج غير الاسن والافضل برضاها بكف ء، صح، ولا اعتراض للباقين. ولو تنازعوا، وقال كل: أنا أزوج، نظر، إن تعدد الخاطب، فالتزويج ممن ترضاه المرأة، فإن رضيتهما جميعا، نظر القاضي في الاصلح وأمر بتزويجه، كذا ذكره البغوي وغيره. وإن اتحد الخاطب، وتزاحموا على العقد، أقرع بينهم، فمن خرجت قرعته، زوجها، فإن بادر غيره فزوجها، صح على الاصح. وقيل: لا يصح. فعلى هذا، هل يختص هذا الوجه بما إذا اقترعوا من غير ارتفاع إلى مجلس

(5/430)


القاضي، أم يختص بقرعة ينشئها القاضي ؟ فيه تردد للامام. هذا كله إذا أذنت لكل واحد على الانفراد، أو قالت: أذنت في فلان، فمن شاء من أوليائي فليزوجني به. ولو قالت: زوجوني، اشترط اجتماعهم على الاصح. ولو قالت: رضيت أن أزوج، أو رضيت بفلان زوجا، فوجهان. أحدهما: ليس لاحد تزويجها، لانها لم تأذن لجميعهم إذنا عاما، ولا خاطبت واحدا، فصار كقولها: رضيت أن يباع مالي. وأصحهما: يصح، ولكل واحد تزويجها، لانهم متعينون شرعا، والشرط رضاها وقد وجد. فعلى هذا، لو عينت بعد ذلك واحدا، ففي انعزال الباقين وجهان. وقطع في الرقم بالانعزال، وقطع البغوي بخلافه. قلت: الاصح عدم الانعزال، وغلط الشاشي من قال بالانعزال. والله أعلم. فصل إذا أذنت لاحد الوليين أن يزوجها بزيد، وللآخر أن يزوجها بعمرو، وأطلقت الاذن، وصححناه، فزوج واحد زيدا، وآخر عمرا، أو وكل الولي المجبر رجلا، فزوجها الولي زيدا، والوكيل عمرا، أو وكل رجلين، فزوج أحدهما زيدا، والآخر عمرا، فللمسألة خمس صور. إحداها: أن يسبق أحد النكاحين ونعلمه، فهو الصحيح. والثاني باطل، سواء دخل الثاني، أم لا، وإنما يعلم السبق بالبينة أو التصادق. الثانية: أن يقعا معا، فباطلان. ولو اتحد الخاطب، وأوجب كل واحد من الوليين النكاح له معا، صح على الصحيح، ويتقوى كل واحد من الايجابين بالآخر، وحكى العبادي عن القاضي وغيره: أنه لا يصح، لانه ليس أحدهما أولى بالاعتبار، فتدافعا. الثالثة: إذا لم يعلم السبق والمعية، وأمكنا، فباطلان، لان الاصل عدم الصحة، كذا أطلقه الجمهور، ونقل الامام وغيره وجها: أنه لا بد من إنشاء فسخ، لاحتمال السبق. الرابعة: أن يسبق واحد معين، ثم يخفى، فيتوقف حتى يبين، ولا يجوز لواحد منهما الاستمتاع بها ولا لثالث نكاحها، إلا أن يطلقاها، أو يموتا، أو يطلق أحدهما، أو يموت الآخر.

(5/431)


قلت: ولا بد من انقضاء عدتها بعد موت آخرهما. والله أعلم. وطرد بعضهم في هذه الصورة القولين المذكورين في الصورة الخامسة، وهو ضعيف. الخامسة: إذا علم سبق أحدهما، ولم يعلم عينه، فباطلان على المنصوص، وهو المذهب، كما لو احتمل السبق والمعية لتعذر الامضاء. وقيل: قولان، أحدهما هذا، والثاني مخرج من الجمعين في مثل هذه الصورة: أنه يتوقف كما في الصورة الرابعة. فعلى المذهب، هل يبطلان بلا فسخ ؟ أم لا بد من إنشاء فسخ ؟ فيه الخلاف السابق في الصورة الثالثة، فإن شرطنا الانشاء، ففيمن يفسخ أوجه. أصحها: الحاكم أو المحكم إن جوزنا التحكيم. والثاني: للمرأة الفسخ بغير مراجعة الحاكم. والثالث: للزوجين الفسخ أيضا. وحيث أبطلنا النكاحين، فلا مهر، إلا أن يوجد دخول، فيجب مهر المثل. وإذا أبطلنا عند احتمال السبق والمعية، وفيما إذا سبق أحدهما ولم يعلم، فهل يبطل ظاهرا وباطنا، أم ظاهرا فقط ؟ وجهان. فعلى الاول، لو ظهر وتعين السابق بعد، فلا زوجية. ولو نكحت ثالثا، فهي زوجة الثالث. وإن قلنا بالثاني، فالحكم بخلافه. قلت: ينبغي أن يقال: الاصح: أنه إن جرى فسخ من الحاكم، انفسخ أيضا باطنا، وإلا، فلا. والله أعلم. فرع إذا قلنا بالتوقف، فمات أحدهما، وقفنا من تركته ميراث زوجه. ولو ماتت، وقفنا ميراث زوج بينهما حتى يصطلحا أو يبين الحال، وفي وجوب نفقتها في مدة التوقف ومدة الحبس قبل الفسخ إذا قلنا به، وجهان. أحدهما: لا، لعدم التمكين، والاصل البراءة. والثاني: نعم، لصورة العقد وعدم النشوز مع حبسها. والاول أصح عند الامام. وبالثاني قطع ابن كج. فإن أوجبنا، وزعت عليهما. فإن تعين السابق، رجع الآخر عليه بما أنفق. قال أبو عاصم: ويحتمل أن يقال: إنما يرجع إذا أنفق بغير إذن الحاكم، وبهذا قطع ابن كج، وأما المهر، فلا يطالب به واحد منهما. فرع جميع ما سبق، هو فيما إذا تصادقوا في كيفية جريان العقد. أما إذا تنازعوا، وادعى كل زوج سبقه، وأنها زوجته، فينظر، إن لم يدعيا عليها، لم يعتبر

(5/432)


قولهما، ولا تسمع دعوى أحدهما على الآخر، ولا يحلف أحدهما الآخر. هكذا قاله الجمهور. وقال الصيدلاني والعبادي في الرقم: يحلفان فلعله يظهر الحق. قال الامام: هذا لا مجال له إن زعما علم المرأة بالحال، بل تراجع هي. فإن اعترفا بأنها لم تعلم، فهو محتمل وينقدح في البداءة تخيير القاضي أو الاقراع. فإن حلفا أو نكلا، فهو كما لو اعترفا بالاشكال. وإن حلف أحدهما فقط، قضي له. وإن ادعيا على المرأة، فذاك ضربان. أحدهما: أن يدعيا علمها بالسبق. فإن كانت الصيغة: إنها تعلم سبق أحد النكاحين، لم تسمع الدعوى، للجهل. وإن قال كل واحد: هي تعلم أن نكاحي سابق، فقال صاحب التقريب والشيخ أبو محمد وغيرهما: يبنى على القولين في إقرار المرأة بالنكاح، هل يقبل ؟ فإن لم يقبل، لم تسمع الدعوى، إذ لا فائدة. وإن قلنا: تقبل وهو الاظفر، سمعت. وحينئذ، إما أن تنكر، وإما أن تقر. الحالة الاولى: أن تنكر العلم بالسبق، فتحلف عليه. وهل يكفي لهما يمين واحدة، أم يجب يمينان ؟ قال البغوي: يمينان. وقال القفال: إن حضرا وادعيا، حلفت يمينا، وهو مقتضى كلام ابن كج. وقال الامام: إن حضرا ورضيا بيمين، كفت. وإن حلفها أحدهما، ثم حضر الآخر، فهل له تحليفها ؟ وجهان، لان القضية واحدة، ونفي العلم بالسبق يشملهما. فإذا حلفت كما ينبغي، فقيل: لا تحالف بين الزوجين، وقد أفضى الامر إلى الاشكال، وضعفه الامام وقال: إنما حلفت على نفي العلم بالسبق، ولم تنكر جريان أحد العقدين على الصحة، فيبقى التداعي والتحالف بينهما. والذي أنكرناه ابتداء التحالف من غير ربط الدعوى بها، وبهذا قطع الغزالي. وإن نكلت هي، رددنا اليمين عليهما. فإن حلفا أو نكلا، جاء الاشكال، وإلا فيقضى للحالف، وإذا حلفا ونكلا، فلا شئ لهما عليها. وفي كتاب الحناطي وجه: أنهما إذا حلفا واندفع النكاحان، فلكل واحد عليها مهر المثل، وهو ضعيف. ويمينها - حلفت أو نكلت - تكون على البت دون نفي العلم، ولا حاجة إلى التعرض لعلمها. الحالة الثانية: أن تقر لاحدهما بالسبق، فيثبت النكاح (له). وفي سماع دعوى

(5/433)


الثاني عليها وتحليفها قولان بناء على أنها لو أقرت للثاني بعد إقرارها للاول هل تغرم للثاني ؟ وفيه القولان السابقان في الاقرار لعمرو بدار أقر بها لزيد أولا. فإن قلنا: تغرم، سمعت الدعوى وحلفها، وإلا، فقولان بناء على أن يمين المدعي بعد نكول المدعى عليه كإقرار المدعى عليه، أو كبينة يقيمها المدعي ؟ وفيه قولان. أظهرهما: كالاقرار. فعلى هذا، لا تسمع دعواها، لان غايتها أن تقر أو يحلف هو بعد نكولها، وهو كإقرارها، ولا فائدة فيه على هذا القول. وإن قلنا: كالبينة، فله أن يدعي ويحلفها. فإن حلفت، سقطت دعواه. وإن نكل، ردت اليمين عليه. فإن نكل، فكذلك. وإن حلف، بني على أن اليمين المردودة كالاقرار، أم كالبينة ؟ إن قلنا: كالاقرار، فوجهان. أحدهما: يندفع النكاحان، لتساويهما في أن مع كل واحد إقرارا. وحكي هذا عن نصه في القديم. وأصحهما: إستدامة النكاح للاول، ولا يرتفع بنكولها المحتمل للتورع، فيصير كما لو أقرت للاول، ثم للثاني. وإن قلنا: كالبينة. فقيل: يحكم بالنكاح للثاني، لان البينة تقدم على الاقرار. وبهذا قطع في المهذب. وقال الصيدلاني وآخرون: الصحيح إستدامة النكاح للاول، لان اليمين المردودة إنما تجعل كالبينة في حق الحالف والناكل، لا في حق غيرهما. وإذا اختصرت قلت: هل يندفع النكاحان، أم تسلم للاول، أم للااني ؟ فيه أوجه. إن سلمت للاول، غرمت للثاني، وحيث تغرم، نغرمها ما يغرم شهود الطلاق إذا رجعوا ؟ وفيه خلاف سيأتي إن شاء الله تعالى. فرع لو كانت خرساء، أو خرست بعد التزويج، فأقرت بالاشارة بسبق أحدهما، لزمها الاقرار، وإلا، فلا يمين عليها، والحال حال الاشكال، حكي هذا عن نصه. فرع حلفت لاحدهما: لا تعلم سبقه، لا تكون مقرة للآخر، ولو قالت لاحدهما: لم يسبق، كانت مقرة للآخر، كذا قاله الامام والبغوي. والمراد إذا جرى ذلك بعد إقرارها بسبق أحدهما، وإلا، فيجوز أن يقعا معا، فلا تكون مقرة بسبق الآخر. الضرب الثاني: أن يدعيا عليها زوجية مطلقة، ولا يتعرضا لسبق، ولا لعلمها

(5/434)


به، فهذا يبنى على أن دعوى النكاح هل يشترط فيها التفصيل وذكر الشروط ؟ وبيانه في كتاب الدعوى والبينات. فإن سمعنا دعوى النكاح مطلقة، أو فصلا القدر المحتاج إليه، ولم يتعرضا للسبق، لزمها الجواب الحازم، ولا يكفيها نفي العلم بالسابق، لكنها إذا لم تعلم، فلها الجواب الجازم والحلف أنها ليست زوجته، وهذا كما إذا ادعى على رجل أن أباه أتلف كذا، وطلب غرمه من التركة، حلف الوارث أنه لا يعلم أن أباه أتلف. ولو ادعى (أن) عليه تسليم كذا من التركة، حلف أنه لا يلزمه التسليم. وعدم العلم يجوز له الحلف الجازم. فرع هذا كله إذا كانت الدعوى على المرأة. فإن ادعيا على الولي، فإن لم يكن مجبرا، لم تسمع الدعوى، لان إقراره لا يقبل. وإن كان مجبرا، فوجهان. أحدهما: كذلك، لانه كالوكيل. وأصحهما: تسمع، لان إقراره مقبول، ومن قبل إقراره، توجهت عليه الدعوى واليمين، فعلى هذا إن كانت صغيرة، حلف الاب. وإن كانت كبيرة، فوجهان. أحدهما: لا يحلف، للقدرة على تحليفها. وأصحهما: يحلف. ثم إن حلف الاب، فللمدعي أن يحلف البنت أيضا. فإن نكلت، حلف اليمين المردودة، وثبت نكاحه. وفي التهذيب: أن المرأة إذا كانت بالغة، بكرا أو ثيبا، فالدعوى عليها.
الباب الخامس : في المولى عليه الاسباب المقتضية لنصب الولي خمسة: الصغر، والانوثة، والجنون، والسفه، والرق، وقد سبق حكم الاولين. السبب الثالث: الجنون. فإن كان المجنون كبيرا، لم يزوج لغير حاجة، ويزوج للحاجة، وذلك بأن تظهر رغبته فيهن بدورانه حولهن وتعلقه بهن ونحو ذلك. أو بأن يحتاج إلى من يخدمه ويتعهده، ولا يجد في محارمه من يحصل هذا، وتكون مؤنة النكاح أخف من ثمن جارية، أو بأن يتوقع شفاؤه بالنكاح. وإذا جاز تزويجه،

(5/435)


تولاه الاب، ثم الجد، ثم السلطان، دون سائر العصبات، كولاية المال. وإن كان المجنون صغيرا، لم يصح تزويجه على الصحيح. وقيل: يزوجه الاب أو الجد، وطرد الشيخ أبو محمد الوجهين في الصغير العاقل الممسوح. ومتى جاز تزويج المجنون، لم يزوج إلا إمرأة واحدة، والمخبل كالمجنون في النكاح، وهو الذي في عقله خلل، وفي أعضائه استرخاء، ولا حاجة به إلى النكاح غالبا. ويجوز أن يزوج الصغير العاقل أربعا على الاصح. وقيل: لا يجوز أن يزيد على واحدة. قلت: وفي الابانة وجه: أنه لا يجوز تزويجه ء صلا، وزعم أنه الاصح، وهو غلط. ثم إنما يزوج الصغير العاقل الاب والجد، ولا يصح تزويج الوصي والقاضي، لعدم الحاجة وانتفاء كمال الشفقة، هذا هو الصواب الذي عليه في البويطي، وصرح به الجمهور. وقال في البيان: يجوز للوصي والحاكم كالاب، وليس بشئ. والله أعلم. فرع في المجنونة أوجه. الصحيح: أن الاب - والجد عند عدمه - يزوجانها، سواء كانت صغيرة أو كبيرة، بكرا أم ثيبا. والثاني: لا يستقلان بتزويج الكبيرة الثيب، بل يشترط إذن السلطان بدلا عن إذنها. والثالث: لا يزوج الثيب الصغيرة كما لو كانت عاقلة، والفرق على الصحيح أن البلوغ غاية تنتظر. ثم لا يشترط في تزويجها ظهور الحاجة، بل يكفي ظهور المصلحة، بخلاف المجنون، لان نكاحها يفيد المهر والنفقة، ويغرم المجنون. وسواء التي بلغت مجنونة، ومن بلغت عاقلة ثم جنت، بناء على أن من بلغ

(5/436)


عاقلا ثم جن، فولاية ماله لابيه، وهو الاصح. وإن قلنا: إنها للسلطان، فكذا التزويج. وأما المجنونة التي لا أب لها ولا جد، فإن كانت صغيرة، لم تزوج، إذ لا إجبار لغير الاب والجد، ولا حاجة لها في الحال. وإن كانت بالغة، ففيمن يزوجها وجهان. أحدهما: القريب كالاخ والعم، لكن لا ينفرد به، بل يشترط إذن السلطان مقام إذنها. فإن امتنع القريب، زوجها السلطان كما لو عضلها. وأصحهما: يزوجها السلطان كما يلي مالها، لكن يراجع أقاربها، لانهم أعرف بمصلحتها وتطييبا لقلوبهم، وهذه المراجعة واجبة، أم مستحبة ؟ وجهان. صحح البغوي الوجوب، وضعفه الامام. فإن أوجبنا المشاورة، فلم يشيروا بشئ، استقل السلطان. ويجري الوجهان في وجوب المشاورة في تزويج المجنون. ثم من ولي نكاحها من السلطان أو القريب، يزوج عند ظهور الحاجة بأن تظهر علامات غلبة شهوتها، أو يقول أهل الطب: يرجى بتزويجها الشفاء. أما إذا لم تظهر، وأراد التزويج لكفاية النفقة، أو لمصلحة أخرى، فهل يجوز كما يجوز للاب بمجرد المصلحة ؟ أم لا لان تزويجها يقع إجبارا وليس هو لغير الاب والجد ؟ فيه وجهان. أصحهما: الثاني. قال الامام: واتفق الاصحاب على الاكتفاء بالمصلحة في تزويج الاب والجد. فرع البالغ المنقطع جنونه، لا يصح تزويجه حتى يفيق فيأذن، ويشترط وقوع العقد في حال إفاقته. فلو عاد الجنون قبل العقد، بطل الاذن، كما تبطل الوكالة بالجنون، وهكذا الثيب المنقطع جنونها. وأما المغلوب على عقله بمرض، فتنتظر إفاقته، فإن لم تتوقع إفاقته، فكالمجنون. السبب الرابع: السفه. فالمحجور عليه لسفه، لا يستقل بالتزوج، بل يراجع الولي ليأذن أو يزوجه. فإن أذن له الولي فتزوج، جاز على الصحيح،

(5/437)


وعن أبي الطيب ابن سلمة وغيره: أنه لا يجوز كالصبي. فعلى الصحيح، إن عين له إمرأة، لم يصح نكاح غيرها، ولينكحها بمهر المثل أو أقل. فإن زاد، فحكى ابن القطان قولا مخرجا: أن النكاح باطل. والمشهور صحته، لان خلل الصداق لا يفسد النكاح. فعلى هذا، تبطل الزيادة، ويجب مهر المثل. وقال ابن الصباغ: القياس بطلان المسمى ووجوب مهر المثل. والفرق أن على التقدير الاول تستحق الزوجة مهر المثل من المعين، وعلى قوله يجب مهر المثل في الذمة. وإن قال له الولي: انكح إمرأة من بني فلان، فلينكح واحدة منهن بمهر المثل. ولو قدر المهر، ولم يعين المرأة، فقال: انكح بألف، فلينكح إمرأة بألف. فإن كان مهر مثلها ألفا فأكثر، فالنكاح صحيح بالمسمى. وإن كان أقل، صح النكاح بمهر المثل، وسقطت الزادة. وإن نكح بألفين، فإن كان مهر مثلها أكثر من ألف، لم يصح النكاح، لان الولي لم يأذن في أكثر من ألف. وفي الرد إلى ألف إضرار بها. وإن كان مهر مثلها ألفا أو أقل، صح النكاح بمهر المثل، وسقطت الزيادة. وعن تخريج ابن خيران وابن القطان، أنه متى زاد على ما أذن به الولي، بطل النكاح بكل حال. ولو جمع الولي في الاذن بيق تعيين المرأة وتقدير المهر، فقال: انكح فلانة بألف، فإن كان مهر مثلها دون الالف، فالاذن باطل. وإن كان ألفا، فنكحها بألف أو أقل، صح النكاح بالمسمى. وإن زاد، سقطت الزيادة. وإن كان مهر مثلها أكثر من ألف، فإن نكح بألف، صح النكاح بالمسمى، وإن زاد، لم يصح النكاح، هكذا ذكره البغوي. أما إذا أطلق الولي الاذن، فقال: تزوج، فوجهان. أحدهما: (وهو) محكي عن أبوي علي: ابن خيران، والطبري. وعن الداركي، أنه يلغو الاذن، ولا بد من

(5/438)


تعيين إمرأة، أو قبيلة، أو مهر. وأصحهما: يكفي الاطلاق كالعبد. فعلى هذا، لو تزوج بأكثر من مهر المثل، صح النكاح، وسقطت الزيادة. وإن تزوج بمهر المثل أو أقل، صح النكاح بالمسمى. لكن لو نكح شريفة يستغرق مهر مثلها ماله، فوجهان حكاهما ابن كج. اختيار الامام وبه قطع الغزالي: أنه لا يصح النكاح، بل يتقيد بموافقة المصلحة. ذكر ابن كج تفريعا على اعتبار الاذن المطلق وجهين فيما لو عين الولي إمرأة فعدل السفيه إلى غيرها (فنكحها) بمثل مهر المعينة، لانه لا غرض للولي في أعيان الزوجات. فرع قال: انكح من شئت بما شئت، ذكر بعضهم أنه يبطل الاذن، لانه رفع الحجر بالكلية. فرع قال ابن كج: الاذن للسفيه في النكاح، لا يفيده جواز التوكيل، لانه لم يرفع الحجر. فرع أما إذا قبل الولي النكاح للسفيه، ففي اشتراط إذن السفيه وجهان. أحدهما: لا، لانه فوض إليه رعاية مصلحته. فإذا عرف حاجته، زوجه كما يكسوه ويطعمه. وبهذا قال الشيخ أبو حامد والعراقيون. وأصحهما: نعم، لانه حر مكلف. وقد نص الشافعي رحمه الله في المختصر: أن السفيه يزوجه وليه، فربما استأنس به الاولون، وحمله الآخرون على أصل التزويج، ثم يراعى شرطه، ونقل الربيع: أنه لا يزوجه وليه، واتفقوا على أنه ليس اختلاف قول، بل حمل قوم رواية الربيع على القيم الذي لم يأذن له الحاكم في التزويج، وبعضهم على ما إذا لم

(5/439)


يحتج السفيه إلى النكاح. ثم إذا قبل له الولي النكاح، فليقبل بمهر المثل أو أقل، فإن زاد، كان كما لو قبل الاب لابنه بأكثر من مهر المثل. ففي قول: يبطل النكاح. والاظهر: أنه يصح بمهر المثل. فرع لو نكح السفيه بغير إذن الولي، فنكاحه باطل، ويفرق بينهما. فإن كان دخل بها، فلا حد، للشبهة. وفي المهر أوجه. أصحها: لا يجب، كما لو اشترى شيئا فأتلفه. وفيه إشكال من جهة أن المهر حق المرأة، وقد تزوج ولا علم لها بحال الزوج. والثاني: يجب مهر المثل. والثالث: يجب أقل ما يتمول. قلت: وإذا لم نوجب شيئا، ففك الحجر، فلا شئ عليه على المذهب، كالصبي إذا وطئ ثم بلغ. وحكى الشاشي فيه وجهين. والله أعلم. فرع قال الاكثرون: يشترط في نكاح السفيه حاجته إليه، وإلا، فهو إتلاف ماله بلا فائدة، وبنوا على هذا أنه لا يزوجه إلا واحدة كالمجنون. قالوا: والحاجة بأن تغلب شهوته، أو احتاج إلى من يخدمه ولم تقم محرم بخدمته، وكانت مؤن الزوجة أخف من ثمن جارية ومؤنها، ولم يكتفوا في الحاجة بقول السفيه، لانه قد يقصد إتلاف المال، بل اعتبروا ظهور الامارات الدالة على غلبة الشهوة. وحكى الامام وجها أنه يجوز تزويجه بالمصلحة كالصبي، ولم يعتبر الامام والغزالي ظهور أمارات الشهوة، واكتفيا فيها بقول السفيه. فرع إذا طلب السفيه النكاح مع ظهور أمارة الحاجة إن اعتبرناه، أو دونه إن لم نعتبره، وجب على الولي إجابته. فإن امتنع فتزوج السفيه بنفسه، فقد أطلق الاصحاب في صحة النكاح وجهين. أصحهما عند المتولي: لا يصح. وقال الامام والغزالي: إذا امتنع الولي، فليراجع السفيه السلطان كالمرأة المعضولة. فإن خفت

(5/440)


الحاجة، وتعذرت مراجعة السلطان، ففي استقلال السفيه حينئذ الوجهان. فرع يصح طلاق المحجور عليه، فإن كان مطلاقا، سري بجارية. فرع الكلام فيمن يلي أمر السفيه، سبق في الحجر. وذكر أبو الفرج الزاز: أنه إن بلغ رشيدا، ثم طرأ السفه، فنكاحه متعلق بالسلطان. وإن بلغ سفيها، فهل يفوض إلى السلطان، أم إلى الاب والجد ؟ وجهان. وأطلق ابن كج أنه يزوجه القاضي، وأنه إن جعله في حجر إنسان، زوجه الذي هو في حجره. وقال الامام: إن فوض إلى القيم التزويج، زوج، وإلا، فلا. قلت: الاصح أنه إن كان له أب أو جد، فالتزويج إليه، وإلا، فلا يجوز أن يزوجه إلا القاضي ومن فوض إليه القاضي تزويجه. وممن صرح بهذا التفصيل وجزم به، الشيخ أبو محمد في شرح المختصر. والله أعلم. فرع قال البغوي: إقرار السفيه بالنكاح لا يصح، لانه ليس ممن يباشره، وهذا قد يشكل بإقرار المرأة. فرع للمحجور عليه بفلس النكاح، وتكون مؤنه في كسبه، لا فيما في يده. السبب الخامس: الرق. فنكاح العبد بغير إذن سيده باطل، وبإذنه صحيح، سواء كان سيده رجلا أو إمرأة. ويجوز إذن سيده في إمرأة معينة، أو واحدة من القبيلة، أو البلدة، ويجوز مطلقا. وإذا قيد، فعدل العبد عن المأذون فيه، لم يصح نكاحه. وحكى الحناطي وجها أنه إن كان قدر مهرا، فنكح غير المعينة به، أو

(5/441)


بأقل، صح، والصحيح الاول. وإذا أطلق الاذن، فله نكاح حرة أو أمة، وفي تلك البلدة أو غيرها، وللسيد منعه من الخروج إلى البلدة الاخرى. ولو قدر مهرا، فزاد، فالزيادة في ذمته، يطلب بها إذا عتق. ولو نكح بالمقدر إمرأة مهرها أقل، فقد ذكر الحناطي فيه ثلاثة إحتمالات. أصحها: صحة النكاح، ووجوب المسمى في الحال. والثاني: أن الزيادة على مهر مثلها، يطلب بها إذا عتق. والثالث: بطلان النكاح. ولو رجع عن الاذن ولم يعلم به العبد حتى نكح، فهو على الخلاف في الوكيل، كذا ذكره ابن كج. ولو طلق العبد بعدما نكح بإذن سيده، لم ينكح أخرى إلا بإذن جديد. ولو نكحها نكاحا فاسدا، فهل له نكاح أخرى ؟ فيه خلاف لبني على أن الاذن يتناول الفاسد، أم يختص بالصحيح، ولهذا أصل سيأتي إن شاء الله تعالى.
فصل هل للسيد إجبار العبد البالغ على النكاح ؟ قولان. القديم: نعم. والجديد: لا. فإن كان صغيرا، فالاصح أنه كالكبير. وقيل: يجبر قطعا، واختاره ابن كج. والكبير المجنون كالصغير، فإن جوزنا الاجبار، فللسيد أن يقبل النكاح للبالغ، وله أن يكرهه على القبول، ويصح، لانه إكراه بحق، كذا قاله البغوي. وقال المتولي: لا يصح قبوله كرها، ويقبل إقرار السيد على العبد بالنكاح كإقرار الاب على بنته. ويجوز أن يزوج أمته بعبده الصغير والكبير، ولا يجب مهر. وفي استحباب ذكره قولان. الجديد: استحبابه. وإذا طلب العبد النكاح، فليجبه السيد، ولا تجب الاجابة على الاظهر. فإن أوجبنا، فامتنع سيده، زوجه السلطان كالمعضولة. ولو نكح بنفسه، قال الامام: هو كما لو طلب السفيه وامتنع الولي فنكح بنفسه. والمدبر والمعلق عتقه كالقن. ومن بعضه حر لا يجبر ولا يستقل، وفي وجوب إجابته الخلاف. والمكاتب لا يستقل، ولا يجبره السيد. ولو نكح بإذن السيد، صح على المذهب. وقيل: قولان كتبرعه. فإن صححنا، ففي وجوب إجابته الخلاف كالقن، وأولى بالوجوب. والعبد المشترك، هل لسيديه

(5/442)


إجباره وعليهما إجابته ؟ فيه الخلاف المذكور في الطرفين. ولو دعاه أحدهما إلى النكاح، وامتنع الآخر أو العبد، فلا إجبار. ولو طلب أحدهما مع العبد، وامتنع الآخر، فعن الشيخ أبي حامد: أنه كالمكاتب. وقال ابن الصباغ: لا تؤثر موافقة الآخر. فرع له إجبار أمته على النكاح، سواء الصغيرة والكبيرة، والبكر والثيب، والعاقلة والمجنونة. وإن طلبته، لم يلزمه إجابتها إن كانت ممن يحل له وطؤها، وكذا إن لم يحل على الاصح، كالاخت. ولو ملك أختين، فوطئ إحداهما، لم يجبر على تزويج الاخرى قطعا، لان تحريمها عليه لعارض. والمدبرة والمعلق عتقها كالقنة، وكذا أم الولد على الصحيح. ومن بعضها حر، لا تجبر ولا يجبر سيدها (أيضا) على الاصح. والمكاتبة لا تجبر، ولا تنكح دون إذنه. وفي وجوب إجابتها وجهان. قلت: الاصح لا تجب. والله أعلم. وفي وجه: لا تزوج أصلا، لاختلال ملك المولى، وعدم استقلالها. فرع لا يزوج السيد أمة مكاتبه ولا عبده، ولا يزوجها المكاتب بغير إذن سيده، وبإذنه قولان كتبرعه. فرع إذا كان لعبده المأذون له في التجارة أمة، فإن لم يكن على العبد دين، جاز للسيد تزويجها بغير إذن العبد على الاصح. وقيل: لا، إلا أن يعد الحجر عليه، لاحتمال أن يحدث دين ولا يفي ما في يده به. وإن كان عليه دين، وزوجها بإذن العبد والغرماء، صح. وإن زوج بإذنه دونهم، أو بإذنهم دونه، لم

(5/443)


يصح على الاصح. وبيع السيد ووطؤه وهبته هذه الجارية، كتزويجها في حالتي قيام الدين وعدمه. وإذا وطئ بغير إذن الغرماء، فهل عليه المهر ؟ وجهان. قلت: لعل أصحهما الوجوب، لان مهرها مما يتعلق به حق الغرماء، بخلاف وطئه المرهونة. والله أعلم. فإن أحبلها، فالولد حر، والجارية أم ولد إن كان موسرا. وإن كان معسرا، لم تصر أم ولد، بل تباع في الدين. فإن ملكها بعد، فالحكم كما سبق في المرهونة، وكذا الحكم في استيلاد الجارية الجانية وفي استيلاد الوارث جارية التركة إذا كان على المورث دين. وإذا لم نحكم باستيلاد في الحال، وجب قيمة ولد جارية العبد المأذون، وجارية التركة، ولا يجب في ولد الجانية والمرهونة، لان حق المجني عليه والمرتهن لا يتعلق بالولد. ولو أعتق عبد المأذون، وعلى المأذون دين، أو أعتق الوارث عبد التركة، وعلى المورث دين، قال البغوي: قيل في نفوذ العتق قولان، كإعتاق المرهون. والمذهب: أنه إن كان معسرا، لم ينفذ. وإن كان موسرا، نفذ كالاستيلاد، وعليه أقل الامرين من الدين وقيمة العبد، كإعتاق العبد الجاني. فرع تزويج من تعلق برقبتها مال، لا يجوز بغير إذن المجني عليه إن كان السيد معسرا. وإن كان موسرا، جاز على أحد الوجهين، وكان اختيارا للفداء. قلت: الجواز أصح. والله أعلم. فرع تزويج السيد أمته، هل هو بالملك، أم بالولاية ؟ وجهان. أصحهما: بالملك. ويتفرع عليهما صور. منها: إذا سلبنا الفاسق الولاية، زوجها إن قلنا بالملك، وإلا، فلا.

(5/444)


ومنها: إذا كان لمسلم أمة كتابية، فله تزويجها على المذهب، وهو المنصوص، وإنما يتصور تزويجه إياها بعبد أو حر كتابي إذا حللناها لهما. ومنها: إذا كان للكافر أمة مسلمة، أو أم ولد، قال ابن الحداد: يزوجها بالملك، والاصح المنع. ولو كان لمسلم أمة مجوسية أو ذمية، فهل له تزويجها ؟ وجهان. صحح الشيخ أبو علي الجواز، وقطع البغوي بالمنع. وما ذكرناه من الخلاف في أن تزويج الامة باللك، أم بالولاية، لا يجري في تزويج العبد إلا إذا قلنا: للسيد إجباره. فلو كان للكافر عبد مسلم، ورأينا الاجبار، ففي إجباره إياه الخلاف في كونه يزوج أمته المسلمة. وإن لم نر الاجبار، لم يستقل العبد، ولكن يأذن له السيد ليسقط حقه فيستقل العبد حينئذ، كما تأذن المرأة لعبدها فيتزوج وإن كانت ليست أهلا للتزويج. ومنها: قال المتولي: للمكاتب تزويج أمته إن قلنا بالملك، وإلا، فلا.
فصل عبد الصبي والمجنون والسفيه، لا يزوجه وليهم على الصحيح. وقيل: يجوز، فقد تقتضيه مصلحة. ولو طلب عبدهم التزويج، فإن لم نجبر السيد الرشيد، لم يجز لوليهم الاجابة. وإن أجبرناه، فعلى وليهم الاجابة. وأما أمة الصبي والمجنون والسفيه، فيجوز لوليهم تزويجها على الاصح إذا ظهرت الغبطة. وقيل: لا. وقيل: تزوج أمة الصبية دون الصبي، فقد يحتاج إليها إذا بلغ. فإن جوزنا، قال الامام: يجوز تزويج أمة الثيب الصغيرة وإن لم يجز تزويجها، ولا يجوز للاب تزويج أمة البكر البالغة وإن كان يقهرها. وفيمن يزوج أمة الصغير والمجنون وجهان. أحدهما: ولي ماله نسيبا كان أو وصيا أو قيما كسائر التصرفات. وأصحهما: أنه ولي النكاح الذي يلي المال. وعلى هذا، غير

(5/445)


الاب والجد لا يزوج أمة الصغير والصغيرة، والاب لا يزوج أمة الثيب الصغيرة، فإن كانت مجنونة، زوج. وإن كانت لسفيه، فلا بد من إذنه. فرع أمة المرأة، إن كانت مالكتها محجورا عليها، فقد سبق بيانها، وإلا، فيزوجها ولي المرأة تبعا لولايته عليها، وسواء الولي بالنسب وغيره، والامة العاقلة والمجنونة، الصغيرة والكبيرة، ولا حاجة إلى إذن الامة، ويشترط إذن مالكتها نطقا وإن كانت بكرا، إذ لا تستحي. فصل أعتق في مرضه أمة، قال ابن الحداد: لا يجوز لوليها الحر كالاب والاخ تزويجها حتى يبرأ أو يموت، وتخرج من ثلثه، لانها إنما تعتق كلها على هذين التقديرين، ووافقه على هذا جماعة، منهم ابن كج وقال ابن سريج وأبو زيد والاكثرون: يجوز لوليها تزويجها، لانها حرة في الظاهر، فعلى هذا النكاح صحيح ظاهرا. فإن تحققنا بعد ذلك نفوذ العتق، تحققنا مضي النكاح على الصحة، وإلا، فإن رد الورثة أو أجازوا، وقلنا: الاجازة عطية منهم، بان فساد النكاح، وإلا، بان صحته. ثم إن لم يكن للمعتق مال سواها، فالمسألة على ما ذكرنا. وإن كان له (مال) يفي ثلثه بقيمتها، فمقتضى كلام ابن الحداد وجماهير الناقلين، أنه كذلك. قال الامام: ويجوز أن يقال: على مقتضى قول ابن الحداد النكاح هاهنا محمول على الصحة، ويجوز خلافه، لضعف ملك المريض. قال الشيخ أبو علي: ومفهوم كلام ابن الحداد أنه إذا لم يكن لها ولي غير السيد، فزوجها، صح، لانها إن لم تخرج من الثلث، فهو ولي ما عتق بالولاء، ومالك ما لم يعتق. فإن زوجها السيد، ولها ولي مناسب، إن كان بإذنه، صح قطعا، وإلا، فلا قطعا.

(5/446)


الباب السادس : في موانع نكاحها قد سبق في الركن الثاني من الباب الثالث، الاشارة إلى بيان الموانع. ومنها ما نتكلم في إيضاحه في غير الباب، ككونها ملاعنة، ومعظمها نبسط الكلام فيه هنا إن شاء الله تعالى، ويجمعها أربعة أجناس.
الجنس الأول : المحرمية، وهي الوصلة المحرمة للنكاح أبدا، ولها ثلاثة أسباب: القرابة، والرضاع، والمصاهرة. السبب الاول: القرابة، ويحرم منها سبع: الامهات، والبنات، والاخوات، والعمات، والخالات، وبنات الاخ، وبنات الاخت، ولا تحرم بنات الاعمام والعمات والاخوال والخالات، قربن أم بعدن، والمراد بالام: كل أنثى ولدتك، أو ولدت من ولدك، ذكرا كان أو أنثى، بواسطة أم بغيرها. وإن شئت قلت: كل أنثى ينتهي إليها نسبك بالولادة بواسطة أم بغيرها. وبنتك: كل أنثى ولدتها، أو ولدت من ولدها، ذكرا كان أو أنثى، بواسطة أم بغيرها. وإن شئت قلت: كل أنثى ينتهي إليك نسبها بالولادة، بواسطة أم بغيرها. وأختك: كل أنثى

(5/447)


ولدهآ أبواك أو أحدهما. وبنت أخيك وبنت أختك منهما، كبنتك منك. وعمتك: كل أنثى هي أخت ذكر ولدك، بواسطة أو بغيرها، وقد تكون من جهة الام، كأخت أب الام. وخالتك: كل أنثى هي أخت أنثى ولدتك بواسطة أو بغيرها، وقد تكون من جهة الاب، كأخت أم الاب، وعبر الاصحاب عنهن بعبارتين. إحداهما: قال الاستاذ أبو إسحق: يحرم عليه أصوله، وفصوله، وفصول أول أصوله، وأول فصل من كل أصل بعده، أي بعد أول الاصول. فالاصول: الامهات. والفصول: البنات. وفصول أول الاصول: الاخوات وبنات الاخ والاخت. وأول فصل من كل أصل بعد الاصل الاول: العمات والخالات. الثانية: قال الاستاذ أبو منصور البغداذي: تحرم نساء القرابة، إلا من دخلت في إسم ولد العمومة جو ولد الخؤولة. وهذه العبارة أرجح، لا يجازها، ولان الاولى لا تنص على الاناث، لان لفظ الاصول والفصول يتناول الذكور والاناث، ولان اللائق بالضابط أن يكون أقصر من المضبوط، والاولى بخلافه. فرع زنا بإمرأة، فولدت بنتا، يجوز للزاني نكاح البنت، لكن يكره. وقيل: إن تيقن أنها من مائة، إن تصور تيقنه، حرمت عليه. وقيل: تحرم مطلقا. والصحيح: الحل مطلقا. والبنت التي نفاها باللعان، تحرم عليه إن كان دخل بأمها، وكذا إن لم يدخل (بها) على الاصح. قال المتولي: وعلى هذا، ففي وجوب القصاص بقتلها، والحد بقذفها، والقطع بسرقة مالها، وقبول شهادته لها الوجهان. قلت: وسواء طاوعته على الزنا أو أكرهها. والله أعلم.

(5/448)


السبب الثاني: الرضاع، فيحرم من الرضاع ما يحرم من النسب، فكل من أرضعتك، أو أرضعت من أرضعتك، أو أرضعت من ولدك بواسطة أو غيرها، فهي أمك. وكذلك كل إمرأة ولدت المرضعة أو الفحل، وكل إمرأة ارتضعت بلبنك أو بلبن من ولدته، أو أرضعتها إمرأة ولدتها أنت، فهي بنتك. وكذلك بناتها من النسب والرضاع. وكل إمرأة أرضعتها أمك، أو ارتضعت بلبن أبيك، فهي أختك. وكذلك كل إمرأة ولدتها المرضعة أو الفحل وأخوات الفحل والمرضعة وأخوات من ولدهما من النسب والرضاع، عماتك وخالاتك. وكذلك كل إمرأة أرضعتها واحدة من جداتك، أو ارتضعت بلبن جد لك من النسب والرضاع، وبنات أولاد المرضعة والفحل من النسب والرضاع، بنات أخيك وأختك. وكذلك كل أنثى أرضعتها أختك، أو ارتضعت بلبن أخيك، وبناتها وبنات أولادها من النسب والرضاع، بنات أخيك وأختك. وبنات كل ذكر أرضعته أمك، أو ارتضع لبن أبيك، وبنات أولاده من النسب والرضاع، بنات أخيك. وبنات كل إمرأة أرضعتها أمك، أو ارتضعت لبن أبيك، وبنات أولادها من النسب والرضاع، بنات أختك. فرع أربع نسوة يحرمن في النسب، وفي الرضاع قد يحرمن، وقد لا يحرمن. إحداهن: أم الاخ والاخت في النسب حرام، لانها أم، أو زوجة أب، وفي الرضاع إن كانت كذلك حرمت، وإلا، فلا، بأن أرضعت أجنبية أخاك أو أختك. الثانية: أم نافلتك في النسب، حرام لانها بنتك، أو زوجة إبنك، وفي الرضاع قد لا تكون بنتا ولا زوجة ابن، بأن أرضعت أجنبية نافلتك. الثالثة: جدة ولدك في النسب، حرام، لانها أمك، أو أم زوجتك، وفي

(5/449)


الرضاع قد لا تكون كذلك، بأن أرضعت أجنبية ولدك، فإن أمها جدته، وليست بأمك، ولا بأم زوجتك. الرابعة: أخت ولدك حرام، لانها بنتك أو ربيبتك. وإذا أرضعت أجنبية ولدك، فبنتها أخته، وليست بنتك ولا ربيبتك، ولا تحرم أخت الاخ في النسب، ولا في الرضاع. وصورته في النسب: أن يكون لك أخت لام، وأخ لاب، فيجوز له نكاحها. وفي الرضاع: إمرأة أرضعتك وأرضعت صغيرة أجنبية منك، يجوز لاخيك نكاحها. وهذه الصور الاربع مستثناة من قولنا: يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب. قلت: كذا قال جماعة من أصحابنا: تستثنى الصور الاربع. وقال المحققون: لا حاجة إلى استثنائها، لانها ليست داخلة في الضابط، ولهذا لم يستثنها الشافعي وجمهور الاصحاب رضي الله عنهم، ولا استثنيت في الحديث الصحيح يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب لان أم الاخ لم تحرم لكونها أم أخ، وإنما حرمت لكونها أما أو حليلة أب، ولم يوجد ذلك في الصورة الاولى، وكذا القول في باقيهن. والله أعلم. السبب الثالث: المصاهرة، فيحرم بها على التأبيد أربع.

(5/450)


إحداهن: أم زوجتك، وأم زوجتك منها كأمك منك، وسواء أمهات النسب والرضاع. الثانية: زوجة إبنك وابن إبنك وإن سفل بالنسب والرضاع، وقول الله تعالى: * (وحلائل أبنائكم الذين من أصلابكم) * المراد به أنه لا تحرم زوجة من تبناه. الثالثة: زوجة الاب والاجداد وإن علوا من قبل الاب والام جميعا، وتحرم زوجة الاب من الرضاع. الرابعة: بنت الزوجة، وبنت زوجتك منها كبنتك منك، سواء بنت النسب والرضاع، وتحرم الثلاث الاوليات بمجرد العقد، بشرط أن يكون صحيحا. فأما النكاح الفاسد، فلا يتعلق به حرمة المصاهرة، لانه لا يفيد حل المنكوحة، وحرمة غيرها فرع لحلها. وأما الرابعة، وهي بنت الزوجة، فلا تحرم إلا بالدخول بالزوجة. وحكى الشيخ أبو عاصم العبادي وابنه أبو الحسن عن أبي الحسن أحمد بن محمد الصابوني من أصحابنا: أن أم الزوجة لا تحرم إلا بالدخول بالزوجة كالربيبة، وهو شاذ ضعيف.

(5/451)


فرع لا تحرم بنت زوج الام، ولا أمه، ولا بنت زوج البنت، ولا أمه، ولا أم زوجة الاب، ولا بنتها، ولا أم زوجة الابن، ولا بنتها، ولا زوجة الربيب ولا زوجة الراب. فصل مجرد ملك اليمين، لا يثبت شيئا من هذه المحرمات، لكن الوطئ فيه يثبتها، حتى تحرم الموطوءة على ابن الواطئ وأبيه، وتحرم عليه أم الموطوءة وبنتها. والوطئ بشبهة النكاح الفاسد، والشراء الفاسد، ووطئ الجارية المشتركة، وجارية الابن، يثبت حرمة المصاهرة، كما يثبت النسب، ويوجب العدة. وحكي قول: أن وطئ الشبهة لا يثبت حرمة المصاهرة، كالزنا. والمشهور الذي قطع به الجمهور الاول، وذلك فيما إذا شملت الشبهة الواطئ (أو) الموطوءة. فإن اختصت الشبهة بأحدهما، والآخر زان، بأن وطئها يظنها زوجته وهي عالمة، أو يعلم وهي جاهلة أو نائمة أو مكرهة، أو مكنت البالغة العاقلة مجنونا أو مراهقا عالمة، فوجهان. أصحهما: الاعتبار بالرجل، فتثبت المصاهرة إذا اشتبه عليه، كما يثبت النسب والعدة، ولا يثبت إذا لم يشتبه عليه، كما لا يثبت النسب والعدة. والثاني: تثبت المصاهرة في أيهما كانت الشبهة، وعلى هذا وجهان. أحدهما: يختص بمن اختصت الشبهة به. فإن كان الاشتباه عليه، حرم عليه أمها وبنتها، ولا تحرم على أبيه وابنه. وإن كان الاشتباه عليها، حرمت على ابنه وأبيه، ولا تحرم عليه أمها وبنتها. والثاني: أنها تعم الطرفين كالنسب. فرع الوطئ في النكاح وملك اليمين، كما يوجب الحرمة، يوجب المحرمية، فيجوز للواطئ الخلوة والمسافرة بأم الموطوءة وبنتها، والنظر إليها، ولابنه الخلوة والمسافرة بالموطوءة والنظر. وفي وطئ الشبهة وجهان. ويقال:

(5/452)


قولان. أصحهما عند الامام كذلك، لان الشبهة تثبت النسب والعدة، فكذا المحرمية. وأصحهما عند الجمهور: المنع، وحكوه عن نصه في الاملاء. فرع الزنا لا يثبت المصاهرة، فللزاني نكاح أم المزني بها وبنتها، ولابيه وإبنه نكاحها. ولو لاط بغلام، لم يحرم على الفاعل أم الغلام وبنته. ولو ملك جارية محرمة عليه برضاع أو مصاهرة، فوطئها، فإن لم نوجب به الحد، ثبتت المصاهرة. وإن أوجبناه، فلا. فرع المفاخذة، والقبلة، والمس، هل هي كالوطئ فتثبت المصاهرة وتحرم الربيبة في النكاح ؟ فيه قولان. أظهرهما عند البغوي والروياني: نعم. وأظهرهما عند ابن أبي هريرة وابن القطان والامام وغيرهم: لا. والقولان فيما إذا جرى ذلك بشهوة. فأما المس بغير شهوة، فلا أثر له على المذهب، وبه قطع الجمهور. قال الامام: ومنهم من أطلق القولين في الملامسة. وأما النظر بشهوة، فلا يثبت المصاهرة على المذهب، وبه قطع الجمهور. وقيل: قولان. وقيل: إن نظر إلى الفرج، فقولان، وإلا، فلا. فرع إذا استدخلت ماء زوجها أو أجنبي بشبهة، ثبتت المصاهرة والنسب والعدة، دون الاحصان والتحليل. وفي تقدير المهر ووجوبه للمفوضة وثبوت الرجعة والغسل والمهر في صورة الشبهة وجهان. أصحهما: المنع. ولو

(5/453)


أنزل أجنبي بزنا، لم يثبت باستدخاله المصاهرة ولا النسب. وإن أنزل الزوج بالزنا، حكى البغوي أنه لا يثبت النسب ولا المصاهرة ولا العدة. وقال من عند نفسه: وجب أن تثبت هذه الاحكام كما لو وطئ زوجته يظن أنه يزني. فرع ما أثبت التحريم المؤبد إذا طرأ على النكاح، قطعه. فلو نكح إمرأة، فوطئها أبوه أو إبنه بشبهة، أو وطئ هو أمها أو بنتها بشبهة، إنفسخ نكاحها. وفي المولدات لابن الحداد فرعان يتعلقان بهذا الاصل. أحدهما: نكح امرأة ونكح ابنه ابنتها، ووطئ كل واحد منهما زوجة الآخر غالطا، إنفسخ النكاحان. وهذا تفريع على المشهور أن وطئ الشبهة كالوطئ في ملك، ويجب على كل واحد منهما مهر المثل للتي وطئها بالشبهة. ثم إن سبق وطئ الاب، فعليه لزوجته نصف المسمى، لانه الذي رفع نكاحها، فهو كما لو طلقها قبل الدخول. وهل يجب على الابن لزوجته نصف المسمى ؟ فيه أوجه. قال ابن الحداد: لا، إذ لا صنع له. وقال آخرون: نعم، إذ لا صنع لها. وقال الشيخ أبو علي: إن كانت زوجة الابن نائمة، أو صغيرة لا تعقل، أو مكرهة، وجب. وإن كانت عاقلة طاوعت الاب تظنه زوجها، فلا شئ لها. فإن أوجبنا، رجع الابن على أبيه، لانه فوت نكاحه. وهل يرجع بمهر المثل، أم بنصفه، أم بما غرم ؟ فيه ثلاثة أقوال نوضحها في كتاب الرضاع إن شاء الله تعالى. وأما إن سبق وطئ إلابن، فعليه لزوجته نصف المسمى. وهل يلزم الاب لزوجته نصف المسمى ؟ فيه الاوجه. فإن ألزمناه، رجع على الابن كما ذكرنا. ولو وقع الوطآن معا، فعلى كل واحد نصف ما سمى لزوجته. وهل يرجع على الآخر ؟ وجهان. قال القفال: يرجع كل واحد على صاحبه بنصف ما كان يرجع به لو انفرد، ويهدر نصفه كالاصطدام، فإنها حرمت بفعلهما، وقال الشيخ أبو علي: لا يرجع بشئ.

(5/454)


(الفرع) الثاني: نكح إمرأتين في عقد، فبانت إحداهما أم الاخرى، بطل النكاحان. ولا شئ لواحدة منهما، إلا أن يطأ، فيجب مهر المثل. ولو نكحهما في عقدين، ووطئ إحداهما، ثم بان الحال، نظر، إن سبق نكاح الام، فإن كانت هي الموطوءة، فنكاحها بحاله، والاخرى محرمة. وإن كانت البنت هي الموطوءة، فالنكاحان باطلان، لان البنت نكحها وعنده أمها، والام أم موطوءة بشبهة، وله أن يتزوج البنت متى شاء، لانها ربيبة لم يدخل بأمها، ويجب للبنت مهر المثل، وللام نصف المسمى. وإن سبق نكاح البنت، فإن كانت هي الموطوءة، فنكاحها بحاله، والام حرام أبدأ. وإن كانت الموطوءة الام، بطل النكاحان، وحرمتا أبدا، وللام مهر المثل، وللبنت نصف المسمى. وإن أشبهت الموطوءة، وعرفت التي سبق نكاحها، ثبت نكاح السابقة، لان الاصل إستمرار صحته، وليس له نكاح الثانية، لان الاولى إن كانت بنتا، فالثانية أم إمرأته محرمة أبدا. وإن كانت أما، فليس له نكاح البنت وأمها تحته. وإن ارتفع نكاح الام بطلاق أو غيره، لم يحل له واحدة منهما، لان إحداهما محرمة أبدا، فصار كإشتباه أخته بأجنبية. وإن اشتبه السابق من النكاحين، وعرفت الموطوءة، فغير الموطوءة محرمة أبدا، والموطوءة يوقف نكاحها، وتمنع من نكاح غيره. وإن طلبت الفسخ للاشتباه، فسخ كما في اشتباه الاوليين. وإن اشتبه السابق من النكاحين والموطوءة، وقف عنهما، لاحتمال سبق البنت والدخول بالام، وليس له نكاح واحدة منهما، لان إحداهما محرمة أبدا. ولو كانت المسألة بحالها، لكن وطئهما جميعا، بطل النكاحان، وحرمتا أبدا. ثم إن وطئ أولا التي نكحها أولا، فللاولى مهرها المسمى، وللثانية مهر المثل. وإن وطئ أولا التي نكحها آخرا، فلها مهر المثل، لانه لم ينعقد نكاحها، وللمنكوحة أولا جميع مهر) المثل ونصف المسمى.

(5/455)


أما نصف المسمى، فلارتفاع نكاحها بسبب من الزوج. وأما جميع مهر المثل، فلانه وطئها بشبهة بعد ارتفاع النكاح. فصل إذا اختلطت محرم بنسب أو رضاع أو مصاهرة بأجنبيات، قال الاصحاب: إن كان الاختلاط بعدد لا ينحصر، كنسوة بلدة أو قرية كبيرة، فله نكاح واحدة منهن. قال الامام: هذا ظاهر إن عم الالتباس. فأما إذا أمكنه نكاح من لا يشك فيها، فيحتمل أن يقال: لا ينكح من المشكوك فيهن. والمذهب أنه لا حجر. فإن كان الاختلاط بعدد محصور، فليجتنبهن. فلو خالف ونكح واحدة منهن، لم يصح على الاصح. قال الامام: المحصور: ما عسر عده على آحاد الناس. وقال الغزالي: كل عدد لو اجتمعوا في صعيد لعسر على الناظر عددهم بمجرد النظر كالالف، فهو غير محصور، وإن سهل كالعشرة، والعشرين، فمحصور، وبين الطرفين أوساط يلحق بأحدهما بالظن، وما وقع فيه الشك، استفتي فيه القلب.
الجنس الثاني : ما يقتضي حرمة غير مؤبدة، ويتعلق بعدد، وهو ثلاثة أنواع. الاول: الجمع بين الاختين من النسب أو الرضاع، سواء الاختان من الابوين أو من أحدهما. فلو نكحهما، بطل نكاحهما. وإن نكحها مرتبا، بطلت الثانية. فإن وطئها جاهلا بالحكم، فعليها العدة ولها مهر المثل، وله وطئ الاولى وإن كانت الثانية في العدة، لكن المستحب أن لا يفعل. ولو طلق إمرأته طلاقا بائنا، فله نكاح أختها في عدتها، وإن كان رجعيا، لم تحل أختها حتى تنقضي عدتها. فلو ادعى أنها أخبرته بانقضاء العدة، والوقت محتمل، وقالت: لم تنقض، فوجهان. أصحهما وهو نصه في الاملاء: أن له نكاح أختها. ولو طلق الاولى، لم يقع. ولو وطئها، لزمه الحد، لزعمه انقضاء عدتها. وقال الحليمي والقفال: ليس له نكاح أختها، لان القول قولها في العدة. وعلى هذا، لو طلقها وقع. ولو وطئها، فلا حد، وتجب النفقة على الوجهين، لانه

(5/456)


لا يقبل قوله في إسقاط حقها. ولو طلق زوجته الامة طلاقا رجعيا، ثم اشتراها، فله نكاح أختها في الحال، وكذا لو اشتراها قبل الطلاق، لان ذلك الفراش انقطع. فرع يحرم الجمع بين المرأة وبنت أخيها وبنات أولاد أخيها، وكذا بين المرأة وبنت أختها وبنات أولاد أختها، سواء كانت العمومة والخؤولة من النسب أو الرضاع. وضبط تحريم الجمع بعبارات. إحداهن: يحرم الجمع بين كل إمرأتين بينهما قرابة أو رضاع ولو كانت إحداهما ذكرا لحرمت المناكحة بينهما. الثانية: يحرم بين كل إمرأتين بينهما قرابة أو رضاع يقتضي المحرمية. الثالثة: يحرم بين كل إمرأتين بينهما وصلة قرابة أو رضاع لو كانت تلك الوصلة بينك وبين إمرأة لحرمت عليك. وقصدوا بقيد القرابة والرضاع الاحتراز عن الجمع بين المرأة وأم زوجها وبنت زوجها، فإن هذا الجمع غير محرم وإن كان يحرم النكاح بينهما لو كان أحدهما ذكرا، لكنه ليس بقرابة ولا رضاع، بل مصاهرة، وليس فيها رحم يحذر قطعها، بخلاف الرضاع والقرابة. فرع يحرم الجمع بين المرأة وبنتها، لدخولهما في الضابط. فلو نكحهما معا، بطل نكاحهما. ولو نكحهما في عقدين، فالثانية باطلة. فإن كانت الثانية البنت، جاز أن ينكحها إن فارق الام قبل الدخول. فرع يجوز الجمع بين بنت الرجل وربيبته، وبين المرأة وربيبة زوجها من إمرأة أخرى، وبين أخت الرجل من أمه وأخته من أبيه، لانه لا تحرم المناكحة بتقدير ذكورة أحدهما. فصل كل امرأتين يحرم الجمع بينهما في النكاح، يحرم الجمع بينهما في الوطئ بملك اليمين، لكن يجوز الجمع بينهما في نفس الملك. فإذا اشترى أختين أو امرأة وعمتها أو خالتها معا، أو متعاقبتين، صح الشراء، وله وطئ أيتهما شاء.

(5/457)


فإذا وطئ واحدة، حرم عليه وطئ الاخرى، لكن لا يجب به الحد، لان له طريقا إلى استباحتها، بخلاف ما لو وطئ أخته من الرضاع وهي ملكه، فإنه يحد على قول، لانه لا يستبيحها بحال، ثم الثانية ببقى حراما كما كانت، والاولى حلالا كما كانت، فلا يحرم الحرام الحلال، لكن يستحب أن لا يطأ الاولى حتى يستبرئ الثانية. وعن أبي منصور بن مهران أستاذ الاودني، أنه إذا أحبل الثانية، حلت، وحرمت الاولى، وهو غريب، ثم لا تزال غير الموطوءة محرمة عليه، حتى يحرم الموطوءة على نفسه، إما بإزالة ملك، كبيع كلها أو بعضها، أو هبة مع الاقباض، أو بالاعتاق، وإما بإزالة الحل بالتزويج أو الكتابة، ولا يكفي الحيض والاحرام والعدة عن وطئ شبهة، لانها أسباب عارضة لم تزل الملك ولا الاستحقاق، فكذا الردة لا تبيح الاخرى، وكذا الرهن على الاصح. ولو باع بشرط الخيار، فحيث يجوز للبائع الوطئ، لا تحل به الثانية، وحيث لا يجوز وجهان. قال الامام: الوجه عندي القطع بالحل، ولا يكفي إستبراء الاولى، لانه لا يزيل الفراش. وعن القاضي حسين، أن القياس الاكتفاء، لانه يدل على البراءة. وعن القاضي أبي حامد قال: غلط بعض أصحابنا فقال: إذا قال: حرمتها على نفسي، حرمت عليه، وحلت الاخرى. ثم إذا حرمها بالاسباب المؤثرة، فعاد الحل، بأن باعها، فردت عليه بعيب أو إقالة، أو زوجها فطلقت، أو كاتبها فعجزت، لم يجز له وطؤها حتى يستبرئها، لحدوث الملك. فإذا استبرأها، فإن لم يكن وطئ الثانية بعد تحريم الاولى، فله الآن وطئ أيتهما شاء. وإن كان وطئها، لم يجز وطئ العائدة حتى تحرم الاخرى. فرع الوطئ في الدبر كالقبل، فتحرم الاخرى به. وفي اللمس والقبلة والنظر بشهوة مثل الخلاف السابق في حرمة المصاهرة. فرع ملك أختين إحداهما مجوسية، أو أخته برضاع، فوطئها بشبهة،

(5/458)


جاز وطئ الاخرى، لان الاولى محرمة. ولو ملك أما وبنتها، ووطئ إحداهما، حرمت الاخرى أبدا، فلو وطئ الاخرى بعد ذلك جاهلا بالتحريم، حرمت الاولى أيضا أبدا. وإن كان عالما، ففي وجوب الحد قولان. إن قلنا: لا، حرمت الاولى أيضا أبدا، وإلا، فلا. فصل ملكها ولم يطأ، أو وطئ ثم نكح أختها أو عمتها، صح النكاح، وحلت المنكوحة، وحرمت المملوكة. ولو نكح إمرأة، ثم ملك أختها، فالمملوكة حرام، ويبقى حل المنكوحة. فصل إرتدت الزوجة بعد الدخول، يحرم نكاح أختها وأربع سواها قبل انقضاء العدة، كالرجعية. قال ابن الحداد: فلو قال لها: أنت طالق ثلاثا، فله في الحال نكاح أختها، لحصول البينونة، وكذا الحكم لو ارتدت فخالعها في الردة. ولو كان تحته صغيرة، وكبيرة مدخول بها، فارتدت الكبيرة، وأرضعت أمها في عدتها الصغيرة، وقف نكاح الصغيرة. فإن أصرت الكبيرة حتى انقضت العدة، ففي نكاح الصغيرة، بحاله. وإن أسلمت في العدة، بطل نكاح الصغيرة. وفي بطلان نكاح الكبيرة قولان نذكرهما إن شاء الله تعالى في نظير المسألة في الرضاع. قال الشيخ أبو علي: أظهرهما: لا يبطل كما لو نكح أختا على أخت لا تبطل الاولى. وكذا الحكم لو كانت المرضعة أخت الكبيرة. ثم على الزوج للصغيرة نصف المسمى، وللكبيرة تمامه، ويرجع الزوج على المرضعة بنصف مهر مثل الصغيرة على الاظهر، وبكله في قول، وبجميع مهر مثل الكبيرة على الاظهر إن أبطلنا نكاحها. النوع الثاني: في قدر العدد المباح، ولا يجوز للحر أن ينكح أكثر من أربع نسوة. فلو نكح خمسا في عقد، بطل نكاحهن، وإن نكحهن مرتبا، بطل الزيادة على الاربع الاوليات. ولو نكح خمسا في عقد فيهن أختان، بطل فيهما، وفي البواقي قولا تفريق الصفقة، والاظهر الصحة.

(5/459)


ولو نكح سبعا فيهن أختان، بطل الجميع. ولو كان تحته أربع فأبانهن، فله نكاح أربع بدلهن وإن كن في العدة. ولو أبان واحدة، فله نكاح أخرى في عدة المبانة. ولو وطئ إمرأة بشبهة، فله نكاح أربع في عدتها. ولو كانت المفارقة رجعية، لم تجز. وأما العبد، فلا يجوز أن يزيد على إمرأتين. فرع لابن الحداد نكح ست نسوة، ثلاثا في عقد، وثنتين في عقد، وواحدة في عقد، ولم يعلم المتقدم، فنكاح الواحدة صحيح على كل تقدير، لانها لا تقع إلا أولة، أو ثالثة، أو رابعة، فإنها لو تأخرت عن العقدين، كان ثانيهما باطلا، فتقع هي صحيحة. وأما البواقي، فقال ابن الحداد: لا يثبت نكاحهن، لان كل واحد من عقديهما يحتمل كونه متأخرا باطلا، والاصل عدم الصحة. قال الشيخ أبو علي: ما ذكره ابن الحداد غلط عند عامة الاصحاب، بل يصح مع نكاح الواحدة، إما الثنتان، وإما الثلاث، وهو الذي سبق منهما، ولا نعرف عينه فيوقف، ويسأل الزوج، فإن ادعى سبق الثنتين وصدقتاه، ثبت نكاحهما. وإن ادعى سبق الثلاث، وصدقنه، فكذلك. وإن قال: لا أدري، أو لم يبين، فلهن طلب الفسخ. وإن رضين بالضرر، لم ينفسخ، وعلى الزوج نفقة الجميع مدة التوقف، فإن مات قبل البيان، اعتدت من لم يدخل بها عدة وفاة، ومن دخل بها بأقصى الاجلين من وفاة وأقراء، ويدفع إلى الفردة ربع ميراث النسوة، لاحتمال صحة نكاح ثلاث معها، ثم يحتمل أن يكون الصحيح معها نكاح الثلاث، فلا يستحق غير الربع المأخوذ، ويحتمل صحة نكاح الثنتين، فيستحق الثلث، فيوقف ما بين الثلث والربع، وهو نصف سدس بين الواحدة والثلاث، لا حق للثنتين فيه، ويوقف الثلثان بين نصيب النسوة، بين الثنتين والثلاث، لا حق للواحدة فيه. فإن أردن

(5/460)


الصلح قبل البيان، فالصلح في نصف السدس بين الواحدة والثلاث، وفي الثلثين بين الثلاث والثنتين. وأما المهر، فللمفردة المسمى. وأما البواقي، فإن دخل بهن، قابلنا المسمى لاحدى الفرقتين ومهر المثل بالمسمى للفرقة الاخرى ومهر مثل الاولى، وأخذنا أكثر القدرين من التركة، ودفعنا إلى كل واحدة منهن الاقل من مسماها ومهر مثلها، ووقفنا الباقي. مثاله: سمى لكل واحدة مائة، ومهر مثل كل واحدة خمسون، فمسمى الثلاث ومهر مثل الثنتين أربعمائة، وهي أكثر من مسمى الثنتين ومهر مثل الثلاث، فنأخذ من التركة أربعمائة، وندفع إلى كل واحدة خمسين، ونقف الباقي وهو مائة وخمسون (منها) مائة بين النسوة الخمس، وخمسون بين الثلاث والورثة، فإن بان صحة نكاح الثنتين، فالمائة لهما، والخمسون للورثة. وإن بان صحة الثلاث، فالمائة والخمسون لهن. وإن لم يدخل بواحدة، أخذنا من التركة أكثر المسميين، ولا نعطي في الحال واحدة شيئا. والاكثر في المثال المذكور ثلثمائة، فنقف مائتين بين الثلاث والثنتين، ومائة بين الثلاث والورثة. وإن دخل بإحدى الفرقتين، أخذنا الاكثر من مسمى المدخول بهن فقط، ومن مهر مثلهن مع مسمى الفرقة الاخرى، وأعطي الموطوءات الاقل من المسمى ومهر مثلهن. ففي المثال المذكور، إن دخل بالثنتين، فمهر مثلهما مع مسمى الثلاث أربعمائة، وذلك أكثر من مسمى الثنتين، فنأخذ أربعمائة، ونعطي كل واحدة من الثنتين خمسين، ونقف مائة بينهما وبين الثلاث، ومائتين بين الثلاث والورثة. فإن بان صحة نكاح الثنتين، دفعنا المائة إليهما، والباقي للورثة. وإن بان صحة نكاح الثلاث، دفعناها مع المائتين إليهن، وإن دخل بالثلاث، فمهر مثلهن مع مسمى الثنتين ثلاثمائة وخمسون، وذلك أكثر من مسمى الثلاث، فنأخذ ثلاثمائة وخمسين، ونعطي كل واحدة من الثلث خمسين منها، ونقف الباقي وهو مائتان، منها مائة وخمسون بين الثنتين والثلاث، والباقي بين الثنتين والورثة. فإن بان صحة نكاح الثلاث، أعطيناهن مائة وخمسين، والباقي للورثة. وإن بان صحة نكاح الثنتين، أعطيناهما المائتين. قال الشيخ أبو علي: فإن كانت المسألة بحالها، ونكح أربعا أخر في عقد

(5/461)


رابع، ولم يعرف الترتيب، لم يحكم بصحة نكاح الواحدة، لاحتمال وقوعه بعد الاربع. فإن مات قبل البيان، وقفنا ميراث زوجات، ولا نعطي واحدة منه شيئا. وأما المهر، فإن دخل بهن، أخذنا لكل واحدة الاكثر من مسماها ومهر مثلها، وأعطيناها أقلهما، ووقفنا الباقي بينها وبين الورثة. فإن لم يدخل بواحدة منهن، فيحتمل أن يكون الصحيح نكاح الاربع، ويحتمل أن تكون الواحدة مع الثلاث، أو مع الثنتين، فينظر مهر الاربع وحده، ومهر الواحدة مع الثلاث، ثم مع الثنتين، ويؤخذ أكثر المقادير الثلاثة، ويوقف. وإن دخل ببعضهن، أخذ للمدخول بها أكثر مهريها، وتعطى منه أقلهما، ويوقف الباقي بينها وبين الورثة، وأخذ لغير المدخول بها مسماها، فيوقف بينها وبين الورثة. النوع الثالث: إستيفاء عدد الطلاق. فإذا طلق الحر زوجته ثلاثا في نكاح أو أنكحة دفعة أو أكثر قبل الدخول أو بعده، لم يحل له نكاحها حتى تنكح زوجا غيره ويطأها ويفارقها وتنقضي عدتها منه، وإذا طلق العبد طلقتين، فكطلاق الحر ثلاثا. ولو عتق بعد ذلك، لم يؤثر، ويشترط أن يكون الوطئ في نكاح صحيح. وفي قول: يكفي الوطئ في نكاح فاسد. ومنهم من أنكره، ومنهم من طرده في وطئ الشبهة، والمذهب الاول. ويشترط تغييب جميع الحشفة في الفرج، وبه تتعلق أحكام الوطئ كلها. وقال البغوي: إن كانت بكرا، فأقله الاقتضاض بآلته. ومن قطعت حشفته، إن بقي من ذكره دون قدرها، لم يحل. وإن بقي قدرها فقط، أحل. وإن بقي أكثر من قدرها، كفى تغييب قدر حشفة هذا الشخص على الاصح. وقيل: يشترط تغييب جميع الباقي، سواء كان قوي الانتشار، أو ضعيفه فاستعان بأصبعه أو أصبعها، فإن لم يكن إنتشار أصلا، لتعنين أو شلل أو غيرهما، لم

(5/462)


يحصل التحليل على الصحيح، وبه قطع جمهور الاصحاب في كتبهم، لعدم ذوق العسيلة، وحصله الشيخ أبو محمد والغزالي، لحصول الوطئ وأحكامه. واستدخال ذكر النائم وغيره يحلل، واستدخال الماء لا يحلل. قلت: ولو لف على ذكره خرقة وأولج، حلل على الصحيح. والله أعلم. فرع يحصل التحليل بكل زوج، حر مسلم، وعبد، ومجنون، وخصي، وذمي إذا كانت المطلقة ذمية، سواء كان المطلق مسلما أو ذميا، ويشترط وطئ الذمي في وقت لو ترافعوا إلينا لقررناهم على ذلك النكاح. قلت: لا يشترط في تحليل الذمية للمسلم وطئ ذمي، بل المجوسي والوثني يحللانها أيضا للمسلم، كما يحصنانها، صرح به إبراهيم المروذي. والله أعلم. والصبي الذي يتأتى منه الجماع، كالبالغ على المشهور. والطفل الذي لا يتأتى منه، لا يحلل على الصحيح، وعن القفال، أنه يحلل. قلت: هذا الوجه كالغلط المنابذ لقواعد الباب. ونقل الامام إتفاق الاصحاب أنه لا يحلل. والله أعلم. فرع إذا كانت المطلقة ثلاثا صغيرة، ووطئها زوج، حلت قطعا. وقيل في التي لا تشتهى الوجهان كتحليل الصبي. فرع لو وطئها في إحرامه أو إحرامها، أو الحيض، أو صوم رمضان، أو قبل التكفير عن ظهارها، أو ظانا أنها أجنبية، حلت، لانه وطئ زوج في نكاح صحيح. ولو وطئها وهي في عدة وطئ شبهة وقع بعد نكاحه، حلت على الاصح. ولو وطئها في حال ردته أو ردتها، وعاد إلى الاسلام، لم تحل، نص عليه، لاضطراب النكاح، بخلاف سائر أسباب التحريم. واعترض المزني بأنه إن دخل بها قبل الردة، فقد حلت، وإلا، فتبين بنفس الردة. قال الاصحاب: تتصور العدة بلا

(5/463)


دخول، بأن يطأها في الدبر أو فيما دون الفرج فسبق الماء، أم تستدخل ماءه، فتجب العدة، ولا تحل بهذه الاسباب، وكذا بالخلوة على القديم. قلت: هذا الذي ذكره عن النص أنها لا تحل بالوطئ في الردة، هو الصواب، وبه قطع جماهير الاصحاب. وقال صاحب التلخيص: إن اجتمعا في الاسلام قبل انقضاء العدة، حلت للاول، لتابعه عليه القفال، وليس بشئ. ولو طلقها رجعيا، باستدخال الماء قبل الدخول، ثم وطئها في العدة (لم تحل للاول وإن راجعها في العدة)، نص عليه الشافعي والاصحاب، وقال إبرهيم المروذي: إذا قلنا: تحل بوطئ الشبهة، فهنا أولى، وإلا، فلا تحل. والله أعلم. فرع نكحها على أنه إذا وطئها بانت منه، أو نكحها إلى أن يطأها، أو على أنه إذا وطئها فلا نكاح بينهما، فنكاح باطل، فإن شرط أنه إذا وطئها طلقها، فباطل أيضا على الاظهر. وفي قول: يصح العقد، ويبطل الشرط، ويجب مهر المثل. ولو تزوج بلا شرط، وفي عزمه أن يطلقها إذا وطئها، كره، وصح العقد، وحلت بوطئه. ولو نكحها على أن لا يطأها إلا مرة، أو على أن لا يطأها نهارا، فللشافعي رحمه الله في بطلان النكاح أو صحته دون الشرط نصان. وقيل: قولان. والمذهب أنهما على حالين. فالبطلان إذا شرطت الزوجة أن لا يطأها، والصحة إذا شرط الزوج أن لا يطأ، لانه حقه، فله تركه والتمكين عليها. ولو نكحها بشرط أن لا تحل له، فقال الامام: يجب أن تلحق بشرط ترك الوطئ. وقال الغزالي: ينبغي أن يفسد، للتناقض. قلت: قول الغزالي أصح. والله أعلم. وفي فتاوى القفال: أنه لو تزوج أمة على أن لا يملك الاستمتاع ببضعها، فكشرط أن لا يطأ. وإن تزوجها بشرط أن لا يملك بضعها، فإن أراد الاستمتاع، فكذلك. وإن أراد ملك العين، لم يضر. وجميع ما ذكرناه إذا شرطه في نفس العقد، ولو تواطأ في شئ من ذلك قبل العقد، وعقدا على ذلك القصد بلا شرط، فليس كالمشروط على الصحيح.

(5/464)


فرع قال الائمة: أسلم طريق في الباب، وأدفعه للعار، أن تزوج بعبد صغير، وتستدخل حشفته، ثم تتملكه ببيع أو هبة ونحوهما، فينفسخ النكاح، ويحصل التحليل إن صححنا تحليل الصبي وجوزنا إجبار العبد الصغير على النكاح، وإلا، فلا. فرع إذا قالت المطلقة ثلاثا: نكحت زوجا آخر، فوطئني وفارقني، وانقضت عدتي منه، قبل قولها عند الاحتمال. وإن أنكر الزوج الثاني، وصدق في أنه لا يلزمه إلا نصف المهر، فكذلك، لانها مؤتمنة في انقضاء العدة، والوطئ يعسر إقامة البينة عيله. ثم إن ظن صدقها، فله نكاحها بلا كراهة. وإن لم يظنه، استحب أن لا يتزوجها. وإن قال: هي كاذبة، لم يكن له نكاحها. فإن قال بعده: تبينت صدقها، فله نكاحها. قلت: قد حزم الفوراني بأنه إذا غلب على ظنه كذبها، لم تحل له. وتابعه الغزالي على هذا، وهو غلط عند الاصحاب، وقد نقل الامام إتفاق الاصحاب على أنها تحل وإن غلب على ظنه كذبها إذا كان الصدق ممكنا. قال: وهذا الذي قاله الفوراني غلط، وهو من عثرات الكتاب، ولعل الرافعي لم يحك هذا الوجه، لشدة ضعفه، ولقول الامام: إنه غلط. قال إبرهيم المروذي: ولو كذبها الزوج والولي والشهود، لم تحل على الاصح. والله أعلم. فرع طلق زوجته الامة، ثم اشتراها قبل وطئ زوج، لا يحل له وطؤها بملك اليمين على الصحيح، لظاهر القران. قلت: قال العلماء: الحكمة في اشتراط التحليل، التنفير من الطلاق

(5/465)


الثلاث. والله أعلم.
الجنس الثالث من الموانع : رق المرأة، وهو ضربان. رقيقة يملكها، ورقيقة لا يملكها. الضرب الاول: مملوكته، فليس له نكاح من يملكها أو بعضها. ولو ملك بعض زوجته، إنفسخ نكاحه، وليس لها نكاح من تملك بعضه. ولو ملكت زوجها، إنفسخ نكاحها. الضرب الثاني: أمة غيره، فلا تحل للحر إلا بشروط. أحدها: أن لا يكون تحته حرة يتيسر الاستمتاع بها مسلمة أو كتابية. وفي وجه: لا يمنع كون الكتابية تحته. فإن لم يتيسر الاستمتاع، بأن كانت تحته صغيرة، أو هرمة، أو غائبة، أو مجنونة، أو مجذومة، أو برصاء، أو رتقاء، أو مضناة لا تحتمل الجماع، فوجهان. أحدهما: يصح نكاح الامة، وهذا أصح عند صاحب المهذب والقاضي حسين، وقطع به ابن الصباغ وجماعة من العراقيين. والثاني: المنع، وبه قطع الامام والغزالي والبغوي. فعلى هذا، لا يصح نكاح الامة حتى تبين منه الحرة. (الشرط) الثاني: أن لا يقدر على نكاح حرة لعدم الحرة، أو عدم صداقها. فلو قدر على نكاح حرة رتقاء، أو قرناء، أو مجنونة، أو مجذومة، أو رضيعة، أو معتدة من غيره، فله نكاح الامة على الاصح. ولو قدر على حرة كتابية، لم تحل الامة على الاصح، وقول الله تعالى: * (ومن لم يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات المؤمنات) * قيد بالمؤمنات، لانه الغالب، لا للاشتراط.

(5/466)


ولو قدر على حرة غائبة، قال الاصحاب: إن كان يخاف العنت في مدة قطع المسافة، أو يلحقه مشقة ظاهرة بالخروج إليها، فله نكاح الامة، وإلا، فلا. قال الامام: المشقة المعتبرة، أن ينسب متحملها في طلب زوجه إلى الاسراف. ولو لم يجد إلا حرة لا ترضى إلا بأكثر من مهر مثلها، وهو واجده، فنقل البغوي: أنه لا ينكح أمة. ونقل المتولي جوازه. وقال الامام والغزالي: إن كانت زيادة يعد بذلها إسرافا، حلت الامة، وإلا، فلا. وفرقوا بينه وبين الماء في التيمم، بأن الحاجة إلى الماء تتكرر، وبأن هذا الناكح لا يعد مغبونا. قلت: قطع آخرون بموافقة المتولي، وهو الاصح. والله أعلم. ولو لم يقدر على مهر، ووجد حرة ترضى بمهر مؤجل، وهو يتوقع القدرة عليه عند المحل، أو وجد من يبيعه نسيئة ما يفي بصداقها، أو وجد من يستأجره بأجرة معجلة، أو رضيت حرة بأن ينكحها بلا مهر، حلت الامة على الاصح. ولو أقرض مهرها، لم يجب القبول على المذهب، لاحتمال المطالبة في الحال. وقيل بالوجهين. ولو رضيت حرة بدون مهر مثلها، وهو يجده، لم تحل الامة على المذهب، لان المنة فيه قليلة، إذ العادة المسامحة في المهور. ولو وهب له مال أو جارية، لم يلزمه القبول، وحلت الامة. ومن له مسكن وخادم، هل له نكاح الامة، أم عليه بيعهما وصرفهما إلى طول حرة ؟ وجهان حكاهما ابن كج.

(5/467)


قلت: أصحهما الاول. والله أعلم. والمال الغائب لا يمنع نكاح الامة، كما لا يمنع ابن السبيل الزكاة. ومن هو معسر، وله ابن موسر، يجوز له نكاح الامة إن لم نوجب على الابن إعفافه. وإن أوجبناه، فوجهان، لانه مستغن بمال الابن. قلت: أصحهما: المنع، وبه قطع جماعة. والله أعلم. الشرط الثالث: خوف العنت، والمراد به هنا الزنا، قال الامام: ليس المراد بالخوف أن يغلب على ظنه الوقوع في الزنا، بل أن يتوقعه لا على الندور. وليس المراد بغير الخائف أن يعلم اجتنابه، بل غلبة الظن بالتقوى، والاجتناب ينافي الخوف، فمن غلبت عليه شهوته، وضعف تقواه، فهو خائف. ومن ضعفت شهوته، وهو يستبدع الزنا لدين أو مروءة أو حياء، فهو غير خائف. وإن غلبت شهوته، وقوي تقواه، ففيه إحتمالان للامام. أصحهما: لا يجوز نكاح الامة، وبه قطع الغزالي، لانه لا يخاف الوقوع في الزنا. والثاني: إن كان ترك الوقاع يجر ضررا أو مرضا، فله نكاح الامة. وأما المجبوب، فلا يتصور منه الزنا. قال الامام والمتولي: ليس له نكاح الامة. قال المتولي: فلو نكح حر أمة، فوجدته مجبوبا، وأرادت الفسخ، فقال الزوج: جب ذكري بعد النكاح. فإن كان قوله غير محتمل، بأن كان الموضع مندملا، وقد عقد النكاح أمس، فالنكاح باطل. وإن كان محتملا، فإن صدقنه، فذاك، وإن كذبته، فدعواها باطلة لان مقتضى قولها، بطلان النكاح من أصله. وقال الروياني في البحر: للخصي والمجبوب نكاح الامة عند خوف الوقوع في الفعل المأثوم

(5/468)


به، لان العنت المشقة. فرع القادر على شراء أمة يتسراها، لا يحل له نكاح أمة على المذهب. ولو كان في ملكه أمة، لم ينكح أمة قطعا، وطرد الحناطي الخلاف فيه، فعلى المذهب لو كانت الامة التي يملكها غير مباحة، فإن وفت قيمتها بمهر حرة، أو ثمن أمة يتسراها، لم ينكح الامة، وإلا، فينكحها. الشرط الرابع: كون الامة المنكوحة مسلمة، ولا يشترط كونها لمسلم على الاصح، ويجوز للحر الكتابي نكاح الامة الكتابية على الاصح، ويقال: الاظهر، ولا يجوز نكاحها للعبد المسلم على المشهور. وأما نكاح العبد المسلم الامة المسلمة، فسيأتي إن شاء الله تعالى في باب (نكاح) المشرك. والعبد الكتابي، ينكح الامة الكتابية إن نكحها الحر الكتابي، وإلا، فوجهان. أصحهما: الجواز. قلت: ونكاح الحر المجوسي والوثني الامة المجوسية والوثنية، كالكتابي الامة الكتابية. والله أعلم. فرع للحر المسلم وطئ أمته الكتابية دون المجوسية والوثنية، كالنكاح في حرائرهم. فصل من استجمع شروط نكاح الامة، ليس له نكاح أمة صغيرة لا توطأ

(5/469)


على الاصح، لانه لا يأمن بها العنت. ومن بعضها رقيق كالرقيقة، لا ينكحها حر إلا بالشروط. ولو قدر على نكاحها، فهل يباح له نكاح الرقيقة المحضة ؟ فيه تردد للامام، لان إرقاق بعض الولد أهون من إرقاق كله. وحكي عن بعض الاصحاب أن من بعضه رقيق كالرقيق، فينكح الامة مع القدرة على الحرة، لانه كالرقيق في الولاية والنظر. فصل ولد الامة المنكوحة رقيق لمالكها، سواء كان زوجها الحر عربيا أو غيره، وفي القديم قول أن العرب لا يجري عليهم الرق، فيكون ولد العربي حرا، وهل على الزوج قيمته كالمغرور ؟ أم لا شئ عليه لان السيد رضي حين زوجها عربيا ؟ فيه قولان. فرع في فتاوى القاضي حسين: أنه لو زوج أمته بواجد طول حرة، فأولدها، فالاولاد أرقاء، لان شبهة النكاح كالنكاح الصحيح. فصل نكح الحر أمة بشروطه، ثم أيسر أو نكح حرة، لا ينفسح نكاح الامة. وقال المزني: ينفسخ. فصل جمع حر حرة وأمة في عقد، فإن كان ممن لا يحل له نكاح الامة، فنكاح الامة باطل، ونكاح الحرة صحيح على الاظهر. وإن كان ممن

(5/470)


يحل له نكاح الامة، بأن وجد حرة تسمح بمهر مؤجل، أو بلا مهر، أو بدون مهر المثل، أو حرة كتابية، وقلنا: إن هذه المعاني لا تمنع نكاح الامة، بطل نكاح الامة قطعا، لاستغنائه عنه. وفي الحرة طريقان. أظهرهما عند الامام وبه قال صاحب التلخيص: أنه على القولين. وقال ابن الحداد وأبو زيد وآخرون: يبطل قطعا، لانه جمع بين إمرأتين يجوز إفراد كل منهما، ولا يجوز الجمع، فأشبه الاختين، ومن قال بالاول، فرق بأن الاختين ليس فيهما أقوى (والحرة أقوى). ولو جمع بين مسلمة ووثنية، أو أجنبية ومحرم، أو خلية ومعتدة أو مزوجة، فهو كالجمع بين الحرة والامة لمن لا تحل له الامة. وإذا صححنا نكاح من تحل (له)، فقد سبق في تفريق الصفقة قول: أنها تستحق جميع المسمى، وأن المذهب أنها لا تستحق جميعه، بل تستحق مهر المثل في قول، وما يخص مهر مثلها من المسمى إذا وزع على مهر مثلها ومهر مثل الا خرى في قول. فإن قلنا: تستحق جميع المسمى، فللزوج الخيار في فسخ الصداق والرجوع إلى مهر المثل كما ذكرنا في باب التفريق. وإن قلنا: تستحق مهر المثل، فلا فسخ، إذ لا فائدة (فيه)، فإنه لو فسخ لرجع إليه. وإن قلنا: تستحق حصة مهر المثل من المسمى، قال الشيخ أبو علي: إن كان المسمى مما يمكن قسمته، كالحبوب، فلا خيار. وإن كان مما لا يمكن، كالعبد، فله الخيار، لتضرره بالتشقيص. فإن فسخ، فعليه مهر المثل. واعلم أن الجميع بين من يحل ومن لا يحل، يتصور بأن يكون المزوج وليهما، بأن زوج أمته وبنته، أو كان وكيلا لوليين، أو ولي إحداهما ووكيلا في الاخرى. وموضع الخلاف إذا قال: زوجتك هذه وهذه بكذا، فقال: قبلت نكاحهما بكذا. فأما إذا قال: زوجتك بنتي هذه، وزوجتك أمتي هذه، فقال: قبلت نكاح بنتك، وقبلت نكاح أمتك، أو اقتصر على قبول نكاح البنت، فنكاح البنت صحيح بلا خلاف، ولو فصل المزوج، وقال الزوج: قبلت نكاحهما، أو جمع المزوج، وفصل الزوج، فهل هو كما لو فصلا جميعا، أو كما جمعا جميعا ؟ وجهان. أصحهما: الاول.

(5/471)


ولو جمع بين أختين وأمة وهو ممن يحل له نكاح الامة، فنكاح الاختين باطل، وفي الامة الخلاف. ولو قال: زوجتك بنتي، وبعتك هذا الزق من الخمر بكذا، فقبلهما، أو زوجتك بنتي وابني أو فرسي، أو وهذا الزق، صح نكاح البنت على المذهب، لان المضموم لا يقبل النكاح، فلغا. وقيل بطرد القولين. فإن صححنا، فلها مهر المثل إن قلنا فيمن جمع بين محللة ومحرمة: للمحللة مهر المثل. وإن قلنا هناك: لها حصة مهر المثل من المسمى، فقال البغوي: يجب لها هنا جميع المسمى، لتعذر التوزيع. قلت: ولو تزوج أمتين في عقد، بطل نكاحهما قطعا كالاختين. وجميع ما ذكرناه في نكاح أمة غيره، أردنا به غير أمة ولده، وأما أمة ولده، ففيها خلاف وتفصيل يأتي إن شاء الله تعالى في الباب العاشر. والله أعلم.
الجنس الرابع من الموانع : الكفرة. الكفار ثلاثة أصناف. أحدها: الكتابيون، فيجوز للمسلم مناكحتهم، سواء كانت الكتابية ذمية أو حربية، لكن تكره الحربية، وكذا الذمية على الصحيح، لكن أخف من كراهة الحربية. والمراد بالكتابيين: اليهود والنصارى. فأما المتمسكون بكتب سائر الانبياء الاولين، كصحف شيث وإدريس وإبرهيم وزبور داود صلوات الله وسلامه

(5/472)


عليهم، فلا تحل مناكحتهم على الصحيح. الصنف الثاني: من لا كتاب له ولا شبهة كتاب، كعبدة الاوثان والشمس والنجوم والمعطلة والزنادقة والباطنية والمعتقدين مذهب الاباحة وكل مذهب كفر معتقده، فلا تحل مناكحتهم. الصنف الثالث: من لا كتاب لهم، مكن لهم شبهة كتاب وهم المجوس. وهل كان لهم كتاب ؟ فيه قولان. أشبههما: نعم، وعلى القولين لا [ تحل مناكحتهم، لانه لا كتاب بأيديهم، ولا نتيقنه من قبل، فنحتاط. وقال أبو إسحق وأبو عبيد ابن حربويه: يحل إن قلنا: كان لهم كتاب، وهذا ضعيف عند الاصحاب. فرع الكتابية كالمسلمة في النفقة والقسم والطلاق وعامة أحكام النكاح، لكن لا توارث بينها وبين المسلم، ولا تغسله إذا اعتبرنا نية الغاسل ولم نصحح نيتها. وإذا طهرت عن حيض أو نفاس، ألزمها الزوج الاغتسال. فإن امتنعت، أجبرناها عليه واستباحها وإن لم تنو، للضرورة، كما تجبر المسلمة المجنونة. وعن الحليمي تخريجا على الاجبار على الغسل، أن للسيد إجبار أمته المجوسية والوثنية على الاسلام، لان حل الاستمتاع يتوقف عليه. والصحيح خلافه، لان الرق أفادها الامان من القتل فلا تجبر كالمستأمنة، وليس كالغسل، فإنه لا يعظم الامر فيه. واختلف نص الشافعي رضي الله عنه في إجبار زوجته الكتابية على غسل الجنابة. وقال الجمهور: في إجبارها قولان. وقيل: الاجبار إذا طالت المدة وكانت النفس تعافها، وعدمه في غير هذا الحال. وأما المسلمة، فهي مجبرة على الغسل من الجنابة، كذا أطلقه البغوي. قلت: ليس هو على إطلاقه، بل هو فيما إذا طال بحيث حضر وقت صلاة،

(5/473)


فأما إذا لم تحضر صلاة، ففي إجبارها القولان، وهما مشهوران حتى في التنبيه. والاظهر من القولين الاجبار. والله أعلم. وتجبر المسلمة أو الكتابية على التنظف، بالاستحداد، وقلم الاظفار، وإزالة شعر الابط والاوساخ إذا تفاحش شئ من ذلك بحيث نفر التواق، فإن كان لا يمنع أصل الاستمتاع، لكن يمنع كماله، فقولان كغسل الجنابة، ويجريان في منع الكتابية أكل الخنزير للاستقذار، وفي كل ما يمنع كمال الاستمتاع. والاظهر أن للزوج المنع منه. وله المنع من أكل ما يتأذى من رائحته كالثوم والكراث على الاظهر. وقيل: قطعا، وله المنع من شرب ما تسكر به. وفي القدر الذي لا يسكر القولان، ويجريان في منع المسلمة من هذا القدر من النبيذ إذا كانت تعتقد إباحته. وقيل بمنعهما قطعا، لان ذلك القدر لا ينضبط ويختلف باختلاف الاشخاص. ومتى تنجس فمها أو عضو آخر، فله اجبارها على غسله بلا خلاف ليمكنه الاستمتاع به، وله منعها من لبس جلد الميتة قبل دباغه ولبس ما له رائحة كريهة. ويمنع الكتابية من البيع والكنائس، كما يمنع المسلمة من الجماعات والمساجد.
فصل في صفة الكتابية التي ينكحها المسلم وهي ضربان، إسرائيلية، وغيرها. الضرب الاول: التي ليست من بني إسرائيل، ولها أحوال. أحدها: أن تكون من قوم يعلم دخولهم في ذلك الدين قبل تحريفه ونسخه، فيحل نكاحها على الاظهر. وقيل: قطعا، وهؤلاء يقرون بالجزية قطعا. وفي حل ذبائحهم الخلاف كالمناكحة. الحال الثاني: أن يكون ممن يعلم دخولهم بعد التحريف وقبل النسخ. فإن تمسكوا بالحق منه، وتجنبوا المحرف منه، فكالحال الاول. وإن دخلوا في

(5/474)


المحرف، لم تحل مناكحتهم على المذهب، ويقرون بالجزية على الاصح كالمجوس وأولى للشبهة. (الحال) الثالث: أن تكون ممن يعلم دخولهم بعد التحريف والنسخ، فلا تحل مناكحتهم قطعا. فالذين تهودوا أو تنصروا بعد بعثة نبينا - صلى الله عليه وسلم -، لا يناكحون. وفي المتهودين بين نبينا وبين عيسى عليهما السلام وجهان. أصحهما: المنع، ومن جوز كأنه يزعم أنا لا نعلم كيفية نسخ شريعة عيسى لشريعة موسى صلى الله عليهما وسلم، وهل نسخت كلها أو بعضها، وهؤلاء لا يقرون بالجزية. الرابع: أن تكون من قوم لا يعلم متى دخلوا، فلا تحل مناكحتهم، ويقرون بالجزية، وبذلك حكمت الصحابة رضي الله أنهم في نصارى العرب. هكذا أطلقه عامة الاصحاب من المتقدمين والمتأخرين، وفيه شئ لا بد من معرفته وسنذكره في الفصل الذي بعد هذا إن شاء الله تعالى. الضرب الثاني: الكتابية الاسرائيلية. والذي ذكره الاصحاب في طرقهم، جواز نكاحها على الاطلاق من غير نظر إلى آبائها أدخلوا في ذلك الدين قبل التحريف، أم بعده، وليس كذلك لان ليس كل إسرائيلية يلزم دخول آبائها قبل التحريف وإن أشعر به كلام جماعة من الائمة، وذلك أن إسرائيل هو يعقوب - صلى الله عليه وسلم -، وبينه وبين نزول التوراة زمان طويل، ولسنا نعلم أدخل كل بني إسرائيل على كثرتهم في زمان موسى - صلى الله عليه وسلم - أم بعده قبل التحريف، بل في القصص ما يدل على استمرار بعضهم على عبادة الاوثان والاديان الفاسدة، وبتقدير إستمرار هذا في اليهود، فلا يستمر في النصارى، لان بني إسرائيل بعد بعثة عيسى - صلى الله عليه وسلم - منهم من آمن به، ومنهم من صد عنه فأصر على دين موسى. ثم من المصرين من تنصر على تعاقب الزمان قبل التحريف وبعده، ولكن كأن الاصحاب اكتفوا بشرف النسب وجعلوه حابرا لنقص دخول الآباء في الدين بعد التحريف، حتى فارق حكمهن حكم غير الاسرائيليات إذا دخل آباؤهن بعد التحريف.

(5/475)


وأما الدخول فيه بعد بعثة نبينا - صلى الله عليه وسلم -، فلا تفارق فيه الاسرائيلية غيرها كما سنوضحه إن شاء الله تعالى. وكلام الغزالي يقتضي النظر إلى حال الآباء في الاسرائيليات أيضا، حتى يكون نكاح الاسرائيلية التي دخل أول آبائها في ذلك الدين بعد التحريف على قولين، كغير الاسرائيلية التي دخل آباؤها فيه قبل التحريف، لكن كلام الاصحاب يخالفه، فاعرفه وانظر كيف يمكنك تنزيل كلامه على منقول الاصحاب. فرع الصابئون طائفة تعد من النصارى، والسامرة طائفة تعد من اليهود. فإن كانوا يخالفون اليهود والنصارى في أصل دينهم ولا يتأولون نص كتابهم، لم يناكحوا كالمجوس. وإن خالفوهم في الفروع دون الاصول وتأولوا نصوص كتابهم، جازت مناكحتهم. هذا هو المذهب، وهو نصه في المختصر، وقطع به الجمهور. قال الشيخ أبو علي: وأطلق بعض الاصحاب قولين في مناكحتهم. قال الامام: لا مجال للخلاف فيمن تكفرهم اليهود والنصارى، ويخرجونهم عنهم، لكن يمكن الخلاف فيمن جعلوه كالمبتدع فينا. وإذا شككنا في جماعة أيخالفونهم في الاصول أم الفروع ؟ لم نناكحهم. والصابئون - فيما نقل - فرقتان، فرقة توافق النصارى في أصول الدين، وفرقة تخالفهم، وهم الذين أفتى الاصطخري بقتلهم.
فصل في الانتقال من دين إلى دين هو ثلاثة أقسام.

(5/476)


القسم الاول: من دين باطل إلى دين باطل، وهو ثلاثة أضرب. أحدها: الانتقال من دين يقر أهله عليه إلى ما يقر أهله عليه، كتهود نصراني وعكسه، فهل يقر على ما انتقل إليه بالجزية، أم لا يقبل منه إلا الاسلام أو الدين الذي انتقل منه ؟ فيه ثلاثة أقوال. أظهرها: الاول، ثم الثاني. قلت: الاصح، لا يقبل منه إلا الاسلام. والله أعلم. فعلى الاول، تحل ذبيحته. وإن كانت إمرأة، حل للمسلم نكاحها. وإن كانت منكوحة مسلم، استمر نكاحه. وإن قلنا: لا يقر، لم تحل ذبيحته ولا نكاحها. وإذا انتقلت منكوحة مسلم، فكردة المسلمة، فتتنجز الفرقة قبل الدخول وتقف على انقضاء العدة بعده. وإذا قلنا بالقول الثاني والثالث، وامتنع من الاسلام أو منه ومن الدين الذي انتقل منه، فقولان. أحدهما: يقتل كالمرتد، وأشبههما: يلحق بمأمنه كمن نبذ العهد. ثم هو حرب لنا، إن ظفرنا به قتلناه. ولو تمجس يهودي أو نصراني، ففي تقريره وعدمه وما يقبل منه الاقوال. وقيل: يمنع التقرير قطعا، لكونه دون دينه الاول. فإن لم نقره، وأبى الرجوع، ففي القتل والالحاق بالمأمن القولان. وعلى كل حال، لا تحل ذبيحته ولا نكاحها. وإن كانت منكوحة مسلم، تنجزت الفرقة إن كان قبل الدخول، وإلا، فإن أسلمت قبل انقضاء العدة، أو عادت إلى دينها وقنعنا به، دام النكاح، وإلا، بان حصول الفرقة من وقت الانتقال. ولو تمجست كتابية تحت كتابي، فإن كانوا لا يجوزون نكاح المجوس، فكتمجسها تحت مسلم، وإلا، فنقرهما إذا أسلما. ولو تهود أو تنصر مجوسي، ففي التقرير الاقوال، فإن منعناه، فالتفريع كما سبق، ولا تحل ذبيحته ونكاحها بحال، لان الانتقال من باطل إلى باطل لا يفيد فضيلة. الضرب الثاني: إنتقال مما يقر عليه إلى ما لا يقر، كتوثن يهودي أو نصراني، فلا يقر قطعا. وهل يقنع بعوده إلى ما انتقل منه أو دين يقر أهله عليه، أم لا يقبل إلا الاسلام أو ما انتقل منه، أم لا يقبل إلا الاسلام ؟ فيه ثلاثة أقوال. وإن كان هذا

(5/477)


الانتقال من كتابية تحت مسلم، انفسخ نكاحها إن لم يدخل. وإن دخل فعادت إلى ما يقبل قبل انقضاء العدة، استمر نكاحها، وإلا، تبين الفراق من وقت الانتقال. ولو توثن مجوسي، لم يقر، وفيما يقنع به الاقوال. الضرب الثالث: عكس الثاني، كتهود وثني وتنصره وتمجسه، فلا يقر، ولا يقبل منه إلا الاسلام قطعا كالمرتد، لانه كان لا يقر فلا يستفيده بباطل. وإذا تأملت حكم هذه الاضرب، علمت أن الانتقال من دين باطل إلى باطل، يبطل الفضيلة التي كانت في الاول، ولا يفيد فضيلة لم تكن في الاول، ولكن تبقى الفضيلة التي يشترك فيها الدينان إن قلنا بالتقرير. وعلمت أن كلامهم المطلق في الفصل السابق: أن من دخل في التهود والتنصر بعد النسخ والتبديل لا يناكح ولا يقر بالجزية، غير مستمر على إطلاقه، لان من تهود أو تنصر اليوم فقد دخل في ذلك الدين بعد النسخ والتبديل، وقد بينا الخلاف في مناكحته وتقريره بالجزية إذا كان الدخول من دين يقر أهله عليه، فإذا إطلاقهم هناك وجزمهم بالمنع محمول على ما إذا كان الدخول فيه من دين لا يقر أهله كالوثنية، وهذا هو البيان الذي سبق الوعد به. فرع إذا قبلنا رجوعه إلى غير الاسلام، في هذه الصورة لا نقول له: أسلم أو عد إلى ما كنت عليه، بل نأمره بالاسلام، لكن نتركه إذا عاد إلى غيره. القسم الثاني: الانتقال من دين حق إلى باطل، وهو ردة المسلم والعياذ بالله، فلا يقبل منه إلا الاسلام، فإن أبى قتل كما سيأتي في بابه إن شاء الله تعالى، ولا يحل نكاح المرتد لاحد. وإذا ارتد الزوجان أو ! أحدهما قبل الدخول، تنجزت الفرقة، وبعده نقف على العدة. فإن جمعهما الاسلام قبل انقضائها، استمر النكاح، وإلا، بان حصول الفرقة من وقت الردة. وفي مدة التوقف، لا يحل الوطئ، فلو وطئ، فلا حد، وتجب العدة، وهما عدتان من شخص، فهو كوطئ مطلقته في عدته، واجتماعهما في الاسلام هنا كرجعته هناك، فيستمر النكاح إذا

(5/478)


جمعهما الاسلام في الحالات التي يحكم فيها بثبوت الرجعة هناك. ولو طلقها في مدة التوقف، أو ظاهر منها، أو آلى، توقفنا. فإن جمعهما الاسلام قبل انقضاء العدة، تبينا صحتها، وإلا، فلا. وليس للزوج إذا ارتدت أن ينكح أختها في مدة التوقف، ولا أربعا سواها، ولا أن ينكح أمة. فإن طلقها ثلاثا في مدة التوقف، أو خالعها، جاز له ذلك، لانها إن لم تعد إلى الاسلام، فقد بانت بنفس الردة، وإلا، فبالطلاق (أو الخلع). القسم الثالث: الانتقال من دين باطل إلى حق، وهو باب نكاح المشرك الآتي إن شاء الله تعالى. فرع من أحد أبويه كتابي والآخر وثني، يقر بالجزية على المذهب. وأما مناكحته ومناكحة من أحد أبويه مجوسي والآخر يهودي أو نصراني أو ذبيحته، فإن كانت الام هي الكتابية، لم يحل قطعا، وكذا إن كان هو الاب على الاظهر، هذا في صغر المتولد منهما. فأما إذا بلغ وتدين بدين الكتابي منهما، فقال الشافعي رضي الله عنه: تحل مناكحته وذبيحته. فمن الاصحاب من أثبت هذا قولا، ومنهم من قال: لا أثر لبلوغه، وحمل النص على ما إذا كان أحد أبويه يهوديا والآخر نصرانيا، فبلغ واختار دين أحدهما. ولو تولد بين يهودي ومجوسية، فبلغ واختار التمجس، فعن القفال أنه يمكن منه، ويجري عليه حكم المجوس. وقال الامام: لا يمتنع أن يقال: إذا أثبتنا له حكم اليهود في الذبيحة والمناكحة أن نمنعه من التمجس إذا منعنا انتقال الكافر من دين إلى دين.
الباب السابع : في نكاح المشرك فيه أربعة أطراف. الطرف الاول: فيما يقر عليه الكافر من الانكحة الجارية في الكفر إذا أسلم. فإذا

(5/479)


أسلم وتحته أربع كتابيات، أو أقل، استمر نكاحهن، لانه يجوز ابتداؤه في الاسلام، وسواء في ذلك اليهودي والمجوسي والوثني والحربي والذمي. وإن أسلم وتحته مجوسية أو وثنية أو غيرهما ممن لا يجوز نكاحها من الكافرات، وتخلفت هي، فإن كان قبل المسيس، تنجزت الفرقة. وإن كان بعده وأسلمت قبل انقضاء العدة، استمر النكاح، وإلا، تبينا حصول الفرقة من وقت إسلام الزوج. وإن أسلمت المرأة، وأصر الزوج على كفره، أي كفر كان، فالحكم كما لو أسلم وأصرت على التوثن. وإن أسلما معا، بقيا على النكاح. سواء فيه جميع أنواع الكفر وقبل المسيس وبعده، والاعتبار في الترتيب والمعية، بآخر كلمة الاسلام، لا بأولها. ولو نكح كافر لابنه الصغير صغيرة، فإسلام الابوين أو أحدهما قبل بلوغهما كإسلام الزوجين أو أحدهما. ولو نكح لطفله بالغة، وأسلم أبو الطفل والمرأة معا، قال البغوي: يبطل النكاح، لان إسلام الولد يحصل عقب إسلام الاب، فيقدم إسلامهما على إسلام الزوج، لكن ترتب إسلام الولد على إسلام الاب، لا يقتضي تقدما وتأخرا بالزمان، فلا يظهر تقدم إسلامها على إسلام الزوج: قال: وإن أسلمت عقب إسلام الاب، بطل النكاح أيضا، لان إسلام الولد يحصل حكما، وإسلامها يحصل بالقول، والحكمي يكون سابقا للقولي، فلا يتحقق إسلامهما معا. فرع حيث توقفنا في النكاح وانتظرنا الحال إلى انقضاء العدة، فطلق قبل انقضائها، فطلاقه موقوف. فإن اجتمعا على الاسلام في العدة، تبقنا وقوعه. ويعتد من وقت الطلاق، وإلا، فلا طلاق. وقيل: في الطلاق قولا وقف العقود. ففي

(5/480)


قول: لا يقع وإن اجتمعا في الاسلام قبل انقضاء العدة. وطردا فيما إذا أعتق عبد أبيه على ظن حياته، فبان ميتا، كما لو باعه على ظن حياته فبان ميتا. والمذهب الاول، لان الطلاق والعتق يقبلان صريح التعليق، فقبولهما تقدير التعليق أولى، وكذا يتوقف في الظهار والايلاء. ولو قذفها ولم يجتمعا على إسلام في العدة، لم يلاعن، ويعزر إن كانت هي المتخلفة، ويحد إن كان هو المتخلف. وإن اجتمعا على الاسلام، فله أن يلاعن لدفع الحد أو التعزير. ولو سبق الزوج إلى الاسلام، والزوجة وثنية، فنكح في زمن التوقف أختها المسلمة أو أربعا سواها، لم يصح. وكذا لو طلقها رجعية في الشرك ثم أسلم ونكح في العدة أختها المسلمة أو أربعا سواها، لان زوال نكاحها غير متيقن، فلا ينكح من لا يجوز الجمع بينها وبينها. وقال المزني: يتوقف فيمن نكحها. فإن أسلمت المتخلفة قبل انقضاء العدة، بان بطلان نكاح الثانية، وإلا، بان صحته. وذكر بعض الاصحاب، أنه على قولي وقف العقود. فعلى قول: هو كما قال المزني. والمذهب هو الاول، وهو المنصوص، وبه قطع الجماهير. ولو أسلمت المرأة أولا، ونكح في تخلفه أختها الكافرة، ثم أسلم مع الثانية، فإن كان بعد انقضاء عدة السابقة، أقرت الثانية تحته. وإن أسلم قبل انقضاء عدتها، فله أن يختار من شاء منهما، كما لو أسلم وتحته أختان أسلمتا معه، وليس كالصورة السابقة، فإنه هناك مسلم عند نكاح الثانية، فلا ينكح الاخت على الاخت، وهنا وقع النكاحان في الشرك. فصل ما ذكرناه أولا، كلام جملي في مواضع استمرار النكاح بعد الاسلام وعدم استمراره. والمقصود الآن، بيان شرط الاستمرار. فإن لم يقترن شئ من مفسدات النكاح بالعقد الجاري في الشرك، ولا بحالة عروض الاسلام، فهو مقرر عليه. فإن كانوا يعتقدون فساد شئ من ذلك، لم نبال باعتقادهم، وأدمنا ما هو صحيح عندنا. وإن اقترن به مفسد، نظر، إن كان زائلا عند الاسلام، وكانت بحيث يجوز نكاحها حينئذ ابتداء، استمر عليه، إلا إذا اعتقدوا فساده وانقطاعه. وإن كان المفسد باقيا وقت الاسلام، بحيث لا يجوز ابتداء

(5/481)


نكاحها، فلا تقرير، بل يندفع النكاح، ويتخرج على هذا الضابط مسائل. إحداها: عقدا بغير ولي وشهود، أو أجبر البكر غير الاب والجد، أو أجبرت الثيب، أو راجع في القرء الرابع وهم يعتقدون امتداد الرجعة إليه، فيقر عليه، إذ لا مفسد عند الاسلام، ونكاحها الآن جائز. ولو نكح أمه أو بنته، أو زوجة أبيه أو ابنه، أو مطلقته ثلاثا قبل التحليل، اندفع النكاح عند الاسلام، لانه لا يجوز ابتداؤه. (المسألة) الثانية: (نكح) معتدة غيره، فإن كانت العدة باقية عند الاسلام، اندفع النكاح، وإلا استمر. وخص صاحب الرقم هذا التفصيل بعدة النكاح، قال: وفي عدة الشبهة يقران وإن كانت المدة باقية، لان الاسلام لا يمنع دوام النكاح مع عدة الشبهة، ولم يتعرض الجمهور لهذا الفرق، وأطلقوا اعتبار التقرير بالابتداء. ولو كان نكحها بشرط الخيار لهما أو لاحدهما مدة مقدرة، فإن كانت المدة باقية عند الاسلام، اندفع النكاح، وإلا، استمر كالعدة، وسواء قارن بقية العدة أم مدة الخيار إسلامهما أو إسلام أحدهما، حتى لو أسلم أحدهما والعدة أو المدة باقية، ثم أسلم الآخر وقد انقضت، فلا تقرير، كذا قاله الصيدلاني، والامام، والغزالي، والبغوي، لان المفسد لاقى إسلام أحدهما فغلب الفساد. وعن القاضي حسين: أن المؤثر اقترانه بإسلامهما، فإن اقترن بإسلام أحدهما فقط، لم يندفع النكاح، لان وقت الامساك والاختيار هو حال اجتماعهما مسلمين، والاول أصح. المسألة الثالثة: النكاح المؤقت، إن اعتقدوه مؤبدا، أقروا عليه. وإن اعتقدوه مؤقتا، لم يقروا، سواء أسلما بعد تمام المدة أو قبلها، لان بعد المدة لا نكاح في اعتقادهم، وقبلها يعتقدونه مؤقتا، ومثله لا يجوز ابتداؤه. المسأل الرابعة: غصب حربي أو مستأمن إمرأة واتخذها زوجة وهم يعتقدون غصبها نكاحا، قال القفال: لا يقر، إذ لا عقد. والصحيح التقرير، إذ ليس فيه إلا إقامة

(5/482)


الفعل مقام القول، فأشبه سائر وجوه الفساد. ولو غصب ذمي ذمية، لم يقر، لان على الامام دفع قهر بعضهم بعضا، بخلاف الحربي والمستأمن. فرع إذا أسلما، لم يبحث عن شرط نكاحهما في الابتداء، لانه أسلم خلائق فلم يسألهم النبي - صلى الله عليه وسلم - عن شروط أنكحتهم، وأقرهم عليها. وأما في حال الاسلام، فالوجه: الاحتياط.
فصل قد سبق بيان ما إذا لم يقترن بالعقد الجاري في الشرك ولا بالإسلام مفسد، وما إذا اقترن بالعقد مفسد، وهذا الفصل لقسم ثالث، وهو أن لا يقترن بالعقد، لكن يطرأ مفسد ويقترن بالاسلام، وفيه مسائل بناها جماعة على أن الاختيار والامساك كابتداء العقد، أم كاستدامته ؟ قالوا: وفيه قولان مستنبطان. أظهرهما عند الاصحاب الاول.

(5/483)


إحدى المسائل: إذا أسلم، ووطئت زوجته بشبهة ثم أسلمت، أو أسلمت ثم وطئت بشبهة، ثم أسلم قبل انقضاء العدة، استمر نكاحهما على المذهب والمنصوص وإن كان لا يجوز ابتداء نكاح المعتدة، لان عدة الشبهة لا تقطع نكاح المسلم، فذا أولى. المسألة الثانية: أسلم وأحرم، ثم أسلمت في العدة، فعن النص جواز إمساكها في الاحرام، وكذا لو أسلم وتحته أكثر من أربع نسوة ثم أسلمن وهو محرم، له اختيار (أربع) منهن، وللاصحاب طريقان. أحدهما: القطع بالمنع، كما لو أسلم وتحته أمة وهو موسر، لا يجوز إمساكها، وهؤلاء حملوا النص على ما إذا أسلما معا ثم أحرم الزوج، فله الاختيار، لانه ثبت قبل الاحرام. وممن روي عنه هذا التأويل، الانماطي، وابن سلمة. وعن القفال إنكار هذا النص، وقال: تفحصت كتب الشافعي، فلم أجده. والطريق الثاني وهو الصحيح: أن المسألة على قولين. أحدهما: المنع. وأظهرهما ومختار أكثر الاصحاب: الاخذ بظاهر النص، لان عروض الاحرام لا يؤثر كما في نكاح المسلم، ولان الامساك استدامة، فأشبه الرجعة. المسألة الثالثة: نكح في الكفر حرة وأمة، ثم أسلم وأسلمتا معه، فالمذهب أن الحرة تتعين للنكاح، ويندفع نكاح الامة. وسواء نكحهما معا أو مرتبا، وتندفع الامة أيضا باليسار المقارن للاسلام. وقيل: في اندفاعها في الصورتين قولان، بناء على الاصل المذكور. والحاصل للفتوى، أنه متى أسلم وتحته أمة وأسلمت معه، أو جمعهما الاسلام في العدة، فإن كان يحل له نكاح الامة أمسكها، وإن لم يحل ليسار أو أمن العنت، اندفع نكاحها. المسألة الرابعة: أسلمت بعد الدخول وارتدت، فإن لم يسلم الزوج حتى انقضت العدة، بانت باختلاف الدين أولا، وتكون العدة من يومئذ. وإن أسلم قبل انقضائها، سقط حكم تلك العدة من يومئذ، ونتوقف. فإن عادت إلى الاسلام قبل انقضاء العدة من وقت ردتها، استمر النكاح، وإلا، انقطع من يوم الردة، وكذا لو

(5/484)


أسلم الزوج بعد الدخول وارتد، إن لم تسلم المرأة إلى انقضاء العدة من وقت إسلامه، بانت، وإن أسلمت، توقفنا، فإن عاد الزوج إلى الاسلام قبل انقضاء العدة من وقت ردته، استمر النكاح، وإلا، حصلت الفرقة من يومئذ. قال الامام: وحكى القفال عن النص أنه يندفع النكاح في إسلام أحد الزوجين وارتداده، ولا يتوقف، والمشهور التوقف. وعلى هذا قال البغوي وغيره: الردة يفترق فيها حكم الابتداء والاستدامة، لان ابتداء نكاح المرتد باطل غير منعقد على التوقف، وفي الدوام توقفنا، فالتحقت الردة بالعدة للشبهة والاحرام. وإنما قيل بالتوقف في الردة، ولم نجوز الاختيار فيها بخلاف الاحرام والعدة، لان منافاة الردة للنكاح أشد، فإنها تقطعه، بخلافهما، ولهذا لا تجوز الرجعة في الردة، وتجوز في الاحرام على الاصح. ولو أسلم وتحته أكثر من أربع، وارتد، ثم أسلمت النسوة في العدة، أو أسلم وأسلمن معه، ثم ارتد قبل الاختيار، لم يجز أن يختار أربعا منهن في الردة. فإن عاد إلى الاسلام في العدة، فله الاختيار حينئذ. فرع قد بان بما ذكرنا، أن القاطع للنكاح عند الاسلام، منه ما يكون موجودا عند العقد واستمر كالعدة، ومنه ما يطرأ كما لو نكح حرة على أمة ثم أسلم، أو نكح أمة ثم أيسر وأسلم موسرا. ثم هل يشترط في الانقطاع أن يقارن المفسد إسلامهما، أو يكفي اقترانه بإسلام أحدهما ؟ فيه خلاف سبق. أما القسم الاول: فالاصح الاكتفاء. وأما الثاني: فقد ذكرنا أن المذهب أنه إذا أسلم ومعه حرة وأمة، اندفعت الامة، وكذا لو أسلمت الحرة المدخول بها معه أو بعده قبل انقضاء العدة ثم أسلمت الامة. ولو أصرت الامة حتى انقضت العدة، اندفعت باختلاف الدين. ولو ماتت الحرة بعد إسلامها، أو ارتدت، ثم أسلمت الامة، اندفعت الامة أيضا، وكفى اقتران إسلام الحرة بإسلامه. ولو أسلم وتحته أمة وهو موسر، ثم تلف ماله وأسلمت

(5/485)


وهو معسر، فله إمساكها، وإنما يؤثر اليسار في الدفع إذا قارن إسلامهما جميعا. وقيل: يكفي اقتران اليسار بإسلامه، حكي هذا عن أبي يحيى البلخي، قال: وعكسه لو أسلم معسرا ثم أسلمت وهو موسر، فله إمساكها نظرا إلى وقت إسلامه. وعن ابن خيران: في اليسار الزائل قولان. وعن القاضي أبي حامد: أن في صورة الحرة والامة له إمساك الامة، فحصل خلاف في الصورتين. والمذهب في صورة الحرة والامة اندفاع الامة وإن ماتت الحرة. وفي صورة زوال اليسار عدم اندفاعها، واعتبار اقترانه بإسلامهما، لان وقت الاجتماع هو وقت جواز نكاح الامة.
فصل في الأنكحة الجارية في الشرك ثلاثة أوجه، كذا نقلها الاكثرون، وسماها الغزالي أقوالا، والصحيح أنها محكوم بصحتها، قال الله تعالى: * (وامرأته حمالة الحطب) * * (وقالت امرأة فرعون) * ولانهم لو ترافعوا إلينا لم نبطله قطعا، ولم نفرق بينهم، وإذا أسلموا أقررناهم، والفاسد لا ينقلب صحيحا ولا يقرر عليه. والثاني: أنها فاسدة، لعدم مراعاتهم الشروط، لكن لا نفرق لو ترافعوا، رعاية للعهد والذمة، ونقرهم بعد الاسلام تخفيفا.

(5/486)


والثالث: لا نحكم بصحة ولا فساد، بل نتوقف إلى الاسلام، فما قرر عليه، بانت صحته، وما لا، ففساده. ومن الاصحاب من قطع بالصحة. وإذا ثبت الخلاف، فهل هو مخصوص بالعقود التي يحكم بفساد مثلها في الاسلام ؟ أم يجري في كل عقودهم ؟ مقتضى كلام المتولي وغيره: التخصيص. وقال الامام: من يحكم بفساد أنكحتهم، يلزمه أن لا يفرق بين ما عقدوه بشروطنا وغيره. والمصير إلى بطلان نكاح يعقد على وفق الشرائع كلها، مذهب لا يعتقده ذو حاصل. قلت: الصواب التخصيص، بل لم يصرح أحد بطرده في الجميع، وليس في كلام الامام إثبات نقل طرده، وانما ألزمه إلزاما لهم الانفصال عنه بأن الظاهر إخلالهم بالشروط، فإن تصور علمنا باجتماعها، حكمنا بالصحة قطعا. والله أعلم. ويبنى على الاصل المذكور مسألتان. إحداهما: طلق كافر زوجته ثلاثا ثم أسلما. فإن قلنا بالصحيح وهو صحة أنكحتهم، لا تحل إلا بمحلل، وهذا هو نصه في المختصر. وإن قلنا بالفساد، فالطلاق في الفاسد لا يحوج إلى محلل، فإذا قلنا بالصحيح، فنكحت هذه المطلقة زوجا في الشرك، ووطئها ثم طلقها، ثم أسلمت فتزوجها الاول بعد إسلامه، حلت، وكذا يحصل التحليل للمسلم بنكاح ذمي أو حربي كتابية طلقها المسلم ثلاثا. المسألة الثانية: التي يقرر نكاحها بعد الاسلام، لها المهر المسمى إن كان صحيحا. فإن كان خمرا ونحوها، فسيأتي حكم مهورهم الفاسدة إن شاء الله

(5/487)


تعالى. ومن اندفع نكاحها بإسلام الزوج، إن لم تكن مدخولا بها، وصححنا أنكحتهم، فلها نصف المسمى إن كان صحيحا. وإن كان فاسدا، فنصف مهر المثل. وإن لم يسم شيئا، وجب المتعة. ومن اندفعت بإسلامها، فلا شئ لها على المشهور. وقيل: قولان. ثانيهما: وجوب نصف المهر، لانها محسنة بالاسلام، فهي في معنى من ينسب الفراق إلى تخلفه. وإن أفسدنا أنكحتهم، فلا مهر مطلقا، لان المهر لا يجب في الفاسد بلا دخول. وإن كانت مدخولا بها، وصححنا أنكحتهم، وجب المسمى إن كان صحيحا. وإن أفسدناها، فمهر المثل. ثم عن القفال، أن من صور الاندفاع من نكح محرما له ثم أسلم، وجعل وجوب نصف المهر على الخلاف. ورأى الامام القطع بأنه لا شئ للمحرم من المهر. قال: ولا نقول: انعقد العقد عليها ثم انفسخ بالاسلام، وإنما ذلك في الاخت المفارقة من الاختين وفي الزائدات على أربع. والموافق لا طلاق غير الامام موافقة القفال. فرع نكح مشرك أختين، فطلقهما ثلاثا ثلاثا، ثم أسلم وأسلمتا، قال الاصحاب: إن صححنا أنكحتهم، نفذ الطلاق فيهما، ولم ينكح واحدة منهما إلا بمحلل. وإن أفسدناها، فلا نكاح ولا طلاق، ولا حاجة إلى محلل فيهما. وإن توقفنا، فلو لم يكن طلاق، لاختار إحداهما وبان بذلك صحة نكاحها وفساد نكاح الاخرى، فإذا طلقهما، أمر بالاختيار لينفذ الطلاق في المنكوحة، ويحتاج إلى محلل لها دون الاخرى. ولو أسلم مع أختين، ثم طلق كل واحدة ثلاثا، فهنا يتخير قطعا، لانهم لما أسلموا اندفع نكاح واحدة، وإنما ينفذ الطلاق في المنكوحة. ولو أسلم قبلهما، أو أسلمتا قبله، تخير قطعا، لانه والحالة هذه لا يمسك إلا إحداهما، وينفسخ نكاح الاخرى من وقت إسلام من تقدم إسلامه منهم. ولو كان تحته أكثر من أربع، فطلقهن ثلاثا ثلاثا، ثم أسلموا، فعلى الصحيح ينفذ الطلاق فيهن كلهن، وعلى التوقف، يختار أربعا فينفذ فيهن دون الباقيات. قال الشيخ أبو علي: ولو كان عنده حرة وأمة، فطلقهما ثلاثا ثلاثا، ثم أسلموا، لم يجز له نكاح واحدة إلا بمحلل. ولو أسلموا، ثم طلقهما ثلاثا ثلاثا،

(5/488)


وقع الثلاث على الحرة، لانها متعينة، وتندفع الامة، ولا يحتاج فيها إلى محلل. وكذا لو أسلمتا ثم طلقهما ثلاثا ثلاثا ثم أسلم أو أسلم فطلقهما ثلاثا ثلاثا ثم أسلمتا، لان الاسلام لما جمع الجميع، بان اندفاع الامة من وقت إسلام من تقدم إسلامه منهم. فصل أصدق فاسدا كخمر أو خنزير، ثم أسلما بعد قبضه، فلا شئ. وإن أسلما قبل قبضه، وجب مهر المثل. وفي قول: لها مهر المثل وإن قبضته. وفي قول: لا شئ وإن لم تقبض، والمشهور الاول، وهو الفرق. وسواء كان المسمى خمرا معينة أو في الذمة. ولو أصدقها حرا مسلما استرقوه، ثم أسلما قبل قبضه أو بعده، لم نقره في يدها، بل نبطل ما جرى، ويجب مهر المثل. هكذا ذكروه، وقياس ما سبق، أن يخرج من يدها، ولا ترجع بشئ، كما تراق الخمرة المقبوضة. ولو قبضت بعض الفاسد، ثم أسلما، وجب من مهر المثل بقسط ما لم يقبض، ولا يجوز تسليم الباقي من الفاسد. وطريق التقسيط، أن ينظر، فإن سميا جنسا واحدا وليس فيه تعدد، كزق خمر قبضت نصفه ثم أسلما، وجب نصف مهر المثل. وإن تعدد المسمى كزقي خمر، قبضت أحدهما. فإن تساويا في القدر، فكذلك، وإلا، فهل يعتبر الكيل أو الوزن أو العدد ؟ أوجه. أصحها: الاول. وإن أصدقها خنزيرين، فهل يعتبر العدد أم قيمتهما بتقدير ماليتهما ؟ وجهان. أصحها: الثاني. وإن سميا جنسين فأكثر، كزقي خمر وكلبين وثلاثة خنازير، وقبضت إحدى الاجناس، فهل ينظر إلى الاجناس، فكل جنس بثلث، أم إلى الاعداد، فكل فرد سبع، أم إلى القيمة بتقدير المالية ؟ أوجه. أصحهما: الثالث. وحيث اعتبرنا تقويمها، فهل طريقه أن تقدر

(5/489)


الخمر خلا، والكلب شاة، والخنزير بقرة، أم الكلب فهدا، لاشتراكهما في الاصطياد، والخنزير حيوانا يقاربه في الصورة والفائدة، أم تعتبر قيمتها عند من يجعل لها قيمة كتقدير الحر عبدا في الحكومة ؟ فيه أوجه. أصحها: الثالث. ولو ترابى كافران، فباعه أو أقرضه درهما بدرهمين، ثم أسلما أو ترافعا إلينا قبله، فإن جرى تقابض، لم نتعرض لما جرى ولم يلزم الرد، وإن لم يجر، أبطلناه. وإن كان بعد قبض الدرهمين، سألنا المؤدي، أقصد أداءه عن الربح، أم عن رأس المال ؟ وقد ذكرنا تفصيله في أواخر كتاب الرهن. وجميع ما ذكرناه هو إذا تقابضا بتراض، فإن أجبرهم قاضيهم على القبض في الربا والصداق وثمن خمر تبايعوها ثم أسلموا، لم نوجب الرد على المذهب، فالاسلام يجب ما قبله. وإن ترافعوا إلينا في كفرهم، فكذلك على الاظهر، ويقال: الاصح. فرع نكحها مفوضة، ويعتقدون أن لا مهر للمفوضة بحال، ثم أسلم، فلا مهر وإن كان إسلامهما قبل الدخول، لانه استحق وطئا بلا مهر.
فصل إذا ترافع إلينا ذميان في نكاح أو غيره، إن كانا متفقي الملة، وجب الحكم بينهما على الاظهر عند الاكثرين، لقول الله تعالى: * (وأن أحكم بينهم بما أنزل الله) * ولانه يجب الذب عنهم كالمسلمين. والثاني: لا يجب، لكن لا

(5/490)


نتركهم على النزاع، بل نحكم أو نردهم إلى حاكم ملتهم، ورجحه الشيخ أبو حامد وابن الصباغ. وقيل: يجب الحكم بينهم في حقوق الله تعالى، والقولان في غيرها لئلا تضيع، وقيل: عكسه، والاصح طردهما في الجميع. وإن كانا مختلفي الملة، كيهودي ونصراني، وجب الحكم على المذهب، لان كلا لا يرضى بملة صاحبه. وقيل بالقولين. ولو ترافع معاهدان، لم يجب الحكم قطعا، وإن اختلف ملتهما، لانهم لم يلتزموا حكمنا، ولم نلتزم دفع بعضهم عن بعض. وقيل: هما كالذميين. وقيل: إن اختلف ملتهما، وجب، والمذهب الاول. ولو ترافع ذمي ومعاهد، فكالذميين. وقيل: يجب قطعا. وإن ترافع مسلم وذمي أو معاهد، وجب قطعا. فرع قال الاصحاب على اختلاف طبقاتهم: إن قلنا: وجب الحكم بين الكافرين، فاستعدى خصم على خصم، وجب إعداؤه وإحضار خصمه ليحكم بينهما، ولزم المستعدى عليه الحضور. وإن قلنا: لا يجب الحكم، لم يجب الاعداء، ولا يلزمه الحضور، ولا يحضر قهرا. قال البغوي وغيره: ولو أقر ذمي بالزنا، أو سرقة مال مسلم أو ذمي، حد قهرا إن أوجبنا الحكم بينهم، وإلا، فلا يحد إلا برضاه، فاعتبر الاصحاب الرضى على قول عدم الوجوب، ولم يعتبروه على قول الوجوب. وأما قول الغزالي: لا يجب الحكم إلا إذا رضيا جميعا، فمردود مخالف لما عليه الاصحاب. فرع سواء أوجبنا الحكم بينهم، أم لا، إنما نحكم بحكم الاسلام. وإذا تحاكموا في أنكحتهم، فنقر ما نقره لو أسلموا، ونبطل ما لا نقره لو أسلموا.

(5/491)


فإذا نكح بلا ولي وشهود، أو ثيبا بلا إذنها أو معتدة منقضية العدة عند الترافع وترافعا، حكمنا بالتقرير والنفقة. فلو كانت بعد في العدة، أبطلناه ولم نوجب نفقة. ولو نكح مجوسي محرما، وترافعا في النفقة، أبطلناه ولا نفقة. ولو طلبت مجوسية النفقة من الزوج المجوسي أو اليهودي، فوجهان، وكذا في تقريرهما على النكاح. أصحهما: التقرير والحكم بالنفقة، كما لو أسلما والتزما الاحكام. ووجه المنع، أنه لا يجوز نكاحها في الاسلام. ولو جاء كافر تحته أختان، وطلبوا فرض النفقة، قال الامام: فيه تردد، لانا نحكم بصحة نكاحهما، وإنما تندفع إحداهما بالاسلام. قال: والذي أدى القطع به المنع، لقيام المانع، وحيث لا نقرر في هذه الصور، فهل يعرض القاضي المرفوع إليه عنهما، أم يفرق بين الزوجين ؟ فيه وجهان. أصحهما عند الامام: الاعراض، وإنما يفرق إذا رضوا بحكمنا. ووجه التفريق، أنهم بالترافع أظهروا ما يخالف الاسلام، كما لو أظهروا الخمر. فرع إذا التمسوا من حاكم المسلمين ابتداء نكاح، أجاب إن كانت المرأة كتابية ولم يكن لها ولي كافر، ولا يزوج إلا بشهود مسلمين. فرع قال المتولي: لو لم يترافع إلينا المجوس، لكن علمنا فيهم من نكح محرما، فالمشهور أنه لا يتعرض لهم. وحكى الزبيري قولا، أن الامام إذا عرف ذلك، فرق بينهما كما لو عرف أن المجوسي نكح مسلمة أو مرتدة.
الطرف الثاني : فيما إذا أسلم وتحته عدد من النسوة، لا يجمع بينهن في الاسلام، وفيه صور.

(5/492)


الصورة الاولى: أسلم وتحته أكثر من أربع نسوة، وأسلمن معه أو تخلفن وهن كتابيات، اختار أربعا منهن، واندفع في نكاح الباقيات. وإن كن مجوسيات أو وثنيات وهن مدخول بهن، فتخلفن ثم أسلمن قبل انقضاء العدة من وقت إسلام الزوج، فكذلك الحكم، وسواء في هذا كله نكحهن معا أو مرتبا. وإذا نكحهن مرتبا، فله إمساك الاخريات ومفارقة الاوليات. وإذا أسلم على أكثر من أربع وهن غير مدخول بهن، وأسلمن معه أربع، تقرر نكاحهن، وارتفع نكاح الباقيات. ولو كان دخل بهن، فاجتمع إسلامه وإسلام أربع فقط في العدة، تعين للنكاح، حتى لو أسلم أربع من ثمان وانقضت عدتهن، أو متن في الاسلام ثم أسلم الزوج وأسلمت الباقيات في عدتهن، تعينت الاخريات. ولو أسلم أربع، ثم أسلم الزوج قبل انقضاء عدتهن، وتخلفت الباقيات حتى انقضت عدتهن من وقت إسلام الزوج، أو متن على الشرك، تعينت الاوليات. ولو أسلم أربع، ثم أسلم الزوج قبل انقضاء عدتهن، ثم أسلم الباقيات قبل انقضاء عدتهن من وقت إسلام الزوج، اختار أربعا من الاوليات والاخريات كيف شاء. فإن ماتت الاوليات أو بعضهن، جاز له اختيار الميتات، ويرث منهم. فرع قبل كافر لابنه الصغير نكاح أكثر من أربع نسوة، ثم أسلم وأسلمن، اندفع نكاح الزيادة على أربع، لكن لا يختار الصبي ولا الولي، لانه خيار شهوة، فيوقف حتى يبلغ، ونفقتهن في مال الصبي لحبسهن عليه، وكذا لو أسلم رجل وجن قبل الاختيار. الصورة الثانية: أسلم وتحته أم وبنتها، نكحهما معا أو مرتبا وأسلمتا، أو لم تسلما وهما كتابيتان، فإن كان دخل بهما، حرمتا أبدا. ولكل واحدة مسماها إن جرت تسمية صحيحة، وإلا، فمهر المثل. وإن لم يدخل بواحدة منهما، فهل تتعين البنت للنكاح ويندفع نكاح الام، أم يتخير إحداهما ؟ قولان.

(5/493)


أظهرهما عند الاكثرين: الاول، وهما مبنيان عند الجمهور على صحة أنكحتهم. إن صححناها، تعينت البنت، وحرمت الام أبدا، وإلا، تخير. فإن اختار البنت، حرمت الام أبدا. وإن اختار الام، اندفعت البنت، لكن لا تحرم مؤبدا إلا بالدخول بأمها. وأما المهر، فقال ابن الحداد: إن خيرناه، فللمفارقة نصف المهر، لانه دفع نكاحها بإمساك الاخرى. وإن قلنا: تتعين البنت، فلا مهر للام، لاندفاع نكاحها بغير اختياره. وقال القفال وغيره: الحكم بالعكس، إن خيرناه، فلا مهر للمفارقة، لان التخيير يبنى على فساد نكاحهم، فالمفارقة كأنه لم ينكحها، حتى جوز الاصحاب لابنه وأبيه نكاحها تفريعا على هذا القول. وإذا لم يكن نكاح، فلا مهر. وإن عينا البنت، فللام نصف المهر، لصحة نكاحها واندفاعه بالاسلام. ومال الامام إلى أنه لا مهر على هذا القول أيضا، لانه صح نكاح البنت، فتصير الام محرما، وإيجاب المهر للمحرم بعيد، وقد سبق نظير هذا. وإن دخل بالبنت فقط، ثبت نكاحها، وحرمت الام أبدا، ولا مهر لها عند ابن الحداد، ولها نصفه عند القفال إن صححنا أنكحتهم. وإن دخل بالام فقط، حرمت البنت أبدا. وهل له إمساك الام ؟ يبنى على القولين إذا لم يدخل بواحدة. إن خيرناه، أمسكها، وإلا، فلا، ولها مهر المثل بالدخول. (الصورة) الثالثة: سبق أنه لو أسلم وتحته أمة، وأسلمت معه، فله إمساكها إن كان يحل له نكاح الامة، وإلا، فلا. فلو تخلفت، نظر، إن كان قبل الدخول، تنجزت الفرقة كتابية كانت أو غيرها، لان المسلم لا ينكح الامة الكتابية. وإن كان بعد الدخول، وجمعت العدة إسلامهما، فهو كما لو أسلمت معه. وإن كانت كتابية، وعتقت في العدة، فله إمساكها. وإن لم تسلم، ولا عتقت، أو كانت وثنية، ولم تسلم إلى انقضاء العدة، تبينا اندفاع النكاح من وقت إسلامه. وإن كان تحته إماء، فأسلم وأسلمن معه، اختار واحدة منهن إن كان ممن تحل له الامة عند اجتماع إسلامه وإسلامهن، وإلا، فيندفع نكاحهن، سواء سبق إسلامه أو سبقنه. ولو أسلم وتحته ثلاث، فأسلمت معه واحدة وهو معسر خائف من العنت، ثم أسلمت الثانية في عدتها وهو موسر، ثم أسلمت الثالثة وهو معسر خائف من العنت،

(5/494)


فإن قلنا بالاصح: إن اليسار إنما يؤثر في اندفاع النكاح إذا اقترن بإسلامهما، اندفع نكاح الثانية، لفقد الشرط عند اجتماع إسلامه وإسلامها، ويخير بين الاولى والثالثة. وإن قلنا: يؤثر عند إسلامه فقط، لم تندفع الثانية، بل تدخل في التخيير. فرع أسلم وتحته إماء، وأسلمت معه إحداهن، فله أن يختارها، وله أن ينتظر الباقيات. فإن أصررن على الشرك، تبينا أنهن بن وقت إسلامه، وأن عدتهن انقضت. وإن أسلمن في العدة، نظر، إن كان اختار المسلمة أولا، كانت بينونتهن باختياره إياها. وإنه لم يكن اختارها، اختار إحداهن، واندفع الباقيات. وإن طلق المسلمة أولا، كان الطلاق متضمنا اختيارها. ثم إن أصر الباقيات حتى انقضت عدتهن، بان أنهن بن باختلاف الدين. وإن أسلمن في العدة، بان أنهن بن من وقت الطلاق فإنه وقت الاختيار. وإن فسخ نكاح المسلمة أولا، لم ينفذ، لانه إنما يفسخ الزائد، وليس في الحال زيادة، ثم إن أصررن، اندفعن باختلاف الدين، ولزم نكاح الاولى. وإن أسلمن في العدة، اختار من شاء من الجميع. وقيل: لا يجوز اختيار الاولى، بل نتبين نفوذ فسخه فيها، والصحيح الاول. الصورة الرابعة: أسلم وفي نكاحه حرة وأربع إماء مثلا، وأسلمن، نظر، إن أسلمت الحرة معه، أو كانت مدخولا بها وأسلمت قبل انقضاء عدتها، تعينت، واندفع الاماء، سواء أسلمن قبله وقبل الحرة أو بعدهما في العدة أو بينهما. وإذا تأخر إسلامهن، فإن أسلمن في العدة، بن من وقت اجتماع إسلام الزوج والحرة، وعدتهن من ذلك الوقت. وإن لم يسلمن حتى انقضت العدة، فبينونتهن باختلاف الدين. وإن لم يجتمع إسلام الحرة وإسلامه في العدة، بأن أسلم الزوج، وأصرت هي إلى انقضاء العدة، أو ماتت في العدة، أو أسلمن أولا وتخلف الزوج حتى انقضت عدتها أو ماتت، فالحكم كما لو لم يكن تحته حرة، فيختار واحدة من الاماء على التفصيل السابق، وفي مدة تخلف الحرة المدخول بها، لا يختار واحدة من الاماء، سواء أسلمن معه أو بعده في العدة حتى يئس منها بالموت أو انقضاء العدة. فإن اختار واحدة قبل اليأس، ثم ماتت الحرة، أو انقضت عدتها وهي مصرة، فالمذهب أنه يجب اختيار جديد، ولا يتبين صحة ذلك الاختيار. هذا كله إذا لم يطرأ عتق الاماء،

(5/495)


فإن طرأ قبل اجتماع إسلامه وإسلامهن بأن عتقن ثم أسلم وأسلمن، أو أسلمن ثم عتقن ثم أسلم، أو أسلم وعتقن ثم أسلمن، التحقن بالحرائر الاصليات، حتى لو أسلمت الحرة ثم أسلمت الاماء المتخلفات بعد عتقهن، فهو كما لو أسلم على حرائر، فيختار من الجميع أربعا كيف شاء. وحكى ابن القطان وجها فيما إذا أسلم وتحته حرائر وإماء، فعتق الاماء ثم أسلمن، أنه لا يجوز إلا اختيار الحرائر الاصليات، وهذا ضعيف. ولو تخلفت الحرة، واجتمع إسلامه وإسلامهن وهن عتيقات، فله أن يختارهن. ثم إن أسلمت الحرة المتخلفة في العدة، بانت باختياره الاربع. وإن لم تسلم، بانت باختلاف الدين. وإن أخر الاختيار انتظارا لاسلام الحرة الاصلية المتخلفة، فقال الشيخ أبو حامد: هو جائز. قال ابن الصباغ: عندي أنه لا معنى لتأخير اختيار الجميع، لانه يلزمه نكاح ثلاث منهن لا محالة، فيختار ثلاثا. ثم إن أسلمت المتخلفة في العدة، اختارها أو الرابعة من العتيقات. وإن لم تسلم، لزمه نكاح الرابعة من العتيقات. ولو أسلم وليس في نكاحه إلا إماء، وتخلفن وعتقن ثم أسلمن في العدة، اختار منهن أربعا كالحرائر الاصليات. ولو أسلمن معه إلا واحدة، ثم أسلمت المتخلفة في العدة بعدما عتقت، تعينت للنكاح كالحرة الاصلية. ولو كان تحته أربع إماء، فأسلم معه ثنتان، وتخلف ثنتان، فعتقت واحدة من المتقدمتين وأسلمت المتخلفتان على الرق، اندفعتا، لان تحت زوجهما عتيقة، ولا تندفع الرقيقة المتقدمة، لان عتق صاحبتها كان بعد اجتماع إسلامها وإسلام الزوت، فلا يؤثر في حقها، فيختار واحدة من المتقدمتين. ولو كان تحته إماء، فأسلم الزوج مع واحدة، ثم عتقت، ثم عتق

(5/496)


الباقيات، ثم أسلمن، اختار أربعا منهن، لالتحاقهن بالاصليات، وليس له اختيار الاولى، لانها كانت رقيقة عند اجتماع الاسلامين. ولو كان تحته أربع إماء، فأسلم معه اثنتان، ثم عتقتا وعتقت المتخلفتان، ثم

(5/497)


أسلمتا، تعين إمساك الاخريين، واندفعت المتقدمتان. ولو أسلم الزوج وتخلفن، ثم عتقت اثنتان، ثم أسلمتا وأسلمت الاخريان، ثم عتقتا، تعين إمساك الاوليين، واندفعت المتأخرتان. والنظر في جميع ذلك إلى حالة اجتماع الاسلامين، لانه حالة إمكان الاختيار.
فصل عتق الامة تحت عبد، يثبت لها الخيار في فسخ النكاح كما سيأتي في الباب الآتي إن شاء الله تعالى. والغرض هنا بيان عتق المشركة مع إسلامها، فإذا نكح عبد كافر أمة، ثم أسلمتا وعتقت، نظر، إن عتقت بعد اجتماع الاسلامين، فهي كسائر الاماء يعتقن تحت العبيد، وليس هذا من صور الفصل، وإن عتقت قبل اجتماع الاسلامين وهي مدخول بها، فلها حالان. أحدهما: أن تسلم هي أولا وتعتق، ويتخلف الزوج، فليس لها الاجازة، سواء عتقت ثم أسلمت، أو أسلمت ثم عتقت، لانها معرضة للبينونة، ولا يبطل بهذه الاجازة حقها من الفسخ. وإن اختارت الفسخ في الحال، جاز، فإذا فسخت، فإن أسلم الزوج قبل انقضاء مدة عدتها، فعدتها من وقت الفسخ، وتعتد عدة حرة، فإن لم تسلم حتى انقضت مدة عدتها، فعدتها من وقت إسلامها. ويلغو الفسخ بحصول الفرقة قبله، وتعتد عدة حرة إن عتقت ثم أسلمت. وإن أسلمت ثم عتقت، فهي أمة عتقت في أثناء عدتها، فهل تعتد عدة حرة، أم عدة أمة ؟ فيه طريقان، أقربهما إلى نص الشافعي رضي الله عنه وبه قطع في الشامل وغيره: أنها كالرجعية تعتق في أثناء العدة، والمذهب فيها الاقتصار على عدة أمة، وموضع بيانهما كتاب العدد. ولو أرادت تأخير الفسخ إلى أن تبين حال الزوج، جاز،

(5/498)


ولا يبطل خيارها، كالرجعية إذا عتقت في العدة والزوج رقيق. ثم إن لم يسلم الزوج حتى انقضت مدة العدة، سقط الخيار، وعدتها من وقت إسلامها وهي عدة حرة إن عتقت ثم أسلمت، وإن أسلمت ثم عتقت، فهل هي عدة حرة، أم أمة ؟ فيه الطريقان. وإن أسلم الزوج، فلها الفسخ، وتعتد من وقت الفسخ عدة حرة. الحال الثاني: أسلم وتخلفت، فلها الخيار على الصحيح، لتضررها برقه. وقيل: لا خيار لها، لان خيار العتق من أحكام الاسلام، وهي كافرة، فلا يثبت لها. فإذا قلنا بالصحيح، فلها تأخير الفسخ والاجازة، ثم إن أسلمت قبل مضي العدة وفسخت، اعتدت من وقت الفسخ عدة حرة. وإن لم تسلم حتى انقضت، تبينا حصول الفرقة من وقت إسلام الزوج. وهل تعتد عدة حرة، أم أمة ؟ فيه الطريقان. وهنا أولى بإلحاقها بالامة، لانها بائن ليس بيد الزوج من أمرها شئ. ولو أجازت قبل أن تسلم، لم تصح إجازتها على الصحيح، لانها معرضة للبينونة. ولو فسخت، نفذ الفسخ على الصحيح وقول الاكثرين، كالحالة الاولى. وقيل: لا ينفذ، وبه قال ابن سلمة. وهو ظاهر نقل المزني، لكنه مؤول عند الجمهور. فرع أسلم الزوج الرقيق، هل لزوجته الكافرة خيار ؟ وجهان. أصحهما على ما قال الامام والمتولي: لا، لانها رضيت برقه ولم يحدث فيها عتق، والثاني: نعم، وهو ظاهر نصه، لان الرق نقص في الاسلام، وليس كبير نقص في الكفر. قال الداركي: الخلاف في أهل الحرب، أما الذمية مع الذمي، فلا خيار لها قطعا، لانها رضيت بأحكامنا. واعلم أن الوجهين جاريان سواء كانت الزوجة حرة أو أمة، وسواء أسلمت أو لم تسلم إذا كانت كتابية، كذلك قال البغوي وغيره، وفي الوسيط ذكر الوجهين فيما إذا أسلمت الحرة، وليس هو بقيد، فاعلم ذلك.
فصل العبد الكافر، إذا أسلم وتحته أكثر من إمرأتين، فأسلمن معه أو

(5/499)


بعده في العدة، إن دخل بهن، اختار ثنتين منهن، سواء كن حرائر أو إماء. فإن شاء، اختار حرتين، أو حرة وأمة. وإن سبقن بالاسلام، ثم أسلم في العدة، فكذلك. ولو طرأ عتقه، نظر، إن عتق بعد اجتماع الاسلامين، لم يؤثر عتقه في زيادة العدد، فلا يزيد على ثنتين. وإن عتق قبل الاسلامين، بأن عتق قبل إسلامه وإسلامهن، أو بينهما، تقدم إسلامه أو تأخر، فله حكم الاحرار، وللزوجات ثلاثة أحوال. أحدها: أن يتمحضن حرائر، فيختار أربعا منهن. ولو أسلم منهن ثنتان معه، ثم عتق ثم أسلم الباقيات، فليس له إلا اختيار ثنتين، إما الاوليين، وإما ثنتين من الباقيات، وإما واحدة منهما وواحدة منهن. ولو أسلمت معه واحدة، ثم عتق، ثم أسلمت الباقيات، فله اختيار أربع، لانه لم يكمل بإسلام الواحدة عدد العبيد. وحكى ابن القطان وجها أنه لا يختار إلا ثنتين، وهو غريب ضعيف. الحال الثاني: أن يتمحضن إماء. فإن كن قد عتقن عند اجتماع الاسلامين، اختار منهن أربعا، وإلا، فلا يختار إلا واحدة بشرط الاعسار وخوف العنت. ولو كان تحته أربع إماء، فأسلمت معه اثنتان، ثم عتق، ثم أسلمت المتخلفتان، لم يختر إلا اثنتين، لانه وجد كمال عدد العبيد قبل العتق، ويجوز اختيار الاوليين، لانه كان رقيقا عند اجتماع إسلامه وإسلامهما، ولا يجوز اختيار الاخريين على الصحيح، وجوزه القاضي حسين، ولا يجوز اختيار واحدة من الاوليين وواحدة من الاخريين على الاصح. ولو أن المتخلفتين عتقتا بعد عتقه ثم أسلمتا، فله اختيارهما، وله اختيار واحدة منهما، وواحدة من الاوليين لانهما حرتان عند اجتماع الاسلام، فصار كما لو كان تحته أربع حرائر، فأسلم معه ثنتان ثم عتق، ثم أسلمت الآخرتان، فإنه يختار ثنتين كيف شاء. ولو أسلمت معه واحدة من الاماء الاربع، ثم عتق، ثم أسلمت البواقي، قال المتولي: لا يختار إلا واحدة على الصحيح، وبهذا قطع البغوي، لكن قياس الاصل السابق جواز اختيار ثنتين، لانه لم يستوف عدد العبيد قبل العتق. فإذا قلنا: لا يختار إلا واحدة، تعينت الاولى، كذا قاله المتولي والبغوي. قال المتولي: وعلى

(5/500)


بعده في العدة، إن دخل بهن، اختار ثنتين منهن، سواء كن حرائر أو إماء. فإن شاء، اختار حرتين، أو حرة وأمة. وإن سبقن بالاسلام، ثم أسلم في العدة، فكذلك. ولو طرأ عتقه، نظر، إن عتق بعد اجتماع الاسلامين، لم يؤثر عتقه في زيادة العدد، فلا يزيد على ثنتين. وإن عتق قبل الاسلامين، بأن عتق قبل إسلامه وإسلامهن، أو بينهما، تقدم إسلامه أو تأخر، فله حكم الاحرار، وللزوجات ثلاثة أحوال. أحدها: أن يتمحضن حرائر، فيختار أربعا منهن. ولو أسلم منهن ثنتان معه، ثم عتق ثم أسلم الباقيات، فليس له إلا اختيار ثنتين، إما الاوليين، وإما ثنتين من الباقيات، وإما واحدة منهما وواحدة منهن. ولو أسلمت معه واحدة، ثم عتق، ثم أسلمت الباقيات، فله اختيار أربع، لانه لم يكمل بإسلام الواحدة عدد العبيد. وحكى ابن القطان وجها أنه لا يختار إلا ثنتين، وهو غريب ضعيف. الحال الثاني: أن يتمحضن إماء. فإن كن قد عتقن عند اجتماع الاسلامين، اختار منهن أربعا، وإلا، فلا يختار إلا واحدة بشرط الاعسار وخوف العنت. ولو كان تحته أربع إماء، فأسلمت معه اثنتان، ثم عتق، ثم أسلمت المتخلفتان، لم يختر إلا اثنتين، لانه وجد كمال عدد العبيد قبل العتق، ويجوز اختيار الاوليين، لانه كان رقيقا عند اجتماع إسلامه وإسلامهما، ولا يجوز اختيار الاخريين على الصحيح، وجوزه القاضي حسين، ولا يجوز اختيار واحدة من الاوليين وواحدة من الاخريين على الاصح. ولو أن المتخلفتين عتقتا بعد عتقه ثم أسلمتا، فله اختيارهما، وله اختيار واحدة منهما، وواحدة من الاوليين لانهما حرتان عند اجتماع الاسلام، فصار كما لو كان تحته أربع حرائر، فأسلم معه ثنتان ثم عتق، ثم أسلمت الآخرتان، فإنه يختار ثنتين كيف شاء. ولو أسلمت معه واحدة من الاماء الاربع، ثم عتق، ثم أسلمت البواقي، قال المتولي: لا يختار إلا واحدة على الصحيح، وبهذا قطع البغوي، لكن قياس الاصل السابق جواز اختيار ثنتين، لانه لم يستوف عدد العبيد قبل العتق. فإذا قلنا: لا يختار إلا واحدة، تعينت الاولى، كذا قاله المتولي والبغوي. قال المتولي: وعلى

(5/501)


فروع الفرع الاول: طلق واحدة منهن، أو أربعا، كان تعيينا للنكاح، لان المنكوحة هي التي تخاطب بالطلاق، فتندفع الاربع المطلقات بالطلاق، والباقيات بالفسخ بالشرع. ولو طلق أربعا غير معينات، أمر بالتعيين. فإذا عين، فالحكم ما ذكرنا، هذا هو الصحيح الذي قطع به الجمهور. وفي التتمة وجه: أن الطلاق ليس تعيينا للنكاح. ولو آلى أو ظاهر من واحدة أو عدد، فوجهان. أحدهما: أنه تعيين لنكاحهن، وأصحهما: لا، لان الاجنبية تخاطب به، بل هو بها أليق. فعلى هذا، إن اختار من ظاهر منها، أو آلى للنكاح، صح الظهار والايلاء، ويكون ابتداء مدة الايلاء من وقت الاختيار، ويصير عائدا إن لم يفارقها في الحال. ولو قذف إحداهن، لزمه الحد إن كانت محصنة، ولا يسقط إلا بالبينة إن اختار غير المقذوفة، وإن اختارها، سقط بالبينة وباللعان. (الفرع) الثاني: قال: فسخت نكاح هذه، أو هؤلاء الاربع، أو قال: اخترت هذه للفسخ، أو هذه للفسخ من غير لفظ اخترت فإن أراد الطلاق، فهو اختيار للنكاح، وإن أراد الفراق، أو أطلق، فهو اختيار للفسخ. ولو قال لواحدة: فارقتك فالاصح أنه فسخ، وبه قال الشيخ أبو حامد، ورجحه ابن الصباغ والمتولي وغيرهما. وعن القاضي أبي الطيب أنه كقوله: طلقتك، لانه من صرائح الطلاق. الفرع الثالث: لو اختار الجميع للنكاح أو الفسخ، فهو لغو، ولو طلق الجميع، وقع على المنكوحات ويعينهن. الفرع الرابع: قال: إن دخلت الدار فقد اخترتك للنكاح أو للفسخ، لم يصح،

(5/502)


لان تعليق الاختيار باطل، فإنه إما كالابتداء، كالنكاح، وإما كالرجعة. وقيل: يصح تعليق الفسخ كالطلاق، وهو ضعيف. ولو قال: إن دخلت الدار فأنت طالق، فالصحيح جوازه، تغليبا لحكم الطلاق، ويحصل اختيارها ضمنا، فإنه يحتمل في الضمني ما لا يحتمل استقلالا. ولو قال: إن دخلت الدار فنكاحك مفسوخ، إن أراد الطلاق نفذ، وإلا لغا. ولو قال: كلما أسلمت واحدة فقد اخترتها للنكاح، لم يصح. ولو قال: فقد طلقتها، صح على الاصح. ولو قال: فقد فسخت نكاحها، إن أراد حله بلا طلاق، لم يجز، لان تعليق الفسخ لا يجوز، وإن أراد الطلاق، جاز. وإذا أسلمت واحدة، طلقت وحصل اختيارها ضمنا، وهكذا إلى تمام الاربع، وتندفع الباقيات، وفي وجه: لا يصح تفسير الفسخ بالطلاق، وهو ضعيف. (الفرع) الخامس: لا يكون الوطئ اختيارا للموطوءة على المذهب، لان الاختيار هنا كالابتداء، ولا يصح ابتداء النكاح بل استدامته إلا بالقول، فإن الرجعة لا تحصل بالوطئ. فلو وطئ الجميع وجعلناه اختيارا، كان مختارا للاوليات، وعليه المهر للباقيات، وإن لم نجعله اختيارا، اختار أربعا منهن وغرم المهر للباقيات. الفرع السادس: قال: حصرت المختارات في هؤلاء الست أو الخمس، انحصرن ويندفع نكاح الباقيات. فرع أسلم على ثمان وثنيات، فأسلم معه أربع، وتخلف أربع، فعين الاوليات للنكاح، صح التعيين. فإن أصرت المتخلفات، اندفعن من وقت إسلامه، وإن أسلمن في العدة، قال البغوي: تقع الفرقة باختيار الاوليات، وقال الامام: نتبين اندفاعهن باختلاف الدين، لكن نتبين تعيينهن من وقت تعيينه للاوليات. وهذا هو الموافق لاصول الباب. وإن طلق الاوليات، صح وتضمن اختيارهن، وينقطع نكاحهن بالطلاق، ونكاح الاخريات بالفسخ بالشرع.

(5/503)


وإن قال: فسخت نكاحهن، فإن أراد به الطلاق، فكذلك، وإن أراد حله بلا طلاق، فهو لغو، لان الحل هكذا إنما يكون فيما زاد على أربع. فإن لم تسلم المتخلفات، تعين الاوليات، وإن أسلمن، اختار من الجميع أربعا، وللمسلمات أن يدعين: أنك إنما أردت طلاقنا، ويحلفنه، وللمتخلفات أيضا أن يدعين إرادة الطلاق وبينونتهن بالفسخ الشرعي ويحلفنه. وفي وجه: لا يلغو الفسخ، بل هو موقوف، إن أصررن حتى انقضت العدة، لغا، وإن أسلمن فيها، تبينا نفوذه في الاوليات، وتعين الاخريات للنكاح، والصحيح الاول. ولو عين المتخلفات للفسخ، صح، وتعينت الاوليات للزوجية. وإن عين المتخلفات للنكاح، لم يصح، لانهن وثنيات وقد لا يسلمن. وعلى وجه الوقف: ينعقد الاختيار موقوفا، فإن أسلمن، بانت صحته. ولو أسلم على ثمان وثنيات، فتخلفن، ثم أسلمن متعاقبات في عددهن، وهو يقول لكل من أسلمت: فسخت نكاحك، فإن أراد الطلاق، صار مختارا للاوليات، وإن أراد حله بلا طلاق، فهو على الصحيح لغو في الاربع الاوليات، نافذ في الاخريات، لان فسخ نكاحهن وقع وراء العدد الكامل فنفذ. وعلى وجه الوقف: إذا أسلمت الاخريات، تبينا نفوذ الفسخ في الاوليات. ولو أسلم معه من الثمان خمس، فقال: فسخت نكاحهن، فإن أراد الطلاق، صار مختارا لاربع منهن وبن بالطلاق، وعليه التعيين، وإن أراد حله بلا طلاق، انفسخ نكاح واحدة لا بعينها، فإذا أسلمت المتخلفات في العدة، اختار من الجميع أربعا. ولو قال: فسخت نكاح واحدة منكن، إن أراد الطلاق، صار مختارا لواحدة لا بعينها، فيعينها ويختار للنكاح من الباقيات ثلاثة. وإن أراد حله بلا طلاق، انفسخ نكاح واحدة فيعينها، ويختار من الباقيات أربعا. وإن انفسخ نكاح اثنتين منهن غير معينتين، وأراد حله بلا طلاق، انفسخ نكاح واحدة فيعينها، ويختار من الباقيات أربعا. فلو عين ثنتين، انفسخت واحدة منهما فيعينها، وله اختيار الاخرى مع ثلاث أخر. ولو اختار الخمس كلهن، تعينت المنكوحات فيهن، فيختار منهن أربعا.

(5/504)


فصل أما حكم الاختيار، فإذا أسلم على أكثر من أربع، وأسلمن معه أو بعده في العدة، أو كن كتابيات، وقعت الفرقة بينه وبين الزيادة على أربع بالاسلام، ويجب عليه الاختيار والتعيين، وإن امتنع، حبس. فإن أصر ولم ينفع الحبس، عزر بما يراه القاضي من الضرب وغيره. وعن ابن أبي هريرة: أنه لا يضرب مع الحبس، بل يشدد عليه الحبس، فإن أصر، عزر ثانيا وثالثا إلى أن يختار. فإن جن أو أغمي عليه في الحبس، خلي حتى يفيق، ولا يختار الحاكم عن الممتنع، لانه خيار شهوة. قال الامام: وإذا حبس، لا يعزر على الفور، فلعله يؤخر ليفكر، وأقرب معتبر فيه مدة الاستتابة. واعتبر الروياني في الامهال الاستنظار فقال: ولو استمهل، أمهله الحاكم ثلاثة أيام ولا يزيد، ويلزمه نفقة جميعهن إلى أن يختار، لانهن في حبسه. فرع مات قبل التعيين، فإن لم يكن دخل بهن، فعلى كل واحدة أن تعتد بأربعة أشهر وعشر، وإن دخل بهن، فعدة الحامل بالحمل. وأما غير الحامل، فمن كانت من ذوات الاشهر، اعتدت بأربعة أشهر وعشر، وإن كانت من ذوات الاقراء، لزمها الاكثر من ثلاثة أقراء وأربعة أشهر وعشر. ثم الاشهر تعتبر من موته. وفي الاقراء وجهان، ويقال: قولان، أحدهما: كذلك، لانا لا نتيقن شروعها في العدة قبل ذلك، وأصحهما: الاعتبار من وقت إسلامهما إن أسلما معا، وإلا، فمن إسلام سابق، لان الاقراء إنما تجب، لاحتمال أنها مفارقة بالانفساخ، وهو يحصل من يومئذ. فرع مات قبل التعيين، وقف لهن ربع ماله أو ثمنه، عائلا أو غير عائل بحسب الحال إلى أن يصطلحن، فيقسم بينهن بحسب اصطلاحهن بالتساوي أو التفاضل. وعن ابن سريج: أنه يوزع بينهن، لان البيان غير متوقع وهن معترفات بالاشكال، وبأنه لا ترجيح، ومال الامام إلى هذا الوجه. والصحيح الذي عليه الجمهور هو الاول، فإن كن ثمانيا وفيهن صغيرة، أو مجنونة، صالح عنها وليها، وليس له المصالحة على أقل من ثمن الموقوف، وله المصالحة على الثمن على الاصح. وقيل: لا يصالح على أقل من الربع. ثم المصالحة إذا اصطلحن كلهن، فلو طلب بعضهن شيئا بلا صلح، لم ندفع إلى المطالبة شيئا إلا باليقين. ففي ثمان

(5/505)


نسوة، لو طلب أربع منهن، لم نعطهن، فإن طلب خمس، أعطيناهن ربع الموقوف، وإن طلب ست، فنصفه، وسبع، ثلاثة أرباعه، ولهن قسم ما أخذن والتصرف. وهل يشترط في الدفع أن يبرئن عن الباقي ؟ وجهان. أحدهما: اعم، ونسبه ابن كج إلى النص لتنقطع الخصومة، وأصحهما: لا. فعلى الاول، يعطى الباقي للثلاث، ويرتفع الوقف، وكأنهن اصطلحن على القسمة هكذا. هذا كله إذا علمنا استحقاق الزوجات الارث. أما إذا أسلم على ثمان كتابيات، فأسلم معه أربع، أو كان تحته أربع كتابيات وأربع وثنيات، فأسلم معه الوثنيات، ومات قبل الاختيار، فوجهان، أصحهما وهو المنصوص: لا يوقف شئ للزوجات، بل يقسم كل التركة بين باقي الورثة، لان إستحقاق الزوجات غير معلوم، لاحتمال أنهن الكتابيات. والثاني: يوقف، لان إستحقاق سائر الورثة قدر نصيب الزوجا ت غير معلوم، واختاره ابن الصباغ، وهو قريب من القياس. قلت: المختار المقيس هو الاول، لان سبب الارث في سائر الورثة موجود وشككنا في المزاحم، والاصل عدمه، وإرث الزوجات لم نتحققه، والاصل عدمه. والله أعلم. ويجري الوجهان فيما لو كان تحته مسلمة وكتابية، فقال: إحداكما طالق، ومات قبل البيان. فرع مات ذمي عن أكثر من أربع نسوة، قال صاحب التلخيص: الربع أو الثمن لهن كلهن، وقال آخرون: لا يرث منهن إلا أربع، فيوقف بينهن حتى يصطلحن، ويجعل الترافع إلينا بمثابة إسلامهم. وبنى القفال الخلاف على صحة أنكحتهم. فإن صححناها، ورث الجميع، وإلا، لم يرث إلا أربع. ولو نكح مجوسي أمه أو بنته ومات، قال البغوي: منهم من بنى التوريث على هذا الخلاف، والمذهب القطع بالمنع، لانه ليس بنكاح في شئ من الاديان، ولا يتصور التقرير عليه في الاسلام. فرع المتعينات للفرقة للزيادة على أربع، هل تحسب عدتهن من وقت

(5/506)


الاختيار، أم من وقت إسلام الزوجين إن أسلما معا، وإسلام السابق إن تعاقبا ؟ فيه وجهان، أصحهما: عند الجمهور الثاني، خلافا للبغوي.
الطرف الرابع : في النفقة والمهر. أما النفقة، فإن أسلم الزوجان معا، استمرت النفقة كما يستمر النكاح، وإن أسلما متعاقبين بعد الدخول - والصورة إذا كانت الزوجة مجوسية أو وثنية - فإن أسلم قبلها، فإن أصرت حتى انقضت عدتها، فلا نفقة، لانها ناشزة بالتخلف، وإن أسلمت في العدة، استحقتها من وقت الاسلام، ولا تستحقها لمدة التخلف على الجديد الاظهر. فعلى هذا، لو اختلفا، فقال: أسلمت اليوم، فقالت: بل من عشرة أيام، فالقول قوله، للاصل، وكذا إذا قلنا بالقديم، فقال: أسلمت بعد العدة فلا نفقة، وقالت: بل فيها، فالقول قوله. أما إذا أسلمت قبله، فإن أسلم قبل انقضاء العدة، فلها النفقة لمدة التخلف على المشهور، وقيل: الصحيح، لانها أدت فرضا مضيقا، فهو كصوم رمضان. وإن أصر حتى انقضت العدة، استحقت نفقة مدة العدة على الاصح عند الجمهور، وهو المنصوص في المختصر. ولو قال: أسلمت أولا، فلا نفقة لك، فادعت العكس، فمن المصدق بيمينه ؟ وجهان. أصحهما: هي، لان النفقة كانت واجبة وهو يدعي مسقطا. فرع إرتدت بعد الدخول، فلا نفقة لزمن الردة لنشوزها، سواء عادت إلى الاسلام في العدة، أم لا، ولا يجئ القول القديم. قلت: ذكر صاحب المهذب وآخرون طريقين، أحدهما: طرد القولين القديم والجديد. والله أعلم.

(5/507)


وإن ارتد، فعليه نفقة مدة العدة، وإن ارتدا معا، قال البغوي: لا نفقة، ويشبه أن يجئ فيه خلاف، كتشطر المهر. فصل أما المهر، إذا أسلم أحدهما قبل الدخول أو بعده، فسبق بيانه عند ذكر الخلاف في صحة أنكحتهم. فلو قالت: سبقتني بالاسلام قبل الدخول، فعليك نصف المهر، فادعى العكس، صدقت بيمينها، لان الاصل بقاء نصف الصداق. ولو ادعى سبقها، فقالت: لا أدري أينا سبق، لم يتمكن من طلب المهر. فإن عادت وقالت: علمت أنه سبق، صدقت بيمينها وأخذت النصف. ولو اعترفا بالجهل بالسابق، فلا نكاح، لاتفاقهما على تعاقب الاسلام قبل الدخول. ثم إن كان ذلك قبل قبض المهر، لم تتمكن من طلبه، لاحتمال سبقها، وإن كان بعده، لم يتمكن هو من استرداد النصف، لاحتمال سبقه فيقر النصف في يدها، حتى يتبين الحال. ولو اختلفا في بقاء النكاح، فقال: أسلمنا معا، فالنكاح باق، وقالت: بل متعاقبين ولا نكاح، فقولان. أظهرهما: القول قوله، والثاني: قولها، لتعارض الاصل والظاهر. فإن قلنا: القول قولها، نظر، إن قالت: أسلمت قبلي، حلفت على البت أنها ما أسلمت وقت إسلامه، وإن قالت: أسلمت قبلك، حلفت على نفي العلم بإسلامه يوم إسلامها. ولو اختلفا على العكس، فقالت: أسلمنا معا، فقال: بل متعاقبين، فلا نكاح، لاعترافه، وهي تدعي نصف المهر. وفي المصدق منهما القولان. ولو قال: لا ندري أسلمنا معا أو متعاقبين، استمر النكاح.

(5/508)


فرع أسلمت بعد الدخول، ثم أسلم هو وادعى أن إسلامه سبق انقضاء العدة، وادعت العكس، فهذا يتصور على أوجه. أحدها: أن يتفقا على وقت انقضاء العدة، كغرة رمضان، فادعى إسلامه في شعبان، وقالت: بل في خامس رمضان، فالقول قولها، لان الاصل بقاء كفره. والثاني: أن يتفقا على وقت إسلامه، كغرة رمضان، وقال: انقضت عدتك في خامس رمضان، وقالت: بل في شعبان، فالقول قوله بيمينه. الثالث: أن لا يتفقا على شئ، واقتصر على أن إسلامي سبق، واقتصرت على أن عدتي سبقت، فالنص أن القول قوله، ونص فيما إذا ارتد، ثم أسلم، وادعى أنه أسلم في العدة، وادعت انقضاءها قبل إسلامه، وفيما إذا قال: راجعتك في العدة، فقالت: بل بعدها، أن القول قولها. وللاصحاب طرق. أحدها: طرد قولين في المسائل الثلاث، هل القول قوله، أم قولها ؟ والثاني: أن النصين على حالين. فإن اتفقا على وقت إسلامه أو رجعته، واختلفا في انقضاء العدة، فالقول قوله. وإن اتفقا على وقت انقضاء العدة، واختلفا في أنه أسلم أو راجع قبله، فالقول قولها. والطريق الثالث وهو الاصح وبه قال ابن سريج وأبو إسحاق، ورجحه الشيخ أبو حامد والبغوي وغيرهما: أن من سبق بالدعوى، فالقول قوله، وعليه ينزل النص في المسائل الثلاث، لان المدعي أولا مقبول، فلا يرد بلجرد قول آخر. وزاد البغوي فيما إذا سبق دعواه فقال: إن ادعت بعد أن مضى بعد دعواه زمن، فهو المصدق. فإن اتصل كلامها بكلامه، فهي المصدقة. فرع نص الشافعي رضي الله عنه، أن الزوج لو أقام شاهدين على أنهما جميعا أسلما حين طلعت الشمس يوم كذا، أو حين غربت، قبلت شهادتهما واستمر النكاح. وإن شهدا أنهما أسلما مع طلوع الشمس، أو مع غروبها، لم يحكم بهذه الشهادة، لان حين طلوعها وغروبها يتناول حالة تمام الطلوع أو الغروب، وهي حالة واحدة. وقوله: مع الطلوع يصدق من حين يأخذ في الطلوع، فيجوز أن يكون إسلام أحدهما مقارنا لطلوع أول القرص، وإسلام الآخر مقارنا بطلوع آخره.

(5/509)


فرع نكحت في الكفر زوجين، ثم أسلموا، فإن ترتب النكاحان، فهي زوجة الاول، فإن مات الاول ثم أسلمت مع الثاني وهم يعتقدون جواز التزويج بزوجين، ففي جواز التقرير وجهان. قلت: ينبغي أن يكون أصحهما التقرير. والله أعلم. وإن وقع النكاحان معا، لم تقر مع واحد منهما، سواء اعتقدوا جوازه، أم لا. وفيما إذا اعتقدوه وجه: أن المرأة تختار أحدهما، كما لو أسلم على أختين، وبالله التوفيق.
الباب الثامن : في مثبتات الخيار في النكاح أسبابه المتفق عليها أربعة: العيب، والغرور، والعتق، والتعنين. وقولنا: المتفق عليها احتراز مما إذا زوج الاب أو الجد بكرا بغير كف ء وصححنا النكاح، فلها الخيار. ولو زوج الصغير من لا تكافئه، وصححناه، فله الخيار إذا بلغ. ولو ظنها مسلمة، فكانت كتابية، فله الخيار على رأي. والتعنين أحد العيوب، إلا أنه يختص بأحكام، كضرب المدة وغيره، فبين الاصحاب في فصل العيوب أنه أحدها، وأفردوه بالذكر لاختصاصه بأحكام. السبب الاول: العيب، العيوب المثبتة للخيار ثلاثة أقسام. أحدها: يشترك فيه الرجال والنساء، وهو ثلاثة: البرص، ولا يلتحق به البهق. والثاني: الجذام، وهو علة صعبة يحمر منها العضو ثم يسود ثم ينقطع ويتناثر، نسأل

(5/510)


الله الكريم العافية، ويتصور ذلك في كل عضو، لكنه في الوجه أغلب. ثم حكى الامام عن شيخه، أن أوائل البرص والجذام لا يثبت الخيار، وإنما يثبت إذا استحكما. وإن استحكام الجذام إنما يحصل بالتقطع. وتردد الامام في هذا وقال: يجوز أن يكتفى باسوداد العضو، وحكم أهل المعرفة باستحكام العلة. الثالث: الجنون منقطعا كان أو مطبقا، ولا يلحق به الاغماء بالمرض إلا أن يزول المرض ويبقى زوال العقل. قال الامام: ولم يتعرضوا في الجنون لاستحكامه، ولم يراجعوا أهل المعرفة أهو مرجو الزوال، أم لا ؟ ولو قيل به لكان قريبا. ومتى وجد أحد الزوجين بالآخر هذه العيوب، فله فسخ النكاح قل ذلك العيب أم كثر. ولو تنازعا في قرحة، هل هي جذام ؟ أو في بياض هل هو برص ؟ فالقول قول المنكر، وعلى المدعي البينة، ويشترط كون الشاهدين عالمين بالطب. القسم الثاني: مختص به وهو الجب والتعنين.

(5/511)


الثالث: مختص بها وهو الرتق والقرن، فالرتق: انسداد محل الجماع باللحم، والقرن: عظم في الفرج يمنع الجماع، وقيل: لحم ينبت فيه، ويقول الفقهاء القرن بفتح الراء وهو في كتب اللغة بإسكانها. قلت: يجوز الفتح والاسكان، فالفتح على المصدر وهو هنا أحسن لانه أنسب لكون قرائنه مصادر وهي الرتق والبرص ونحوهما، وقد أوضحت هذه اللفظة أكمل إيضاح في تهذيب الاسماء واللغات ونقلت أقوال أهل اللغة فيها وحاصله، جواز الامرين وترجيح الفتح. والله أعلم. وليس للزوج إجبار الرتقاء على شق الموضع، فلو فعلت وأمكن الوطئ، فلا خيار كذا أطلقوه، ويمكن أن يجئ فيه الخلاف المذكور فيما إذا علم عيب المبيع بعد زواله. فجملة هذه العيوب سبعة، يمكن في حق كل واحد من الزوجين خمسة، وما سواها من العيوب لا خيار فيه على الصحيح الذي قطع به الجمهور. وقال زاهر

(5/512)


السرخسي: الصنان والبخر إذا لم يقبلا العلاج يثبتان الخيار، وقال: كذا العذيوط والعذيوطة، يثبت به الخيار. والعذيوط، من يخرج عنه الغائط عند الجماع. وزاد القاضي حسين وغيره فأثبتوا الخيار بالاستحاضة، وبالعيوب التي تجتمع فتنفر تنفير البرص، وتكسر سورة التائق، كالقروح السيالة وما في معناه ويقال: إن الشيخ أبا عاصم حكاه قولا للشافعي رحمة الله عليه. أما إذا وجد أحدهما الآخر خنثى قد زال إشكاله، ففي ثبوت الخيار قولان. أظهرهما: المنع لانه لا يفوت مقصود النكاح، وموضع القولين إذا اختار الذكورة أو الانوثة بغير علامة، لانه قد يخرج بخلافه. فأما إذا اتضح بعلامة، فلا خيار، هذا هو الاصح. وقيل: القولان أيضا فيما إذا اتضح بعلامة مظنونة، فإن كان بقطيعة وهي الولادة، فلا خيار. وقيل: القولان مطلقا، وإن كانت العلامة قطعية لمعنى النفرة. ولا خيار بكونه أو كونها عقيما، ولا بكونها مفضاة، والافضاء: رفع ما بين مخرج البول، ومدخل الذكر. فصل إذا ظهر بكل واحد منهما عيب مثبت للخيار، فإن كانا من جنسين، فلكل واحد منهما الخيار إلا إذا كان مجبوبا وهي رتقاء، فهو كالجنس الواحد كذا ذكره الحناطي والشيخ أبو حامد والامام، وحكى البغوي طريقا آخر، أنه لا فسخ به قطعا، لانه لا طريق له إلى تحصيل الوطئ. وإن كانا من جنس، ثبت الخيار لكل واحد على الاصح. هذا في غير الجنون، أما إذا كانا مجنونين، فلا يمكن إثبات الخيار لواحد منهما في الحال، ثم الوجهان فيما إذا تساوى العيبان في القدر والفحش. فإن كان أحدهما أكثر وأفحش، فللآخر الخيار قطعا.

(5/513)


فرع نكح أحدهما الآخر عالما بعيبه، فلا خيار. فلو ادعى المعيب علم الآخر، صدق المنكر بيمينه. وقيل: إن كان هذا الاختلاف بعد الدخول، صدق مدعي العلم. فرع جبت المرأة ذكر زوجها، فهل لها الخيار ؟ وجهان. أحدهما: لا، كما لو عيب المشتري المبيع قبل القبض، وأصحهما: نعم كما لو خرب المستأجر الدار المستأجرة فإن له الخيار، فإن المرأة بالجب لا تصير قابضة لحقها، والمستأجر لا يصير قابضا لحقه كالتخريب، والمشتري بالتعيب قابض حقه. فصل العيب المثبت للخيار إن كان مقارنا للعقد، فلكل واحد الفسخ بعيب صاحبه وإن حدث بعد العقد، فإن كان بها، فله الفسخ على الجديد الاظهر، وإن كان به، نظر إن كان قبل الدخول، فلها الفسخ، وإن كان بعده والعيب جنون أو جذام أو برص، فلها الخيار، كذا قاله الاصحاب في جميع الطرق. وحكى الغزالي فيه وجها لم أره لغيره. وإن حدث التعنين، فلا خيار، لانها عرفت قدرته وأخذت حظها، وإن حدث الجب، فلها الفسخ على الاصح، ويقال: الاظهر. فرع أولياء المرأة ليس لهم خيار الفسخ بعيب حدث به، وأما المقارن، فإن كان جبا أو تعنينا، فلا خيار لهم على الصحيح، وإن كان جنونا، فلهم الخيار. وإن رضيت هي، وكذا إن كان جذاما أو برصا على الاصح. ونقل الحناطي في العيب الحادث وجها، أن للاولياء إجبارها على الفسخ وهو شاذ ضعيف. وعلى هذا التفصيل يخرج حكم ابتداء التزويج، فإن دعت إلى تزويجها بمجبوب أو عنين، فعليهم الاجابة على الصحيح، فإن امتنعوا، كانوا عاضلين، وإن دعت إلى مجنون، فلهم الامتناع، وكذا المجذوم والابرص على الاصح. فصل في أحكام هذا الخيار فيه مسائل.

(5/514)


إحداها: هذا الخيار على الفور كخيار العيب في البيع، هذا هو المذهب. وبه قطع الجمهور. وقيل: قولان آخران كخيار العتق. أحدهما: يمتد ثلاثة أيام. والثاني: يبقى إلى أن يوجد صريح الرضى بالمقام معه أو ما يدل عليه، حكاهما الشيخ أبو علي وهما ضعيفان. وهل ينفرد كل واحد من الزوجين بالفسخ، أم لا بد من الرفع إلى الحاكم ؟ أما التعنين، فلا بد من الرفع، وفيما سواه وجهان. أصحهما: لا بد من الرفع لانه مجتهد فيه. قال البغوي: وعلى الوجهين لو أخر إلى أن يأتي إلى الحاكم ويفسخ بحضرته، جاز. ولو وطئها وظهر بها عيب، فقالت: وطئت عالما، فأنكر، أو كان العيب به، فقال: كنج عالمة فأنكرت، فالقول قول المنكر على الصحيح. وقال ابن القطان: قول الآخر، لان الاصل دوام النكاح. الثانية: الفسخ بعيب مقارن للعقد، إن كان قبل الدخول، سقط كل المهر ولا متعة، سواء كان العيب فيه أو فيها، لان شأن الفسخ تراد العوضين. وإن كان بعد الدخول، فثلاثة أوجه، الصحيح المنصوص، أنه يسقط المسمى ويجب مهر المثل، والثاني: يجب المسمى، والثالث: إن فسخ بعيبها، فمهر المثل، وإن فسخت بعيبه، فالمسمى. وأما الفسخ بعيب حادث بعد العقد، فإن كان قبل الدخول فلا مهر، وإن كان بعده، فإن أوجبنا في المقارن المسمى، فهنا أولى، وإلا، فأوجه. أحدها: المسمى، والثاني: مهر المثل، وأصحها: إن حدث قبل الدخول، ثم دخل بها غير عالم بالحال، فمهر المثل كالمقارن، وإن حدث بعد الدخول، فالمسمى، لانه تقرر بالوطئ قبل الخلل.

(5/515)


فرع إذا اطلع أحد الزوجين على عيب الآخر، ومات الآخر قبل الفسخ، فهل يفسخ بعد الموت ؟ وجهان حكاهما الحناطي، أصحهما يفسخ ويتقرر المسمى بالموت. ولو طلقها قبل الدخول ثم علم عيبها، لم يسقط حقها من النصف، لان الفرقة حصلت بالطلاق. الثالثة: إذا فسخ بعيبها بعد الدخول وغرم المهر، فهل يرجع به على من غره ؟ قولان. الجديد: الاظهر، لا. وموضع القولين إذا كان العيب مقارنا للعقد، وأما إذا فسخ بعيب حادث، فلا رجوع بالمهر مطلقا، إذ لا غرور. وقال المتولي: القولان إذا كان المغروم هو مهر المثل، أما إذا كان المسمى، فلا رجوع، والاصح ما ذكره البغوي وهو أنه لا فرق بين المسمى ومهر المثل، ثم إذا قلنا بالرجوع، فإن كان التغرير والتدليس منها دون الولي، فالرجوع عليها دونه. وصور المتولي التغرير منها، بأن خطب الزوج إليها، فلم يتعرض لعيبها، وطلبت من الولي تزويجها به وأظهرت له أن الزوج عرف حالها. وصورة الشيخ أبو الفرج الزاز، فيما إذا عقدت بنفسها، وحكم بصحته حاكم. ثم لفظ الرجوع الذي استعمله الاصحاب يشعر بالدفع إليها، ثم الاسترداد منها. لكن ذكر الشيخ أبو حامد والامام، أنه لا معنى للدفع إليها والاسترداد، ويعود معنى الرجوع إلى أنه لا يغرم لها. وهل يجب لها أقل ما يجوز صداقا لئلا يخلو النكاح عن مهر ؟ وجهان. ويقال: قولان. قلت: الاصح عند من قال بالرجوع، أنه لا يبقى لها شيئا، ويكفي في حرمة النكاح أنه وجب لها ثم استرد بالتغرير. والله أعلم. وإن كان التغرير من الولي، بأن خطب إليه فزوج وهو مجبر أو غيره بإذنها ولم يذكر للخاطب عيبها، فإن كان عالما بالعيب، رجع عليه بجميع ما غرم. وإن كان جاهلا، فوجهان لانه غير مقتصر، لكن ضمان المال لا يسقط بالجهل. فإن قلنا:

(5/516)


لا رجوع إذا جهل، فذلك إذا لم يكن محرما كابن عم ومعتق وقاض، وحينئذ يكون الرجوع على المرأة. فأما المحرم، فلا يخفى عليه الحال غالبا، وإن خفي فلتقصيره، فيرجع عليه مع الجهل على الصحيح. فإذا قلنا: لا رجوع على الجاهل، فعلى الزوج إثبات العلم ببينة على إقرار الولي بالعلم. وإن غره أولياء الزوجة، فالرجوع عليهم، فإن جهل بعضهم وقلنا: لا رجوع على الجاهل، رجع على من علم. ولو وجد التغرير منها ومن الولي، فهل يكون الرجوع عليها فقط لقوة جانبها، أم عليهما نصفين ؟ فيه وجهان، وإن غرت الولي وغر الولي الزوج، رجع الزوج على الولي والولي عليها، ولم يتعرضوا لما إذا كانت جاهلة بعيبها، ولا يبعد مجئ الخلاف فيه. قلت: لا مجئ له لتقصيرها الظاهر، لا سيما وقد قطع الجمهور بأن الولي المحرم لا يعذر بجهله لتقصيره. والله أعلم. الرابعة: المفسوخ نكاحها بعد الدخول، لا نفقة لها في العدة ولا سكنى إذا كانت حائلا بلا خلاف، وإن كانت حاملا، فإن قلنا: نفقة المطلقة الحامل للحمل وجبت هنا، وإن قلنا بالاظهر. إنها للحال، لم تجب. وأما السكنى، لا تجب على المذهب وبه قطع الجمهور. وقيل بطرد القولين. وقال ابن سلمة: إن كان الفسخ بعيب حادث، وجبت، وإلا، فلا. وإذا لم نوجب السكنى فأراد أن يسكنها حفظا لمائه، فله ذلك وعليها الموافقة، قاله أبو الفرج السرخسي. فروع تتعلق بهذا السبب رضي أحد الزوجين بعيب صاحبه، فحدث إسمعيل به العيب عيب آخر، ثبت الخيار بالعيب الحادث على الصحيح. وإن ازداد

(5/517)


الاول، فلا خيار على الصحيح، لان رضاه بالاول رضى إسمعيلا يتولد منه. ولو فسخ بعيب، فبان أن لا عيب، فهل يحكم ببطلان الفسخ وباستمرار النكاح ؟ وجهان حكاهما الحناطي. قلت: الصحيح، بطلان الفسخ لانه بغير حق. والله أعلم. ولو قال: علمت عيب صاحبي، ولم أعلم أن العيب يثبت الخيار، فقولان كنظيره في عتقها تحت عبد. وقيل: لا خيار هنا قطعا، لان الخيار بالعيب مشهور في جنس العقود. السبب الثاني: الغرور بالاشتراط. فإذا شرط في العقد إسلام المنكوحة، فبانت ذمية، أو شرط نسب أو حرية في أحد الزوجين فبان خلافه، فهل يصح النكاح أم يبطل ؟ قولان. أظهرهما: الصحة. والقولان فيما إذا اشترطت حريته فبان عبدا، هما إذا نكح بإذن السيد، وإلا، فلا يصح قطعا. وفيما إذا شرط حريتها فبانت أمة، هما إذا نكحت بإذن السيد وكان الزوج ممن يحل له الاماء، وإلا، فلا يصح قطعا. ويجري القولان في كل وصف شرط، فبان خلافه، سواء كان المشروط صفة كمال كالجمال، والنسب، والشباب، واليسار، والبكارة، أو صفة نقص كأضدادها، أو كان مما لا يتعلق به نقص ولا كمال، هذا هو المذهب وبه قطع الجمهور. وفي شرح مختصر الجويني أنهما إنما يجريان في النسب والحرية وما يتعلق بالكفاءة، فإذا قلنا ببطلان النكاح، فرق بينهما ولا شئ على الزوج إن لم يدخل بها، وإن دخل، فلا حد للشبهة وعليه مهر المثل، ولا سكنى لها في العدة، وكذا لا نفقة إن كانت حائلا. فإن كانت حاملا، فعلى القولين في أن النفقة للحمل أو للحامل ؟ إن قلنا: للحمل، وجبت، وإلا، فلا، وإذا قلنا بصحة النكاح، فإن بان

(5/518)


الموصوف خيرا مما شرط، فلا خيار، وإن بان دونه، فقد أطلق الغزالي في ثبوت الخيار قولين. وأما سائر الاصحاب، فقالوا: إن شرط في الزوج نسب شريف فبان خلافه، نظر إن كان نسبه دون نسبها، فلها الخيار. وإن رضيت هي، فلاوليائها الخيار، وإن كان نسبه كنسبها أو فوقه، إلا أنه دون المشروط، فلا خيار لها على الاظهر، وقيل: لا خيار قطعا، ولا خيار للاولياء، لان الكفاءة حاصلة والشرط لا يؤثر في حقهم، وإن شرط في الزوجة نسب فبان خلافه، فطريقان، أصحهما: أنه كهي فيثبت له الخيار إن كانت دون نسبه، وإلا، ففيه القولان. والطريق الثاني: لا خيار له قطعا لقدرته على الطلاق وعدم العار عليه. وإن شرطت حريته فخرج عبدا، فإن كانت حرة، فلها ولوليها الخيار، وإن كانت أمة، ففي ثبوت الخيار وجهان. وقيل: يثبت قطعا. قال الامام والمتولي: وإذا أثبتناه، فهو للسيد دون الامة، فإن له أن يجبرها على نكاح عبد، بخلاف ما إذا خرج الزوج معيبا، فإن الخيار لها، لانه ليس للسيد إجبارها على نكاح معيب بأحد هذه العيوب. وإن شرط الزوج حرية الزوجة فخرجت أمة، فإن كان الزوج حرا، فله الخيار على المذهب، وإن كان عبدا، فلا خيار على المذهب، وإن كان المشروط صفة أخرى، فإن شرطت في الزوج فبان دون المشروط، فلها الخيار، وإن شرطت فيها، ففي ثبوت الخيار له قولان لتمكنه من الطلاق. قلت: الاظهر ثبوته. والله أعلم. فرع في فتاوى البغوي: تزوجها بشرط البكارة، فوجدت ثيبا، فقالت: كنت بكرا فزالت البكارة عندك، وقال: بل كنت ثيبا، فالقول قولها بيمينها لدفع الفسخ، ولو قالت: كنت بكرا فافتضني فأنكر، فالقول قولها بيمينها لدفع الفسخ، وقوله بيمينه لدفع كمال المهر. فصل إذا ظنت زيدا كفئا لها، وأذنت في تزويجها إياه، فبان غير كف ء، فلا خيار لها، كذا أطلق الغزالي، وينبغي أن يفصل فيقال: إن كان فوات الكفاءة لدناءة نسبه أو حرفته، أو فسقه، فلا خيار، وإن كان لعيبه، فيثبت الخيار، وإن كان لرقه، فليكن الحكم كما سنذكره إن شاء الله تعالى متصلا بهذا فيمن نكحها ظانا حريتها فبانت أمة، بل جانب المرأة أولى بإثبات الخيار.

(5/519)


قلت: هذا الذي ذكره الغزالي ضعيف، وفي فتاوى صاحب الشامل لو تزوجت حرة برجل نكاحا مطلقا، فبان عبدا، فلها الخيار. وذكر غيره نحو هذا، والمختار ثبوت الخيار بالجميع، وقد أنكروا على الغزالي هذه المسألة. وقد ذكر الرافعي بعد هذا قبيل ذكر كتاب الصداق عن فتاوى القاضي حسين، أنها لو أذنت في تزويجها برجل ولم تعلم فسقه، فبان فاسقا، صح النكاح لوجود الاشارة إلى عينه. قال البغوي: لكن لها حق الفسخ كما لو أذنت في تزويجها رجلا ثم وجدته معيبا، وعجب من الامام الرافعي كيف قال هنا ما قال مع نقله هذا عن البغوي. والله أعلم. فرع نكح إمرأة يظنها مسلمة فخرجت كتابية، فالنص أن له الخيار، ولو ظنها حرة فخرجت أمة وهو ممن يحل له نكاح الامة، فالنص أنه لا خيار، وللاصحاب طريقان. أحدهما: العمل بظاهر النصين ولتقصير ولي الكافرة بترك العلامة، ولان الكفر منفر. وأصحهما: جعل الصورتين على قولين. أظهرهما: لا خيار فيهما كما لو اشترى عبدا يظنه كاتبا فأخلف ظنه. فصل الخلف في الشرط، إذا قلنا: لا يفسد العقد وأنه يثبت الخيار، فمن له الخيار ؟ إن أجاز العقد، كان للزوجة المهر المسمى، وإن فسخ، فإن كان قبل الدخول، لم يجب نصف المهر ولا المتعة، وإن كان بعد الدخول، فهل يجب مهر المثل أم المسمى أم أقلهما ؟ فيه أوجه، الصحيح المنصوص، الاول. وهل يرجع الزوج إسمعيل غرمه من المهر على من غره ؟ فيه التفصيل والخلاف السابقان في خيار العيب، وحكم النفقة والسكنى على ما تقدم. فرع قال الاصحاب: التغرير المؤثر هو الذي يكون مقرونا بالعقد على سبيل الشرط فلو سبق العقد، فالصحيح أنه لا يؤثر في صحة العقد ولا في الخيار. وقيل: يؤثر فيهما.

(5/520)


وأما الرجوع بالمهر، إذا قضينا بالرجوع على الغار، فقال الغزالي: التغرير السابق كالمقارن، وحققه الامام فقال: لا يشترط في حصول التغرير دخول الشرط بين الايجاب والقبول، ولا صدوره من العاقد لكن يشترط اتصاله بالعقد. فلو قال: فلانة حرة في معرض الترغيب في النكاح، ثم زوجها على الاتصال بوكالة أو ولاية، فهو تغرير، ولو لم يقصد بقوله تحريض سامع، واتفق بعد أيام أنه زوجها لمن سمع كلامه، فليس ما جرى تغريرا، وإن ذكره لا في معرض التحريض، وجرى العقد على الاتصال أو ذكره في معرض التحريض، وجرى العقد بعد زمان فاصل، ففي كونه تغريرا تردد، ويشبه أن لا يعتبر الاتصال بالعقد على ما أطلقه الغزالي، لان تعلق الضمان أوسع بابا. فصل إذا غر بحرية أمة وصححنا النكاح، فأولاده الحاصلون منها قبل العلم برقها أحرار لظنه الحرية، سواء أجاز العقد أو فسخه، إذا خيرناه، وسواء كان المغرور حرا أو عبدا، لاستوائهما في الظن، ثم على المغرور قيمة الاولاد لسيد الامة على المشهور، لانه فوت رقهم بظنه. وفي قول حكاه الحناطي: لا شئ عليه، لانه معذور. فعلى المشهور إن كان المغرور حرا، فالقيمة مستقرة في ذمته، وإن كان عبدا، فهل تتعلق بذمته أم برقبته أم بكسبه ؟ فيه أقوال، أظهرها الاول، وتعتبر قيمة الاولاد يوم الولادة. وأما الاولاد الحاصلون بعد علمه برقها، فهم أرقاء، سواء كان المغرور عربيا أو غيره. وللشافعي قول: أن العرب لا يجري عليهم الرق، والمشهور أن لا فرق. ثم في الفصل مسائل. إحداها: في الرجوع بالمهر المغروم على الغار قولان كما سبق في العيب، وأما قيمة الاولاد، فيرجع بها على الغار على المذهب. وقيل: فيه القولان. وإذا قلنا بالرجوع، فإنما يرجع إذا غرم كالضامن. فقد سبق في الضامن وجه ضعيف أنه يرجع قبل غرمه، فيجئ مثله هنا. والصحيح، المنع. فعلى هذا لو كان المغرور عبدا وعلقنا القيمة بذمته، فإنما يرجع على الغار بعد عتقه، لانه حينئذ يغرم. أما إذا

(5/521)


علقناها بكسبه أو إسمعيل، وغرم سيده من كسبه، أو من رقبته، فيرجع في الحال، وللمغرور مطالبة الغار بتحصيله، كما ذكرنا في باب الضمان. المسألة الثانية: إذا كان المغرور عبدا وقد دخل بالمنكوحة، فحيث يجب المسمى يتعلق كسبه، وحيث يجب مهر المثل، فهل يتعلق بذمته، أم برقبته، أم بكسبه ؟ فيه ثلاثة أقوال. أظهرها: الاول. المسألة الثالثة: لا يتصور الغرور بحرية الامة من السيد، لانه متى قال: زوجتك هذه الحرة، أو على أنها حرة، عتقت. وإنما يتصور من وكيل السيد في تزويجها، أو منها، أو منهما، ولا اعتبار بقول من ليس بعاقد ولا معقود عليه، فإن كان الغرور من الوكيل، رجع المغرور عليه بالقيمة إذا غرمها، وبالمهر إن أثبتنا الرجوع به. وإن كان الغرور من الامة المنكوحة، كان الرجوع عليها، لكن لا يرجع في الحال، بل يتعلق الغرم بذمتها، تطالب به إذا عتقت، ولا يتعلق بكسبها قطعا ولا برقبتها على الصحيح، وسواء كان الرجوع عليها أو على الوكيل، يرجع بكل المهر، لان المهر للسيد وقد أخذه. وإن كان الغرور منها ومن الوكيل، فالرجوع عليهما.

(5/522)


وفي كيفيته وجهان. أصحهما: يرجع بالنصف على الوكيل في الحال، وبالنصف عليها إذا عتقت. والثاني: أنه له أن يرجع بالجميع على من شاء منهما، على الوكيل في الحال وعليها بعد العتق، فإن رجع - هكذا قال البغوي -: يرجع المأخوذ منه بالنصف على الآخر. وقال الحناطي وغيره: لا يرجع واحد منهما على الآخر، لان التغرير كامل من كل واحد منهما. ولو ذكرت للوكيل حريتها، ثم ذكرها الوكيل للزوج، رجع المغرور على الوكيل والوكيل عليها بعد العتق. وإن ذكرت للوكيل ثم ذكرت للزوج، فالرجوع عليها وإن ذكر الوكيل للزوج أيضا، لانها لما شافهت الزوج خرج الوكيل من الوسط، هكذا ذكره البغوي. وعلى هذا، فصورة تغريرهما أن يذكرا معا. المسألة الرابعة: لو خرجت التي غر بحريتها مدبرة أو مكاتبة، أو أم ولد أو معلقة بصفة، فالكلام في صحة النكاح، ثم في إثبات الخيار كما سبق، إذا كانت قنة، لكن إذا خرجت مكاتبة وفسخ النكاح، فلا مهر لها إذا كان الغرور منها، لان المهر للمكاتبة فلا معنى للغرم لها والاسترداد منها. وهل يجب أقل ما يجوز أن يكون مهرا ؟ فيه الخلاف السابق في العيب. والاولاد الحاصلون قبل علمه بالحال أحرار، وعلى المغرور قيمتهم. ولمن تكون القيمة ؟ يبنى على أن ولد المكاتبة قن للسيد أم مكاتب كالام ؟ وفيه قولان. وإذا قلنا: إنه مكاتب فقتله قاتل، فهل قيمته للسيد أم للمكاتبة تستعين به في الاداء ؟ فيه قولان فإذا قلنا: الولد للسيد، أو قلنا: هو مكاتب، وإذا قتل، فالقيمة للسيد، غرم المغرور قيمة الاولاد للسيد، ويرجع بها على الوكيل، وعليها إن غرت، ويأخذ من كسبها. فإن لم يكن كسب، ففي ذمتها إلى أن تعتق. وإن قلنا: إن القيمة لها، فإن كان الغرور منها، لم يغرم القيمة لها كالمهر، وإن كان من الوكيل، غرم لها ورجع على الوكيل. فرع إذا حكمنا ببطلان النكاح بخلف الشرط، فالرجوع بمهر المثل إذا غرمه الزوج بالوطئ والرجوع بقيمة الاولاد إذا غرمها على ما ذكرناه تفريعا على صحة النكاح.

(5/523)


فرع ما ذكرناه من وجوب قيمة الولد، هو فيما إذا انفصل الجنين حيا. فلو انفصل ميتا، نظر إن انفصل بغير جناية، فلا شئ عليه، ويجئ فيه وجه سبق نظيره في وطئ الغاصب جاهلا بالتحريم. وإن انفصل بجناية، بأن ضرب بطنها فأجهضت، فله أحوال. أحدها: أن يكون الجاني أجنبيا، فيجب على عاقلته الغرة ويغرمه المغرور، لانه يغرم له فيغرمه. وقيل: لا يغرمه إذ لا قيمة للميت، والصحيح الاول، وضمانه عشر قيمة الام، لان الجنين الرقيق يغرم بهذا القدر. فإن كانت قيمة الغرة مثل عشر قيمة الام، أو أكثر، فالمستحق للسيد عشر القيمة، وإن كان العشر أكثر، فوجهان. أصحهما: يستحق العشر وهو اختيار القاضي حسين والامام وغيرهما، ونسبه البغوي إلى العراقيين، لانه قدر ما فوته. والثاني: ليس له إلا قدر الغرة، ويعبر عن هذا بأن الواجب أقل الامرين. فعلى الاول لا يتوقف تغريمه على حصول الغرة له. وعلى الثاني، يتوقف وينظر إلى ما يحصل له من الغرة، فإن كان يجوز ميراث الجنين، فذاك، وإلا، فيغرم أقل الامرين من حصته من الغرة والعشر، ولا يتصور أن يرث مع الاب المغرور إلا الجدة أم الام، ولا تسقط بالام لانها رقيقة. الثاني: أن يكون الجاني هو المغرور، فعلى عاقلته الغرة، ويلزم المغرور عشر قيمة الام إن قلنا في الحال الاول بالاصح: أنه يستحق العشر وتسلم الغرة للورثة، وإن قلنا بأقل الامرين، تعلق حق السيد بالغرة فيؤدي منها، وما فضل يكون للورثة. وعلى التقديرين، لا يرث المغرور منها شيئا، لانه قاتل ولا يحجب من بعده من العصبات. فإن كان المغرور عبدا، تعلقت الغرة برقبته. ثم إن اعتبرنا الغرة ولم نوجب زيادة عليها، فإذا حصلت الغرة، صرف إلى السيد منها عشر قيمة الام، فإن فضل شئ، فهو للورثة، وإن اعتبرنا التفويت، سلمت الغرة للورثة، وتعلق حق السيد بذمة المغرور. الثالث: أن يكون الجاني عبد المغرور، فإن اعتبرنا التفويت، فحق سيد الامة على المغرور، ولا تتعلق الغرة برقبته إن كان المغرور حائز ميراث الجنين، لانه

(5/524)


لا يستحق على عبده شيئا، وإن كان معه جدة الجنين، تعلق نصيبها برقبته، وإن اعتبرنا أقل الامرين، تعلقت الغرة برقبته ليؤدي منها حق السيد. فإن فضل منها شئ، فعلى ما ذكرناه. الرابع: أن يكون الجاني سيد الامة، فعلى عاقلته الغرة. ثم إن اعتبرنا التفويت، سلمت الغرة للورثة وغرم المغرور للسيد عشر قيمة الام. قال الامام: ويجوز أن يقال: انفصاله بجناية السيد، كانفصاله بلا جناية، فلا يغرم المغرور شيئا، وإن اعتبرنا أقل الامرين، فإذا حصلت الغرة، صرف منها العشر إلى السيد. فإن فضل شئ فهو للورثة. قال الامام: إذا كانت الغرة قدر العشر أو أقل، وصرفناها إلى السيد، كان الحاصل إيجاب المال على عاقلة الجاني للجاني وهو مستبعد. فرع خيار الخلف هل هو على الفور ؟ فيه طريقان حكاهما ابن كج وغير، المذهب: نعم كخيار العيب، والثاني: على أقوال خيار العتق. قال البغوي: وإذا أثبتنا الفسخ، انفرد به من له الخيار، ولا يفتقر إلى الحاكم كخيار عيب المبيع، ولكن هذا مختلف فيه، فليكن كخيار عيب النكاح. السبب الثالث: العتق، فإذا عتقت أمة تحت حر، فلا خيار لها، وإن عتقت تحت عبد، فلها الخيار إن عتقت كلها، فإن أعتق بعضها، فلا خيار. وقال المزني: لها الخيار. ولو دبرت أو كوتبت أو علق عتقها بصفة، فلا خيار. ولو عتقت تحت مكاتب أو مدبر أو من بعضه رقيق، فلها الخيار. ولو عتق الزوج وتحته أمة، فلا خيار له على الصحيح أو المشهور. ولو عتقا معا، فلا خيار، ويثبت خيار العتق للصبية والمجنونة عند البلوغ والافاقة، ولا يقوم الولي مقامهما في الفسخ والاجازة. ولو عتق الزوج قبل أن تفسخ العتيقة، بطل خيارها على الاظهر المنصوص في المختصر.

(5/525)


فروع الفرع الاول: طلقها رجعيا فعتقت في العدة، فلها الفسخ ليقطع سلطنة الرجعة. وقيل: الفسخ موقوف، إن راجعها، نفذ، وإلا، فلا. والصحيح الاول. وإذا فسخت هل تستأنف عدة، أم تكفي بقية العدة ؟ قولان كما لو طلق الرجعية. وإذا قلنا بالبناء، فتكمل عدة حر أو أمة ؟ فيه خلاف موضعه كتاب العدد. ولو أخرت الفسخ، فلها ذلك، ولا يبطل لها. ولو أجازت، لم تنفذ الاجازة، لانها محرمة جارية إلى بينونة، فالاجازة لا تلائم حالها. قال الامام: ولم يخرجوه على وقف العقود، لان شرط الوقف أن يكون مورد العقد (قابلا لمقصود العقد) وحكي عن الشيخ أبي محمد حكاية وجه في نفوذ إجازتها. ونقل الغزالي عن بعضهم تخريجا على وقف العقود، فإن راجعها، نفذت، وإلا، فلا. ولو ثبت لها العتق، فطلقها قبل أن تفسخ، فإن كان طلاقا رجعيا، بقي حقها في الفسخ والحكم كما لو أعتقت في العدة. وإن كان بائنا، فقولان. أحدهما: أن الطلاق موقوف، وإن فسخت، بان أنه لم يقع، وإلا بان وقوعه وهذا نصه في الام. وأظهرهما يقع وهو نصه في الاملاء لمصادفته النكاح، ويبطل، ومنهم من أنكر القول الاول. ولو طلق الزوج المعيب قبل فسخها، ففي وقوع الطلاق ووقفه هذا الخلاف. الفرع الثاني: إذا فسخت العتيقة قبل الدخول، فلا مهر، وليس للسيد منعها من الفسخ. وإن فسخت بعد الدخول، نظر، إن تقدم الدخول على العتق، وجب المسمى، وإن تأخر عنه وكانت جاهلة بالحال، وجب مهر المثل على المذهب. وقيل: المسمى، وقيل: خلاف فيهما. وأيهما أوجبناه، فهو للسيد، وكذا لو اختارت المقام معه، وجرى في العقد تسمية صحيحة أو فاسدة، فالمهر للسيد، لانه وجب بالعقد. وإن زوجها مفوضة، فإن دخل بها الزوج أو فرض لها قبل العتق فهو للسيد أيضا. وإن عتقت ثم دخل بها، أو فرض لها، فهل المهر للسيد

(5/526)


أم لها ؟ قولان بناء على أن مهر المفوضة يجب بالعقد أم بالفرض أو الدخول. الفرع الثالث: خيار العتق على الفور على الاظهر، وفي قول: يمتد ثلاثة أيام، وفي قول: إلى أن يصرح بإسقاطه، أو تمكن من الوطئ طائعة. وفي وجه: تتقدر بالمجلس. فإن قلنا بالفور، فهو كما ذكرنا في الرد بالعيب في البيع وفي الشفعة. قال الامام تفريعا على القول الثاني: ابتداء الايام الثلاثة من وقت تخييرها، وذلك إذا علمت بالعتق وثبوت الخيار، ولا يحسب من وقت العتق. وذكر تفريعا على القوق الثالث، أنها لو مكنت ولم يصبها الزوج، لم يبطل حقها، لان التمكين من الوطئ لا يتحقق إلا عند حصول الوطئ، وأنلو أصابها الزوج قهرا، ففي سقوط الخيار تردد لتمكنها من الفسخ عند الوطئ، فإكان قبض على فمها، بقي حقها قطعا. وعلى هذا القول لو قال: أصبتها فأنكرت، فأيهما يصدق ؟ وجهان حكاهما ابن كج، لان الاصل بقاء النكاح وعدم الاصابة. وإذا اعتبرنا الفور، فتمكنت ولم تفسخ، أو مضت الايام الثلاثة، أو مكنت من الوطئ، إذا اعتبرنا ذلك، ثم ادعت الجهل بالعتق، صدقت بيمينها إن لم يكذبها ظاهر الحال. فإن كذبها، بأن كانت معه في بيته ويبعد خفاء العتق عليها، فالمصدق الزوج، هذا هو المذهب. وقيل: في المصدق قولان مطلقا. فإن ادعت الجهل بأن العتق يثبت الخيار، صدقت على الاظهر. ولو ادعت الجهل بأن الخيار على الفور، قال الغزالي: لا تعذر، ولم أر المسألة لغيره من الاصحاب، ولكن ذكرها العبادي في الرقم. وقال: إن كانت قديمة العهد بالاسلام وخالطت أهله، لم تعذر، وإن كانت حديثة العهد به أو لم تخالط أهله، فقولان. فرع هذا الفسخ لا يحتاج إلى مراجعة الحاكم، ولا إلى المرافعة إليه، لانه ثابت بالنص والاجماع، كالرد بالعيب والشفعة. قلت: وللزوج وطئ العتيقة ما لم تفسخ، وكذا لزوج الصغيرة والمجنونة، العتيقين وطؤهما ما لم تفسخا بعد البلوغ والافاقة. والله أعلم.

(5/527)


السبب الرابع: التعنين، فالتعنين مثبت للخيار، وكذا الجب إن لم يبق ما يمكن الجماع به، كأن لا يبقى قدر الحشفة، فإن بقي دون قدر الحشفة، أو بقي قدرها فأكثر، فلا خيار بسبب الجب على المذهب. وعن ابن سلمة، أنه خرجه على قولين كالخصي. فعلى المذهب: لو عجز عن الجماع به، فهو كالسليم العاجز، فتضرب له المدة. وعن الشيخ أبي حامد، ثبوت الخيار في الحال، لان العيب متحقق، والظاهر دوام العجز، وفي معناه المرض المزمن الذي لا يتوقع زواله، ولا يمكن الجماع معه، كذا ذكره الشيخ أبو محمد وغيره. ولو وجدت زوجها خصيا موجوء الخصيتين أو مسلولهما، فلا خيار على الاظهر الجديد. وقيل: لا خيار قطعا. فرع العنة الطارئة لا تؤثر، لان القدرة تحققت بالوطئ، فالعجز بعارض. ولو كان له إمرأتان، فعن عن إحداهما دون الاخرى، ثبت الخيار للتي عن عنها، لفوات الاستمتاع. قال الاصحاب: وقد يتفق ذلك لانحباس الشهوة عن إمرأة معينة بسبب نفرة أو حياء، ويقدر على غيرها لميل أو أنس. فأما العجز المحقق لضعف في الدماغ أو القلب أو الكبد، أو لخلل في نفس الآلة، فإنه لا يختلف بالنسوة، وكذلك قد يفرض العجز عن القبل والقدرة على الدبر، فيثبت الخيار على الصحيح. وحكى الحناطي فيه وجها بعيدا، ولو عجز عن افتراع بكر وقدر على ثيب، فللبكر الخيار فصل إذا اعترفت بقدرته على الوطئ وقالت: إنه يمتنع منه، فلا خيار لها، وهل لها مطالبته بوطأة واحدة ؟ وهل يجبر هو عليها ؟ وجهان. أصحهما: لا، لانحقه، فلا يجبر عليه كسائر الوطآت. والثاني: نعم لمعنيين. أحدهما: استقرار المهر. والثاني: حصول الاستمتاع للتعفف. فإن قلنا: تجب الوطأة

(5/528)


فكانت أمة، فالطلب للسيد على المعنى الاول، ولها على الثاني. ولو أبرأت الحرة عن مهرها، فلا مطالبة على المعنى الاول، وتطالب على الثاني، ولا يرهق إلى الوطئ بل يمهل ليستعد له على العادة. ولو كان به مرض أو عذر، أمهل إلى زواله. وإن أصر على الامتناع بلا عذر، حبس. قال الامام: ولا يبعد أن يخرج من الايلاء أن يطلق القاضي عليه، لكن لم يخرجوه. فرع تسقط مطالبة العنين بالفسخ، وغير العنين إذا أوجبنا وطأه بتغييب الحشفة، فإن أحكام الوطئ كلها منوطة به كالتحليل، والتحصين والحدود، والكفارة، والغسل، وفساد العبادة، وثبوت المصاهرة وغيرها. قال الامام: وسببه بعد الاتباع، أن الحشفة هي التي تحس تلك اللذة، قال: ويعني بتغيبها أن يشتمل الشفران وملتقاهما عليها. أما لو انقلب الشفران إلى الباطن وكانت الحشفة تلاقي ما انعكس من البشرة الظاهرة، ففيه تردد، لانها حصلت في حيز الباطن. وذكر البغوي، أن أقل ما يزول به حكم التعنين إن كانت بكرا أن يقتضها بآلة الاقتضاض. وإن كانت ثيبا، فأن تغيب الحشفة، وهذا يدل على الاقتضاض لا يحصل بتغيب الحشفة. ولوجب بعض ذكره فغيب من الباقي قدر الحشفة، فهو كتغيب الحشفة من السليم. وقيل: يعتبر تغيب جميع الباقي وهو ظاهر نصه في المختصر ورجحه بعضهم، والاول أصح وظاهر النص مؤول. فصل وجدته عنينا فرفعته إلى القاضي وادعت عنته، فإن أقر بها أو أقامت بينة على إقراره بها، ثبتت. وإن أنكر، حلف، فإن حلف، لم يطالب بتحقيق ما

(5/529)


قاله بالوطئ، وامتنع الفسخ، ويعود ما سبق أنه هل يطالب بوطأة واحدة ؟ وإن نكل، فثلاثة أوجه. أصحها: ترد اليمين عليها، ولها أن تحلف إذا بان لها عنته بقرائن الاحوال وطول الممارسة. والثاني: يقضى عليه بالنكول، وتضرب المدة بغير يمين. والثالث: لا ترد عليها ولا يقضى بنكوله. وحكى أبو الفرج وجها أن تحليف الزوج لا يشرع أصلا بناء على أن اليمين لا ترد عليها وهو ضعيف، ثم ثبوت العنة لا يفيد الخيار في الحال، لكن القاضي يضرب للزوج مدة سنة يمهله فيها، وابتداؤها من وقت ضرب القاضي لا من وقت إقراره، لانه مختلف فيه، وإنما تضرب المدة إذا طلبت المرأة، لكن لو سكتت وحمل القاضي سكوتها على دهشة أو جهل، فلا بأس بتنبيهها ثم قولها: أنا طالبة حقي على موجب الشرع، كاف في ضرب المدة وإن جهلت تفصيل الحكم، وسواء في المدة الحر والعبد، فإذا تمت السنة ولم يصبها، لم ينفسخ النكاح، وليس لها فسخه، بل ترفعه ثانيا إلى القاضي. وعن الاصطخري، أن لها الفسخ بعد المدة، والصحيح الاول. وإذا رفعته إليه، فإن ادعى الاصابة في المدة، حلف، فإن نكل، ردت اليمين على المرأة، وفيه الخلاف السابق. وإذا حلفت، أو أقر أنه لم يصبها في المدة، فقد جاء وقت الفسخ، فإن استمهل ثلاثا، فهل يمهل ؟ فيه الخلاف المذكور في الايلاء. وفي استقلالها بالفسخ وجهان. أصحهما: الاستقلال كما يستقل بالفسخ من وجد بالمبيع تغيرا وأنكر البائع كونه عيبا، وأقام المشتري بينة عند القاضي. والثاني: أن الفسخ إلى القاضي، لانه محل نظر واجتهاد، أو يأمرها بالفسخ، وهذان الوجهان في الاستقلال بعد المرافعة، والوجهان السابقان في فصل العيوب مفروضان في الاستقلال دون المرافعة. وإذا قلنا: لها الفسخ بنفسها، فهل يكفي لنفوذ الفسخ إقرار الزوج، أم لا بد من قول القاضي: ثبتت العنة أو ثبت حق الفسخ فاختاري ؟ فيه وجهان. أصحهما: الثاني. ولو قالت: اخترت الفسخ، ولم يقل القاضي: نفذته، ثم رجعت، هل يصح الرجوع ويبطل الفسخ ؟ وجهان في مجموع ابن القطان. أصحهما: المنع. ويشبه أن يكون هذا الخلاف مفرعا على استقلالها بالفسخ، أما إذا

(5/530)


فسخت بإذن، فإن الاذن السابق كالتنفيذ. فرع إنما تحسب (المدة) إذا لم تعتزل عنه. فإن اعتزلت أو مرضت، لم تحسب. ولو سافرت حبست على الاصح لئلا يدافع المطالبة بذلك. وإذا عرض ما يمنع الاحتساب في أثناء السنة وزال، فالقياس أن يستأنف السنة أو ينتظر مضي مثل ذلك الفصل في السنة الاخرى. فرع الفسخ بالعنة بعد ثبوتها، كالفسخ بسائر العيوب، والمذهب أنه على الفور، ويجئ فيه الخلاف السابق هناك. وإذا رضيت بالمقام معه بعد مضي المدة، يسقط حقها من الفسخ، ولا رجوع لها إليه. فإن فسخت في أثناء المدة، لم تنفذ. وإن أجازت ورضيت بالمقام معه في المدة، أو قبل ضرب المدة، فالاظهر أنه لغو، ويثبت لها الخيار بعد المدة. وإن رضيت بعد المدة ثم طلقها رجعيا ثم راجعها، لم يعد حق الفسخ، لانها رضيت بعنته في هذا النكاح، ويتصور الطلاق الرجعي بغير وطئ يزيل العنة، بأن يستدخل ماءه، أو يطأها في الدبر، فتجب العدة وحكم العنة باق. ولو بانت بانقضاء العدة، أو كان الطلاق بائنا، أو فسخت النكاح، ثم تزوجها ثانيا، ففي تجدد حق الفسخ قولان. أظهرهما: التجدد، لانه نكاح جديد، وتضرب المدة ثانيا.

(5/531)


ولو نكح إمرأة ابتداء، وأعلمها أنه عنين، فقال صاحب الشامل وغيره: هو على القولين. وذكر البغوي، فيما إذا نكح إمرأة ابتداء وهي تعلم أنه حكم بعنته في حق إمرأة أخرى، طريقين. أحدهما: على القولين. والثاني: القطع بالثبوت، لانه قد يعجز عن إمرأة دون أخرى. ولو نكح إمرأة أو أصابها ثم أبانها ثم نكحها وعن عنها، فلها الخيار قطعا لانها نكحته غير عالمة فرع إذا ادعت إمرأة الصبي والمجنون العنة، لم تسمع دعواها ولم تضرب بعنته مدة، لان المدة والفسخ يعتمدان إقرار الزوج أو يمينها بعد نكوله، وقولهما ساقط. ونقل المزني أنه إن لم يجامعها الصبي، أجل، ولم يثبته عامة الاصحاب قولا وقالوا: غلط المزني. وإنما قال الشافعي في الام والقديم: إن لم يجامعها الخصي، أجل، وهذا المذكور في الخصي تفريع على أنه لا خيار بالاخصاء أو رضيت به ووجدته مع الاخصاء عنينا، وإلا، فالخيار في الخصي لا تأجيل فيه كالجب. وحكى الحناطي وجها أن المراهق الذي يتأتى منه الجماع، تسمع دعوى التعنين عليه وتضرب له المدة، وبه قال المزني وهو ضعيف. فرع جن الزوج في أثناء السنة، ومضت السنة وهو مجنون، فطلبت الفرقة، لم تجب إليها، لانه لا يصح إقراره. فرع مضت السنة فأمهلته شهرا أو سنة أخرى، فوجهان. أحدهما وبه قال ابن القطان وغيره: لها ذلك، ولها أن تعود إلى الفسخ متى شاءت، كما إذا أمهل بعد حلول الاجل لا يلزم الامهال، والصحيح بطلان حقها بهذا الامهال لانه على الفور. فرع إذا فسخت بالعنة، فلا مهر على المشهور، لانه فسخ قبل الدخول. وفي قول: يجب نصف المهر، وفي قول كله، حكاهما صاحب التقريب عن حكجية الاصطخري.

(5/532)


فصل قال الاصحاب: إذا اختلف الزوجان في الوطئ، فالقول قول نافيه عملا بأصل العدم إلا في ثلاثة مواضع. إحداها: إذا ادعت عنته فقال: أصبتها، فالقول قوله بيمينه، سواء كان ذلك قبل المدة أم بعدها، وسواء كان خصيا أو مقطوع بعض الذكر، إذا كان الباقي بحيث يمكن الجماع به، أو، ادعت عجزه. وقيل: في الخصي والمقطوع، فالقول قولها بيمينها، لان ذلك يقوي جانبها، والصحيح الاول. ولو اختلفا في القدر الباقي، هل يمكن الجماع به ؟ قال الاكثرون: فالقول قولها. وقال صاحب الشامل: ينبغي أن يرى أهل الخبرة ليعرفوا قدره، ويخبروا عن الحال، كما لو ادعت أنه مجبوب فأنكر، قال المتولي: وهذا هو الاصح. ولو ادعت عجزه بعد مضي السنة، وادعى أنها امتنعت، فإن كان لاحدهما بينة، حكم بها، وإلا، فالقول قوله، لان الاصل

(5/533)


دوام النكاح. فإذا حلف، ضرب القاضي المدة ثانيا وأسكنهما في جوار قوم ثقات يتفقدون حالهما. فإذا مضت المدة، اعتمد القاضي قول الثقات وجرى عليه، كذا ذكره المتولي. الثاني: إذا طالبته في الايلاء بالفيأة والطلاق فقال: وطئتها، فالقول قوله استدامة للنكاح. ولو قالت في هذين الموضعين: أنا بكر، فوجهان. أحدهما وهو ظاهر النص: إن شهد أربع نسوة ببكارتها، حكم بعدم الاصابة من غير تحليفها، فلو قال بعد شهادتهن: أصبتها ولم أبالغ، فعادت البكارة وطلب يمينها، سمعت دعواه وحلفت. وإن لم يدع شيئا، لم تحلف. والثاني وبه قال أبو علي في الافصاح وابن القطان وابن كج، والامام والغزالي وغيرهم: تحلف الزوجة مع البينة على قيام البكارة، لان البكارة وإن كانت موجودة، فاحتمال الزوال والعود قائم، وإن لم يدع الزوج، فلا بد من الاحتياط. ثم إذا حلفت بعد دعواه أو دونها (حلفت) على أنه لم يصبها، أو على أن بكارتها هي البكارة الاصلية، ولها حق الفسخ بعد يمينها. وإن نكلت، حلف الزوج وبطل الخيار. وإن نكل الزوج أيضا، فوجهان. أصحهما: لها الفسخ ويكون نكوله كحلفها، لان الظاهر أن بكارتها هي الاصلية. والثاني: المنع، لان ما قاله محتمل، والاصل دوام النكاح. الموضع الثالث: قالت، طلقني بعد الدخول فلي كل المهر، فقال: بل قبله فلك النصف، فالقول قوله للاصل، وعليها العدة مؤاخذة بقولها، ولا نفقة ولا سكنى، وللزوج نكاح بنتها وأختها وأربعا سواها في الحال. فلو أتت بولد لزمن محتمل، ثبت النسب وتقوى به جانبها، فيرجع إلى تصديقها، وتطالب الزوج بالنصف الثاني، ولا بد من يمينها على ما ذكره الامام والعبادي، لان ثبوت النسب لا يورث يقين الوطئ، ويمكن أن يجئ فيه الخلاف المذكور فيما إذا ظهرت البكارة، وهذه الصورة هي محل الاستثناء من تصديق النافي. فإن لاعن الزوج ونفى الولد، فقد زال المرجح فتعود إلى تصديقه، ويستمر الامر على ما سبق.

(5/534)


وحيث قلنا: القول قول نافي الاصابة، فذلك إذا لم يوافق على جريان خلوه، فإن وافق، فقولان. أظهرهما: أن الحكم كذلك، والثاني: تصديق المثبت. فعلى هذا: تضم هذه الصورة إلى مواضع الاستثناء من تصديق النافي وتصير أربعة، وبالله التوفيق. قلت: عجب قول الامام الرافعي رحمه الله: فيما إذا أتت بولد لزمن محتمل أنها المصدقة ويمكن أن يجئ فيه الخلاف، والمسألة مشهورة، ففي المهذب والتنبيه وغيرهما من الكتب المشهورة، في المسألة قولان، في أن القول قولها، أم قوله، لان النسب يثبت بالامكان، ولانه قد يولج بعض الحشفة أو يباشر فيما قارب الفرج فيدخل المني فيلحق النسب ولا وطئ. والله أعلم.
الباب التاسع : فيما يملك الزوج من الاستمتاع وفيه مسائل. إحداها: له جميع أنواع الاستمتاع، إلا النظر إلى الفرج، ففيه خلاف سبق في حكم النظر، وإلا الاتيان في الدبر، فإنه حرام، ويجوز التلذذ بما بين الاليتين، والايلاج في القبل من جهة الدبر. فرع الاتيان في الدبر كالاتيان في القبل في أكثر الاحكام، كإفساد العبادة ووجوب الغسل من الجانبين ووجوب الكفارة في الصوم والحج وغيرها، لكن لا يحصل به الاحصان ولا التحليل، ولا الفيأة في الايلاء، ولا يزول حكم التعنين، وفي هذين الاخيرين وجه ضعيف. ويثبت به النسب على الاصح، وإنما يظهر الوجهان فيما إذا أتى السيد أمته في دبرها، أو كان ذلك في نكا فاسد. فأما في النكاح الصحيح، فإمكان الوطئ كاف في ثبوت النسب، ويجب به مهر المثل في النكاح الفاسد قطعا، ويستقر به المسمى في النكاح الصحيح على المذهب. فإن قلنا: لا يستقر، فقال الحناطي: لها مهر المثل، فإن

(5/535)


وطئها بعده، فلها المسمى وترد مهر المثل على الاصح. وفي وجه: لها المسمى ومهر المثل. وإن لم يطأها وطلقها، فقد وجب لها مهر المثل، وللزوج عندها المسمى. فإن كانا مجنس، جرت أقوال التقاص، وهذا كلام مظلم لا يهتدى إليه. قلت: الذي يقتضيه كلام الاصحاب، إنا إذا قلنا: لا يستقر المسمى، لا يجب أيضا مهر المثل، وهذا الذي ذكره الحناطي مظلم كما قال الرافعي، وعجب قوله: وإذا طلقها قبل الدخول، له عليها المسمى، وقد علم أن الطلاق قبل الدخول يشطر المسمى. والله أعلم. وتثبت به المصاهرة على الاصح، والعدة على الصحيح، ولا يشترط نطق المصابة في دبرها إذا استؤذنت في النكاح على الاصح. وإذا وطئ أمته أو زوجته في دبرها، فلا حد على الصحيح. قلت: قال أصحابنا: (حكم) الوطئ في الدبر كالقبل إلا في سبعة أحكام: التحليل، والتحصين، والخروج من الفيأة، والتعنين، وتغير إذن البكر

(5/536)


والسادس، أن الدبر لا يحل بحال، والقبل يحل في الزوجة والمملوكة. والسابع: إذا جومعت الكبيرة في دبرها، فاغتسلت ثم خرج مني الرجل من دبرها، لم يجب غسل ثان، بخلاف القبل، فقد يجئ في بعض المسائل وجه ضعيف، ولكن المعتمد ما ذكرناه. والله أعلم. المسألة الثانية: العزل: هو أن يجامع، فإذا قارب الانزال، نزع فأنزل خارج الفرج، والاولى تركه على الاطلاق. وأطلق صاحب المهذب، كراهته، ولا يحرم في السرية بلا خلاف، صيانة للملك، ولا يحرم في الزوجة على المذهب، سواء الحرة والامة بالاذن وغيره. (وقيل: يحرم، وقيل: يحرم بغير إذن) وقيل: يحرم في الحرة. وأما المستولدة، ففيها خلاف مرتب على المنكوحة الحرة، وأولى بالجواز لانها غير راسخة في الفراش ولهذا لا يقسم لها. قال الامام: وحيث حرمنا، فذلك إذا نزع بقصد أن يقع الانزال خارجا تحرزا عن الولد، فأما إذا عن له أن ينزع لا على هذا القصد، فيجب القطع بأن لا يحرم. الثالثة: الاستنماء باليد حرام، ونقل ابن كج أنه توقف فيه في القديم. والمذهب الجزم بتحريمه، ويجوز أن يستمني بيد زوجته وجاريته، كما يستمتع بسائر بدنها، ذكره المتولي، ونقله الروياني. الرابعة: القول في تحريم الوطئ في الحيض والنفاس وتحريم سائر الاستمتاعات، كما سبق في باب الحيض. ونقل ابن كج عن أبي عبيد بن حربويه، أنه يجتنب الحائض في جميع بدنها. قلت: هذا الوجه غلط فاحش، يخالف الاحاديث الصحيحة المشهورة كقوله - صلى الله عليه وسلم -: إصنعوا كل شئ سوى النكاح وأنه - صلى الله عليه وسلم -: كان يباشر الحائض فوق الازار

(5/537)


فقد خالف قائله إجماع المسلمين. والله أعلم. الخامسة: لا بأس أن يطوف على إمائه بغسل واحد، لكن يستحب أن يخلل بين كوطئين وضوء أو غسل الفرج، كما ذكرنا في كتاب الطهارة، ولا يتصور ذلك في الزوجات إلا بإذنهن. وأما حديث الصحيحين أن النبي - صلى الله عليه وسلم - طاف على نسائه بغسل واحد، فمحمول على إذنهن إن قلنا: كان القسم واجبا عليه - صلى الله عليه وسلم -، وإلا فهن كالاماء. السادسة: يكره أن يطأ وهناك أمته أو زوجته الاخرى، وأن يتحدث بما جرى بينه وبين زوجته أو أمته. قلت: ويسن ملاعبته الزوجة إيناسا وتلطفا ما لم يترتب عليه مفسده، للحديث الصحيح هلا تزوجت بكرا تلاعبها وتلاعبك. ويستحب ألا يعطلها، وأن لا يطيل عهدها بالجماع من غير عذر، وأن لا يترك ذلك عند قدومه من سفره،

(5/538)


لقوله - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الصحيح فإذا قدمت فالكيس الكيس، أي: ابتغ الولد. والسنة أن يقول عند الجماع: باسم الله، اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا، للحديث الصحيح فيه، ولا يكره الجماع مستقبل القبلة ولا مستدبرها، لا في البنيان ولا في الصحراء، ويحرم على الزوجة والامة تحريما غليظا أن تمتنع إذا طلبها للاستمتاع الجائز، ولا يحرم وطئ المرضع والحامل، ويكره أن تصف المرأة إمرأة أخرى لزوجها من غير حاجة للحديث الصحيح، في النهي عن ذلك.
الباب العاشر : في وطئ الاب جارية ابنه ونكاحه إياها ووجوب إعفافه فيه ثلاثة أطراف.
الطرف الأول : في وطئها، فيحرم على الاب وطئ جارية ابنه مع علم بالحال، فإن وطئها، نظر، أهي موطوءة الابن أم لا ؟ الحالة الاولى: أن لا تكون وفيه مسائل. المسألة الاولى: لا حد على الاب لشبهة الاعفاف. وعن الاصطخري تخريج قول في وجوب الحد، والمذهب الاول. وعلى هذا، فيعزر على الاصح، لحق الله تعالى. وقيل: لا يعزر. فعلى تخريج الاصطخري: هو كالزنا بأمة أجنبي. فإن أكرهها، وجب مهر المثل، وإن طاوعته، فوجهان. وعلى المذهب: هو كوطئ الشبهة، فعليه المهر للابن. فإن كان موسرا، أخذ منه. وإن كان معسرا ففي ذمته

(5/539)


إلى أن يوسر. وقيل: إن كان معسرا، لم يثبت في ذمته. والصحيح الاول. المسألة الثانية: كما يسقط الحد ويجب المهر، تثبت المصاهرة فتحرم الجارية على الابن أبدا، وستمر ملكه عليها إذا لم يوجد على الاب إحبال، ولا شئ على الابن بتحريمها، لان مجرد الحل في ملك اليمين غير متقوم، وإنما المقصود الاعظم فيه المالية وهي باقية، وله تزويجها وتحصيل مهرها، بخلاف ما لو وطئ زوجة إبنه أو أبيه بالشبهة، فإنه يغرم المهر له، لانه فوت الملك والحل جميعا، ولان الحل هناك هو المقصود. (المسألة) الثالثة: إذا أحبلها بوطئه، فالولد نسيب حر، كما لو وطئ جارية أجنبي بشبهة. وهل تصير الجارية أم ولد للاب ؟ فيه أقوال. أظهرها: نعم. والثالث: إن كان الاب موسرا، فنعم، وإلا، فلا. وضعف الاصحاب هذا. فإن قلنا به، قال الامام: يجب أن تخرج الاقوال الثلاثة في تعجيل الاستيلاد، وتأخيره إلى أداء القيمة أو التوقف، كما في سراية العتق في نصيب الشريك. وإذا قلنا: لا يثبت اإستيلاد، فعلى الاب قيمة الولد باعتبار يوم الانفصال إن انفصل حيا، لان الرق اندفع بسببه. وإن انفصل ميتا، فلا شئ عليه، ولا يجوز للابن بيع الامة ما لم تضع، لانها حامل بحر، وهل على الاب قيمتها في الحال للحيلولة ثم تسترد عند الوضع ؟ وجهان. أصحهما: المنع، لان يده مستمرة عليها ومنتفع بالاستخدام وغيره، بخلاف الآبق من يد الغاصب. وهكذا الحكم في الجارية المغرور بحريتها، والموطوءة بشبهة إذا أحبلتا، وإذا ملك الاب هذه الجارية يوما، هل تصير أم ولد ؟ فيه قولان معروفان. أما إذا قلنا بالاظهر: إنها تصير أم ولد، فيجب على الاب قيمتها مع المهر. فإن اختلفا في القيمة، فالقول قول الاب على المذهب، لانه غارم، وقيل: قولان. ومتى ينتقل الملك في الجارية إلى الاب ؟ فيه أربعة أوجه. أحدها: قبيل العلوق ليسقط ماؤه في ملكه صيانة له، وبهذا قطع البغوي. والثاني: مع العلوق،

(5/540)


واختاره الامام. والثالث: عند الولادة. والرابع: عند أداء القيمة بعد الولادة. وفي وجوب قيمة الولد على الاب وجهان. أصحهما: المنع. قال الامام: لو فرض الانزال مع تغييب الحشفة، فقد اقترن موجب المهر بالعلوق، فينبغي أن ينزل المهر منزلة قيمة الولد. والذي أطلقه الاصحاب من لزوم المهر، محمول على ما إذا تأخر الانزال عن موجب المهر على ما هو الغالب. قال البغوي: لا ولاء على الولد إن أثبتنا الاستيلاد، وكذا إن لم يثبت على الاصح. المسألة الرابعة: إستولد الاب جارية مشتركة بين ابنه وأجنبي، فثبوت الاستيلاد في نصيب الابن على الاقوال السابقة، فإن أثبتناه وكان موسرا، سرى إلى نصب الشريك، فالولد حر، وعلى الاب كمال المهر، وكمال القيمة للابن والاجنبي. وإن كان معسرا، لم يثبت الاستيلاد في نصيب الشريك، ويكون نصف الولد حرا ونصفه رقيقا على الاظهر. وحكى أبو سعد الهروي وجها أن الاستيلاد لا يثبت في نصيب الشريك بحال، ولا يجعل حق الملك وشبهته كحقيقة الملك، ولو كان نصف الجارية للابن ونصفها حرا، اقتصر الاستيلاد على نصيب الابن لا محالة. (المسألة) الخامسة: لو كان الاب المستولد رقيقا، فلا حد عليه، ولا تصير أم ولد، لانه لا يملك، والولد نسيب. وفي حريته وجهان. أفتى القفال بالحرية كولد المغرور، وقيمته في ذمته إلى أن يعتق، والمهر يتعلق برقبته إن كانت مكرهة، وإن طاوعته، فهل يتعلق برقبته أم بذمته ؟ قولان كما لو وطئ العبد أجنبية بشبهة. ولو

(5/541)


كان الاب المحبل مكاتبا، ففي ثبوت الاستيلاد وجهان، بناء على القولين في ثبوته إذ أولد جارية نفسه. ولو كان نصفه حرا ونصفه رقيقا، لم يثبت الاستيلاد، ويكون نصف الولد حرا، وفي نصفه الآخر وجهان. قال البغوي: إن قلنا: إنه حر أيضا، فعليه كمال قيمة الولد، نصفها في كسبه، ونصفها في ذمته. وإن قلنا: نصفه الآخر رقيق، فعليه قيمة نصفه في كسبه. فرع لا فرق في الاحكام المذكورة، بين الاب المسلم والذمي، وتجري الاقوال في ثبوت إستيلاد (الذمي وإن كان الكافر لا يشتري المسلم، لانه ملك قهري كالارث. فرع وطئ الاب جارية البنت والحفدة كجارية) الابن بلا فرق. (الحالة) الثانية: أن تكون الجارية موطوءة الابن، ووطئها الاب عالما بالحال، فلا حد عليه على الاصح أو الاظهر. والخلاف مبني على القولين في وجوب الحد على من وطئ جاريته المحرمة عليه برضاع أو نسب أو مصاهرة. الجديد الاظهر: لا حد. قال الروياني في التجربة: الخلاف فيما إذا لم يكن الابن استولدها، فإن كان، وجب الحد قطعا، كذا قاله الاصحاب، لانه لا يتصور أن يملكها بحال، بخلاف ما إذا كانت موطوءة غير مستولدة، فإن أوجبنا الحد على الاب، لم تحرم الجارية على الابن، ويجب

(5/542)


المهر إن كانت مكرهة. وإن كانت طائعة، لم تجب على الاصح. وإن أولدها، لم تصر أم ولد له، ويكون الولد رقيقا غير نسيب. وعلى هذا القياس إذا وطئ الرجل جاريته المحرمة عليه برضاع وغير وأولدها، لا تصير أم ولد إن أوجبنا الحد. وقيل: يثبت النسب والاستيلاد هنا وفي جارية الابن وإن أوجبنا الحد فيهما، والصحيح الاول. ولو أولد أحد الشريكين الجارية المشتركة، ثبت النسب والاستيلاد، وإن قلنا بالقديم: إنه يجب الحد، لانه وطئ صادف ملكه حقيقة، وإنما أوجبنا الحد صيانة لملك الشريك. أما إذا قلنا: لا حد على الاب، فهو كما لو كان جاهلا يلزمه المهر، وتصير الجارية محرم عليهما أبدا. فإن أولدها، فإن كانت مستولدة الابن، لم تصر مستولدة له، لان أم الولد لا تقبل النقل، وإلا ففي مصيرها مستولدة للاب الاقوال الثلاثة السابقة في الحالة الاولى. فرع لو وطئ مكاتبه ابنه وأولدها ففي مصيرها مستولدة للاب وجهان. أحدهما: لا، لان المكاتبة لا تقبل النقل. والثاني: نعم، لانها تقبل الفسخ، بخلاف الاستيلاد وهذا أصح عند البغوي، وبالاول قطع القاضي أبو سعد الهروي. قال: وليس كما لو أولد مكاتبته، فإنه ينفذ الاستيلاد، لانه لا نقل، ولا يحتاج إلى فسخ الكتابة، بل يجتمع الاستيلاد والكتابة، ولا منافاة. فرع كانت جارية الابن منكوحة رجل، فأولدها الاب، ففي ثبوت الاستيلاد الاقوال الثلاثة، ويستمر النكاح وإن أثبتنا الاستيلاد، كما لو استولدها سيدها، ولا يجوز للزوج وطؤها في مدة الحمل

(5/543)


. فصل لو وطئ الابن جارية الاب، فهو كوطئ الاجنبي. فإن كان بشبهة، نظر، إن ظنها أمته أو زوجته الحرة، فالولد حر وعليه قيمته للاب. وإن ظنها زوجته الرقيقة انعقد الولد رقيقا ثم عتق على الجد، ولا يجب على الابن قيمته. وإن وطئها عالما بالتحريم، فهو زنا يتعلق به الحد، لان الابن لا يستحق الاعفاف على الاب، فلا شبهة له، بخلاف العكس، ويلزم الابن المهر إن كانت مكرهة، وإلا، فلا على الاصح. ولو أتت بولد، فهو رقيق للاب، ولا يعتق عليه، إذ لا نسب.
الطرف الثاني : في نكاحه جارية الابن، للشافعي رضي الله عنه في جوازه نصان. قيل: هما قولان بناء على وجوب الاعفاف، إن لم نوجبه، جاز، وإلا، فلا. وقطع الجمهور بأنه لا يجوقطعا. قالوا: ونقل الجواز غلط، إنما قال الشافعي: يجوز ان يتزوج جارية أبيه، فصحف المزني، ومنهم من تأوله، على ما إذا كان الابن معسرا لا يجد مؤونة الاعفاف وكانت له جارية يحتاج إلى خدمتها، فيجوز أن يتزوجها الاب، أو كان الاب مع إعساره صحيح البدن، فإنا لا نوجب نفقته وإعفافه على قول، فيجوز أن يتزوجها. والصحيح في هاتين الصورتين، أنه يبنى جواز نكاحه جارية الابن، على أنه لو أولد جارية ابنه، هل تصير مستولدة له ؟ إن قلنا: لا، جاز، وإلا، فلا. وكذا الحكم إذا قلنا: لا يجب الاعفاف، هذا كله إذا كان الاب حرا. فلو كان رقيقا، فله نكاح جارية ابنه، لانه لا تجب نفقته، ولا إعفافه. وإذا استولد الرقيق جارية ابنه، لم تصر أم ولد له كما سبق. ولو نكح الاب جارية أجنبي، فملكها الابن، وكان الاب بحيث لا يجوز له نكاح الامة، لم ينفسخ نكاحه على الاصح. ويجري الوجهان فيما لو نكح جارية ابنه ثم عتق، هل ينفسخ ؟ إن قلنا: لا ينفسخ، أو جوزنا نكاح جارية ابنه ابتداء فأولدها، فقال الشيخ أبو حامد والعراقيون، والشيخ أبو علي والبغوي وغيرهم: لا تصير أم ولد له، لانه رضي برق ولده (حين) نكحها، ولان النكاح حاصل محقق، فيكون واطئا بالنكاح لا بشبهة الملك، بخلاف ما إذا لم يكن نكاح. وقال الشيخ أبو محمد، ومال إليه الامام: يثبت الاستيلاد وينفسخ النكاح.

(5/544)


فرع لا يجوز للسيد نكاح جارية مكاتبه لشبهته (فيها). ولو أولد أمة مكاتبه، صارت أم ولد للسيد. ولو نكح أمة فملكها مكاتبة، انفسخ نكاحه على الاصح، لان تعلق السيد بملك المكاتب أشد من تعلق الاب. قلت: ويجوز نكاح جارية ابنه من الرضاع، ونكاح جارية أبيه وأمه قطعا، لعدم وجوب الاعفاف. والله أعلم.
الطرف الثالث : في إعفاف الأب. المشهور أنه يلزم الولد إعفاف الاب. وخرج ابن خيران قولا أنه لا يجب، كما لا يجب إعفاف الابن، ولا الاعفاف في بيت المال، ولا على المسلمين. التفريع على المشهور. فسبيل الاعفاف سبيل النفقة، فيجب للمعسر الزمن، وفي المعسر الصحيح قولان كالنفقة. وقيل: حيث تجب النفقة، فالاعفاف أولى، وإلا فقولان، لان النفقة إذا لم تجب على الولد، وجبت في بيت المال. وقيل: حيث لا نفقة، فلا إعفاف، وإلا، فقولان لان النفقة أهم، ولهذا يجوز للمضطر أكل طعام غيره، بخلاف الجماع. فرع حيث وجب الاعفاف، يستوي في لزومه الابن والبنت، ويثبت للاب والاجداد من جهتي الاب والام وإن علوا، ويثبت للكافر على الاصح. ولو اجتمع أصلان محتاجان، فإن وفى مال الولد بإعفافهما، وجب. فإن لم يف إلا بأحدهما، نظر، إن اختلفا في الدرجة، قدم الاقرب إن استويا في العصوبة أو عدمها. فإن كان للابعد عصوبة دون الاقرب، كأبي أبي أب، مع أبي أم، فالاول أولى على الاصح. وقيل: هما سواء. وإن لم يكن لواحد عصوبة، كأبي أم الاب، وأبي أبي الام، فسواء. وحيث استويا، يقرع بينهما على الصحيح. وقيل: يقدم القاضي باجتهاده. قلت: قال الامام: إن رأينا القرعة، لم يرفع الامر إلى القاضي، وإن قلنا: يجتهد القاضي، فأدى اجتهاده إلى شئ، فعل. فإن استويا في نظره، تعينت القرعة. والله أعلم. ولو اجتمع عدد ممن يجب عليهم الاعفاف، كالاولاد والاحفاد، فليكن حكمه

(5/545)


كما سيأتي في النفقات إن شاء الله تعالى. فرع لا يجب إعفاف قادر على إعفاف نفسه بماله، وكذا الكسوب الذي يستغني بكسبه عن غيره، كذا قاله الشيخ أبو علي، وينبغي أن يجئ فيه الخلاف المذكور في النفقة. ولو وجد قدر النفقة، ولم يجد مؤونة الاعفاف، فهل يجب الاعفاف لحاجته إليه، أم لا لعدم وجوب النفقة ؟ وجهان. أصحهما: الاول. ولو سقط وجوب النفقة أياما لعارض، قال الامام: لا ينبغي أن يكون هنا خلاف في وجوب الاعفاف. ولو قدر على سرية ولم يقدر على مهر حرة، فالمتجه أن لا يجب إعفافه، لانة لا يتعين في إعفافه تزويجه حرة كما سيأتي إن شاء الله تعالى. فرع شرط الاعفاف، الحاجة إلى النكاح، فإذا ظهرت الحاجة إلى قضاء الشهوة والرغبة في النكاح، صدق بغير يمين، لان تحليفه في هذا المقام لا يليق بحرمته، لكن لا يحل لطلب الاعفاف إلا إذا صدقت شهوته، بحيث يخاف العنت أو يضر به التعزب، أو يشق عليه الصبر.
فصل المراد بالاعفاف، أن يهيئ له مستمتعا، بأن يعطيه مهر حرة ينكحها، أو يقول: تزوج وأنا أعطي المهر، أو يباشر النكاح بإذن الاب ويعطي المهر، أو يملكه جارية تحل للاب، أو ثمن جارية. وسواء كانت الحرة المنكوحة مسلمة أو كتابية، وأومأ الروياني إلى وجه (أن) الكتابية لا تكفي وهو شاذ، وليس للاب (أن) يعين النكاح، ولا يرضى بالتسري، ولا إذا اتفقا على النكاح أن يعين رفيعة المهر لجمال أو شرف. ولو اتفقا على مهر مقدر، فتعيين المرأة إلى الاب، ولا يجوز أن يملكه أو يزوجه شوهاء، أو عجوزا، ثم على الولد أن ينفق علزوجة الاب أو أمته ويقوم بمؤوناتها. ولو أيسر الاب بعدما ملكه الولد جارية أو ثمنها، لم يكن له الرجوع، كما لو أعطاه نفقة فلم يأكلها حتى أيسر. ولو كان تحته صغيرة أو عجوز، أو رتقاء ولم تندفع حاجته، فالقياس وجوب الاعفاف، وأنه لا يجتمع عليه نفقتان. ولو ماتت

(5/546)


الامة التي ملكه إياها، أو الحرة التي تزوجها، أو فسخت النكاح بعيبه، أو فسخ بعيبها، أو انفسخ بردة أو رضاع، بأن أرضعت التي نكحها صغيرة كانت زوجة له، وجب على الولد تجديد الاعفاف كما لو دفع إليه نفقة فسرقت منه. وقيل: لا يجب، والصحيح الاول. قلت: قال الامام: ولو فرض الاعفاف مرارا، أو بموت الزوجات، تجدد الامر بوجوب الاعفاف ما دامت الحاجة، ولا ينتهي ذلك، وإن كثر تكرار الاعفاف. الله أعلم. فلو طلقها أو خالعها، أو أعتق الامة، فإن كان لعذر من شقاق أو نشوز أو غيرهما، وجب التجديد على الاصح، وإلا فلا. وفي التتمة وجه، أنه إذا طلق، لزمه أن يزوجه مرة أخرى، أو يسريه. فإن طلق ثانيا، لم يزوجه بعد ذلك بل يسريه، ويسأل الحاكم الحجر عليه لئلا ينفذ إعتاقه. وإذا وجب التجديد، فإن كانت بائنة، لزم التجديد في الحال، وإن كانت رجعية، لم يجب إلا بعد انقضاء العدة. فرع إذا قلنا: لا يجب الاعفاف، فللاب المحتاج أن ينكح أمة. وإن أوجبناه، فوجهان. أحدهما: يجوز لانه غير مستطيع حرة وخائف العنت. وأصحهما: المنع، لانه مستغن بمال ولده. فإن قلنا بالاول، حصل الاعفاف بأن يزوجه أمة.
الباب الحادي عشر : في أحكام نكاح الامة والعبد فيه طرفان.
الطرف الأول : في نكاح الأمة وفيه مسائل. إحداها: إذا زوج أمته، لم يلزمه تسليمها إلى الزوج ليلا ونهارا، لكن يستخدمها نهارا ويسلمها إلى الزوج ليلا.

(5/547)


ولو أراد السيد أن يسلمها نهارا بدلا عن الليل، لم يكن له. ولو قال السيد: لا أخرجها من داري، ولكن أخلي لك بيتا لتدخله وتخلو بها، فقولان أظهر ما: ليس له ذلك، فإن الحياء والمروءة تمنعانه دخول دار غيره. وعلى هذا، فلا نفقة على الزوج كما لو قالت الحرة: أدخل بيتي ولا أخرج إلى بيتك. والثاني، للسيد ذلك لتدوم يده على ملكه مع تمكن الزوج من حقه. فعلى هذا يلزمه النفقة. فإن قلنا بالاول، وكانت محترفة، فقال الزوج: دعوها تحترف للسيد في يدي وبيتي، فليس له ذلك على الاصح. المسألة الثانية: للسيد أن يسافر بها، لانه مالك رقبتها، ولا يمنع الزوج من المسافرة معها، ولا يكلف أن يسافر بها وينفق عليها. وإذا لم يسافر معها، لم يكن عليه نفقتها. وأما الهر، فإن دخل بها، فقد استقر وعليه تسليمه، وإلا فلا. فإن كان سلمه، فله أن يسترده. قلت: وليس للزوج المسافرة بها منفردا إلا بإذن السيد. والله أعلم. (المسألة) الثالثة: ولو سامح السيد فسلمها ليلا ونهارا، فعلى الزوج تسليم المهر

(5/548)


وتمام النفقة، وإن لم يسلمها إلا ليلا، فهل تجب جميع النفقة أم نصفها، أم لا يجب شئ ؟ فيه أوجه. أصحها عند جمهور العراقيين والبغوي: أنه لا يجب شئ، ويجري الوجهان الاخيران فيما إذا سلمت الحرة نفسها ليلا واشتغلت عن الزوج نهارا. قلت: الصحيح الجزم في الحرة بأنه لا يجب شئ في هذه الحال. والله أعلم. وأما المهر، فقال الشيخ أبو حامد: لا يجب تسليمه كالنفقة. وقال القاضي أبو الطيب: يجب. قال ابن الصباغ: لان التسليم الذي يتمكن معه (من) الوطئ قد حصل، وليس كالنفقة، فإنها لا تجب بتسليم واحد. قلت: الاصح الوجوب. والله أعلم. المسألة الرابعة: هلاك المنكوحة بعد الدخول، لا يسقط شيئا من المهر حرة كانت، أو أمة، سواء هلكت بموت أو قتل. فأما إذا هلكت قبل الدخول، فإن قتل السيد أمته المزوجة، فالنص في المختصر أن لا مهر. ونص في الام في الحرة إذا قتلت نفسها لا يسقط شئ من المهر. وللاصحاب طريقان. أحدهما: تقرير النصين. وأشهرهما: طرد قولين فيهما، ثم الحرة إذا ماتت أو قتلها الزوج، أو أجنبي، لم يسقط مهرها قطعا، وكذا لو قتلت نفسها على المذهب. وأما الامة، فإن قتلها سيدها، أو قتلت نفسها، سقط على المذهب وهو نصه. وإن ماتت أو

(5/549)


قتلها الزوج أو أجنبي، لم يسقط على الصحيح. قال البغوي: إذا قلنا: قتل السيد أمته يسقط المهر فلو تزوج رجل أمة أبيه ثم وطئها الاب قبل أن يدخل بها الابن، وجب أن يسقط المهر لان قطع النكاح حصل من مستحق المهر قبل الدخول. المسألة الخامسة: لو باع الامة المزوجة، لم ينفسخ النكاح ويكون المهر للبائع إن سمي في العقد مهر صحيح أو فاسد، سواء دخل بها قبل البيع أو بعده، لانه وجب بالعقد وكان العقد في ملكه. ولطلقها الزوج بعد البيع قبل الدخول، كان نصف المهر للبائع، وإن كان زوجها مفوضة ثم جرى فرض أو دخول قبل البيع، فالمفروض أو مهر المثل للبائع أيضا. وإن جرى الفرض أو الدخول بعد البيع، فهل المفروض أو مهر المثل للبائع أم للمشتري ؟ فيه طريقان. أصحهما: على وجهين بناء، على أن الوجوب بالفرض والدخول، أم نتبين بهما الوجوب بالعقد ؟ وفيه قولان. أظهرهما الاول. وإن قلنا بالاول، فهو للمشتري، أو بالثاني، فللبائع. والطريق الثاني: أنه للبائع قطعا، لان العقد هو السبب وجرى في ملكه. ولو مات أحد الزوجين بعد البيع وقبل الفرض والدخول، وأوجبنا المهر، ففيمن يستحقه هذا الخلاف. ولو طلقها بعد البيع وقبل الفرض والدخول، فالمتعة للمشتري لانها تجب بالطلاق وهو في ملكه. ولو أعتق أمته المزوجة، فالمهر على هذا التفصيل، فحيث جعلناه للبائع، فهو هنا للمعتق، وحيث جعلناه للمشتري، فهو للمعتقة، وحيث قلنا: هو للبائع، أو المعتق، ولم يجر دخول، فليس له حبسها لدفع الصداق، لانها خرجت عن ملكه وتصرفه، وليس للمشتري ولا للعتيقة الحبس أيضا لانهما لا يملكان المهر.

(5/550)


وحيث قلنا: المهر للمشتري، أو المعتقة فلهما الحبس لاستيفائه. ولو أعتقها وأوص لها بصداقها، فليس لها حبس نفسها لاستيفائه، لان استحقاقها بالوصية لا بالنكاح. ولو تزوج أمة ولده، ثم مات وعتقت وصار الصداق للوارث، فليس له حبسها، إذ لا ملك له فيها. فرع هذا الذي ذكرناه كله في النكاح الصحيح، أما إذا زوجها تزويجا فاسدا، ثم باعها ووطئها الزوج بعد البيع، فمهر المثل للمشتري، لانه وجب بالوطئ في ملكن، وإن وطئ قبل البيع فللبائع. السادسة: قد سبق أنه يجوزأن يزوج أمته بعبده، ولا مهر، لان السيد لا يثبت له دين على عبده، ولهذا لو أتلف ماله لم يقتض ضمانا في الحال ولا بعد العتق. قال الشيخ أبو علي: وهل نقو: وجب المهر لحرمة النكاح ثم سقط، أم لم يجب أصلا ؟ فيه وجهان. ولو أعتقها أو أحدهما، فلا مهر لا للسيد ولا للمعتقة وإن جرى الدخول بعد العتق، وكذا لو باعها ودخل الزوج بها في ملك المشتري، فلا مهر، لانه ملك بضعها أولا بلا مهر، وفيه احتمال للشيخ أبي علي على قولنا: لا يجب بالعقد أصلا.

(5/551)


قال: ولا يجئ الاحتمال على قولنا: يج ب ثم يسقط، لانه كالمقبوض. فصل إذا قال لامته: أعتقتك على أن تنكحيني، أو على أن أنكحك، لم تعتق إلا بالقبول (على الاتصال). وسواء قال مع ذلك: وعتقك صداقك أو لم يقل. ولو قالت ابتداء أعتقني على أن أنكحك، فأجابها إليه، فكذلك، ثم لا يلزمها الوفاء، لان النكاح لا يصح التزامه في الذمة. وفي شرح مختصر الجويني وجه، عن أبي إسحق، أنه يلزمها الوفاء، وهو شاذ لاإلتفات إليه، والصواب الاول، ويلزمها قيمتها للسيد، لانه أعتقها على عوض لم يسلم، فصار كإعتاقها على خمر، وسواء في لزوم القيمة وفت بالنكاح المشروط أو لم تف. ولو رغبت في النكاح، فللسيد أن يمتنع ولا تسقط القيمة بذلك. ولو تراضيا على النكاح وأصدقها غير القيمة، فلها ما أصدقها وله عليها القيمة، وقد يقع التقاص. وإن أصدقها القيمة، فإن علماها عند العقد، صح الاصداق، وبرئت ذمتها. وإن جهلاها جميعا أو أحدهما، فوجهان. أصحهما: فساد الصداق كسائر المجهولات. فعلى هذا، لها مهر المثل وعليها القيمة. والثاني وبه قال ابن خيران: يصح، لان القيمة لم تثبت مقصودة، وكما لو أصدقها عبدا جهلا قيمته. ولو أتلفت إمرأة على رجل عبدا، فتزوجها بقيمته المجهولة، فسد الصداق قطعا، ورجعت إلى مهر المثل. قال الامام: ولو طرد الوجهان هنا لكان قياسا، ولو نكحها المعتق على أن يكون عتقها صداقها، فسد الصداق لان العتق قد تقرر فلا يكون صداقا لنكاح متأخر. وفي الرقم للعبادي وجه، أنه يصح، وكأنه بالشرط جعل رقبتها صداقا، والصحيح الاول. والمستولدة، والمدبرة، والمكاتبة، والمعتق بعضها، حكمهن في الاعتاق على أن ينكحنه حكم القنة. وحكى ابن القطان وجها، أنه لا قيمة على المستولدة لانها لا تباع. ولو قال لغيره: أعتق عبدك عني على أن أنكحك بنتي، فأجاب، أو قالت إمرأة: أعتقه على أن أنكحك، ففعل، عتق العبد، ولم يلزم الوفاء بالنكاح. وفي وجوب قيمة العبد، وجهان بناء على

(5/552)


القولين فيما لو قال: أعتق عبدك عنك على ألف علي، هل يلزمه الالف أم لا ؟ أصحهما عند الشيخ أبي حامد والبغوي وغيرهما: أنه لا يلزمه، إذ لا يعود إليه نفع بعتقه. ولو قال لامتي: أعتقتك على أن تنكحي زيدا، فقبلت، ففي وجوب القيمة وجهان حكاهما الحناطي. فرع قالت لعبدها: أعتقك على أن تنكحني، ففي افتقار عتقه إلى قبوله وجهان. أحدهما: نعم. فإذا قبل، عتق ولزمه قيمته، ولا يلزمه الوفاء. وأصحهما: لا، بل يعتق بلا قبول ولا شئ عليه. فرع إذا لم يأمن السيد وفاءها بالنكاح ولم يرد العتق إن لم تنكحه، فهل لذلك طريق يثق به ؟ وجهان. أحدهما: نعم. قال ابن خيران: وطريقه أن يقول: إن كان في علم الله تعالى أن أنكحك أو تنكحيني بعد عتقك، فأنت حرة. فإن رغبت وجرى النكاح بينهما، عتقت وحصل غرض السيد، وإلا استمر الرق. ونسب الامام هذا الوجه إلى صاحب التقريب، وعبارته في هذا التعليق: إن يسر الله تعالى بيننا نكاحا فأنت حرة قبله بيوم، فإذا مضى يوم ونكحته، انعقد النكاح وتبين حصول العتق قبله بيوم، وذكر اليوم جرى تمثيلا، ويكفي أن يقول: فأنت حرة قبل.

(5/553)


والوجه الثاني وبه قال أكثر الاصحاب: لا يصح النكاح في هذه الصورة، ولا يحصل العتق لانه حال العتق شاك، هل هي حرة أو أمة كما إذا قال لامته: إن دخلت الدار فأنت حرة قبله بشهر، وأراد أن ينكحها في الحال، لا يصح.
الطرف الثاني : في نكاح العبد وفيه مسائل. إحداها: المهر والنفقة لازمان في نكاح العبد لزومهما في نكاح الحر. وبما يتعلقان ؟ نظر هل العبد محجور عليه أم مأذون له في التجارة ؟ فهما حالان. الاول: المحجور عليه، فينظر، أمكتسب هو أم لا ؟ إن كان مكتسبا تعلقا بكسبه، ويتعلقان بالكسب العام كالاصطياد والاحتطاب وما يحصله بصنعة وحرفة، وبالاكساب النادرة كالحاصلة بالوصية والهبة. وفي وجه: لا يتعلقان بالنادر. والصحيح الاول، وإنما يتعلقان بما كسب بعد النكاح. فإن كان المهر مؤجلا، لم يتعلقا إلا بما كسبه بعد حلول الاجل. وهل للعبد أن يؤجر نفسه للمهر والنفقة ؟ وجهان بناء على بيع المستأجر. إن جوزناه، جاز، وإلا، فلا لئلا يمنع البيع على السيد. قال المتولي: والوجهان في إجارة العين. فأما إذا التزم عملا في الذمة، فالمذهب جوازه، لانه دين في ذمته لا يمنع البيع. وطريق الصرف إلى المهر والنفقة، أن ينظر في الحاصل كل يوم فيؤدي منه النفقة إن وفى بها، فإن فضل شئ صرف إلى المهر، وهكذا كل يوم حتى يتم المهر، فإذا تم، صرف الفاضل عن النفقة إلى السيد، ولا يدخر للنفقة. وإن لم يكن مكتسبا، فهو في ذمة العبد، أم في رقبته، أم على السيد ؟ فيه ثلاثة أقوال. أظهرها الاول. وطرد القاضي أبو حامد القول الثاني في المكتسب.

(5/554)


الحال الثاني: أن يكون مأذونا له في التجارة، فالمهر والنفقة يتعلقان بربح ما في يده، لانه كسبه، ويتعلقان برأس المال على الاصح. وفي الربح الذي يتعلقان به وجهان. أحدهما: الحاصل بعد النكاح فقط، كما في كسب غير المأذون له. وأصحهما: يتعلق به وبالحاصل قبل النكاح أيضا، هذا كله في المهر الذي تناوله الاذن. أما لو قدر السيد مهرا، فزاد العبد، فالزيادة لا تتعلق إلا بالذمة. المسألة الثانية: يجب على السيد تخلية العبد بالليل للاستمتاع، وله أن يستخدمه نهارا إذا تكفل بالمهر والنفقة، وإلا فعليه أن يخليه ليكتسب. فإن استخدمه ولم يلتزم شيئا، لزمه الغرم لما استخدمه. وفيما يغرمه وجهان. أصحهما: أقل الامرين من أجرة المثل وكمال المهر والنفقة. والثاني: كمال المهر والنفقة. وعلى الوجهين في المراد بالنفقة وجهان. الصحيح: نفقة مدة الاستخدام. والثاني: نفقة مدة النكاح ما امتدت، لانه ربما كان يكسب ما يفي بجميع ذلك. ولو استخدمه أجنبي، لم يلزمه إلا أجرة المثل، لانه لم يوجد منه إلا الاتلاف، ولم يسبق منه ما سبق من السيد، وهو الاذن المقتضي لالتزام مؤن النكاح. (المسألة) الثالثة: للسيد أن يسافر بالعبد وإن تضمن منعه من الاستمتاع، لانه مالك الرقبة، كما يسافر بالامة المزوجة، ثم للعبد أن يسافر بزوجته معه. قال البغوي: ويكون الكراء في كسبه. فإن لم تخرج الزوجة معه، أو كانت رقيقة فمنعها سيدها، سقطت نفقتها. وإن لم يطالبها الزوج بالخروج، فالنفقة بحالها، والسيد يتكفل بها، فإن لم يفعل، ففيما يغرمه في مدة السفر الخلاف السابق. هذا هو المنقول في الطرق، ونص عليه في المختصر. ونقل الامام عن العراقيين، أنه (ليس) للسيد استخدامه، ولا أن يسافر به ما بقيت عليه مؤنة من مؤن

(5/555)


النكاح، وجعل المسألة ذات خلاف للاصحاب، ولا يكاد يتحقق فيها خلاف. فرع أكثر ما ذكرناه في هذه المسائل متفرع على القول الجديد، وهو أنه إذا أجرى النكاح بإذن السيد، لا يصير ضامنا بالاذن للمهر والنفقة، لانه لم يلتزمه تصريحا و (لا) تعريضا. وقال في القديم: يصير ضامنا بالاذن ملتزما المهر والنفقة. واتفق الاصحاب على أن الجديد هو الاظهر. فعلى الجديد: لو أذن بشرط الضمان لم يصر ضامنا أيضا، لانه لا وجوب عند الاذن. وإذا قلنا بالقديم، فهل يجب على السيد ابتداء، أم يلاقي العبد ثم يحمل عنه السيد ؟ وجهان حكاهما أبو الفرج الزاز. فعلى الاول: لا تتوجه المطالبة إلا على السيد. ولو أبرأت العبد، فهو لغو. وعلى الثاني: تتوجه المطالبة عليهما، ويصح إبراء العبد، ويبرأ به السيد. وصحح أبو الفرج الوجه الثاني، وقطع البغوي بالاول، وكلام الامام يقرب منه. فرع في فتاوى القاضي حسين، أنه لو زوج أمته عبده، فنفقة الامة على السيد كنفقة العبد. فلو أعتقها السيد وأولادها، سقطت نفقتهم عنه، وتعلقت نفقتها بكسب العبد، وعليها نفقة الاولاد إن كانت موسرة، وإلا ففي بيت المال. ولو أعتق العبد دونها، سقطت نفقتهما عنه، وكانت نفقة الامة على العتيق كحر تزوأمة غيره. المسألة الرابعة: هذا الذي سبق حكم المهر في النكاح الصحيح. وأما المهر في النكاح الفاسد، فله صورتان. إحداهما: إذا فسد نكاح العبد لجريانه بغير إذن سيده، فرق بينه وبين المرأة، فإن دخل بها قبل التفريق، فلا حد للشبهة، ويجب مهر المثل. وهل يتعلق بذمته لكونه وجب برضى مستحقه، أم برقبته لانه إتلاف ؟ فيه قولان. أظهرهما: الاول، ومنهم من قطع به. وإن جرى النكاح بغير إذن مستحق المهر، بأن نكح أمة بغير إذن سيدها ووطئها، فطريقان. أحدهما: القطع بتعلقه بالرقبة، وبه قال ابن الحداد، كما لو أكره أمة أو حرة على الزنا. والثاني: طرد القولين، لان المهر وإن

(5/556)


كان لغيرها فيمكنها إسقاطه في الجملة بإرضاع أو ردة. الثانية: أذن سيده في النكاح، فنكح نكاحا فاسدا ودخل بها قبل التفريق فهل يتعلق المهر بذمته، أم برقبته، أم بكسبه ؟ أقوال. أظهرها الاول. ولو نكح بالاذن صحيحا، لكن فسد المهر، قال الصيدلاني: تعلق مهر المثل بالكسب قطعا. ولو صرح بالاذن في نكاح فاسد ووجب مهر المثل، فقياس هذه الصور تعلقه بالكسب. فرع في فتاوى القاضي حسين أنه لو اختلف السيد والعبد في الاذن في النكاح، فقال السيد: ما أذنت، فالوجه أن تدعي المرأة على السيد أن كسب هذا العبد مستحق لي لمهري ونفقتي ليسمع القاضي البينة.
فصل سبق في باب موانع النكاح أنه متى ملك أحد الزوجين جزءا من الآخر، انفسخ النكاح. فلو كان لرجل عبد في نكاحه أمة، فأعطاه مالا وقال: اشترها لي، ففعل، صح واستمر النكاح، كما يجوز أن يزوج عبده بأمته. ولو ملكه المال فقال: اشترها لنفسك، ففعل، فإن قلنا: يملك العبد بتمليك السيد، انفسخ النكاح، وإلا، فالملك للسيد، والنكاح مستمر. ولو اشترى من بعضه حر زوجته، نظر، إن اشتراها بالكسب المشترك بينهما وبإذن سيده، ملك جزءا منها وانفسخ النكاح. وإن لم يأذن السيد، لم يصح في نصيبه، وفي نصيب العبد قولا تفريق الصفقة. إن صح فيه، انفسخ النكاح. (وإن اشتراها بخالص ماله، انفسخ النكاح) وإن اشتراها بخالص ماسيده من كسبه بإذنه، لم ينفسخ، وهكذا الحكم لو اشترت من بعضها حر زوجها.

(5/557)


فرمتى ملكت زوجها بشراء أو هبة وغيرهما، نظر، إن كان قبل الدخول، فهل يسقط كل المهر، أم نصفه ؟ وجهان. وقيل: قولان. أصحهما: كله، ومنهم من قطع به. وإن كان بعد الدخول، لم يسقط شئ من المهر بالانفساخ. فإن كانت قبضته، لم ترد شيئا منه، وإلا فقد ملكت عبدا لها في ذمته دين، وفيه وجهان سبقا في كتاب الرهن وغيره. أحدهما: يسقط كما لا يثبت له على عبده دين ابتداء. وأصحهما: يبقى، لان الدوام أقوى من الابتداء. فإن قلنا: يسقط، برئت ذمة العبد من المهر، وللبائع الثمن عليها، وإن قلنا: يبقى، فلها مطالبة العبد إذا عتق، وللبائع الثمن عليها في الحال. فإن كان السيد البائع وضمن المهر، فلها عليه المهر بالضمان، وله عليها الثمن وقد يقع التقاص. أما إذا ملك زوجته بالشراء، فينظر، إن ملكها بعد المسيس، فعليه المهر للبائع مع الثمن. وإن ملكها قبله، فالمذهب وهو نصه: أنه يجب نصف المهر. وقيل: لا يجب شئ. ولو نكح جارية مورثه كأبيه، ثم ملك بالارث كلها أو بعضها، فإن كان بعد الدخول، لم يسقط المهر بالانفساخ لاستراره وهو تركه للميت. فإن احتيج إليه لقضاء دين وتنفيذ وصية، فعل، وإلا سقط إن كان الناكح حائزا، وإلا فلغيره من الورثة استيفاء نصيبه. وإن كان قبل الدخول، فوجهان. أحدهما قاله ابن الحداد: يسقط جميع المهر فيسترده، من التركة إن كان قبض. وأصحهما: لا يسقط إلا النصف. فعلى هذا: إن كان حائزا، سقط النصف الآخر لانه مستحقه، وإلا سقط نصيبه وللآخر نصيبه. ولو زوج رجل بنته بعبد بإذنها، ثم مات فورثت بعض زوجها، فإن كان بعد الدخول، فقسط ما ورثته من المهر دين لها على مملوكها، ولها المطالبة بالباقي من كسب ما ترث منه. وإن كان قبل الدخول، فعلى قول ابن الحداد: يسقط جميع المهر. وعلى الاصح: لا يسقط إلا النصف، وحكم النصف الباقي حكم الجميع بعد الدخول، وجميع ما ذكرناه إذا اشترت زوجها بغير الصداق. فلو اشترته بعين

(5/558)


الصداق، فيقدم عليه مقدمتين. إحداهما: إذا نكح العبد نكاحا صحيحا وقلنا: لا يصير السيد ضامنا للمهر بالعقد. فلو ضمن عنه، جاز، لانه ضمان دين لازم. ثم إن كان العبد كسوبا، فللزوجة مطالبة العبد والسيد جميعا، وإلا، فلا يطالب السيد، وكذا الحكم لو طلقها بعد الدخول والمهر (غير) مقبوض. وإن طلقها قبل الدخول، سقط نصف المهر عنها، ومطالبتها بالنصف الآخر على التفصيل المذكور. فإن كانت قبضت المهر، ردت نصفه على السيد إن بقي الزوج على الرق عند الطلاق. فإن كان أعتقه، فعلى الزوج. الثانية: صورة البيع بعين الصداق، أن يلتزم السيد الصداق، إما بأصل العقد على القديم، وإما بالضمان اللاحق على الجديد، ويصرح المتبايعان بالاضافة إليه، بأن يقول سيد العبد لزوجته الحرة: بعتك زوجك بصداقك الذي يلزمني وهو كذا، فتشتري. أما إذا صرحا بالمغايرة أو طلقا، فهو بيع بغير الصداق. مثاله: كان الصداق ألفا، فقال: بعتك بألف غير الصداق، أو بألفين، أو أطلق فقال: بعتك بألف. ولو اختلف جنس الصداق، فلا شك في المغايرة. ولو دفع عينا إلى عبده ليجعلها صداق من ينكحها، ففعل، ثم باعها العبد بتلك العين، فهو بيع بالعين. إذا عرفت المقدمتين، فالبيع بعين الصداق، إما أن يجري قبل الدخول، وإما بعده. الحالة الاولى: أن يجري قبله. فإن قلنا بالاصح: إنه يسقط كل المهر، لم يصح البيع، بل يستمر النكاح، لانه لو صح البيع لملكت زوجها وانفسخ النكاح وسقط المهر، وعري البيع عن العوض وبطل، فتصحيحه يؤدي إلى بطلانه، هذا ما نص عليه الشافعي والاصحاب رحمهم الله تعالى. وقال الشيخ أبو علي: يجب عندي أن يصح البيع ويبطل النكاح، لان البيع وارتفاع النكاح لا يقعان معا، بل يكون الفسخ بعد البيع وحصول الملك حتى لا يحكم بانفساخ النكاح ما داما في المجلس، إن قلنا: إن الخيار يمنع حصول الملك للمشتري. وإذا كان الانفساخ عقيب البيع والملك، كان في زوال ملكها عن الصداق مع حصول ملكها في الرقبة، فلا يبطل الثمن بالانفساخ، بل أثر الانفساخ الرجوع إلى بدل الصداق، وهذا الذي

(5/559)


قاله أبو علي، نقله المتولي وجها. وإن قلنا: إن تملكها الزوج قبل الدخول، يقتضي تنصيف المهر، بني على خلاف سنذكره في الحالة الثانية إن شاء الله تعالى، وهي إذا جرى بعد الدخول. فإن لم نصحح البيع هناك، فكذا هنا، وإلا بطل البيع هنا في نصف العبد، ويخرج في الباقي على تفريق الصفقة. فإن فرقنا، انفسخ النكاح. هذا قول الجمهور، وعلى قول الشيخ أبي علي: يصح البيع في جميعه لا محالة. الحالة الثانية: أن يجري البيع بعين الصداق بعد الدخول، فيبنى على الخلاف في أن من ملك عبدا له عليه دين، هل يسقط ذلك الدين ؟ إن قلنا بالاصح: إنه لا يسقط، صح البيع، وتصير مستوفية للمهر المستقر بالدخول، ولا شئ لواحد من المتبايعين على الآخر. وإن قلنا: يسقط وتبرأ ذمة العبد، فهل يصح البيع أم لا ؟ وجهان. أصحهما: الصحة، وبه قطع الشيخ أبو حامد، ونقله القفال عن شيوخ الاصحاب، إذ ليس هو كما قبل الدخول، فإن سقوط المهر هناك بانفساخ النكاح، بدليل أنه لو كان مقبوضا، وجب رده فلا يمكن جعله ثمنا، وهنا السقوط بحدوث الملك. وإذا جعل ثمنا، فكأنها استوفت الصداق قبل لزوم البيع، فليس لها بعدما ملكت الزوج صداق في رقبته حتى يسقط، وجميع ما ذكرناه فيما إذا اشترت زوجها وهي حرة. فأما إذا كانت أمة فاشترته بإذن سيدها، أو كانت مأذونا لها في التجارة فاشترته للتجارة، فيصح البيع ويستمر النكاح، سواء كان قبل الدخول أو بعدل، وسواء اشترت بعين الصداق أم بغيره، لان الملك للسيد، لكن إذا اشترته بعين الصداق، برئ السيد والعبد، لان الكفيل إذا أدى برئ الاصيل، ولا رجوع للسيد على العبد كما لو ضمن عنه دينا آخر أداه في رقه (وإن) اشترته بغير الصداق، ففي سقوط الصداق على العبد لكون سيدها ملكه وله عليه دين الوجهان المتكرران، فإن سقط، برئ سيده البائع عن الضمان لبراءة الاصيل، ويبقى الثمن بحكم الشراء، وإلا، فلسيد الامة على بائع العبد الصداق، وللبائع عليه الثمن، وقد يقع التقاص، فإذا تقاصا، برئت ذمة العبد عن حق المشتري لانه بالتقاص استوفى حقه من البائع.

(5/560)


فصل في مسائل من الدور الحكمي عادة الاصحاب ذكر هذه المسائل هنا. والمسائل التي يقع فيها الدور نوعان. أحدهما: ينشأ الدور فيه من محض حكم الشرع، كما ذكرنا فيما إذا اشترت زوجها قبل الدخول بالصداق الذي ضمنه السيد، فإنه لو صح البيع ثبت الملك. وإذا ثبت الملك، انفسخ النكاح، وإذا انفسخ، سقط المهر المجعول ثمنا، وإذا سقط، فسد البيع، فهذه الاحكام المرتبة ولدت الدور. والثاني: ينشأ الدور فيه من لفظة يذكرها الشخص، كما في مسألة دور الطلاق، وعندها نذكر إن شاء الله تعالى أكثر مسائل الدور اللفظي. والذي نذكره هنا، خمس مسائل من الدور الحكمي. إحداها: أعتق أمته في مرض موته ونكحها على مهر سماه، نظر، إن لم يخرج من الثلث، فحكمه ما ذكرناه في المسائل الدورية في كتاب الوصايا وإن خرجت، نظر إن كانت قدر الثلث بلا مزيد، بأن كانت قيمتها مائة (و) له مائتان سواها، فالنكاح صحيح. ثم إن لم يجر دخول، فلا مهر لها لانه لو ثبت المهر لكان دينا على الميت، وحينئذ لا تخرج من الثلث، ويرقه بعضها، وحينئذ يبطل النكاح والمهر، فإثباته يؤدي إلى إسقاط، فيسقط. وإن جرى دخول، فقد ذكرنا حكمه في كتاب الوصايا وسواء دخل أم لا، فلا ترث بالزوجية، لان عتقها وصية، والوصية والارث لا يجتمعان. فلو أثبتنا الارث، لزم إبطال الوصية وهي العتق، وإذا بطل بطلت الزوجية وبطل الارث. وإن كانت الامة دون الثلث، فقد تمكنها المطالبة بالمهر لخروجها من الثلث بعد الدين، وهذا كله تفريع على أنه يجوز للمعتق في مرض الموت نكاحها، وهو الصحيح. وحكى الحناطي والشيخ أبو علي وجها أنه لا يجوز وهو كما حكيناه من قبل عن ابن الحداد، أن المعتقة في مرض الموت نكاحها لا يجوز لقرينها لاحتمال أن لا يخرج من الثلث عند الموت.

(5/561)


المسألة الثانية: زوج أمته عبد غيره، وقبض الصداق وأتلفه بإنفاق وغيره، ثم أعتقها في مرض موته، أو أوصى بعتقها، فأعتقت وهي ثلث ماله، وكان ذلك قبل الدخول، فليس لها خيار العتق، لانها لو فسخت النكاح لوجب رد المهر من تركة السيد، وحينئذ لا يخرج كلها من الثلث. وإذا بقي الرق في البعض، لم يثبت الخيار، فإثبات الخيار يؤدي إلى إسقاطه، وكذا الحكم لو لم يتلف الصداق وكانت الامة ثلث ماله مع الصداق. ولو خرجت من الثلث دون الصداق، أو اتفق ذلك بعد الدخول، فلها الخيار. ولو كانت المسألة بحالها، إلا أن الاعتاق وجد من وارثه بعد موت السيد، نظر، إن كان الوارث معسرا، فلا خيار لها، لانها لو فسخت لزم رد المهر من تركة الميت. وإذا كان على الميت دين، لم ننفذ إعتاق الوارث المعسر على الصحيح. وإذا لم ينفذ الاعتاق، لم يثبت الخيار. وإن كان الوارث موسرا، فقد ذكرنا في كتاب الرهن خلافا في أن الوارث الموسر إذا أعتق عبد التركة وعلى الميت دين، هل ينفذ العتق في الحال، أم يتوقف نفوذه على وصول دين الغرماء ؟ فإن قلنا: ينفذ في الحال وهو الاصح، عتقت ولها الخيار. فإن فسخت، غرم الوارث لسيد العبد أقل الامرين من الصداق وقيمة الامة، كما لو مات وعليه دين وله عبد فأعتقه وارثه الموسر، يلزمه أقل الامرين من الدين وقيمة العبد. ولو كان على الميت دين، فالقيمة التي يغرمها الوارث يتضارب فيها سيد العبد والغرما. (المسألة) الثالثة: مات عن أخ وعبدين، والاخ هو الوارث في الظاهر، فأعتق الاخ العبدين، ثم ادعت إمرأة أنها زوجة الميت، وادعى ابنها أنه ابن الميت، فشهد المعتقان لهما، ثبتت الزوجية والنسب، ولا يرث الابن، إذ لو ورث لحجب الاخ وبطل إعتاقه وبطلت شهادتهما، وحينئذ تبطل الزوجية والنسب. وفيه وجه: أنه لا يثبت أيضا، والصحيح الاول.

(5/562)


ولو شهدا بنسب بنت، نظر، إن كان الاخ معسرا يوم الاعتاق، لم ترث البنت، إذ لو ورثت لرق نصيبها وبطلت الشهادة. وإن كان موسرا، فإن عجلنا السراية بنفس الاعتاق، ورثت لكمال العتق يوم الشهادة. وإن قلنا: لا تحصل السراية إلا بأداء القيمة، لم ترث لان توريثها يمنع كمال العتق يوم الشهادة. وحكم الزوجة في الارث حكم البنت، فينظر إلى إعسار الاخ ويساره كما ذكرنا. (المسألة) الرابعة: أوصى لرجل بابنه، ومات الموصى له بعد موت الموصي وقبل القبول، ووارثه أخوه، وقبل الوصية، وقسبق بيان هذه المسألة في آخر الباب الاول من كتاب الوصايا. (المسألة) الخامسة: اشترى في مرض الموت من يعتق عليه كابنه، عتق من الثلث ولا يرث، إذ لو ورث لكان العتق أو النسب إليه بالشراء وصية للوارث، فيبطل. وإذا امتنع العتق، امتنع الارث. وحكى الاستاذ أبو منصور وجها أنه يرث، ووجها أنه لا يصح الشراء، والصحيح الاول. ولو ملك المريض من يعتق عليه بغير عوض، كهبة وارث، فهل يرث ؟ وجهان بناء على أنه يعتق من الثلث أو من رأس المال، وقد ذكرنا ذلك في كتاب الوصايا وبالتوريث قال ابن سريج، واختاره الشيخ أبو حامد. فرع ذكر الاستاذ أبو إسحاق الاسفراييني رحمه الله في مختصر جمعه في المسائل الدورية، أنه لو شهد اثنان بعتق عبد، وحكم الحاكم بشهادتهما، ثم جاء العبد مع آخر فشهدا بجرح الشاهدين، لم يقبل. وأنه لو أعتق عبدين في مرض موته هما ثلث ماله، فشهدا على انميت بوصية أو بإعتاق وعليه دين أو زكاة، لم يقبل ولو شهدا أنه نكح إمرأة على مهر، كذا حكى عن بعض الاصحاب أنه لا تقبل شهادتهما، قال: ويحتمل أن يقبل في النكاح ولا مهر، وأنه لو أعتق عبدين له فشهدا أنه كان محجورا عليه لسفه، لم تقبل شهادتهما. وأنه لو ادعى أنه ابن فلان

(5/563)


وقد مات، ووارثه في الظاهر أخوه، فأنكر ونكل، فحلف المدعي، ثبت النسب ولا يرث، وهذا تفريع على أن اليمين المردودة مع النكول كالاقرار. أما إذا قلنا: إنها كالبينة، فيرث. وإنه لو ورث عبدين يعتقان عليه ثم مات وورثاه، أقر بدين على الميت الاول يستغرق تركته، لم يثبت الدين بإقرارهما. وأنه لو أعتق أمة في مرض موته وهي ثلث ماله فادعت أنه وطئها بشبهة، أو أنه استأجرها وعليه أجرتها، لم تسمع دعواها. وأنه لو ورث من زوجته عبدين وأعتقهما، ثم شهدا بالفرقة قبل الموت بردة أو طلاق، لم تقبل شهادتهما. وأنه لو كان في يد عبده مال، فأخذه واشترى به عبدين وأعتقهما فشهدا عليه بأنه أعتقه قبل ذلك، لم يقبل. وأنه لو مات ووارثه في الظاهر أخوه، فأعتق عبدا من التركة، وولي العتيق القضاء، فجاء مجهول وادعى أنه ابن الميت، وأقام شاهدين، لم يقبل هذا الحاكم شهادتهما، ولم يحكم بقولهما، هكذا ذكروه، وكان يجوز أن يقال: يحكم بشهادتهما ويثبت النسب دون الارث. كما لو أعتق الاخ في هذه الصورة عبدين وشهدا ببنوة المدعي، وحينئذ فلا يؤثر نسبه في العتق والقضاء. وأنه لو ورث عبدا من مورثه المقتول وأعتقه وولي العتيق القضاء، فجاء إليه الوارث وادعى على قاتله القصاص فقال (قتلته) وهو مرتد وأقام عليه شاهدين، لم يحكم هذا الحاكم بشهادتهما. ومن هذا القبيل، لو أعتق عبدين، فجاء رجل وادعى أنه كان غصب العبدين وشهدا له، لم تقبل شهادتهما. وفي التهذيب أنه لو ملك رجل أخاه ثم أقر في مرض موته أنه أعتقه في صحته، كان العتق نافذا وهل يرثه ؟ إن صححنا الاقرار للوارث، ورث، وإلا، فلا. فرع قال الغزالي في مجموعه غاية الغور في دراية الدور: المسائل الدائرة لا بد فيها من قطع الدور. وفي قطعه ثلاثة مسالك: تارة يقطع من أوله، وتارة من

(5/564)


وسطه، وتارة من آخره، وذلك بحسب قوة بعض الاحكام وبعده عن الدفع، وضعف بعضها وقربه للدفع. مثال القطع من أوله: بيع العبد لزوجته الحرة قبل الدخول بصداقها الثابت في ذمة السيد، فإنا حكمنا بفساد البيع، وقطعنا الدور من أصله، لم نقل: يصح البيع، ولا ينفسخ النكاح، أو ينفسخ ولا يسقط الصداق، وسببه أن البيع اختياري، وحصول الانفساخ بالملك قهري، وكذا سقوط الصداق بالانفساخ، وما يختاره الانسان من التصرفات، يصح تارة ويفسد أخرى، وما يثبت قهرا يبعد دفعه بعد حصول سببه، فكان البيع أولى بالدفع من غيره. ومثال القطع من الوسط: المسألة الثانية من المسائل السابقة، فإنا لم نقطع الدور من أوله بأن نقول: لا يحصل العتق ولا من آخره، بأن نقول: لا يزيد المهر حتى لا تضيق التركة، ولكن قطعناه من وسطه فقلنا: لا يثبت الخيار، وسببه أن سقوط المهر عند الفسخ قهري يبعد دفعه، والخيار أولى بالدفع من العتق، لان العتق أقوى. ألا ترى أنه لا يسقط بعد ثبوته، والخيار يسقط بعد ثبوته بالاسقاط وبالتقصير. ومثال القطع من الآخر: المسألة الاولى من الخمس، فإنا لم نقطع الدور من الاول بأن نقول: لا يحصل العتق، ولا من آخر، بأن نقول: لا يزيد المهر وحتى لا تضيق التركة، ولكن قطعناه من وسط فقلنا: لا يثبت الخيار، وسببه أن سقوط المهر عند الفسح قهرى يبعد دفعه، والخيار أولى بالدفع من العتق، لان العتق أقرى. ألا ترى أأنه لا يسقط بعد ثبوته، والخيار يسقط بعد ثبوته، والخيار يسقط بعد ثبوته بالاسقاط وبالتقصير. ومثال القطع من الآخر: المسألة الاولى من الخمس، فإنا لم نقطع الدور من الاول بأن نقول: لا يحصل العتق، ولا من الوسط بأن نقول: لا يصح غالنكاح، لكن قطعناه من الآخر فقلنا: ليس لها المهر. ويمكن أن يقال: سببه أن العتق له قوة السرعة والسراية، فلا يدفع، والنكاح أقوى من المه المسمى فيه، فإن ثبوت النكاح يستغني عن المهر بدليل المفوضة، والمسمى مهرا لا يثبت من غير ثبوت النكاح. وعد من هذا القسم الثالث، أما إذا قال لزوجته: إن انفسخ النكاح بيني وبينك فأنت طالق قبله ثلاثا، ثم اشتراها، أو جرى رضاع أو ردة، فلا يقطع الدور من أوله بأن نقول: (لا ينفسخ النكاح، لكن يقطع من آخره، بأن نقول) ينفسخ ولا يقع الطلاق، وربما نعود إلى هذه المسألة في مسائل الطلاوالدور فيها لفظي. فصل لا يجوز للعبد التسري، لانه لا يملك، فإن ملكه سيده جارية وقلنا بالجديد: إنه لا يملك، لم يحل له وطؤها ولو أذن السيد، فلو استولدها، كان الولد ملكا للسيد. وإن قلنا بالقديم: إنه يملك، فقد ذكرنا في كتاب البيع أن المذهب

(5/565)


أنه يتسرى بإذن السيد، ولا يتسرى بغير إذنه. لكن لو وط، لم يحد لشبهة الملك. ولو استولدها، فالولد ملك له، لكن لا يعتق عليه لضعفملكه، وتعلق حق السيد به. فإن عتق، عتق الولد أيضا، وحكم المدبر والمعلق عتقه بصفة حكم القن في هذا. ومن بعضه حر إذا اشترى جارية بما كسبه بحريته ملكها، لكن لا يطؤها بغير إذن السيد، لان بعضه مملوك والوطئ يقع بجميع بدنه، ولا يختص بالبعض الحر. ومال ابن الصباغ إلى أنه لا حاجة إلى إذن السيد، كما أنه يأكل كسبه ويتصرف فيه. فإن أذن السيد وقلنا: لا بد من إذنه، فعلى القديم: يجوز. وعلى الجديد: لا يجوز، لان ما فيه من الملك يمنع التسري، والمكاتب لا يتسرى بغير إذن السيد، وبإذنه قولان كتبرعاته.
الباب الثاني عشر : في اختلاف الزوجين في النكاح وفيه مسائل. المسألة الاولى: إذا ادعى زوجية إمرأة، سمعت دعواه عليها وإن كان العاقد هو الولي لان إقرارها مقبول، وفيه خلاف سبق في باب أحكام الاولياء. وأما المرأة، فإن ادعت المهر في النكاح، أو ادعت النكاح، وطلبت حقا من حقوقه، سمعت دعواها. وإن ادعت مجرد الزوجية، فوجهان، إن سمعت، أقامت البينة، فإن أنكر، فهل إنكاره طلاق ؟ فيه وجهان. إن قلنا: طلاق اندفع ما يدعيه، ولا معنى لاقامة البينة، وستأتي هذه المسألة مبسوطة في كتاب الدعاوى إن شاء الله تعالى. المسألة الثانية: زوج إحدى بنتيه بعينها، ثم تنازعا، فلتنازعهما حالان. أحدهما: تقول كل واحدة: أنا المزوجة، فمن صدقها الزوج، ثبت نكاحها، والاخرى تدعي أنها زوجته وهو منكر، فالمذهب أنه يحلف لها. وقيل: في تحليفه قولان. وينبغي أن يفصل، فإن ادعت زوجته وطلبت المهر، فالوجه التحليف. وإن ادعت مجرد الزوجية، ففيه الخلاف في المسألة الاولى. فإن قلنا:

(5/566)


يحلف، فحلف، سقطت دعواها. وإن نكل، فحلفت، فهل اليمين المردود مع النكول كالبينة ؟ أم كالاقرار ؟ قولان مشهوران. إن قلنا: كالخينة، فوجهان. أحدهما: يثبت نكاح الثانية دون الاولى، كما لو أقامت بينة. قال الامام: وهذا القائل يقول: ينتفي نكاح الاولى، ويخكم بانقطاع نكاح الثانية لانكار الزوج. وأصحهما: استمرار نكاح الاولى، لان اليمين المردودة إنما تجعل كالبينة في حق المدعي والمدعى عليه، لا في حق غيرهما. وقد ثبت نكاح الاولى بتقارهما. وإن قلنا: كالاقرار، فوجهان. أحدهما: يبطل النكاحان والصحيح استمرار نكاح الاولى، كما لو أقر للاولى ثم أقر للثانية. وعلى هذا، فهل تستحق الثانية نصف المهر، أم لا تستحق شيئا ؟ قولان. أظهرهما: الاول. الحال الثاني: تقول كل واحدة: لست بالمزوجة، بل صاحبتي، فيقال للزوج: عين، فإذا عين، فقد أقر بأن الاخرى ليست زوجة له، فلا خصومة له معها، والقول قول الاخرى مع يمينها. فإن لم تحلف، حلف الزوج وثبت النكاح. وقيل: القول قول الزوج بيمينه لان إحداهما زوجة، وهو أعلم بمحل حقه. والصحيح الاول. واعلم أن المسألة من فروع ابن الحداد، وأنه قيدها فقال: إذا مات الاب، وكذا قيدها الغزالي. قال الشيخ أبو علي: هذا القيد فائدة فيه في الحالة الاولى، لانه لو كان حيا وعين إحداهما، لم يقبل قوله على الزوج، لكنه مفيد في الحالة الثانية، لانه إذا كان الاب حيا وهي مجبرة، راجعناه. فإن أقر بالنكاح على إحداهما، قبل قوله، ولا يضر الزوج إنكارها. قال الامام: ويظهر في القياس أن لا يقبل إقرارها ومعها مجبر حذرا من اختلاف الاقرارين، وإذا قبلنا إقرارها فاختلف إقرارها وإقرار الولي، فيجوز أن يقال: الحكم للسابق، ويجوز أن يقال: يبطلان جميعا، وقد ذكرنا وجهين في هذه المسألة في آخر الباب الثالث عن القفال الشاشي والاودني، أن المقبول إقراره أم إقرارها ؟ فحصل أربعة احتمالات. ولو زوج بنته من أحد ابني رجل، وادعت هي على أحدهما أنه الزوج، فإن جردت دعوى النكاح، فعلى ما سبق، وإن ادعت المهر، حلفته. فإن نكل، حلفت وأخذت نصف المهر، وإن ادعى كل واحد مهما أنها إمرأته، فأقرت لاحدهما، ثبت نكاحه، وهل للآخر تحليفها ؟ قولان على ما ذكرنا فيمن زوجها وليان بشخصين.

(5/567)


المسألة الثالثة: شهدوا على رجل بنكاح إمرأة بمهر معلوم وهو منكر، فحكم بشهادتهم ثم رجعوا، هل يغرمون له ؟ وجهان. أصحهما: نعم، وإنما يغرمون ما فوتوا على الزوج وهو نصف المسمى. وإن قلنا: لا يغرمون، فذلك في قدر مهر المثل، فإن زاد المسمى على مهر المثل، فحكم الزيادة في الرجوع حكم شهود المال إذا رجعوا. ولو شهدوا على رجل بطلاق، ثم رجعوا، فهل يغرمون مهر المثل أم نصفه، أم غير ذلك ؟ فيه خلاف موضعه باب الرجوع عن الشهادة. وإذا ادعت أنها في نكاح رجل بمهر معلوم، وشهد له شاهدان، ثم ادعت الاصابة واستقرار المهر، فشهد على الاصابة أو على إقرار الزوج بها آخران، ثم ادعت أنه طلقها وشهد بذلك آخران، وحكم بمقتضى الشهادات وأخذ منه المهر، ثم رجع الشهود جميعا، فثلاثة أوجه. أحدها: لا غرم على أحد منهم، لان شهود النكاح والاصابة لم يوجد منهم إلا إثبات ملك واستمتاع بملك، وشهود الطلاق لم يفوتوا عليه شيئا في زعمه، فإنه ينكر النكاح، ولانه إن كان نكاح فقد فوته بزعمه بإنكاره قبل شهادتهم. والثاني: لا غرم على شهود النكاح والاصابة، ويغرم شهود الطلاق لانهم فوتوا ما ثبت بالاولين. فعلى هذا، في قدر غرمهم الخلاف الذي أحلناه على باب الرجوع عن الشهادة وبهذا الوجه قال ابن الحداد، ووافقه طائفة. والثالث: وهو أصحها: لا شئ على شهود الطلاق، لانه ينكر أصل النكاح، فكيف يطالبهم بضمان تفويته ؟ بل النكاح لا يثبت مع إنكاره، فلا ينبغي أن تسمع بينة الطلاق. وأما شهود النكاح والاصابة، فإن أرخوا شهادتهم، فشهد هؤلاء أنه نكحها في المحرم وأولئك أنه أصابها في صفر غرم الصنفان ما غرم الزوج بالسوية. وإن أطلق شهود الاصابة شهادتهم، فنصف الغرم على شهود النكاح، ولا شئ على شهود الاصابة، لجواز وقوعها في غير النكاح وكونها زنا، ولو شهدوا بالاصابة في النكاح، فقد ألحق ذلك بما إذا أرخت الشهادتان.

(5/568)


وفي النهاية أنهم لو شهدوا بالنكاح ثم على الاصابة بعده، اشترك الصنفان في غرم نصف المهر، والنصف الآخر مختص بغرم شهود الاصابة، والصورتان متقاربتان، ولا يبعد التسوية بينهما في الحكم، ولم يقل أحد بتخصيص الغرم بشهود الاصابة. المسألة الرابعة: إذا زوجت برجل، ثم ادعت أن بينها وبينه محرمية، بأن قالت: هو أخي من الرضاع، أو كنت زوجة أبيه، أو ابنه، أو وطئني أحدهما بشبهة، نظر، أوقع التزويج برضاها أم لا ؟ الحالة الاولى: زوجت برضاها به بأن كانت ثيبا، أو زوجها أخ أو عم، أو زوجها المجبر برضاها، فلا يقبل دعواها والنكاح ماض على الصحة، لان إذنها فيه يتضمن حلها له، فلا يقبل نقيضه. لكن إن ذكرت عذرا كغلط أو نسيان، سمعت دعواها على المذهب فتحلفه. الحالة الثانية: زوجت بغير رضاها لكونها مجبرة، فوجهان. أصحهما وبه قال ابن الحداد ونقله الامام عن معظم الاصحاب: أنه يقبل قولها بيمينها، ويحكم باندفاع النكاح من أصله، لان قولها محتمل ولم تعترف بنقيضه، فصار كقولها في الابتداء: هو أخي لا يجوز تزويجها به. والثاني قاله الشيخ أبو زيد واختاره الغزالي، وحكي عن اختيار ابن سريج: لا يقبل قولها استدامة للنكاح الجاري على الصحة ظاهرا ولئلا تتخذه الفاسقات ذريعة إلى الفراق. واحتج الشيخ أبو علي للاول وهو الاصح عنده أيضا، فإن الشافعي رحمه الله نص على أنه لو باع الحاكم عبدا أو عقارا على مالكه الغائب بسبب اقتضاه، ثم جاء المالك وقال: كنت أعتقت العبد أو وقفت العقار أو بعته، صدق بيمينه، ونقض بيع القاضي، ورد اليمين على المشتري، بخلاف ما لو باعه بنفسه أو توكيله، ثم ادعى ذلك، فإنه لا يقبل لانه سبق منه نقيضه، ومقتضى حكايته أنه لا خلاف في صورة بيع

(5/569)


الحاكم، لكن الامام حكى فيها قولين، ولو زوج بنته أو أمته ثم ادعى الاب أو السيد محرمية بينها وبين الزوج، لم يلتفت إلى قوله، لان النكاح حق الزوجين. قال الشيخ أبو علي: ولو قال بعد تزويجه أمته: كنت أعتقتها، حكم بعتقها، ولا يقبل قوله في النكاح، وكذا لو أجر العبد ثم قال: كنت أعتقته، ويغرم للعبد أجرة مثله، لانه أقر بإتلاف منافعه ظلما، كمن باع عبدا ثم قال: كنت غصبته لا يقبل قوله في البيع، ويغرم قيمته للمقر له. والخلاف في الحالة الثانية، في أنها هل تصدق بيمينها ؟ وأما دعواها، فتسمع بلا خلاف. ولو قامت بينة، حكم بها بلا خلاف. والكلام في الحالة الاولى، في رد الدعوى من أصلها، وأن الاذن والرضى بالتزويج إنما يؤثر إذا أذنت في تزويجها بشخص معين. أما إذا أذنت في النكاح مطلقا وقلنا: لا حاجة إلى تعيين الزوج، فزوجها الولي برجل، ثم ادعت محرمية، فالحكم كما إذا زوجت مجبرة، لانه ليس فيه اعتراف بجهالة. ولزوج الاخ البكر وهي ساكتة، اكتفي بصماتها على الاصح ثم ادعت محرمية، قال الامام: الذي ارتضاه العراقيون، أن دعواها مسموعة. قال: لكن لا تصدق بيمينها. المسألة الخامسة: إذا زوج أمته ثم قال: كنت مجنونا أو محجورا علي وقت تزويجها، وأنك) الزوج وقال: تزوجتها تزوجا صحيحا، فإن. لم يعهد السيد ما ادعاه ولا بينة، فالقول قول الزوج بيمينه، لان الظاهر صحة النكاح. وكذا لو قال: زوجتها وأنا محرم، أو قال: لم تكن ملكي يومئذ ثم ملكتها، وكذا الحكم لو باع عبدا ثم قال بعد البيع: بعته وأنا محجور علي، أو لم يكن ملكي ثم ملكته. وعن

(5/570)


نصه في الاملاء أنه لو زوج أخته ومات الزوج، فادعى ورثته أن أخاها زوجها بغير إذنها وقالت: بل زوجني بإذني، فالقول قولها. ولك أن تقول: قد سبق ذكر وجهين فيما لو ادعى أحد المتعاقدين صحة البيع والآخر فساده، فليجئ ذلك الخلاف في هذه الصورة. قلت: لم يذكره الاصحاب في هذه الصورة، ولا يصح مجيئه لان الظاهر الغالب في الانكحة الاحتياط لها، وعقدها بشروطها وبحضرة الشهود وغيرهم، بخلاف البيع فإن وقوعه فاسد كثير. والله أعلم. ولو ادعت المنكوحة أنها زوجت بغير إذنها وهي معتبرة الاذن، ففي فتاوى البغوي أنه لا يقبل قولها بعد ما دخلت عليه وأقامت معه، كأنه جعل الدخول بمنزلة الرضى. أما إذا عهد للسيد المزوج جنون، أو حجر، أو قال: زوجتها وأنا صبي، فأيهما يصدق بيمينه ؟ قولان خرجهما الشيخ أبو زيد. أظهرهما عند الشيخ أبي علي وغيره: أن المصدق الزوج، لان الغال ب جريان العقد صحيحا، ولانه صح ظاهرا والاصل دوامه. ولو زوج أخته برضاها، ثم ادعت أنها كانت صغيرة يومئذ، ففي فتاوى القفال والقاضي حسين والبغوي، أن القول قولها بيمينها وإن أقرت يومئذ ببلوغها، كما لو أقر بمال ثم قال: كنت صغيرا يوم الاقرار، وهذا يمكن أن يكون تفريعا على أحد القولين ويمكن أن يفرق بأن الغالب من العقد الجاري بين مسلمين، صحته وهذه لم تعقد.

(5/571)


ولو وكل الولي بتزويجها، ثم أحرم، وجرى العقد، فادعى الولي جريانه في الاحرام، وأنكر الزوج، فنص الشافعي رحمه الله، أن القول قول الزوج عملا بظاهر الصحة. ولم يحك الشيخ أبو علي خلافا في هذه الصورة. قال الامام: وسببه أن الاحرام طرأ والاصل استناد العقد إلى الحل، لكن الشيخ ألحق بمسألة الاحرام المنقولة عن النص، ما إذا وكل بقبول نكاح ثم أحرم الموكل وقبل الوكيل، ثم اختلف الزوجان، فقال الزوج: عقد قبل إحرامي (أو بعده) أو بعد تحللي، وقالت: بل في حال إحرامك، فالقول قول الزوج، فلم يفرق بين أن يدعي سبق الاحرام النكاح وعكسه. ومقتضى ما سبق في المسألة الرابعة، أن الولي إذا زوج ثم ادعى المحرمية بين الزوجين، لا يلتفت إلى دعواه أن لا يفرض النزاع في مسألة النص بين الولي والزوج، بل يفرض بين الزوجين. ولو زوج أمته، ثم ادعى أن الزوج كان واجدا للطول، وأنكر الزوج صدق الزوج. ولو زوج بنته ومات، فادعت أن أباها كان مجنونا يوم العقد، نظر، هل كان التزويج برضاها أم بغيره ؟ وحكمه ما سبق في المسألة الرابعة. فرع ادعى نكاح إمرأة وأقام بينة به، ثم ادعت أنها زوجة غيره وأقامت بينة به، قال ابن الحداد: يعمل ببينة الرجل، لان حقه في النكاح أقوى منها، فإن المتصرف إن شاء أمسكها، وإن شاء طلق، فقدمت بينته كصاحب اليد مع غيره، هذا قول ابن الحداد، وبه قال الجمهور. وقال الشيخ أبو علي: يحتمل أن ينظر في جواب من ادعت أنها زوجته، فإن أنكر فلا نكاح له، فيعمل ببينة الرجل. وإن سكت، فهما بينتان تعارضتا، ولم يتعرضوا في تصوير المسألة لدعواها المهر، أو حقا من حقوق النكاح، وقد سبق في سماع دعوى الزوجية المجردة خلاف. فإن سمعت وأنكر الزوج، ففي إقامة البينة أيضا خلاف. فإذا ادعت الزوجية المجردة،

(5/572)


فإنما تقيم (هي) البينة تفريعا على سماع هذه الدعوى والبينة مع إنكاره. فرع في فتاوى البغوي أنه إذا كان تحته مسلمة وذمية لم يدخل بهما، فقال للمسلمة: ارتددت، وقال للذمية: أسلمت، فأنكرتا، ارتفع نكاحهما لزعمه. وذكر الامام الرافعي هنا مسائل منثورة من فتاوى القفال والقاضي حسين والبغوي، تتعلق بأبواب النكاح قدمتها أنا فوضعتها في مواضعها اللائقة بها، وبالله التوفيق.

(5/573)