روضة الطالبين وعمدة المفتين ط العلمية

روضة الطالبين - كتاب الخلع
هو الفرقة بعوض يأخذه الزوج،

(5/680)


وأصل الخلع مجمع على جوازه، وسواء في جوازه خالع على الصداق أو بعضه، أو مال آخر أقل من الصداق، أو أكثر، ويصح في حالتي الشقاق والوفاق، وخصه ابن المنذر بالشقاق، ثم لا كراهة فيه إن جرى في حال الشقاق، أو كانت تكره صحبته لسوء خلقه أو دينه، أو تحرجت من الاخلال ببعض حقوقه، أو ضربها تأديبا فافتدت. وألحق الشيخ أبو حامد به ما إذا منعها نفقة أو غيرها فافتدت لتتخلص منه. وإن كان الزوج يكره صحبتها، فأساء عشرتها، ومنعها بعض حقها حتى ضجرت وافتدت، كره الخلع وإن كان نافذا، ويأثم الزوج بفعله. وفي وجه، منعه حقها كالاكراه على الخلع بالضرب وما في معناه، وإذا أكرهها بالضرب ونحوه فاختلعت، فقالت مبتدئة: خالعني على كذا ففعل، لم يصح الخلع، ويكون الطلاق رجعيا إن لم يسم مالا. وإن سماه، لم يقع الطلاق، لانها لم تقبل مختارة، وفي التتمة وجه، أنه لا يقع الطلاق وإن لم يسم المال. ولو ابتدأ وقال: طلقتك على كذا وأكرهها بالضرب على القبول، لم يقع شئ، وإذا ادعت أنه أكرهها على بذل مال عوضا عن الطلاق وأقامت بينة، فالمال مردود إليها، والطلاق واقع، وله الرجعة، نص عليه. قال الاصحاب: موضع الرجعة ما إذا لم يعترف بالخلع، بل أنكر المال أو سكت. فأما إذا اعترف بالخلع وأنكر الاكراه، فالطلاق بائن بقوله، ولا رجعة. ولو

(5/681)


زنت فمنعها بعض حقها فافتدت بمال، صح الخلع، وحل له أخذه. وعلى هذا حمل قول الله تعالى: * (ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة) * ومن جعل منع الحق كالاكراه بالضرب قال: لا يحل الاخذ. ولو أمسكها عنده وحبسها ليرثها فماتت، ورثها على المشهور. وحكى ابن كج والحناطي قولا أنه لا يرثها. فصل يشتمل هذا الكتاب على خمسة أبواب.
الأول : في حقيقة الخلع، فإن فارقها على عوض بلفظ الطلاق، فهو طلاق سواء فيه صريح الطلاق وكناياته. وإن لم يجز إلا لفظ الخلع، فقولان. الجديد، أنه طلاق ينقص به العدد، وإذا خالعها ثلاث مرات، لم ينكحها إلا بمحلل، والقديم: أنه فسخ لا ينقص به العدد. ويجوز تجديد نكاحها بعد الخلع بلا حصر، والجديد هو الاظهر عند جمهور الاصحاب. ورجح الشيخ أبو حامد، وأبو مخلد البصري القديم، فإن قلنا: فسخ، فلفظ الخلع صريح فيه، ولو قال: فسخت نكاحك بألف فقبلت، أو قال: فاديتك بألف فقالت: قبلت أو افتديت، فوجهان. أصحهما: أنه صريح. والثاني: كناية. فعلى هذا، في انعقاد الخلع بهما خلاف نذكره في أنه هل ينعقد بالكناية إذا جعلناه فسخا، ولو نوى بالخلع الطلاق والتفريع على أنه فسخ، فهل يكون طلاقا أم فسخا لكونه صريحا ؟ فيه وجهان، اختيار القاضي حسين الفسخ، وبه قطع المتولي والغزالي. ولو قال لزوجته: فسخت نكاحك ونوى الطلاق وهو متمكن من الفسخ بعيبها، فالصحيح أنه طلاق وبه قطع القاضي حسين. وقيل: فسخ. أما إذا قلنا: الخلع طلاق، فلفظ الفسخ كناية فيه، ولفظ الخلع فيه قولان. قال في الام: كناية وفي الاملاء: صريح. قال الروياني وغيره: الاول أظهر، واختار الامام والغزالي والبغوي الثاني، ولفظ المفاداة كلفظ الخلع على الاصح. وقيل: كناية قطعا. وإذا قلنا: لفظ الخلع صريح، فذاك إذا ذكر المال، فإن لم يذكره، فكناية على الاصح. وقيل: على القولين.

(5/682)


وهل يقتضي الخلع المطلق الجاري بغير ذكر المال ثبوت المال ؟ وجهان. أصحهما عند الامام والغزالي والروياني: نعم للعرف، وكالخلع على خمر، والثاني: لا لعدم الالتزام، فإن أثبتنا المال، فإن جعلناه فسخا أو صريحا في الطلاق أو كناية ونوى، وجب مهر المثل وحصلت البينونة. وإن جعلناه كناية ولم ينو، لغا، وإن لم يثبت المال عند الطلاق، فإن جعلناه فسخا، لغا، لان الفسخ بالتراضي لا يكون إلا بعوض، هكذا حكاه الامام وغيره عن الاصحاب، وذكروا أن مساق كلامهم أنه لو نفى العوض في الخلع، لم يصح الخلع على قول الفسخ، قال الامام: والقياس الحق صحته بلا عوض. وإن جعلناه طلاقا إما صريحا وإما كناية ونوى، فهو طلاق رجعي، وفي افتقاره إلى قبولها وجهان. أصحهما: لا يفتقر، صححه الامام وقطع به البغوي لاستقلال الزوج بالطلاق الرجعي، والوجهان فيما إذا قال: خالعتك وأضمر التماس جوابها وانتظر قبولها. أما لو قال: خلعت أو خالعت، ولم يضمر التماس الجواب، فلا يفتقر إلى الجواب قطعا، كما لو قال: فارقتك. ولو نوى المال ولم يذكره وقلنا: مطلقه لا يقتضي مالا، فهل تؤثر النية في ثبوت المال ؟ وجهان يقربان من انعقاد البيع ونحوه بالكنايات. فإن قلنا: يؤثر، ثبت المال، ولا بد فيه من نيتها أيضا. وإن قلنا: لا تؤثر، فهل يقع الطلاق ويلغى منه المال، أم لا يقع، لانه نوى الطلاق على مال لا مطلقا ؟ وجهان. وفي فتاوى البغوي وجهان فيما لو اختلعت نفسها على بقية صداقها، فخالعها عليه، ولم يكن بقي لها شئ عليه، فهل تحصل البينونة بمهر

(5/683)


المثل ؟ ورجح الحصول. فرع يصح الخلع بجميع كنايات الطلاق مع النية إن جعلناه طلاقا، وإن جعلناه فسخا، فهل للكنايات فيه مدخل ؟ وجهان. أصحهما: نعم. فإن نوى الطلاق، أو الفسخ، كان ما نوى. وإن نوى الخلع، عاد الخلاف في أنه فسخ أم طلاق ؟ ولو قال: خالعت نصفك أو يدك على كذا، أو خالعتك شهرا على كذا، نفذ إن جعلناه طلاقا، والقول في المال الواجب سيأتي إن شاء الله تعالى، ولا ينفذ إن جعلناه فسخا. فرع ترجمة الخلع بسائر اللغات، كلفظة العربي، ولا يجئ فيه الخلاف السابق في النكاح. فرع لفظ البيع والشراء كناية في الخلع، سواء جعل فسخا أم طلاقا، وذلك بأن يقول: بعتك نفسك بكذا، فتقول: اشتريت أو قبلت، ولفظ الاقالة كناية أيضا فيه، وبيع الطلاق بالمهر من جهة الزوج، وبيع المهر بالطلاق من جهتها يعبر بهما عن الخلع، وليكونا كنايتين، كقوله: بعتك نفسك. وفي الزيادات لابي عاصم: إن بيع الطلاق مع ذكر العوض صريح. ورأى إسمعيل البوشنجي من أصحابنا، أن ينزل قوله: بعتك طلاقك بكذا منزلة قوله: ملكتك طلاقك بكذا، حتى إذا طلقت في المجلس، لزم المال ووقع الطلاق. وإن نويا مجرد بيع الطلاق وشرائه من غير إيقاع طلاق منها، وبغير نية طلاق منه، فهذا التصرف فاسد، والنكاح باق بحاله. وإسمعيل هذا إمام غواص متأخر لقيه من لقيناه. فرع قالت: طلقني على كذا فقال: خالعتك، فإن جعلنا الخلع فسخا، لم ينفذ لانه لم يجبها، وإن جعلناه صريحا في الطلاق، أو كناية ونوى، حصلت البينونة ولزم المال. وإن لم ينو، لم يقع شئ و. ولو قالت: خالعني على كذا فقالت: طلقتك عليه، فإن قلنا: الخلع فسخ، لم يقع عليه فرقة لانه لم يجبها. وقل: يقع الطلاق، لانه أعطاها فرقه أقوى مما طلبت، فكأنه زاد، كمن سألته طلقة فطلق طلقتين، والاول أصح. وعلى هذا قوله: طلقتك ابتداء كلام منه، فإن لم يسم المال، وقع طلاق رجعي، وإن سماه، لم يقع ما لم يقبل. وإن قلنا: الخلع طلاق، فإن جعلناه صريحا أو كناية ونوت، حصلت البينونة ولزم المال، ولا يضر

(5/684)


اختلاف اللفظ، وإن جعلناه كناية ولم ينو، فقولها لغو. والزوج مبتدئ بالطلاق. ولو وكل رجلا في طلاقها فخالع، فإن قلنا: الخلع فسخ، لم ينفذ. وإن قلنا: طلاق، قال البوشنجي: الذي يجئ على أصلنا، أنه لا ينفذ أيضا، لانه يمنعه الرجعة إن كان بعد الدخول. قال: ولو وكله في الطلاق فطلق على مال، إن كان بحيث يتصور الرجعة، لم ينفذ، وإن لم يتصور بأن كان قبل الدخول، أو كان المملوك له الطلقة الثالثة، فذكر في نفوذه احتمالين لانه حصل غرضه مع فائدة، لكنه غير مفهوم بالتوكيل المطلق، وقد يتوقف في بعض ما ذكره حكما ودليلا. فرع تخالعا هازلين، نفذ إن قلنا: إنه طلاق، وإن قلنا: فسخ، فهو كبيع الهازل، وفيه خلاف سبق. فرع التعليق يمنع صحة الخلع إن قلنا: فسخ، وإن قلنا: طلاق، فلا. فرع فيما يلحق به الخلع من الاصول قال الاصحاب: إن جعلنا الخلع فسخا، فهو معاوضة محضة من الجانبين لا مدخل للتعليق فيه، بل هو كابتداء النكاح والبيع. فلو قال: خالعتك بمائة فقبلت بخمسين، أو قالت: خالعني بمائة فخالعها بخمسين، أو قالت: بخمسين فخالعها بمائة، لم يصح كالبيع. وإن جعلناه طلاقا، أو جرى لفظ الطلاق صريحا، نظر هل بدأ الزوج بالايقاع، أم بدأت بسؤاله ؟ القسم الاول: إن بدأ هو بطلاقها وذكر العوض، فهو معاوضة فيها شوب تعليق، لانه يأخذ مالا في مقابلة ما يزيله، والشوب فيه لكونه يترتب على قبول المال كترتب الطلاق المعلق بشرط، ثم تارة تغلب المعاوضة، وتارة التعليق، وتارة يراعى المعنيان، ويختلف ذلك بالصيغ المأتي بها. فإن أتى بصيغة المعاوضة وصورتها فقال: خالعتك بكذا، أو على كذا، أو طلقتك، أو أنت طالق على كذا، غلب معنى المعاوضة، ويثبت أحكامها، فيجوز له الرجوع قبل قبولها، ويلغو قبولها بعد رجوعه، ويشترط قبولها باللفظ من غير فصل كالبيع وسائر العقود.

(5/685)


فلو تخلل زمن طويل، أو اشتغلت بكلام آخر ثم قبلت، لم ينفذ. ولو اختلف الايجاب والقبول، بأن قال: طلقتك بألف فقبلت بألفين، أو بخمس مائة، لم يصح. كالبيع، كذا ذكره البغوي وغيره. وفي الشامل، أنها إذا قبلت بألفين، صح ولا يلزمها الالف، لانه لم يوجب إلا ألفا. والصحيح الاول. ولو قال: طلقتك ثلاثا بألف، فقبلت واحدة بثلث الالف، لم يصح وإن قبلت واحدة بالالف، فثلاثة أوجه. أحدها: لا يقع شئ كالبيع، والثاني: يقع طلقة، لان الزوج هو المستقل بالطلاق، وأصحها: يقع الثلاث، صححه الشيخ أبو علي والغزالي، وبه قال القفال، لان قبولها إنما يحتاج إلى المال، وأصل الطلاق وعدده يستقل به الزوج. وإذا قلنا: يقع الثلاث أو واحدة، ففيما يستحقه الزوج عليها وجهان. أصحهما: الالف، وبه قال ابن الحداد، والشيخ أبو محمد، لان الايجاب والقبول تعلقا به. والثاني عن ابن سريج: أنه يجب مهر المثل لاختلاف الايجاب والقبول. وإن أتى الزوج بصيغة تعليق، نظر، إن قال: متى أعطيتني، أو متى ما، أو أي وقت، أو حين، أو زمان، غلب معنى التعليق وثبتت أحكامه، وجعل كالتعليق بسائر الاوصاف، حتى لا يحتاج إلى قبول باللفظ، ولا يشترط الاعطاء في المجلس، بل متى وجد الاعطاء طلقت، وليس للزوج الرجوع قبل الاعطاء، وإن قال: إن أعطيتني، أو إذا أعطيتني كذا فأنت طالق، فله بعض أحكام التعليق، فلا يحتاج إلى القبول لفظا، ولا رجوع للزوج قبل الاعطاء. وقيل: يجوز له الرجوع قبل الاعطاء، حكاه البغوي، وقطع به صاحب المهذب، ويقرب منه ما حكاه ابن كج عن ابن سلمة، أن الزوج بالخيار بين أن لا يقبل الالف الذي أحضرته، وبين أن يقبل. والصحيح الاول، وله بعض أحكام المعاوضة وهو اشتراط الاعطاء في المجلس. واختار صاحب المهذب إلحاق إذا بمتى، وألحقها الجمهور بأن كما ذكرنا. وحكي وجه، أن كلمة إن كمتى في أنه لا يشترط تعجيل الاعطاء وهو شاذ. ثم قال المتولي: اشتراط الاعطاء على الفور مخصوص بالزوجة الحرة فإن قال لزوجته الامة: إن أعطيتني ألفا، فأنت طالق،

(5/686)


وقع الطلاق متى أعطته الالف وإن طال الزمان، لانها لا تقدر على الاعطاء في المجلس غالبا، بخلاف ما إذا قال: إن أعطيتني زق خمر فأنت طالق، فإنه يشترط الفور وإن لم تملك الخمر، لان يدها قد تشمل على خمر. قال: ولو أعطته الامة ألفا من كسبها، حصلت البينونة لوجود الصفة، وعليه رد المال إلى سيدها ويطالبها بمهر المثل إذا عتقت. فرع المراد بالمجلس الذي يشترط فيه الاعطاء مجلس التواجب وهو ما يحصل به الارتباط بين الايجاب والقبول، ولا نظر إلى مكان العقد. وفي وجه حكاه ابن كج وغيره، أنه يقع الطلاق إذا أعطته قبل تفرقهما وإن طالت المدة. والصحيح الاول. القسم الثاني: إذا بدأت بسؤال الطلاق فأجابها، فهو معاوضة فيها شوب جعالة. والصحيح لها الرجوع قبل أن يجيبها، لان هذا حكم المعاوضة والجعالة، وسواء أتت بصيغة تعليق كقولها: إن طلقتني أو متى طلقتني فلك كذا، أو قالت: طلقني على كذا، فهو معاوضة في الحالتين، ويشترط أن يطلقها في مجلس التواجب، سواء فيه صيغة المعاوضة والتعلق، وسواء علقت بأن أو بمتى. فلو طلقها بعد مدة طويلة، كان طلاقا مبتدأ. ولو قالت، طلقني ثلاثا على ألف فطلق واحدة على ثلث الالف، أو اقتصر على قوله: طلقتك واحدة، وقعت الواحدة واستحق ثلث الالف. كما لو قال: رد

(5/687)


عبيدي ولك ألف، فرد أحدهم. وحكى الشيخ أبو علي وجها أنه لا يقع شئ وغلط قائله. فرع قال لامرأتيه: خالعتكما أو طلقتكما، أو أنتما طالقان بألف، فقبلت إحداهما فقط، لم يقع شئ، وقيل: يصح في حق القائلة والصحيح الاول. ولو قال: طلقت إحداكما بألف ولم يعين فقالتا: قبلنا، لم يصح ذكره البغوي. ولو قال: خالعتك وضرتك بألف. فقالت: قبلت، صح الخلع، ولزمها الالف، لان الخطاب معها وحدها وهي مختلعة لنفسها، وقابلة لضرتها كالاجنبي. ولو قالتا له: طلقنا بألف فطلق إحداهما، طلقت دون الاخرى. وهل يلزمها مهر المثل أم حصتها من المسمى إذا وزع على مهر مثلهما، أم نصف المسمى ؟ فيه ثلاثة أقوال. أظهرها الاول، وتجري الاقوال في الواجب على كل واحدة إذا طلقهما. قال الشيخ أبو حامد: والخلاف مخصوص بصورة الاطلاق. أما لو قال: طلقتكما على ألف مناصفة، أو قالتا: طلقنا على ألف مناصفة، فهو مناصفه بلا خلاف. ولو قالت: طلقني بألف، فقال: طلقتك بخمس مائة، بانت واستحق خمسمائة على الصحيح، وقيل: لا تطلق تغليبا للمعاوضة، وبالله التوفيق.
الباب الثاني : في أركان الخلع وهي خمسة.
الأول : الزوج، فيوجب ابتداء أو يجيب سؤالها، ويشترط أن يكون ممن ينفذ طلاقه، فلا يصح خلع الصبي والمجنون، ويصح خلع المحجور عليه بفلس أو سفه، سواء أذن الولي أم لا، وسواء كان العوض مهر المثل أو دونه، لان طلاقها مجانا نافذ، ولا يجوز للمختلع تسليم المال إلى السفيه، بل يسلمه إلى الولي، فإن سلمه إلى السفيه وكان الخلع على عين مال، أخذها الولي من يده. فإن تركها في يده حتى تلفت بعد علمه بالحال، ففي وجوب الضمان على الولي وجهان حكاهما

(5/688)


الحناطي. وإن تلف في يد السفيه ولم يعلم الولي بالتسليم، رجع على المختلع بمهر المثل على الاظهر، وبقيمة العين على القول الآخر. وإن كان الخلع على دين، رجع الولي على المختلع بالمسمى، لانه لم يجر قبض صحيح تبرأ به الذمة، ويسترد المختلع من السفيه ما سلمه إليه. فإن تلف في يد السفيه، فلا ضمان، لانه ضيع ماله بتسليمه إلى السفيه، كمن باعه شيئا وسلمه إليه وتلف عنده، هذا إذا كان التسليم إلى السفيه بغير إذن الولي، فإن كان بإذنه، ففي الاعتداد بقبضه وجهان عن الداركي، ورجح الحناطي الاعتداد. فرع يصح خلع العبد بغير إذن سيده وبدون مهر المثل، ويدخل المهر في ملك سيده قهرا كأكسابه، ولا يسلم المختلع المال إليه بل إلى السيد. فإن سلمه إليه فعلى ما سبق في السفيه، إلا أن ما يتلف في يد العبد يطالبه المختلع بضمانه إذا عتق، وما يتلف في يد السفيه لا يطالبه به، لا في الحال ولا بعد الرشد، وخلع المدبر والمعتق بعضه كالقن. فإن جرت مهايأة بين من بعضه حر وبين سيده، فليكن عوض الخلع من الاكساب النادرة، وليجئ فيه الخلاف. والمكاتب يسلم إليه عوض الخلع لصحة يده واستقلاله.
الركن الثاني : المختلع يشترط في قابل الخلع من الزوجة والأجنبي، أن يكون مطلق التصرف في المال، صحيح الالتزام. وللحجر أسباب. أحدها: الرق. فإن اختلعت الامة نفسها بغير إذن سيدها، نظر إن اختلعت

(5/689)


بعين ماله، فقولان. أحدهما: يقع الطلاق رجعيا كالسفيهة والمشهور أنه يقع بائنا كالخلع على خمر، وهل المستحق عليها مهر المثل أم بدل العين ؟ قولان. أظهرهما: الاول. وإن اختلعت على دين، بانت. وهل عليها المسمى أم مهر المثل ؟ وجهان، أو قولان. أصحهما: الاول، وبه قطع العراقيون، واختاره القفال والشيخ أبو علي، ثم ما ثبت عليها باختلاعها يتعلق بذمتها تطالب به بعد العتق لا في الحال. أما إذا اختلعت بإذن سيدها، فأما أن يبين العوض، وإما أن يطلق. فإن بين، نظر، إن كان عينا من ماله، نفذ الخلع، واستحق الزوج تلك العين، وإن قدر دينا، بأن قال: اختلعي بألف ففعلت، تعلق الالف بكسبها كمهر زوجة العبد. وإن زادت على ما قدر، فالزيادة في ذمتها. وإن قال: اختلعي بما شئت، اختلعت بمهر المثل، وبالزيادة إن شاءت، وتعلق اجميع بكسبها، ذكره البغوي. وإن أطلق الاذن، اقتضى مهر المثل. فإن لم تزد عليه، ففي كسبها، وإلا فالزيادة في ذمتها، وما يتعلق بكسبها يتعلق بما في يدها من مال التجارة إن كانت مأذونا لها. وإن جرى الخلع بإذن السيد والعوض دين، ففي كون السيد ضامنا له الخلاف السابق في مهر زوجة العبد. فرع اختلاع المكاتبة بغير إذن سيدها، كاختلاع الامة بغير إذنه. وإن اختلعت بإذنه، فالمذهب والمنصوص هنا أنه كاختلاعها بغير إذن. وقيل: كاختلاع الامة بالاذن، ولا يكون السيد هنا ضامنا بلا خلاف.

(5/690)


فرع اختلاع السيد أمته التي هي تحت حر، أو مكاتب على رقبتها، قال إسمعيل البوشنجي: تحصلت فيه بعد إمعان النظر على وجهين. أحدهما: تحصل الفرقة بمهر المثل. وأصحهما: لا يصح الخلع أصلا. السبب الثاني: الحجر بالسفه. فإذا قال لزوجته المحجور عليها لسفه: خالعتك أو طلقتك على ألف فقبلت، وقع الطلاق رجعيا، سواء فعلت ذلك بإذن الولي أم بغير إذنه، ولا يلزمها المال، وليس للولي صرف مالها في الخلع. فإن لم تقبل، لم يقع الطلاق، لان الصيغة تقتضي القبول، فأشبه الطلاق المعلق على صفة. ولو قال لها: طلقتك على ألف إن شئت فقالت على الاتصال: شئت وقع الطلاق رجعيا. ولو بدأت فقالت: طلقني على كذا فأجابها، وقع طلاق رجعي أيضا. فرع له زوجتان: رشيدة ومحجور عليها بسفه، فقال: طلقتكما على كذا، فقبلتا، طلقت الرشيدة بائنا، وعليها مهر المثل على الاظهر، وطلقت السفيهة رجعيا، وإن قبلت إحداهما، لم يقع عليهما شئ. ولو كانتا سفيهتين، فقال: طلقتكما على ألف فقبلتا، وقع الطلاق عليهما رجعيا. وإن قبلت إحداهما، لم يقع شئ. ولو بدأتا فقالتا: طلقنا بألف فطلقهما، وقع الطلاق على السفيهة رجعيا، وعلى الرشيدة بائنا. وإن أجاب السفيهة، وقع عليها رجعيا، وإن أجاب الرشيدة، وقع بائنا. وقوله: أنتما طالقان على ألف إن شئتما، كقوله: طلقتكما على ألف في جميع ذلك. السبب الثالث: الجنون والصغر، فقبول مجنونة وصغيرة لا تمييز لهما لغو.

(5/691)


وقول الزوج لها: أنت طالق على كذا لغو. ولو قال ذلك لصغيرة مميزة فقبلت، فهل يقع طلاق رجعي أم لا يقع شئ ؟ وجهان. رجح الامام والغزالي المنع، والبغوي الوقوع. السبب الرابع: المرض. فإذا اختلعت في مرض موتها، نظر، إن كان بمهر المثل، نفذ ولم يعتبر من الثلث، وإن كان بأكثر، فالزيادة كالوصية للزوج، فيعتبر من الثلث ولا يكون كالوصية للوارث لخروجه بالخلع عن الارث. ولو اختلعت بعبد قيمته مائة، ومهر مثلها خمسون، فقد حابت بنصف العبد، فينظر، إن خرجت المحاباة من الثلث، فالعبد كله للزوج عوضا ووصية. وحكى الشيخ أبو حامد وجها، أنه بالخيار بين أن يأخذ العبد، وبين أن يفسخ العقد فيه ويرجع إلى مهر المثل، لانه دخل في العقد على أن يكون (العبد) كله عوضا. والصحيح الاول، إذ لا نقص ولا تشقيص. وإن لم يخرج من الثلث، بأن كان عليها دين مستغرق، لم تصح المحاباة، والزوج بالخيار، بين أن يمسك نصف العبد وهو قدر مهر المثل، ويرضى بالتشقيص، وبين أن يفسخ المسمى ويضارب الغرماء بمهر المثل. وإن كان لها وصايا أخر، فإن شاء الزوج، أخذ نصف العبد وضارب أصحاب الوصايا في النصف الآخر. وإن شاء فسخ المسمى وتقدم بمهر المثل على أصحاب الوصايا، ولا حق له في الوصية، لانها كانت في ضمن المعاوضة وقد ارتفعت بالفسخ. وإن لم يكن دين ولا وصية ولا شئ لها سوى ذلك العبد، فالزوج بالخيار، إن شاء أخذ ثلثي العبد، نصفه بمهر المثل، وسدسه بالوصية، وإن شاء فسخ وليس له إلا مهر المثل. فرع مرض الزوج لا يؤثر في الخلع، فيصح خلعه في مرض الموت بدون مهر المثل، لان البضع لا يبقى للوارث لو لم يخالع، كما لو أعتق مستولدته في مرض الموت، لا يعتبر من الثلث، ولانه لو طلق بلا عوض لم يعتبر قيمة البضع من الثلث.
الركن الثالث : المعوض وهو البضع، وشرطه أن يكون مملوكا للزوج. فأما البائنة بخلع وغيره، فلا يصح خلعها، ويصح خلع الرجعية على الاظهر لانها زوجة. والثاني: لا لعدم الحاجة إلى الافتداء. وقيل: يصح خلعها بالطلقة الثالثة

(5/692)


دون الثانية لتحصل البينونة الكبرى. وإذا قلنا: لا يصح، فنقل الامام وغيره عن الاصحاب، أن الطلاق يقع رجعيا إذا قبلت كالسفيهة. فرع خالع مرتدة مدخولا بها، توقف، فإن عادت إلى الاسلام قبل انقضاء العدة، تبينا صحة الخلع ولزوم المال المسمى، وإلا تبينا بطلان الخلع لانقطاع النكاح بالردة، وكذا الحكم لو ارتد الزوج بعد الدخول، أو ارتدا معا، ثم جرى الخلع، وكذا لو أسلم أحد الزوجين الوثنيين، ثم تخالعا، وأطلق المتولي أنه لا يصح الخلع بعد تبديل الدين لان الملك كالزائل.
الركن الرابع : العوض هو كالصداق، فيجوز قليلا وكثيرا، عينا ودينا، ويشترط أن يكون معلوما متمولا مع سائر شروط الاعواض، كالقدرة على التسليم واستقرار الملك وغيرهما، وتفصيله بصور. إحداها: لو خالع على مجهول كثوب غير معين، حصلت البينونة ورجع إلى مهر المثل، ومن المجهول حمل البهيمة والجارية، سواء قال: خالعتك بما في بطنها أو على حملها. ولو خالع بألف إلى أجل مجهول، أو خالع بشرط فاسد كشرط أن لا ينفق عليها وهي حامل، أو لا سكنى لها، أو لا عدة عليها، أو أن يطلق ضرتها، بانت بمهر المثل. وحكى المتولي وجها، أنه لا تحصل الفرقة في صورة الجهل وسائر صور فساد العوض، وكذا لو خالع ولم يذكر عوضا بناء على أن الخلع فسخ، والمذهب الاول. فرع خالعها على ما في كفها ولم يعلمه، أو علمه ولم نصحح بيع الغائب، بانت بمهر المثل، وإن علم وصححناه، وبانت بالمسمى. فإن لم يكن في كفها شئ، ففي الوسيط أنه يقع الطلاق رجعيا، والذي نقله غيره وقوعه بائنا بمهر المثل، ويشبه أن يكون الاول فيما إذا كان عالما بالحال، والثاني فيما إذا ظن في كفها شيئا. قلت: المعروف الذي أطلقه الجمهور، كأصحاب الشامل والتتمة

(5/693)


والمستظهري والبيان وغيرهم، وقوعه بائنا بمهر المثل، وهو مقتضى كلام إمام الحرمين. والله أعلم. الصورة الثانية: خالعها على ما ليس بمال كخمر أو حر، بانت. وهل يرجع عليها بمهر المثل، أم ببدل المذكور ؟ قولان. أظهرهما: الاول. ولو خالع على مغصوب، فكذلك، ويفرق بين أن يقول: خالعتك على هذا العبد فبان حرا، وبين قوله: خالعتك على هذا الحر في أصح الطريقين، كما سبق في الصداق حتى يقطع بمهر المثل في الصورة الثانية، لفساد الصيغة، وكذا يفرق بين قوله: خالعتك على هذا العبد فبان مستحقا، وبين قوله: خالعتك على هذا المغصوب حتى يقطع بمهر المثل في الصورة الثانية. وعن القاضي حسين وجه فيما إذا خالع على خمر أو مغصوب: وقع الطلاق رجعيا، لان المذكور ليس بمال، فلا يظهر طمعه في شئ، والصحيح الاول، وبه قطع الاصحاب. ولو خالع على دم، وقع الطلاق رجعيا، وعللوه بأنه لا يقصد بحال، فكأنه لم يطمع في شئ. والخلع على الميتة، كالخمر لا كالدم، لانها قد تقصد للضرورة وللجوارح. الصورة الثالثة: الخلع على مالا يقدر على تسليمه، ومالا يتم ملكه عليه، كالخلع على خمر في جريان القولين فيما يرجع به من مهر المثل والبدل. ولو خالع على عين فتلفت قبل القبض، أو خرجت مستحقة، أو معيبة فردها أو فاتت منها صفة مشروطة فردها، ففيم يرجع به القولان. ولو خالعها على ثوب في الذمة ووصفه كما ينبغي، فأعطته ثوبا بالصفة فبان معيبا، فله رده ويطالب بمثله سليما كما في السلم. وإن قال: إن أعطيتني ثوبا بصفة كذا فأنت طالق، فأعطته ثوبا بتلك الصفة،

(5/694)


طلقت. فإن خرج معيبا فرده، عاد القولان في أنه يرجع بمهر المثل أم بقيمة ذلك الثوب سليما ؟ الرابعة: التوكيل بالخلع من الجانبين جائز. فأما وكيل الزوج، فإن قدر له مالا بأن قال: خالعها بمائة، فينبغي أن يخالع بالمائة فأكثر، ولا ينقص. فإن خالع بمائة وثوب، فهو كما لو قال: بع عبدي بمائة فباعه بمائة وثوب وقد سبق. وإن أطلق التوكيل في الخلع، فينبغي أن يخالع بمهر المثل وأكثر، ولا ينقص. وصورة إطلاق التوكيل أن يقول: وكلتك في خلع زوجتي، أو خالعها ولا يذكر مالا، ويكفي هذا في التصوير إن قلنا: إن مطلق الخلع يقتضي مالا، وإن قلنا: لا يقتضيه، اشترط أن يقول: خالعها بمال. فإن نقص الوكيل عن المائة في صورة التقدير، فالنص لا يقع الطلاق، وإن نقص عن مهر المثل في صورة الاطلاق، فالنص وقوعه. وللاصحاب فيه طرق، مجموعها خمسة أقوال. أظهرها: يقع الطلاق في صورة الاطلاق بمهر المثل، ولا خيار للزوج، ولا يقع في صورة التقدير عملا بالنصين، لتصريح المخالفة في صورة التقدير. والثاني: لا يقع فيهما كالمخالفة في البيع والثالث: يتحتم وقوع الطلاق بائنا فيهما، ويتخير الزوج بين المسمى ومهر المثل. والرابع: يتخير بين المسمى وبين ترك العوض، وجعل الطلاق رجعيا. والخامس: إن رضي بالمسمى، فذاك، وإلا فلا طلاق. وخلع الوكيل بغير نقد البلد، أو غير جنس المسمى، وبالمؤجل، كخلعه بدون المقدر أو دون مهر المثل، ففيه الخلاف المذكور. وأما وكيل الزوجة، فإما أن يقدر له العوض، وإما لا. الحالة الاولى: قدرت فقالت: اختلعني بمائة، فإن اختلعها بها أو بما دونها

(5/695)


بالوكالة عنها، نفذ. والقول في أنه هل يطالبه الزوج يأتي في فصل خلع الاجنبي إن شاء الله تعالى. وإن اختلع بأكثر من مائة وأضا ف إليها فقال: اختلعها بكذا من مالها بوكالتها، فالمنصوص وقوع الطلاق بائنا. وخرج المزني قولا أنه لا يقع الطلاق. ونقل الحناطي قولا، أنه يقع ولا يلزمها ولا الوكيل شئ. والمشهور حصول البينونة. فعلى هذا، يلزمها مهر المثل على الاظهر، وهو نصه في الاملاء. ونص في الام، أنه يلزمها أكثر الامرين مما سمته هي، ومن أقل الامرين من مهر المثل، وما سماه الوكيل. فإن كان مهر المثل زائدا على ما سماه الوكيل، لم تجب الزيادة على ما سماه على هذا القول، وكذا لو كان ما سماه الوكيل أكثر من مهر المثل، لم تجب الزيادة. فلو سمت مائة وسمى الوكيل مائتين، ومهر المثل تسعون، فالواجب تسعون على القول الاول، ومائة على الثاني. ولو كان مهر المثل مائة وخمسين، فالواجب مائة وخمسون على القولين. ولو كان مهر المثل ثلاثمائة، لم يجب على القول الثاني إلا مائتان. وحكى قول ثالث، أنها بالخيار، إن شاءت أجازت بمسمى الوكيل، وإن شاءت ردت وعليها مهر المثل. وأما مطالبة الوكيل بما عليها، فقال الاصحاب: لا يطالب إلا أن يقول: إني ضامن فيطالب بما سمى، هذا هو المذهب، وبه قطع الاصحاب في طرقهم، وفي المختصر تعرض لمثله، وفي المجرد للحناطي قول شاذ، أنه لا أثر لهذا الضمان. وقال الامام: ينبغي أن يكون أثر الضمان في مطالبته بما تطالب به المرأة، ولا تطالب بزيادة عليه وهذا ضعيف. ثم إذا غرم الوكيل للزوج، قال البغوي: لا يرجع عليها إلا بما سمت، ويجئ فيه قول إنه يرجع بالواجب عليها وهو مهر المثل أو أكثر الامرين كما سنذكره إن شاء الله تعالى فيما إذا اختلع ولم يضف إليها. أما إذا اختلع وأضاف إلى نفسه، فهو اختلاع أجنبي والمال عليه. ولو أطلق ولم يضف إليها ولا إليه، فان قلنا بالمشهور، فعلى الوكيل ما

(5/696)


سماه، وفيما عليها منه قولان. أظهرهما: عليها ما سمت والباقي على الوكيل، فعلى هذا لو طالب الزوج الوكيل به، رجع على الزوجة بما سمت. والثاني: عليها أكثر الامرين مهر المثل وما سمت. فإن بقي شئ مما سمى فعلى الوكيل. وإن زاد مهر المثل على ما سمى الوكيل، لم تجب تلك الزيادة، لان الزوج رضي بما سمى الوكيل. ولو أضاف ما سمته إليها والزيادة إلى نفسه، ثبت المال كذلك. ولو خالف الوكيل في جنس العوض بأن قالت: خالع على دراهم، فخالع بدنانير أو ثوب، فوجهان. أحدهما عن القاضي حسين: ينصرف الاختلاع عنها فيلغو إن أضاف إليها، ويقع عن الوكيل إن أطلق. وأصحهما وبه قطع البغوي، تحصل البينونة، ثم ينظر، إن أضاف الخلع إلى مالها. ولم يقل: وأنا ضامن، فالرجوع عليها بمهر المثل على الاظهر، وبأكثر من مهر المثل وبدل ما سمت في القول الثاني. وإن قال: وأنا ضامن أو لم يضف العقد إليها، لم يرجع إلا ببدل ما سمت. الحالة الثانية: إذا أطلقت التوكيل، فمقتضاه الاختلاع بمهر المثل. فإن نقص عنه أو ذكر فيه أجلا، فقد زادها خيرا، وإن زاد على مهر المثل، فهو كما لو قدرت فزاد على المقدر، وحكمه ما سبق، لكن لا يجئ قول وجوب أكثر الامرين. فرع اختلعها وكيلها بخمر أو خنزير، بانت ولزمها مهر المثل، سواء أطلقت التوكيل، أو سمت الخمر والخنزير. وقال المزني: لا يصح التوكيل إذا سمت الخمر، ولا ينفذ معه خلع الوكيل. ولو خالع وكيل الزوج على خمر أو خنزير، وكان قد وكله بذلك، فقد طرد أبو الفرج الزاز فيه مذهبنا ومذهب المزني.
فرع في فتاوى البغوي قالت لوكيلها: اختلعني بطلقة على ألف، فاختلعها بثلاث طلقات على ألف، فإن أضاف إليها، لم يقع إلا طلقة، وإلا وقع الثلاث، وليس عليها إلا ثلث الالف، لانه لم تحصل مسألتها إلا بثلث الالف، وعلى الوكيل البقية. وفي هذا نظر، وسيأتي إن شاء الله تعالى أنها لو قالت: طلقني واحدة بألف فطلقها ثلاثا، وقع الثلاث واحدة منها بالالف، وفيها أنها لو قالت: اختلعني من زوجي بثلاث على ألف، فاختلعها واحدة على ألف، فإن أضاف إليها، لم يقع، وإلا وقع وعلى الوكيل ما سماه.

(5/697)


وأن الرجل لو قال لوكيله: خالعها ثلاثا بألف، فخالع واحدة على ألف، وقع لانه زاد خيرا. وأنه لو وكله بتطليقها بألف، ووكل آخر بتطليقها بألفين، فأيهما سبق وقع الطلاق بما سمى. وإن أوجبا معا، فقالت: قبلت منكما، أو كانت وكلت وكيلين أيضا، فقبل وكيلاها من وكيله معا، لم يقع شئ، كما لو وكل رجلا ببيع عبده بألف، وآخر ببيعه بألفين فعقدا معا لا يصح البيع. وفي فتاوى القفال، أنه لو وكله بتطليق زوجته ثلاثا، فطلقها واحدة بألف، وقعت رجعية ولا يثبت المال، ومقتضى هذا أن يقال: لو طلقها ثلاثا بألف، لا يثبت المال أيضا، ولا يبعد أن يقال: يثبت المال وإن لم يتعرض الزوج له كما لو قال: خالعها بمائة فخالع بأكثر. الركن الخامس: الصيغة، ولا بد منها، ويشترط أن لا يتخلل بين الايجاب والقبول كلام أجنبي، فإن تخلل كلام كثير، بطل الارتباط بينهما، وإن تخلل كلام يسير، لم يضر على الصحيح. فصل سألت زوجها طلاقا بعوض، وارتدت عقب السؤال ثم أجابها، فينظر، إن كان قبل الدخول، تنجزت الفرقة بالردة فلا مال عليها ولا طلاق. وإن كان بعد الدخول، فالطلاق موقوف. فإن أصرت حتى انقضت العدة، فلا مال ولا طلاق. وإن أسلمت قبلها، تبينا وقوع الطلاق ولزمها المال، وحسبت العدة من وقت الطلاق. ولو قالت له امرأتاه: طلقنا بألف، ثم ارتدتا ثم أجابهما، فإن لم يكن دخل بهما، لغا الطلاق، وكذا لو كان دخل بهما وأصرتا حتى انقضت العدة. وإن أسلمتا قبلها، تبينا وقوع الطلاق عليهما. وهل العوض الواجب على كل واحدة مهر المثل، أم نصف المسمى، أم حصتها منه إذا وزع على مهر مثلهما ؟ فيه ثلاثة أقوال. أظهرها: الاول. وإن أصرت إحداهما وأسلمت الاخرى، لم يقع الطلاق على المصرة، ويقع على المسلمة، وفيما يلزمها الاقوال. وفي وجه يلزمها كل المسمى، حكاه الحناطي.

(5/698)


ولو ارتدت إحداهما ثم أجابهما وكان قبل الدخول أو بعده وأصرت حتى انقضت العدة، طلقت المسلمة دون المرتدة. ولو ابتدأ الزوج فقال طلقتكما بألف، فارتدتا، ثم قبلتا، فإن لم يدخل بهما أو دخل وأصرتا، لغا الخلع. وإن دخل بهما وأسلمتا في العدة، طلقتا، وإن أسلمت إحداهما وأصرت الاخرى، لم تطلق واحدة منهما، كما لو قبلت إحداهما دون الاخرى، وقد سبق أنه إذا ابتدأ الزوج بالايجاب، فلا بد من قبولهما بخلاف ما إذا ابتدأتا. ولو خاطبهما كما ذكرنا وارتدت إحداهما ثم قبلتا، فإن كانت المرتدة غير مدخول بها، أو مدخولا بها وأصرت حتى انقضت العدة، فلا طلاق فيهما. وإن أسلمت في العدة، طلقتا. ولو ارتدتا بعد الدخول ثم قالتا: طلقنا بألف فأجابهما ثم أسلمتا، طلقتا. وحكى الحناطي خلافا، في أنه يقع رجعيا أم ببدل، وهذا الخلاف عجيب. قلت: الصواب وقوعه بائنا ببدل، كما أشار إليه الرافعي. والله أعلم. فصل قال الزوج: خالعتك بألف درهم، فقالت: قبلت الالف، ففي فتاوي القفال أنه يصح ويلزم الالف وإن لم تقل: اختلعت. وكذا لو قال الاجنبي: خالعت زوجتي بألف، فقال: قبلته. وإن أبا يعقوب غلط فقال في حق المرأة: يشترط قولها: اختلعت، ولا يشترط في الاجنبي. فصل قالت: طلقني على ألف، فقال: طلقتك، كفى وإن لم يسم المال، كذا أطلقوه، ويمكن جري خلاف فيه. ولو قال المتوسط لها: اختلعت نفسك منه بكذا ؟ فقالت: اختلعت، ثم قال للزوج وهو في المجلس: خالعتها ؟ فقال: خالعت، صح الخلع على المذهب، وبه قطع البغوي (قال البغوي:) ولو لم تسمع المرأة قول الزوج، وسمع السفير كلامهما، كفى، والاسماع ليس بشرط، ألا ترى أنه إذا خاطب أصم فأسمعه غير المخاطب وقبل، صح العقد. فصل إذا طلقها على عوض أو خالعها، فلا رجعة له، سواء كان العوض

(5/699)


صحيحا، أو فاسدا، سواء قلنا: الخلع فسخ أو طلاق. فلو قال: خالعتك أو طلقتك بدينار على أن عليك الرجعة، فنقل الربيع والمزني، أنه يقع الطلاق رجعيا ولا مال. وجرج المزني ونقل الربيع قولا آخر أنه يلغو شرط الرجعة، وتحصل البينونة بمهر المثل. فقال ابن سلمة وابن الوكيل: في المسألة قولان، وبه قطع الامام والبغوي، ورجحا البينونة بمهر المثل، وذهب ابن سريج وأبو إسحق وجمهور الاصحاب إلى القطع بوقوعه رجعيا بلا مال. ولو خالعها بمائة على أنه متى شاء رد المائة، وكان له الرجعة، نص الشافعي رحمه الله أنه يفسد الشرط، وتحصل البينونة بمهر المثل، فقيل بطرد الخلاف. وقيل بالجزم بالمنصوص، لانه رضي بسقوط الرجعة هنا، ومتى سقطت لا تعود. فصل لو وكل امرأة بطلاق زوجته أو خلعها، صح على الاصح، وقيل: لا، لانها لا تستقل. ولو وكلت الزوجة امرأة باختلاعها، جاز بلا خلاف، ويجوز أن يكون وكيل الزوجة والزوج ذميا، لانه قد يخالع المسلمة ويطلقها، ألا ترى أنها لو أسلمت وتخلف، فخالعها في العدة ثم أسلم، حكم بصحة الخلع، ويجوز أن يوكل الزوج بالخلع العبد والمكاتب، والسفيه المحجور عليه، ولا يشترط إذن السيد والولي، لانه لا يتعلق في الخلع عهدة توكيل الزوج، ولا يجوز أن يوكل المحجور عليه في القبض. فإن فعل وقبض، ففي التتمة أن المختلع يبرأ، ويكون الزوج مضيعا لماله. ولو وكلت المرأة في الاختلاع عبدا، جاز سواء أذن السيد أم لا. فإن كان الاختلاع على عين مالها، فذاك. وإن كان على مال في الذمة، نظر، إن أضافه إليها، فهي المطالبة. وإن لم يضف بل أطلق، فإن لم يأذن السيد في الوكالة، جاز للزوج مطالبته بالمال بعد العتق. وإذا غرم، رجع على الزوجة إذا قصد الرجوع. وإن أذن في الوكالة، تعلق المال بكسبه، كما لو اختلعت الامة بإذن السيد. وإذا أدى في كسبه، ثبت الرجوع على الموكلة. ولو وكلت في الاختلاع محجورا عليه لسفه، قال البغوي: لا يصح. وإن أذن الولي، فلو فعل وقع الطلاق

(5/700)


صحيحا، أو فاسدا، سواء قلنا: الخلع فسخ أو طلاق. فلو قال: خالعتك أو طلقتك بدينار على أن عليك الرجعة، فنقل الربيع والمزني، أنه يقع الطلاق رجعيا ولا مال. وجرج المزني ونقل الربيع قولا آخر أنه يلغو شرط الرجعة، وتحصل البينونة بمهر المثل. فقال ابن سلمة وابن الوكيل: في المسألة قولان، وبه قطع الامام والبغوي، ورجحا البينونة بمهر المثل، وذهب ابن سريج وأبو إسحق وجمهور الاصحاب إلى القطع بوقوعه رجعيا بلا مال. ولو خالعها بمائة على أنه متى شاء رد المائة، وكان له الرجعة، نص الشافعي رحمه الله أنه يفسد الشرط، وتحصل البينونة بمهر المثل، فقيل بطرد الخلاف. وقيل بالجزم بالمنصوص، لانه رضي بسقوط الرجعة هنا، ومتى سقطت لا تعود. فصل لو وكل امرأة بطلاق زوجته أو خلعها، صح على الاصح، وقيل: لا، لانها لا تستقل. ولو وكلت الزوجة امرأة باختلاعها، جاز بلا خلاف، ويجوز أن يكون وكيل الزوجة والزوج ذميا، لانه قد يخالع المسلمة ويطلقها، ألا ترى أنها لو أسلمت وتخلف، فخالعها في العدة ثم أسلم، حكم بصحة الخلع، ويجوز أن يوكل الزوج بالخلع العبد والمكاتب، والسفيه المحجور عليه، ولا يشترط إذن السيد والولي، لانه لا يتعلق في الخلع عهدة توكيل الزوج، ولا يجوز أن يوكل المحجور عليه في القبض. فإن فعل وقبض، ففي التتمة أن المختلع يبرأ، ويكون الزوج مضيعا لماله. ولو وكلت المرأة في الاختلاع عبدا، جاز سواء أذن السيد أم لا. فإن كان الاختلاع على عين مالها، فذاك. وإن كان على مال في الذمة، نظر، إن أضافه إليها، فهي المطالبة. وإن لم يضف بل أطلق، فإن لم يأذن السيد في الوكالة، جاز للزوج مطالبته بالمال بعد العتق. وإذا غرم، رجع على الزوجة إذا قصد الرجوع. وإن أذن في الوكالة، تعلق المال بكسبه، كما لو اختلعت الامة بإذن السيد. وإذا أدى في كسبه، ثبت الرجوع على الموكلة. ولو وكلت في الاختلاع محجورا عليه لسفه، قال البغوي: لا يصح. وإن أذن الولي، فلو فعل وقع الطلاق

(5/701)


المبيع في يد البائع، يكون من ضمانه وإن تمكن المشتري من القبض، وهذا أصح عند الشيخ أبي حامد. ومقتضى كلام البغوي ترجيح الاول. قلت: الاصح الوجه الثاني. والله أعلم. ولو لم يأت بصبي آخر لعجزه، فقد قطع البغوي وغيره، بأن الحكم فيه (كما) إذا حكمنا بالانفساخ، والوجه أن يطرد فيه الخلاف، ولا فرق بين العجز وعدمه كما سبق في الاجارة فيما لو تلف الثوب المعين للخياطة وقلنا: لا تنفسخ الاجارة، فلم يأت المستأجر بثوب مثله حتى مضت مدة الاجارة، فإن في استقرار الاجرة وجهين، سواء امتنع من الابدال لعجزه أو مع القدرة. قلت: الصحيح، ما جزم به البغوي وموافقوه. والله أعلم. فرع لو أضاف إلى الارضاع والحضانة نفقته مدة، بأن خالعها على كفالة ولده عشر سنين، ترضعه منها سنتين، وتنفق عليه تمام العشر وتحضنه، نظر، إن بين النفقة كل يوم من الطعام والادم كالزيت واللحم، وكسوته كل فصل أو سنة، وكان ذلك مما يجوز السلم فيه، ووصفه بالاوصاف المشروطة في السلم، ففي صحة الخلع بما سمى طريقان. أصحهما: القطع بالصحة، لان المقصود الكفالة، وهذه الامور تابعة. والثاني: على قولين - لانه جمع بين بيع وإجارة، ولانه سلم في أجناس -. أظهرهما: الصحة أيضا. فإن أبطلناه، فهل يرجع بمهر المثل أم ببدل الاشياء المذكورة ؟ قولان. أظهرهما: الاول، ومنهم من قطع به هنا، لانه لو رجع إلى بدل الاشياء لاثبتناها. وإن صححنا، فهو في الطعام والشراب، فيخير بين أن يستوفيه بنفسه ويصرفه إلى الولد، وبين أن يأمرها بالصرف إليه. قال ابن الصباغ: ينبغي أن يجئ فيه الخلاف المذكور، فيما إذا أذن الحاكم للملتقط في الانفاق على اللقيط من ماله، بشرط الرجوع. قلت: ليس هو مثله، بل يجوز هذا قطعا والفرق ظاهر. والله أعلم.

(5/702)


ثم إن عاش الولد حتى استوفى المنفعة والعين، فذاك، فإن خرج زهيدا وفضل من المقدر شئ، فهو للزوج، وإن كان رغيبا واحتاج إلى زيادة، فهي على الزوج. وإن مات الولد، فله حالان. أحدهما: أن يموت قبل تمام مدة الارضاع، ففيه الخلاف السابق في انفساخ العقد، وجواز الابدال، فإن حكمنا بالانفساخ، ومنعنا الابدال، انفسخ فيما بقي من المدة، وفي انفساخه فيما مضى وفي الطعام والكسوة خلاف تفريق الصفقة. والاظهر عدم الانفساخ. وإذا قلنا: لا ينفسخ، استوفى الزوج الطعام والكسوة، ويرجع بما انفسخ العقد فيه من المدة إلى أجرة المثل في قول، وإلى حصته من مهر المثل على الاظهر، وبيان الحصة بأن يقوم الطعام والادم والكسوة، وما مضى من المدة، وما بقي، ويعرف نسبة قيمة الباقي من المدة من الجميع، فيجب من مهر المثل بتلك النسبة، وإذا قلنا: يتعدى الانفساخ إلى المدة الماضية والنفقة، رجع إلى مهر المثل على الاظهر، وإلى بدل الجميع على الثاني، وترجع الزوجة بأجرة ما مضى من مدة الارضاع، وقد يقع التقاص، هذا هو المذهب. وعن القاضي أبي الطيب، أن الواجب قسط ما سوى المدة الماضية من مهر المثل، وتسقط حصتها وتجعل منفعتها مستوفاة. الحال الثاني: أن يموت بعد ارتضاعه المدة بكمالها، فيبقى استحقاق النفقة والكسوة، وهل يتعجل الاستحقاق أم يبقى منجما كما كان ؟ وجهان. أصحهما: الثاني. ولو انقطع جنس بعض الاشياء المذكورة، ففيه القولان السابقان في انقطاع المسلم فيه. أحدهما: ينفسخ العقد. فعلى هذا ينفسخ في المنقطع، ولا ينفسخ في الاعيان المقبوضة على الاظهر، كما لو اشترى عبدين، فقبض أحدهما وتلف الآخر ولا في الحضانة والارضاع على المذهب، لبعد ما بينهما، فإن حكم بالانفساخ في الجميع غرم لها بدل ما استوفى من العين والمنفعة، وله عليها مهر المثل على الاظهر. وفي قول: بدل المسمى. وإن قلنا: لا ينفسخ إلا في المنقطع، رجع إلى حصته من مهر المثل على الاظهر، وإلى بدل المنقطع في

(5/703)


قول. والقول الثاني في الاصل وهو الاظهر، أن انقطاع المسلم فيه لا يقتضي الانفساخ، لكن يثبت له خيار الفسخ، فله الفسخ في الجميع. وهل له الفسخ في المنقطع وحده ؟ فيه الخلاف السابق فيمن اشترى عبدين فوجد أحدهما معيبا وأراد إفراده بالرد، قال المتولي: وله الفسخ في الاعيان دون المنافع على المذهب لبعد ما بينهما جنسا وعقدا. وإذا أفرد المنقطع بالرد وجوزناه، ففيما يرجع به القولان. هذا كله إذا كان المذكور مما يجوز السلم فيه، ووصف بالصفات المشروطة في المسلم فيه، فإن لم توصف، أو كان مما لا يجوز السلم فيه كالثياب المخيطة، والمحشوة، والمطبوخ والمشوي من الطعام، فالمسمى فاسد، والرجوع إلى مهر المثل بلا خلاف. الباب الثالث : في بيان الألفاظ الملزمة ومقتضاها فيه أطراف.
الأول: في الالفاظ الملزمة وفيه مسائل. إحداها: صيغة المعاوضة ملزمة، فإذا قال: طلقتك، أو أنت طالق على ألف، فقبلت، صح الخلع ولزم الالف. ولو قال: أنت طالق وعليك ألف، أو لي عليك ألف، نظر، إن لم يسبقه استيجاب بل ابتدأ الزوج به، وقع الطلاق رجعيا قبلت أم لا، ولا مال، بخلاف قولها: طلقني ولك علي ألف فأجابها فإنه يقع بائنا بالالف، لان المتعلق بها من عقد الخلع الالتزام، فيحمل لفظها عليه، والزوج ينفرد بالطلاق. فإذا لم يأت بصيغة المعاوضة، حمل على ما ينفرد به وصيغته خبر. فلو قال: أردت بقولي: وعليك ألف الالزام وقصدت ما يقصده القائل بقوله: طلقتك على ألف، لم يصدق. فإن وافقته، فوجهان. أحدهما: لا يؤثر توافقهما، لان اللفظ لا يصح للالزام. وأصحهما: يؤثر فتبين بالالف.

(5/704)


فعلى الاول لا يحلف على نفي العلم إذا أنكرت، لانها لو صدقته لم تؤثر. وعلى الثاني، يحلف. ومقتضى الثاني انعقاد البيع بقوله: بعتك ولي عليك (كذا)، تفريعا على انعقاد البيع بالكناية، أما إذا سبق استيجاب، فإن لم تذكر عوضا بأن قالت: طلقني، فحكمه كما لو لم تطلب. وإن ذكرته مبهما بأن قالت: طلقني ببدل، فإن عين الزوج البدل في الجواب فقال: طلقتك وعليك ألف، فهو كما لو ابتدأ فقال: طلقتك على ألف. فإن قبلت، بانت بالالف، وإلا فلا طلاق. وإن أبهم الجواب فقال: طلقتك بالبدل، أو طلقتك، بانت بمهر المثل. وإن عينت البدل، فقالت: طلقني، فقال: طلقتك وعليك ألف، بانت بالالف وذكر المتولي أنه لو لم يسبق منها طلب، وشاع في العرف استعمال هذا اللفظ في طلب العوض وإلزامه، كان كقوله: طلقتك على ألف. ولو اختلفا، فقال الزوج: طلبت مني الطلاق ببدل، فقلت في جوابك: أنت طالق وعليك ألف، فقالت: بل ابتدأت فلا شئ لك، صدقت بيمينها في نفي العوض ولا رجعة له لقوله. المسألة الثانية: قال: أنت طالق أو طلقتك على أن لي عليك ألفا، فهو كقوله: أنت طالق على ألف. فإذا قبلت، بانت ولزمها المال، هذا هو الصواب المعتمد، وهو نصه في الام وفي عيون المسائل، وقطع به صاحب المهذب وسائر العراقيين. ومقتضاه انعقاد البيع بقوله: بعتك هذا على أن يكون لي عليك ألف، وأدنى درجاته أن يجعل كناية في البيع. وقال الغزالي: يقع الطلاق رجعيا ولا مال. قال: فإن فسر بالالزام، ففي قبوله وجهان. قال صاحب التقريب: لا، وغيره: نعم. الثالثة: قال: أنت طالق إن ضمنت لي ألفا، أو إن ضمنت لي ألفا فأنت طالق، فقالت في مجلس التواجب: ضمنت، طلقت ولزمها ألف. ولو قالت: متى ضمنت لي ألفا فأنت طالق، لم يعتبر المجلس بل متى ضمنت طلقت، وليس للزوج الرجوع قبل الضمان. ولو أعطته المال ولم تقل: ضمنت أو قال: شئت بدل ضمنت، لم تطلق. ولو ضمنت ألفين، طلقت لوجود

(5/705)


الصفة المعلق عليها مع زيادة، بخلاف قوله: طلقتك على ألف، فقالت: قبلت بألفين، لان تلك صيغة معاوضة فيشترط فيها توافق الايجاب والقبول. فرع قال الزوج لها: أمرك بيدك، أو جعلت أمر الطلاق إليك، فطلقي نفسك إن ضمنت لي ألفا، فقالت: ضمنت وطلقت نفسي، أو قالت: طلقت وضمنت، بانت بالالف، ويكون الضمان والطلاق مقترنين، سواء قدمت لفظ الطلاق، أو الضمان، كما لو قال: طلقتك إن ضمنت لي ألفا، فقالت: ضمنت، يقع الطلاق ويثبت المال مقترنين، وإن تعاقب اللفظان، فلو ضمنت ولم تطلق، أو طلقت ولم تضمن، لم يقع الطلاق. وإذا جمعتهما، اشترط كون الضمان في المجلس قطعا، ويشترط كون التطليق في المجلس أيضا على المذهب، ولا يشترط إعطاء المال في المجلس قطعا. وهل المراد بالمجلس مجلس التواجب، أم مجلس القعود ؟ وجهان. أصحهما: الاول، وقد سبقا في أول الكتاب. ولا يخفى أن المراد بالضمان في هذه المسائل القبول والالتزام دون الضمان المفتقر إلى أصيل. الرابعة: سبق أنه إذا علق الطلاق بالاعطاء، لا يقع إلا بالاعطاء في المجلس على الصحيح، إلا إذا كان بصيغة متى وما في معناها، فلا تختص بالمجلس، وكل ذلك جار في قوله: إن أقبضتيني كذا، أو أديت إلي كذا. ولو قال: أنت طالق إن شئت، أو أنت طالق على ألف إن شئت، اشترط وجود مشيئتها في مجلس التواجب، بخلاف التعليق كسائر الصفات، لانه استدعاء لجوابها واستبانة رغبتها. وحكى الحناطي قولا أنه لا يشترط المجلس ويقع الطلاق متى شاءت، كسائر التعليق والمجلس مجلس التواجب على الصحيح كما سبق. وإذا قالت في المجلس: شئت وقبلت، فقد تم العقد فتطلق ويلزم المال، ولا يشترط تسليم المال في

(5/706)


المجلس. وإن اقتصرت على قولها: شئت، أو قبلت، فثلاثة أوجه. أصحها عند الغزالي: يكفي، لان كلا منهما يشعر بالرضى والالتزام، وهذا مقتضى كلام الشيخ أبي حامد. والثاني: لا بد من الجمع بينهما، لانه لو اقتصر على قوله: أنت طالق (كان جوابها قبلت، ولو اقتصر على قوله: أنت طالق) إن شئت، كان جوابها شئت، فإذا جمعهما، اشترط جمعهما في الجواب. والثالث: يكفي قولها: شئت، ولا يكفي قولها: قبلت، لان القبول ليس مشيئة، ولهذا لو قال: أنت طالق إن شئت، فقالت: قبلت، لم تطلق، وبهذا قطع المتولي، واختاره الامام فيما حكى عنه المعلق. قلت: هذا الثالث، هو الاصح بل الصحيح. والله أعلم. فعلى الثالث: لا رجوع للزوج على قاعدة التعليقات، وعلى الثاني: في جواز رجوعه وجهان، لتردده بين التعليق والمعاوضة. ولو علق طلاقها بالمشيئة بصيغة متى طلقت متى شاءت، ولا يختص بالمجلس كسائر الصفات. ولو قالت: طلقني بألف درهم، فقال: أنت طالق على ألف إن شئت، فليس بجواب لها لما فيه من التعليق، فيتوقف على مشيئة مستأنفة. ولو نكر فقال: على ألف ونوى ما ذكرت، فكذلك الحكم. وإن نوى غير الدراهم، فقد نقل الحناطي أنه يقع طلاق رجعي ولا بدل، وخرج من عنده أنه لا طلاق حتى يتصل به القبول والمشيئة، كما لو ابتدأ به، وهذا هو القياس الحق. ولو لم ينو شيئا، فقد حكى وجهين في وقوعه رجعيا أو بائنا، ووجهين إن وقع بائنا في أن الواجب مهر المثل أم المسمى ؟ ومقتضى جعله مبتدءا أن لا يقع الطلاق إلا أن يتصل به قبول ومشيئة. الخامسة: في حقيقة الاعطاء المعلق عليه. فإن سلمت المال إليه فقبضه،

(5/707)


فذاك، وإن وضعته بين يديه، كفى ووقع الطلاق وإن امتنع من قبضه على الصحيح، لانها أعطته وهو يفوت حقه. وقيل: لا يكفي الوضع، فلا يقع به الطلاق، وهو ضعيف غريب. فإذا أعطته، دخل في ملكه على الصحيح. وقيل: لا بل يرده، ويرجع بمهر المثل، ويجري هذا الوجه في قوله: إن ضمنت لي ألفا فأنت طالق، فقالت: ضمنت، لان لزوم المال بمجرد قولها بعيد، كدخوله في ملكه بمجرد الاعطاء. وإذا قال: متى أعطيتني ألفا، فأنت طالق، فبعثته على يد وكيلها، فقبضه الزوج، لم تطلق، لانها لم تعط هي، وكذا لو أعطته عن الالف عوضا، أو كان لها عليه ألف درهم فتقاصا، لم تطلق. ولو حضرت وقالت لوكيلها الحافظ لمالها: سلم إليه، فسلمه، طلقت وكان تمكينها الزوج من المال المقصود إعطاء، قاله المتولي. ولو علق الطلاق بالاقباض فقال: إن أقبضتني كذا فأنت طالق، فوجهان. أصحهما وبه قطع المتولي: أنه تعليق محض، لان الاقباض لا يقتضي التمليك، بخلاف الاعطاء. فعلى هذا، لا يملك المقبوض وليس له مهر المثل، بل يقع الطلاق رجعيا. ولا يختص الاقباض بالمجلس كسائر التعليقات. والثاني: أن الاقباض كالاعطاء على ما ذكرنا فيه. ولو قالت: إن قبضت منك كذا، فهو كقوله: إن أقبضتني، ويعتبر في القبض الاخذ باليد، ولا يكفي الوضع بين يديه، لانه لا يسمى قبضا، ولو بعثته مع وكيلها، لم يكف. ولو قبض منها مكرهة، طلقت لوجود الصفة. وفي التعليق بالاعطاء، لو أخذ منها كرها، لم تطلق لانها لم تعطه. وذكر المتولي، أن ما ذكرناه في التعليق بالاقباض مفروض فيما إذا لم يسبق منه كلام يدل على الاعتياض بأن يقول: إن أقبضتني كذا وجعلته لي أو لاصرفه في حاجتي وما أشبه ذلك. قلت: هذا الذي ذكره المتولي، متعين. والله أعلم.

(5/708)


والاداء والدفع والتسليم، كالاقباض. فرع قال: إن أعطيتني ألفا، فأنت طالق، فأعطت ألفين، طلقت، لان وقوع الطلاق هنا بحكم التعليق، وإعطاء الالفين يشتمل على إعطاء الالف، وكذا لو قال: إن ضمنت لي ألفا فضمنت ألفين، ويلغو ضمان الزيادة على ألف. وإذا قبض زيادة على القدر المعلق به، كانت أمانة عنده، ويخالف هذا قوله: خالعتك بألف فقالت: قبلت بألفين، فإنها لا تطلق لعدم موافقة الايجاب. السادسة: في بيان ما ينزل عليه الدرهم. إذا علق الطلاق باعطائه، وما يقبل تفسيره، وقد سبق في الزكاة والاقرار قدر الدرهم الاسلامي، واسم الدرهم هنا يقع على ذلك القدر من الفضة الخالصة المضروبة، سواء كان نوعه جيدا، أو رديئا، لسواد أو خشونة أو غيرهما. فإذا قال: إن أعطيتني ألف درهم، فأنت طالق، طلقت بأي نوع أعطته. لكن إذا كان في البلد نقد غالب، فأتت بغيره، طولبت به، لان المعاملات تنزل على النقد الغالب، والخلع فيما يتعلق بالمال كسائر المعاملات. وفي قول: يرجع بمهر المثل، والمشهور الاول. فإن قلنا بالرجوع إلى مهر المثل، فالمعطى غير مملوك، وإن قلنا بالرجوع إلى الغالب، فالمعطى مملوك للزوج، وله رده والمطالبة بالغالب. وذكر في الوسيط: أنه لا يملكه ويجب الابدال، والصحيح الاول. ثم العادة الغالبة، إنما تؤثر في المعاملات، لكثرة وقوعها ورغبة الناس فيما يروج هناك، ولا تؤثر في الاقرار والتعليق، بل يبقى اللفظ على عمومه فيهما. أما في التعليق، فلقلة وقوعه، وأما في الاقرار، فلانه إخبار عن وجوب سابق، وربما تقدم الوجوب على الضرب الغالب، أو وجوب في بقعة أخرى. ولو قال: طلقتك على ألف، فهذا ليس بتعليق، فينزل على الغالب على قاعدة المعاملات. فرع لو كان الغالب في البلد دراهم عددية ناقصة الوزن أو زائدته، لم ينزل الاقرار والتعليق عليها، لان الغلبة لا تؤثر فيهما، واللفظ صريح في الوازنة، وفي تنزيل البيع والمعاملات عليها وجهان. أحدهما: المنع، لان اللفظ صريح في القدر المذكور، والعرف لا يغير المسمى وإن كان يخص بعض الانواع. وأصحهما: التنزيل عليهما، لانها التي تقصد في مثل هذه البلدة. وفي قبول تفسير

(5/709)


المقر بالناقص خلاف وتفصيل سبق في الاقرار. ولو فسر المعلق بالدراهم المعتادة، فإن كانت زائدة، قبل على المذهب، وإن كانت ناقصة، قبل قطعا، لانه توسيع لباب الطلاق. فرع لو أتت بدراهم مغشوشة، فإن كان الغالب في البلد المغشوشة، فقد أطلق الغزالي أنه لا ينزل اللفظ عليها، فلا يقع الطلاق إلا إذا أعطته الخالصة، لكن تسترد ما أعطته وتعطيه مغشوشة. ومن قال بهذا قال: التفسير بالمغشوشة كالتفسير بالناقصة. فإن قلنا: التفسير بهما، فهل تراجعه ليعبر عن مقصوده، أم تأخذ بالظاهر إلا أن يفسر ؟ فيه احتمالان في البسيط. قلت: أفقههما: الثاني. والله أعلم. وقطع المتولي والبغوي، بأن اللفظ ينزل على المغشوشة، ويقع الطلاق إذا أعطت مغشوشة، وهل تسلم له الدراهم بذلك ؟ قال المتولي: يبنى على جواز المعاملة بالمغشوشة. إن لم نجوزها، رد الدراهم ولزمها مهر المثل، وإلا سلمت له الدراهم، ويشبه أن يكون ما ذكره الغزالي أصح. أما إذا كان الغالب في البلد الدراهم الخالصة، فلا تطلق إلا إذا أعطت ما تبلغ نقرته ألفا. وفي وجه لا يقع الطلاق وإن بلغته، كما لو أعطته سبيكة. فإن قلنا بالصحيح وهو الوقوع، فهل يملك الزوج المدفوع إليه ؟ وجهان. أحدهما: لا، لان المعاملة تنزل على الغالب. والثاني: (نعم)، لان قبضها اعتبر في وقوع الطلاق، وكذا في إفادة الملك، لكن له الرد بسبب العيب. فإذا رد، رجع إلى مهر المثل على الاظهر، وإلى ألف خالصة في قول. ولك أن تقول: ينبغي أن لا يملك الغش نفسه في هذه الصورة، لانه إذا بلغت الفضة الخالصة ألفا، بقي الغش شيئا آخر مضموما، فلا يملكه كما لو ضمت إلى الالف ثوبا. قلت: ظاهر كلام القائل بالملك، أنه لا ينظر إلى الغش لحقارته في جنب الفضة، ويكون تابعا كما سبق في مسألة نعل الدابة. والله أعلم.

(5/710)


وأما المعاملة بالدراهم المغشوشة، فذكرناها في كتابي الزكاة والبيع، والاصح الجواز. السابعة: قال: إن أعطيتني عبدا أو ثوبا فأنت طالق، ووصفه بما يعتبر في السلم، فأتت به بالصفة، طلقت، وملكه الزوج كما قلنا في الدراهم، وإن أعطته على غير تلك الصفة، لم تطلق ولا يملكه. فلو كان بالصفة لكنه معيب، فله الخيار. فإن رده، رجع بمهر المثل على الاظهر، وبقيمته سليما في قول، وليس له المطالبة بسليم بالصفة، وفي كتاب الحناطي وجه أنه لا يرد العبد، بل يأخذ أرش العيب وهو ضعيف. أما إذا قال: إن أعطيتني عبدا ولم يصف، فأعطته عبدا لها، طلقت لوجود الصفة ولا يملكه، لان الملك فيه يكون معاوضة، والمجهول لا يكون عوضا، فيجب مهر المثل قطعا. وحكى ابن كج والحناطي وجها، أنه يقع الطلاق رجعيا، ولا شئ عليها، وإنما يلزمها العوض إذا ابتدأت فسألت طلاقا بعوض، فقال في جوابها: إن أعطيتني عبدا فأنت طالق فأعطت، والصحيح الاول، وسواء إن أعطت سليما أو معيبا، أو قنا أو مدبرا أو معلقا عتقه على صفة، لوقوع اسم العبد عليه، وإمكان نقله وتمليكه. فإن أعطته مكاتبا، لم تطلق. وكذا لو قال لاجنبي: إن أعطيتني أمة، فامرأتي طالق، فأعطاه أم ولده. وأشير في المكاتب إلى وجه. ولو وصف العبد ولم يستوعب صفاته، فهو كعدم الوصف في أن الرجوع إلى مهر المثل، لكن لو أعطته عبدا بغير الصفة، لم تطلق مثل أن يقول: إن أعطيتني عبدا تركيا، فأعطته هنديا. ولو أتت بعبد مغصوب، أو مشترك لها ولغيرها، أو قال: إن أعطيتني ألف درهم، فأتت بدراهم مغصوبة، فوجهان. أحدهما: يقع الطلاق ويرجع بمهر المثل. وأصحهما: لا يقع لانه لا يسمى إعطاء، وطرد الخلاف في العبد المرهون والمستأجر. قلت: يجري الخلاف في المستأجر إذا لم يجوز بيعه، وإلا فهو كغيره. والله أعلم. ولو قال: إن أعطيتن هذا العبد المغصوب فأعطته، وقع الطلاق بائنا على المذهب، ويرجع بمهر المثل. وقيل: لا يقع، وقيل: يقع رجعيا. ولو قال: إن أعطيتني زق خمر أو خنزيرا، فأنت طالق، فقد سبق أنها إذا أتت به، بانت ووجب

(5/711)


مهر المثل. فإن أتت بخمر مغصوبة، بأن كانت محترمة أو لذمي، فإن قلنا في العبد المغصوب: يقع الطلاق، فهنا أولى، وإلا فوجهان. أصحهما: الوقوع، لان الاعطاء هنا مضاف إلى ما يتأتى تملكه. والثاني، المنع ويحمل على ما يختص به يدا، كما حمل لفظ العبد على ما اختصت به ملكا. ولو قال: إن أعطيتني هذا الحر، فثلاثة أوجه. أصحها: يقع الطلاق بائنا بمهر المثل. والثاني: لا يقع. والثالث: يقع رجعيا، لانه لا يملك بحال، فالزوج لم يطمع بشئ. ولو قال: إن أعطيتني هذا العبد أو الثوب فأنت طالق، فأعطته، طلقت وملكه، فإن خرج مستحقا أو مكاتبا، فوجهان. أحدهما: لا يقع الطلاق. وأصحهما: وقوعه للاشارة، ويرجع بمهر المثل على الاظهر، وبقيمته في قول. وإن وجده معيبا، فله رده، وفيما يرجع به القولان. أظهرهما: مهر المثل. والثاني: قيمته سليما. وقيل: ليس له الرد بل يرجع بالارش، والصحيح الاول. قال البغوي: ولو قال لزوجته الامة: إن أعطيتني ثوبا فأنت طالق، فأعطته، لم تطلق لانها لم تملكه فإن قال: هذا الثوب فأعطته طلقت، وفيما يرجع به اقولان. وهذا تفريع منه على المذهب في الثوب المطلق والمعين، ولا يخفى مما تقدم أن الاعطاء في جميع صور المسألة ينبغي أن يقع في المجلس. الثامنة: قال: إن أعطيتني هذا الثوب وهو هروي، فأنت طالق، فأعطته وبان مرويا، لم تطلق. وإن قال: إن أعطيتني هذا الثوب الهروي فبان مرويا أو بالعكس، طلقت على الاصح، لانها ليست صيغة شرط بل أخشج في الوصف. ولو خالعها على ثوب هروي ووصفه كما ينبغي، فأعطته ثوبا بالصفة، فبان مرويا، رده وطالبها بهروي بالصفة. ولو خالعها على ثوب بعينه على أنه هروي فبان مرويا، وقعت البينونة وملكه الزوج، وإخلاف الصفة كعيب، لله خيار الخلف. وقيل: إن لم تنقص قيمته عن الهروي، فلا خيار لان الجنس واحد ولا نقص، والصحيح الاول. فان رد، رجع بمهر المثل على الاظهر، وبقيمة هروي في الثاني. فإن وجد به عيبا بعد تلفه أو تعيبه في يده وتعذر الرد، رجع بقدر النقص من مهر المثل

(5/712)


على الاظهر، وبقدر ما نقص من القيمة في الثاني، وليس له هنا طلب هروي لانه معين هنا بالعقد. قال أبو الفرج السرخسي: وهذا على قولنا: إن اختلاف الصفة ليس كاختلاف العين وهو الاظهر، كما سبق في النكاح. فإن قلنا: هو كاختلاف العين، فالعوض فاسد فليس له إمساكه، ويرجع بمهر المثل على الاظهر، أو قيمة الثوب مرويا على قول. ولو خالعها على ثوب معين، على أنه كتان فخرج قطنا أو بالعكس، فوجهان. أحدهما وبه قطع البغوي: أنه كاختلاف الصفة، فيكون حكمه ما سبق في خروجه مرويا. وأصحهما وبه قطع الشيخ أبو حامد وسائر العراقيين: أن العوض فاسد وتقع البينونة بمهر المثل على الاظهر، وبقيمة ثوب كتان في قول، وليس له إمساكه، وهؤلاء قالوا: لو باعه على أنه كتان فبان قطنا، بطل البيع. ولو قالت: خالعني على هذا الثوب فانه هروي، فخالعها عليه فبان مرويا، فهو كما لو قال: خالعتك عليه على أنه هروي، لانها غرته. قال المتولي: لو قالت: هذا الثوب هروي فقال: إن أعطيتني هذا الثوب فأنت طالق، فأعطته فبان مرويا، بني على المتواطئ عليه قبل العقد، كالمشروط فيه أم لا ؟ إن قلنا، نعم، لم يقع الطلاق، وإلا وقع، وليس له إلا ذلك الثوب. ولو قال: خالعتك على هذا الثوب وهو هروي فبان خلافه، فلا رد لانه لا تغرير من جهتهما، ولا اشتراط منه، وكذا لو قال: خالعتك على هذا الثوب الهروي، كذا ذكره البغوي. فإن قيل: قوله: وهو هروي أفاد الاشتراط في قوله: إن أعطيتني هذا الثوب وهو هروي، حتى لم يقع الطلاق إذا لم يكن هرويا، فلم لم يفد الاشتراط في قوله: خالعتك على هذا الثوب وهو هروي، حتى يتمكن من الرد إذا لم يكن هرويا كما لو قال: خالعتك عليه على أنه هروي ؟ فالجواب أن قوله: وهو هروي دخل هناك على كلام غير مستقل، لان قوله: إن أعطيتني هذا الثوب غير مستقل، فيتقيبما دخل عليه وتمامه بالفراغ من قوله: فأنت طالق. وأما قوله: خالعتك على هذا الثوب، فكلام مستقل، فجعل قوله بعده: وهو

(5/713)


هروي جملة مستقلة، ولم يتقيد بها الاول، وبالله التوفيق.
الباب الرابع : في سؤال المرأة الطلاق بمال، باختلاع الاجنبي فيه أطراف.
الأول : في ألفاظها وفيه مسائل. الاولى: إذا قالت: طلقني بكذا، أو على كذا، , جو على أن علي كذا، أو على أن أعطيك كذا، أو أن أضمن لك، أو إن طلقتني، أو إذا طلقتني، أو متى طلقتني، فلك علي كذا، فهذه كلها صيغ صحيحة في الالتزام، ويختص الجواب في المجلس بلا خلاف، في متى وغيرها، بخلاف قول الرجل: متى أعطيتني، وقد سبق الفرق. الثانية: قالت: إن طلقتني فابرأ من صداقي، أو فقد أبرأتك، فقال: طلقتك، وقع الطلاق رجعيا ولم يبرأ من الصداق، لان الابراء لا يصح تعليقه، وطلاق الزوج طمعا في البراءة من غير لفظ، صحيح في الالتزام لا يوجب عوضا، وهذا تفريع على الجديد الاظهر أن تعليق الابراء لا يصح، وكان لا يبعد أن يقال: طلق طمعا في عوض، ورغبت هي في الطلاق بالبراءة فيكون فاسدا كالخمر.

(5/714)


الثالثة: قالت: طلقني ولك علي ألف، فقال طلقتك، بانت ولزمها الالف، لانها صيغة التزام. وقيل: لا يثبت العوض، بل إن اقتصر على قوله: طلقتك، وقع رجعيا، وإن قال: طلقتك على ألف، احتاج إلى قبولها، والصحيح الاول. قال المتولي: ويقرب من هذا قولها: طلقني وأضمن لك ألفا. ولو قالت: وأعطيك ألفا، فالاصح أنه إذا طلقها مطلقا، وقع رجعيا، لان لفظ الضمان يشعر بالالتزام، بخلاف الاعطاء ولم يطردوا الوجه المذكور هنا في الجعالة، بل لو قال: رد عبدي ولك علي كذا، فرده، لزم المال بلا خلاف، ولو قال المشتري: بعني هذا ولك علي كذا، فقال: بعت، فوجهان: أحدهما: ينعقد كالاختلاع والجعالة، وهذا هو المذكور في فتاوي القفال، والثاني: لا، لانه يحتمل فيها ما لا يحتمل في البيع، كالتعليق، وفيما علق عن الامام، أن هذا أصح. ويشبه أن يكون الوجهان في أنه هل هو صريح ؟ فأما كونه كناية، فينبغي أن يكون متفقا عليه. الرابعة: قالت: طلقني على ألف، أو أتت بصيغة أخرى صريحة في الالتزام، فإن أجابها وأعاد ذكر المال، فذاك، وإن اقتصر على قوله: طلقتك، كفى وانصرف إلى السؤال على الصحيح، وقيل: يقع الطلاق رجعيا ولا مال. ولو قال: قصدت الابتداء دون الجواب، قبل وكان رجعيا، فإن اتهمته، حلفته. الخامسة: اللفظ الدائر بين الزوجين، إن كان صريحا منهما، فذاك، وإن كان لفظهما كناية، بأن قالت: أبني، قال: أبنتك، فإن نويا الطلاق، نفذ ولزم المال إن ذكرا مالا. وإن لم ينو الزوج، فلا فرقة، وإن نوى دونها، نظر، إن جرى ذكر المال في السؤال والجواب، لم يقع الطلاق، لانه ربط الطلاق بالمال وهي لم

(5/715)


تسأل الفراق، ولم تلتزم المال في مقابلته، وإن لم يجر ذكر المال في الطرفين وقع طلاق رجعي، وإن ذكر هو المال دونها، فلا طلاق، لانها لم تسأل فرقة، وهو إنشاء فرقة على مال، ولم يتصل به قبول. وإن ذكرت هي المال، فقالت: أبني على ألف، فقال: ابنتك، فلا طلاق على الاصح، كما لو ذكر المال. وقيل: يقع رجعيا كما لو قال: قصدت الابتداء دون الجواب، فإنه يقع رجعيا قطعا. أما إذا كان لفظ أحدهما صريحا والآخر كناية، فالكناية مع النية كالصريح، ودون النية لغو. وعن ابن خيران، أنها لو قالت: طلقني فقال: أبنتك ونوى، لم يقع، لان الصريح أقوى، فالمأتي به غير المسؤول، والصحيح الاول.
الطرف الثاني : في سؤالها عددا، فيه مسائل. إحداها: قالت: طلقني ثلاثا بألف، أو على ألف، أو ولك علي ألف، أو إن طلقتني ثلاثا، فلك علي ألف، فطلقها واحدة، ففيه أربعة أوجه. الصحيح أنه يقع طلقة بثلث الالف، والثاني: لا يقع طلاق. والثالث: يقع طلقة بمهر المثل، والرابع: طلقة بثلث مهر المثل. حكى الحناطي الاخيرين. فعلى الصحيح لو طلقها طلقتين، استحثلثي الالف. وإن طلق طلقة ونصفا، فهل يستحق ثلثي الالف، أم نصفه ؟ وجهان. قلت: الثاني أرجح. والله أعلم. ولو قالت: طلقني ثلاثا بألف وهو لا يملك إلاطلقة، فطلقها تلك الطلقة، فقد نص الشافعي رحمه الله أنه يستحق جميع الالف، لانه حصل بتلك الطلقة مقصود الثلاث وهو البينونة الكبرى. وللاصحاب أوجه. أصحها عند القفال والشيخ أبي علي وكبار الاصحاب وأكثرهم: وجوب جميع الالف، كما نص عليه، سواء علمت أنه لم يبق إلا طلقة أم ظنت بقاء الثلاث، والثاني: لا يستحق إلا ثلث الالف في الحالين وهو قول المزني وابن خيران، والثالث: إن علمت استحق الالف، وإلا فثلثه، قاله ابن سريج وأبو إسحق. والرابع: يستحق مهر المثل، قاله صاحب التلخيص. والخامس: لا يستحق شيئا، لانه لم يطلق كما سألت، حكاهما الحناطي.

(5/716)


ولو سألت الثلاث بألف ولا يملك إلا طلقتين، فطلقها واحدة، فله ثلث الالف على الاصح المنصوص، وكذا على الثاني، وله النصف على الثالث إن علمت، وإلا فالثلث. وإن طلقها الطلقتين، فعلى النص له الالف، وعلى الثاني ثلثاه، وعلى الثالث إن علمت، فالالف، وإلا فثلثاه، وزاد الحناطي وجها رابعا، وهو الرجوع بمهر المثل، وخامسا: وهو ثلثا مهر المثل، وسادسا: وهو أنه لا شئ له. ولو قالت: طلقني عشرا بألف، فإن كان يملك الثلاث، فالاصح الاشهر الجاري على قياس النص، أنه يستحق بالواحدة عشر الالف، وبالثنتين عشريه، وبالثلاث جميع الالف. وقيل: إن كان التوزيع على الثلاث والزيادة لغو، فيستحق بالواحدة الثلث، وبالطلقتين الثلثين، وطرد الوجهان على قياس قول المزني. فعلى الاشهر تستحق بالثلاث ثلاثة أعشار الالف. وعلى الثاني تستحق الجميع توزيعا على العدد الشرعي. وعلى قول من فرق بين العلم والجهل، تستحق بالثلاث الجميع، وبالواحدة الثلث، وبالثنتين الثلثين، لحصول العلم بأن الطلاق لا يزيد على ثلاث وأن الزيادة لغو. فإن ظنت أنه يملك عشرا، بأن كانت قريبة عهد بالاسلام، فالقياس عود الوجهين في أنه يجب ثلاثة أعشار الالف أم الجميع ؟ ولو لم يملك إلا طلقتين فسألته عشرا، فعلى قياس النص، إن طلقها واحدة، استحق عشرالالف أو الثلث. وإن طلق ثنتين، فتمام الالف. وعلى قياس المزني، المستحق العشر أو العشران على الاشهر، والثلث أو الثلثان على الوجه الآخر. وعلى قول الفارق إن علمت، فله بالواحدة النصف، وبالثنتين الجميع. وإن ظنت أنه يملك الثلاث، فبالواحدة الثلث، وبالثنتين الثلثان. قال الاصحاب: والضابط على النص، أن الزوج إن ملك العدد المسؤول كله فأجابها، فله المسمى، وإن أجابها ببعضه، فله قسطه بالتوزيع. وإن ملك بعض المسؤول، فإن تلفظ بالمسؤول أو حصل مقصودها بما أوقع، فله المسمى، وإلا فيوزع المسمى على العدد المسؤول على الاشهر. وعلى قول المزني، التوزيع على المسؤول أبدا، وكذا الحكم على الوجه الفارق إن جهلت. فإن علمت، فالتوزيع على المملوك دون المسؤول، فلو ملك الثلاث فسألته ستا بألف، فعلى النص وقول المزني: له بالواحدة السدس، بالثنتين الثلث. فإن طلق ثلاثا، فعلى النص: له الجميع، وعند المزني: له النصف وعلى

(5/717)


الوجه: له بالواحدة الثلث، وبالثنتين الثلثان، وبالثلاث الجميع. المسألة الثانية: قالت: طلقني ثلاثا بألف وهو يملك الثلاث فقال: أنت طالق واحدة بألف وثنتين مجانا، فنقل الفوراني والصيدلاني والقاضي حسين وغيرهم، أن الاولى تقع بثلث الالف، لانها لم ترض بواحدة إلا بثلث الالف كالجعالة، ولا يقع الاخريان لانها بانت بالاولى. وقال الامام: القياس الحق، أن لا تجعل كلامه جوابا لها، لانها سألت كل واحدة بثلث الالف وهو لم يرض إلا بالالف، وإذا لم يوافق كلامه سؤالها، كان مبتدئا، فإذا لم تقبل، لا تقع الطلقة، كما لو قالت: طلقني واحدة بثلث ألف، فقال: طلقتك واحدة بألف، لا يقع. وإذا لم تقع الواحدة، وقع الاخريان رجعيتين، وتابعه الغزالي وغيره على ما قال، وهو حسن متجه، والاول بعيد، وأبعد منه ما في التهذيب، أنه تقع الواحدة بالالف، ولا تقع الاخريان، ولعله غلط من الناسخ. ولو سألته الثلاث بألف، فقال: طلقتك واحدة بثلث الالف، وثنتين مجانا، فقد وافق كلامه ما اقتضاه السؤال من التوزيع، وزال الاشكال، فتبين بالاولى، ولا تقع الاخريان، ونقل الائمة: إن أمكن تأويله على هذه الصورة فليفعل. ولو قال: طلقتك ثنتين بألف وواحدة مجانا، فعلى الاول: تقع الثنتان بثلثي الالف، وعلى الثاني: لا يقعان. ولو قال: طلقتك واحدة مجانا وثنتين بثلثي الالف، أو ثنتين مجانا وواحدة بثلث الالف، وقع ما أوقعه مجانا، ويبنى ما بعده على مخالفة الرجعية إن كانت مدخولا بها، والجديد صحته. فعلى هذا: تقع الثنتان بثلثي الالف، وعلى القديم: يقعان بلا عوض لما سبق أن خلع الرجعية على هذا كالسفيهة، وإن لم تكن مدخولا بها، بانت بما أوقعه مجانا، فلا يقع ما بعده. ولو قال: طلقتك واحدة مجانا وثنتين بالالف، ففي التهذيب أنه إن كان بعد الدخول، وقعت الاولى مجانا والثنتان بثلثي الالف، ولا يستحق تمام الالف وإن حصل غرضها، لان ذلك إنما يكون إذا وقع المملوك من الطلاق في مقابل المال، وهنا أوقع بعض المملوك مجانا. وأعلم أن الاشكال الذي ذكره الامام يعود هنا، لانها لم ترض بالطلقتين إلا بثلثي الالف وقد أوقعهما بألف، فوجب أن يجعل كلاما مبتدءا. فأما إذا لم يتصل به

(5/718)


قبول، لغا. وفي التهذيب أيضا أنه لو قال: طلقتك ثلاثا، واحدة بألف، وقع الثلاث واستحق ثلث الالف، ويعود فيه الاشكال. المسألة الثالثة: قالت: طلقني واحدة بألف، فقال: أنت طالق ثلاثا، وقع الثلاث واستحق الالف. وهل الالف في مقابلة الثلاث أم الواحدة ؟ وجهان. ظاهر النص: ثانيهما، ولا يتعلق بالخلاف فائدة حكمية. ولو قال: بعني هذا العبد بألف، فقال: بعتكه مع هذين العبدين بألف، فالبيع باطل على الصحيح، لانه معاوضة محضة بخلاف الخلع فإنه كالجعالة. وقيل: يصح البيع في الجميع، وقيل: يصح في العبد المسؤول خاصة. ولو أعاد في الجواب ذكر الالف. فقا: طلقتك ثلاثا بألف، فهل يقع الثلاث بألف، أم الثلاث بثلث الالف، أم واحدة بثلث الالف ولا يقع الاخريان أم لا يقع شئ أصلا ؟ فيه أربعة أوجه. أصحها: الاول. وينبغي أن تطرد هذه الاوجه فيما إذا لم يعد ذكر الالف. ولو قالت: طلقني

(5/719)


واحدة بألف، فقال: أنت طالق طلقتين، فقياس ما تقدم أنه تقع الطلقتان ويستحق الالف، وفيه احتمال للامام، إذ لم تحصل البينونة الكبرى، فلا يستحق شيئا لانه خالف ولم تحصل البينونة الكبرى. الرابعة: قالت: طلقني بألف، فقال: طلقتك، أو أنت طالق بخمسمائة، فهل يقع الطلاق بخمسمائة أم بألف ويلغى قوله: بخمسمائة لانها بانت بقوله: طلقتك واستحق الالف، أم لا يقع طلاق للمخالفة كما لو خالفت في قبولها ؟ فيه ثلاثة أوجه. أصحها: الاول، وبه قال ابن الحداد. ولو قال: بعني عبدك بألف، فقال: بعتك بخمسمائة، لم ينعقد البيع على الاصح، لانه معاوضة محضة. وقيل: يصح بخمسمائة. الخامسة: قالت: طلقني على كذا درهما، فطلقها على دنانير، كان مبتدئا بكلامه، فينظر، أيتصل به قبول أم لا ؟ ولو قالت: طلقني واحدة بألف، فقال: أنت طالق وطالق وطالق، سئل، فإن قال: أردت مقابلة الاولى بالالف، وقعت الاولى بالالف ولم تقع الاخريان. وإن قال: أردت الثانية بالالف، وقعت الاولى رجعية، ويجئ في الثانية القولان في خلع الرجعية، فإن صححناه، لغت الثالثة، وإلا، فلا. وإن قال: أردت الثالثة، وقعت الاوليان بلا عوض، وفي الثالثة الخلاف. وإن قال: أردت مقابلة الجميع بالالف، وقعت الاولى بثلث الالف، ولغت الاخريان، وإن لم يكن له نية، قال البغوي: بانت الاولى بالالف، لانه جواب لقولها، ولغت الاخريان. وذكر صاحب المهذب مثل هذا التفصيل فيما إذا ابتدأ فقال: أنت طالق وطالق وطالق بألف، وليشترط فيه مطابقة القبول للايجاب. ولو قال في جوابها: أنت طالق طالق طالق واحدة بألف، انقطع احتمال مقابلة الجميع بالالف، والباقي كما ذكرناه. هذا إذا كانت مدخولا بها، فإذا لم تكن، وأراد مقابلة غير الاولى بالالف، بانت الاولى، ولغا ما بعدها. ولو قالت له وهو لا يملك إلا طلقة: طلقني طلقتين بألف، فقال: طلقتك طلقتين، الاولى منهما بألف، والثانية مجانا، استحق

(5/720)


الالف. وإن قال: الثانية منهما بألف، وقعت الاولى بلا عوض ولغت الثانية. وإن قال: إحداهما بألف، أو اقتصر على قوله: طلقتك طلقتين، سئل، فإن قال: أردت الاولى والثانية، فعلى ما ذكرنا، وإن قال: لم أنو شيئا، ففي استحقاقه المال وجهان، أصحهما: نعم لمطابقة الجواب السؤال. ولو أعاد ذكر المال، فقال: طلقتك طلقتين بألف، فهل يستحق خمسمائة عملا بالتوزيع، أم ألفا لحصول البينونة الكبرى ؟ وجهان. أصحهما: الثاني، وبه قال أبو زيد. فرع لو لم يملك إلا طلقة، فقالت: طلقني ثلاثا بألف طلقة، أحرم بها في الحال، وطلقتين يقعان علي إذا نكحتني بعد زوج، أو تكونان في ذمتك تنجزهما حينئذ، فطلقها ثلاثا، وقعت الواحدة، ولغا كلامهما في الآخرتين. ثم النص في المختصر: أن للزوج مهر المثل، وللاصحاب طريقان. أحدهما: هذا، وأصحهما على قولي تفريق الصفقة للجمع بين مملوك وغيره، فإن أبطلنا، فله مهر المثل، وإن صححنا، فلها الخيار في العوض لتبعيض مقصودها، فإن فسخت، فله مهر المثل، وإن أجازت، فهل يجيز بكل الالف، أم بثلثه عملا بالتقسيط ؟ قولان كالبيع، ومنهم مق قطع هنا بالتقسيط، لان المشتري بالفسخ يدفع العقد من كل وجه، والطلاق هنا لا مدفع له، فيبعد إلزامها بواحدة ما التزمته للثلاث. السادسة: قالت: طلقني نصف طلقة بألف، أو طلق نصفي، أو يدي، أو رجلي بألف، فأجابها بذلك، أو قال ابتداء: طلقتك نصف طلقة، أو طلقت نصفك بألف، فقبلت، فلا يخفى أن الطلاق يقع مكملا، وكذا لو كان ذلك بلفظ الخلع وجعلناه طلاقا. ثم الواجب في هذه الصور، مهر المثل على الصحيح لفساد صيغة المعاوضة. ولهذا لو قال: بعتك هذا نصف بيعة، أو بعته لنصفك أو ليدك، لم يصح البيع. وإذا فسدت الصيغة، تعين مهر المثل، وإنما يجئ الخلاف في الرجوع إلى مهر المثل وبدل المسمى إذا كان الفساد في المسمى. وحكى الامام وجها واختاره:

(5/721)


أنه يجب المسمى، لان الشرع كمل ذلك المبعض فصار كتكميلها.
الطرف الثالث : في تعليقها بزمان وفيه مسائل. الاولى: قالت: طلقني غدا ولك علي ألف، أو إن طلقتني غدا فلك علي ألف، أو قالت: خذ هذا الالف على أن تطلقني غدا فأخذه، لم يصح، ولم يلزم الطلاق، لانه سلم في الطلاق والطلاق لا يثبت في الذمة. ثم إن طلقها في الغد أو قبله، وقع الطلاق بائنا ولزمها المال، لانه إن طلق في الغد، فقد حصل مقصودها. وإن طلق قبله، فقد زادها كما لو سألت طلقة فطلق ثلاثا. فلو قال: أردت الابتداء، صدق بيمينه وله الرجعة، وفي المال الواجب طريقان. المذهب والمنصوص: مهر المثل. والثاني: قولان. ثانيهما: المسمى. وهل يفرق بين أن يطلقها عالما ببطلان ما جرى، وبين تطليقها جاهلا ببطلانه ؟ قال القاضي حسين والبغوي: يفرق ولا يلزمها شئ إذا طلقها عالما، بل يقع رجعيا، وضعفه الامام، واستشهد بالجلع على الخمر وسائر الاعواض الفاسدة، فإنه لا فرق في ثبوت المال بين العلم والجهل. وإن طلقها بعد مضي الغد، نفذ رجعيا، لانه خالف قولها، فكان مبتدئا، فإن ذكر مالا، اشترط في وقوعه القبول. الثانية: قالت: لك ألف إن طلقتني في هذا الشهر ولم تؤخر تطليقي عنه، أو قالت: خذ هذا الالف على أن تطلقني في هذا الشهر متى شئت، فهو باطل وأولى بالبطلان من مسألة الغد، فإن طلقها بعد الشهر كان مبتدئا، وإن طلقها في الشهر، وقع الطلاق بائنا. وفي المال الواجب الطريقان. ولا يشترط وقوع الطلاق في المجلس، وقد ذكرنا في الباب الاول، وفي الطرف الاول من هذا الباب، أنها إذا قالت: متى طلقتني فلك ألف يشترط التطليق في المجلس. وللاصحاب طريقان حكاهما الامام، أحدهما: طرد القولين فيهما، والمذهب: الفرق، لان كلمة متى ظاهر في جواز التأخر، لكن قرينة العوض خصتها بالمجلس عملا بقاعدة المعاوضات، وهنا صرحت بجواز التأخير، فضعفت القرينة عن مقاومة الصريح على طريقة التسوية: هي اشتراط المجلس وعدمه، والمسمى صحيح في تلك الصورة بلا خلاف.

(5/722)


الثالثة: قالت: طلقني بألف طلاقا يمتد تحريمه إلى شهر، ثم أكون في نكاحك حلالا لك، فطلقها كذلك، وقع الطلاق مؤبدا، وفي قدر المال الواجب الطريقان، وطريقة القطع هنا أظهر، لان الشرط هنا لا يمكن الوفاء به، وفساد الشرط يوجب الجهل بالعوض، فيتعين مهر المثل. الرابعة: علق طلاقها بصفة وذكر عوضا فقال: طلقتك إذا جاء غد، أو رأس الشهر أو دخلت الدار على ألف، فقبلت، أو سألته، فقالت: علق طلاقي برأس الشهر، أو بدخول الدار على ألف فعلق، فالصحيح وقوع الطلاق عند وجود المعلق عليه على مقتضى التعليق. وقيل: لا يقع لان المعاوضة لا تقبل التعليق، فيمتنع ثبوت المال. وإذا لم يثبت، لم تطلق لارتباطه، فإن قلنا بالصحيح، اشترط القبول على الاتصال، قال القفال: ويحتمل أنها تخير بين القبول في الحال، أو عند وجود الصفة، والمعروف الاول. ثم الواجب المسمى أم مهر المثل ؟ وجهان. وقيل: قولان، أصحهما عند الجمهور: الاول، ويجري الخلاف فيما إذا قالت: إذا جاء رأس الشهر وطلقتني، فلك ألف فطلقها عند رأس الشهر إجابة لها. وقيل: إن ابتدأ الزوج بالتعليق، وجب المسمى، وإن ابتدأت بالسؤال، فمهر المثل. وإذا أثبتنا المسمى، فمتى يجب ويلزم تسليمه ؟ فيه أوجه. أصحها: في الحال، واختاره ابن الصباغ، لان الاعواض المطلقة يلزم تسليمها في الحال، والمعوض تأخر بالتراضي. فإن تعذر تسليم المعوض، بأن فارقها قبل وجود المعلق عليه، لزم رد العوض كما لو تعذر تسليم المسلم فيه. والثاني: يجب في الحال، لكن لا يلزم تسليمه إلا عند وجود المعلق عليه لتأخر المعوض. والثالث: لا يجب إلا عند البينونة، ولا شك أنه لا رجوع لها قبل القبول. فأما إذا قالت: طلقني غدا ولك ألف، أو إن طلقتني غدا، فلك ألف، وهما الصورتان السابقتان في المسألة الاولى، فلها الرجوع قبل التطليق، لان الجواب به

(5/723)


يحصل وما يستحقه الزوج هناك يستحقه عند التطليق.
الطرف الرابع : في اختلاع الأجنبي، فيه مسائل. الاولى: يصح الخلع من الزوج مع الاجنبي، ويلزم الاجنبي المال، هذا إذا قلنا: الخلع طلاق. قال الاصحاب: فإن قلنا: هو فسخ، لم يصح لان الزوج لا ينفرد به بلا سبب، ولا يجئ هذا الخلاف إذا سأله الاجنبي الطلاق فأجابه، لان الفرقة الحاصلة عند استعمال الطلاق طلاق بلا خلاف. الثانية: الخلع مع الاجنبي، كهو مع الزوجة في الالفاظ والاحكام، وهو من جانب الزوج معاوضة فيها معنى التعليق، ومن جانب الاجنبي معاوضة فيها ثبوت جعالة. فلو قال الاجنبي: طلقت امرأتي وعليك كذا، طلقت رجعيا ولا مال، ولو قال الاجنبي: طلقها وعلي ألف، أو لك ألف فطلق، وقع بائنا ولزمه المال. ولو اختلعها عبد، كان المال في ذمته كما لو اختلعت أمة نفسها. ولو اختلعها سفيه، وقع رجعيا كما لو اختلعت سفيهة نفسها. الثالثة: لو وكلت الزوجة من يخلعها، فله أن يختلعها استقلالا وبالوكالة. فإن صرح بالاستقلال، فذاك، وإن صرح بالوكالة، فالزوج يطالب الزوجة بالمال، وإن لم يصرح ونوى الوكالة، فالخلع لها لكن تتعلق به العهدة فيطالب، ثم يرجع عليها. وإن لم يصرح ولا نوى شيئا أصلا، فالخلع لها، لان منفعته لها بخلاف نظيره من الوكالة في الشراء. ويجوز أن يوكل الاجنبي الزوجة لتختلع عنه، وحينئذ تتخير الزوجة بين أن تختلع استقلالا أو بالوكالة. وقول الزوجة لاجنبي: سل زوجي تطليقي على ألف، توكيل، سواء قالت: علي أم لا. وقول الاجنبي لها: سلي زوجك يطلقك على كذا، إن لم يقل: علي، فليس بتوكيل. فلو اختلعت، فالمال عليها. وإن قال: علي، كان توكيلا. فإن أضافت إليه أو نوته، فالمال على الاجنبي. وقول الاجنبي للاجنبي: سل فلانا يطلق زوجته على ألف، كقوله للزوجة، فيفرق بين قوله: علي وعدمه. ولو اختلع الاجنبي، وأضاف إليها مصرحا بالوكالة، ثم بان كذبه، لم تطلق، لانه مربوط بالمال وهو لم يلتزم في نفسه، فأشبه إذا خاطبها ولم تقبل.

(5/724)


فرع قال لرجل: بع عبدك لفلان بكذا وعلي ألف، فباعه، لم يستحق على القائل شيئا على الصحيح، وهو قول الجمهور. قال القاضي أبو الطيب، وقال الداركي: يحتمل أن يستحق الالف كالتماس الطلاق والعتق. ولو قال: بعه عندك بألف في مالي، لم يستحق على القائل شيئا. الرابعة: أبو الزوجة في اختلاعها كالاجنبي، فإن اختلع بمال نفسه، فذاك، صغيرة كانت أو بالغة، وإن اختلع بمالها وصرح بالنيابة أو الولاية، لم يقع الطلاق كما لو بان كذب مدعي الوكالة في الاختلاع. وإن اختلع بمالها مصرحا بالاستقلال، فهو كالاختلاع بمغصوب، فيقع الطلاق بمهر المثل على الاظهر، وببدل المسمى في قول. ولو اختلع بعبد أو غيره، وذكر أنه من مالها ولم يتعرض لنيابة ولا استقلال، وقع الطلاق رجعيا كمخالعة السفيهة، صغيرة كانت الزوجة أم كبيرة، بكرا أم ثيبا. وكذا لو قال للاجنبي: خالعها على عبدها هذا، أو صداقها، وذكرا في تشبيهه بالسفيهة أنه أهل للقبول، لكنه محجور عليه في مالها، ولكن هذا ينتقض بالمغصوب، ولهذا خرج القاضي حسين هنا وجها أنه يقع الطلاق بائنا، ويعود القولان في قدر المال الواجب. والمذهب الفرق، لان الاجنبي متبرع بما يبذله لا يحصل له فائدة إذا أضاف إلى مالها، فقد صرح بترك التبرع بخلاف اختلاعها نفسها بمغصوب. وبنى البغوي على هذا الفرق، أنه لو قال الاجنبي: طلقها على هذ المغصوب، أو على هذا الخمر، أو على عبد زيد هذا، فطلق، وقع رجعيا ولا مال، بخلاف ما إذا التمست المرأة هكذا. ولو اختلع الاب أو الاجنبي بعبدها ولم يذكر أنه من مالها، فإن لم يعلم الزوج كونه عبدها، فكالمغصوب، فيقع بمهر المثل على الاظهر، وإن علم، فالاصح أنه كالذي لم يعلم. وقيل: المعلوم كالمذكور فيقع رجعيا، هذا كله إذا اختلع الاب بغير صداقها، فإن اختلع به أو على أن الزوج برئ من صداقها، أو قال: طلقها وأنت برئ من صداقها أو على أنك برئ من صداقها، فالمنصوص أن يقع الطلاق رجعيا، ولا يبرأ عن صداقها، ولا

(5/725)


شئ على الاب. وحكى الامام وغيره تخريجه على عفو الاب عن صداق الصغيرة، وإن جوزناه، صح الخلع، وإلا فالصحيح وقوعه رجعيا كما نص عليه كاختلاع السفيهة. وقيل: لا يقع الطلاق أصلا كالوكيل الكاذب. فإذا صححنا عفو الولي، فشرطه كونه قبل الدخول، وحينئذ يتشطر المهر فيكون العوض أحد الشطرين. ولو اختلعا بالبراءة عن صداقها وضمن له الدرك، فالذي أطلقه الجمهور من العراقيين وغيرهم، أنه لا يبرأ ويقع الطلاق بائنا، لانه التزم المال في نفسه، فأشبه الاختلاع بمغصوب. فعلى هذا، هل الواجب عليه مهر المثل أم بدل الصداق ؟ فيه القولان المعروفان. أظهرهما: الاول. وهكذا الحكم فيما إذا قال الاب أو الاجنبي: طلقها على عبدها هذا وعلي ضمانه. فعلى الاظهر: يلزم مهر المثل. وعلى الثاني: قيمة العبد. والذي قدمناه أنه لا يلزمه شئ، هو فيما إذا لم يتلفظ بالضمان. وحكى الامام، أنه لا أثر لهذا الضمان ويقع الطلاق رجعيا كما لو قال: طلقها وأنت برئ من الصداق. ووجها أنه (إن) قال: طلقها وأنا ضامن براءتك، لغا ووقع رجعيا إذ لا فائدة فيه. وإن قال: وأنا ضامن للصداق، إن طولبت به أديته عنك، وقع بائنا لانه صرح بالمقصود، إلا أنه التزام فاسد واختار الامام الغزالي هذا. ولفظ الضمان هنا، كهو في قوله: ألق متاعك في البحر وعلي ضمانه. والمراد به الالتزام دون الضمان المشهور. ولو التمس الطلاق على أنه برئ، وضمن الدرك، فقال الزوج في جوابه: إن برئت من صداقها، فهي طالق، لم تطلق لان الصفة المعلق عليها لم توجد.
الباب الخامس : في الاختلاف فيه مسائل. الاولى: قالت: خالعني على كذا، فأنكر الزوج، صدق بيمينه. ولو كان له زوجتان تسميان باسم واحد، فقال: خالعت فلانة بكذا، فقبلت إحداهما، فقال الزوج: أردت الاخرى، وقالت القائلة: بل أردتني، فهو المصدق ولا فرقة.

(5/726)


ولو قال: طلقتك بألف، فقالت: بلا عوض، صدقت بيمينها في نفي العوض، ولا يقبل قوله في سقوط سكناها ونفقتها، وتحصل البينونة بقوله. ولو قال: خالعتك بالعوض الذي سألت، فأنكرت أصل السؤال، فكذلك الحكم. وإن قالت: طلقتني بعد طول الفصل، وقال: بل في الحال، فهي المصدقة في نفي المال أيضا. ولو قال: طلقتك بعد طول الفصل ولم تقبلي فلي الرجعة، وقالت: بل طلقتني متصلا بسؤالي، فلا رجعة لك، فالمصدق الزوج.
الثانية : اتفقا على الخلع واختلفا في جنس العوض أو قدره أو صفته في الصحة والتكسر والاجل، ولا بينة، تحالفا وحصلت البينونة، وإنما أثر التحالف في العوض. والقول في أنه هل تنفسخ التسمية، أم تفسخ إن أصرا على النزاع، وفي كيفية اليمين ومن يبدأ به على ما تقدم في البيع وفي الرجوع بعد الفسخ أو الانفساخ إلى مهر كتحالفهما في الصداق ؟ وقيل: يرجع بأقل الامرين من مهر المثل وما ادعاه. وقيل: بأكثر الامرين من مهر المثل والمسمى الذي ادعته، والصحيح الاول. ولو أقام كل واحد بينة بدعواه، فهل تتساقطان، أم يقرع ؟ قولان

(5/727)


حكاهما الحناطي. وعلى التقديرين، هل يحلف ؟ وجهان. وعن ابن سريج، أنه يعمل بأكثر البينتين. قلت: الاظهر، أنهما يسقطان ولا ترجيح بالكثرة. والله أعلم. ولو خالع أجنبيا واختلفا، تحالفا وعلى الاجنبي مهر المثل. الثالثة: سبق أنه لو خالعها على ألف درهم، وفي البلد نقد غالب نزل عليه فلو لم يكن، بطلت التسمية ووجب مهر المثل، فإن نويا نوعا، فالصحيح الاكتفاء بالنية ولزوم ذلك النوع. وقيل: تفسد التسمية ويجب مهر المثل كنظيره في البيع، والفرق أنه يحتمل هنا ما لا يحتمل في البيع. ولو قال: خالعتك على ألف ولم يذكر جنسا، فالصحيح أنه كإبهام النوع، فإن نويا جنسا، تعين. وقيل: يتعين هنا مهر المثل لكثرة الاختلاف في الاجناس. ولو قال: خالعتك على ألف شئ فقبلت، ونويا شيئا معينا، قال القاضي حسين: التسمية فاسدة لشدة الاجمال، فيرجع إلى مهر المثل، ويمكن أن ينازعه غيره. ثم قال الشيخ أبو محمد: إنما يؤثر التعيين بالنية إذا تواطا قبل العقد على ما يقصدانه ولا أثر للتوافق بلا مواطأة، ولم يعتبر آخرون ذلك، بل اعتبروا مجرد التوافق. قلت: هذا الثاني، هو الاصح. وقول الشيخ أبي محمد هنا ضعيف. والله أعلم. وإذا عرفت هذه المقدمة، فلو تخالعا بألف درهم وأطلقا، فقال الزوج: أردنا بالدراهم النقرة، فقالت: بل أردنا بها الفلوس أو على ألف، فقال: أردنا الدنانير أو الدراهم فقالت: أردنا الفلوس، فالصحيح أنهما يتحالفان. وقيل: يجب مهر المثل بلا تحالف. فلو توافقا على أنه أراد النقرة، وادعت أنها أرادت الفلوس وقال: بل أردت النقرة أيضا، حصلت البينونة لانتظام الصيغة ومؤاخذة لها، وتصدق هي بيمينها. فإذا حلفت، فلا شئ عليها، لانها نفت بيمينها النقرة، ونفى هو الفلوس.

(5/728)


ولو توافقا أنها أرادت الفلوس، وقال هو: أنا أردت النقرة، ولا فرقة للمخالفة، فقالت: بل أردت الفلوس أيضا وبنت منك، حصلت البينونة ظاهرا لاتفاق اللفظين. وهل للزوج مهر المثل ؟ وجهان، قال القاضي حسين: نعم للبينونة ظاهرا، والذي اختاره الغزالي: لا، لانكاره البينونة وعوضها. قلت: هذا الثاني هو الاصح، واختاره أيضا الامام. قال الامام: فإن قيل: لو صدقها بعد ذلك في اتفاق النية، قلنا: إذ ذاك يطالبها بالمسمى المعين لا بمهر المثل. والله أعلم. وفي معنى هذه الصورة ما إذا اتفقا على أنه أراد الدراهم، وزعم أنها أرادت الفلوس، ولا فرقة، فقالت: أردت الدراهم وبنت، فالفرقة حاصلة، ويعود الوجهان في ثبوت شئ للزوج، وبالثبوت قطع البغوي، وقال: لا تحصل الفرقة باطنا إن كان صادقا. ولو قال: أردت النقرة ولم يتعرض لجانبها، وقالت: أردت

(5/729)


الفلوس ولم تتعرض لجانبه، حصلت الفرقة. ثم عن القاضي حسين أنهما يتحالفان. وفي البسيط أن الوجه وجوب مهر المثل، لانه لا يدعي عليها معينا حتى تحلف. قلت: الاصح، وجوب مهر المثل بلا تحالف. وقد نقل الامام الاتفاق عليه، وجعل مخالفة القاضي في التحالف في غير هذه الصورة. والله أعلم. ولو قال أحد المتخالعين: أطلقنا الدراهم. وقال الآخر: عينا نوعا تحالفا. الرابعة: قالت: سألتك ثلاث تطليقات بألف فأجبتني، فقال: بل سألت واحدة بألف فأجبتك، فالالف متفق عليه، لكن اختلفا في المعوض فيتحالفان، فإذا تحالفا، فعليها مهر المثل. والقول في عدد الطلاق الواقع قوله بيمينه. قال الحناطي: ولو أقام كل واحدة بينة على قوله، فإن اتفق تاريخ البينتين، تحالفا وإلا فالاسبق تاريخا مقدمة. ولو قال: طلقتك وحدك بألف، فقالت: بل طلقتني وضرتي، تحالفا وعليها مهر المثل. ولو قالت: سألتك واحدة بألف، فأجبتني فقال: بل طلقتك ثلاثا بألف، وقع الثلاث ووجب الالف، ولا معنى لهذا الاختلاف. ولو قالت: سألتك ثلاثا بألف فطلقتني طلقة، فلك الثلث فقال: بل ثلاثا فلي الالف، فإن لم يطل الفصل، طلقت ثلاثا ولزمها الالف، وإن طال ولم يمكن جعله جوابا، طلقت ثلاثا بإقراره وتحالفا للعوض، وعليها مهر المثل، هكذا نص عليه في روحية الربيع. وفيما نقله أبو بكر الفارسي في عيون المسائل واختلف الاصحاب، فأخذت طائفة بالنص، وقال البغوي: يتحالفان وله مهر المثل، ولم يفرق بين طول الفصل وعدمه. وقال آخرون: النص مشكل في حالتي الاتصال والانفصال. قال الامام: ينبغي أن يقال في حالة الاتصال، إن قال الزوج: ما طلقتك من قبل، والآن أطلقك ثلاثا على ألف، تقع الثلاث ويجب الالف، لان الوقت وقت الجواب. وإن قال: طلقتك من قبل ثلاثا تعذر، جعل هذا إنشاء، لانها بانت قبله، فيقع الثلاث بإقراره، ولا يلزمها إلا ثلث الالف كما لو قال: إن رددت أعبدي الثلاثة، فلك الالف، فقال: رددتهم وقال: ما رددت إلا واحدا. وأما في حال الانفصال، فيحكم بوقوع الثلاث بإقراره وعليها ثلث الالف، ولا معنى للتحالف، لان التحالف عند الاختلاف في صفة العقد أو العوض، (وهما)

(5/730)


هنا متفقان على أن المسؤول ثلاث، وأن العوض ألف، وللزوج أن يحلفها على نفي العلم أنه ما طلقها ثلاثا، وهذا صحيح وليتأول النص عليه بحسب الامكان. فرع قال الحناطي: قالت: طلقتني ثلاثا بألف فقال: بل طلقتك واحدة بألفين وأقام كل واحد بينة بقوله، واتفقا أنه لم يطلق إلا مرة، تحالفا وله مهر المثل. الخامسة: تخالعا بألف فطالبها به، فقالت: ضمنه زيد، لم ينفعها هذا الجواب لان الضمان لا يقطع الطلب عنها، وكذا لو قالت: قبلت الخلع على أن يزن زيد عني الالف، وهي في الصورتين مقرة بالالف. ولو قالت: قبلت الخلع بألف لي في ذمة زيد، ففيه خلاف مبني على بيع الدين، وحاصله أربعة أوجه. أصحهما: التحالف بناء على صحة بيع الدين، والثاني: يجب مهر المثل بلا تحالف، بناء على منعه، والثالث: تصدق هي بيمينها، والرابع: هو بيمينه، نقلهما المتولي بناء على منعه، وهما الوجهان في الاختلاف في صحة العقد وفساده. فرع قال: خالعتك، فقالت: اختلعني أجنبي لنفسه بماله، بانت باعترافه ولا شئ عليها، ولا على الاجنبي. ولو قالت: اختلعت بوكالة زيد وأضفت إليه، فهل يتحالفان أم تصدق هي أم هو ؟ فيه أوجه، أصحهما: الاول. ولو قالت: لم أضف ولكن نويت الاختلاع لزيد، فإن قلنا: تتوجه المطالبة على الوكيل، لم ينقطع طلب الزوج بقولها، وكذا لو أنكر أصل الوكالة. وإن قلنا: لا يطالب، فهل يتحالفان، أم تصدق هي، أم هو ؟ فيه الاوجه. السادسة: طلقها بألف وأرضعت بنتها زوجة أخرى له صغيرة واختلف المتخالعان، فقال الزوج: سبق الخلع فعليك المال، وقالت: بل سبق الارضاع، فانفسخ النكاح والخلع لغو، نظر إن اتفقا على جريان الارضاع يوم الجمعة مثلا وادعى تقدم الخلع، وادعت تأخره، فالقول قولها بيمينها، وإن اتفقا على جريان الخلع يوم الجمعة، وادعى تأخر الارضاع، وادعت تقدمه، فالقول قوله بيمينه، لان الاصل استمرار النكاح، ولان اشتغالهما بالخلع يدل ظاهرا على بقاء النكاح، كما لو تخالعا، ثم ادعت أنه طلقها قبل الخلع ثلاثا، أو ادعت إقراره بفساد النكاح فأنكر، فإنه يصدق بيمينه وتستمر صحة الخلع.

(5/731)


السابعة: تخالعا ثم قال هو: كنت مكرهة، فلي الرجعة فأنكرت الاكراه، لم يقبل قوله في الظاهر، وعليه رد المال لاعترافه. ولو ادعت الاكراه، فأنكر، صدق بيمينه، ولزمها المال. فلو أقامت بينة بالاكراه، لزمه رد المال ولا رجعة لاعترافه بالبينونة، فلو لم يصرح بالانكار، أو سكت، أو كانت الخصومة مع وكيله، فله الرجعة، إذ أقامت البينة.
فصل في مسائل منثورة تتعلق بالخلع ليس له خلع زوجة ولده الطفل، والخلع على غير الصداق قبل قبضه، لا يسقط حقها منه، وبعد قبضه وقبل الدخول لا يسقط حق الزوج من نصفه عندنا. ولو خالع حاملا بنفقة عدتها، بانت بمهر المثل. وفي فتاوى القفال: لو خالعها بمهرها بعد أن أبرأته منه، فإن جهلت الحال، فهل يلزمها مهر المثل أم بدل المسمى ؟ فيه القولان. وإن علمت، نظر إن جرى بلفظ الطلاق، كقوله: طلقتك على صداقك، فهل يقع بائنا ويعود الخلاف فيما يلزمها، أم يقع رجعيا ؟ وجهان. وإن جرى بلفظ الخلع، فإن أوجبنا المال في لفظ الطلاق، فهنا أولى، وإلا فوجهان بناء على أن لفظ الخلع هل يقتضي ثبوت مال ؟ وفي فتاوى القاضي حسين، أنه لو خالعها على مالها في ذمته وعلى ألف آخر في ذمتها، وعلى أن ينفق على ولده كل يوم كذا إلى مدة كذا، فهو فاسد لشرط الانفاق، وتبين بمهر المثل. وأنه لو خالعها بألف وعلى حضانة ولده الصغير سنة، فتزوجت في أثناء السنة، لم يكن للزوج انتزاع الولد منها بتزوجها، لان الاجارة عقد لازم، وأنها لو قالت: إن طلقتني أبرأتك عن الصداق، أو فأنت برئ منه فطلق، لا يحصل الابراء، لان تعليقه باطل ويلزمها مهر المثل، لانه لم يطلق مجانا. فلو قالت: أبرأتك عن صداقي فطلقني، برئ الزوج وله الخيار، إن شاء طلق، وإن شاء لم يطلق. وفي فتاوى البغوي، لو خالعها على ثوب هروي وقبلت، ثم أعطته مرويا فرضيه وأراد إمساكه، ينظر إن وصفه بالصفات المعتبرة بني على جواز أخذ الزبيب الابيض عن الاسود. إن جوزنا فكذا هنا، وإلا فلا يجوز الامساك هنا بلا معاقدة. فإن تعاقدا، فقالت: جعلته بدلا عما علي وقبله الزوج، بني على أن الصداق مضمون ضمان اليد، أم العقد، إن قلنا بالاول، جاز، أو بالثاني، فقولان كالاستبدال عن الثمن في الذمة. وإن لم يصفه، فالواجب مهر المثل، فلا يجوز إمساكه إلا بمعاقدة، وأنها لو قالت: اختلعت نفسي بالصداق

(5/732)


الذي في ذمتك وأنكر وحلف، فلا رجوع لها عليه بالصداق ولو كان له على رجل دين، فقال: اشتريت منك دارك به وقبضته وأنكر الرجل، يجوز له المطالبة بالدين، والفرق أن الخلع يقتضي اليأس من الصداق وسقوطه بالكلية، لان ذمة الزوج إذا برئت منه لا يتصور اشتغالها به. وفي صورة البيع لا يحصل اليأس عن الدين، لاحتمال تلف الدار قبل القبض، أو خروجها مستحقة، أو ردها بعيب، وإن الزوج لو قال: خالعتك وأنكرت وحلفت ثم وطئها، فعليه الحد في الظاهر، ولا حد عليها، لانها تزعم أنها في نكاحه. وأما الباطن، فإن صدق، حد، وإن كذب، فلا. وقيل: دعواه تكون طلاقا ظاهرا وباطنا، فعليهما الحد، وأنها لو قالت: اختلعت بثلاث طلقات على ما لي عليك من الحق، فقال: خالعتك بطلقة، وقعت طلقة بمهر المثل، ويحتمل أن يجب ثلث مهر المثل. فصل لابن الحداد قال: أنت طالق اثنتين، احداهما بألف، فالمقابلة بالالف لا تقع إلا بقبولها. وفي الاخرى وجهان. أحدهما وبه قال ابن الحداد: لا يقع إلا بالقبول، لانه علق الطلقتين بالقبول، ولانها تابعة للاخرى، وأصحهما عند الشيخ أبي علي: يقع بلا قبول لخلوها عن العوض، ولانه لو قال: أنت طالق طلقتين، إحداهما بألف، والاخرى بغير شئ وقعت الواحدة بلا قبول، فكذا هذا. قال الامام: ولا يبعد طرد الوجهين هنا، فإن قلنا بالاول، فإذا قبلت، وقعت الطلقتان ولزمها الالف. وهل الالف في مقابلة إحداهما فقط، أم في مقابلتهما الدين، لاحتمال تلف الدار قبل القبض، أو خروجها مستحقة، أو ردها بعيب، وإن الزوج لو قال: خالعتك وأنكرت وحلفت ثم وطئها، فعليه الحد في الظاهر، ولا حد عليها، لانها تزعم أنها في نكاحه. وأما الباطن، فإن صدق، حد، وإن كذب، فلا. وقيل: دعواه تكون طلاقا ظاهرا وباطنا، فعليهما الحد، وأنها لو قالت: اختلعت بثلاث طلقات على ما لي عليك من الحق، فقال: خالعتك بطلقة، وقعت طلقة بمهر المثل، ويحتمل أن يجب ثلث مهر المثل. فصل لابن الحداد قال: أنت طالق اثنتين، احداهما بألف، فالمقابلة بالالف لا تقع إلا بقبولها. وفي الاخرى وجهان. أحدهما وبه قال ابن الحداد: لا يقع إلا بالقبول، لانه علق الطلقتين بالقبول، ولانها تابعة للاخرى، وأصحهما عند الشيخ أبي علي: يقع بلا قبول لخلوها عن العوض، ولانه لو قال: أنت طالق طلقتين، إحداهما بألف، والاخرى بغير شئ وقعت الواحدة بلا قبول، فكذا هذا. قال الامام: ولا يبعد طرد الوجهين هنا، فإن قلنا بالاول، فإذا قبلت، وقعت الطلقتان ولزمها الالف. وهل الالف في مقابلة إحداهما فقط، أم في مقابلتهما معا وإحداهما تابعة ؟ فيه احتمالان ذكرا ووجه. الثاني: أنه لو اختص المال باحداهما، لما توقفت الاخرى على القبول، ولا قرنت طلقتان بائنة ورجعية، وذلك بعيد. وإن قلنا بالوجه الثاني، فإن كانت غير مدخول بها، وقعت الواحدة عند تمام لفظه وبانت، فلا تقع الاخرى، ولو قبلت.

(5/733)


وإن كانت مدخولا بها، فالواقعة رجعية، فإذا قبلت، فهو مخالعة وفيها القولان. فإن جوزناها، وقعت الثانية بالالف، وإلا، ففيه احتمالان للشيخ أبي علي. أحدهما: لا يقع الطلاق لانه إنما وقع بشرط قبولها، وإذا لم يلزم المال، فلا معنى للقبول، وأصحهما: يقع وإن لم يلزم المال بمخالعة المحجور عليها. وبالله التوفيق.
انتهى الجزء الخامس ويليه الجزء السادس وأوله: " كتاب الطلاق "

(5/734)