روضة الطالبين وعمدة المفتين ط العلمية

روضة الطالبين - كتاب عشرة النساء والقسم والشقاق فيه بابان.
الأول : في عشرتهن والقسم. النكاح مناط حقوق الزوج على الزوجة، كالطاعة وملازمة المسكن. وحقوقها عليه، كالمهر والنفقة، والكسوة، والمعاشرة بالمعروف. قال الله تعالى: * (ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف) * والمراد تماثلها فق وجوب الآداب. وقال تعالى: * (وعاشروهن بالمعروف) * قال الشافعي رحمه الله: جماع المعروف بين الزوجين، الكف عن المكروه، وإعفاء صاحب الحق من المؤنة في طلبه من غير إظهار كراهته في تأديته. فأيهما مطل بتأخيره، فمطل الغني ظلم، قالا الاصحاب: أراد بالكف عن المكروه، الامتناع عما يكرهه صاحبه، وبإعفاء صاحب الحق من المؤنة في طلبه أن لا يحوجه في أداء الحق إلى كلفة ومؤنة. وبقوله من غير إظهار كراهة، أن يؤدي الحق راضيا طلق الوجه. ومن المعاشرة بالمعروف: القسم. وفائدته: العدل والتحرز عن الايذاء والايحاش بترجيح البعض، وقد يعرض ما يقتضي التفضيل. ويتضمن الباب خمسة أطراف. الاول: في استحقاق القسم. من له زوجة واحدة، ينبغي أن لا يعطلها، فيستحب أن يبيت عندها ويحصنها، وأدنى الدرجات أن (لا) يخلي أربع ليال عن

(5/657)


ليلة، ولا يجب عليه المبيت بحال، لانه حقه فله تركه. ولو كان له مستولدات أو إماء، فلا قسم لهن، ويستحب أن لا يعطلهن، وأن يسوي بينهن. ولو كان معهن نساء، فلا قسم بينهن وبين النساء. حتى لو بات عند المنكوحات أو عند الاماء، فلا قسم للاخريات. وإذا كان تحته زوجتان فأكثر، فالاعراض عن جملتهن كالاعراض عن الواحدة المنفردة. وحكى القاضي أبو حامد وجها أنه يلزمه القسم بينهن، ويحرم إعراضه عنهن، ويمكن أن يجئ مثله في الواحدة. ولو بات عند بعضهن، لزمه مثله للباقيات. وإذا سوى بينهن في الظاهر، لم يؤاخذ بزيادة ميل قلبه إلى بعضهن، ولا تجب التسوية في الجماع، لكن يستحب التسوية فيه وفي سائر الاستمتاعات. ولو قسم بينهن مدة وسوى ثم أعرض عنهن، جاز كالابتداء. فصل فيمن تستحق القسم فيه مسائل. إحداها: تستحقه المريضة، والرتقاء، والقرناء، والحائض، والنفساء، والمحرمة، والمؤلى منها، والمظاهر منها، والمراهقة، والمجنونة التي لا يخاف منها، لان المراد الانس. قال المتولي: والمعتدة عن وطئ شبهة لا قسم لها، لانه

(5/658)


يحرم الخلوة بها. الثانية: إذا نشزت عن زوجها، بأن خرجت من مسكنه، أو أراد الدخول عليها فأغلقت الباب ومنعته، أو ادعت عليه الطلاق، أو منعت التمكين، فلا قسم لها كما لا نفقة. وإذا عادت إلى الطاعة، لم تستحق القضاء، وامتناع المجنونة كامتناع العاقلة، لكن لا تأثم. الثالثة: إن لم ينفرد بمسكن وطاف عليهن في مساكنهن، فذاك، وإن انفرد، فيتخير بين المضي إليهن ودعائهن إلى مسكنه في نوبتهن والاول أولى اقتداء برسول الله - صلى الله عليه وسلم -. فإن دعاهن، لزمهن الاجابة. ومن امتنعت، فهي ناشزة. وهل له أن يدعو بعضهن إلى مسكنه ويمضي إلى مسكن بعضهن ؟ وجهان. وقال الحناطي: قولان. أصحهما: المنع، وبه قطع البغوي والسرخسي وغيرهما. فإن أقرع بينهن ليدعو من خرجت قرعتها إلى منزله، فينبغي القطع بالجواز، كالمسافرة

(5/659)


ببعضهن بالقرعة. ثم الوجهان، إذا لم يكن التخصيص بعذر، فإن كان بأن كان مسكن إحداهما قريبا إليه، فمضى إليها ودعا الاخرى لتخف عنه مؤنة السير، لزمها الاجابة، وكذا لو كان تحته عجوز وشابة، فحضر بيت الشابة لكراهة خروجها ودعا العجوز، فلزمها الاجابة، فإن أبت، بطل حقها. وإذا كان يدعوهن إلى منزله، فمنع بعضهن شغل لها، بطل حقها. وإن منعها من الاجابة مرض، قال ابن كج: عليه أن يبعث إليها من يحملها إليه. ولو أقام عنده واحدة منهن، ودعا الباقيات إلى بيتها، لم تلزمهن الاجابة لما فيه من المشقة. الرابعة: إن سافرت معه، فسيأتي حكمه إن شاء الله تعالى. وإن سافرت وحدها من غير إذنه، فهي ناشزة. وإن أذن، نظر، إن كان السفر لغرضه، بقي حقها فيقضيه من حق الباقيات. وإن كان لغرضها كحج وتجارة، سقط حقها على الجديد، فلا قضاء لها. وقيل بالسقوط قطعا، وفائدة الاذن دفع الاثم. فصل فيمن يستحق عليه القسم هو كل زوج عاقل، وإن كان مراهقا أو سفيها. فإن جاز المراهق، فالاثم على وليه، وإن جاز السفيه، فعلى نفسه، (و) أما المجنون، فإن كان لا يؤمن منه ضرر، فلا قسم، وإن أمن، فإن كان قسم لبعضهن ثم جن، فعلى الولي أن يطوف به على الباقيات قضاء لحقوقهن، كقضاء الديون. قال المتولي: وذلك إذا طلبن. فإن أردن التأخير إلى إفاقته لتتم المؤانسة، فلهن ذلك. وإن لم يكن عليه شئ من القسم، فإن رأى منه ميلا إلى النساء، وقال أهل الخبرة: ينفعه غشيانهن، لزم الولي أن يطوف به عليهن، أو يدعوهن إلى منزله، أو يطوف به على بعضهن، ويدعو بعضهن كما يرى. وإن لم ير منه ميلا، فليس عليه الطواف به. وحكى الفوراني وجها، أن حق القسم يبطل بالجنون، ولا يطالب الولي برعايته بحال، ولا يجري الوجه فيما إذا قيل: ينفعه الغشيا. ولو قيل: يضره، لزمه منعه عنهن.

(5/660)


أما من به جنون منقطع، فان ضبط، كيوم ويوم، جعلت أيام الجنون كالغيبه، ويقسم في إفاقته. ولو أقام في الجنون عند واحدة، فلا قضاء ولا اعتداد به، كذا قاله البغوي وغيره، وفيه إشعار بأنه لا يقسم أيام جنونه. وحكى أبو الفرج وجها، أنه إذا أقام في الجنون عند واحدة، قضى للباقيات. وقال المتولي: يراعي القسم في أيام الافاقة، ويراعيه الولي في الجنون، ولكل واحدة نوبة من هذا، ونوبة من هذا، وهذا حسن. وإن لم تنضبط الافاقة، وقسم الولي لواحدة في الجنون، وأفاق في نوبة الاخرى، قال الغزالي: يقضي ما جرى في الجنون لنقصه.
الطرف الثاني : في مكان القسم وزمانه، فيه مسائل. إحداها: يحرم عليه أن يجمع بين زوجتين، أو زوجات في مسكن ولو ليلة واحدة إلا برضاهن. والمراد بالمسكن: ما يليق بامرأة من دار وحجرة بيت مفرد. فاللواتي تليق بكل واحدة منهن بيت أو دار أو حجرة، لا يجمع بينهن في دار واحدة ولا حجرة واحدة، لكن لو كان في الدار حجر مفردة المرافق، فله أن يسكنهن فيها. وكذا لو أسكن واحدة في العلو والاخرى في السفل والمرافق متميزة، واللواتي يليق بهن البيوت الفردة له أن يسكن كل واحدة منهن بيتا من خان واحد، أو دار واحدة، ولا يجمع بينهن في بيت إلا بالرضى. وإذا جمعهما في مسكن بالرضى، كره وطئ أحدهما بحضرة الاخرى. ولو طلب، لم تلزمها الاجابة، ولا تصير بالامتناع ناشزة.

(5/661)


الثانية: عماد القسم الليل والنهار تابع، وله أن يرتب القسم على الليلة واليوم الذي قبلها، أو اليوم الذي بعدها، هذا حكم عامة الناس. وأما من يعمل ليلا ويسكن نهارا، كالاتوني والحارس، فعماد قسمه النهار، والليل تابع، وعماد قسم المسافر وقت نزوله ليلا كان أو نهارا قليلا أم كثيرا. الثالثة: من عماد قسمه الليل، يحرم عليه أن يدخل في نوبة واحدة على الاخرى ليلا وإن كان لحاجة كعيادة وغيرها. وقيل: يجوز للحاجة، وهو ضعيف، ويجوز الدخول للضرورة بلا خلاف. قال في الشامل: هي مثل أن تموت أو يكون منزولا بها. وقال الشيخ أبو حامد وغيره: هي كالمرض الشديد. قال الغزالي: هي كالمرض المخوف. قال: وكذا المرض الذي يحتمل كونه مخوفا، فيدخل لتبيين الحال. وفي وجه: لا يدخل حتى يتحقق أنه مخوف. ثم إذا دخل على الضرة لضرورة، أو مكث ساعة طويلة، قضى لصاحبة النوبة مثل ذلك في نوبة المدخول عليها، وإن لم تكن إلا لحظة يسيرة، فلا قضاء. ولو تعدى بالدخول، إن طال الزمان، قضى، وإلا، فلا، لكن يعصي. وعن القاضي حسين تقدير القدر المقتضي بثلث الليل. والصحيح أن لا يقدر. هذا إذا لم يجامع المدخول عليها، فإن جامعها، عصى. وفي القضاء أوجه. أحدها: أنه أفسد الليلة، فلا تحسب على صاحبة النوبة. والثاني: يقضي الجماع في نوبة التي جامعها. وأصحها: يقضي من نوبتها مثل تلك المدة، ولا يكلف الجماع. فإن فرض الجماع في لحظة يسيرة، فلا قضاء على هذا الوجه، ويبقى الوجهان الاولان. فرع وأما النهار، فلا تجب التسوية فيه بين النسوة في قدر إقامته في البيت، ولكن ينبغي أن تكون إقامته في بيت صاحبة النوبة إن أقام، ولا يدخل على غيرها إلا لحاجة، كعيادة، وتعرف خبر، وتسليم نفقة، ووضع متاع واحدة. وينبغي أن لا يطيل المقام، ولا يعتاد الدخول على واحدة في نوبة الاخريات، ولا في نوبة واحدة الدخول على غيرها. وإذا دخل على واحدة بغير حاجة، ففي التجريد للمحاملي: أنه يجب القضاء، وحكاه عن نصه في الاملاء. وإن دخل لحاجة، فلا قضاء. هذا هو الصحيح المعروف، وحكى الغزالي وجهين

(5/662)


آخرين. أحدهما: أن النهار كالليل، ومقتضى هذا الاطلاق، أن لا يدخل إلا لضرورة، وأنه يقضي إذا دخل متعديا. وحكى ابن كج أن أبا إسحق حكى في وجوب القضاء قولا. والثاني: لا حجر بالنهار. ومقتضى هذا أن يدخل ويخرج كيف شاء بلا قضاء، ولا يجوز في دخول الحاجة أن يجامع. وفي سائر الاستمتاعات وجهان. أصحهما: الجواز. وفي كتاب ابن كج وجه أنه يجوز الجماع وهو شاذ. فرع من عماد قسمه النهار، فليله كنهار غيره، ونهاره كليل غيره في جميع ما ذكرنا. فرع نقل البغوي وغيره، أنها إذا مرضت، أو طرأ بها الطلق، فإن كان لها متعهد، لم يبت عندها إلا في نوبتها، ويراعي القسم. وإن لم يكن متعهد، بات عندها ليالي بحسب الحاجة ويقضي للباقيات إن برأت. وإن ماتت، تعذر القضاء. وفي القضاء لا يبيت عند كل واحدة من الاخريات جميع تلك الليالي ولاء، بل (لا) يزيد على ثلاث ليال، وهكذا يدور حتى يتم القضاء. ولو مرضت ثنتان ولا متعهد، فقد يقال: يقسم الليالي عليهما، ويسوي بينهما في التمريض، ويمكن أن يقال: يقرع بينهما كما يسافر جها بالقرعة. قلت: القسم أرجح. والله أعلم. فرع كان يعمل تارة بالليل، ويستريح بالنهار، وتارة عكسه، فهل يجوز أن يبدل الليل بالنهار، بأن يكون لواحدة ليلة تابعة ونهار متبوع، وللاخرى ليلة متبوعة ونهار تابع ؟ وجهان حكاهما الحناطي. قلت: الاصح المنع لتفاوت الغرض. والله أعلم. الرابعة: أقل نوب القسم، ليلة ليلة، ولا يجوز ببعض الليلة. وحكى ابن كج وجها، أنه يجوز أن يقسم لكل واحدة بعضا من ليلة. وحكى الامام وجها أنه يجوز أن يقسم لكل واحدة ليلة ونصفا، ولا يجوز لكل واحدة بعض ليلة. والصحيح المنع مطلقا. والافضل أن لا يزيد على ليلة اقتداء برسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وليقرب عهده بهن كلهن. ولو قسم ليلتين ليلتين، أو ثلاثا ثلاثا، جاز، نص عليه. وفي وجه عن أبي

(5/663)


إسحق: لا تجوز الزيادة على ليلة إلا برضاهن. والصحيح الاول. ولا تجوز الزيادة على ثلاثة إلا برضاهن على المذهب. وقيل: قولان أو وجهان. فإن جوزنا الزيادة، فوجهان. أحدهما عن صاحب التقريب: لا تجوز الزيادة على سبعة. والثاني عن الشيخ أبي محمد وغيره: تجوز الزيادة ما لم تبلغ أربعة أشهر مدة تربص المؤلي. الخامسة: إذا أراد الابتداء بالقسم، فوجهان. أحدهما: يبدأ بمن شاء. والصحيح يلزمه القرعة، فيبدأ بالقارعة. فإذا مضت نوبتها، أقرع بين الباقيات. ثم بين الآخرتين، فإذا تمت النوب، راعى الترتيب، ولا حاجة إلى إعادة القرعة. ولو بدأ بلا قرعة، فقد ظلم، ويقرع بين الثلاث. فإذا تمت النوب، أقرع للابتداء.
الطرف الثالث : في التساوي وبيان محل التفاضل. القسم المشروع للعدل، فيحرم التفضيل وإن ترجحت إحداهما بشرف وغيره، فتجب التسوية بين المسلمة والكتابية، ولا يجوز التفضيل إلا بشيئين. أحدهما: الحرية، فللحرة ضعف ما للامة، فدورهما أثلاث. فلو طرأ عتق الامة، فإما أن يكون الابتداء بالحرة، وإما بالامة. الحالة الاولى: بالحرة. فإما أن تعتق في نوبة الحرة، وإما في نوبتها. القسم الاول: في نوبة الحرة، وهو ضربان. أحدهما: أن يعتق في القدر المشترك بين الحرة والامة، بأن عتقت في الليلة الاولى من ليلتي الحرة، فيتم الليلة ويبيت الليلة الاخرى عند العتيقة ليسوي بينهما. الضرب الثاني: عتقت في الليلة الثانية، فلا يلزمه الخروج، بل له أن يبيت عند الحرة بقية الليل، لكن يبيت بعد ذلك عند العتيقة ليلتين. فلو خرج في الحال، وكان بقية الليلة في مسجد أو بيت صديق، لم يلزمه قضاء ما مضى من تلك الليلة. وإن خرج بقية الليلة إلى العتيقة، فقد أحسن. القسم الثاني: تعتق في نوبة نفسها، فإن عتقت قبل تمام ليلتها، كمل لها ليلتين لالتحاقها بالحرة، وحكى الحناطي وغيره وجها، أنها لا تستحق إلا ليلة، نظرا إلى الابتداء. وإن عتقت بعد تمام ليلتها، لم تستحق إكمال ليلتين، بل يقتصر

(5/664)


في تلك النوبة على تلك الليلة، ثم يسوي بينهما. وهل العتق في يومها التالي ليلتها كعتقها في ليلتها ؟ حكي عن إمام الحرمين فيه وجهان. أصحهما وهو الموافق لكلام الجمهور: المنع لانه تابع. الحالة الثانية: بدأ بالامة فعتقت في نوبتها، صارت كالحرة فيسوي بينهما وإن عتقت بعد تمام نوبتها، فوجهان. أحدهما: يبيت عند الحرة ليلتين، ثم يسوي بعد ذلك، وبهذا قطع الامام، والمتولي، والغزالي، والسرخسي، ومنع البغوي تكميل الليلتين وقال: إن عتقت في الاولى من ليلتي الحرة، أتمها واقتصر عليها، وإن عتقت في الثانية، خرج من عندها في الحال. وعلى نحو هذا جرى الشيخ أبو حامد وأصحابه وصاحب المهذب. فرع ذكر ابن كج والشيخ أبو الفرج وغيرهما، أن الامة إنما تستحق القسم إذا استحقت النفقة وفي نص الشافعي رضي الله عنه إشارة إليه، وقد بينا في كتاب النكاح متى تجب نفقتها. فرع إسقاط حق القسم بهبته للزوج، أو لضرة الامة لا للسيد، لان معظم الحظ في القسم لها، كما أن خيار العيب لها لا له. فرع ذكر المتولي، أنه إذا قسم للحرة ليلتين، ثم سافر السيد بالامة، لم يسقط حقها من القسم، بل على الزوج قضاء ما فات عند التمكن، لان الفوات حصل بغير اختيارها فعذرت. السبب الثاني: تجدد النكاح، وهو يقتضي تخصيص الجديدة بزيادة مبيت عند الزفاف، وهي سبع ليال للبكر، وثلاث للثيب، للحديث الصحيح في ذلك، ولتزول الحشمة بينهما، وهذا التخصيص واجب على الزوج. وحكى الحناطي في وجوبه قولين. والمذهب الاول، حتى قال المتولي: لو خرج بعض تلك الليالي بعذر، أو أخرج، قضى عند التمكن. وتجب الموالاة بين السبع والثلاث، لان الحشمة لا تزول بالمفرق. فلو فرق، ففي الاحتساب به وجهان ذكرهما أبو الفرج الزاز. وظاهر كلام الجمهور المنع، وذكر الزاز تفريعا عليه، أنه يوفيها حقها متواليا، ويقضي ما فرق للاخريات، وسواء كانت ثيوبة الجديدة بنكاح أو زنا أو وطئ

(5/665)


شبهة. ولو حصلت بمرض أو وثبة، فعلى الوجهين في استئذانها نطقا في النكاح. ولو كانت الجديدة أمة - ولا يتصور ذلك إلا في العبد، فإن له نكاح أمة على حرة - فوجهان. أصحهما: أنها كالحرة في استحقاق السبع والثلاث، لان المراد زوال الحشمة، والامة كالحرة فيه. والثاني: لها نصف ما للحرة كالقسم. وعلى هذا في صفه التنصيف وجهان. أحدهما: تجبر الكسر، فللبكر أربع، وللثيب ليلتان. وأصحهما وبه قطع البغوي: للبكر ثلاث ونصف، وللثيب ليلة ونصف، ثم الاعتبار بحال الزفاف. فلو نكحها وهي أمة، وزفت إليه وهي حرة، فلها حق الحرائر قطعا. وإن عتقت بعد الزفاف، فلها حق الاماء. قال البغوي: ويحتمل أن يقال: لها حق الحرائر إذا عتقت في المدة. فرع إذا وفى حق الزفاف من الثلاث أو السبع، لم يقض للباقيات، ويستحب أن يخير الثيب بين أن يقيم عندها ثلاثا بلا قضاء، وبين أن يقيم عندها سبعا ويقضيهن للباقيات، كما فعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بأم سلمة رضي الله عنها. فإن اختارت السبع فأجابها، قضى السبع للباقيات. وإن أقام بغير اختيارها، لم يقض إلا الاربع الزائدة، هذا هو المذهب، وبه قطع الاصحاب. وحكي في المهذب فيما إذا أقام سبعا، وجهين في أنه يقضي السبع، أو أربعا، هكذا أطلقه. فإن أراد: إذا التمسته، حصل وجه أنه لا قضاء على خلاف المذهب. وإن أراد: إذا لم تلتمسه، أو كلتا الحالتين، حصل وجه أنه يجب القضاء، وإن لم يختر على خلاف المذهب. ولو التسمت أربعا، أو خمسا، أو ستا، لم يقض إلا ما زاد على الثلاث. ولو التمست البكر عشرا، لم يجبر إجابتها. فإن أجابها، لم يقض إلا ما زاد على السبع. فرع لو وفى حق جديدة، ثم طلقها، ثم راجعها، فليس لها حق الزفاف، لانها باقية على النكاح الاول وقد وفى حقه. وإن أبانها ثم جدد نكاحها، فقولان أو وجهان. أظهرهما: تجدد الحق. ويجري الخلاف فيما لو أعتق مستولدته أو أمته التي هي فراشه ثم نكحها.

(5/666)


أما لو أبانها قبل توفية حقها ثم نكحها، فيلزمه التوفية بلا خلاف. ولو أقام عند البكر ثلاثا وافتضها، ثم أبانها ثم نكحها، فإن قلنا: يتجدد حق الزفاف، بات عندها ثلاث ليال لانه حق زفاف الثيب. وإن قلنا: لا يتجدد، بات أربعا تتميما للزفاف الاول. فرع نكح جديدتين، وفى لهما حق الزفاف، وكذا لو لم يكن في نكاحه غيرهما. ثم إن زفتا على الترتيب، أدى حق الاولى أولا. وإن زفتا معا وهو مكروه، أقرع بينهما للابتداء، فإذا خرجت قرعة إحداهما، قدم الجميع السبع أو الثلاث. وحكى ابن كج وجها أنه يقدمها بليلة ثم يبيت عند الاخرى ليلة، وهكذا يفعل إلى تمام المدة. وحكى البغوي في الفتاوى وجها، أنهما إذا كانتا بكرين أو ثيبين، فليس لهما حق الزفاف إن لم يكن في نكاحه غيرهما. فإن أراد أن يبيت عندهما، لزمه التسوية. وإن كانت إحداهما بكرا والاخرى ثيبا، خص البكر بأربع، ثم يسوي، وهذا ضعيف. فرع في فتاوى البغوي، أن حق الزفاف إنما يثبت إذا كان في نكاحه أخرى. فإن لم تكن، أو كانت وكان لا يبيت عندها، لم يثبت حق الزفاف للجديدة، كما لا يلزمه أن يبيت عند زوجته أو زوجاته ابتداء. فرع إذا كانت عنده نسوة فزفت إليه الجديدة بعدما سوى بينهن، فيوفيها حقها، ثم يستأنف القسم بين الجميع. وإن كان عنده زوجتان فزفت الجديدة بعدما قسم لاحداهما ليلة، وفي حق الزفاف، ثم يقسم للقديمة الاخرى ليلة، ويبيت عند الجديدة نصف ليلة، لانها تستحق ثلث القسم، ثم يخرج بقية الليلة إلى مسجد ونحوه، ثم يستأنف القسم بين الثلاث بالسوية. فرع ينبغي أن لا يتخلف بسبب حق الزفاف عن الجماعات، وعيادة المرضى، وتشييع الجنائز، وإجابة الدعوات، وسائر أعمال البر التي كان يقوم بها. هذا في النهار، وأما في الليل، فقالوا: لا يخرج لان هذه مندوبات، والمقام عندها واجب. قالوا: وفي دوام القسم، يجب أن يسوي بينهن في الخروج إلى الجماعات وأعمال البر، بأن يخرج في ليلة الجميع، أو لا يخرج أصلا. فلو خرج في ليلة بعضهن فقط، فحرام.

(5/667)


الطرف الرابع : في الظلم والقضاء، فيه مسائل. إحداها: تحته ثلاث نسوة، بات عند ثنتين عشرين ليلة، إما عشرا عند هذه ثم عشرا عند هذه، وإما ليلة ليله، فتستحق الثالثة عشر ليال متوالية لا يجوز تفريقها. فلو نكح جديدة عقبى العشرين، لم يجز تقديم العشر، لانه ظلم للجديدة، بل يوفيها أولا حق الزفاف، ثم يقسم بين الجديدة والمظلومة، ويجعل للمظلومة ليلتها وليلتي الآخرتين، فيبيت عند الجديدة ليلة، وعند المظلومة ثلاث ليال. فإذا دار هكذا ثلاث نوب، فقد وفاها تسعا وبقيت ليلة. فإن كان بدأ بالمظلومة، فإذا تمت التسع لها، بات عند الجديدة ليلتها لتمام القسم، ثم يبيت عند المظلومة ليلة لتمام العشر، ويبيت عند الجديدة بهذه الليلة ثلث ليلة ثم يخرج إلى موضع خال عن زوجاته، ثم يستأنف القسم بعد ذلك للاربع. وعن الشيخ أبي محمد، أنه لا يبيت ثلث الليلة عند الجديدة، ويعذر فيه، وليس بشئ، وإن كان بدأ بالجديدة، فإذا تمت التسع للمظلومة، بات ثلث ليلة عند الجديدة وخرج، ثم يبيت ليلة عند المظلومة، ثم يقسم بين كلهن بالسوية، والقسم بين الجديدة والمظلومة بالقرعة كغيرها. الثانية: تحته أربع، ثلاث حاضرات، وواحدة غائبة، فظلم واحدة من الحاضرات بالآخرتين، ثم حضرت الغائبة، فيقضي للمظلومة مع رعاية حق التي حضرت، فيقسم لها ليلة، وللمظلومة ثلاثا، وقد يحتاج آخرا إلى تبعيض ليلة كما سبق في المسألة الاولى، وكذا لو كان يقسم بين نسائه، فخرج في نوبة واحدة، لضرورة، بأن أخرجه السلطان، فيقضي لها من الليلة التي بعدها مثل ما خرج، والاولى أن يراعي الوقت، فيقضي لاولى الليل من أوله، ولآخرة من آخره، ويكون باقي الليل في موضع خال عنهن، ويستثنى ما إذا كان يخاف العسس أو اللصوص ونحو ذلك لو خرج، فيعذر في الاقامة، قاله المتولي. والاولى أن لا يستمتع بها فيما وراء زمان القضاء. فرع قال في الام: لو كان له أربع، فترك القسم لاحداهن أربعين ليلة، قسم لها عشرا. قال الاصحاب: صورته أن يبيت عند الثلاث عشرا عشرا، ويعطل عشر الرابعة، فلا يبيت عند واحدة فيها. أما إذا وزع الاربعين على الثلاث

(5/668)


بالسوية، فحصة كل واحدة ثلاث عشرة ليلة وثلث، فيقسم للرابعة مثل ذلك. الثالثة: لو وهبت واحدة حقها من القسم، لم يلزم الزوج القبول، فله أن يبيت عندها في نوبتها. فإن رضي بالهبة، نظر، إن وهبت لمعينة، جاز ويبيت عند الموهوب له ليلتين. فإن كانت نوبة الواهبة متصلة بنوبة الموهوب لها، بات ليلتين ولاء، وإلا فوجهان. أحدهما: أنه إذا انتهت النوبة إلى الموهوب لها، بات عندها ليلتين، لانه أسهل عليه والمقدار لا يختلف. وقياس هذا، أنه إذا كانت ليلة الواهبة أسبق، وبات فيها عند الموهوب لها، يجوز أن يقدم لها ليلتها ويبيتها متصلة بها، وأصحهما: لا تجوز الموالاة، بل يبيت الليلتين منفصلتين. ولو طلق الواهبة، لم يبت عند الموهوب لها بعد ذلك إلا ليلتها، ولا يشترط في هذه الهبة رضى الموهوب لها على الصحيح. وإن وهبت حقها للزوج، فهل له تخصيص واحدة بنوبة الواهبة ؟ وجهان. أحدهما: نعم، وبه قطع العراقيون والروياني وغيرهم، وإليه ميل الاكثرين. فعلى هذا، ينظر هل الليلتان متصلتان أم لا ؟ وحكمه ما سبق. والثاني: المنع، فتجعل الواهبة كالمعدومة، ويسوي بين الباقيات. ولو أبقى الدور بحاله، وبات ليلة الواهبة في كل دور عند واحدة من الباقيات، فلا تفضيل ولا ميل، فلا يبعد تجويزه. فإن جاز، فقياسه أن يجوز وضع الدور في الابتداء كذلك، بأن تجعل ليلة بين لياليهن دائرة بينهن. ولو وهبت حقها لجميع الضرات، أو أسقطت حقها مطلقا، وجبت التسوية فيه بين الباقيات بلا خلاف. فرع للواهبة أن ترجع في الهبة متى شاءت، ويعود حقها في المستقبل، لان المستقبل هبة لم تقبض. حتى لو رجعت في أثناء الليل، يخرج من عند الموهوب لها. وأما ما مضى، فلا يؤثر فيه الرجوع. وكذا ما فات قبل علم الزوج بالرجوع، لا يؤثر فيه الرجوع فلا يقضيه. وخرج في قضائه وجه من تصرف الوكيل بعد العزل قبل العلم. والمذهب الاول. وشبهه الغزالي، بما إذا أباحه ثمرة بستانه ثم رجع وتناول المباح له بعضها قبل العلم بالرجوع. وفي هذه الصورة طريقان محكيان فيما علق عن الامام، فعن الشيخ أبي محمد، في وجوب الغرم قولان، كمسألة الوكيل. وعن الصيدلاني القطع

(5/669)


بالغرم ومال إليه الامام، لان الغرامات يستوي فيها العلم والجهل. فرع لا يجوز أن تأخذ عن حقها من القسم عوضا، لا من الزوج ولا من الضرة. فإن أخذت، لزمها رده، ويستحق القضاء على الصحيح، لانه لم يسلم لها العوض. وحكى ابن كج وجها أنه لا قضاء. فرع بات في نوبتها عند غيرها، وادعى أنها وهبتها وأنكرت، فالقول قولها وعليه البينة، ولا تقبل إلا شهادة رجلين. الرابعة: إذا ظلم واحدة، فقد سبق أنه يجب القضاء، وإنما يمكن إذا كانت المظلومة والمظلوم بسببها في نكاحه، فإن فارق المظلومة بطلاق أو غيره، فقد تعذر القضاء، وبقيت الظلامة في ذمته. قال المتولي: لو قسم لواحدة، فلما جاءت نوبة الاخرى، طلقها قبل توفية حقها، عصى، لانه منعها حقها بعد ثبوته، وهذا سبب آخر لكون الطلاق بدعيا. قلت: هذا النقل غير مختص بالمتولي، بل هو مشهور حتى في التنبيه. والله أعلم. ثم إذا عادت المظلومة إليه بنكاح أو رجعة، والتي ظلم بسببها في نكاحه، لزمه القضاء لتمكنه، وقيل: إن عادت بنكاح جديد، لم يستحق القضاء بناء على عدم عود الحنث. فلو لم تكن في نكاحه التي ظلم بسببها حين عادت المظلومة، بل نكح جديدات، فقد تعذر القضاء، لانه إنما يقضي من نوبة التي ظلم بسببها. ولو لم يفارق المظلومة وفارق التي ظلم بسببها، ثم عادت إلى نكاحه، أو فارقهما ثم عادتا، وجب القضاء، ولا يحسب من القضاء ما بات عندها في مفارقة الظالمة، ويجئ في عود النكاح الجديد الوجه السابق. فرع في نكاحه ثلاث، فبات عند ثنتين عشرين ليلة، ثم فارق إحداهما، يبيت عند المظلومة عشرا تسوية بينهما وبين الباقية - كذا ذكره البغوي، وقال المتولي: يقضي خمسا فقط، لانه إنما يقضي العشر من حقهما وقد بطل حق إحداهما. فرع تحته زوجتان، ظلم إحداهما، ثم نكح ثالثة، لم يتعذر

(5/670)


القضاء، بل يقضي للمظلومة من نوبة المظلوم بسببها كما سبق.
الطرف الخامس : في المسافرة بهن. إذا أراد المسافرة ببعض زوجاته، أقرع بينهن، فيسافر بمن خرجت قرعته، ولا يقضي مدة السفر، وإنما يسقط القضاء بشروط. أحدها: أن يقرع، فإن لم يقرع، لزمه القضاء للمخلفات. وهل يقضي جميع ما بين إنشاء السفر إلى رجوعه إليهن، أم تستثنى مدة الرجوع لخروجه عن المعصية، أم يسقط قضاء ما بعد العزم على الرجوع ؟ فيه أوجه. أصحها: الاول، وما ذكرناه من تحريم المسافرة ببعضهن بلا قرعة، سواء فيه كان يقسم لهن أم لا. وأشار الحناطي إلى خلاف في اختصاصه بمن كان يقسم، والمذهب الاول. وإذا خرجت القرعة لواحدة، لم يجز أن يسافر بغيرها، ويجوز أن يخلفها مع الباقيات. الشرط الثاني: أن لا يقصد بسفره النقلة، وأما سفر النقلة فلا يجوز أن يستصحب فيه بعضهن دون بعض، بقرعة ولا بغيرها. فلو فعل، قضى للمخلفات. وقيل: لا يقضي مدة السفر إن أقرع، والصحيح الاول. ولو نقل بعضهن بنفسه، وبعضهن بوكيله بلا قرعة، قضى لمن مع الوكيل، ويجوز ذلك بالقرعة، كذا ذكره البغوي. قلت: وفي القضاء في هذه الصورة وجهان في التنبيه وغيره، أصحهما: يجب لاشتراكهن في السفر. والله أعلم. وإذا أخذ في الرجوع إليهن بعد تخصيص واحدة بالنقل، ففي قضاء مدة الرجوع الوجهان، ولا يجوز أن يسافر سفر نقلة ويخلف نساءه، بل ينقلهن بنفسه أو بوكيله، أو يطلقهن لما في تخليفهن من الاضرار بهن، هكذا أطلقه الغزالي قال: وإنما لا يكلف في الحضر البيتوتة اكتفاء بداعيته. وفي ما علق عن الامام، أن ذلك أدب وليس بواجب. الشرط الثالث: أن يكون السفر طويلا. فإن كان قصيرا، فوجهان. أصحهما عند البغوي والمتولي وغيرهما: أنه كالطويل. والثاني: لا يجوز أن يستصحب

(5/671)


بعضهن فيه بقرعة، ولو فعل قضى. الشرط الرابع: أن لا يعزم على الاقامة، فلا يقضي مدة السفر. وأما إذا صار مقيما، فينظر، إن انتهى إلى مقصده الذي نوى إقامة أربعة أيام فأكثر فيه، أو نواها عند دخوله، قضى مدة إقامته، وفي مدة الرجوع وجهان. أصحهما: لا يقضي كمدة الذهاب. وإن لم ينو الاقامة وأقال، فقال الامام والغزالي: إن أقام يوما، لم يقضه، والاقرب ما ذكره البغوي: إن زاد مقامه في بلد على مقام المسافرين، وجب قضاء الزائد. ولو أقام لشغل ينتظره، ففي القضاء خلاف كالخلاف في الترخص. قال المتولي: إن قلنا: يترخص، لم يقض، وإلا فيقضي ما زاد على مدة المسافرين، والقياس في مدة الرجوع في هذه الحالة أن يقال: إن لم نوجب القضاء مدة هذه الاقامة، لم يقض مدة الرجوع، وإلا فعلى الوجهين السابقين، والمذهب من الخلاف في الترخص أنه إن كان يتوقع تنجيز شغله ساعة ساعة، ترخص ثمانية عشر يوما. وإن علم أنه لا ينجز في أربعة أيام لا يترخص أصلا. فرع قال الغزالي: شرط عدم القضاء، أن يكون سفرا طويلا مرخصا، وهذا يقتضي وجوب القضاء في سفر المعصية. فرع استصحب واحدة بقرعة، ثم عزم على الاقامة في بلد، وكتب إلى الباقيات يستحضرهن، ففي وجوب القضاء من وقت كتابته وجهان حكاهما البغوي. وفي فتاويه، أنه لو نوى المقام في بلد قبل وصوله مقصده، يقضي مدة مقامه فيه، وهل يقضي مدة ذهابه إلى المقصد بعد ذلك ؟ يحتمل أن يكون على الوجهين في مدة الرجوع، ويحتمل أن يقال: يقضي قطعا. وأنه إذا استصحب واحدة بلا قرعة قضي للباقيات جميع المدة وإن كان لا يبيت معها، إلا إذا تركها في بلد وفارقها، ويحتمل أن يقال: لا يقضي إلا ما بات عندها، ويحتمل أن يقال: يقضي وإن خلفها في بلد.

(5/672)


وفيما علق عن الامام ذكر وجهين فيما لو استصحب واحد بقرعة في سفر نقلة وأوجبنا القضاء، هل يخرج من الظلم بتغير عزم النقلة، أم يستمر حكمه إلى أن يرجع إلى المخلفات. فصل إذا سافر بزوجتين بقرعة، عدل بينهما، فإن ظلم إحداهما، قضى لها بالسفر، فإن لم يتفق، قضى في الحضر من نوبة التي ظلمها بها. ولو استصحب واحدة بقرعة، وأخرى بلا قرعة، عدل بينهما أيضا. ثم إذا رجع، قضى للمخلفة من نوبة المستصحبة بلا قرعة، ولا تخص مدة السفر بمن استصحبها بالقرعة، إنما يكون كذلك إذا لم يكن معها غيرها. ولو كانت إحدى المستصحبتين جديدة لم يكن قضى حق زفافها، فيقضيه، ثم يسوي بينهما. ولو أراد تخليف إحداهما في بلد، فله ذلك ولكن تكون بالقرعة. ولو نكح في الطريق جديدة، قضى حق زفافها ثم يسوي بينهما وبين المستصحبات، ولا يلزم القضاء للمخلفات. ولو خرج وحده، ونكح في الطريق، فكذلك، ولا يقضي للمخلفات هذا في مدة السفر، فأما إذا نوى الاقامة في موضع أو أقام أياما، فيقضي في الصورتين ما وراء أيام الزفاف، وفي مدة الرجوع الوجهان. فرع تحته زوجتان، ثم نكح جديدتين وسافر بإحداهما بقرعة اندرج حق زفافها في أيام السفر. فإذا عاد، فهل يوفي حق الاخرى بسبع أو ثلاث ؟ وجهان أصحهما: نعم، لانه حق ثبت قبل السفر، فلا يسقط به، كما لو قسم لبعضهن وسافر، فإنه يقضي بعد الرجوع لمن لم يقسم. لها. والثاني: لا وبه قال ابن سريج، كما لو سافر بإحدى القديمتين، فإنه لا يقضي للاخرى، ولان حق الجديدة عقيب الزفاف وقد مضى. ولو نكح ثنتين وزفتا إليه معا، فسافر بإحداهما بقرعة، فالحكم كذلك، فلو كانتا بكرين فرجع بعد ثلاثة أيام، قال ابن كج: على الوجه الاول يتم لها السبع، ثم توفي الاخرى سبعا. وعلى قول ابن سريج: يتم لها السبع، ويبيت عند الاخرى أربعا، ويبطل ما جرى في السفر. ولو نكح جديدة على قديمة، وسافر قبل توفية الزفاف بإحداهما بقرعة، فإن سافر بالقديمة، وفى حق

(5/673)


الجديدة إذا رجع، نص عليه. ويجئ فيه الوجه الآخر. وإن سافر بالجديدة، اندرج حق الزفاف في أيام السفر. فرع تحته نسوة وله إماء، هل له أن يسافر بأمة بلا قرعة ؟ وجهان حكاهما الحناطي، ونسب المنع إلى ابن أبي هريرة، والجواز إلى أبي إسحق، وهو قياس أصل القسم. قلت: الجواز هو الصحيح. والله أعلم. فرع في فتاوى البغوي، أنه لو سافر بإحدى زوجاته الثلاث بالقرعة، ثم نكح في السفر جديدة، ومنعها حق الزفاف ظلما، وبات عند القديمة سبعا، وعاد إلى البلد قبل أن يقضي للجديدة حق الزفاف، وفاها حق الزفاف، ثم يدور على المخلفات والجديدة، فيقضي لها من نوبة القديمة التي كانت معه، بأن يبيت عند كل واحدة من المخلفتين ليلة، وعند الجديدة ليلتين، وهكذا حتى يتم لها السبع، وكذا لو كان تحته ثلاث ونكح جديدة ولم يوفها حق الزفاف، بل بات عند واحدة من الثلاث عشرا ظلما، فعليه أن يوفي حق الجديدة ثم يدور عليها وعلى المظلومتين، حتى يتم لكل واحدة عشرا.
الباب الثاني : في الشقاق الوحشة والشقاق بين الزوجين قد يظهر سببه بأن تنشز أو يتعدى هو عليها، وقد لا يظهر ويشكل الحال في أن المتعدي أيهما أو كلاهما، فهذه ثلاثة أحوال. الاول: أن تتعدى هي. قال الله تعالى: * (واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن) *

(5/674)


والمراد بالوعظ، أن يقول: اتقي الله في الحق الواجب عليك، واحذري العقوبة، ويبين لها أن النشوز يسقط النفقة والقسم، وأما الهجران، فهجرها في المضجع، وأما الهجران في الكلام، فممنوع. وفيما علق عن الامام، حكاية وجهين في أنه محرم أم مكروه ؟ قال: وعندي أنه لا يحرم ترك الكلام أبدا، لكن إذا كلم فعليه أن يجيب، وهو كابتداء السلام وجوابه، ولمن ذهب إلى التحريم أن يقول: لا منع من ترك الكلام بلا قصد، فأما بقصد الهجران، فحرام، كما أن الطيب ونحوه إذا تركه الانسان بلا قصد لا يأثم. ولو قصد بتركه الاحداد أثم، وحكي عن نص الشافعي، أنه لو هجرها بالكلام، لم يزد على ثلاثة أيام، فإن زاد أثم. قلت: الصواب، الجزم بتحريم الهجران فيما زاد على ثلاثة أيام، وعدم التحريم في الثلاثة، للحديث الصحيح لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث. قال أصحابنا وغيرهم: هذا في الهجران لغير عذر شرعي، فإن كان عذر، بأن كان المهجور مذموم الحال لبدعة أو فسق أو نحوهما، أو كان فيه صلاح لدين الهاجر أو المهجور، فلا تحريم. وعلى هذا يحمل ما ثبت من هجر

(5/675)


النبي - صلى الله عليه وسلم - كعب بن مالك وصاحبيه، ونهيه - صلى الله عليه وسلم - الصحابة عن كلامهم، وكذا ما جاء من هجران السلف بعضهم بعضا. والله أعلم. وأما الضرب، فهو ضرب تأديب وتعزير، وقدره نذكره في بابه إن شاء الله تعالى. وينبغي أن لا يكون مدميا، ولا مبرحا، ولا على الوجه والمهالك. فإن أفضى إلى تلف، وجب الغرم، لانه تبين أنه إتلاف لا إصلاح، ثم الزوج وإن جاز له الضرب، فالاولى له العفو، بخلاف الولي، فإنه لا يترك ضرب التأديب للصبي، لان مصلحته للصبي، وفي الحديث، النهي عن ضرب النساء. وأشار الشافعي رحمه الله إلى تأويلين له. أحدهما: أنه منسوخ بالآية أو حديث آخر بضربهن. والثاني: حمل النهي على الكراهة، أو ترك الاولى، وقد يحمل النهي على الحال الذي لم يوجد فيه السبب المجوز للضرب. قلت: هذا التأويل الاخير هو المختار، فإن النسخ لا يصار إليه إلا إذا تعذر الجمع وعلمنا التاريخ. والله أعلم. إذا عرفت هذا، فلتعدي المرأة ثلاث مراتب. إحداها: أن يوجد منها أمارات النشوز قولا أو فعلا، بأن تجيبه بكلام خشن بعد أن كان لينا، أو يجد منها إعراضا وعبوسا بعد طلاقة ولطف، ففي هذه المرتبة، يعظها ولا يضربها ولا يهجرها. الثانية: أن يتحقق نشوزها، لكن لا يتكرر، ولا يظهر إصرارها عليه، فيعظها ويهجرها. وفي جواز الضرب قولان، رجح الشيخ أبو حامد والمحاملي المنع، وصاحبا المهذب والشامل الجواز. قلت: رجح الرافعي في المحرر المنع، والموافق لظاهر القرآن الجواز وهو المختار. والله أعلم.

(5/676)


الثالثة: أن يتكرر وتصر عليه، فله الهجران والضرب بلا خلاف، هذه هي الطريقة المعتمدة في المراتب الثلاث. وحكى ابن كج قولا في جواز الهجران والضرب عند خوف النشوز، لظاهر الآية. وحكى الحناطي في حالة ظهور النشوز، ثلاثة أقوال. أحدها: له الوعظ والهجران والضرب. والثاني: يتخير بينها ولا يجمع. والثالث: يعظها. فإن لم تتعظ هجرها، فإن لم تنزجر ضربها. فرع فيما تصير به ناشزة فمنه الخروج من المسكن، والامتناع من مساكنته، ومنع الاستمتاع بحيث يحتاج في ردها إلى الطاعة إلى تعب، ولا أثر لامتناع الدلال، وليس من النشوز الشتم وبذاء اللسان، لكنها تأثم بايذائه، وتستحق التأديب، وهل يؤدبها الزوج، أم يرفع إلى القاضي ليؤدبها ؟ وجهان. ولو مكنت من الجماع ومنعت من سائر الاستمتاعات، فهل هو نشوز يسقط النفقة ؟ وجهان. قلت: أصحهما نعم. والاصح من الوجهين في تأديبها، أنه يؤدبها بنفسه، لان في رفعها إلى القاضي مشقة وعارا وتنكيدا للاستمتاع فيما بعد، وتوحيشا للقلوب، بخلاف ما لو شتمت أجنبيا. والله أعلم. الحال الثاني: أن يتعدى الرجل، فينظر، إن منعها حقا كنفقة أو قسم، ألزمه الحاكم توفية حقها. ولو كان يسئ خلقه ويؤذيها ويضربها بلا سبب، ففي التتمة أن الحاكم ينهاه. فإن عاد، عزره. وفي الشامل وغيره، أنه يسكنهما بجنب ثقة ينظرهما، ويمنعه من التعدي، والنقلان متقاربان. وذكروا أنه لو كان التعدي منهما جميعا، فكذلك يفعل الحاكم، ولم يتعرضوا للحيلولة. وقال الغزالي: يحال بينهما حتى يعودا إلى العدل. قال: ولا يعتمد قوله في العدل، وإنما يعتمد قولها وشهادة القرائن. وإن كان لا يمنعها حقا، ولا يؤذيها بضرب ونحوه، لكن يكره صحبتها لمرض أو كبر، ولا يدعوها إلى فراشه، أو يهم بطلاقها، فلا شئ عليه ويستحب لها أن تسترضيه بترك بعض حقها من قسم أو نفقة، وكذا لو كانت هي تشكوه وتكره صحبته، فيحسن أن يبرها ويستميل قلبها بما تيسر له. الحال الثالث: إذا نسب كل واحد الآخر إلى التعدي، وسوء الخلق، وقبح السيرة، ولم يعرف الحاكم المتعدي منهما، يعرف حالهما من ثقه في جوارهما خبير

(5/677)


بهما، فإن لم يكن أسكنهما بجنب ثقة يبحث عن حالهما وينهيها إليه. فإن علم الظالم، منعه، هكذا أطلقوه، وظاهره الاكتفاء بقول عدل، ولا يخلو عن احتمال. وإذا اشتد شقاقهما، وداما على السباب الفاحش والتضارب، بعث القاضي حكما من أهله وحكما من أهلها لينظرا في أمرهما ويصلحا بينهما، أو يفرقا إن عسر الاصلاح. وهل بعث الحكمين واجب ؟ قال البغوي: عليه بعثهما، وظاهره الوجوب، وحجته الآية. وقال الروياني: يستحب. قلت: الاصح أو الصحيح: الوجوب. والله أعلم. ثم المبعوثان، وكيلان للزوجين أم حاكمان موليان من جهة الحاكم ؟ فيه قولان. أظهرهما: وكيلان، فعلى هذا يوكل الزوج حكمه في التطليق عليه وقبول الخلع، والمرأة حكمها ببذل العوض وقبول الطلاق، ولا يجوز بعثهما إلا برضاهما. فإن لم يرضيا ولم يتفقا على شئ، أدب القاضي الظالم، واستوفى حق المظلوم. وإذا قلنا: هما حكمان، لم يشترط رضى الزوجين في بعثهما. وإذا رأى حكم الزوج الطلاق، استقل به ولا يزيد على طلقة، لكن إن راجعها الزوج وداما على الشقاق، طلق ثانية وثالثة. وإن رأى الخلع ووافقه حكمها، تخالعا وإن لم يرض الزوجان. ولو رأى الحكمان أن تترك المرأة بعض حقها من قسم ونفقة، أو أن لا يتسرى أو لا ينكح عليها غيرها، لم يلزمه ذلك بلا خلاف. وإن كان لاحدهما على الآخر مال متعلق بالنكاح، أو غير متعلق، لم يجز للحكم استيفاؤه من غير رضى صاحبه بلا خلاف، ويشترط في المبعوثين التكليف قطعا، ويشترط العدالة والاسلام والحرية على المذهب، ويشترط الاهتداء إلى ما هو المقصود من بعثهما.

(5/678)


وأشار الغزالي إلى خلاف فيه. ويشترط الذكورة إن قلنا: حكمان، وإن قلنا: وكيلان، قال الحناطي: لا يشترط في وكيلها، وفي وكيله وجهان، ولا يشترط فيهما الاجتهاد وإن قلنا: حكمان، ولا كونهما من أهل الزوجين، لكن أهلهما أولى. ولو كان القاضي من أهل أحدهما، فله أن يذهب بنفسه، وفيما علق عن الامام اشتراط كونهما من أهلهما، و (لا) يجوز الاقتصار على حكم واحد على الاصح، وبه قطع ابن كج، وينبغي أن يخلو حكمه به وحكمها بها، فيعرفا ما عندهما، وما فيه رغبتهما، فإذا اجتمعا، لم يخف أحدهما عن الآخر شيئا، وعملا ما رأياه صوابا. ولو اختلف رأي الحكمين، بعث آخرين حتى يجتمعا على شئ، ذكره الحناطي. ولو جن أحد الزوجين، أو أغمي عليه، لم يجز بعثهما بعده، وإن جن بعد استعلام الحكمين رأيه، لم يجز تنفيذ الامر. وقيل: إن قلنا: حاكمان، لم يؤثر جنون أحدهما، قاله ابن كج. وقيل: الاغماء لا يؤثر إن قلنا: وكيلان كالنوم، حكاه الحناطي، وهذا ينبغي أن يجئ في كل وكالة، والصحيح الاول. ولو غاب أحد الزوجين بعد بعث الحكمين، نفذ الامر إن قلنا: وكيلان، وإلا، فلا على الصحيح. فرع ذكر الحناطي، أنه لو رأى أحد الحكمين الاصلاح، والآخر التفريق ففرق، نفذ التفريق إن جوزنا الاقتصار على حكم واحد. فرع وكل رجلا فقال: إذا أخذت مالي منها فطلقها، أو خالعها، أو خذ مالي ثم طلقها، لم يجز تقديم الطلاق على أخذ المال. قال أبو الفرج الزاز: وكذا لو قال: خالعها على أن تأخذ مالي منها. ولو قال: خذ مالي وطلقها، فهل يشترط تقديم أخذ المال ؟ وجهان. أصحهما عند البغوي: نعم. ولو قال: طلقها ثم خذ، جاز تقديم أخذ المال، لانه زيادة خير وبالله التوفيق.

(5/679)