روضة الطالبين وعمدة المفتين ط العلمية

روضة الطالبين - كتاب الصداق
هو اسم المال الواجب للمرأة على الرجل بالنكاح أو الوطئ، وله أسماء: الصداق، والصدقة والمهر، والاجر، والعقر، والعليقة. ويقال: أصدقها، ومهرها. ويقال في لغة قليلة: أمهرها. قال الاصحاب: ليس المهر ركنا في النكاح، بخلاف المبيع والثمن في البيع، لان المقصود الاعظم منه الاستمتاع وتوابعه، وهو قائم بالزوجين، فهما الركن، فيجوز إخلاء النكاح عن تسمية المهر، لكن المستحب تسميته، لانه

(5/574)


أقطع للنزاع، ثم ليس للصداق حد مقدر، بل كل ما جاز أن يكون ثمنا أو مثمنا أو أجرة، جاز جعله صداقا. فإن انتهى في القلة إلى حد لا يتمول، فسدت التسمية. ويستحب أن لا ينقص عن عشرة دراهم، للخروج من خلاف أبي حنيفة رضي الله عنه، وأن لا يغالي في الصداق، والمستحب أن لا يزاد على صداق أزواج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو خمسمائة درهم. فصل يشتمل كتاب الصداق على ستة أبواب
الباب الأول : في أحكام الصداق الصحيح وهي ثلاثة.

(5/575)


الحكم الأول : في أن الصداق في يد الزوج كيف يضمن ؟ فإذا أصدقها عينا، فهي مضمونة عليه إلى أن يسلمها. وفي كيف يضمانه قولان. أظهرهما وهو الجديد: ضمان العقد كالمبيع في يد البائع. والقديم: ضمان اليد كالمستعار والمستام، ويتفرع على القولين مسائل. (المسألة) الاولى: إذا باعت الصداق قبل قبضه، إن قلنا: ضمان يد، جاز وإلا، فلا. ولو كان الصداق دينا فاعتاضت عنه، جاز إن قلنا: ضمان يد، وإلا فقولان كالثمن. أظهرهما: الجواز، كذا ذكره الامام وغيره. وفي التتمة: لو أصدقها تعليم القرآن أو صنعة، لم يجز الاعتياض على قول ضمان العقد كالمسلم فيه. (المسألة) الثانية: تلف الصداق المعين في يده، فعلى ضمان العقد ينفسخ عقد الصداق، ويقدر عود الملك إليه قبيل التلف، حتى لو كان عبدا كان عليه مؤنة تجهيزه كالعبد المبيع يتلف قبل القبض ولها عليه مهر المثل. وإن قلنا: ضمان اليد، تلف على ملكها حتى لو كان عبدا، فعليها تجهيزه. ولا ينفسخ الصداق على هذا القول، بل بدل ما وجب على الزوج تسليمه يقوم مقامه، فيجب لها عليه مثل الصداق إن كان مثليا، وقيمته إن كان متقوما. ورجح الشيخ أبو حامد وابن الصباغ وجوب البدل، والجمهور رجحوا القول الاول وهو وجوب مهر المثل. فإذا أوجبنا القيمة، فهل يجب أقصى القيمة من يوم الصداق إلى يوم التلف لان التسليم كان مستحقا في كل وقت، أم يوم التلف فقط لانه لم يكن متعديا ؟ أم يوم الصداق ؟ أم الاقل من يوم الصداق إلى يوم التلف ؟ فيه أربعة أوجه. أصحهما: الاول. ولو طالبته بالتسليم فامتنع، تعين الوجه الاول على المذهب. وقيل: يجب أقصى القيم من وقت المطالبة إلى التلف، لانه يصير متعديا. ولو طالبها الزوج بالقبض فامتنعت، ففي بقاء الصداق مضمونا عليه وجهان، نقلهما أبو الفرج السرخسي، الصحيح الضمان، كما أن البائع لا يخرج عن عهدة المبيع بهذا القدر. هذا كله إذا

(5/576)


تلف الصداق بنفسه. أما لو أتلف، فينظ، إن أتلفته الزوجة، صارت قابضة وبرئ الزوج، وقد ذكرنا في البيع وجها أن المشتري إذا أتلف المبيع في يد البائع، لم يصر قابضا بل يغرم القيمة للبائع، ويسترد الثمن. فعلى قياسه، تغرم له الصداق وتأخذ مهر المثل. وإن أتلفه أجنبي، فإن قلنا: إتلاف الاجنبي المبيع قبل القبض كآفة سماوية، فالحكم ما سبق، وإن قلنا: يوجب الخيار للمشتري وهو المذهب، فللمرأة الخيار، إن شاءت فسخت الصداق، وحينئذ تأخذ من الزوج مهر المثل إن قلنا بضمان العقد، ومثل الصداق أو قيمته إن قلنا بضمان اليد، ويأخذ الزوج الغرم من المتلف. وإن أجازت تأخذ من المتلف المثل أو القيمة، ولها أن تطالب الزوج بالغرم، فيرجع هو على المتلف إن قلنا بضمان اليد. وإن قلنا بضمان العقد، فلى س لها مطالبة الزوج، هكذا رتب الامام والبغوي وغيرهما، فأثبتوا لها الخيار على قولي ضمان العقد واليد، ثم فرعوا عليهما. وكان يجوز أن يقال: إنما يثبت لها الخيار على قول ضمان العقد. فأما على ضمان اليد، فلا خيار، وليس لها إلا طلب المثل أو القيمة، كما إذا أتلف أجنبي المستعار في يد المستعير. وإن أتلفه الزوج، فعلى الخلاف في أن إتلاف البائع المبيع قبل القبض كالآفة السماوية، أو كإتلاف الاجنبي ؟ والمذهب الاول. وقد بينا حكم الصداق على التقديرين. المسألة الثالثة: حدث في الصداق نقص في يد الزوج، فهو نقص جزء أو صفة، فنقص الجزء مثل أن أصدقها عبدين، فتلف أحدهما في يده، فينفسخ عقد الصداق فيه، ولا ينفسخ في الباقي على المذهب، لكن لها الخيار. فإن فسخت، رجعت إلى مهر المثل على قول ضمان العقد، وعلى ضمان اليد تأخذ قيمة العبدين. وإن أجازت في الباقي، رجعت للتالف إلى حصة قيمته من مهر المثل على قول ضمان

(5/577)


العقد، وإلى قيمة التالف على ضمان اليد. وإن تلف أحد العبدين بإتلاف، نظر، إن أتلفته المرأة، جعلت قابضة لقسطه من الصداق. وإن أتلفه أجنبي، فلها الخيار. فإن فسخت أخذت الباقي، وقسط قيمة التالف من مهر المثل إن قلنا بضمان العقد، وقيمته إن قلنا بضمان اليد. وإن أجازت، أخذت من الاجنبي الضمان. وإن أتلفه الزوج، فهو كالتلف بآفة على المذهب. وأما نقص الصفة، فهو العيب، كعمي العبد أو نسيانه الحرفة ونحوهما، وللمرأة الخيار. وفي الوسيط أن أبا حفص بن الوكيل قال: لا خيار على قول ضمان العقد، والمذهب الاول. فإن فسخت الصداق، أخذت من الزوج مهر المثل على الاظهر، وبذل الصداق في القول الآخر. وإن أجازت، فعلى الاظهر: لا شئ لها كما لو رضي المشتري بعيب المبيع، وعلى ضمان اليد لها عليه أرش النقص. وإن اطلعت على عيب قديم، فلها الخيار، (فإن) فسخت رجعت إلى مهر المثل أو إلى قيمة العين سالمة. وإن أجازت وقلنا بضمان اليد، فلها الارش على المذهب، وفيه تردد القاضي حسين، لانها رضيت بالعين. وإن حصل التعييب بجناية، نظر، إن حصل بفعل الزوجة، جعلت قابضة لقدر النقص، وتأخذ الباقي ولا خيار. وإن هلك بعد التعييب في يد الزوج، فلها من مهر المثل حصة قيمة الباقي على الاظهر، وقيمة الباقي على القول الثاني. وإن حصل التعييب بفعل أجنبي، فلها الخيار، فإن فسخت، أخذت مهر المثل على الاظهر وقيمته سليما في الثاني، ويأخذ الزوج الغرم من الجاني. وإن أجازت، غرمت للجاني. وليس لها مطالبة الزوج إن قلنا بضمان العقد. وإن قلنا بضمان اليد، فلها مطالبته، فينظر إن لم يكن للجناية أرش مقدر، أو كان

(5/578)


أرش النقص أكثر، رجعت على من شاءت منهما، والقرار على الجاني. وإن كان المقدر أقل، طالبت بالمقدر من شاءت منهما، والقرار على الجاني، وأخذت قيمة الارش من الزوج. وإن حصل التعييب بجناية الزوج، فعلى الخلاف في أن جناية البائع كآفة أو كجناية أجنبي ؟ إن قلنا بالاول، وقلنا بضمان اليد، فعليه ضمان ما نقص. فإن كان للجناية أرش مقدر، كقطع اليد، فعليه أكثر الامرين من نصف القيمة وأرش النقص. فرعان الاول: أصدقها دارا فانهدمت في يده ولم يتلف من النقص شئ، فالحاصل نقصان صفة. وإن تلف بعضه أو كله باحتراق أو غيره، فالحاصل هل هو نقصان نصفه كطرف العبد أم نقصان جزء كأحد العبدين ؟ وجهان. أصحهما: الثاني. وقد سبقا في البيع. الثاني: أصدقها نخلاثم جعل ثمره في قارورة، وصب عليه صقرا من ذلك النخل وهو بعد في يده، والصق: هو السائل من الرطب من غير أن يعرض على النار. فإما أن تكون الثمرة صداقا مع النخل، بأن أصدقها نخلة مطلعة. وإما أن لا تكون. الحالة الاولى: إذا كانت صداقا، ينظر إن لم يدخل الثمرة والصقر نقص لا بتقدير النزع من القارورة، ولا بتقدير الترك فيها، فتأخذهما المرأة ولا خيار لها، بل الزوج كفاها مؤنة الجداد. وإن حدث فيهما أو في أحدهما نقص، فهو إما نقص عين، وإما نقص صفة. أما نقص العين، فمثل أن صب عليها مكيلتين من الصقر فشرب الرطب مكيلة، فلا يجبر نقص عين الصقر بزيادة قيمة الرطب، ثم إن جعلنا الصداق مضمونا ضمان عقد، انفسخ الصداق في قدر ما ذهب من الصقر إن قلنا: جناية كالآفة وهو المذهب، ولا ينفسخ في الباقي، ولها الخيار. إن فسخت، رجعت إلى مهر المثل، وإن أجازت في الباقي أخذت بقدر ما ذهب من الصقر من مهر المثل. وإن قلنا: جناية كجناية الاجنبي، لم ينفسخ الصداق في شئ، ولها الخيار، إن فسخت، فلها مهر المثل، وإن أجازت، أخذت النخل والرطب، ومثل ما ذهب من الصقر. وإن قلنا بضمان اليد، تخيرت أيضا. فإن فسخت، فلها قيمة النخل مثل الصقر وقيمة الرطب أو مثله على الخلاف المذكور في كتاب الغصب أنه مثلي أو

(5/579)


متقوم. وإن أرادت أخذ النخل ورد الثمرة، فعلى الخلاف في تفريق الصفقة. وإن أجازت، فلها ما بقي ومثل الذاهب من الصقر. وأما نقصان الصفة، فإذا نقصت قيمة الصقر والمكيلتان بحالهما، أو قيمة الرطب، فإن كان النقصان حاصلا، سواء ترك الرطب في القارورة أو نزع، فلها الخيار. فإن فسخت، فعلى قول ضمان العقد لها مهر المثل، وعلى ضمان اليد لها بدل النخل والرطب والصقر. وإن أجازت، فإن قلنا بضمان العقد وجعلنا جنايته كالآفة، أخذتها بلا أرش. وإن جعلناها كجناية الاجنبي، أو قلنا بضمان اليد، فعليه أرش النقصان وإن كان الرطب يتعيب لو نزع من القارورة. ولو ترك لا يتعيب، فلا يجبر الزوج على التبرع بالقارورة، لكن إن تبرع بها أجبرت المرأة على القبول إمضاء للعقد، ويسقط خيارها. وقيل: لا تجبر على القبول، والصحيح الاول. وهل يملك القارورة حتى لا يتمكن الزوج من الرجوع ؟ وإذا نزعت ما فيها لم يجب رد القارورة، أم لا تملك وإنما الغرض قطع الخصومة فيتمكن من الرجوع وإذا رجع يعود خيارها فيجب رد القارورة إذا نزعت ما فيها ؟ فيه وجهان كما ذكرنا في البيع في مسألة النعل والاحجار المدفونة. وإن كان الرطب لا يتعيب بالنزع، ويتعيب بالترك، فلها مطالبته بالنزع، ولا خيار. ولو تبرع هو بالقارورة، لم تجبر هي على القبول، لانه لا ضرورة إليه. الحالة الثانية: أن لا تكون الثمار صداقا بأن حدثت بعد الاصداق في يد الزوج. فإن لم يحدث نقص أو زادت القيمة، فالكل لها. وإن حدث نقص فيهما أو في أحدهما، فلا خيار لها، لان ما حدث فيه النقص ليس بصداق، ولها الارش. وحكى ابن كج وجها أن لها الخيار وهو غلط. وإن كان النقص بحيث لا يقف ويزداد إلى الفساد، فهل تأخذ الحاصل وأرش النقص، أم تتخير بينه وبين أن تطالبه بغرم الجميع ؟ فيه خلاف سبق في الغصب، فيما إذا بل الحنطة فعفنت. وفي العدة أنها على القول الاول، تأخذ أرش النقص في الحال، وكلما ازداد النقص، طالبت بالارش. ولو كان الرطب يتعيب بالنزع من القارورة، ولا يتعيب بالترك فتبرع الزوج بالقارورة لم تجبر على القبول، لانه لا حاجة إليه في إمضاء العقد

(5/580)


هنا، هذا كله إذا كان الصقر من ثمرة النخلة، أما إذا كان الصقر للزوج والثمرة من الصداق، فالنظر هنا ك إلى نقصان الرطب وحده، إن نقص، فلها الخيار. وإن لم ينقص بالنزع، فلا خيار، فتأخذ المرأة الرطب والزوج الصقر، ولا شئ لما تشربه الرطب. وإن كان ينقص بالنزع، فلها الخيار. فإن تبرع الزوج بالصقر والقارورة، سقط الخيار ولزم القبول على الصحيح، ويجئ فيه ما سبق في التبرع بالقارورة. فرع إذا زاد الصداق في يد الزوج، إن كان زيادة متصلة، كالسمن والكبر، وتعلم الصنعة، فهي تابعة للاصل. وإن كانت منفصلة، كالثمرة والولد وكسب الرقيق، قال المتولي: إن قلنا بضمان اليد، فهي للمرأة، وإلا، فوجهان كالوجهين في زوائد المبيع قبل القبض. والصحيح أنها للمشتري في البيع وللمرأة هنا. فإن قلنا: للمرأة فهلكت في يده، أو زالت المتصلة بعد حصولها، ولا ضمان على الزوج إلا إذا قلنا بضمان اليد وقلنا: يضمن ضمان المغصوب، وإلا إذا طالبته بالتسليم فامتنع. وفي التهذيب وغيره ما يشعر بتخصيص الوجهين، في أن الزوائد لمن هي بما إذا هلك الاصل في يد الزوج وبقيت الزوائد أو ردت الاصل بعيب، أما إذا استمر العقد وقبضت الاصل، فالزوائد لها قطعا. المسألة الرابعة: المنافع الفائتة في يد الزوج غير مضمونة عليه إن قلنا بضمان

(5/581)


العقد، وإن طالبته بالتسليم فامتنع. أما إذا قلنا بضمان اليد، فعليه أجرة المثل من وقت الامتناع. وأما المنافع التي استوفاها بركوب أو لبس، أو استخدام ونحوها، فلا يضمنها على قول ضمان العقد، إن قلنا: جناية البائع كآفة. وإن قلنا: هي كجناية أجنبي، أو قلنا بضمان اليد، ضمنها بأجرة المثل. فرع قال الاصحاب: القولان في ضمان العقد واليد، مبنيان على أن الصداق نحلة وعطية، أم عوض كالعوض في البيع ؟ وربما ردوا القولين إلى أن الغالب عليه شبه النحلة أم العوض ؟ ودليل النحلة قول الله تعالى: * (وآتوا النساء صدقاتهن نحلة) *، ولان النكاح لا يفسد بفساده، ولا ينفسخ برده. ودليل العوض، أن قوله: زوجتك بكذا، كقوله: بعتك بكذا، أو لانها تتمكن من الرد بالعيب، ولانها تحبس نفسها لاستيفائه (و) لانه تثبت الشفعة فيه، وهذا أصح. وأجابوا عن الآية بجوابين. أحدهما: أنه يجوز أن يكون المراد بالنحلة: الدين، يقال: فلان ينتحل كذا، فالمعنى: آتوهن صدقاتهن تدينا. والثاني: يجوز أن يكون المعنى: عطية من عند الله تعالى لهن. وإنما لا يفسد النكاح بفساده، لانه ليس ركنا في النكاح، مع أنه حكي قول قديم أنه يفسد النكاح بفساد الصداق. فصل إذا فسد الصداق بأن أصدقها حرا، فقولان. أظهرهما: يجب مهر المثل. والثاني: قيمته بتقدير الرق، وينسب هذا إلى القديم. قال الشيخ أبو حامد والصيدلاني والقاضي حسين والبغوي وغيرهم: قولان فيما إذا قال: أصدقتك هذا العبد وهو عالم بحريته، أو جاهل. أما لو قال: أصدقتك هذا الحر، فالعبارة فاسدة، فيجب مهر المثل قطعا. وحكى المتولي طريقة أخرى، أنه لا فرق

(5/582)


بين اللفظين في جريان القولين. ولو قال: أصدقتك هذا واقتصر عليه، فلا خلل في العبارة، ففيه القولان. ولو ذكر خمرا أو خنزيرا أو ميتة، فقيل: يجب مهر المثل قطعا. وقيل: على القولين. فعلى هذا يعود النظر في عبارته، إن قال: أصدقتك هذا الخمر أو الخنزير، فالعبارة فاسدة. وإن قال: هذا العصير أو النعجة، فهو موضع القولين، وعلى هذا على قول الرجوع إلى بدل الصداق، يقدر الخمر عصيرا ويجب مثله، وقد حكينا في نكاح المشرك، فيما إذا جرى قبضهم في خمر وجها أنها تقدر خلا، ولم يذكروا هناكتقدير العصير، والوجه التسوية بينهما. وحكينا وجها أنه تعتبر قيمة الخمر عن من يرى لها قيمة، فلا يبعد مجيئه هنا، بل ينبغي أن يرجح كما سبق في نكاح المشرك تفريق الصفقة، والخنزير يقدر بقرة، كذا قاله الامام والبغوي. وقد سبق مثله في كتاب نكاح المشرك وقال الغزالي: يقدر شاة، والميتة تقدر مذكاة، ثم الواجب فيها وفي الخنزير القيمة. هذا الاضطراب للاصحاب يزيد القول الاظهر القوة، وهو وجوب مهر المثل.
الحكم الثاني : تسليم الصداق. فلو أخر تسليمه بعذر أو بغيره، وطلب تسليم نفسها، فلها الامتناع (حتى يسلم جميع الصداق إن كان عينا أو دينا حالا، وإن كان مؤجلا، فليس لها الامتناع، فإن حل الاجل قبل تسليمها فليس لها الامتناع) أيضا على الاصح، وبه قطع الشيخ أبو حامد وأصحابه، والبغوي، والمتولي، وأكثر الاصحاب. وقيل: لها، وبه قال القاضي أبو الطيب، واختاره الحناطي والروياني، لانها تستحق الآن المطالبة. ولو كانت المرأة صغيرة أو مجنونة، فلوليها حبسها حتى تقبض الصداق الحال. فلو رأى المصلحة في التسليم، فله ذلك. ولو اختلف الزوجان، فقال: لا

(5/583)


أسلم الصداق حتى تسلمي نفسك، وقالت: لا أسلمها حتى تسلمه، فثلاثة أقوال. أظهرها: يجبران، بأن يؤمر بوضع الصداق عند عدل، وتؤمر بالتمكين. فإذا مكنت، سلم العدل الصداق إليها. والثاني: لا يجبر واحد منهما، بل إن بادر أحدهما فسلم، أجبر الآخر. والثالث: يجبر الزوج أولا، فإذا سلم، سلمت. وذهبت طائفة كبيرة إلى إنكار هذا القول الثالث. ومن أثبته قال: موضعه ما إذا كانت متهيئة للاستمتاع. أما إذا كانت ممنوعة بحبس أو مرض، فلا يلزم تسليم الصداق. وإن كانت صغيرة لا تصلح للجماع، فهل يلزمه التسليم ؟ قولان. ولو سلمت مثل هذه الصغيرة إلى زوجها، هل عليه تسليم المهر ؟ قولان كالنفقة. أظهرهما: المنع. وقيل بالمنع قطعا، لان النفقة للحبس عليه وهو موجود، والمهر للاستمتاع وهو متعذر. وقيل بالايجاب قطعا، لان المهر في مقابلة بضع وهو مملوك في الحال، والنفقة للتمكين وهو مفقود. ويجري الخلاف في مطالبة الولي لو كان الزوج صغيرا، وإن كان الزوج صغيرا وهي كبيرة، فالاظهر أن لها طلب المهر كالنفقة. وإذا قلنا: يبدأ بالزوج أو يجبران، فقالت: سلم المهر لاسلم نفسي، لزمه النفقة من حينئذ. وإن قلنا: لا يجبر واحد منهما، فلا نفقة لها حتى تمكن. فرع إذا بادرت فمكنت، فلها طلب الصداق على الاقوال كلها، ثم إن لم يجر وطئ، فلها العود إلى الامتناع، ويكون الحكم كما قبل التمكين. وإن وطئ، فليس لها بعده الامتناع على الصحيح، كما لو تبرع البائع فسلم المبيع قبل قبض الثمن، فليس له أخذه وحبسه. ولو وطئها مكرهة، فلها الامتناع بعده على الاصح. ويجري الوجهان، فيما

(5/584)


لو سلم الولي صغيرة أو مجنونة قبل قبض صداقها إذا بلغت أو أفاقت بعد الدخول، فلو بلغت أو أفاقت قبله، فلها الامتناع قطعا. ولو بادر الزوج فسلم الصداق، لزمها التمكين إذا طلبها. وكذا لو كان الصداق مؤجلا فإن امتنعت بلا عذر، فله الاسترداد وإن قلنا: يجبر أولا، لان الاجبار بشرط التمكين. وإن قلنا: لا يجبر، فليس له الاسترداد على الاصح، لانه تبرع بالمبادرة كمعجل الدين المؤجل. وقيل: له ذلك لعدم حصول الغرض. وقال القاضي حسين: إن كانت معذورة حين سلم، فزال العذر وامتنعت، استرد، لانه سلم راجيا التمكين، فيشبه هذا الخلاف وجهين ذكرا فيما لو سلم مهر صغيرة لا تصلح للجماع عالما بحالها أو جاهلا وقلنا بالاظهر: إنه لا يجب تسليم مهرها، هل له الاسترداد ؟ فرع إذا استمهلت بعد تسليم الصداق، أمهلت لتتهيأ بالتنظيف والاستحداد، وإزالة الاوساخ على ما يراه القاضي من يوم ويومين، وغاية المهلة ثلاثة. وظاهر كلام الغزالي في الوسيط، إثبات خلاف في أن المهلة بقدر ما تتهيأ، أم تقدر بثلاثة أيام ؟ والمذهب خلافه ثم المفهوم من كلام الاكثرين، أنه يجب الامهال إذا استمهلت في العدة، أنه ليس بواجب. وعن نصه في الاملاء قول: إنه لا إمهال أصلا. والمذهب الاول، ولا تمهل لتهيئة الجهاز، ولا لانتظار السمن ونحوهما، ولا بسبب الحيض والنفاس، بل تسلم لسائر الاستمتاعات كالرتقاء والقرناء. وإن كانت صغيرة لا تحتمل الجماع، أو كان بها مرض أو هزال تتضرر بالوطئ معه، أمهلت إلى زوال المانع. ويكره للولي تسليم هذه الصغيرة، ولا يجوز للزوج وطؤها إلى أن تصير محتملة. ولو قال الزوج: سلموا إلي الصغيرة أو المريضة ولا أقربها إلى أن يزول ما بها، قال البغوي: يجاب في المريضة دون الصغيرة، لان الاقارب أحق بالحضانة وفي الوسيط أنه لا يجاب في الصورتين، لانه ربما وطئ فتتضرران، بخلاف الحائض، فإنها لا تتضرر لو وطئ.

(5/585)


وله أن يمتنع من تسلم الصغيرة، لانه نكح للاستمتاع لا للحضانة. وفي المريضة وجهان. قال في الشامل: الاقيس أنه ليس له الامتناع، كما ليس له أن يخرجها من داره إذا مرضت. وإذا تسلم المريضة، فعليه النفقة لا كالصغيرة، لان المرض عارض متوقع الزوال. ولو كانت المرأة نحيفة بالجبلة، فليس لها الامتناع بهذا العذر، لانه غير متوقع الزوال كالرتقاء. ثم إن خافت الافضاء لو وطئت لعبالة الزوج، فليس عليها التمكين من الوطئ. قال الائمة: وليس له الفسخ، بخلاف الرتق، لانه يمنع الوطئ مطلقا، والنحافة لا تمنع وطئ نحيف مثلها، وليس ذلك بعيب أيضا. ولو وطئ زوجته فأفضاها، فليس له العود إلى وطئها حتى تبرأ البرء الذي لو عاد لم يخدشها، هذا نص الشافعي رضي الله عنه. فإن اختلفا في حصول البرء، فأنكرته، قال الشافعي رحمه الله: القول قولها قال المتولي: المراد بالنص إذا ادعت بقاء ألم بعد الاندمال، لانه لا يعرف إلا منها. أما إذا ادعت بقاء الجرح، وأنكرت أصل الاندمال، فتعرض على أربع نسوة ثقات، ويعمل بقولهن. ومنهم من حمل النص على ما إذا لم يمض من الزمان ما يغلب فيه البرء، فإن مضى راجعنا النسوة. ومنهم من أطلق القول بمراجعتهن عند الاختلاف. وعلى هذا، فالنص على ما إذا لم يكن نسوة ثقات. فرع مسائل عن مجرد الحناطي اختلف الزوج وأبو الزوجة فقال أحدهما: هي صغيرة لا تحتمل الجماع، وقال الآخر: تحتمله. فهل القول قول منكر الاحتمال، أم تعرض على أربع نسوة، أو رجلين من المحارم ؟ وجهان. قلت: أصحهما: الثاني. والله أعلم. ولو قال الزوج: زوجتي حية فسلمها وقال: لا بل ماتت، فالقول قول

(5/586)


الزوج. ولو تزوج رجل ببغداد إمرأة بالكوفة، وجرى العقد ببغداد، فالاعتبار بموضع العقد، فتسلم نفسها ببغداد، ولا نفقة لها قبل أن يحصل ببغداد. ولو خرج الزوج إلى الموصل وبعث إليها من يحملها من الكوفة إلى الموصل، فنفقتها من بغداد إلى الموصل على الزوج.
الحكم الثالث : التقرير، فالمهر الواجب بالنكاح أو بالفرض، يستقر بطريقين. أحدهما: الوطئ وإن كان حراما لوقوعه في الحيض أو الاحرام، لان وطئ الشبهة يوجب المهر ابتداء، فذا أولى بالتقرير، ويستقر بوطأة واحدة. الطريق الثاني: موت أحد الزوجين، والموت وإن أطلقوا أنه مقرر، فيستثنى منه إذا قتل السيد أمته المزوجة، فإنه يسقط مهرها على المذهب. ومنهم من ألحق بهذه الصورة غيرها كما ذكرناه في أول الباب الحادي عشر. فصل الخلوة لا تقرر المهر، ولا تؤثر فيه على الجديد وهو الاظهر. وعلى هذا، لو اتفقا على الخلوة وادعت الاصابة، لم يترجح جانبها، بل القول قوله بيمينه. وفي القديم، الخلوة مؤثرة، وفي أثرها قولان. أحدهما: أثرها تصديق المرأة إذا ادعت الاصابة، ولا يتقرر المهر بمجردها، سواء طال زمنها أم قصر. وأظهرهما: أنها كالوطئ في تقرير المهر ووجوب العدة. وعلى هذا، تثبت الرجعة

(5/587)


على الاصح. وهل يشترط على القديم في تقرر المهر بالخلوة أن لا يكون مانع شرعي كحيض وإحرام وصوم ؟ فيه وجهان. ويشترط أن لا يكون مانع حسي، كرتق أ وقرن فيها، أو جب أو عنة فيه قطعا. وإذا قلنا: مجرد الخلوة لا تقرر، ففي الوطئ فيما دون الفرج وجهان، كثبوت المصاهرة.
الباب الثاني : في الصداق الفاسد لفساده ستة أسباب.
السبب الأول : أن لا يكون المذكور مالا، بأن سميا خمرا، وقد اندرج هذا في الحكم الاول من الباب الاول. ولو أصدقها شيئا فخرج مغصوبا، فهل يجب مهر المثل، أم قيمة المغصوب ؟ قولان. أظهرهما الاول. ولو أصدقها عبدين، فخرج أحدهما حرا أو مغصوبا، بطل الصداق فيه. وفي آخر، قولا تفريق الصفقة. فإن أبطلنا فيه أيضا، فهل لها مهر المثل أم قيمتهما ؟ فيه القولان وإن صححنا، فلها الخيار. فإن فسخت، فعلى القولين، وإن أجازت، فقولان. أحدهما: تأخذ الباقي ولا شئ لها غيره، وأظهرهما: تأخذ معه حصة المغصوب من مهر المثل إذا وزعناه على القيمتين على الاظهر، وعلى الثاني: تأخذ قيمته. فرع أصدقها عبدا أو ثوبا غير موصوف، فالتسمية فاسدة، ويجب مهر المثل قطعا. وإن وصف العبد والثوب، وجب المسمى، وحيث جرت تسمية فاسدة، وجب مهر المثل بالغا ما بلغ.
السبب الثاني : الشرط في النكاح، إن لم يتعلق به غرض، فهو لغو كما سبق في البيع، وإن تعلق به لكن لا يخالف مقتضى النكاح بأن شرط أن ينفق عليها أو يقسم لها، أو يتسرى، أو يتزوج عليها إن شاء، أو يسافر بها، أو لا تخرج

(5/588)


إلا بإذنه، فهذا لا يؤثر في النكاح ولا في الصداق. وإن شرط مايخالف مقتضاه، فهو ضربان. أحدهما: ما لا يخل بالمقصود الاصلي من النكاح، فيفسد الشرط، سواء كان لها، بأن شرط أن لا يتزوج عليها أو لا يتسرى، أو يطلقها، أو لا يسافر بها، أو أن تخرج متى شاءت، أو يطلق ضرتها. أو كان عليها، بأن شرط أن لا يقسم لها، أو يجمع بين ضراتها وبينها في مسكن، أو لا ينفق عليها. ثم فساد الشرط لا يفسد النكاح على المشهور. وفي وجه أو قول حكاه الحناطي: يبطل النكاح. وأما الصداق، فيفسد، ويجب مهر المثل سواء زاد على المسمى أم نقص أم ساواه، هذا هو المذهب. وعن ابن خيران: إن زاد والشرط لها، فالواجب المسمى، وكذا إن نقص والشرط عليها، ومنهم من جعل هذا قولا مخرجا. وحكى الحناطي وجها: أن الواجب في الشروط الفاسدة أقل الامرين من المسمى ومهر المثل. ووجها: أن الشرط لا يؤثر في الصداق، كما لا يؤثر في النكاح. الضرب الثاني: ما يخل بمقصود النكاح كشرطه أن يطلقها، أو لا يطأها، وقد سبق الكلام في الصورتين ففصل التحليل. فإن صححنا النكاح، أثر الشرط في الصداق كسائر الشروط الفاسدة. فرع نكحها على ألف إن لم يخرجها من البلد، وعلى ألفين إن أخرجها، وجب مهر المثل، وذكر الحناطي أنه لو نكحها على أن لا يرثها أو لا ترثه، أو لا يتوارثا، أو على أن النفقة على غير الزوج، بطل النكاح. وفي قول: يصح ويبطل الشرط، وأنه لو زوج أمته عبد غيره بشرط أن لا أولاد بين السيدين، صح

(5/589)


النكاح وبطل الشرط، نص عليه في الاملاء. وفي قول: يبطل النكاح. فصل شرط الخيار في النكاح يبطل النكاح. ولو شرط الخيار في الصداق، فهل يبطل النكاح، أم يصح ويجب المسمى، أم يصح النكاح ويفسد المسمى ويجب مهر المثل ؟ فيه ثلاثة أقوال. أظهرها: الثالث. وإذا صححنا الصداق، ثبت الخيار على الاصح كما حكي عن نصه، أنه لو أصدقها عينا غائبة، صح ولها خيار الرؤية. فعلى هذا، إن أجازت فذاك، وإن فسخت، رجعت إلى مهر المثل. وإذا أثبتنا خيار الشرط، ففي خيار المجلس وجهان نقلهما الشيخ أبو الفرج. فصل نقل المزني في المختصر أنه لو نكحها بألف على أن لابنها ألفا، فسد الصداق، وأنه لو نكحها بألف على أن يعطي أباها ألفا، كان الصداق جائزا. وللاصحاب طرق. المذهب منها فساد الصداق في الصورتين، ووجوب مهر المثل فيهما. وعلى هذا، منهم من غلط المزني في نقله في الصورة الثانية، ومنهم من تأوله. والطريق الثاني: فساد الصداق في الاولى دون الثانية عملا بالنصين. والثالث: طرد قولين فيهما. ونسب العراقيون الصحة إلى القديم. وقيل: إن

(5/590)


شرط الزوج، فسد، وإن شرطت، فلا، حكاه البغوي، وإذا صححنا، فالمهر في الصورتين ألفان.
السبب الثالث : تفريق الصفقة. فإذا أصدقها عبداعلى أن ترد إليه مائة أو ألفان، وصورته أن يقول للولي: زوجني بنتك وملكني كذا من مالها بولاية أو وكالة بهذا العبد، فيجيبه (إليه) أو يقول الولي: زوجتك بنتي وملكتك كذا من مالها بهذا العبد، فيقبل الزوج، فهذا جمع بين عقدين مختلفي الحكم في صفقة، فإن بعض العبد صداق وبعضه مبيع. وفي صحة البيع والصداق قولان. أظهرهما: الصحة. ويصح النكاح قطعا إلا على القول الشاذ السابق أن النكاح يفسد بفساد الصداق. فإذا أبطلنا البيع والصداق، فلها مهر المثل. وإذا صححناهما، وزعنا العبد على مهر مثلها وعلى الثمن. فإذا كان مهر مثلها ألفا والثمن ألفا، والعبد يساوي ألفين، فنصفه مبيع ونصفه صداق. فإن طلقها قبل الدخول، رجع إليه نصف الصداق وهو ربع العبد. وإن فسخ النكاح بعيب ونحوه، رجع إليه جميع الصداق وهو نصف العبد. ولو تلف العبد قبل القبض، استردت الالف، ولها بدل الصداق وهو مهر المثل على الاظهر، ونصف قيمة العبد على الثاني. ولو وجد الزوج بالثمن الذي أخذه عيبا ورده، استرد المبيع وهو نصف العبد، ويبقى لها النصف الآخر. ولو وجدت العبد معيبا فردته، استردت الثمن، وترجع في الصداق إلى مهر المثل على الاظهر، ونصف القيمة على الثاني. ولو أرادت أن ترد أحد النصفين وحده، جاز على الاصح لتعدد العقد. والثاني: المنع لتضرر التبعيض. ولو قال: زوجتك بنتي أو جاريتي، وبعتك عبدها أو عبدي بكذا، ففي صحة البيع والصداق قولان ذكرناهما في تفريق الصفقة. فإن صححناهما، وزع

(5/591)


العوض المذكور على مهر المثل وقيمة العبد، فما خص مهر المثل فهو صداق. وإذا وجد الزوج بالعبد عيبا، استرد الثمن وليس للمرأة رد الباقي والرجوع إلى مهر المثل، لان المسمى صحيح. وإن رد العبد بعيب، أو فسخ النكاح قبل الدخول بعيب، رجع إليه جميع العوض المذكور. وإن خرج العوض المعين مستحقا، رد العبد ورجعت للصداق إلى مهر المثل على الاظهر. وعلى الثاني: إلى حصة الصداق منه. فرع لبنته مائة درهم، فقال لرجل: زوجتك بنتي وملكتك هذه الدراهم بهاتين المائتين لك، فالبيع والصداق باطلان، نص عليه في الام لانه ربا، فإنه مسألة مد عجوة. فلو كان من أحد الطرفين دنانير، كان جمعا بين صداق وصرف، وفيه القولان. فصل جمع نسوة في عقد بصداق واحد، وهذا يتصور عند اتحاد الولي، بأن يكون له بنات بنين، أو إخوة، أو أعمام، أو معتقات. ويتصور مع تعدد الولي، بأن وكل أولياء نسوة رجلا، فالنكاح صحيح. وفي الصداق طريقان. أحدهما: القطع بفساده. وأصحهما: على قولين. أظهرهما: فساده. ويجري الطريقان فيما لو خالع نسوة على عوض واحد، هل يفسد العوض ؟ وأما البينونة، فتحصل قطعا. ونص الشافعي رضي الله عنه، أنه لو اشترى عبيدا لملاك صفقة من المالكين، أو وكيلهم، بطل البيع. ولو كانت عبيدابعوض واحد، صحت الكتابة. واختلفوا في البيع والكتابة، الذين قالوا في النكاح والخلع قولان، على أربع طرق. أحدها: طرد القولين فيهما. والثاني: يفسد البيع. وفي الكتابة قولان. والثالث: تصح الكتابة. وفي البيع قولان. والرابع: تصح الكتابة ويفسد البيع وإن أفردت. قلت: في البيع طريقان. أصحهما: طرد القولين، والثاني: القطع بالفساد، وبه قال الاصطخري. وفي الكتابة، طريقان. أصحهما: قولان.

(5/592)


والثاني: القطع بالصحة. وإذا قلنا بصحة الصداق المسمى، وزع المسمى على نسبة مهور أمثالهن على المذهب. وفي وجه أو قول ضعيف: يوزع المسمى على عدد رؤوسهن. وإذا قلنا بفساد الصداق، ففيم يجب لهن قولان كما لو أصدقها خمرا. أظهرهما: يجب لكل واحدة منهن مهر مثلها. والثاني: يوزع المسمى على مهور أمثالهن، ولكل واحدة ما يقتضيه التوزيع، ويكون الحاصل لهن على هذا القول كالمسمى إذا قلنا بصحته. ولو زوج أمتيه بعبد على صداق واحد، صح الصداق، لان المستحق واحد كبيع عبدين بثمن. ولو كان له أربع بنات، ولآخر أربع بنين، فزوجهن بهم صفقة بمهر واحد بأن قال: زوجت بنتي فلانة ابنك فلانا، وفلانة فلانا بألف، ففيه طريقان حكاهما المتولي. أحدهما: في صحة الصداق القولان. والثاني: القطع ببطلانه لتعدد المعقود له من الجانبين.
السبب الرابع : أن يتضمن إثبات الصداق رفعه. نقدم عليه أن الاب إذا زوج ابنه الصغير أو المجنون، فإما أن يصدق من مال

(5/593)


الابن، وإما من مال نفسه. فإن أصدق من مال الابن، فالكلام في أنه (هل) يصير ضامنا للصداق إذا كان دينا ؟ وهل يرجع إذا غرم على ما سبق في الطرف السادس من باب بيان الاولياء ؟ فإن تطوع وأداه من مال نفسه ثم بلغ الابن وطلقها قبل الدخول، فهل يرجع النصف إلى الاب أم إلى الابن ؟ فيه طريقان. أحدهما وبه قال الداركي: إنه على الوجهين فيما لو تبرع أجنبي على الزوج بأداء الصداق ثم طلق قبل الدخول، هل يعود النصف إلى الزوج لان الطلاق منه، أم إلى الاجنبي المتبرع ؟ والطريق الثاني وهو المذهب وبه قطع الجمهور: أنه يعود إلى الابن، وفرقوا بينه وبين الاجنبي، بأن الاب يتمكن من تمليك الابن فيكون موجبا قابلا قابضا مقبضا، فإذا حصل الملك، ثم صار للمرأة عاد إليه بالطلاق، والاجنبي بخلافه. فإن كان الابن بالغا، وأدى الاب عنه، فكالأجنبي. والاصح في صورة الاجنبي، عود النصف إلى الاجنبي، قاله الامام: فإذا قلنا: يعود إلى الابن الذي طلق، فإن كان ما أخذه بالطلاق بدل ما أخذته، فلا رجوع للاب، وإن كان عين المأخوذ، فقيل: لا رجوع قطعا. وقيل: على الوجهين فيمن وهب لابنه عينا فزال ملكه عنها ثم عاد، والمذهب المنع. فإن كان الابن بالغا، فقيل: كالصغير. وقيل بالمنع قطعا، لانه (ليس) للاب تمليكه، فالاداء عنه محض إسقاط. أما إذا أصدقها الاب من مال نفسه، فيجوز ويكون تبرعا منه على الابن. قال البغوي: سواء كان عينا أو دينا. ثم لو بلغ الصبي وطلقها قبل

(5/594)


الدخول، عاد الخلاف فيمن يرجع إليه النصف. فإن قلنا بالمذهب وهو العود إلى الابن، فإن كان أصدقها عينا وبقيت بحالها فرجع النصف إليه، فهل للاب الرجوع ؟ فيه الخلاف المذكور فيما إذا زال ملك الابن عن الموهوب ثم عاد. وإن أصدقها دينا، قال البغوي: فلا رجوع فيما حصل، كما لو اشترى لابنه الصغير شيئا في الذمة ثم أداه من ماله ثم وجد الابن بالمبيع عيبا فرده، يسترد الثمن ولا يرجع الاب فيه، بخلاف ما لو خرج المبيع مستحقا يعود الثمن إلى الاب، لانه بان أنه لم يصح الاداء. ولو ارتدت المرأة قبل الدخول، فالقول فيمن يعود إليه كل الصداق وفي رجوع الاب فيه إذا عاد إلى الابن، كالقول في النصف عند الطلاق. إذا عرفت هذه المقدمة، فمن مفسدات الصداق أن يلزم من إثباته رفعه، وذلك إما أن يكون بتوسط تأثيره في رفع النكاح، وإما بغير هذا التوسط. مثال القسم الاول، أذن لعبده أن ينكح حرة ويجعل رقبته صداقا لها ففعل، لا يصح الصداق، لانه لو صح لملكت زوجها وانفسخ النكاح، وارتفع الصداق، ولا يصح أيضا النكاح لانه قارنه ما يضاده، وفي صحته احتمال لبعض الائمة. قلت: هذا الاحتمال، ذكره الامام والغزالي قالا: ولكن لا صائر إليه من الاصحاب، وقد جزم به صاحب الشام ذكره في آخر باب الشغار، ولكن

(5/595)


الذي عليه الجمهور، الجزم ببطلان النكاح. والله أعلم. ولو أذن له في نكاح أمة، ويجعل رقبته صداقها، ففعل، صح النكاح والصداق، لان المهر للسيد لا لها. فلو طلقها قبل الدخول، بني على ما إذا باع السيد عبده بعدما نكح بإذنه ثم طلق العبد المنكوحة بعد أداء المهر وقبل الدخول، إلى من يعود النصف ؟ وفيه أوجه. أصحها: إلى المشتري، سواء أداه البائع من مال نفسه أو من كسب العبد، قبل البيع أو بعده، لان الملك في النصف إنما حصل بالطلاق، والطلاق في ملك المشتري، فأشبه سائر الاكساب. والثاني: يعود إلى البائع بكل حال. والثالث: إن أداه البائع من عنده أو أدى من كسب العبد قبل البيع، عاد إلى البائع، وإن أدى من كسبه بعد البيع، عاد إلى المشتري، ولو فسخ أحدهما النكاح بعيب، أو ارتدت، أو عتقت وفسخت، جرت الاوجه في أن كل الصداق إلى من يعود ؟ ولو أعتق العبد ثم طلق قبل الدخول، أو حدث شئ من الاسباب المذكورة، فحيث نقول بالعود إلى البائع، يعود هنا إلى المعتق، وحيث جعلناه للمشتري، يكون هنا للعتيق. فإن قلنا بالاصح وهو العود إلى المشتري، ففي المسألة التي كنا فيها تبقى رقبة العبد كلها لمالك الامة. وإن قلنا بالعود إلى البائع، فكذا هنا يعود النصف إلى السيد المصدق في صورة الطلاق، ولو ارتدت أو فسخت بعيب، عاد الكل إليه. ولو أعتق مالك الامة العبد ثم طلقها قبل الدخول، أو فسخت أو ارتدت، فعلى المعتق نصف قيمة العبد في صورة الطلاق، وجميعها في الفسخ (و) الردة، ويكون ذلك للزوج العتيق على الاصح، ولسيده الاول على الوجه الآخر. ولو قبل نكاح أمة لعبده الرضيع على قولنا: يجوز إجبار العبد الصغير على النكاح وجعله صداقها، فأرضعت الامة زوجها وانفسخ النكاح، فالعبد يبقى لمالك الامة على الاصح. وعلى الوجه الآخر: يعود إلى سيده الاول. ولو ارتضع الصغير بنفسه، فهو كالطلاق قبل الدخول. ولو باع مالك الامة العبد ثم طلق العبد قبل الدخول، وحصلت ردة، أو فسخت، فعلى الوجه المقابل للاصح: يجب عليه لسيد العبد الاول نصف قيمة العبد في صورة الطلاق، وجميع قيمته في سائر الصور. وأما على الوجه الاصح،

(5/596)


فقد أطلق في التهذيب أنه لا شئ عليه. وقال الشيخ أبو علي: يرجع مشتري العبد عليه بنصف القيمة أو بجميعها، لان الصداق على هذا الوجه يكون أبدا لمن له العبد يوم الطلاق أو الفسخ، وهذا هو الصواب، وليتأول ما في التهذيب على أنه لا شئ عليه للسيد الاول. ولو باع الامة ثم طلق، أو فسخت، فعلى الاصح يبقى العبد له ولا شئ عليه، وعلى الآخر يعود نصفه أو كله مثال القسم الثاني: كانت أم ابنه الصغير في ملكه، بأن إلى السيد الاول استولد أمة غيره بنكاح، ثم ملكها هي وولدها، فيعتق عليه الولد دونها. فلو قبل لابنه نكاح إمرأة وأصدقها أمة، لم يصح الصداق، لان ما يجعله صداقا يدخل في ملك الابن أولا، ثم ينتقل إلى المرأة، ولو دخلت في ملكه، لعتقت عليه وامتنع انتقالها إلى الزوجة، فيصح النكاح ويفسد الصداق، ويجئ الخلاف في أن الواجب مهر المثل أم قيمتها ؟ هذا ما ذكره الاصحاب. وقد ذكرنا خلافا فيما إذا أصدق الاب من ماله عن الصغير، ثم بلغ وطلق قبل الدخول، لان النصف يرجع إلى الاب أو إلى الابن. فمن قال: إلى الاب، فقد ينازع في قولهم: لا يدخل في ملكها حتى يدخل في ملك الابن.
السبب الخامس : تفريط الولي في قدر المهر. فإذا قبل لابنه الصغير أو المجنون نكاحا بمهر المثل أو دونه، أو بعين من أمواله بقدر مهر المثل أو دونه، صح. وإن قبله بأكثر من مهر المثل، فالصداق فاسد. وكذا لو زوج بنته المجنونة أو البكر، أو الصغيرة أو الكبيرة بغير إذنها بأقل من مهر المثل، فسد الصداق. وفي النكاح في المسألتين قولان: أظهرهما: صحته كسائر الاسباب المفسدة، ويجب مهر المثل. وفيما إذا أصدقها عينا وجه أنه تصح التسمية في قدر مهر المثل. والقول الثاني: لا يصح النكاح، لانه ترك مصلحة المولى عليه، فصار كترك الكفاءة. ولو أصدق عن ابنه أكثر من مهر المثل من مال نفسه، ففيه احتمالان للامام. أحدهما: يفسد المسمى، لانه يتضمن دخوله في ملك الابن، ثم يكون متبرعا بالزيادة. والثاني: يصح وتستحق المرأة المسمى، لانه لا ضرر على الابن، بل إذا لم

(5/597)


نصححه أضررنا به، فإنه مهر المثل في ماله، وبهذا الثاني قطع الغزالي والبغوي، ورجح المتولي والسرخسي في الامالي الاحتمال الاول، ويتأيد بأنه لو لزم الصبي كفارة قتل فأعتق الولي عنه عبدا لنفسه، لم يجز لانه يتضمن دخوله في ملكه وإعتاقه عنه، وإعتاق عبد الطفل لا يجوز. فصل إذا اتفقوا على مهر في السر وأعلنوا بأكثر من ذلك، فعن الشافعي رضي الله عنه أنه قال في موضع: المهر مهر السر، وفي موضع: العلانية.

(5/598)


وللاصحاب طريقان. أحدهما: إثبات قولين: وفي موضعهما وجهان: أحدهما: موضعهما إذا اتفقوا على ألف، واصطلحوا على أن يعبروا عن الالف في العلانية بألفين. أظهر القولين وجوب ألفين بجريان اللفظ الصريح بهما. والثاني: الواجب ألف عملا باصطلاحهما. والوجه الثاني: إثبات قولين مهما اتفقوا على ألف وجرى العقد بألفين وإن لم يتعرضوا للتعبير عن ألف بألفين اكتفاء بقصدهم. قال الامام: وعلى هذه القاعدة تجري الاحكام المتلقاة من الالفاظ. فلو قال الزوج لزوجته: إذا قلت: أنت طالق ثلاثا، لم أرد به الطلاق، وإنما غرضي أن تقومي وتقعدي، وأريد بالثلاث واحدة، فالمذهب أنه لا عبرة بذلك. وفي وجه: الاعتبار بما تواضعا عليه. ثم ما المعنى بما أطلقناه في الوجهين من الاتفاق في السر، أهو مجرد التراضي والتواعد ؟ أم المراد ما إذا جرى العقد بألف في السر ثم عقدوا بألفين في العلانية ؟ منهم من يشعر كلامه بالاول، ومقتضى كلام البغوي وغيره إثبات القولين وإن جرى العقدان. قال البغوي: وخرج بعضهم من هذا، أن المصطلح عليه قبل العقد كالمشروط في العقد، وقد سبق بيان هذا التخريج. والطريق الثاني وهو المذهب: تنزيل النصين على حالين، فحيث قال: المهر مهر السر، أراد إذا عقد في السر بألف، ثم أتوا بلفظ العقد في العلانية بألفين تحملا وهم متفقون على بقاء العقد الاول. وحيث قال: المهر مهر العلانية، أراد إذا تواعدوا أن يكون المهر ألفا، ولم يعقد في السر ثم عقدوا في العلانية، فالمهر مهر العلانية لانه العقد. ونقل الحناطي وغيره في المسألة نصا ثالثا، وهو أنه يجب مهر المثل ويفسد المسمى، وحملوه على ما إذا جرى العقد بألفين على أن يكتفى بألف، أو على أن لا يلزمه إلا أداء ألف. والمعتبر في المسألة توافق الولي والزوج، وقد يحتاج إلى مساعدة المرأة.
السبب السادس : مخالفة الآمر لا يشترط في إذن المرأة حيث يعتبر إذنها تقدير المهر، ولا ذكره. لكن لو قدرت فقالت: زوجني بألف مثلا، فزوجها الولي أو

(5/599)


وكيله بخمسمائة، لم يصح النكاح، وألحق البغوي بهذه الصورة ما إذا زوجها الولي بلا مهر أو مطلقا. وقيل: في صحة النكاح في صورة الولي قولان. ولو قالت لوكيل الولي: زوجني ولم تتعرض للمهر، فزوجها بدون مهر المثل، فسد النكاح على المذهب. وقيل: قولان. أحدهما: يفسد. والثاني: يصح بمهر المثل. وذكر البغوي هذين الطريقين فيما لو وكل الولي بالتزويج مطلقا، فزوج الوكيل ونقص عن مهر المثل. وإذا قلنا: لا يصح نكاح الوكيل إذا نقص عن مهر المثل فلو أطلق التزويج ولم يتعرض للمهر، ففيه احتمالان للامام. أحدهما: لا يصح النكاح أيضا، لان الاطلاق يقتضي ذكر المهر عرفا. وأصحهما: يصح مهر المثل لان فعله مطابق للاذن. ولو أذنت للولي في التزويج مطلقا، فزوج بدون مهر المثل أو بلا مهر، فهل يبطل النكاح أم يصح بمهر المثل ؟ فيه القولان السابقان في السبب الخامس. أظهرهما: الصحة. وقيل: يفسد قطعا كالوكيل. ولو قالت للولي أو للوكيل: زوجني بما شاء الخاطب، فقال المأذون له للخاطب: زوجتكها بما شئت، فإن لم يعرف ما شاء الخاطب، فقد زوجها بمجهول، فيصح النكاح بمهر المثل. وإن عرف، فوجهان. أصحهما: صحة المسمى لعلمها به. والثاني: يصح النكاح بمهر المثل، وبه قال القاضي حسين لابهام اللفظ. قلت: هذا المذكور في هذا السبب، هو طريقة الخراسانيين. وأما العراقيون فقطعوا بصحة النكاح في كل هذه المسائل. قال صاحب البيان: إذا أذنت في التزويج، فزوجها وليها بلا مهر، أو بدون مهر المثل، أو بدون ما أذنت فيه أو بغير جنسه، أو زوج الاب البكر الصغيرة أو الكبيرة بلا مهر أو بأقل من مهر مثلها، أو وكل بعلا فزوجها بلا مهر، أو بأقل من مهر مثلها، فقال أصحابنا البغداديون: يصح النكاح في كل الصور بمهر المثل. وحكى الخراسانيون قولين في صحة النكاح في جميع ذلك. والله أعلم.

(5/600)


فرع قال الولي للوكيل: زوجها من شاءت بكم شاءت، فزوجها برضاها بغير كف ء بدون مهر المثل، صح. ولو قال: زوجها بألف فزوجها بخمسمائة برضاها، قال المتولي: الصحيح صحة النكاح، لان المهر حقها. وقيل: لا يصح لانه باشر غير ما وكل فيه. فرع جاء رجل وقال: أنا وكيل فلان في قبول نكاح فلانة بكذا، فصدقه الولي والمرأة، وجرى النكاح، وضمن الوكيل الصداق، ثم إن فلانا أنكره وصدقناه باليمين، فهل يطالب الوكيل بشئ من الصداق ؟ وجهان. أحدهما: لا، لان مطالبة الاصل سقطت والضامن فرعه. وأصحهما وهو محكي عن نصه في الاملاء: أنه يطالب بنصف الصداق، لان المال ثابت عليهما بزعمه، فصار كما لو قال: لزيد على عمرو ألف وأنا ضامنة، فأنكر عمرو، يجوز لزيد مطالبة الضامن. فرع في فتاوى البغوي أنه إذا قال الولي للوكيل: لا تزوجها إلا بشرط أن ترهن بالصداق فلانا، أو يتكفله فلان، صح وعلى الوكيل الاشتراط. فإن أهمله، لم يصح النكاح. ولو قال: زوجها بكذا وخذ به كفيلا، فزوجها بلا شرط، صح النكاح لانه أمره بأمرين امتثل أحدهما. وإن قال: لا تزوجها إذا لم يتكفل فلان، ينبغي أن لا يصح التوكيل، لان الكفالة تتأخر عن النكاح، وقد منع العقد إلا بها، وأنه إذا قال للوكيل: زوجها بألف وجارية ولم يصف الجارية، فزوجها الوكيل بألف، لم يصح. ولو قال: زوجها بخمر أو خنزير أو مجهول، فزوجها بألف درهم، فإن كان ذلك نقد البلد وقدر مهر المثل، أو أكثر، صح النكاح والمسمى،

(5/601)


وإلا، فلا.
الباب الثالث : في التفويض وحكم المفوضة التفويض: أن تجعل الامر إلى غيره. ويقال: إنه الاهمال. ومنه قوله: لا يصلح الناس فوضى... وسميت المرأة مفوضة لتفويضها أمرها إلى الزوج أو الولي بلا مهر، أو لانها أمهلت المهر. ومفوضة بفتح الواو، لان الولي فوض أمرها إلى الزوج. وفي الباب طرفان. أحدهما: في صورة التفويض. والثاني: في حكمه. أما الاول: فالتفويض ضربان. تفويض مهر وتفويض بضع. فتفويض المهر أن تقول لوليها: زوجني على أن المهر ما شئت أو ما شئت أنا، أو ما شاء الخاطب، أو فلان، فإن زوجها على ما ذكرت من الابهام، فحكمه ما سبق في آخر الباب السابق. وإن زوجها بما عين المذكور مشيئته، صح المسمى وإن كان دون مهر المثل. وإن زوجها بلا مهر، فهل يبطل النكاح، أم يصح بمهر المثل ؟ فيه الخلاف السابق في آخر الباب السابق فيما إذا أطلقت الاذن وزوج الولي بدون مهر المثل، وليس النكاح في هذه الصور خاليا عن المهر، وليس هذا لتفويض بالتفويض الذي عقدنا له الباب. وأما تفويض البضع، فالمراد به: إخلاء النكاح عن المهر، وإنما يعتبر إذا صدر من مستحق المهر بأن تقول البالغة الرشيدة، ثيبا كانت أو بكرا: زوجني بلا مهر

(5/602)


أو على أن لامهر، فيزوجها الولي وينفي المهر، أو يسكت عنه. ولو قالت: زوجني وسكتت عن المهر، فالذي ذكره الامام وغيره، أن هذا ليس بتفويض، لان النكاح يعقد غالبا بمهر، فيحمل الاذن على العادة، فكأنها قالت: زوجني بمهر، ويوافق هذا ما سبق. وفي بعض كتب العراقيين ما يقتضي كونه تفويضا. ومن التفويض الصحيح أن يقول سيد الامة: زوجتها بلا مهر، أو زوجها ساكتا عن المهر. ولو أذنت الحرة لوليها في التزويج، على أن لا مهر لها في الحال ولا عند الدخول ولا غيره، وزوجها الولي كذلك، فوجهان. أحدهما: بطلان النكاح. وأصحهما: صحته. وعلى هذا، هل هو تفويض فاسد فيجب مهر المثل، أم يلغى النفي في المستقبل ويكون تفويضا صحيحا ؟ وجهان، وبالاول قال أبو إسحق، لانه شرط فاسد، والشرط الفاسد في النكاح يوجب مهر المثل. ولو زوجها لولي ونفى المهر من غير أن ترضى هي بمهر المثل، فهو كما لو نقص عن مهر المثل. فإن

(5/603)


كان مجبرا، فهل يبطل النكاح، أم يصح بمهر المثل ؟ قولان. وإن كان غير مجبر، فهل يبطل قطعا أم على القولين ؟ فيه طريقان، وقد سبق جميع هذا. فرع لا يصح تفويض المحجور عليها لسفه، ولا الصبية المميزة. وإذا قالت السفيهة: زوجني بلا مهر، استفاد به الولي الاذن في النكاح ولغا التفويض. فرع نكحها على أن لامهر لها ولا نفقة، أو على أن لا مهر لها وتعطي زوجها ألفا، فهذا أبلغ في التفويض. ولو قالت للولي: زوجني بلا مهر، فزوجها بمهر المثل من نقد البلد، صح المسمى. وإن زوجها بدون مهر المثل أو بغير نقد البلد، لم يلزم المسمى، وكان كما لو نكحها تفويضا. الطرف الثاني: في حكم التفويض، وفيه مسائل. إحداها: هل تستحق المفوضة مهر المثل بنفس العقد، أم لا يجب بنفس العقد ؟ فيه قولان. أظهرهما: الثاني. فعلى هذا، إذا وطئها، وجب مهر المثل على الصحيح. وعن القاضي حسين تخريج وجه: أنه لا يجب، خرجه من وطئ المرتهن المرهونة بإذن الراهن، ظانا الاباحة، والجامع حصول الاذن من مالك البضع، وموضع هذا الوجه على ما ذكره أكثر من نقله ما إذا جددت إذنا في الوطئ وصرحت بنفي المهر. قال الامام: والقياس أن لا يشترط تجديد الاذن، قال: وقد رأيت في بعض المجموعات ما يدل عليه، وإذا قلنا بالصحيح وأوجبنا مهر المثل، فهل تعتبر حالة الوطئ، أم يجب أكثر مهر من يوم العقد إلى الوطئ ؟ فيه وجهان، أو قولان. أظهرهما: الثاني. الثانية: مات أحد الزوجين قبل الفرض والمسيس، فهل يجب مهر المثل أم لا يجب شئ ؟ فيه خلاف مبني على حديث بروع بنت واشق، أنها نكحت بلا مهر، فمات زوجه قبل أن يفرض لها، فقضى لها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بمهر نسائها والميراث، فقيل إن ثبت الحديث، وجب المهر، وإلا فقولان. وقيل: إن لم

(5/604)


يثبت، فلا مهر، وإلا فقولان. وقيل: إن ثبت، وجب، وإلا، فلا، وهو ظاهر لفظ المختصر. وقيل: قولان وهو الاصح، وبه قال العراقيون والحليمي، واختلفوا في الاظهر منهما، فرجع صاحب التقريب والمتولي، الوجوب. ورجح العراقيون والامام والبغوي والروياني، أنه لا يجب. قلت: الراجح ترجيح الوجوب، والحديث صحيح رواه أبو داود والترمذي والنسائي وغيرهم. قال الترمذي: حديث حسن صحيح، ولا اعتبار بما قيل في إسناخه، وقياسا على الدخول، فإن الموت مقرر كالدخول، ولا وجه للقول الآخر مع صحة الحديث. والله أعلم. فإن أوجبنا، فيجب مهر المثل باعتبار يوم العقد، أم يوم الموت، أم أكثرهما ؟ فيه ثلاثة أوجه حكاها الحناطي. الثالثة: طلقها قبل الدخول، إن كان فرض لها، تشطر المفروض كالمسمى في العقد، وإن لم يكن فرض لها، فلا يشطر على المذهب، وبه قطع الاصحاب. وعن الشيخ أبي محمد والمتولي، خلاف مبني على أن المهر يجب بالعقد أم لا ؟ قال الامام: لا يعتد بهذا، ولا يلتحق بالوجوه الضعيفة.

(5/605)


الرابعة: إذا قلنا: لا يجب المهر للمفوضة بالعقد، فلها مطالبة الزوج بفرض مهر قبل المسيس. وإن أوجبناه بالعقد، فمن قال: يشطر بالطلاق قبل المسيس، قال: ليس لها طلب الفرض، لكن لها طلب المهر نفسه، كما لو وطئها ووجب مهر المثل، تطالب به لا بالفرض. ومن قال: لا يتشطر. قال: لها طلب الفرض ليتقرر الشطر فلا يسقط بالطلاق، وهذا هو المذهب. ولها حبس نفسها للفرض، وهل لها حبس نفسها لتسليم المفروض ؟ قال البغوي والروياني: نعم كالمسمى: وحكى الامام عن الاصحاب المنع، وبه قطع الغزالي لانها سامحت بالمهر، فكيف تضايق في تقديمه. فرع الفرض يوجد من الزوج، أو القاضي، أو أجنبي. الضرب الاول: إذا فرض الزوج، نظر، إن لم ترض به المرأة، فكأنه لم يفرض وفيما علق عن الامام، أنه لا يشترط القبول منها، بل يكفي طلبها وإسعافه، وليكن هذا فيما إذا طلبت عينا أو مقدرا فأجابها، أما إذا أطلقت الطلب، فلا يلزم أن تكون راضية بما يعينه أو يقدره. أما إذا تراضيا على مهر، فينظر، إن جهلا قدر مهر المثل، أو جهله أحدهما، ففي صحة الفرض قولان. أظهرهما عند الجمهور: صحته وهو نصه في الاملاء والقديم. وإن كانا عالمين به، صح ما فرضاه. ويجوز إثبات الاجل في المفروض على الاصح، ويجوز أن يكون زائدا على مهر المثل إن كان من غير جنسه، وكذا إن كان منه على المذهب. الضرب الثاني: فرض القاضي وذلك إذا امتنع الزوج من الفرض، أو تنازعا في قدر المفروض، فيفرضه، ولا يفرض إلا من نقد البلد حالا. ولو رضيت بالاجل، لم يؤجل، بل تؤخر هي إن شاءت، ولا يزيد على مهر المثل ولا ينقص، كما في قيم المتلفات. ولكن الزيادة والنقص اليسير الذي يقع في محل

(5/606)


الاجتهاد، لا اعتبار به، ويشترط علمه بقدر مهر المثل. قال الشيخ أبو الفرج: وإذا فرض، لم يتوقف لزومه على رضاهما، لانه حكم منه، وحكم القاضي لا يفتقر لزومه إلى رضى الخصمين. الضرب الثالث: فرض الاجنبي. فإذا فرض أجنبي للمفوضة مهرا يعطيه من مال نفسه برضاها، لم يصح على الاصح. فإن صححنا، طالبت الاجنبي بالمفروض، وسقطت المطالبة عن الزوج. وعلى هذا، لو طلقت قبل الدخول، فنصف المفروض يعود إلى الزوج أم إلى الاجنبي ؟ فيه الوجهان السابقان فيما إذا تبرع أجنبي بأداء المسمى ثم طلقت قبل المسيس ذكرناهما فيما لو أصدق عن ابنه. فرع أبرأت المفوضة عن المهر قبل الفرض والمسيس، فإن قلنا: يجب المهر بالعقد، صح الابراء إن كانت تعلم مهر المثل، فإن جهلته، ففي صحة الابراء عن المجهول قولان سبقا في الضمان. أظهرهما: المنع. فإن منعنا، فذلك فيما زاد على المتيقن. وفيما استيقنته وجهان من تفريق الصفقة. وإن قلنا: يجب المهر بالعقد، فهو إبراء عما لم يجب، وجرى سبب وجوبه. وفي صحته قولان كالقولين في ضمانه. أظهرهما: فساده، فحصل أن المذهب فساد إبرائها. ولو أسقطت حق الفرض، لم يسقط كإسقاط زوجة المولي، ولو أبرأت عن المتعة قبل الطلاق، فهو إبراء عما لم يجب. وإن أبرأت بعد، فإبراء عن مجهول. ولو تزوج امرأة على خمر أو خنزير، فأبرأته عن المسمى، فهو لغو، لان الواجب غيره. وإن أبرأته عن مهر المثل وهي عالمة به، صح. فرع لزوجته عليه مهر تيقن أنه لا ينقص عن ألف، واحتمل أن يزيد عليه إلى ألفين، ورغبا في البراءة، فينبغي أن تبرئه عن ألفين، ذكره البغوي. ولو قبضت ألفا، وأبرأته من ألف إلى ألفين، فإن بان أن مهرها ألف أو فوق الالف إلى ألفين،

(5/607)


فالبراءة حاصلة، وإن بان فوق الالفين فعليه الزيادة، وحصلت البراءة من ألفين، والقول بحصول براءة حذا بان فوق ألف إلى ألفين، تفريع على أنه إذا قال: ضمنت من واحد إلى عشرة، أو أبرأت، صح الضمان والابراء، وهو الاصح. ولو دفع الزوج إليها ألفين، وحلل لها ما بين ألف وألفين، حل لها ذلك إن بان فوق ألف إلى ألفين. وإن بان دون ألف، فعليها رقدر التفاوت بين مهرها وبين الالف، لانه لم يدخل في التحليل، ويحصل الفرض مجهة الزوجة بلفظ التحليل والابراء، أو الاسقاط والعفو. وأما من جهة الزوج، فيشترط لفظ صالح لتمليك الاعيان. فإن تصرفت في المدفوع وصار دينا، جرت فيه الالفاظ. فرع قال لمن عليه ألف درهم: أبرأتك عن ألف درهم، ثم قال: لم أعلم وقت الابراء أنه كان لي عليه شئ، لا يقبل قوله في الظاهر. وفي الباطن وجهان. قال الاصطخري: لا يقبل أيضا لانه ورد على محل حقه. وقال غيره: يقبل، والخلاف مأخوذ مما إذا باع مال أبيه ظانا حياته فبان ميتا. فصل ذكرنا أن المفروض فرضا صحيحا، كالمسمى في العقد، حتى يتشطر بالطلاق قبل الدخول. فلو فرض فاسدا كخمر، لغا، ولم يؤثر في تشطر مهر المثل، بخلاف التسمية الفاسدة في العقد، فإنها تشطره. فرع نكح ذمي ذمية على أن لا مهر، وترافعا إلينا، حكمنا بحكمنا في المسلمين.
فصل في بيان مهر المثل ويحتاج إليه في مواضع. منها: المفوضة، وفي التفويض الفاسد، وفي التسمية الفاسدة، وفيما إذا نكح نسوة بمهر واحد وقلنا يوزع على مهور أمثالهن، وفي وطئ الشبهة والاكراه على الزنا، وفيه مسائل . إحداها: مهر المثل هو القدر الذي يرغب به في أمثالها، والركن الاعظم في

(5/608)


الباب النسب، وينظر إلى نساء عصباتها، وهن المنتسبات إلى من تنسب هذه إليه كالاخت وبنت الاخت، والعمة وبنت العم، ولا ينظر إلى ذوات الارحام، ويراعى في نساء العصبة قرب الدرجة، وأقربهن الاخوات من الابوين، ثم من الاب، ثم بنات الاخوة من الابوين، ثم من الاب، ثم العمات كذلك، ثم بنات الاعمام. فإن تعذر اعتبار نساء العصبة، اعتبر بذوات الارحام كالجدات والخالات، وتقدم القربى فالقربى من الجهات، وكذا تقدم القربى فالقربى من الجهة الواحدة كالجدات. ولا يتعذر اعتبار نساء العصبة بموتهن، بل يعتبر بعد موتهن، وإنما يتعذر بفقدهن من الاصل، وقد يكون للجهل بمقدار مهورهن، أو لانهن لم ينكحن. فإن تعذرت ذوات الارحام، اعتبرت بمثلها من الاجنبيات، وكذا إن لم يكن نسبها معلوما، وتعتبر العربية بعربية مثلها، والامة بأمة مثلها، وينظر إلى شرف سيدها وخسته، ومهر المعتقة بمعتقة مثلها. وفي وجه: تعتبر المعتقة بنساء الموالي. الثانية: يعتبر مع ما ذكرناه البلد. فإذا كان نساء عصباتها ببلدتين هي في إحداهما، اعتبر بعصبات بلدها. فإن كن كلهن ببلدة أخرى، فالاعتبار بهن لا بأجنبيات بلدها، وتعتبر المشاركة في الصفا ت المرغبة، كالعفة، والجمال، والسن، والعقل، واليسار، والبكارة، والعلم، والفصاحة، والصراحة، وهي أن تكون شريفة الابوين، وسائر الصفات التي تختلف بها الاغراض. وفي وجه: لا اعتبار باليسار وهو بعيد، ومتى اختصت بصفة مرغبة، زيد في مهرها. وإن كان فيها نقص ليس في النسوة المعتبرات مثله، نقص من المهر بقدر ما يليق به. الثالثة: المعتبر غالب عادة النساء المعتبرات. فلو سامحت واحدة منهن، لم يلزم الباقيات المسامحة، إلا أن يكون لنقص دخل النسب وفترت الرغبات. الرابعة: مهر المثل يجب حالا من نقد البلد، كقيمة المتلفات. وإن رضيت

(5/609)


بالتأجيل، لا يوجبه الحاكم مؤجلا، لكن لها أن تسامح بالانظار. فإن كانت النسوة المعتبرات ينكحن بمؤجل أو بصداق بمؤجل، لم يؤجل الحاكم أيضا لكن ينقص ما يليق بالاجل. وإن جرت عادتهن بمسامحة العشيرة دون غيرهم، خففنا مهر هذه في حق العشيرة دون غيرها. وكذا لي كن يخففن، إذا كان الزوج شريفا، خفف في حق الشريف دون غيره. وعن الشيخ أبي محمد: أنه لا يلزم التخفيف في حق العشيرة والشريف. وقيل: مهر المثل الواجب بالعقد يجوز أن يختلف دون الواجب بالاتلاف، والصحيح الاول. فرع تقادم العهد لا يسقط مهر المثل عندنا. فرع الوطئ في النكاح الفاسد، يوجب مهر المثل باعتبار يوم الوطئ كالوطئ بالشبهة، ولا يعتبر يوم العقد، إذ لا حرمة للعقد الفاسد. فرع إذا وطئ مرارا بشبهة واحدة، أو في نكاح فاسد، لم يجب إلا مهر واحد. ولو وطئ بشبهة، فزالت تلك الشبهة، ثم وطئ بشبهة أخرى، وجب مهران. ولو أكرهها على الزنا، وجب بكل وطأة مهر، لان الوجوب هنا بالاتلاف، وقد تعدد ولو وطئ الاب جارية الابن مرارا من غير إحبال، فقيل: يجب بكل وطئ مهر. والاصح أنه لا يجب إلا مهر واحد، لان شبهة الاعفاف تعم الوطآت، وخصص البغوي الوجهين بما إذا اتحد المجلس، وجزم بالتكرار عند اختلاف المجلس. ووطئ الشريك المشتركة، والسيد المكاتبة مرارا، كوطآت جارية الابن. وإذا وجب مهر واحد بوطآت، اعتبر أكمل الاحوال.
الباب الرابع : في تشطر الصداق بالطلاق قبل الدخول يشطر الصداق بين الزوجين، وفي الباب أطراف.
الطرف الأول : في موضع التشطر وكيفيته.
أما موضعه، فيتشطر الصداق قبل الدخول بالطلاق والخلع. وفيما إذا طلقت

(5/610)


نفسها بتفويضه إليها، أو علق طلاقها بدخول الدار فدخلت، أو طلقها بعد مدة الايلاء بطلبها، وبكل فرقة تحصل لا بسبب من المرأة، بأن أسلم أو ارتد أو أرضعت أو أم الزوجة الزوج وهو صغير، أو أم الزوج أو إبنة الزوجة الصغيرة، أو وطئها أبوه أو ابنه بشبهة وهي تظنه زوجها، أو قذفها ولاعن. فأما إذا كان الفراق منها أو بسبب فيها، بأن أسلمت أو ارتدت، أو فسخت النكاح بعتق أو عيب، أو أرضعت زوجة

(5/611)


أخرى له صغيرة، أو فسخ النكاح بعيبها، فيسقط جميع المهر، وشراؤها زوجها يسقط الجميع على الاصح، وشراؤه زوجته يشطر على الاصح. فرع إذا طلق المفوضة قبل الفرض والدخول، فالقول في التشطر سبق. وأما غير المفوضة، فكل صداق واجب ورد عليه الطلاق قبل الدخول شطره، سواء فيه المسمى الصحيح في العقد، والمفروض بعده، ومهر المثل إذا جرت تسمية فاسدة في العقد. فصل وأما كيفية التشطر، ففيها أوجه. الصحيح أنه يعود إليه نصف الصداق بنفس الفراق. والثاني: أن الفراق يثبت له خيار الرجوع في النصف، فإن شاء يملكه وإلا فيتركه كالشفعة. والثالث: لا يرجع إليه إلا بقضاء القاضي. وحكى العبادي، أن أبا الفضل القاشاني الزاهد، حكى الثالث قولا قديما. وأنكر جمهور الاصحاب كونه قولا أو وجها، فإذا قلنا: يثبت الملك بالاختيار، فطلقها على أن يسلم لها كل الصداق، وهذا إعراض منه ورضى بسقوط حقه، فيسلم لها جميعه. وعلى الصحيح يلغو قوله، ويتشطر المهر كما لو أعتق ونفى الولاء. ولو طلق ثم قال: أسقطت خياري، وقلنا: الطلاق يثبت الخيار، فقد أشار الغزالي إلى احتمالين. أحدهما: يسقط كخيار البيع. وأرجحهما: لا، كما لو أسقط الواهب خيار الرجوع، ولم يجر هذا التردد فيما لو طلق على أن يسلم لها كل الصداق. ويجوز أن يسوي بين الصورتين. ولو حدثت زيادة في الصداق بعد الطلاق، فعلى الوجه الاول: الصحيح نصفها للزوج، وعلى الثاني: إن حدثت قبل اختيار التملك، فالجميع للزوجة

(5/612)


كالحادث قبل الطلاق، هذا إذا كانت الزيادة منفصلة، فإن كانت متصلة وقلنا بالاول، فالنصف بزيادته للزوج. وإن قلنا بالثاني، فوجهان. أصحهما: كذلك. والثاني: يمنع الرجوع إلا برضاها. وإن حدث نقص، فإن قلنا: يملك بالاختيار، فإن شاء أخذه ناقصا بلا أرش، وإن شاتركه وأخذ نصف قيمته صحيحا. وإن قلنا: يملك بنفس الطلاق، فإن وجد منها تعد، بأن طالبها برد النصف، فامتنعت، فله النصف مع أرش النقص وإن تلف الكوالحالة هذه، فعليها الضمان. وإن لم يوجد تعد، فوجهان. أحدهما وهو ظاهر النص وبه قال العراقيون والروياني: أنها تغرم أرش النقص. وإن تلف، غرمت البدل لانه مقبوض عن معاوضة كالمبيع في يد المشتري بعد الاقالة. وفي الام نص يشعر بأنه لا ضمان، وبه قال المراوزة، لانه في يدها بلا تعد، فأشبه الوديعة. فعلى الاول، لو قال الزوج: حدث النقص بعد الطلاق فعليك الضمان، وقالت: قبله ولا ضمان، فأيهما المصدق ؟ وجهان. أصحهما: المرأة، وبه قطع الشيخ أبو حامد وابن الصباغ. ولو رجع كل الصداق إليه بردتها، أو فسخ وتلف في يدها، فمضمون عليها كالبيع ينفسخ بإقالة أو رد بعيب. قال الامام: وحكم النصف عند ردته كالطلاق. فرع إذا قلنا: يملك بالاختيار، فهل تملك الزوجة التصرف بعد الطلاق قبل الاختيار ؟ وجهان حكاهما الامام. قال: القياس أنها تملك كما قبل الطلاق، وكما يملك المتهب قبل رجوع الواهب. فرع إذا كان الصداق دينا، سقط نصفه بمجرد الطلاق على الصحيح، وعند الاختيار: على الثاني، ولو أدى الدين والمؤدى باق، فهل لها أن تدفع قدر النصف من موضع آخر لان العقد لم يتعلق بعينه ؟ أم يتعين حقه فيه لتعينه بالدفع ؟ وجهان. أصحهما الثاني.
الطرف الثاني : في تغير الصداق قبل الطلاق. إذا أصدقها عينا، ثم طلقها

(5/613)


قبل الدخول، فإن كانت تالفة، رجع بنصف مثلها إن كانت مثلية، أو نصف قيمتها إن كانت متقومة. وإكانت باقية، فإن لم يحدث فيها تغير، رجع في نصفها كما سبق. وإن حدث تغيروهو مقصود الفصل، فهو نقص أو زيادة أو كلاهما، فهي ثلاثة أقسام. الاول: نقص محض وهو نوعان، نقص صفة ونقص جزء. النوع الاول: نقص الصفة كالعمى والعور، ونسيان الصنعة، وهو ضربان. حادث في يدها، وحادث في يده. الضرب الاول: أن يحدث في يدها، فالزوج بالخيار، إن شاء رجع إلى نصف قيمة الصداق سليما، وإن شاء قنع بنصف الناقص بلا أرش. هذا قول الاصحاب. قال الامام: ويحتمل أن يقول: يجب الارش، وجعل الغزالي هذا الاحتمال وجهان. الضرب الثاني: أن يحدث في يده قبل قبضها وأجازت، فله عند الطلاق نصفها ناقصا، ولا خيار له ولا أرش، لانه نقص وهو من ضمانه، لكن لو حدث النقص بجناية وأخذت الارش، فهل له نصف الارش، لانه بدل الفائت أم لا شئ له من الارش كزيادة منفصلة ؟ فيه وجهان. النوع الثاني: نقص جزء، بأن أصدقها عبدين وقبضهما، فتلف أصحهما: الاول أحدهما في يدها ثم طلقها، فثلاثة أقوال. أظهرها: يرجع إلى نصف الباقي ونصف قيمة التالف. والثاني: أنه يأخذ الباقي بحقه إن استوت قيمتهما. والثالث: يتخير بين أن يأخذ نصف الباقي ونصف قيمة التالف، وبين أن يأخذ نصف قيمة العبدين. القسم الثاني: زيادة محضة وهي صنفان، منفصلة ومتصلة. أما المنفصلة، كاللبن، والولد، والكسب، فيسلم للمرأة - سواء حصلت في يدها أو في يد الزوج، ويختص الرجوع بنصف الاصل. ثم في الشامل والتتمة: إن قولنا: يرجع بنصف الاصل ويبقى الولد لها، مفروض في غير الجواري، وليس له الرجوع في إسمعيل، لانه يتضمن التفريق بين الام والولد، بل يرجع إلى القيمة. فإن وافقته الزوجة ورضيت برجوعه إلى نصف الام، فهو كالتفريق بين الام والولد بالبيع.

(5/614)


الصنف الثاني: الزيادة المتصلة، كالسمن، وتعلم صنعة، فلا يستقل الزوج بالرجوع إلى عين النصف، بل يخير الزوجة. فإن أبت، رجع إلى نصف القيمة بغير تلك الزيادة. وإن سمحت، أجبر على القبول ولم يكن له طلب القيمة. وحكى الحناطي وجها، أنه لا يجبر للمنة، والصحيح الاول. قال الاصحاب: لا تمنع الزيادة المتصلة الاستقلال بالرجوع إلا في هذا الموضع. فأما في سائر الاصول، كالمبيع في يد المفلس، والموهوب في يد الولد، والمردود بالعيب في البيع، فلا تمنع الزيادة المتصلة الرجوع، بل يستقلون بالرجوع معها، وفرقوا بأن الرجوع في هذه الصور بالفسخ، وهو رفع العقد من أصله أو حينه. فإن رفع من أصله، فكأنه لا عقد. وإن رفع من حينه، فالفسخ مشبه بالعقد، والزيادة تتبع الاصل في العقد، فكذا في الفسخ، وعود الشطر بالطلاق ليس فسخا، ولهذا لو سلم العبد الصداق من كسبه ثم عتق وطلق، عاد النصف إليه لالى السيد، وإلما هو ابتداء ملك يثبت فيما فرض صداقا. وفرق أبو إسحق بين الصداق وصورة الافلاس، بأن غريم المفلس لو منعناه الرجوع إلى العين، لم يتم له الثمن لمزاحمة الغرماء، وهنا إذا لم تسلم العين، سلمت القيمة بتمامها، فلا ضرر، حتى لو كانت محجورا عليها بفلس عند الطلاق ولو ترك العين لاحتاج إلى المضاربة، قال: يرجع إلى العين بزيادتها بغير رضاها. وعول الاكثرون على الفرق الاول، ومنعوا استقلاله بالرجوع وإن كانت محجورا عليها، واعتبروا في الرجوع حينئذ رضاها ورضى الغرماء. وحكى الامام وجها أن كونها محجورا عليها، يمنع الرجوع وإن لم تكن زيادة، لتعلق حق الغرماء قبل ثبوت الرجوع، والزوائد المنفصلة والمتصلة فيما سوى الطلاق من الاسباب المشطرة كهي في الطلاق. وأما ما يوجب عود جميع الصداق إلى الزوج، فينظر فيه، إن كان سببه عارضا كالرضاع وردتها، فكذلك الحكم. وفي ردتها وجه أن الزوج يستقل بالرجوع في الزوائد المتصلة. وإن كان السبب مقارنا كالفسخ بعيبه أو عيبها، فالذي قطع به

(5/615)


الجمهور أنه يعود بزيادته إلى الزوج، ولا حاجة إلى رضاها كفسخ البيع بالعيب. وقال المتولي: إن قلنا في الفسخ بعد الدخول: يبقى المسمى لها، فهو كما لو كان السبب عارضا. وإن قلنا: يوجب مهر المثل، فهل يستند الفسخ إلى أصل العقد ويرفع أصله، أم لا ؟ فيه خلاف. إن قلنا: لا، فالحكم كما سبق، وإن قلنا: نعم، عاد الصداق إليه بزوائده المتصلة والمنفصلة. فرع إذا امتنع الرجوع إلى نصف عين الصداق، رجع بنصف قيمة الجملة بغير زيادة ولا نقص، ولا يقال: يرجع بقيمة النصف. ووقع في كلام الغزالي بقيمة النصف، وهو تساهل في العبارة، والصواب ما ذكرنا، لان التشقيص عيب. القسم الثالث: إذا تغير الصداق بالزيادة والنقص معا، إما بسبب واحد، بأن أصدقها عبدا صغيرا فكبر، فإنه نقص بسبب نقص القيمة، ولان الصغير يدخل على النساء، ولا يعرف الغوائل، ويقبل التأديب والرياضة، وفيه زيادة بقوته على الشدائد والاسفار، وحفظ ما يستحفظه. وكما إذا أصدقها شجرة فكبرت فقل ثمرها وزاد حطبها. وإما بسببين، بأن أصدقها عبدا فتعلم القرآن واعور، فيثبت لكل منهما الخيار، وللزوج أن لا يقبل العين لنقصها، ويعدل إلى نصف القيمة، ولها أن لا تبذلها لزيادتها وتدفع نصف القيمة. فإن اتفقا على رد العين، جاز، ولا شئ لاحدهما على الآخر. وليس الاعتبار بزيادة القيمة، بل كل ما حدث وفيه فائدة مقصودة، فهو زيادة من ذلك الوجه وإن نقصت القيمة كما ذكرنا في كبر العبد. فرع أصدقها جارية حائلا، فحبلت في يدها وطلقها قبل الدخول، فهو زيادة من وجه ونقص من وجه، للضعف في الحال، ولخطر الولادة. فإن لم يتفقا على نصف الجارية، فالمعدول إليه نصف قيمة الجارية، وليس لاحدهما إجبار الآخر. وحكى الحناطي وجها، أن الزوج يجبر إذا رضيت برجوعه إلى نصف الجارية حاملا بناء على أن الحمل لا يعرف، ومقتضى هذا أن تجبر هي أيضا إذا رغب الزوج في نصفها حاملا، والصحيح الاول. وأما الحمل في البهيمة،

(5/616)


فكالجارية. وقيل: زيادة محضة، إذ لا خطر فيه، والاول أصح، لانه لا يحمل عليها حاملا ما يحمل حائلا، ولان لحم الحامل أردأ. فرع أصدقها أرضا فحرثتها، فإن كانت الارض معد للزراعة، فزيادة محضة. وإن كانت معدة للبناء، فنقص محض، فحينئذ إن أراد الرجوع إلى نصف عينها، مكن، وإن أبى، رجع إلى نصف القيمة بلا حراثة. وإن زرعتها، فنقص محض، فإن اتفقا على الرجوع إلى نصف العين وترك الزرع إلى الحصاد، فذاك. قال الامام: وعليه إبقاؤه بلا أجرة، لانها زرعت ملكها الخالص. وإن رغب فيها الزوج وامتنعت، أجبرت. وإن رغبت هي، فله الامتناع، ويأخذ نصف قيمة الارض. فإن قالت: خذ نصف الارض مع نصف الزرع، ففي إجباره طريقان. أحدهما: وجهان كما سنذكره إن شاء الله تعالى في الثمار. والثاني: القط بالمنع، لان الزرع ليس من عين الصداق، بخلاف الثمرة، والمذهب المنع كيف كان. وإن طلقها بعد الحصاد، وبقي في الارض أثر العمارة، وكانت تصلح لما لا تصلح له قبل الزراعة، فهي زيادة محضة ولو غرستها، فكما لو زرعتها. لكن لو أراد أن يرجع في نصف الارض ويترك الغراس، ففيه وجه أنها لا تجبر، لان الغراس للتأبيد. وفي إبقائه في ملك الغير ضرر. ولو طلقها والارض مزروعة أو مغروسة، فبادرت بالقلع، نظر، إن بقي في الارض نقص لضعفها بهما وهو الغالب، فهو على خيرته، وإلا انحصر حقه في الارض. فصل أصدقها نخيلا حوائل، ثم طلقها وهي مطلعة، فليس له أخذ نصف الطلع قهرا، ولا نصف العين قهرا، لان الطلع كزيادة متصلة فيمنع الرجوع قهرا. فإن رضيت بأخذه نصف النخل والطلع، أجبر على المذهب. وقيل: وجهان كالثمرة المؤبرة، أما إذا طلقها وعليها ثمار مؤبرة، ففيها مسائل. إحداها: ليس له تكليفها قطع الثمرة ليرجع إلى نصف العين. فلو بادرت بقطعها، أو قالت: اقطعها ليرجع، فليس للزوج إلا الرجوع إلى نصف الشجر إذا لم يمتد زمن القطع ولم يحدث به نقص في الشجر بانكسار سعف وأغصان. الثانية: أراد الرجوع في نصف النخل وترك الثمار إلى الجداد فأبت،

(5/617)


أجبرت على الاصح عند الجمهور، منهم العراقيون، وبه قطع البغوي، لان الاشجار في يدها كسائر الاموال المشتركة. ورجح المتولي منع الاجبار، وأشار إلى ترجيحه الامام والغزالي، لانها قد لا ترضى بيده ودخوله البستان. قال الامام: ولانه لا بد من تنمية الثمار بالسقي، ولا يمكن تكليفها السقي، لان نفعه غير مختص بالثمر، بل ينفع به الشجر أيضا، ولا يمكن تكليفها ترك السقي لتضرر الثمر والشجر. ولمن قال بالاول أن يقول: حكم السقي هنا حكمه فيما إذا اشترك اثنان في الشجر وانفرد أحدهما بالثمر في غير الصداق. الثالثة: أرادت رجوعه في نصف الشجر وترك ثمرها إلى الجداد، فله الامتناع وطلب القيمة، لان حقه في الشجر خالية، وليس لها تكليفه تأخير الرجوع إلى الجداد، لان حقه ناجز في العين أو القيمة. ولو قال: أؤخر الرجوع إلى الجداد، فلها الامتناع لان نصيبه يكون مضمونا عليها، كذا وجهوه، وهو تفريع على أن النصف الراجع إليه يكون مضمونا عليها، وفيه خلاف سبق. ولو قال: أرجع ويكون نصيبي وديعة عندك وقد أبرأتك عن ضمانه، فوجهان لهما التفات إلى حبراء الغاصب مع بقاء المغصوب في يده. وزاد من نظر إلى السقي، فقال: ليس لها أن تقول: ارجع واسق، لان فائدة السقي تعود إلى نصيبها من الشجر وإلى الثمار وهي خالصة لها، ولا أن تقول: ارجع ولا تسق، لانه يتضرر. ولو قالت: ارجع وأنا لا أسقي وإليك الخيرة في السقي وتركه، أو قال: ارجع ولا أسقي ولك الخيار في السقي وتركه، لم يلزم الآخر الاجابة، لانه إن ترك السقي تضرر، وإن سقى اختص بالمؤنة دون الفائدة. ولو قال الزوج: ارجع إلى النصف واسق والتزم المؤنة، أو قالت: ارجع وأنا أسقي، فهل يلزم الآخر الاجابة ؟ وجهان. أصحهما: المنع، لا نوعد وقد لا يفي به. فإن قلنا بالاجابة، فبدا للملتزم وامتنع، تبينا أن الملك لم يرجع إلى الزوج، وكأنه موقوف على الوفاء بالوعد، وألحقوا بهذه الصورة ما إذا أصدقها جارية فولدت في يدها ولدا مملوكا ثم طلقها قبل الدخول، فقال: إرجع إلى نصف الجارية وأرضى أن ترضع الولد، ففيه

(5/618)


الوجهان. قال الامام: ونص الشافعي رحمه الله يدل على أنه لا يجاب. ولو قال: أرجع وأمنعها الارضاع، لم تجب بلا خلاف. وفي هذه المسألة وراء الارضاع ومضي زمانه شئ آخر، وهو التفريق بين الام والولد. وقد ذكرنا ما ذكره صاحبا الشامل والتتمة فيه. الرابعة: وهبت له نصف الثمار ليشتركا في الثمر والشجر، فهل يجب القبول لان الثمر متصل كالسمن، أم لا، لان الثمرة المؤبرة كالمنفصلة ولا يجبر على قبول ملك الغير ؟ وجهان. أصحهما: الثاني. الخامسة: تراضيا على الرجوع في نصف الشجر في الحال، أو على تأخير الرجوع إلى الجداد، مكنا منه. وإذا بدا لاحدهما في التأخير، مكن من الرجوع عنه. وقال المعللون بالسقي: إن رضيا بالرجوع في الحال على أن يسقي من شاء منهما متبرعا، أو على أن يتركا أو أحدهما السقي، فمن التزم السقي، فهو وعد لا يلزم الوفاء به، لكن إذا لم يف، تبينا أن الملك لم يعد إلى الزوج. ومن ترك السقي، لم يمكن من العود إليه. هذا حاصل المسألة، ولم أر تعرضا للسقي إلا للامام ومن نحا نحوه. فرع ظهور النور في سائر الاشجار كبدو الطلع في النخل، وانعقاد الثمار مع تناثر النور، كالتأبير في النخل. فرع أصدقها نخلة عليها ثمرة مؤبرة، وطلقها قبل الدخول، فله نصف الثمرة مع نصف النخلة، سواء جدت الثمرة أم لا. وإن أصدقها والثمرة مطلعة، وطلقها وهي بعد مطلعة، أخذ نصفها مع الطلع. ونقل المتولي وجها أنه إذا امتد الزمان بحيث يزداد في مثله الطلع، لا يجوز له الرجوع فيه، هذا لفظه. ولو قال:

(5/619)


لم يجز له الرجوع بغير رضاها، لكان أحسن. فلو كانت مؤبرة عند الطلاق، فهل له في الثمرة حق ؟ فيه طريقان. أحدهما: على قولين كما إذا أصدقها جارية حاملا فولدت قبل الطلاق، والمذهب القطع بثبوت حقه في الثمرة لانها مشاهدة متيقنة، ويجوز إفرادها بالعقد بخلاف الحمل. فإن أثبتنا له حقا في الثمرة، لم يأخذ إلا برضاها لانها زادت. فإن لم ترض، أخذ نصف الشجر مع نصف قيمة الطلع. فرع أصدقها جارية حاملا فطلقها قبل الدخول، نظر، إن طلقها وهي بعد حامل، فله نصفها حاملا، ويجئ عند امتداد الزمان الوجه الذي حكاه المتولي في الفرع قبل هذا. وإن طلقها وقد ولدت، فالكلام في الام ثم الولد، أما الام، فلا يأخذ نصفها إن كان الولد رضيعا لئلا يتضرر، لكن يرجع إلى نصف القيمة وإن كان فطيما، فإن كان في زمن التفريق المحرم، فعلى ما تقدم، وإلا فله نصفها. وإن نقصت قيمتها بالولادة، نظر، إن ولدت في يد الزوج، فعلى ما سبق من حكم النقص في يد الزوج. وإن ولدت في يد الزوجة، فله الخيار، إن شاء أخذ نصفها ولا شئ له معه، وإن شاء رجع إلى نصف القيمة. وأما الولد، فهل للزوج حق في نصفه ؟ يبنى على أن له قسطا من الثمن في المبيع، وفيه قولان سبقا في مواضع. أظهرهما: نعم. فإن قلنا: لا، فلا حق له فيه، لانه حادث في ملكها، وإن قلنا: نعم، فوجهان. أحدهما: له فيه حق كما لو أصدقها عينين، لكن الولد زاد بالولادة، فلها الخيار. فإن رضيت برجوع الزوج في نصفه ونصف الام، أجبر على قبوله. وإن أبت، قال المتولي: لا يرجع في نصف الجارية للتفريق، لكن يرجع في نصف قيمتها ونصف قيمة الولد يوم انفصاله. قلت: الاول أصح. والله والثاني: لا حق له فيه لانه لا قيمة له قبل الانفصال أعلم . ولكانت الجارية المصدقة حائلا، وطلقها حاملا، فقد سبق حكمه. فإن ولدت، ثم طلقها، فالولد لها، والقول في الام كما سبق فيما إذا كانت حاملا يوم الاصداق وولدت وطلقها، وإن حبلت في يد الزوج وولدت في يدها، فهل النقص من ضمانه ولها الخيار، لان السبب وجد في يده، أم من ضمانها وله الخيار لان النقص حصل عندها ؟ وجهان.

(5/620)


فرع أصدقها حليا فكسرته، أو انكسر في يدها وبطلت صنعته، ثم أعادت المنكسر حليا، ثم طلقها قبل الدخول، نظر، إن صاغته على هيئة أخرى، فالحاصل زيادة من وجه، ونقص من وجه، فإن اتفقا على الرجوع إلى نصفه، جاز. وإن أبى أحدهما، تعين نصف القيمة. وإن عادت الصنعة بحالها، فهل يرجع في نصف العين بغير رضاها، أم يعتبر رضاها ؟ وجهان. أصحهما: الثاني، وبه قال ابن الحداد، ويجري الوجهان فيما لو أصدقها جارية فهزلت ثم سمنت، وفيما لو نسي العبد الصنعة ثم تعلمها. ولو طرأت على عين العبد غشاوة وكان لا يبصر شيئا، ثم زالت ثم طلقها، ففيما علق عن الامام، أن الزوج يرجع في نصف العبد بلا خلاف، كما لو حدث في يدها عيب فزال ثم طلقها. وإذا قلنا في الحلي: يعتبر رضاها ففيما يرجع به وجهان. أصحهما: نصف قيمة الحلي بهيأته التي كانت. والثاني: مثل نصفه بالوزن تبرا، وإلا نصف أجرته مثل الصنعة وهي قيمتها، فعلى الاول، فيما يقوم به وجهان. أحدهما وبه قال ابن الحداد: بغير جنسه، فالمذهب بفضة، وكذا العكس. والثاني: يقوم بنقد البلد وإن كان من جنسه، وبه قال محمد بن نصر المروزي. ويجري الوجهان في قيمة الصنعة، ففي وجه: يقوم بغير جنس الحلي، وفي وجه: بنقد البلد، وهو الاصح كما سبق في الغصب. ولو كانت المسألة بحالها في إناء مذهب وفضة، بني على جواز اتخاذه. وهل لصنعته قيمة ؟ إن قلنا: لا، فللزوج الرجوع في نصف العين، سواء عادت الصنعة الاولى أم غيرها، إذ لا زيادة. وإقلنا: نعم، فكالحلي. ولو غصب جارية مغنية فنسيت عنده الالحان، هل يرد معهما نقص من قيمتها بنسيان الالحان، أم لا، لانه محرم فلا عبرة بفواته ؟ وجهان. قلت: الاصح المنع. والله أعلم. ولو اشترى مغنية بألفين، وهي تساوي ألفا بلا غناء، ففي صحة البيع ثلاثة أوجه حكاها الشيخ أبو علي. أحدها: البطلان، لانه بذل في مقابلة حرام، وبه أفتى المحمودي. والثاني قاله أبو زيد: إن قصد بالشراء الغناء، بطل، وإلا،

(5/621)


فلا. والثالث: صحة البيع قاله الاودني، قال: وما سوى ذلك استحسان. قلت: واختار إمام الحرمين الصحة مطلقا، وهو الاصح. ولو بيعت بألف، فالبيع صحيح بلا خلاف. والله أعلم. فصل أصدق ذمي خمرا، ثم أسلما وترافعا إلينا، فقد سبق أنه إن كان ذلك بعد القبض، لم نحكم لها بشئ. وإكانت غير مقبوضة، حكمنا بوجوب مهر المثل. ولو صارت الخمرة المصدقة في يده خلا، ثم أسلما أو أحدهما، فوجهان. قال ابن الحداد: لا شئ لها إلا الخل. وأصحهما وبه قال القفال: لها مهر المثل، لان الخمر لا تصلح صداقا، ولا عبرة بذكرها إذا لم يتصل بها قبض قبل الاسلام. ولو أصدقها عصيرا، فتخمر في يده، ثم عاد خلا، ثم أسلما أو ترافعا إلينا، لزمه قيمة العصير. ولو قبضت الذمية الخمر، ثم طلقها قبل الدخول، ثم أسلما أو ترافعا إلينا، فلا رجوع للزوج لعدم المالية ومنع إمساك الخمر. ولو صارت خلا عندها، ثم طلقها قبل الدخول، فهل للزوالرجوع إلى نصفه لكون العين باقية وإنما تغيرت صفتها، أم لا ترجع بشئ لان حق الرجوع إنما يثبت إذا كان المقبوض مالا وهنا حدثت المالية في يدها فهو كزيادة منفصلة ؟ فيه وجهان. أصحهما: الاول، وبه قال ابن الحداد. فعلى هذا لو تلف الخل أو أتلفته، ثم طلقها، فوجهان. أصحهما وهو قول الخضري: يرجع بمثل نصف الخل. والثاني وبه قال ابن الحداد: لا يرجع بشئ، لان الرجوع فيه تعتبر قيمته يوم الاصداق والقبض، ولا قيمة لهذا يوم الاصداق والقبض. ولو أصدقها جلد ميتة، فقبضته ودبغته، ثم طلقها قبل الدخول، ففي رجوعه في نصفه وجهان مرتبان على تخلل الخمر، وأولى بعدم الرجوع، لان ماليته حدثت بفعلها ومع الترتيب، فالاصح الرجوع، وبه قال ابن الحداد. فعلى هذا: إن هلك الجلد عندها بعد الدباغ، قال ابن الحداد: لا يرجع. قال الشيخ أبو علي: ينبغي أن لا يرجع هنا بلا خلاف، بخلاف الخل لانه مثلي والجلد متقوم، والنظر في المتقوم إلى وقت الاصداق والاقباض، ولم يكن له

(5/622)


قيمة حينئذ. ولو ارتدت وانفسخ النكاح قبل الدخول، فالقول في كل الخل وكل الجلد، كالقول في النصف عند الطلاق. فصل كل عمل جاز الاستئجار عليه، جاجعله صداقا، وذلك كتعليم القرآن والصنائع، وكالخياطة والخدمة والبناء وغير، وفيه مسائل. إحداها: يشترط في تعليم القرآن ليصح صداقا شرطان. أحدهما: العلم بالمشروط تعليمه بأحد طريقين. الاول: بيان القدر الذي يعلمه بأن يقول: كل القرآن أو السبع الاول أو الاخير. وحكي وجه شاذ: أنه لا يشترط تعيين السبع. فإن عين بالسور والآيات، فعلى ما ذكرناه في الاجارة، وذكرنا هناك الخلاف في اشتراط قراءة نافع وأبي عمرو وغيرهما. وقطع ابن كج هنا بعدم الاشتراط قال: فلو شرط حرف أبي عمرو، علمها بحرفه، فإن علمها بحرف الكسائي، فهل يستحق أجرة المثل، أم لا شئ له ؟ وجهان. وحكى قولين في أنها ترجع على الزوج بمهر المثل، أم بقدر التفاوت بين أجرة التعليم بالحرف المشروط والآخر ؟ فإن لم يكن تفاوت، لم يرجع بشئ ثم قال: ولا معنى لهذا الاختلاف، بل الواجب أن يقال: يعلمها بحرف أبي عمرو وهو متطوع بما علم. ثم العلم بهذا يشترط في حق الزوج، فإن لم يعرف أحدهما أو كلاهما قدر السور والاجزاء والآيات، قال أبو الفرج الزاز: الطريق التوكيل، وإلا فيرى المصحف، ويقال: تعلم من هذا الموضع إلى هذا، ولك أن تقول: لا يكفي هذا، إذ لا يعرف به صعوبته وسهولته. قلت: الصواب أنه لا تكفي الاشارة إذا لم يعلمها فيتعين التوكيل. والله أعلم. الطريق الثاني: تقديرها بالزمان، بأن يصدقها تعليم القرآن شهرا، ويعلمها فيه ما شاءت، كما يخيط الاجير للخياطة ما شاء المستأجر. فلو جمع الطريقين فقال: تعلمها في شهر سورة البقرة، فهو كقوله: استأجرتك لتخيط هذا الثوب اليوم، وفيه خلاف سبق في الاجارة.

(5/623)


الشرط الثاني: أن يكون المعقود على تعليمه قدرا في تعليمه كلفة، فإن لم يكن، بأن شرط تعليم لحظة لطيفة، أو قدر يسير وإن كان آية، كقوله تعالى: * (ثم نظر) * لم يصح الاصداق وهو كبيع حبة حنطة. الثانية: أصدقها تعليم الفاتحة وهو متعين للتعليم، ففي صحة الاصداق وجهان، كنظيره في الاجارة. أصحهما: الصحة. ولو نكحها على أداء شهادة لها عنده، أو نكح كتابية على أن يلقنها كلمة الشهادة، لم يصح الصداق، قاله البغوي. الثالثة: إذا كان الزوج لا يحسن ما شرط تعليمه، فإن التزم التعليم في الذمة، جاز ثم يأمر بتعليمها أو يتعلم ويعلمه. وإن كان الشرط أن يعلمها بنفسه، فهل يصح ثم يتعلم ويعلمها، أم لا يصح لعجزه ؟ وجهان. أصحهما: الثاني. ولو شرط أن يتعلم ثم يعلمها، لم يصح أيضا، لان العمل متعلق بعينه، والاعيان لا تقبل التأجيل. قال المتولي: فإن صححنا فأمهلته ليتعلم، فذاك، وإلا فهو معسر بالصداق. ولو أراد الزوج أن يقيم غيره يعلمها، جاز إن كان التزم في الذمة، وإلا فلا. ولو أرادت أن تقيم غيرها متعلما، فهل يجبر الزوج كالمستأجر للركوب يركب غيره، أم لا لاختلاف الناس في الفهم والحفظ ؟ وجهان. أصحهما عند الجمهور: الثاني، وخالفهم الامام، ومنهم من جعل الخلاف في جواز الابدال مع التراضي. ولو فرض عقد مجدد، فأبدلت منفعة بمنفعة، جاز قطعا. الرابعة: أصدقها تعليم ولدها، لم يصح الصداق كما لو شرط الصداق لولدها. وإن أصدقها تعليم غلامها، قال البغوي: لا يصح كالولد. وقال المتولي: يصح، وهذا أصح. ولو وجب عليها تعليم الولد أو ختان العبد، فشرطته صداقا، جاز. الخامسة: لو تعذر التعليم، بأن تعلمت من غيره، أو كانت بليدة لا تتعلم، أو لا تتعلم إلا بكلفة عظيمة ويذهب الوقت في تعليمها فوق العادة، أو ماتت أو مات

(5/624)


الزوج والشرط أن يعلم بنفسه، ففي الواجب القولان السابقان فيما لو تلف الصداق قبل القبض. فعلى الاظهر: يجب مهر المثل، وعلى الآخر: أجرة التعليم. السادسة: قال: علمتك وأنكرت، فإذا لم تحسنه، صدقت، وإن أحسنته وادعت التعلم من غيره، فأيهما يصدق ؟ وجهان لتعارض الاصل والظاهر، أصحهما: هي. السابعة: أصدقها تعلم سورة، فعلمها ثم طلقها، إن كان بعد الدخول، فذاك، وإلا، فيرجع عليها بنصف أجرة التعليم، وإن طلقها قبل التعليم، فقد استحقت جميع التعليم إن دخل، وإلا، فتعليم النصف، وفيه وجهان. أحدهما: يعلمها وراء حجاب بغير خلوة. وأصحهما وهو المنصوص في المختصر: أنه قد تعذر التعليم، لانها قد صارت أجنبية، ولا تؤمن مفسدة. فعلى هذا: ترجع بمهر المثل على الاظهر إن دخل، وإلا فنصفه، وعلى الآخر: ترجع بأجرة التعليم أو نصفها. الثامنة: نكح كتابية على تعليم القرآن، فإن توقع إسلامها، صح الصداق، وإلا فسد، ومال جماعة إلى الجوامطلقا. ولو نكح مسلمة أو كتابية على تعليم التوراة والانجيل، لم يصح، لانه يجوز الاشتغال به لتبديله، والواجب في هذه الحالة مهر المثل قطعا، إذ لا قيمللمسمى. ولو نكح ذمي على تعليم التوراة والانجيل، ثم أسلما أو ترافعا بعد التعليم، لم نوجب شيئا آخر، وإن كان قبل التعليم، أوجبنا مهر المثل كما في الخمر.

(5/625)


التاسعة: أصدقها تعليم فقه، أو أدب أو طب أو شعر ونحوها مما ليس بمحرم، صح الصداق. وإن كان محرما كالهجو والفحش، لم يصح. العاشرة: نكحه على أن يرد عبدها الآبق، أو جملها التائه وكان الموضع معلوما، صح. وإن كان مجهولا، فقولان. أحدهما: يصح كالجعالة. والمشهور: المنع، ويجب مهر المثل، بخلاف الجعالة، فإنها عقد جائز احتملت الجهالة فيها للحاجة فإن رده، فله أجرة مثل الرد، ولها مهر المثل. وإذا صح الصداق، فطلقها بعد رد العبد وقبل الدخول، استرد منها نصف أجرة المثل. وإن طلقها قبل الرد، فإن كان بعد الدخول، فعليه الرد. وإن كان قبله، فعليه الرد إلى نصف الطريق، ثم يسلمه إلى الحاكم. فإن لم يكن حاكم، أو لم يكن موضعا يمكن تركه فيه، ولم يتبرع بالرد إليها، قال المتولي: يؤمر برده إليها، وله عليها نصف أجرة المثل. ولو تعذر رده برد غيره، أو رجوعه بنفسه أو بموته، فقد فات الصداق قبل القبض، فترجع إلى مهر المثل على الاظهر، وعلى الآخر: إلى أجرة الرد. الحادية عشرة: نكحها على خياطة ثوب معلوم، جاز، وله أن يأمر بالخياطة إن التزم في الذمة، وإن نكح على أن يخيط بنفسه، فعجز بأن سقطت يده أو مات، ففيما عليه ؟ قولان. أظهرهم: مهر المثل. والثاني: أجرة الخياطة. ولو تلف ذلك الثوب، فوجهان. أصحهما: تلف الصداق فيعود القولان في مهر المثل والاجرة. والثاني: تأتي بثوب مثله ليخيطه. وإن طلقها بعد الخياطة قبل الدخول، فله عليها نصف أجرة المثل. وإن طلقها قبل الخياطة، فإن دخل بها، فعليه الخياطة، وإلا خاط نصفه. فإن تعذر الضبط، عاد القولان في أنه يجب مهر المثل أم الاجرة ؟ الثانية عشرة: قال المتولي: لو كان له عليها قصاص فنكحها، وجعل النزول عن القصاص صداقا، جاز. ولو جعل النزول عن الشفعة، أو حد القذف صداقا، لم يجز، لانه لا يقابل بمال، ولا يجوز جعل طلاق إمرأة صداقا لاخرى، ولا بضع أمته صداق المنكوحة.

(5/626)


فصل إذا أثبتنا الخيار للمرأة بسبب زيادة الصداق، أوله بنقصه، أو لهما بهما، لم يملك الزوج النصف قبل أن يختار من له الخيار الرجوع إن كان الخيار لاحدهما، وقبل أن يتوافقا إن كان الخيار لهما وإن قلنا: الطلاق يشطر الصداق بنفسه، وليس لها الخيار على الفور، بل هو كخيار الرجوع على الهبة، لكن إذا توجهت مطالبة الزوج، لا تمكن هي من التأخير، بل تكلف اختيار أحدهما. وإذا طلب الزوج، فلا يعين في طلبه العين ولا القيمة، لان التعيين يناقض تفويض الامر إليها، لكن يطالبها بحقه عندها، فإن امتنعت، قال الامام: لا يقضي القاضي بحبسها لبذل العين أو القيمة، بل يحبس العين عنها إن كانت حاضرة، ويمنعها من التصرف فيها، لان تعلق حق الزوج بالصداق فوق تعلق حق المرتهن بالمرهون والغرماء بالتركة. فإن أصرت على الامتناع، فإن كان نصف القيمة الواجبة دون نصف العين للزيادة الحادثة، باع ما يفي بالواجب من القيمة. فإن لم يرغب في شراء البعض، باع الكل وصرف الفاضل عن القيمة الواجبة إليها. وإن كان نصف العين مثل نصف القيمة الواجبة، ولم تؤثر الزيادة في القيمة، ففيه احتمالان للامام. أصحهما وبه قطع الغزالي: تسلم نصف العين إليه، إذ لا فائدة في البيع، فإذا سلم إليه، أفاد قضاؤه ثبوت الملك له. والثاني: لا تسلم إليه العين، بل يبيعه، فلعله يجد من يشتريه بزيادة. فرع إذا وجب الرجوع إلى القيمة بهلاك الصداق، أو خروجه عن ملكها، أو زيادة فيه أو نقص، فالمعتبر الاقل من قيمة يوم الاصداق , ويوم القبض. لكن لو تلف الصداق في يدها بعد الطلاق، وقلنا: إنه مضمون عليها، اعتبرت قيمة يوم التلف، لانه تلف ملكه تحت يد مضمنة.
الطرف الثالث : في بيان حكم التشطر بعد تصرفها في الصداق، وفيه مسائل. إحداها: إذا زال ملكها عنه ببيع أو هبة مقبوضة، أو إعتاق، فليس للزوج نقص تصرفها لطلاقه قبل الدخول، بل زوال ملكها كالهلاك، ويرجع الزوج إلى

(5/627)


نصف بدله وهو المثل إن كان مثليا، وإلا فالقيمة. وإن لم يزل الملك، بل تعلق به حق، فإن كان غير لازم، بأن أوصت به، أو وهبته، أو رهنته ولم يقبض، فللزوج الرجوع في نصفه. وفي الشامل وغير، نقل قول أنه لا يرجع في نصف الموهوب وإن لم يقبض، لئلا يبطل تصرفها في ملكها، وحق هذا أن يطرد في الرهن والوصية. وإن باعت بشرط الخيار وطلقها في مدته، فإن جعلنا الملك للبائع، فهو كالهبة قبل القبض، وإن جعلناه للمشتري، فلا رجوع في العين. وإن كان الحق لازما، بأن رهنته وأقبضته، فليس له الرجوع إلى نصفه. وإن أجرته، فقد نقص الصداق باستحقاق المستأجر منفعته، فإن شاء الزوج رجع إلى نصف القيمة في الحال، وإن شاء رجع إلى نصف العين مسلوبة المنفعة مدة الاجارة. فلو قال: أنا أصبر إلى انفكاك الرهن وانقضاء مدة الاجارة، نظر، إن قال: أتسلمه ثم أسلمه إلى المرتهن أو المستأجر، فليس لها الامتناع. وإن قال: لا أتسلمه وأصبر، فلها الامتناع، وتدفع إليه نصف القيمة لما عليها من خطر الضمان، هذا إن قلنا: الصداق في يدها مضمون بعد الطلاق وهو الاصح. وإن قلنا: لا ضمان أو أبرأها عن الضمان وصححنا الابراء، فهل عليها الاجابة، أم لا لانه قد يبدو له فيطالبها بالقيمة وتخلو يدها عنها ؟ وجهان، فإن لم نوجب الاجابة ولم نطالبها حتى انفك الرهن، وانقضت مدة الاجارة، فهل يتعلق حقه بالعين لزوال المانع، أم تتعين القيمة، لان المانع نقل حقه إليها ؟ وجهان. وتزويج جارية الصداق كالاجارة. ولو زال ملكها وعاد ثم طلقها، فهل يتعلق حقه بالعين أم بالقيمة ؟ وجهان سبقت نظائرهما في الفلس والهبة. أصحهما هنا عند الجمهور: التعلق بالعين، لان حقه يختص بالعين، بل يتعلق بالبدل، فالعين العائدة أولى من البدل، هذا إذا زال الملك بجهة لازمة، فإن زال بغير لا زم، بأن باع بالخيار، وقلنا: يزول الملك وفسخ البيع، ثم طلقها، فالخلاف مرتب في التعلق بالعين، وأولى بالثبوت. ولو كاتبت عند الصداق وعجز نفسه ثم طلقها، فعن القاضي حسين إجراؤه مجرى الزوال اللازم. وقال الامام: هذا أولى بالثبوت، لان المكاتب عبد ما بقي عليه درهم، ولا شك أن عروض الرهن وزواله قبل الطلاق لا يؤثر.

(5/628)


المسألة الثانية: أصدقها عبدا فدبرته، ثم طلق قبل الدخول، فالمذهب أنه لا يرجع فيه وهو المنصوص في المختصر، وهو ظاهر نصه في الام أيضا سوى جعل التدبير وصية الام تعليقا بصفة، لان التدبير قربة يتعلق بها غرض لا يتقاعد عن الزيادة المتصلة التي لا تؤثر في القيمة. وقيل: في الرجوع قولان، إن قلنا: التدبير وصية، رجع، وإلا، فلا. وقيل: يرجع قطعا، وهو ضعيف. ثم قال أبو إسحق المروزي وغيره: الخلاف فيما إذا كانت موسرة تتمكن من أداء القيمة. فإن لم تكن، رجع إلى نصف العبد قطعا. ويتعلق بهذا الخلاف فروع. الفرع الاول: إن قلنا بالرجوع، فالمفهوم من كلام الجمهور أن الزوج يستقل به، ولا حاجة إلى تقدم رجوع المرأة. وقال الحناطي: يحتمل أن يقال: تجبر المرأة على الرجوع وإعطاء الزوج النصف. فإن امتنعت، قام الحاكم مقامها ففسخه. الثاني: لو رجعت عن التدبير بالقول وجوزناه ثم طلقها، وقلنا: التدبير يمنع الرجوع، فطريقان. أحدهما: القطع بتمكنه من الرجوع إلى نصفه، لان الملك لم يزل عنه. والثاني: أنه كما لو دبرته ثم باعته ثم ملكته ثم طلقها، فيعود الوجهان السابقان في عود الملك بعد زواله. أصحهما: التمكن، ومع هذا التمكن لو تركه وطلب نصف القيمة، أجيب إليها خوفا من أن يقضي قاض ببطلان الرجوع والبيع. ولو طلقها وهو مدبر، وقلنا: حق الزوج في القيمة، فرجعت عن التدبير باللفظ وجوزناه، أو بإزالة الملك عنه، ثم عاد إليها قبل أخذ القيمة، ففي الرجوع إلى نصف العبد وجهان يجريان فيما لو طلقها كالصداق ناقص، ثم زال نقصه قبل أخذ القيمة، وفيما إذا طلقها وملكها زائل عن الصداق ثم عاد قبل أخذ القيمة . الثالث: لو علقت عتق العبد على صفة، فهل يمنع الرجوع ؟ قيل: إن قلنا: التدبير يمنع، فالتعليق أولى، وإلا، فوجهان لقوة التعليق. وقيل: إن لم يمنع التدبير، فالتعليق أولى، وإلا فوجهان، لان التدبير قربة محضة، والتعليق يراد به

(5/629)


منع أو حث، وبهذا قال الشيخ أبو محمد، وبالاول قطع البغوي وقال: المذهب منع الرجوع. ولو أوصت للعبد بعتقه، فهل هو كالتدبير في منع الرجوع ؟ وجهان. أصحهما: لا. الرابع: إذا جوزنا للزوج الرجوع في النصف، فرجع، بقي النصف الآخر مدبرا على الصحيح. وحكى الحناطي وجها، أنه ينتقض التدبير في جميعه. الخامس: إذا قلنا: التدبير يمنع التشطر، فهل يمنع رجوع البائع فيما لو باع عبدا بثوب وتقابضا، ثم دبره المشتري، ثم وجد البائع بالثوب عيبا ؟ وكذا هل يمنع رجوع الواهب ؟ فيه وجهان. أحدهما: نعم، وأصحهما: لا بل يرجع وينقض التدبير لقوة الفسخ، ولهذا الزيادة المتصلة تمنع التشطر دون الفسخ. المسألة الثالثة: سبق في كتاب الحج خلاف في أن المحرم هل يملك الصيد بالشراء والهبة ؟ وهل يزول ملكه إذا أحرم عن صيده ؟ وهل يملكه بالارث ؟ فلو أصدقها صيدا ثم أحرم، ثم ارتدت، عاد الصيد إلى ملكه على الصحيح، وفيه الوجه الضعيف المذكور في الارث، لانه لا اختيار له فيه. وإن طلقها قبل الدخول، بني على أن النصف يعود إليه بنفس الطلاق أم باختياره ؟ إن قلنا: باختياره فليس له الاختيار ما دام محرما، فإن فعل، كان كشرائه. وإن قلنا: بنفس الطلاق، ففي عود النصف إليه في الاحرام وجهان. أحدهما: لا. وينتقل إلى القيمة، لان المحرم لا يملك الصيد باختياره، والطلاق باختياره. وأصحهما: العود، لان الطلاق لا ينشأ لاجتلاب الملك، فأشبه الارث، ثم إذا عاد إليه الكل بالردة، لزمه إرساله، لان المحرم ممنوع من إمساك الصيد، كذا ذكر الشيخ أبو علي وغيره في هذه المسألة، وهو وجه ذكرناه في الحج، تفريعا على أن المحرم يرث الصيد، وحكينا عن بعضهم، أنه يزول ملكه بمجرد الارث، ولا فرق بين البابين. وإذا عاد النصف بالطلاق، وقلنا: يجب الارسال ولا يزول الملك، فلا يمكن إرسال النصف إلا بإرسال الكل، فخرج مخرجون وجوب الارسال على الاقوال في

(5/630)


ازدحام حق الله تعالى وحق الآدمي. إن قدمنا حق الله تعالى، لزمه الارسال وغرم لها نصف القيمة، وإن قدمنا حق الآدمي، لم يجب الارسال. فإن تلف في يده أو يدها، فعليه نصف الجزاء. وإن سوينا، فالخيرة إليهما. فإن اختار الارسال، غرم لها النصف، وإلا بقي مشتركا بينهما وهو ضامن لنصف الجزاء، وهذا التخريج ضعيف، لان الخلاف في الازدحام على شئ واحد، كالتركة إذا ازدحم فيها دين وزكاة، ونصيب المرأة لا ازدحام فيه. وإذا تضمن إرسال المحرم فوات ملك غيره، وجب أن يمنع، وبهذا قطع الشيخ أبو علي، وعلى التخريج ينبغي أن يخص وجوب الارسال بالموسر كسراية العتق.
الطرف الرابع : فيما إذا وهبته الصداق ثم طلقها قبل الدخول، ونصدره بقاعدتين مستمدتين من قول الله تعالى: * (وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة، فنصف ما فرضتم إلا أن يعفون أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح) *. ومعنى الآية، أن الطلاق قبل الدخول ينصف الصداق، إلا أن تعفو الزوجة وتتبرع بحقها، فيعود جميع الصداق إلى الزوج. وفيمن بيده عقدة النكاح، قولان. القديم: أنه الولي، والمعنى: إلا أن تعفو المرأة أو وليها إن لم تكن هي أهلا للعفو. والجديد: أنه الزوج، والمعنى: أن يعفو الزوج عن حقه فيخلص لها جميع الصداق. القاعدة الاولى: في ألفاظ التبرع. فالواجب عند الطلاق قبل الدخول، دين أو عين، والدين قد يكون في ذمته، وقد يكون في ذمتها بأن قبضته وتلف عندها، فينظر، إن تبرع مستحق الدين بإسقاطه، نفذ بلفظ العفو والابراء والاسقاط والترك. وحكى الحناطي وجهين في أن لفظ الترك، صريح أو كناية ؟ ولا حاجة في هذه الالفاظ إلى قبول من عليه على الصحيح، وينفذ أيضا بلفظ الهبة والتمليك، وفيهما وجه حكاه ابن كج. والصحيح الاول. وهل يفتقر اللفظان إلى القبول ؟ وجهان. أصحهما: لا، وبه قطع البغوي اعتمادا على حقيقة التصرف وهو الاسقاط. أما إذا

(5/631)


تبرع من في ذمته بالنصف الآخر، فالطريق أن ينقل ويملكه ويقبله صاحبه ويقبضه، فإنه ابتداء هبة، ولا ينتظم لفظ العفو والابراء من جهته. لكن لو كان الصداق في ذمة الزوج، وقلنا: لا يشترط إلا باختياره، فقال: عفوت، سقط اختياره كعفوه عن الشفعة، ويبقى جميع الصداق لهفي ذمته. أما إذا كان الصداق عينا، فالتبرع فيها هبة. فإن كانت في يد المتبرع، اشترط الايجاب والقبول والقبض. وإن كانت في يد الآخر، فهو هبة لمن المال في يده، فتعتبر مدة إمكان القبض. وفي افتقاره إلى إذن جديد، في القبض بهذه الجهة خلاف سبق في كتاب الرهن. وإن كانت العين عند الطلاق في يد الزوج، فذلك قد يكون بعد قبضها، وقد يكون باستمرار يده السابقة قبل الاصداق. وعلى التقدير الثاني، يزيد النظر في أن تبرعها كهبة المبيع للبائع قبل القبض إذا قلنا: الصداق في يده مضمون ضمان العقود، ثم التبرع في العين ينفذ بلفظ الهبة والتمليك، ولا ينفذ بلفظ الابراء والاسقاط على المذهب. وحكى الحناطي فيهما وجهين. وينفذ بلفظ العفو على الاصح لظاهر القرآن، هذا في تبرعها وتبرعه إذا ملكناه بنصف الطلاق، فأما إذا قلنا: له خيار التملك، فيعتبر لفظ العفو في إسقاط الخيار ويبقى الجميع لها. القاعدة الثانية: هل للولي العفو عن صداقها ؟ قولان بناء على أن من هو الذي بيده عقدة النكاح ؟ الجديد: المنع، والقديم: الجواز بخمسة شروط. أن يكون أبا أو جدا، وأن تكون بكرا عاقلة صغيرة، وأن يكون بعد الطلاق، وأن يكون قبل الدخول، وأن يكون الصداق دينا، هذا هو المذهب تفريعا على القديم. وفي وجه: له العفو في الثيب والمجنونة والبالغة والمحجور عليها والرشيدة، وقبل الطلاق إذا رآه مصلحة، وعن العين أيضا. والصحيح الاول. ولو زوجها الاب ومات، ففي صحة عفو الجد وجهان، لان الصداق لم يثبت به لكنه ولي. ولو خلعها الولي على نصف الصداق وجوزنا العفو، صحت المخالعة، قاله المتولي

(5/632)


وغيره. وفي الوسيط في صحة الخلع مع صحة العفو وجهان. والاول أشبه. فصل وهبت لزوجها الصداق المعين، فطلقها قبل الدخول، فقولان. أحدهما وهو القدى وأحد قولي الجديد والراجح (عند البغوي) أنه لا يرجع عليها بشئ. والثاني: وهو الاظهر عند الجمهور، منهم العراقيون، والامام، والروياني: يرجع بنصف بدله المثل (أ) والقيمة. وقيل: إن وهبته قبل القبض، لم يرجع قطعا. والمذهب طرد القولين، سواء قبضته أم لا. ولو كان الصداق دينا فأبرأته منه، لم يرجع على المذهب. ولو وهبت له الدين، فالمذهب أنه كالابراء. وقيل: كهبة العين. ولو قبضت منه الدين ثم وهبته له، ثم طلقها، فكهبة العين. وقيل: له الرجوع قطعبناء على أنه لا يتعين فيما دفع عن الدين لو طلقها وهو باق عندها. ولو وهبت الصداق، ثم ارتدت قبل الدخول، أو فسخ أحدهما بعيب، ففي الرجوع بالجميع مثل الخلاف في النصف إذا طلق. ولو باع عبدا بجارية، ووهب الجارية لبائعها، ثم وجد بائعها بالعبد (عيبا) فأراد رده بالعيب، ففي تمكنه منه ومن المطالبة بقيمة الجارية وجهان مأخوذان من هبة الصداق، ويجريان في تمكنه (من) طلب الارش لو رأى عيبا بعد هلاك العبد، أو حدث به عيب يمنع الرد. وفيما لو أبرأ المكاتب عن النجوم وعتق، هل (له) مطالبة السيد بالايتاء ؟ ولو وهب المشتري المبيع للبائع، ثم أفلس بالثمن، فللبائع المضاربة مع الغرماء بلا خلاف، لان الموهوب غير المستحق وهو الثمن. وفي الصورة السابقة، الموهوب هو المستحق، فالهبة تعجيل على قول. وطرد الحناطي الخلاف في مسألة الفلس. ولو ادعى عينا وأخذها ببينة ثم وهبها للمدعى عليه، ثم رجع الشهود وقلنا بتغريم شهود المال، فهل للمدعى عليه تغريم الشهود ؟ فيه طريقان. أحدهما: على وجهين أخذا من هبة الصداق. والثاني: القطع بالمنع،

(5/633)


لان المدعى عليه لا يقول بحصول الملك بالهبة، بل يزعم دوام الملك السابق، وفي الصداق زال الملك حقيقة وعاد بالهبة. قلت: هذا الثاني هو الصحيح. والله أعلم. فرع وهبت الصداق للزوج، على أنه إن طلقها كان ذلك عن مستحقه بالطلاق، فوجهان. أحدهما: فساد الهبة ويبقى الصداق ملكلها. فإن طلق، تشطر. والثاني: يصح ولا رجوع بالطلاق، كما لو عجل الزكاة، وليكن الوجهان مبنيين على أن الهبة المطلقة هل تمنع الرجوع ؟ إن قلنا: تمنع، فهذا تصريح بمقتضاها، فيصح ولا رجوع، وإلا فتفسد بالشرط الفاسد. فرع وهبته نصف الصداق، فطلق قبل الدخول. فإن قلنا: هبة الكل لا تمنع الرجوع، فهنا أولى وإلى ماذا يرجع ؟ فيه ثلاثة أقوال. أظهرها: إلى نصف الباقي وربع بدل الجملة. والثاني: إلى نصف الباقي. والثالث: يتخير، إن شاء أخذ بدل نصف الجملة، وإن شاء أخذ نصف الباقي وربع بدل الجملة. وإن قلنا: هبة الكل تمنع الرجوع، فهل يرجع بالنصف الباقي، أم بنصف الباقي، أم لا يرجع بشئ ؟ فيه ثلاثة أقوال. أظهرها: الثالث وهو نصه في المختصر، فحصل في المسألة خمسة أقوال. ولو كان الصداق دينا وأبرأته من نصفه ثم طلقها، قال المتولي: إن قلنا: لو أبرأت عن الجميع يرجع، فهنا يسقط عنه النصف الباقي. و (أيضا) إن قلنا: لا يرجع بشئ، فهنا وجهان. أحدهما: يحسب عليه. والثاني: يسقط عنه النصف الباقي. ولو أبرأ المشتري عن نصف الثمن، ثم وجد المشتري بالمبيع عيبا وأراد رده، فحكمه كما ذكرنا في الابراء عن نصف الصداق. ولو أبرأه عن عشر الثمن، واطلع على عيب قديم، وحدث عنده عيب، وأرش العيب القديم العشر، فالمذهب أنه يطالب بالارش. فصل خالعها قبل الدخول على غير الصداق، فله المسمى ولها نصف الصداق. وإن خالعها على جميع الصداق، فقد خالع على ماله ومالها، لعود

(5/634)


النصف إليه بالخلع، فتقع البينونة وتبطل التسمية في نصيبه، وفي نصيبها قولا تفريق الصفقة. إن لم نصحح، بقي لها عليه نصف الصداق. وفيما له عليها قولان. أظهرهما: مهر المثل. والثاني: مثل الصداق أو قيمته. وإن صححنا التسمية في نصيبها، قال الامام وغيره: يثبت للزوج الخيار إن كان جاهلا بالتشطير والتفريق. فإن فسخ، عاد القولان في أن الرجوع بمهر المثل أم بدل المسمى. وإن جاز، فعلى القولين المذكورين في البيع، أن يجبر ما صح العقد فيه بكل الثمن، أم بالقسط إن قلنا: بالكل، فلا شئ له سوى النصف الذي صح الخلع فيه. وإن قلنا: بالقسط، رجع عليها بنصف مهر المثل على الاظهر، وعلى الآخر: بمثل نصف الصداق أو قيمته. وإخالعها على نصف الصداق، نظر، إن قال: بالنصف الباقي لك بعد الفراق، صح وبرئ عن جميع الصداق إن كان دينا، ويعود إليه الملك في جميعه إن كان عينا. وإن أطلق، فقولان بناء على أن تصرف أحد الشريكين في النصف المطلق من العين المشتركة نصفين، هل ينزل على النصف الذي له، أم يشيع أحدهما ينزل على نصيبهما ويكون كما لو قيد بنصفها ؟ وأظهرهما عند الاكثرين: يشيع لاطلاق اللفظ، وكأنه خالع على نصف نصيبها ونصف نصيبه، فيبطل في نصف نصيبه، وفي نصيبها القولان. إن لم يصح، بقي لها عليه نصف الصداق، وله عليها مهر المثل على الاظهر، ومثل نصف الصداق أو قيمته في الآخر. وإن صح في نصف نصيبها، فلها عليه ربع الصداق ويسقط الباقي بحكم التشطر وعوض الخلع، ثم أحد القولين أنه لا يستحق لعوض الخلع إلا الربع الذي صح الخلع فيه. وأظهرهما: أن له مع ذلك نصف مهر المثل على الاظهر، وربع مثل الصداق أو قيمته على قول. ومن الاصحاب من يقول: كل الصداق لها حتى يتفرقا، فيصح أن نجعله أو بعضه عوضا، ثم إذا تفرقا بالخلع، سقط النصف، فهو كما لو خالعها على عين وتلف نصفها قبل القبض، فيرجع بمهر المثل في قول، وبدل التالف في قول. فرع عن ابن شريج، خالعني على أن لا تبعة لك علي في

(5/635)


المهر صح. ومعناه: على ما سلم (لي) من المهر.
الباب الخامس : في المتعة هي اسم للمال الذي يدفعه الرجل إلى امرأته لمفارقته إياها، والفرقة ضربان. فرقة تحصل بالموت، فلا توجب متعة بالاجماع، وفرقة تحصل في الحياة كالطلاق. فإن كان قبل الدخول، نظر، إن لم يشطر المهر، فلها المتعة، وإلا، فلا على المشهور. وإن كان بعد الدخول، فلها المتعة على الجديد الاظهر. وكل فرقة من الزوج لا بسبب فيها، أو من أجنبي، فكالطلاق، مثل أن ارتد أو أسلم أو لاعن، أو أسلم على أكثر من أربع نسوة وفارق بعضهن، أو وطئ أبوه أو ابنه زوجته بشبهة، أو أرضعت أمة أو بنته زوجته الصغيرة، والخلع كالطلاق على الصحيح. ولو فوض الطلاق إليها فطلقت فكتطليقه. ولو علق الطلاق بفعلها، ففعلت، أو إلى منها، ثم طلق بعد المدة بطلبها، فكالطلاق على الصحيح. قلت: ويجئ هذا الوجه في تطليقها. والله أعلم. ولو ارتدا معا، فلا متعة على الاصح. وكل فرقة منها أو لسبب فيها، لا متعة فيها، كردتها وإسلامها، وفسخها بإعساره، أو عتقها، أو تغرره، أو عيبه،

(5/636)


أو فسخه بعيبها. ونقل المزني إثبات المتعة إذا فسخت بالتعيين، فجعله بعضهم قولا اخر، وأنكره الجمهور. ولو كانت ذمية صغيرة تحت ذمي، فأسلم أحد أبويها وانفسخ النكاح، فلا متعة كما لو أسلمت بنفسها. ولو اشترى زوجته، فلا متعة على الاظهر. وقال أبو إسحق: إن استدعاه الزوج، وجب، وإن استدعاه السيد، فلا. فرع يسوى في المتعة، المسلم، والذمي، والحر، والعبد، والحرة، والذمية، وهي في كسب العبد، ولسيد الامة كالمهر. فصل المستحب أن يمتعها ثلاثين درهما، نص عليه في المختصر. وفي القديم: ثوبا قيمته ثلاثون درهما. وفي نص آخر: يمتعها خادما، وإلا فمقنعة، وإلا فبقدر ثلاثين درهما، وليس هو اختلافا، بل نزلها الاصحاب على درجات الاستحباب وقالوا: أقل المستحب ثلاثون درهما. وفي نص آخر: يمتعها بخادم إن كان موسرا، وبمقنعة إن كان معسرا. وإن كان متوسطا، فبقدر ثلاثين درهما. وأما الواجب، فإن تراضيا بشئ، فذاك. وحكى الحناطي وجها: أنه ينبغي أن يحلل كل منهما صاحبه. فإن لم يفعلا، لم يبرأ الزوج، ولها رفع الامر إلى القاضي ليقدرها. والصحيح الاول. وإن تنازعا، فهل يكفي أقل ما يتمول، أم يقدره الحاكم باجتهاده ؟ وجهان. الصحيح الثاني. وهل يعتبر بحاله، أم بحالها، أبحالهما ؟ فيه أوجه. أصحها: الثالث، وهو ظاهر نصه في المختصر. وهل يجوز أن تزاد المتعة على نصف مهرها، أم يشترط أن لا تزيد، أم يشترط أن لا تبلغ نصفه ؟ فيه أوجه. أصحها: الاول، لاطلاق الآية، وبهذا قطع البغوي وغيره.

(5/637)


الباب السادس : في النزاع في الصداق وفيه مسائل. الاولى: إذا اختلف الزوجان في قدر الصداق أو صفته، كالصحة والتكسر، والاجل وقدره، تحالفا كالبيع، سواء اختلفا قبل الدخول أو بعده، أو بعد انقضاء الزوجية، أو اختلف وارثاهما أو أحدهم ووارث الآخر، ويحلف الزوجان على البت في النفي والاثبات، ويحلف الوارث في الاثبات على البت، وفي النفي على نفي العلم على الصحيح الذي عليه الجمهور. وقيل: يحلف فيه على البت، لان من قطع بأن النكاح جرى بخمسمائة، فهو قاطع بأنه ما جرى بألف. فإذا ثبت جريانه بخمسمائة، فلا معنى لقوله: لا أعلمه نكح بألف. وكيفية اليمين ومن يبدأ به، كما سبق في البيع. فإذا تحالفا، فسخ الصداق ورجعت إلى مهر المثل، وقد سبق في البيع وجه: أنه ينفسخ بنفس التحالف، فليجئ هنا مثله، وليكن القول فيمن يتولى الفسخ وفي الانفساخ باطنا على ما سبق في البيع. وقد صرح بجميع هذا الحناطي، وسواء في الرجوع إلى مهر المثل، زاد على ما تدعيه المرأة أم لا. وقال ابن خيران وابن الوكيل: إن كان مهر المثل زائدا فليس لها إلا ما ادعته، والصحيح الاول. هذا في الظاهر، أما في الباطن، فإن قلنا: لا ينفسخ، لم يخف ما يحل لها. الثانية: ادعت مسمى، فأنكر الزوج أصل التسمية، فوجهان. أحدهما: القول قوله بيمينه. وأصحهما: يتحالفان لان يقول: الواجب مهر المثل، وهي تدعي المسمى، فحاصله الاختلاف في قدر المهر، فيتحالفان. وإنما يحسن وضع المسألة إذا كان ما تدعيه أكثر من مهر المثل. ولو أنكرت تسمية مهر وادعاها

(5/638)


الزوج، فهل القول قولها، أم يتحالفان ؟ القياس مجئ الوجهين. ولو ادعى أحدهما التفويض، والآخر التسمية، فإن أوجبنا المهر في التفويض بالعقد، فهو كما لو ادعى أحدهما السكوت، والآخر التسمية، وإلا فالاصل عدم التسمية من جانب، وعدم التفويض من جانب. ولو ادعى أحدهما التفويض والآخر أنه لم يجر للمهر ذكر، فيشبه أن يكون القول قول الثاني. الثالثة: إذا حكمنا بالتحالف، فحلف أحدهما ونكل الآخر، حكمنا للحالف. ومن أقام بينة، حكمنا بها. ولو أقاما بينتين مختلفتين في قدر المهر، فوجهان. أحدهما: يحكم ببينة المرأة لاشتمالها على الزيادة. والثاني: يتعارضان إذا قلنا بالتساقط، فكأن لا بينة، فيتحالفان. وإن قلنا بالقرعة، فهل يحتاج من خرجت قرعته إلى اليمين ؟ وجهان. الرابعة: ادعت النكاح ومهر المثل، واعترف الزوج بالنكاح وأنكر المهر، أو سكت عنه ولم يدع التفويض ولا إخلاء النكاح عن ذكر المهر، حكى الغزالي فيه وجهين. أحدهما وينسب إلى القاضي حسين: يثبت لها المهر إذا حلفت، لان الظاهر معها، فإن النكاح يوجب مهر المثل إذا لم تكن تسمية صحيحة. وأصحهما عند الغزالي: أنه لا يثبت مهر مثلها بيمينها، بل يتحالفان، لانه قد ينكحها بأقل ما يتمول، وهذا الذي فرضه لا يكاد يتصور، فإن التحالف أن يحلف كل واحد على إثبات ما يزعمه، ونفي ما زعمه صاحبه. والمفروض من جهة الزوج، إنكار مطلق، فلا معنى للتحالف. ولم يذكر الروياني الخلاف هكذا، بل قال: قال مشايخ طبرستان: القول قول الزوج وعليها البينة، والحق أنه لا يسمع إنكاره لاعترافه بما يقتضي المهر، ولكن يكلف البيان. فإن ذكر قدرا وادعت زيادة، تحالفا. وإن أصر على الانكار، ردت اليمين عليها وقضي لها بها. قال الروياني: ورأيت جماعة من المحققين بخراسان والعراق يفتون بهذا، وهو القديم. ولو ادعت

(5/639)


زوجية ومهرا مسمى يساوي مهر المثل، وقال الزوج: لا أدري، أو سكت، قال الامام: ظاهر ما ذكره القاضي، أن القول قولها لما سبق أن النكاح اقتضى مهر المثل. قال: والذي يقتضيه قياس المذهب، أن دعواها متوجهة بذلك القدر، ولا يسمع منه التردد، بل يحلف على نفي ما تدعيه. فإن نكل، ردت اليمين عليها وقضي بيمينها. ثم حكى عن القاضي على قياس الوجه المنسوب إليه، أنه لو قال: هذا ابني من فلانة، استحقت عليه مهر المثل إذا حلفت، لانه إقرار بالوطئ ظاهرا، لان استدخال الماء بعيد والوطئ المحرم (هو) الذي يحصل منه الولد النسيب ظاهرا، وهو يقتضي المهر. وقياس ظاهر المذهب، أنه يؤمر بالبيان إذا أنكر ما ادعته. فإن أصر على الانكار، ردت اليمين عليها. فرع قال المتولي: لو مات الزوج وادعت على الوارث أن الزوج سمى لها ألفا، فقال الوارث: لا أعلم كم سمى، لم يتحالفا، بل يحلف الوارث على نفي العلم. فإذا حلف، قضي لها بمهر المثل. قلت: هذا الذي ذكره المتولي، حكاه الامام عن القاضي حسين، ثم قال: هو مشكل على قياس المذهب، قال: والقياس أن يحكم بانقطاع الخصومة، يحلف الوارث، والقدر الثابت على قطع هو أقل ما يتمول، والمختار بل الصواب قول المتولي والقاضي، وقد نص عليه قبلهما القفال شيخ طريقة خراسان، وقد حكاه عنه الرافعي في الباب الثاني من الدعوى والبينات، ولم يذكر فيه خلافا، ولم أر لاحد من الاصحاب خلافا، ودليله أن تعذر معرفة المسمى، كعدمه من أصله، ولهذا نوجب مهر المثل في التحالف وإن كان هناك مسمى زائد أو ناقص. والله أعلم. الخامسة: اختلف الزوج وولي الصغيرة أو المجنونة، فقال الولي: زوجتكها بألفين، فقال: بل بألف. فوجهان. أصحهما عند الاصحاب: يتحالفان.

(5/640)


والثاني: لا، فعلى هذا توقف إلى بلوغها فيتحالفان، ويجوز أن يحلف الزوج، ويوقف يمينها إلى بلوغها. وإذ قلنا: يحلف الولي، فذلك إذا ادعى زيادة عى مهر المثل والزوج معترف بمهر المثل. وأما إذا ادعى الزوج نكاحها بدون مهر المثل، فلا تحالف، لانه يثبت مهر المثل وإن نقص الولي. ولو ذكر الزوج قدرا يزيد على مهر المثل، وادعى الولي زيادة عليه، لم يتحالفا كيلا يرجع الواجب إلى مهر المثل، بل يأخذ الولي ما يقوله الزوج. ولو ادعى الولي مهر المثل أو أكثر، وذكر الزوج أكثر من ذلك، فهل يتحالفان، أم يؤخذ بما قاله الزوج ؟ وجهان حكاهما الحناطي، وهذا الخلاف المذكور في اختلاف الزوج وولي الصغيرة، يجري في اختلاف المرأة وولي الزوج الصغير، وفيما إذا اختلف وليا الزوجين الصغيرين. ولو بلغت الصغيرة قبل التحالف، حلفت هي ولا يحلف الولي. وادعى البغوي الاتفاق عليه. ولو اختلف ولي البكر البالغة وزوجها، فالصحيح أنها هي التي تحلف. وقيل: يحلف الولي لانه العاقد، قاله القاضي أبو الطيب وغيره. ومن قال بهذا، لا يسلم في الصغيرة إذا بلغت أن اليمين عليها. والخلاف في حلف الولي يجري في الوكيل في النكاح، وفي وكيل البائع مع المشتري، ووكيل المشتري مع البائع، وفي وكيليهما، ومنهم من رتب وقال: إن لم يحلف الولي، فالوكيل أولى، وإلا فوجهان لقوة الولاية. فرع إذا قلنا: يحلف الولي فنكل، فهل يقضى بيمين صاحبه، أم يوقف حتى تبلغ الصبية وتفيق المجنونة فلعلها تحلف ؟ فيه وجهان نقلهما الحناطي. فرع جميع ما ذكرنا في هذه المسألة، هو فيما يتعلق بإنشاء الولي، أما ما لا يتعلق به، بأن ادعى على رجل أنه أتلف مال الطفل، فأنكر المدعى عليه ونكل، فهل يحلف اليمين المردودة إتماما للخصومة واستخلاصا لحق اصبي، أم لا لانه لا يتعلق بانشائه ؟ وجهان. أصحهما: الثاني. وعلى هذا لا يقضى بالنكول، بل

(5/641)


يتوقف حتى يبلغ الصبي. وفي وجه: لا تعرض اليمين على المدعى عليه، ويتوقف في أصل الخصومة. وأفتى الق فيما إذا ادعى الولي على رجل دينا ورثه الصبي وأقام بينة به، فقال الخصم: كنت قضيته، أو أبرأني مورثه، أنه لا يحلف الولي، بل يحلف الصبي إذا بلغ على نفي العلم بذلك. ولو أقر القيم بما قاله الخصم، انعزل وأقام القاضي غيره. ولو ادعى أن هذا القيم قبضه وأنكر، حلف. السادسة: ادعت على رجل أنه نكحها يوم الخميس بألف، ونكحها يوم السبت بألف، وطلبت الالفين، سمعت دعواها لامكان ثبوت الالفين بأن يطأها يوم الجمعة، ويخلعها ثم ينكحها يوم السبت، وإذا ثبت العقدان بالبينة، أو باقراره، أو بيمينها بعد نكوله، لزمه الالفان، ولا يحتاج إلى التعرض لتخلل الفرقة، ولا لحصول الاصل، لان كل عقد منهما ثبت مسماه والاصل بقاؤه. فإن ادعى أن العقد الثاني كان إظهارا للاول لا إنشاء، لم يقبل. وهل له تحليف المرأة على نفي ذلك ؟ وجهان حكاهما في العدة أصحهما: له. فإن ادعى على أنه لم يصبها في النكاح الاول، صدق بيمينه، ولا يطالب من المهر الاول إلا بالنصف، وتكون معه بطلقتين. ولو ادعى في النكاح الثاني الطلاق قبل الاصابة، صدق بيمين، وقنع منه

(5/642)


بنصف المهر الثاني أيضا. ولو ادعى على رجل أنه اشترى منه كذا يوم الخميس بألف، ثم يوم الجمعة بألف، وطالبه بالثمنين، لزمه الثمنان إذا ثبت العقدان كما في المهرين. السابعة: رجل يملك أبوي حرة، فنكحها على أحدهما معينا، ثم اختلفا، فقال: أصدقتك أباك فقالت: بل أمي، فوجهان. أصحهما: يتحالفان. والثاني: يصدق الزوج بيمينه في أنه لم يصدقها أمها، وتحلف هي أنه لم يصدقها الاب، ولها مهر مثلها، ويعتق الاب بإقرار الزوج أنه أصدقها الاب لتضمنه الاقرار، لانه عتق عليها ولا غرم على المرأة، لانها لم تفوت عليه شيئا، فصار كما لو قال لرجل: بعتك أباك فأنكر، عتق عليه باقراره. إن قلنا بالتحالف فحلفا، عتق الاب بإقرار الزوج، ولها مهر مثلها، وليس عليها قيمة الاب، وولاؤه موقوف، لان الزوج يقول: هو لها، وهي تنكره. وإن حلفت دونه، عتق الابوان. أما الاب، فبإقراره، وأما الام، فلانا حكمنا بكونها صداقا، وليس عليها قيمة واحدة منهما. وإن حلف دونها، رقت الام، وعتق الاب، وولاؤه موقوف. وإن لم يحلف واحد منهما، عتق الاب، ولا تتمكن هي من طلب المهر، لان من ادعى شيئا ونكل عن اليمين بعد الرد، كان كمن لم يدع شيئا. ولو قال الزوج: أصدقتك أباك ونصف أمك وقالت: بل أصدقتني كليهما، تحالفا بلا خلاف، لان الاختلاف هنا في قدر الصداق. فإذا حلفا، فلها مهر المثل وتعتق، وعليها قيمته لاتفاقهما أنه عتق عليها بحكم الصداق، فلما تحالفا بطل الصداق، ولا سبيل إلى رد العتق فوجبت القيمة، كما لو اشترى عبدا فأعتقه، ثم اختلفا في الثمن وتحالفا. وأما

(5/643)


الام، فيعتق عليها نصفها. فان كانت موسرة، عتق الباقي بالسراية وعليها قيمة ما يعتق منها، ويجئ التقاص. ولو حلف الزوج دونها، عتق الاب ونصف الام، ولا سراية إن كانت معسرة، ولا شئ لها ولا عليها، لانا حكمنا بيمينه أن الصداق هو الاب ونصف الام. ولو حلفت دونه، حكم بكونهما صداقا وعتقا، ولا شئ عليها. ولو قالت: أصدقتني الام ونصف الاب، فقال: لا بل الاب ونصف الام، تحالفا. فإذا حلفا، فلها مهر المثل، ويعتق من الاب نصفه لاتفاقهما، ونصفه باقرار الزوج وعليها قيمة ما اتفقا عليه. وأما الام، فيعتق نصفها باتفاقهما، ويسري إلى الباقي إن كانت موسرة، وعليها قيمة ما عتق منها. الثامنة: اختلفا في أداء المهر، فالقول قولها بيمينها، سواء اختلفا قبل الدخول أو بعده. فلو اتفقا على قبض مال، فقال: دفعته صداقا وقالت: بل هدية. فإن اتفقا على أنه تلفظ واختلفا، هل قال: خذي هذا صداقا أم قال: هدية ؟ فالقول قوله بيمينه. وإن اتفقا أنه لم يجر لفظ، واختلفا فيما نوى، فالقول قوله بيمينه أيضا. وقيل: بلا يمين، وسواء كان المقبوض من جنس الصداق أم غيره، طعاما أم غيره. فإذا حلف الزوج، فان كان المقبوض من جنس الصداق، وقع عنه، وإلا فان رضيا ببيعه بالصداق، فذاك، وإلا استرده وأدى الصداق. فان كان تالفا، فله البدل عليها وقد يقع في التقاص. ولو بعث إلى بيت من لا دين له عليه شيئا ثم قال: بعثته بعوض، وأنكر المبعوث إليه، فالقول قول المبعوث إليه. التاسعة: ادعى دفع الصداق إلى ولي الصغيرة والمجنونة، أو السفيهة، سمعت دعواه. وإن ادعى دفعه إلى ولي البالغة الراشدة، لم يسمع الدعوى عليها، إلا أن يدعي إذنها، وسواء البكر والثيب. وفي البكر وجه، (و) الخلاف مبني على أن الولي، هل يملك قبض مهر البكر الرشيدة ؟ والمذهب منعه. وفيه قول أو وجه. ومنهم من لم يثبته وقطع بالاول. وإذا قلنا بالمذهب، فاستأذنها فسكتت، لم

(5/644)


يستفد بسكوتها الاذن في القبض، وقياس القول أو الوجه الضعيف، أن يستفيده وإن نهت عنه كتزويجها. العاشرة: وقع الاختلا ف في غير المنكوحة، فهو اختلاف في عقدين، القول في كل منهما قول النافي. وإن قال: نكحت هاتين بألف، فقالت إحداهما أو وليهما: بل نكحت هذه فقط بألف، فهذا اختلاف في قدر مهر المتفق على نكاحها. وأما الاخرى، فالقول قول المنكر.
فصل يتعلق بكتاب الصداق أصدقها جارية، ثم وطئ الجارية عالما بالحال، فإن كان بعد الدخول، فعليه الحد، ولا يقبل قوله: لم أعلم أنها ملكتها بالدخول، إلا أيكون قريب عهد بالاسلام. وإن كان قبل الدخول، فلا حد. وعللوه بشيئين. أحدهما: لا يبعد أن يخفى مثل هذه الاحكام عن العوام. والثاني: اختلاف العلماء، فإن مالكا رحمه الله تعالى قال: لا تملك قبل الدخول إلا نصف الصداق. فإن كان عالما بأنها تملك جميع الصداق بالعقد، فعلى التعليل الاول يحد. وعلى الثاني، لا وحيث قلنا: يحد، فأولدها، فالولد رقيق، وعليه المهر إن كانت مكرهة. وحيثقلنا: لا يحد، فالولد نسيب حر، وعليه قيمته يوم سقوطه. فصل خالع زوجته المدخول بها، ثم نكحها في العدة، وطلقها قبل الدخول في النكاح الثاني، يتشطر المهر عندنا. وقال أبو حنيفة رحمه الله تعالى: يحب جميعه، وبالله التوفيق.
باب الوليمة
هي عامة على ما قال الشافعي والاصحاب رحمهم الله تعالى، تقع على كل

(5/645)


دعوة تتخذ بسرور حادث، من نكاح أو ختان أو غيرهما. لكن الاشهر استعمالها عند الاطلاق في النكاح، وتقيد في غيره، فيقال: وليمة الختان وغيره، ويقال لدعوة الختان: إعذار، ولدعوة الولادة: عقيقة، ولسلامة المرأة من الطلق: خرس. وقيل: الخرس لطعام الولادة، ولقدوم المسافر: نقيعة، ولاحداث البناء: وكيرة، ولما يتخذ للمصيبة: وضيمة، ولما يتخذ بلا سبب: مأدبة. قلت: الاعذار بالعين المهملة، وبالذال المعجمة. والخرس، بضم الخاء المعجمة، وبالسين المهملة، ويقال: بالصاد. المأدبة، بضم الدال وفتحها. والوضيمة، بكسر الضاد المعجمة. وقول الاصحاب: النقيعة لقدوم المسافر، ليس فيه بيان من يتخذها أهو القادم أو المقدوم عليهم ؟ وفيه خلاف لاهل اللغة. فنقل إلازهري عن الفراء، أنه القادم. وقال صاحب المحكم: هو طعام يصنع للقادم وهو الاظهر. والله أعلم. وفي وليمة العرس قولان، أو وجهان. أحدهما: أنها واجبة، لقوله - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الصحيح: أولم ولو بشاة. وأصحهما: أنها مستحبة كالاضحية وسائر

(5/646)


الولائم، والحديث على الاستحباب، وقطع القفال بالاستحباب، وأما سائر الولائم، فمستحبة، ليس بواجبة على المذهب وبه قطع الجمهور، ولا يتأكذ تأكد وليمة النكاح. قال المتولي: وخرج بعضهم في وجوب سائر الولائم قولا، لان الشافعي رحمه الله قال بعد ذكرها: ولا أرخص في تركها. فرع أقل الوليمة على ما ذكره ابن الصباغ وغيره، للمتمكن شاة وإن لم يتمكن، اقتصر على ما يقدر عليه. فرع وأما الاجابة إلى الدعوة، ففي وليمة العرس تجب الاجابة إن أوجبنا الوليمة، وكذا إن لم نوجبها على الاظهر. وقيل: على الاصح، صححه العراقيون والروياني وغيرهم، للاحاديث الصحيحة من دعي إلى وليمة فليأتها. والثاني: أنها مستحبة. وأما غير وليمة العرس، فالمذهب أن الاجابة فيها مستحبة. وقيل: بطرد الخلاف في الوجوب. وإذا أوجبنا الاجابة، فهي فرض عين على الاصح. وقيل: فرض كفاية. ثم إنما تجب الاجابة أو تستحب بشروط. منها: أن يعم عشيرته أو جيرانه، أو أهل حرفته، أغنياءهم وفقراءهم، دون ما إذا خص الاغنياء. ومنها: أن يخصه بالدعوة بنفسه، أو يبعث إليه شخصا. فأما إذا فتح باب داره وقال: ليحضر من أراد، أو بعث شخصا: ليحضر من شاء، أو قال لشخص: احضر وأحضر معك من شئت، فقال لغيره: احضر، فلا تجب الاجابة ولا تستحب. ومنها: أن لا يكون إحضاره لخوف منه، أو طمع في جاهه، أو ليعاونه على باطل، بل تكون للتقرب، أو التودد. ومنها، أن يدعوه مسلم. فإن دعاه ذمي

(5/647)


فهل هو كالمسلم أم لا تجب قطعا ؟ طريقان. أصحهما: الثاني. ولا يكون الاستحباب في إجابته كالاستحباب في دعوة المسلم، لانه قد يرغب عن طعامه لنجاسته وتصرفه الفاسد، وتكره مخالطة الذمي وموادته. ومنها: أن يدعو في اليوم الاول. فلو أولم ثلاثة أيام، فالاجابة في اليوم الثالث مكروهة، وفي الثاني لا تجب قطعا، ولا يكون استحبابها كالاستحباب في اليوم الاول. فرع إذا اعتذر المدعو إلى صاحب الدعوة، فرضي بتخلفه، زال الوجوب وارتفعت كراهة التخلف. فرع دعاه جماعة، أجاب الاسبق، فإن جاءا معا، أجاب الاقرب رحما، ثم الاقرب دارا كالصدقة. ومنها: أن لا يكون هناك من يتأذى بحضوره، ولا يليق به مجالسته. فإن كان، فهو معذور في التخلف. وأشار في الوسيط إلى وجه فيه. ومنها: أن لا يكون هناك منكر كشرب الخمر والملاهي. فان كان، نظر، إن كان الشخص ممن إذا حضر رفع المنكر، فليحضر إجابة للدعوة وإزالة للمنكر، وإلا فوجهان. أحدهما: الاولى أن لا يحضر، ويجوز أن يحضر ولا يستمع وينكر بقلبه، كما لو كان يضرب المنكر في جواره، فلا يلزمه التحول وإن بلغه الصوت، وعلى هذا جرى العراقيون. والثاني وهو الصحيح: يحرم الحضور لانه كالرضى بالمنكر وإقراره. قلت: الوجه الاول غلط، ولا يثبت عن كل العراقيين، وإنما قاله بعضهم وهو خطأ، ولا يغتر بجلالة صاحب التنبيه ونحوه ممن ذكره. والله أعلم. فإذا قلنا بالثاني، فلم يعلم حتى حضر، نهاهم، فان لم ينتهوا، فليخرج. وفي جواز القعود وجهان. قلت: أصحهما: التحريم. والله أعلم.

(5/648)


فإن لم يمكنه الخروج، بأن كان في الليل ويخاف من الخروج، قعد كارها ولا يستمع. ولو كانوا يشربون النبيذ المختلف في إباحته، لم ينكره، لانه مجتهد فيه. فإن كان حاضره ممن يعتقد تحريمه، فكالمنكر المجمع على تحريمه. وقيل: لا. فرع ومن المنكرات، فرش الحرير وصور الحيوانات على السقوف والجدران، والثياب الملبوسة، والستور المعلقة، والوسائد الكبار المنصوبة، ولا بأس بما على الارض، والبساط الذي يداس، والمخاد التي يتكأ عليها، وليكن في معناها الطبق والخوان، والقصعة. ولا بأس بصور الاشجار، والشمس، والقمر. وفي وجه: يكره صورة الشجر. ولو كانت صور الحيوانات مقطوعة الرؤوس، فلا بأس به على الصحيح، ومنعه المتولي. وهل دخول البيت الذي فيه الصور الممنوعة حرام أم مكروه ؟ وجهان. وبالتحريم قال الشيخ أبو محمد، وبالكراهة قال

(5/649)


صاحب التقريب والصيدلاني، ورجحه الامام والغزالي في الوسيط. ولو كانت الصورة في الممر دون موضع الجلوس، فلا بأس بالدخول والجلوس، ولا يترك إجابة الدعوة بهذا السبب. وكذا لا بأس بدخول الحمام الذي على بابه صور، كذا قاله الاصحاب. فرع يحرم على المصور التصوير على الحيطان والسقوف، ولا يستحق أجرة. وفي نسج الثياب المصورة وجهان، جوزه أبو محمد لانها قد لا تلبس، ورجح المنع الامام والغزالي تمسكا بالحديث لعن الله المصورين. قلت: الصحيح التحريم، والحديث صحيح. والله أعلم. وطرد المتولي الوجهين في التصوير على الارض ونحوها، وكأن من قال بالمنع. قال: ليس له أن يصور، لكن إن اتفق يسامح به ولا يجب طمسه. قلت: الصحيح تحريم التصوير على الارض وغيرها. والله أعلم.
فصل الصوم ليس عذرا في ترك اجابة الدعوة. فإذا حضر الصائم، إن كان صوم فرض مضيق الوقت، حرم الفطر. وإن كان موسعا كالنذر المطلق وقضاء رمضان، فإن لم نجوز الخروج منه، حرم الفطر، وإلا (فقيل) هو كصوم النفل. وعن القاضي حسين كراهة الخروج منه، لان ذمته مشغولة. وإن كان صوم نفل، فإن لم يشق على صاحب الدعوة إمساكه، استحب اتمام صومه، وإن شق عليه، استحب الفطر. أما المفطر، ففي أكله وجهان. أحدهما: يجب وأقله لقمة، وأصحهما: أنه مستحب.
فصل دعاه من أكثر ماله حرام، كرهت إجابته كما تكره معاملته. فإن علم أن عين الطعام حرام، حرمت إجابته. فصل المرأة إذا دعت النساء، كما ذكرنا في الرجال. فإن دعت رجلا أو

(5/650)


رجالا، وجبت الاجابة إذا لم يكن خلوة محرمة. قلت: قال إبرهيم المروزي: لو دعته أجنبية وليس هناك محرم له ولا لها، ولم يخل به بل جلست في بيت، وبعثت الطعام مع خادم إليه إلى بيت آخر من دارها، لم يجبها مخافة الفتنة. والله أعلم.
فصل في مسائل تتعلق بالضيافة إحداها: للضيف أن يأكل إذا قدم إليه الطعام من غير أن يأذن صاحب الطعام لفظا، إلا إذا كان ينتظر حضور غيره، فلا يأكل حتى يحضر أو يأذن المضيف لفظا. وفي الوسيط أنه لا بد من لفظ وهو شاذ ضعيف، والصحيح الاكتفاء بقرينة التقديم، وللقرينة أثر ظاهر في مثل هذا الباب، وكذلك يجوز الشرب من الحباب الموضوعة على الطرق، وكان السلف يأكلون من بيوت إخوانهم للانبساط وهم غيب. وقال المتولي: تقديم الطعام، إنما يكفي إذا دعاه إلى بيته. فإن لم يسبق دعوة، فلا بد من الاذن لفظا، إلا إذا جعلنا المعاطاة بيعا، وقرينة التقديم لا تختلف لسبق الدعوة وعدمه. قلت: الصحيح بتقديم الطعام أنه يجوز الاكل بلا لفظ، سواء دعاه أم لا، بشرط أن لا يكون منتظرا غيره كما سبق. وأما الاكل من بيت الصديق وبستانه ونحوها في حال غيبته، فجائز بشرط أن يعلم من حاله أنه لا يكره ذلك منه. والله أعلم. الثانية: هل يملك الضيف ما يأكله ؟ وجهان. قال القفال: لا بل هو إتلاف بإذن المالك، وللمالك أن يرجع ما لم يأكل. وقال الجمهور: نعم. وبم يملك ؟ فيه أوجه. قيل: بالوضع بين يديه، وقيل: بالاخذ، وقيل: بوضعه في الفم، وقيل: بالازدراد يتبين حصول الملك قبيله. وضعف المتولي ما سوى الوجه الاخير. وعلى الاوجه ينبني التمكن من الرجوع. قلت: قال صاحب البيان: إذا قلنا: يملكه بالاخذ أو بالوضع في الفم، فهل للآخذ إباحته لغيره والتصرف فيه بغير ذلك ؟ وجهان. الصحيح (وقول الجمهور)

(5/651)


لا يجوز كما لا يعير المستعار. وقال الشيخ أبو حامد والقاضي أبو الطيب: يجوز أن يفعل ما يشاء من البيع والهبة وغيرهما، لانه ملكه. قال ابن الصباغ: هذا لا يجئ على أصلهما. والله أعلم. الثالثة: ليس للضيف التصرف في الطعام بما سوى الاكل، فلا يجوز أن يحمل معه منه شيئا، إلا إذا أخذ ما يعلم رضى المالك به، ويختلف ذلك بقدر المأخوذ وجنسه، وبحال المضيف والدعوة. فإن شك في وقوعه في محل المسامحة، فالصحيح التحريم، وليس للضيف إطعام السائل والهرة، ويجوز أن يلقم الاضياف بعضهم بعضا، إلا إذا فاوت بينهم في الطعام، فليس لمن خص بنوع أن يطعموا منه غيرهم، ويكره للمضيف أن يفعل ذلك. الرابعة: يحرم التطفل، واستثنى المتولي وغيره فقالوا: إذا كان في الدار ضيافة، جاز لمن بينه وبين صاحب الطعام انبساط أن يدخل ويأكل إذا علم أنه لا يشق عليه.
فصل في آداب الأكل منها: أن يقول أولا: باسم الله، فإن نسي قال إذا تذكر: بسم الله أوله وآخره، وأن يغسل يديه قبل الاكل وبعده، وأن يأكل بأصابعه الثلاث، وأن يدعو لصاحب الطعام إن كان ضيفا، ويقول: أكل طعامكم الابرار، وأفطر عندكم الصائمون. وصلت عليكم الملائكة. ويكره أن يأكل متكئا، وأن يأكل مما يلي آكليه، وأن يأكل من وسط القصعة وأعلى الثريد ونحوه، ولا بأس بذلك في الفواكه، ويكره أن يعيب الطعام، وأن يقرن بين تمرتين

(5/652)


ونحوهما، وأن يأكل بشماله، وأن يتنفس في الاناء، وأن ينفخ فيه. ولا يكره الشرب قائما، وحملوا النهي الوارد على حالة السير. قلت: هذا الذي قاله من تأويل النهي على حالة السير، قد قاله ابن قتيبة والمتولي، وقد تأوله آخرون بخلاف هذا. والمختار أن الشرب قائما بلا عذر خلاف الاولى، للاحاديث الصريحة بالنهي عنه في صحيح مسلم. وأما الحديثان الصحيحان عن علي وابن عباس رضي الله عنهما أن النبي - صلى الله عليه وسلم - شرب قائما، فمحمولان على بيان الجواز جمعا بين الاحاديث. وقد اعترض على أحاديث النهي بأشياء باطلة، أوضحت جوابها في شرح صحيح مسلم. ويكره الشرب من فم القربة. ومن آداب الاكل: حمد الله تعالى في آخره. وكذلك في آخر الشرب فيقول: الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه غير مكفي ولا مكفور ولا مودع، ولا مستغنى عنه ربنا. ثبت ذلك في صحيح البخاري عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه كان يقوله، وقد جاءت في هذا أذكار كثيرة في الصحيح وغيره، وقد جمعت مقاصدها في كتاب أذكار الطعام من كتاب الاذكار، وشرحت فيه هذه الالفاظ أحزن شرح وأوجزه، مع جمل مما يتعلق بالاطعمة. وقوله: ربنا، يجوز بالرفع على الابتداء، وبالنصب على الاختصاص أو

(5/653)


النداء، وبالجر على البدل من قوله: الحمد لله. وإذا أكل جماعة، فمن الادب أن يتحدثوا على طعامهم بما لا إثم فيه، ويكره أن يتمخط ويبصق في حال أكلهم إلا لضرورة، ويكره أن يقرب فمه من القصعة بحيث يرجع من فمه إليها شئ. ويستحب أن يلعق القصعة، وأن يلعق أصابعه، وأن يأكل اللقمة الساقطة ما لم تتنجس ويتعذر تطهيرها، للاحاديث الصحيحة في ذلك. والاولى أن لا يأكل الشخص وحده، وأن لا يرتفع عن مؤاكلة الغلام والصبيان والزوجة، وأن لا يتميز على جلسائه بنوع إلا لحاجة، كدواء، ونحوه، وأن يمد الاكل مع رفقته ما دام يظن لهم حاجة إلى الاكل، وأن يؤثرهم بفاخر الطعام، كقطعة لحم وخبز لين، أو طيب ونحو ذلك، وقد سبق استحباب التسمية في أول الطعام، وهي مستحبة لكل آكل، حتى الحائض والنفساء. وينبغي أن يجهر بها جهرا يسمعه رفقته سماعا محققا، ليقتدى به فيها، وليتنبه غيره لها ويستحب لكل واحد من الجماعة، أن يسمي. فإن سمى واحد من الجمع، أجزأ عن الباقين، نص عليه الشافعي رضي الله عنه، وقد ذكرته في كتاب الاذكار وفي طبقات الفقهاء في ترجمة الشافعي، وهو شبيه برد السلام، وتشميت العاطس، فإنه يكفي قول أحد الجماعة. ومن ترك التسمية عامدا أو مكرها، أو لعارض آخر، ثم تمكن في أثناء أكله، سمى، كما لو نسيها، وسبق مثله في الوضوء، والتسمية في المشروب كالمأكول. ولا بأس بقوله: لا أشتهي هذا الطعام، أو ما اعتدت أكله، لحديث الضب. ويستحب لمن حضر وهو صائم ولم يأكل، أن يدعو لاهل الطعام، ويستحب الترحيب بالضيف وحمد الله تعالى على حصوله ضيفا عنده، وسروره به، وثناؤه عليه لجعله أهلا لتضييفه. ففي الصحيحين، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: من كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فليكرم ضيفه. والله أعلم. فصل يجوز نثر الجوز واللوز والتمر والسكر ونحوها في الاملاكات. وهل يكره أم يستحب، أم لا يستحب ولا يكره، بل تركه أولى ؟ فيه أوجه. أصحها

(5/654)


الثالث. والتقاط النثار جائز، لكن الاولى تركه، إلا إذا عرف أن الناثر لا يؤثر بعضهم على بعض، ولم يقدح الالتقاط في مروءته، ثم من التقط لم يؤخذ منه. وهل يملكه ؟ وجهان. أحدهما: لا، لانه لم يوجد لفظ تمليك لمعين والثاني: يملك اعتبارا بالعادة، والائمة إلى هذا الوجه أميل، وهو مقتضى إطلاق أكثرهم. فعلى الاول، للناثر الاسترجاع. قال ابن كج: له الاسترجاع ما لم يخرج الملتقط من الدار، وعليه الغرم إن أتلفه. وإن قلنا: يملك فهل يخرج عن ملك الناثر بالنثر، أم بأخذ الملتقط، أم بإتلافه ؟ فيه أوجه. قلت: الاصح أنه يملك بالاخذ كسائر المباحات. والله أعلم. ومن وقع في حجره شئ من النثار، فإن بسطه لذلك، لم يؤخذ منه. فإن سقط منه بنفس الوقوع، لم يبطل حقه على الاصح، فيمنع غيره من أخذه. وإن لم يبسطه له، لم يملكه، لعدم القصد والفعل. فإن نفضه، فهو كما لو وقع على الارض أولا، وإلا فهو أولى به من غيره، وليس لغيره أن يأخذه. فلو أخذه غيره، ففي ملكه وجهان جاريان، فيما لو عشش طائر في ملكه فأخذ فرخه غيره. وفيما إذا دخل السمك مع الماء حوضه، وفيما إذا وقع الثلج في ملكه فأخذه غيره، وفيما إذا أحيا ما يحجره غيره. لكن الاصح أن المحيي يملك. وفي هذه الصور ميلهم إلى المنع أكثر، لان المتحجر غير مالك فليس الاحياء تصرفا في ملك غيره، بخلاف هذه الصورة ولو سقط من حجره قبل أن يقصد أخذه، أو قام فسقط، بطل اختصاصه،

(5/655)


كما لو طار الفرخ، فإنه يجوز لغير صاحب الارض أخذه بلا خلاف. ثم اختصاص من وقع في حجره مخصوص بمن هو ممن يأخذه. أما من يعلم أنه لا يأخذه ولا يرغب فيه، فلا اختصاص له به، ويجوز لغيره أخذه من حجره، ذكره البغوي وغيره. ويكره أخذ النثار من الهواء بالملاءة والازر المربوطة برؤوس الخشب. فإن أخذ كذلك، استحقه ونثر الدراهم والدنانير، كنثر السكر ذكره المسعودي. قلت: ولو التقط النثار صبي ملكه، ولو التقطه عبد ملكه سيده، ذكره إبرهيم المروزي، والختان في هذا كاملاك. والله أعلم.

(5/656)