روضة الطالبين وعمدة المفتين ط العلمية

بسم الله الرحمن الرحيم
روضة الطالبين - كتاب الطلاق فيه ستة أبواب.
الأول : في الطلاق السني والبدعي وغيرهما، وفيه طرفان.
الأول : في بيان البدعي والسني. لم يزل العلماء قديما وحديثا يصفون الطلاق بالبدعة والسنة. وفي معناهما اصطلاحان.

(6/3)


أحدهما: السني ما لا يحرم إيقاعه، والبدعي: ما يحرم. وعلى هذا فلا قسم سواهما. والثاني: وهو المتداول، أن السني طلاق مدخول بها ليست بحامل، ولا صغيرة ولا آيسة. والبدعي: طلاق مدخول بها في حيض أو نفاس، أو طهر جامعها فيه ولم يبن حملها، وعلى هذا يستمر ما اشتهر في المذهب: أن غير الممسوسة لا سنة ولا بدعة في طلاقها، وكذا من في معناها. وعلى هذا، الطلاق سني وبدعي وغيرهما. ثم ذكر الاصحاب أن ما لا يحرم من الطلاق: واجب ومستحب ومكروه. فالواجب في حق المؤلي، إذا مضت المدة، يؤمر أن يفي أو يطلق، وعند الشقاق إذا رأى الحكمان التفريق وجب. وأما المستحب، فهو إذا كان يقصر في حقها لبغض أو غيره، أو كانت غير عفيفة. وأما المكروه، فهو الطلاق عند سلامة الحال. وأما المحرم، فلتحريمه سببان. أحدهما: إيقاعه في الحيض إذا كانت ممسوسة، تعتد بالاقراء فطلقها بلا عوض. فإن خالع الحائض، أو طلقها بعوض، فليس بحرام. ولو سألت الطلاق ورضيت به بلا عوض في الحيض، أو اختلعها أجنبي في

(6/4)


الحيض، فحرام على الاصح. ولو طولب المؤلي بالطلاق، فطلق في الحيض، فقال الامام والغزالي وغيرهما: ليس بحرام لانها طالبة راضية، وكان يمكن أن يقال: حرام لانه أحوجها بالايذاء إلى الطلب وهو غير ملجأ إلى الطلاق لتمكنه من الفيئة. ولو طلق القاضي عليه، إذا قلنا به، فلا شك أنه ليس بحرام في الحيض. ولو رأى الحكمان في صورة الشقاق الطلاق، فطلقا في الحيض، ففي شرح مختصر الجويني أنه ليس بحرام، للحاجة إلى قطع الشر (1).

(6/5)


فرع إذا طلق في الحيض طلاقا محرما، استحب له أن يراجعها، فإن راجع، فهل له تطليقها في الطهر التالي لتلك الحيضة ؟ وجهان. أصحهما: المنع، وبه قطع المتولي لحديث ابن عمر رضي الله عنهما وكأن الوجهين في أنه: هل يتأدى به الاستحباب بتمامه. فأما أصل الاباحة والاستحباب، فينبغي أن يحصل بلا خلاف لاندفاع ضرر تطويل العدة. قلت: قد صرح الامام وغيره، بأن الوجهين في الاستحباب. قال الامام: قال الجمهور: يستحب أن لا يطلقها فيه، وقال بعضهم لا بأس به. وأما قول الغزالي في الوسيط: هل يجوز أن يطلق في هذا الطهر ؟ فيه وجهان، فشاذ أو مؤول، فلا يعتبر بطاهره. والله أعلم. وهل يستحب أن يجامعها في ذلك الطهر ؟ وجهان. أحدهما: نعم ليظهر مقصود الرجعة. وأصحهما: الاكتفاء بإمكان الاستمتاع. قال الامام: والمراجعة وإن كانت مستحبة، فلا نقول تركها مكروه. قلت: في هذا نظر، وينبغي أن يقال: تركها الكروه للحديث الصحيح الوارد فيها، ولدفع الايذاء. والله أعلم. فرع طلقها في الطهر، ثم طلقها أخرى في الحيض، بني على أن الرجعية تستأنف العدة إذا طلقت، أم تبني ؟ إن قلنا: تستأنف، فبدعي وإلا فوجهان لعدم التطويل ولو طلقها في الحيض بدعيا، ثم طلقها أخرى في تلك الحيضة أو في أخرى، ففي كون الثانية بدعية الوجهان. فرع الطلاق في النفاس بدعي كالحيض، لان المعنى المحرم شامل. فرع قال: أنت طالق مع آخر حيضك، أو آخر جزء من أجزاء حيضك، فالاصح

(6/6)


أنه سني لاستعقابه الشروع في العدة. ولو قال: أنت طالق مع آخر جزء من الطهر ولم يطأها، فالمذهب والمنصوص أنه بدعي. ولو قال في الصورتين بدل مع: في آخر جزء من كذا، فقال الجمهور في كمع على ما تقدم. وقال المتولي: إن قال في آخر جزء من الحيض، فبدعي قطعا، أو في آخر جزء من الطهر، فسني قطعا. فرع تعليق الطلاق بالدخول وسائر الصفات، ليس ببدعي، وإن كان في الحيض ولكن إن وجدت الصفة في الطهر، نفذ سنيا، وإن وجدت في الحيض، نفذ بدعيا فتستحب المراجعة، ويمكن أن يقال: إن وجدت الصفة باختياره، أثم بايقاعه في الحيض. وعن القفال، أن نفس التعليق بدعة، لانه لا يدري الحال وقت الوقوع، فلتحترز عما قد يضرها ولا ضرورة إليه. قلت: قوله أولا: وإن وجدت في الحيض نفذ بدعيا، معناه يسمى بدعيا وترتب عليه أحكام البدعي، إلا أنه لا إثم فيه باتفاق الاصحاب في كل الطرق، إلا ما حكاه عن القفال: وقد أطنب الامام في تغليط القفال في هذا وقال: هذا في حكم الهجوم على ما اتفق عليه الاولون، فلم يحرم أحد تعليق الطلاق. والله أعلم. ولو قال لذات الاقراء: أنت طالق إن دخلت الدار، أو إن قدم فلان للسنة، أو إذا جاء رأس الشهر، فأنت طالق للسنة، فإن وجد الشرط وهي في حال السنة، طلقت. وإن وجد وهي في حال البدعة، لم تطلق حتى ينتهي إلى حال السنة، فحينئذ تطلق، لان الطلاق معلق بأمرين، فاشترط حصولهما، وكذا لو قال: إن دخلت الدار فأنت طالق للبدعة، فإن دخلت في حال البدعة طلقت، وإن دخلت في حال السنة، لم تطلق حتى ينتهي إلى البدعة. ولو قال لمن لا سنة في طلاقها ولا بدعة كغير الممسوسة: أنت طالق إن دخلت ا لدار، وإن قدم فلان للسنة، فصارت ذات سنة وبدعة، ثم وجد الشرط المعلق عليه، فإن وجد في حال السنة، طلقت، وإن وجد في حال البدعة، لم تطلق حتى ينتهي إلى حال السنة. ولو وجد الشرط قبل أن يتغير حالها. طلقت لانه

(6/7)


لا سنة في طلاقها. فرع إذا علق طلاقها بما يتعلق باختيارها، ففعلته مختارة، يحتمل أن يقال: هو كما لو طلقها بسؤالها. السبب الثاني: أن يجامعها في طهر وهي ممن تحبل ولم يظهر حملها، فيحرم طلاقها في ذلك الطهر، واستدخالها ماءه كالوطئ، وكذا وطؤها في الدبر على الاصح. ولو وطئها في الحيض فطهرت، ثم طلقها في ذلك الطهر، حرم على الاصح لاحتمال العلوق. وأما إذا ظهر بها الحمل، فلا يحرم طلاقها بحال. ولو خالعها أو طلقها على مال في الطهر الذي جامعها فيه، قبل ظهور الحبل، لم يحرم على الصحيح، كمخالعتها في الحيض. وقيل: يحرم، لان التحريم هنا رعاية لحق الولد، فلا يؤثر فيه رضاها، وهناك لضررها بطول العدة، وتستحب المراجعة هنا كما في السبب الاول. ثم إن راجعها ووطئها في بقية الطهر، ثم حاضت وطهرت، فله أن يطلقها، وإن لم يراجعها حتى انقضى ذلك الطهر، ثم راجعها، أو راجعها ولم يطأها، استحب أن لا يطلق في الطهر الثاني، لئلا تكون الرجعة للطلاق. وحكى الحناطي وجها أنه لا تستحب الرجعة هنا، ولا يتأكد استحبابها تأكده في طلاق الحائض.
فصل الآيسة والصغيرة والتي ظهر حملها وغير الممسوسة لا بدعة في طلاقهن، ولا سنة إذ ليس فيه تطويل عدة، ولا ندم بسبب ولد. فلو كانت الحامل ترى الدم وقلنا: هو حيض، فطلقها فيه، لم يحرم على الصحيح. وقال أبو إسحاق: يحرم. وقد اشتهر في كلام الاصحاب أن الاربع المذكورات لا بدعة في طلاقهن، ولا سنة، وذلك للعبارات السابقة في تفسير السني والبدعي. وربما أفهم كلامهم، أنهم يعنون بذلك أنهن لا يجتمع لهن حالتا سنة وبدعة، بل لا يكون طلاقهن إلا سنيا، وهذا يستمر على تفسير السني بالجائز، والبدعي بالمحرم، وقد يغني عن التفاسير الطويلة. فرع نكح حاملا من الزنى ووطئها ثم طلقها، قال ابن الحداد وغيره: يكون

(6/8)


الطلاق بدعيا، لان العدة تكون بعد وضع الحمل وانقضاء النفاس. ولو وطئت منكوحة بشبهة فحبلت، فطلقها زوجها وهي طاهر، فهو حرام لانها لا تشرع عقبه في العدة، وكذا لو لم تحبل، فشرعت في عدة الشبهة فطلقها، وقدمنا عدة الشبهة. وقيل: لا يحرم لانه لم يوجد منه إضرار. ورجح المتولي التحريم، إذا حبلت، وعدمه إذا لم تحبل، والاصح، التحريم مطلقا. فرع طلقها في طهر لم يجامعها فيه ثم راجعها، فله أن يطلقها، وحكى القاضي حسين وجها ضعيفا: أنه يحرم طلاقها كيلا تكون الرجعة للطلاق، وهذا سبب ثالث للطلاق على هذا الوجه. فرع لا تنقسم الفسوخ إلى سنة وبدعة، لانها شرعت لدفع مضار نادرة، فلا يليق بها تكليف مراقبة الاوقات. قلت: ومما يتعلق بهذا، لو أعتق أم ولده، أو أمته الموطوءة في الحيض، لا يكون بدعيا، وإن طال زمن الاستبراء، لان مصلحة تنجيز العتق أعظم، ذكره

(6/9)


إبرهيم المروزي. ولو قسم لاحدى زوجتيه، ثم طلق الاخرى قبل قسمها، أثم وهذا سبب آخر لتحريم الطلاق، وسبقت المسألة في كتاب القسم. والله أعلم.
فصل لا بدعة في جمع الطلقات الثلاث، لكن الافضل تفريقهن على الاقراء، أو الاشهر إن لم تكن ذات أقراء، لتتمكن من الرجعة أو التجديد إن ندم، فإن أراد أن يزيد في قرء على طلقة، فرق على الايام. وقيل: التفريق سنة، وإن لم يكن الجمع بدعة، والصحيح المنع. قلت: ولو كانت حاملا وأراد تطليقها ثلاثا، فوجهان حكاهما في البيان أحدهما: يطلقها في كل شهر طلقة. والثاني، وبه قال الشيخ أبو علي: يطلقها في الحال طلقة ويراجع، فإذا طهرت من النفاس، طلقها ثانية، ثم إذا طهرت من الحيض طلقها ثالثة. والله أعلم.
الطرف الثاني : في إضافة الطلاق إلى السنة والبدعة، تنجيزا أو تعليقا، وفيه مسائل. الاولى: قال لحائض أو نفساء: أنت طالق للبدعة طلقت في الحال، وإن قال للسنة، لم تطلق حتى تشرع في الطهر، ولا يتوقف على الاغتسال، ولو وطئها في آخر الحيض واستدام حتى انقطع الحيض، لم تطلق لاقتران الطهر بالجماع، وكذا لو لم يستدم إذا قلنا بالاصح أنه إذا وطئ في الحيض ثم طلق في الطهر يكون بدعيا. الثانية: قال لطاهر: أنت طالق للسنة، فإن لم يكن جامعها في ذلك الطهر، طلقت في الحال، وإن جامعها فيه، لم يقع حتى تحيض ثم تطهر. وإن قال لها: أنت طالق للبدعة، فإن كان جامعها في ذلك الطهر، طلقت في الحال، وإلا فعند الحيض. قال المتولي: ويحكم بوقوع الطلاق بظهور أول الدم. فإن انقطع لدون يوم وليلة، بان أنها لم تطلق ويشبه أن يجئ فيه الخلاف المذكور، فيما إذا قال: إن حضت فأنت طالق، أنها هل تطلق برؤية الدم أم بمضي يوم وليلة ؟ ولو جامعها قبل الحيض، فبتغييب الحشفة تطلق، فعليه النزع، فإن نزع وعاد، فهو كابتداء الوطئ بعد الطلاق، وإن استدام، فإن كان الطلاق رجعيا، فلا حد وإن كان ثلاثا، فلا حد أيضا، لان أوله مباح. وقيل: إن كان عالما بالتحريم، حد، وهل يجب

(6/10)


المهر ؟ حكمه حكم من قال: إن وطئتك فأنت طالق فغيب الحشفة ثم استدام، وقد ذكرنا هذه الصورة في كتاب الصوم، وبينا أن المذهب فيها أنه لا مهر، لان النكاح تناول جميع الوطآت، وادعى صاحب العدة أن المذهب هنا الوجوب. فرع اللام في قوله: أنت طالق للسنة أو للبدعة، تحمل على التوقيت، فلا تطلق إلا في حال السنة أو البدعة، لانهما حالتان منتظرتان تتعاقبان تعاقب الايام والليالي وتتكرران تكرر الشهور، فأشبه قوله: أنت طالق لرمضان معناه: إذا جاء رمضان، أنت طالق، وأما اللام الداخلة على ما لا يتكرر مجيئه وذهابه، فللتعليل، كقوله: أنت طالق لفلان، أو لرضى فلان، فتطلق في الحال، رضي أم سخط. والمعنى: فعلت هذا لترضى، وقال ابن خيران: إنما يقع في الحال إذا نوى التعليل، فإن لم تكن له نية، لم تطلق حتى يرضى، والاول هو الصحيح المنصوص، ونزل ذلك منزلة قول السيد: أنت حر لوجه الله تعالى. وحيث يحمل على التعليل، فلو قال: أردت التوقيت، قبل باطنا، ولا يقبل ظاهرا على الاصح. ولو قال: أنت طالق بقدوم زيد أو برضاه، فهو تعليق، كقوله: إن قدم أو رضي، وحيث حملنا قوله للسنة أو للبدعة على الحالة المنتظرة، فقال: أردت الايقاع في الحال، قبل، لانه غير متهم.

(6/11)


فرع قوله: أنت طالق لا للسنة، كقوله: للبدعة، وقوله: لا للبدعة، كقوله للسنة، وقوله: سنة الطلاق، أو طلقة سنية، كقوله للسنة، وقوله: بدعة الطلاق، أو طلقة بدعية، كقوله للبدعة. فرع قال: إن كان يقع عليك في هذا الوقت طلاق السنة، فأنت طالق، فإن كانت في حال السنة، طلقت، وإلا فلا تطلق، لا في الحال، ولا إذا صارت في حال السنة، لعدم الشرط، وكذا لو قال: أنت طالق للسنة إن قدم فلان وأنت طاهر، فإن قدم وهي طاهر، طلقت للسنة، وإلا فلا تطلق لا في الحال، ولا إذا طهرت. فرع جميع ما ذكرنا، إن كانت المخاطبة بالسنة والبدعة، ذات سنة وبدعة، فأما إذا قال لصغيرة ممسوسة، أو لصغيرة أو كبيرة غير ممسوسة: أنت طالق للسنة، فيقع في الحال، واللام هنا للتعليل، لعدم تعاقب الحال كقوله: لرضى زيد. ولو قال: للبدعة، وقع في الحال على الصحيح، لما ذكرنا. وحكى الشيخ أبو علي وجها أنه يحمل على التوقيت، وينتظر زمن البدعة، بأن تحيض الصغيرة، ويدخل بالكبيرة أو تحيض. وعن ابن الوكيل، أن الطلاق لا يقع مطلقا لتعليقه بما لا يتصور، كقوله: إن صعدت السماء، وهذا يطرد في قوله: للسنة. ولو صرح بالوقت فقال: أنت طالق لوقت السنة، أو لوقت البدعة، قال في البسيط: إن لم ينو شيئا، فالظاهر وقوع الطلاق في الحال، وإن قال: أردت التوقيت بمنتظر، فيحتمل أن يقبل لتصريحه بالوقت ولا نقل فيه. فرع قال: أنت طالق لا للسنة ولا للبدعة، وقع في الحال، سواء كانت ذات سنة وبدعة، أم لا، لانها إن لم تكن، فحالها ما ذكر، وإن كانت، فالوصفان

(6/12)


متنافيان فسقطا، وكذا لو قال: طلقة سنية بدعية. فرع قال لذات سنة وبدعة في حال البدعة: أنت طالق طلاقا سنيا، أو في حال السنة أنت طالق طلاقا بدعيا، ونوى الوقوع في الحال، قال المتولي: لا يقع في الحال، لان النية إنما تعمل فيما يحتمله اللفظ، لافيما يخالف صريحا، وإذا تنافيا، لغت النية، وعمل باللفظ لانه أقوى. ولو قال: أنت طالق الآن سنيا وهو في زمن بدعة، طلقت في الحال عملا بالاشارة إلى الوقت، ويلغو اللفظ. المسألة الثالثة: قال لذات الاقراء: أنت طالق ثلاثا، بعضهن للسنة وبعضهن للبدعة، فإن لم ينو شيئا، فالصحيح المنصوص، أنه يقع في الحال طلقتان، فإذا صارت في الحالة الاخرى، وقعت الثالثة، لان التبعيض يقتضي التشطير، ثم يسري كما لو قال: هذه الدار بعضها لزيد وبعضها لعمرو، يحمل على التشطير إذا لم تكن بينة. وقيل: تقع في الحال طلقة، واختاره المزني ومن قال به لا يكاد يسلم مسألة الاقرار، ويقول: هو مجمل يرجع إليه فيه. ونقل الحناطي وجها ثالثا أنه يقع في ا لحال الثلاث. أما إذا قال: أردت إيقاع بعض من كل طلقة في الحال، فتقع الثلاث في الحال، وإن قال: أردت في الحال طلقتين أو طلقة ونصفا، وقع طلقتان في الحال قطعا، وتقع الثالثة في الحالة الاخرى. وإن قال: أردت في الحال

(6/13)


طلقة، وفي المستقبل طلقتين، دين فيه قطعا، وتقبل أيضا في الظاهر على الصحيح المنصوص، وقال ابن أبي هريرة: لا تقبل. وفائدة هذا الخلاف، أنه لو ندم فأراد أن يخالعها حتى تصير إلى الحالة الاخرى وهي بائن، فتنحل اليمين، ثم يتزوجها. وقلنا: الخلع طلاق، فإن قلنا: الواقع في الحال طلقة، أمكنه ذلك، وإلا فلا. ولو قال: أنت طالق ثلاثا، بعضهن للسنة واقتصر عليه، وكانت في حال السنة، قال ابن الصباغ: تجئ على الصحيح المنصوص، أنه لا يقع في الحال إلا طلقة، لان البعض ليس عبارة عن النصف، وإنما حملناه في الصورة الاولى على التشطير لاضافته البعضين في الحالين. ولو قال: أنت طالق خمسا، بعضهن للسنة، وبعضهن للبدعة، ولم ينو شيئا، بنى على الخلاف المعروف، في أن الزيادة الملفوظ بها تلغى أم تعتبر ؟ إن قلنا بالاول، وقع في الحال طلقتان، وفي الثاني، طلقة تفريعا على المنصوص، وإن قلنا بالثاني وهو الاصح، وقع الثلاث في الحال بالتشطير والتكميل. ولو قال: أنت طالق طلقتين: طلقة للسنة وطلقة للبدعة، أو أنت طالق طلقة للسنة وطلقة للبدعة، وقع في الحال طلقة، وفي الاستقبال الاخرى. ولو قال: طلقتين للسنة والبدعة، فهل يقع في الحال طلقة، وفي الاستقبال الاخرى، أم يقعان في الحال ؟. أصحهما. الثاني كما لو قال: ثلاثا للسنة وللبدعة، فإنه يقع الثلاث في الحال. فرع قال لمن لا سنة لها ولا بدعة: أنت طالق ثلاثا بعضهن للسنة لبعضهن للبدعة، أو طلقة للسنة، وطلقة للبدعة، وقع الجميع في الحال. المسألة الرابعة: إذا وصف الطلاق بصفة مدح، كقوله: أنت طالق أجمل الطلاق أو أفضله، أو أحسنه، أو أعدله، أو أكمله، أو أتمه، أو أجوده، أو خير الطلاق، وأنت طالق للطاعة ولم ينو شيئا، فهو كقوله: طالق للسنة، فلا يقع إن كان الحال بدعة حتى ينتهي إلى حال السنة. وإن نوى شيئا، نظر إن نوى ما يقتضيه

(6/14)


الاطلاق، فذاك. وإن قال: أردت طلاق البدعة، لانه في حقها أحسن من جهة سوء خلقها، فأن كانت في حال بدعة، قبل لانه غلظ على نفسه. وإن كانت في حال سنة، دين ولا يقبل ظاهرا، وقد يجئ خلاف في الظاهر. وإن وصف الطلاق بصفة ذم كقوله: أقبح الطلاق، أو أسمجه، أو أفضحه، أو أفظعه، أو أردأه، أو أفحشه، أو أنتنه، أو شر الطلاق ونحو ذلك، فهو كقوله: للبدعة، فلا يقع إن كانت في حال سنة حتى ينتهي إلى البدعة. وإن قال: أردت قبحه لحسن عشرتها، أو أردت أن أقبح أحوالها أن تبين مني، وقع في الحال، لانه غلظ على نفسه. وإن قال: أردت أن طلاق مثل هذه السنة أقبح، فقصدت الطلاق في حال السنة دين، ولم يقبل ظاهرا. ولو قال: أنت طالق للجرح، أو طلاق الجرح فهو كقوله للبدعة. ولو خاطب بهذه الالفاظ من لا سنة لها ولا بدعة فهو كما لو قال لها: للسنة أو للبدعة، كما سبق. ولو جمع صفتي الذم والمدح، فقال: أنت طالق طلقة حسنة قبيحة أو جميلة فاحشة، أو سنية بدعية، أو للجرح والعدل، والمخاطبة ذات أقراء، وقعت في الحال. قال السرخسي في الامالي: فإن فسر كل صفة بمعنى، فقال: أردت كونها حسنة من حيث الوقت،

(6/15)


وقبيحة من حيث العدد حتى تقع الثلاث أو بالعكس، قبل منه. وإن تأخر الوقوع، لان ضرر وقوع العدد أكثر من فائدة تأخير الوقوع. المسألة الخامسة: قال: أنت طالق ثلاثا في كل قرء طلقة، أو أنت طالق في كل قرء طلقة، فلها ثلاثة أحوال. أحدها: أن تكون حائلا من ذوات الاقراء، وهي إما غير ممسوسة، وإما ممسوسة، فإن كانت غير ممسوسة، نظر إن كانت حائضا، لم تطلق على الصحيح وقال الشيخ أو حامد: تقع طلقة في الحال، لانها مخاطبة بالعدة، فحيضها كطهرها، وإن كانت طاهرا طلقت في الحال واحدة وبانت، فلا تلحقها الثانية والثالثة فإن جدد نكاحها قبل الطهر الثاني، ففي وقوع الثانية والثالثة قولا عود اليمين والحنث. وإن جدد النكاح بعد الطهرين، لم يقع شئ لانحلال اليمين، وإن كانت ممسوسة، وقع في كل قرء طلقة، سواء جامعها فيه أم لا، وتكون الطلقة سنية إن لم يجامعها فيه، وبدعية إن جامعها، وتشرع في العدة بالطلقة الاولى. وهل يجب استئناف العدة للثانية والثالثة ؟ قولان مذكوران في العدة أظهرهما الوجوب. الحال الثاني: أن تكون حاملا فإن كانت لا ترى الدم، وقعت في الحال طلقة. قال المتولي: فلو لم تحض قط وبلغت بالحمل مثلا، ففي وقوع الطلاق عليها وجهان، أو قولان بناء على أن القرء هو الطهر بين دمين أو الانتقال من نقاء إلى دم، إن قلنا بالاول، لم تطلق حتى تضع وتطهر من نفاسها، وإن قلنا بالثاني وهو الاظهر، وقع. وإذا وقعت الطلقة، فإن راجعها قبل الوضع، وقعت أخرى إذا

(6/16)


طهرت من النفاس، وعليها استئناف العدة سواء وطئها بعد الرجعة أم لا، بلا خلاف. وإن لم يراجعها، انقضت عدتها بالوضع بأن جدد نكاحها قبل تمام الاقراء، عاد قولا عود الحنث. وإن كانت ترى الدم على الحمل، فإن قلنا: إنه ليس بحيض، فهو كما لو لم تره، فتطلق في الحال. وحكى الحناطي وجها، أنها لا تطلق. إن وافق قوله وقت الدم حتى تطهر، وإن جعلناه حيضا ووافق قوله النقاء، طلقت في الحال طلقة، وإن وافق الدم، فوجهان. أحدهما، وهو قول الشيخ أبي حامد، وصححه العراقيون: تطلق أيضا، لان مدة الحمل كالقرء الواحد. والثاني وهو الاصح وبه قطع القاضي أبو الطيب والحناطي، ورجحه المتولي وغيره: لا تطلق حتى تطهر. وإذا وقعت طلقة في الحيض أو الطهر، فهل يتكرر في الطهر الثاني والثالث ؟ وجهان: أصحهما: لا، وبه قطع بعضهم، لان القرء ما دل على البراءة. الحال الثالث: أن تكون صغيرة، فيبنى على القرء طهر يحتوشه دمان، أم هو الانتقال من نقاء إلى حيض ؟ إن قلنا بالاول، لم تطلق حتى تحيض وتطهر، ولا يؤمر الزوج باجتنابها في الحال، وإن قلنا بالثاني، فالذي أطلقه العراقيون والبغوي وغيرهم، أنه يقع في الحال طلقة. وقال المتولي والسرخسي: يؤمر باجتنابها لان الظاهر أنها ترى الدم، فأن رأته، تبينا وقوع الطلاق يوم اللفظ، وإن ماتت قبل رؤية الدم، ماتت على النكاح فعلى الاول، لو لم تحض ولم يراجعها حتى مضت ثلاثة أشهر، حصلت البينونة، فإن نكحها بعد ذلك، ورأت الدم، عاد الخلاف في عود الحنث، وإن رأت الدم قبل مضي ثلاثة أشهر، تكرر الطلاق بتكرر الاطهار. وعن صاحب التقريب وجه غريب، أن الاقراء في الصغيرة تحمل على الاشهر، والآيسة التي انقطع حيضها كالصغيرة، ففي وقوع الطلاق عليها، الخلاف. قال السرخسي: إن قلنا: القرء: هو الانتقال، وقع في الحال وإلا، فلا، فإن حاضت بعد، تبينا الوقوع، والاصح عند الاصحاب، الوقوع في الصغيرة والآيسة. فرع قال: أنت طالق في كل قرء طلقة للسنة، فهو كما لو لم يقل للسنة في أكثر

(6/17)


الاحكام والاحوال، لكن ذات الاقرباء إذا كانت طاهرا، أو كان جامعها في ذلك الطهر، يتأخر وقوع الطلاق إلى أن تحيض ثم تطهر. فرع: قال: أنت طالق في كل طهر طلقة وكانت حاملا لا ترى دما، أو تراه ولم نجعله حيضا، وقع في الحال طلقة سواء كانت ترى الذي في ذلك الحال أم لا، ولا يتكرر بتكرر الانقطاعات، وإن كانت ترى الدم وجعلناه حيضا، فإن كانت في حال رؤية الدم، لم تطلق حتى تطهر، وإلا وقع في الحال وتكرر بتكرر الاطهار. المسألة السادسة: قال: أنت طالق ثلاثا للسنة، ثم قال: نويت تفريقها على الاقراء لم يقبل في الظاهر. قال المتولي: إلا أن يكون ممن يعتقد بتحريم جمع الثلاث في قرء، فيقبل في الظاهر. وحكى الحناطي وجها في القبول مطلقا، والصحيح المنصوص، وهو الاول. ولو قال: أنت طالق ثلاثا ولم يقل للسنة، ثم فسر بالتفريق على الاقراء، لم يقبل ظاهرا، وهل يدين في الصورتين ؟ وجهان، الصحيح المنصوص، نعم. ومعنى التديين مع نفي القبول ظاهرا، أن يقال للمرأة: أنت بائن منه بثلاث في ظاهر الحكم، وليس له تمكينه إلا إذا غلب على ظنك صدقة بقرينة، ويقال للزوج: لا نمكنك من تتبعها، ولك أن تتبعها، والطلب فيما بينك وبين الله تعالى إن كنت صادقا، وتحل لك إذا راجعتها. وعلى هذا القياس حكم بالقبول ظاهرا وباطنا، فيما إذا قال لصغيرة: أنت طالق للسنة، ثم قال: أردت إذا حاضت وطهرت، وفيما إذا قال: أنت طالق، ثم قال: أردت أن دخلت الدار، أو إذا جاء رأس الشهر. وألحق القفال والغزالي بهذه الصورة ما إذا قال: أنت طالق، ثم قال: أردت إن شاء الله تعالى.

(6/18)


قال وكذلك كلما أحوج إلى تقييد الملفوظ به بقيد زائد. والصحيح الموجود في كتب الاصحاب، أنه لا يدين في قوله: أردت إن شاء الله تعالى، ويدين في قوله: أردت عن وثاق، أو أن دخلت الدار أو إن شاء زيد. وفرقوا بين قوله: أردت إن شاء الله تعالى، وبين سائر الصور بأن التعليق بمشيئة الله تعالى يرفع حكم الطلاق جملة، فلا بد فيه من اللفظ والتعليق بالدخول، ومشيئة زيد، لا يرفعه، لكن يخصصه بحال دون حال. وقوله: من وثاق، تأويل وصرف للفظ من معنى إلى معنى، فكيف فيه النية، وإن كانت ضعيفة، وشبهوه بالنسخ، لما كان رفعا للحكم، لم يجز إلا باللفظ، والتخصيص يجوز بالقياس. وأما إذا أتى بلفظ عام، وقال: أردت بعض الافراد الداخلة تحته، ففيه تفصيل، فإن قلنا: كل امرأة لي، فهي طالق، وعزل بعضهن بالنية، لم يقبل ظاهرا عند الاكثرين، وقال ابن الوكيل وغيره: يقبل ظاهرا سواء كانت قرينة تصدقه - بأن خاصمته، وقالت: تزوجت علي، فقال: كل امرأة لي طالق، ثم قال: أردت غير المخاصمة -. أم لم تكن قرينة. والاصح عند القفال والمعتبرين، أنه لا يقبل ظاهرا بغير قرينة ويقبل بها، واختاره الروياني، وعن القاضي حسين، أنه إن قال: كل امرأة لي طالق، عزل بعضهن بالنية، لا يقبل، وإن قال: نسائي طوالق، وقال: عزلت واحدة، قبل. وعلى هذا، لو عزل اثنتين، ففي القبول وجهان، ويجري الخلاف في القبول ظاهرا فيما لو قال: إن أكلت خبزا أو تمرا، فأنت طالق، ثم فسر بنوع خاص، وطردهما الغزالي وغيره فيما إذا كان يحل وثاقا عنها، فقال: أنت طالق، ثم قال: أردت الاطلاق عن الوثاق، وقال: الاصح بالقبول. ولو قال: إن كلمت زيدا، فأنت طالق، ثم قال: أردت التكليم شهرا، فيقبل. كذا حكي عن نص الشافعي رحمه الله، والمراد على ما نقل الغزالي، القبول باطنا فلا تطلق إذا كلم بعد شهر.

(6/19)


فرع في ضبط ما يدين فيه، وما يقبل ظاهرا قال القاضي حسين: لما يدعيه الشخص من النية مع ما أطلقه من اللفظ، أربع مراتب. إحداها: أن يرفع ما صرح به، بأن قال: أنت طالق، ثم قال: أردت طلاقا لا يقع عليك، أو لم أرد إيقاع الطلاق، فلا تؤثر دعواه ظاهرا، ولا يدين باطنا. الثانية: أن يكون ما يدعيه مقيدا لما تلفظ به مطلقا، بأن قال: أنت طالق، ثم قال: أردت عند دخول الدار، فلا يقبل ظاهرا، وفي التديين الخلاف. الثالثة: أن يرجع ما يدعيه إلى تخصيص عموم، فيدين، وفي القبول، ظاهر الخلاف. الرابعة: أن يكون اللفظ محتملا للطلاق من غير شيوع وظهور، وفي هذه المرتبة تقع الكنايات ويعمل فيها بالنية. وضبط لاصحاب بضبط آخر، فقالوا: ينظر في التفسير بخلاف ظاهر اللفظ، إن كان لو وصل باللفظ، لا ينظم، لم يقبل ولم يدين، وإلا فلا يقبل ظاهرا ويدين. مثال الاول، قال: أردت طلاقا لا يقع. مثال الثاني: أردت طلاقا عن وثاق، أو إن دخلت الدار، واستثنوا من هذا نية التعليق بمشيئة الله تعالى، فقالوا: لا يدين فيه على المذهب. فرع قال: أنت طالق ثلاثا ثم قال: أردت إلا واحدة، أو قال: أربعكن طوالق، ثم قال: نويت بقلبي إلا فلانة، لم يدين على الاصح، لانه نص في العدد. ولو

(6/20)


قال: فلانة وفلانة وفلانة طوالق، ثم قال: استثنيت بقلبي فلانة، لم يدين قطعا لانه رفع لما نص عليه، لا تخصيص عموم، ذكره القاضي أبو الطيب. المسألة السابعة: قال لممسوسة: كلما ولدت فأنت طالق للسنة، فولدت ولدا وبقي آخر في بطنها، وقع بولادة الاول طلقة، لان الاصل في هذا أن الموصوف بالسنة والبدعة إذا علق بأمر اعتبرت الصفة عند ذلك الامر، فإن وجدت وقع وإلا فلا حتى يوجد كما سبق في قوله: أنت طالق للسنة إذا قدم زيد أنه إن قدم في حال سنة طلقت، وإلا فلا تطلق حتى يجئ قال السنة، وكأنه يخاطبها عند وجود المعلق عليه بقوله: أنت طالق للسنة، وإذا كان كذلك، فكأنه عند ولادة أحد الولدين: قال: أنت طالق للسنة وهي في هذه الحال حامل بآخر. ولو قال لحامل: أنت طالق للسنة، وقع في الحال، ثم إذا ولدت الثاني انقضت عدتها. وهل يقع طلقة أخرى، لانه يقارن انقضاء العدة ؟ فيه خلاف يأتي في نظائره إن شاء الله تعالى، الاصح: المنع. ولو ولدت ولدا ولم يكن في بطنها آخر، فإنما تطلق إذا طهرت من النفاس، طلقتين لانها ولدت ولدين، و كلما تقتضي التكرار. ولو قال: كلما ولدت ولدين، فأنت طالق، فولدت ولدين معا أو متعاقبين وفي بطنها ثالث، طلقت. ولو ولدت ولدا فطلقها، ثم ولدت آخر، فإن كان رجعيا وقعت أخرى بولادة الثاني، راجعها أم لا هكذا ذكروه. ويشبه أن يقال: إن راجعها فكذلك الحكم، وإلا فهذا طلاق يقارن لنقضاء العدة، وإن كان الطلاق بائنا فنكحها، ثم ولدت آخر، ففي وقوع أخرى قولا عود الحنث. المسألة الثامنة: نجح كاملا من الزنى، وقال: أنت طالق للسنة، فإن كان دخل بها، لم تطلق حتى تصنع، وتطهر من النفاس، لان الحمل كالعدم وإلا طلقت في الحال كما لو قال لغير المدخول بها: أنت طالق للسنة، هذا إذا كانت لا ترى دما أو تراه ولم نجعله حيضا، فإن رأته وجعلناه حيضا، فإن قال لها ذلك في حال رؤية الدم، لم تطلق حتى تطهر كالحامل إذا قال لها: أنت طالق للسنة وهي حائض بخلاف الحامل من الزوج حيث يقع طلاقها في الحال، وإن كانت ترى الدم، وجعلناه أيضا حيضا على الصحيح، لان الحامل من الزوج لا سنة ولا بدعة في طلاقها،

(6/21)


وهذه كالحامل إذ لا حرمة لحملها. المسألة التاسعة: قال: أنت طالق للسنة أو للبدعة لا تطلق حتى تنتقل من الحالة التي هي فيها إلى الحالة الاخرى، لان اليقين حينئذ يحصل كما لو قال: أنت طالق اليوم أو غدا لا تطلق حتى يجئ الغد. المسألة العاشرة: قال: أنت طالق طلقة حسنة في دخول الدار أو طلقة سنية قال إسمعيل البوشنجي: مقتضى المذهب أن تطلق إن دخلت الدار طلقة سنية حتى لو كانت حائضل لم تطلق. ولو كانت طاهرا لم يجامعها في ذلك الطهر، طلقت في الحال، وإن كان جامعها فيه، لم تطلق حتى تحيض وتطهر. المسألة الحادية عشرة: قال لها وهي طاهر: أنت طالق للسنة، ثم اختلفا فقال: جامعتك في هذا الطهر، فلم يقع طلاق في الحال، وقالت: لم تجامعني وقد وقع، قال إسمعيل البوشنجي: مقتضى المذهب، أن القول قوله، لان الاصل بقاء النكاح، وكما لو قال المؤلي والعنين: وطئت. فرع قال: أنت طالق كالثلج، أو كالنار، طلقت في الحال، ولغا التشبيه، وقال أبو حنيفة: إن قصد التشبيه بالثلج في البياض، والنار بالاضاءة، طلقت سنيا، وإن قصد التشبيه بالثلج في البرودة، وبالنار في الحرارة والاحراق، طلقت في زمن البدعة وبالله التوفيق.
الباب الثاني : في أركان الطلاق هي خمسة:
الأول : المطلق وشرطه التكليف، فلا يقع طلاق صبي ولا مجنون، لا تنجيزا ولا تعليقا. فلو قال مراهق: إذا بلغت، فإنت طالق، فبلغ، أو قال مجنون: إذا أفقت، فأنت طالق، ثم أفاق، أو قالا: أنت طالق غدا فبلغ وأفاق قبل الغد فلا طلاق. قلت: هكذا اقتصر الغزالي وغيره في شرط المطلق على كونه مكلفا، وقد يورد

(6/22)


عليه السكران، فإنه يقع طلاقه على المذهب، وليس مكلفا كما قاله أصحابنا وغيرهم في كتب الاصول، ولكن مراد أهل الاصول، إنه غير مخاطب حال السكر، ومرادنا هنا أنه مكلف بقضاء العبادات بأمر جديد. والله أعلم.
الركن الثاني : اللفظ وفيه ثلاثة أطراف: أحدها في اللفظ الذي يقع به الطلاق، والثاني، في الافعال القائمة مقامه. والثالث في تفويض الطلاق إلى الزوجة وأحكام تفويضه.
أما الأول، فاللفظ صريح، وهو ما لا يتوقف وقوع الطلاق به على نية، وكناية وهو ما توقف على نية، أما الصريح، فلفظ الطلاق والسراح

(6/23)


والفراق وحكى أبو الحسن العبادي، أن أبا عبد الرحمن القزاز نقل قولا قديما أن السراح والفراق كنايتان، والمشهور الاول، فقوله: أنت طالق، أو مطلقة، أو يا طالق أو يا مطلقة، صريح. وقيل: يا مطلقة وانت مطلقة كناية، والصحيح الاول. وأما المشتق من الاطلاق كقوله: أنت مطلقة بإسكان الطاء أو يا مطلقة، فليس بصريح على الصحيح لعدم اشتهاره، وإن الاطلاق كان والتطليق متقاربين. وفي قوله: أنت طلاق، أو الطلاق، أو طلقة وجهان: أصحهما أنه كناية. ولو قال: أنت نصف طلقة، فكناية. قال البغوي: ولو قال: أنت كل طلقة أو نصف طالق، فصريح، كقوله: نصفك طالق. ونقل العبادي خلافا في قوله: أنت نصف طلقة، ويجوز أن يجئ هذا الخلاف في قوله نصف طالق. ولو قال: أنت والطلاق أو أنت وطلقة، فكناية، أي: قرنت بينك وبينها. وإذا قلنا بالمشهور في لفظيي السراح والفراق، فقوله: فارقتك وسرحتك صريحان، وفي الاسم منهما وهو مفارقة ومسرحة وجهان، سواء الوصف، كقوله أنت مسرحة أو مفارقة، والنداء كقوله: يا مسرحة أو يا مفارقة، أصحهما صريحان أيضا، وقوله: أنت السراح، أو أنت الفراق على الوجهين في: أنت الطلاق.

(6/24)


فرع قال: أردت بقولي: طالق، إطلاقها من الوثاق، وبالفراق المفارقة في المنزل، وبالسراح إلى منزل أهلها، أو قال: أردت خطاب غيرها فسبق لساني إليها، دين ولم يقبل ظاهرا، فلو صرح، فقال: أنت طالق من وثاق، أو سرحتك إلى موضع كذا، أو فارقتك في المنزل، خرج عن كونه صريحا وصار كناية. قال المتولي: وهذا في ظاهر الحكم، وأما بينه وبين الله تعالى، فانما لا يقع الطلاق إذا كان على عزم أن يأتي بهذه الزيادة من أول كلامه، فأما إذا قال: أنت طالق، ثم بدا له فوصل به هذه الزيادة، فالطلاق واقع في الباطن. ولو لم يكن عازما على هذه الزيادة أولا ثم نواها في أثناء الكلام، فوجهان سيأتي نظيرهما إن شاء الله تعالى في الاستثناء وغيره، وكذلك التديين إذا لم يتلفظ بالزيادة، وقال: نويتها، إنما يدين إذا كان ناويا من أول الكلام، فإن حدثت بعد الفراغ من الكلام، فلا، وإن حدثت في إثنائه، فعلى الوجهين. فرع قوله: أوقعت عليك طلاقي، صريح ذكره الروياني. ولو قال: لك طلقة، أو وضعت عليك طلقة، فوجهان. فرع ذكر الاصحاب أن صريح الطلاق ثلاثة: الطلاق، والسراح، والفراق، وأهملوا ذكر شيئين هنا أحدهما: لفظ الخلع، وفي كونه صريحا في الطلاق خلاف سبق، والثاني: قوله الحلال علي حرام، وفي كونه صريحا خلاف نذكره إن شاء الله تعالى قريبا. فرع ترجمة لفظ الطلاق بالعجمية وسائر اللغات، صريح على المذهب لشهرة استعمالها في معناها عند أهل تلك اللغات، كشهرة العربية عند أهلها، وقيل: وجهان. ثانيهما: أنها كناية، وترجمة السراح والفراق فيها الخلاف، لكن

(6/25)


الاصح هنا أنها كناية قاله الامام والروياني، لان ترجمتهما بعيدة عن الاستعمال. فرع إذا اشتهر في الطلاق لفظ سوى الالفاظ الثلاثة الصريحة، كحلال الله علي حرام، أو أنت علي حرام، أو الحلال أو الحل علي حرام، ففي التحاقه بالصريح أوجه، أصحها: نعم لحصول التفاهم، وغلبة الاستعمال، وبهذا قطع البغوي، وعليه تنطبق فتاوى القفال، والقاضي حسين والمتأخرين. والثاني: لا، ورجحه المتولي. والثالث، حكاه الامام عن القفال: أنه إن نوى شيئا آخر من طعام أو غيره، فلا طلاق. وإذا ادعاه، صدق، وإن لم ينو شيئا، فإن كان فقيها يعلم أن الكناية لا تعمل إلا بالنية، لم يقع، وإن كان عاميا سألناه عما يفهم إذا سمعه من غيره، فإن قال: يسبق إلى فهمي منه الطلاق، حمل على ما يفهم، والذي حكاه المتولي عن القفال، أنه إن نوى غير الزوجة، فذاك، وإلا فيقع الطلاق للعرف. قلت: الارحج الذي قطع به العراقيون والمتقدمون، أنه كناية مطلقا 2 (212). والله أعلم. وأما البلاد التي لا يشتهر فيها هذا اللفظ للطلاق، فهو كناية في حق أهلها بلا خلاف. وفي فتاوى القاضي حسين، أنه لو كان له امرأتان، فقال: حلال الله علي حرام إن دخلت الدار فدخل، تطلق كل واحدة منهما طلقة، ويوافقه ما ذكره البغوي في الفتاوى أنه لو قال: حلال الله علي حرام وله أربع نسوة، طلقن كلهن إلا أن يريد بعضهن، لكن ذكر بعده أنه لو قال: إن فعلت كذا، فحلال الله علي حرام وله امرأتان ففعل، طلقت إحداهما، لانه اليقين، ويؤمر بالتعيين قال: ويحتمل غيره فحصل تردد. قلت: الظاهر المختار الجاري على القواعد، أنه إذا لم ينوهما، لا تطلق إلا إحداهما، أو إحداهن، لان الاسم يصدق عليه، فلا يلزمه زيادة، وقد صرح بهذا جماعة من المتأخرين، وهذا إذا نوى ب‍: حلال الله علي حرام الطلاق، وجعلناه صريحا فيه. والله أعلم.

(6/26)


فصل وأما الكناية، فيقع بها الطلاق مع النية بالاجماع، ولا يقع بلا نية وهي كثيرة، كقوله: أنت خلية وبرية، وبتة وبتلة، وبائن وحرام، وحرة، وأنت واحدة، واعتدي واستبرئي رحمك، والحقي بأهلك، وحبلك على غاربك، ولا أنده سربك، أي: لا أزجر إبلك، ومعناه: لا أهتم بشأنك، واغربي واعزبي، واخرجي واذهبي، وسافري وتجنبي، وتجردي وتقنعي، وتستري، والزمي الطريق، وبيني وأبعدي وودعيني ودعيني، وبرئت منك، ولا حاجة لي فيك، وأنت وشأنك، وأنت مطلقة ومنطلقة، وتجرعي وذوقي، وتزودي وما أشبه ذلك. وفي قوله: اشربي، وجهان: الاصح المنصوص، كناية. وقال أبو

(6/27)


إسحاق: ليس كناية، بل هو لغو، وكلي، كاشربي كناية على المذهب، وقيل: ليس كناية قطعا. وفي قوله: أغناك الله، وقوله: قومي، وجهان، أصحهما: ليس كناية. أما الالفاظ التي لا تحتمل الطلاق إلا على تقدير متعسف، فلا أثر لها، فلا يقع بها طلاق وإن نوى، وذلك كقوله: بارك الله فيك، وأحسن الله جزاءك، وما أحسن وجهك، وتعالي واقربي واغزلي واسقيني، وأطعميني وزوديني، واقعدي وما أشبه ذلك، وحكي وجه في: اقعدي وأحسن الله جزاءك، وزوديني ونحوها، أنها كناية وهو ضعيف. فرع قال لزوجته: أنت حرة أو معتقة، أو أعتقتك ونوى الطلاق، طلقت. ولو قال لعبده: طلقتك ونوى العتق، عتق. وللمناسبة والمشاركة بين الملكين يصلح كل واحدة منهما كناية في الآخر، وكما أن صريح كل واحد منهما كناية في الآخر، فكناياتها مشتركة مؤثرة في العقدين جميعا بالنية، لكن لو قال للعبد: اعتد أو استبرئ رحمك ونوى العتق، لم ينفذ لاستحالته في حقه، ولو قال ذلك لامته ونوى العتق، أو لزوجته قبل الدخول ونوى العتق، نفذ على الاصح، والظهار والطلاق ليس أحدهما كناية في الآخر. ولو قال لامته: أنت علي كظهر أمي ونوى العتق عتقت على الصحيح، وقيل: لا لانه لا يزيل الملك، بخلاف الطلاق. فصل قال لزوجته: أنت علي حرام، أو محرمة، أو حرمتك، بأن نوى الطلاق، نفذ رجعيا، فإن نوى عددا وقع ما نوى. وحكى الحناطي وجها أنه لا يكون طلاقا إذا قلنا: إنه صريح في اقتضاء الكفارة، كما سنذكره إن شاء الله تعالى قريبا وهذا وإن كان غريبا، ففيه وفاء بالقاعدة المعروفة: أن اللفظ الصريح إذا وجد نفاذا في موضوعه، لا ينصرف إلى غيره بالنية، وإن نوى الظهار، فهو. ظهار وإن نواهما معا، فهل يكون ظهارا أم طلاقا أم تخير فما اختاره منهما ثبت ؟ فيه أوجه، أصحها الثالث، وبه قال ابن الحداد، وأكثر الاصحاب، ولا ينعقد الاثنان معا قطعا. ولو نوى أحدهما قبل الآخر، قال ابن الحداد: إن أراد الظهار ثم أراد الطلاق، صحا جميعا، وإن أراد الطلاق أولا، فإذا كان بائنا، فلا معنى للظهار بعده وإن كان رجعيا

(6/28)


كان الظهار موقوفا، فإن راجعها، فهو صحيح والرجعة عود وإلا فهو لغو، قال الشيخ أبو علي هذا التفصيل فاسد عندي، لان اللفظ الواحد إذا لم يجز أن يراد به التصرفان لم يختلف الحكم بارادتهما معا، أو متعاقبين، وإن نوى تحريم عينها أو فرجها أو وطئها، لم تحرم عليه، ويلزمه كفارة يمين، كما لو قال ذلك لامته. وفي وقت وجوب الكفارة وجهان، أحدهما: لا يجب إلا عند الوطئ، ويكون هذا اللفظ مع نية التحريم، كاليمين على ترك الوطئ، وعلى هذا الوجه يكون مؤليا بقوله: أنت علي حرام لوجوب الكفارة بالوطئ كقوله: والله لا أطؤك. والثاني وهو الصحيح: أن الكفارة تجب في الحال وإن لم يطأ، وهي ككفارة اليمين وليست كفارة يمين، لان اليمين لا تنعقد إلا بأسماء الله تعالى وصفاته فعلى هذا لو قال: أردت الحلف على ترك الوطئ لم يقبل على الصحيح لما ذكرناه، وقيل: يقبل وينعقد يمينا، فعلى هذا هل يصير لفظ التحريم يمينا بالنية في غير الزوجات، والاماء كالطعام واللباس وغيرهما، أم يختص بالابضاع ؟ وجهان. قلت: أصحهما يختص. والله أعلم. وإن أطلق قوله: أنت علي حرام ولم ينو شيئا، فقولان أظهرهما: وجوب الكفارة وقوله: أنت علي حرام، صريح في لزوم الكفارة، والثاني: لا شئ عليه وهذا اللفظ كناية في لزوم الكفارة، وهذا التفصيل مستمر فيمن قال: أنت علي حرام في بلاد لم يشتهر فيها لفظ الحرام في الطلاق، وفيمن قاله في بلاد اشتهر فيها للطلاق إذا قلنا: إن الشيوع والاشتهار لا يجعله صريحا، فأما إذا قلنا: إنه يصير به صريحا فمقتضى ما في التهذيب، أنه يتعين للطلاق ولا تفصيل، وقال الامام: لا يمنع ذلك صرف النية إلى التحريم الموجب للكفارة، كما أنا وإن جعلناه صريحا في الكفارة عند الاطلاق يجوز صرفه بالنية إلى الطلاق قال: وإذا أطلق وجعلناه

(6/29)


صريحا في الكفارة، بني على أن الصرائح تؤخذ من الشيوع فقط، أم منه ومن ورود الشرع به ؟ إن قلنا بالاول حمل على الغالب في الاستعمال وإن قلنا بالثاني فهل يثبت الطلاق لقوته، أم يتدافعان ؟ فيه رأيان. فرع قول الغزالي في الوسيط: إن نوى التحريم كان يمينا، هذا غلط، بل الصواب ما اتفق عليه جميع الاصحاب أنه ليس بيمين، لكن فيه كفارة يمين. فرع قال لامته: أنت علي حرام، أو حرمتك، فإن نوى العتق عتقت، وإن نوى طلاقا أو ظهارا، فهو لغو، قال ابن الصباغ: وعندي أن نية الظهار كنية التحريم. وإن نوى تحريم عينها، لم تحرم ويلزمه كفارة يمين، وإن أطلق ولم ينو شيئا لزمته الكفارة على الاظهر. وقيل: قطعا. ولو قال ذلك لامته التي هي اخته ونوى تحريم عينها، أو لم ينو شيئا، لم تلزمه الكفارة، لانه صدق في وصفها، وإنما تجب الكفارة لوصفه الحلال بالحرمة. ولو كانت الامة معتدة، أو مرتدة، أوژ مجوسية، أو مزوجة، أو كانت الزوجة محرمة، أو معتدة عن شبهة، ففي وجوب الكفارة وجهان، لانها محل لاستباحة في الجملة. ولو كانت حائضا أو نفساء أو صائمة، وجبت على المذهب، لانها عوارض. ولو خاطب به الرجعية، فلا كفارة على المذهب، ونقل الحناطي فيه خلافا. فرع قال: هذا الثوب، أو العبد، أو الطعام حرام علي، فهو لغو لا يتعلق به كفارة ولا غيرها. فرع قال: كل ما أملكه حرام علي وله زوجات وإماء، ونوى تحريمهن، أو أطلق وجعلناه صريحا، أو قال لاربع زوجات أنتن علي حرام، فهل تتعدد الكفارة، أم تكفي كفارة واحدة عن جميع ذلك ؟ فيه خلاف المذهب الاكتفاء في الجميع وقيل: تتعدد بالاشخاص، وقيل: للزوجات كفارة والاماء أخرى، وقيل: وللمال أخرى حكاه الحناطي.

(6/30)


فرع: قال لزوجته: أنت علي حرام، أنت علي حرام ونوى التحريم، أو جعلناه صريحا فإن قال ذلك في مجلس، أو قاله في مجالس ونوى التأكيد، فعليه كفارة واحدة وإن قاله في مجالس ونوى الاستئناف، تعددت الكفارة على الاصح. وقيل: عليه كفارة فقط، وإن أطلق، فقولان. فرع قال: أنت حرام ولم يقل: علي، قال البغوي: هو كناية بلا خلاف، ولو قال: أنت علي كالميتة، والدم، والخمر، أو الخنزير وقال: أردت الطلاق، أو الظهار نفذ، وإن نوى التحريم، لزمته الكفارة. وإن أطلق، فظاهر النص أنه كالحرام فيكون على الخلاف. وعلى هذا جرى الامام، والذي ذكره البغوي وغيره أنه لا شئ عليه، قال الحناطي: الخلاف هنا مرتب على لفظ الحرام، وهنا أولى بأن لا يكون صريحا، وحكى قولا شاذا أنه لا كفارة وإن نوى التحريم. قال الشيخ أبو حامد: ولو قال أردت أنها حرام علي، فإن جعلناه صريحا، وجبت الكفارة وإلا فلا لانه ليس للكناية كناية، وتبعه على هذا جماعة، ولا يكاد يتحقق هذا التصوير، ولو قال: أردت أنها كالميتة في الاستقذار، صدق ولا شئ عليه. فرع قال اسماعيل البوشنجي: إنما يقع الطلاق بقوله: أنت حرام علي إذا نوى حقيقة الطلاق، وقصد إيقاعه بهذا اللفظ، أما إذا لم ينو كذلك، فلا يقع وإن اعتقد قوله: أنت علي حرام موقعا، وظن أنه قد وقع طلاقه. فرع قال: متى قلت لامرأتي: أنت علي حرام، فإني أريد به الطلاق ثم قال لها بعد مدة: أنت علي حرام، فهل يحمل على الطلاق، أم يكون كما لو ابتدأ به ؟ وجهان خرجهما أبو العباس الروياني. قلت: أصحهما الثاني. والله أعلم. فرع تكرر في كلام الاصحاب في المسألة، أن قوله: أنت علي حرام صريح في الكفارة، أم كناية، وفي الحقيقة ليس لزوم الكفارة معنى اللفظة حتى يقال: صريح فيه، أم كناية، وإنما هو حكم رتبه الشرع على التلفظ به. واختلفوا في أنه يتوقف على نية التحريم أم لا ؟ فتوسعوا باطلاق لفظ الصريح والكناية.

(6/31)


فصل الكناية لا تعمل بنفسها، بل لابد فيها من نية الطلاق، وتقترن النية باللفظ فلو تقدمت، ثم تلفظ بلا نية، أو فرغ من اللفظ ثم نوى، لم تطلق، فلو اقترنت بأول اللفظ دون آخره، أو عكسه، طلقت على الاصح، ولا تلتحق الكناية بالصريح بسؤال المرأة الطلاق، ولا بقرينة الغضب واللجاج، ومتى تلفظ بكناية وقال: ما نويت صدق بيمينه، فإن نكل، حلفت، وحكم بوقوع الطلاق، وربما اعتمدت قرائن يجوز الحلف بمثلها. فصل في مسائل منثورة متعلقة بالصريح والكناية في الزيادات لابي عاصم العبادي، أنه لو قال: بعتك طلاقك، فقالت: اشتريت ولم يذكرا عوضا، لا يحصل فرقة إذا لم يكن نية، وقيل: تقع طلقة بمهر المثل، وأنه لو قال: لم يبق بيني وبينك شئ ونوى الطلاق، لم تطلق، وفي هذا توقف. قلت: الصواب الجزم بالطلاق، لانه لفظ صالح ومعه نية. والله أعلم. وأنه لو قال: برئت من نكاحك ونوى، طلقت، وأنه لو قال: برئت من طلاقك ونوى، لم تطلق، ولو قال: برئت إليك من طلاقك، قال اسماعيل البوشنجي: هو كناية، أي: تبرأت منك بوساطة إيقاع الطلاق عليك. ولو قال: أبرأتك، أو عفوت عنك، فكناية، لاشعاره بالاسقاط، وله عليها حقوق النكاح، وتسقط بالطلاق وأنه لو قال: طلقك الله، أو قال لامته: أعتقك الله، طلقت وعتقت، وهذا يشعر بأنهما صريحان، ورأى البوشنجي أنهما كنايتان لاحتماله الانشاء والدعاء. وقول مستحق الدين للغريم: أبرأك الله، كقول الزوج: طلقك الله. ولو قال: أنت طال وترك القاف، طلقت حملا على الترخيم. قال

(6/32)


البوشنجي: ينبغي أن لا يقع وإن نوى، فإن قال: يا طال، ونوى، وقع، لان الترخيم إنما يكون في النداء، فأما في غير النداء، فلا يقع إلا نادرا في الشعر، وانه إذا قال: الطلاق لازم لي، أو واجب علي، طلقت للعرف. ولو قال: فرض علي، لم تطلق لعدم العرف فيه. ورأى البوشنجي أن جميع هذه الالفاظ كناية، لانه لو قال: طلاقك علي، واقتصر عليه ونوى، وقع، فوصفه بواجب أو فرض يزيده تأكيدا. وحكى صاحب العدة الخلاف فقال: لو قال طلاقك لازم لي، فوجهان. قال أكثر الاصحاب: هو صريح. ولو قال: لست بزوجة لي، فالصحيح أنه كناية. وقيل: لغو. وفي فتاوى القفال أنه لو قال: اذهبي إلى بيت أبوي ونوى الطلاق، إن نواه بقوله: اذهبي، وقع، وإن نواه بمجموع اللفظين، لم يقع، لان قوله: إلى بيت أبوي لا يحتمل الطلاق، بل هو لاستدراك مقتضى قوله: اذهبي. وأنه لو قال لها: أنت طالقان أو طوالق، لم يقع إلا طلقة. وانه لو قال: كل امرأة لي طالق إلا عمرة، ولا امرأة له سواها، طلقت، لان الاستثناء مستغرق فبطل. ولو قال: النساء طوالق إلا عمرة، ولا زوجة له سواها، لم تطلق. وإن كانت إمرأته في نسوة، فقال: طلقت هؤلاء إلا هذه، وأشار إلى زوجته، لم تطلق. وأنه لو قال

(6/33)


لامرأته يا بنتي، وقعت الفرقة بينهما عند احتمال السن، كما لو قاله لعبده أو أمته. قلت: المختار في هذا أنه لا يقع به فرقة إذا لم يكن له نية، لانه انما يستعمل في العادة للملاطفة وحسن المعاشرة. والله أعلم. وأنه لو كانت له زوجة تنسب إلى زوج أمها، فقال: بنت فلان طالق، لم تطلق، لانها ليست بنته حقيقة، ولغيره في هذا احتمال. قلت: ينبغي أن يقال: إن نواها طلقت، ولا يضر الغلط في نسبها، كنظيره في النكاح وإلا فلا، ومراد القفال بقوله: لم تطلق، أي: في الظاهر، وأما الباطن، فيتعين أن يكون كما ذكرته. والله أعلم. وأنه لو قال: نساء المسلمين طوالق، لم تطلق امرأته. وعن غيره: أنها تطلق، وبنى الخلاف على أن المخاطب هل يدخل في الخطاب ؟ قلت: الاصح عند أصحابنا في الاصول: أنه لا يدخل، وكذا هنا: الاصح أنها لا تطلق. والله أعلم.

(6/34)


وأنه لو قال: بانت مني امرأتي، أو حرمت علي، لم يكن إقرارا بالطلاق، لانه كناية، وأنه لو قال: أنت بائن ثم قال بعد مدة: أنت طالق، ثلاثا، وقال: أردت بالبائن الطلاق، فلم يقع على الثلاث لمصادفتها البينونة، لم يقبل منه، لانه متهم، وأنه لو قال: بطلاقك لا أكلم فلانا فكلمه، لم تطلق، لان الطلاق لا يحلف به. وأنه لو قالت له زوجته واسمها فاطمة: طلقني، فقال: طلقت فاطمة، ثم قال: نويت فاطمة أخرى، طلقت، ولا يقبل قوله لدلالة الحال، بخلاف ما لو قال ابتداء: طلقت فاطمة، ثم قال: نويت أخرى. وقد يشكل هذا بما سبق، أن السؤال لا يلحق الكناية بالصريح. وأنه لو قال: طلقت ولم يزد عليه، لا يقع

(6/35)


الطلاق، وإن نوى، لانه لم يجر للمرأة ذكر ولا دلالة، فهو كما لو قال: امرأتي ونوى الطلاق، وأنه لو قال لولي امرأته: زوجها، كان إقرارا بالفراق. ولو قال لها: انكحي، لم يكن إقرارا، لانها لا تقدر أن تنكح، ولكن المفهوم منه ما يفهم من قول الله تعالى: * (حتى تنكح زوجا غيره) *. قلت: الصواب أنه كناية إذا خاطبها به، بخلاف الولي، لانه صريح فيه. والله أعلم. ومما نقل من معلقات القاضي شريح الروياني من أصحابنا المتأخرين، ما حكاه عن جده أبي العباس الروياني وغيره، أنه لو قال: أحللتك ونوى طلاقها، هل هو كناية ؟ وجهان. قلت: الاصح أنه كناية. والله أعلم. وأنه لو قال: أنت بائن وطالق، يرجع إلى نيته في بائن، ولا يجعل قوله: وطالق تفسيرا له. وأنه لو كرر كناية، كقوله: اعتدي اعتدي اعتدي، ونوى الطلاق، فإن نوى التأكيد وقعت واحدة، وإن نوى الاستئناف، فثلاث، وإن لم ينو، فقولان. ولو كانت الالفاظ مختلفة، ونوى بها الطلاق، وقع بكل لفظة طلقة. وأن القفال قطع بأنه لو قال: طلقت، ونوى امرأته، لم تطلق لعدم الاشارة والاسم. ولو قيل له: ما تصنع بهذه الزوجة ؟ طلقها، فقال: طلقت، أو قال لامرأته: طلقي نفسك، فقالت: طلقت، وقع الطلاق، لانه يترتب على السؤال والتقويض، وأنه لو قال: أنت بطلقة، ونوى، لم تطلق. وأنه لو كان له زوجتان، إحداهما فاطمة بنت محمد، والاخرى فاطمة بنت رجل سماه أبواه أيضا محمدا، إلا أنه

(6/36)


اشتهر في الناس بزيد، وبه يدعونه، فقال الزوج: زوجتي فاطمة بنت محمد طالق، وقال: أردت بنت الذي يدعونه زيدا، قال جدي: يقبل لان الاعتبار بتسمية أبويه، وقد يكون للرجل اسمان، وأكثر، وقيل: الاعتبار بالاسم المشهور في الناس، لانه أبلغ في التعريف. وأنه لو قال: امرأتي هذه محرمة علي لا تحل لي أبدا، قال جدي: لا تطلق، لان التحريم قد يكون بغير الطلاق، وقد يظن التحريم المؤبد باليمين على ترك الجماع، وقيل: يحكم عليه بالبينونة لمقتضى هذا اللفظ، وأنه لو قيل لرجل اسمه زيد: يا زيد، فقال: امرأة زيد طالق، قال جدي: تطلق امرأته. وقال غيره: لا تطلق حتى يريد نفسه لجواز إرادة زيد اخر. وليجئ هذا الوجه، فيما إذا قال: فاطمة طالق واسم زوجته فاطمة، ويشبه أن يكون هو الاصح ليكون قاصدا تطليق زوجته، وأنه لو قيل: طلقت امرأتك، فقال: اعلم أن الامر على ما تقوله، فهل يكون هذا إقرارا بالطلاق ؟ وجهان حكاهما جدي، أصحهما ليس باقرار لانه أمره أن يعلم، ولم يحصل هذا العلم، وأنها لو ادعت أنه طلقها ثلاثا، فأنكر، ثم قال لفقيه: اكتب لها ثلاثا، قال جدي: يحتمل كونه كناية، ويحتمل أن لا يكون، وأنه لو قال: امرأتي التي في هذه الدار طالق، ولم تكن امرأته فيها، لا يقع الطلاق، وأنه لو قال: رددت عليك الطلقات الثلاث، ونوى،

(6/37)


وقع الثلاث. وأنه لو قال: امرأته طالق، وعنى نفسه، قال جدي: يحتمل وقوع الطلاق، ويحتمل عدمه. قلت: الوقوع أرجح. والله أعلم. وأنه لو قال لابنه: قل لامك أنت طالق، قال جدي: إن أراد التوكيل، فإذا قاله لها الابن، طلقت، ويحتمل أن يقع ويكون الابن مخبرا لها بالحال. وأنه لو قال: كل امرأة في السكة طالق، وزوجته في السكة، طلقت على الاصح. وأنه لو وكل في طلاقها، فقال الوكيل: طلقت من يقع الطلاق عليها بلفظي، هل تطلق التي وكله في طلاقها ؟ أو طلقها ولم ينو عند الطلاق أن يطلق لموكله، ففي الوقوع وجهان. في فتاوي القاضي حسين، أنه لو قيل له: فعلت كذا، فأنكر، فقيل له: إن كنت فعلته فامرأتك طالق، قال نعم، لم تطلق، لانه لم يوقعه. قال البغوي: ينبغي أن يكون على القولين، فيمن قيل له: طلقتها ؟ قال: نعم. وفي المستدرك للامام اسماعيل البوشنجي، أنه لو قال لزوجته: وهبتك لاهلك، أو لابيك أو للازواج أو للاجانب، ونوى الطلاق، طلقت، كقوله: الحقي بأهلك. وأنه لو قال لامرأته: أنت كذا ونوى الطلاق، لم تطلق. وكذا لو علق بصفة، فقال: إن لم أدخل الدار، فأنت كذا، ونوى، لم تطلق لانه لا إشعار له بالفرقة، فأشبه إذا قال: إن لم أدخل الدار فأنت كما أضمر، ونوى الطلاق، فانها لا تطلق، وأنه لو قال: أربع طرق عليك مفتوحة، فخذي أيها شئت، أو لم يقل: خذي أيها شئت، أو قال: فتحت عليك طريقك، فكناية. وقال أبو بكر الشاشي: إذا لم يقل: خذي أيها شئت، فليس كناية، ووافق في قوله: فتحت عليك طريقك أنه كناية. وأنه لو قال: خذي طلاقك، فقالت: أخذت، لم تطلق ما لم توجد نية الايقاع من الزوج بقوله: خذي أو من المرأة إن حمل قوله على تفويض الطلاق إليها.

(6/38)


وفي الاقناع لاقضى القضاة الماوردي، أن قوله: لعل الله يسوق إليك خيرا كناية، وذكر هو وغيره أن قوله: بارك الله لك، كناية، بخلاف قوله: بارك الله فيك. وفي فتاوى الغزالي: إذا كتب الشروطي إقرار رجل بالطلاق، فقال له الشهود: نشهد عليك بما في هذا الكتاب ؟ فقال: اشهدوا، لا يقع الطلاق بينه وبين الله تعالى، بل لو قال: اشهدوا على أني طلقتها أمس وهو كاذب، لم يقع فيما بينه وبين الله تعالى. وفي التتمة أنه لو قال لواحدة من نسائه: أنت طالق مائة طلقة، فقالت: تكفيني ثلاث، فقال: الباقي على صواحبك، لا يقع على صواحبها طلاق، لانه لم يخاطبهن، وإنما رد عليها شيئا لاغيا، فإن نوى به الطلاق، كان طلاقا وكان التقدير: أنت طالق بثلاث، وهن طوالق بالباقي وأنه لو قال: كل امرأة أتزوجها فهي طالق، وأنت يا أم أولادي، قال أبو عاصم العبادي: لا تطلق، وهو كما قال غيره: لو قال لزوجته: نساء العالمين طوالق وأنت يا فاطمة، لا تطلق، لانه عطف على نسوة لم يطلقن، وأنه لو قال له رجل: فعلت كذا فأنكر، فقال الرجل: الحل عليك حرام، والنية نيتي أنك ما فعلت، فقال: الحل علي حرام، والنية نيتك ما فعلته، لغا قوله: النية نيتك، ويكون الحكم كما لو تلفظ بهذا اللفظ ابتداء ولو قال له لما أنكر: امرأتك طالق إن كنت كاذبا، فقال: طالق وقال: ما أردت طلاق امرأتي يقبل، لانه لم توجد إشارة إليها ولا تسمية، وإن لم يدع إرادة غيرها، حكم بوقوع الطلاق وبالله التوفيق.

(6/39)


فرع قال: أنت طالق ثلاثا أو لا، باسكان الواو، لا يقع شئ. قال المتولي: كما لو قال: هل أنت طالق ؟ ولو قال: أنت طالق أولا بتشديد الواو وهو يعرف العربية، طلقت.
الطرف الثاني : في الافعال القائمة مقام اللفظ: الاشارة والكتب يدلان على الطلاق، فأما الاشارة، فمعتبرة من الاخرس في وقوع الطلاق، وتقوم إشارته مقام عبارة الناطق في جميع العقود والحلول والاقارير والدعاوي، لكن في شهادته خلاف. وإذا أشار في صلاته بطلاق أو بيع أو غيرهما، صح العقد قطعا ولا تبطل صلاته على الصحيح، ثم منهم من أدار الحكم على إشارته المفهومة، وأوقع ا لطلاق بها، نوى أم لم ينو، وكذا فصل البغوي. وقال الامام وآخرون: إشارته منقسمة إلى صريحة مغنية عن النية، وهي التي يفهم منها الطلاق كل واقف عليها، وإلى كناية مفتقرة إلى النية، وهي التي يفهم الطلاق بها المخصوص بالفطنة والذكاء. ولو بالغ في الاشارة، ثم ادعى أنه لم يرد الطلاق وأفهم هذه الدعوى. قال الامام: هو كما لو فسر اللفظة الشائعة في الطلاق بغيره. فرع سواء في اعتبار إشارة الاخرس، قدر على الكتابة أم لا، هكذا قاله الامام ويوافقه إطلاق الجمهور. وقال المتولي: إنما تعتبر إشارته إذا لم يقدر على كتابة مفهمة. فالكتابة هي المعتبرة، لانها أضبط، وينبغي أن يكتب مع ذلك: إني قصدت الطلاق. فرع إذا كتب الاخرس الطلاق، فثلاثة أوجه. الصحيح أنه كناية، فيقع الطلاق إذا نوى، وإن لم يشر معها، والثاني: لا بد من الاشارة، والثالث: هو صريح، قاله الشيخ أبو محمد. فصل القادر على النطق، إشارته بالطلاق ليست صريحة، وإن أفهم بها كل أحد، وليست كناية أيضا على الاصح. ولو قال لاحدى زوجتيه: أنت طالق وهذه، ففي افتقار طلاق الثانية إلى نية، وجهان. ولو قال: امرأتي طالق، وأشار إلى إحدهما، ثم قال: أردت الاخرى، فوجهان. أحداهما: يقبل. والثاني: لا يقبل، بل تطلقان جميعا.

(6/40)


فصل إذا كتب القادر بطلاق زوجته، نظر، إن قرأ ما كتبه وتلفظ به في حال الكتابة، أو بعدها، طلقت، وإن لم يتلفظ، نظر، إن لم ينو إيقاع الطلاق، لم تطلق على الصحيح، وقيل: تطلق وتكون الكتابة صريحا، وليس بشئ. وإن نوى، ففيه أقوال وأوجه وطرق، مختصرها ثلاثة أقوال. أظهرها: تطلق مطلقا، والثاني: لا، والثالث: تطلق إن كانت غائبة عن المجلس، وإلا فلا. وهذا الخلاف جار في سائر التصرفات التي لا تفتقر إلى قبول كالاعتاق والابراء، والعفو عن القصاص وغيرها بلا فرق. وأما ما يحتاج إلى قبول، فهو نكاح وغيره، أما غيره كالبيع والهبة والاجارة، ففي انعقادها بالكتب خلاف مرتب على الطلاق، وما في معناه، إن لم يعتبر الكتب هناك، فهنا أولى، وإلا فوجهان، للخلاف في انعقاد هذه التصرفات بالكنايات، ولان القبول فيها شرط فيتأخر عن الايجاب، والاشبه الانعقاد. ومن قال به، جعل تمام الايجاب بوصول الكتاب، حتى يشترط اتصال القبول به. وفي وجه: لا يشترط ذلك، بل يراعى التواصل اللائق بين الكتابين، وقد أشرنا إلى هذا كله في أول البيع، وذكرنا عن بعضهم، أن المشتري لو قبل بالقول، كان أقوى من أن يكتب، وكذا ذكره الامام. وأما النكاح، ففيه خلاف مرتب، والمذهب منعه بسبب الشهادة، فلا اطلاع للشهود على النية. ولو قالا بعد المكاتبة: نوينا، كان شهادة على إقرارهما لا على نفس العقد، ومن جوز اعتمد الحاجة. وإذا قلنا: ينعقد البيع والنكاح بالمكاتبة، فذلك في حال الغيبة، فأما عند الحضور، فخلاف مرتب. وحيث حكمنا بانعقاد النكاح بالمكاتبة يكتب: زوجتك بنتي، ويحضر الكتاب عدلان، ولا يشترط أن يحضرهما، ولا أن يقول: اشهدا. فإذا بلغه، فيقبل لفظا. أو يكتب القبول، ويحضر القبول شاهدا الايجاب، فإن شهده آخران، فوجهان. أصحهما: المنع، ومن جوزه، احتمله كما احتمل الفصل بين الايجاب والقبول. ثم إذا قبل لفظا أو كتابة، يشترط كونه على الفور، وفيه وجه ضعيف سبق. فرع كتب إليه: وكلتك في بيع كذا من مالي، أو إعتاق عبدي، فإن قلنا:

(6/41)


الوكالة لا تفتقر إلى القبول، فهو ككتب الطلاق، وإلا فكالبيع ونحوه. فرع كتب: زوجتي طالق، أو يا فلانة أنت طالق. أو كل زوجة لي فهي طالق، فإن قرأ ما كتبه، فقد ذكرنا أنها تطلق. فلو قال: لم أنو الطلاق، وإنما قصدت قراءة ما كتبته وحكايته، ففي قبوله ظاهرا وجهان مشبهان بالوجهين فيما لو حل الوثاق، وقال: أنت طالق. وفائدة الخلاف، إنما تظهر إذا لم يجعل الكتب صريحا ولا كناية، أو قلنا: كناية، وأنكر اقتران النية. فرع إذا أوقعنا الطلاق بالمكاتبة، نظر في صورة المكتوب، إن كتب: أما بعد، فأنت طالق، طلقت في الحال، سواء وصلها الكتاب أم ضاع. وإن كتب: إذا قرأت كتابي، فأنت طالق، لم يقع بمجرد البلوغ، بل عند القراءة. فإن كانت تحسن القراءة، طلقت إذا قرأته، قال الامام: والمعتبر أن تطلع على ما فيه. واتفق علماؤنا على أنها إذا طالعته وفهمت ما فيه، طلقت، وإن لم تتلفظ بشئ. فلو قرأه غيرها عليها، فهل يقع الطلاق لان المقصود اطلاعها، أم لا لعدم قراءتها مع الامكان ؟ وجهان. أصحهما: الثاني، وبه قطع البغوي. وإن كانت لا تحسن القراءة، طلقت إذا قرأه عليها شخص على الصحيح. وقيل: لا تطلق أصلا. ولو كان الزوج لا يعلم، أهي قارئة أم لا، فيجوز أن ينعقد التعليق على قراءتها بنفسها، نظرا إلى حقيقته، ويجوز أن ينعقد على الفهم والاطلاع، لانه القدر المشترك بين الناس، والاول أقرب. أما إذا كتب: إذا أتاك كتابي، أو بلغك، أو وصل إليك كتابي فأنت طالق، فلا يقع الطلاق قبل أن يأتيها فإن انمحى جميع المكتوب، فبلغها القرطاس بحيث لا يمكن قراءته، لم تطلق كما لو ضاع. وقيل: تطلق، إذ يقال: أتى كتابه وقد انمحى، والصحيح الاول. وإن بقي أثر، وأمكنت قراءته، طلقت، كما لو وصل بحاله، وإن وصلها بعض الكتاب دون بعضه، فخرم الكتاب أربعة أقسام. أحدها: موضع الطلاق، فإن كان هو الضائع، أو انمحى ما فيه، فثلاثة أوجه. أصحها: لا تطلق، والثاني: تطلق، والثالث: إن قال: إذا جاءك كتابي،

(6/42)


وقع وإن قال: إذا جاءك كتابي هذا أو الكتاب، فلا. الثاني: موضع سائر مقاصد الكتاب، ومنه ما يعتذر به عن الطلاق ويوبخها عليه من الافعال الملجئة إلى الطلاق، فإن كان الخلل فيه بالتخرق والانمحاء، وبقي موضع الطلاق وغيره، ففيه الاوجه الثلاثة، والوقوع هنا أولى، وبه قال أبو إسحاق، لوصول المقصود، ويحسن الاعتماد على الوجه الثالث في الصورتين. الثالث: موضع السوابق واللواحق، كالتسمية، وصدر الكتاب، والحمد والصلاة. فإذا كان الخلل فيه والمقاصد باقية، ففيه الاوجه، لكن الاصح هنا، الوقوع. قال الامام: وكنت أود أن يفرق في هذه الصور الثلاث بين أن يبقى معظم الكتاب، أم يختل ؟ فإن للمعظم أثرا في بقاء الاسم وعدمه. قلت: هذا الذي أشار إليه الامام، هو وجه ذكره في المستظهري لكنه لم يطرده فيما إذا انمحى موضع الطلاق، لم يقع عنده. وعند سائر العراقيين قطعا، ولفظه: وقيل: إن وجد أكثر الكتاب، طلقت. والله أعلم. الرابع: البياض في أول الكتاب وآخره. المذهب: أنه لا عبرة. بزواله وقيل: يطرد الخلاف. أما إذا كتب: إذا بلغك كتابي فأنت طالق، فإن بلغ موضع الطلاق وقع بلا تفصيل ولا خلاف، وإن بلغ ما سواه وبطل موضع الطلاق، لم تطلق. فرع كتب: إذا بلغك كتابي، فأنت طالق، وكتب أيضا: إذا وصل إليك طلاقي فأنت طالق فبلغها، وقعت طلقتان للصفتين. ولو كان التعليق بقراءتها، فقرأت بعضه دون بعض، فعلى ما ذكرناه في وصول بعضه دون بعض. فرع كتب كتابه ونوى، فككتب الصريح. ولو أمر الزوج أجنبيا، فكتب ونوى الزوج، لم تطلق كما لو قال للاجنبي: قل لزوجتي: أنت بائن ونوى الزوج، لا تطلق. فرع كتب: إذا بلغك نصف كتابي هذا فأنت طالق، فبلغها كله، فهل يقع

(6/43)


لاشتمال الكل على النصف، أم لا لان النصف في مثل هذا يراد به المنفرد ؟ وجهان. قلت: الاصح الوقوع. والله أعلم. فرع الكتب على الكاغد، والرق، واللوح، والنقر في الحجر والخشب، سواء في الحكم، ولا عبرة برسم الحروف على الماء والهواء، لانها لا تثبت. قال الامام: ولا يمتنع أن يلحق هذا بالاشارة المفهمة، ولك أن تمنعه، لان هذا إشارة إلى الحروف لا إلى معنى الطلاق وهو الابعاد. قلت: ولو خط على الارض وأفهم، فكالخط على الورق، ذكره الامام والمتولي وغيرهما، وقد سبق في كتاب البيع. والله أعلم. فرع قالت: أتاني كتاب الطلاق، فأنكر أنه كتبه، أو أنه نوى، صدق، فلو شهد شهود أنه خطه، لم تطلق بمجرد ذلك، بل يحتاج مع ذلك إلى إثبات قراءته أو نيته. فرع كتب: أنت طالق ثم استمد فكتب: إذا أتاك كتابي، فإن احتاج إلى الاستمداد، لم تطلق حتى يبلغها الكتاب، وإلا طلقت في الحال. فرع حرك لسانه بكلمة الطلاق، ولم يرفع صوته قدرا يسمع نفسه. قال المتولي: حكى الزجاجي، أن المزني نقل فيه قولين. أحدهما: تطلق، لانه أقوى من الكتب مع النية. والثاني: لا لانه ليس بكلام، ولهذا يشترط في قراءة الصلاة أن يسمع نفسه. قلت: الاظهر: الثاني، لانه في حكم النية المجردة، بخلاف الكتب، فإن المعتمد في وقوع الطلاق به حصول الافهام ولم يحصل هنا. والله أعلم. الطرف الثالث : في التفويض يجوز أن يفوض إلى زوجته طلاق نفسها،

(6/44)


فإذا فوض فقال: طلقي نفسك إن شئت، فهل هو تمليك للطلاق، أم توكيل به ؟ قولان. أظهرهما: تمليك وهو الجديد، فعلى هذا، تطليقها يتضمن القبول، ولا يجوز لها تأخيره، فلو أخرت بقدر ما ينقطع القبول عن الايجاب ثم طلقت، لم يقع. وقال ابن القاص وغيره: لا يضر التأخير ما داما في المجلس، وقال ابن المنذر: لها أن تطلق متى شاءت، ولا يختص بالمجلس، والصحيح الاول، وبه قال الاكثرون. ولو قال: طلقي نفسك بألف، أو على ألف إن شئت فطلقت، وقع بائنا، وهذا تمليك بعوض. وإذا لم يجر عوض، فهو كالهبة. قال القفال: ولو قال: طلقي نفسك، فقالت: كيف يكون تطليقي لنفسي، ثم قال: طلقت، وقع الطلاق ولم يكن هذا القدر قاطعا، وهذا تفريع على أن الكلام اليسير لا يضر تخلله. أما إذا قلنا: التفويض توكيل، ففي اشتراط قبولها الخلاف المذكور في سائر الوكالات، ويجئ الوجه الفارق بين صيغة الامر بأن يقول: طلقي نفسك. وصيغة العقد، كقوله: وكلتك في طلاق نفسك. وهل يجوز تأخير التطليق على هذا القول ؟ وجهان. أصحهما: نعم، فتطلق متى شاءت كتوكيل الاجنبي. والثاني وبه قال القاضي حسين البغوي: لا، وطرده القاضي فيما لو قال: وكلتك في طلاق نفسك. أما إذا قال: طلقي نفسك متى شئت، فيجوز التأخير قطعا، وللزوج أن يرجع فيه قبل أن تطلق نفسها إن جعلناه توكيلا، وكذا إن جعلناه تمليكا على الصحيح، ومنعه ابن خيران. ولو قال: إذا جاء رأس الشهر، فطلقي نفسك، فإن قلنا: تمليك، لغا، وليس لها التطليق إذا جاء رأس الشهر.. وإن قلنا: توكيل، جاز كتوكيل،

(6/45)


الاجنبي. وعلى هذا لو قال: إذا جاء رأس الشهر، فطلقي نفسك، إن ضمنت لي ألفا، أو قال: طلقي نفسك ان ضمنت لي ألفا بعد شهر، فإذا طلقت نفسها على ألف بعد مضي الشهر، طلقت ولزمها الالف. قال اسماعيل البوشنجي: لو قال لاجنبي: إذا جاء رأس الشهر، فأمر امرأتي بيدك، فإن كان قصده بذلك إطلاق الطلاق له بعد انقضاء الشهر، فله التطليق بعد أي وقت شاء، إلا أن يطرأ منع، وإن أراد تقييد الامر برأس الشهر، تقيد الطلاق به، وليس له التطليق بعده، ولو قال: إذا مضى هذا الشهر فأمرها بيدك، فمقتضاه إطلاق الاذن بعده، فيطلقها بعده متى شاء ولو قال: أمرها بيدك إلى شهر أو شهرا، فله أن يطلقها إلى شهر، وليس له تطليقها بعده. وهذه الاحكام في حق الزوجة، كهي في حق الاجنبي إذا جعلنا التفويض إليها توكيلا. فرع قال: طلقي نفسك، فقالت: طلقت نفسي أو أنا طالق إذا قدم زيد، لم يقع الطلاق إذا قدم، لانه لم يملكها التعليق، وكذا حكم الاجنبي، وفيها وجه حكاه الحناطي. ولو قال لها: علقي طلاقك، ففعلت، أو قاله لاجنبي، ففعل، لم يصح، لان تعليق الطلاق يجري مجرى الايمان، فلا يدخله نيابة، وقيل: يصح، وقيل: إن علق على صفة توجد لا محالة، كطلوع الشمس، ورأس الشهر، صح لان مثل هذا التعليق ليس بيمين، وإن كانت محتملة الوجود كدخول الدار، لم يصح، لانه يمين، والصحيح هو الاول، وبه قطع البغوي. فرع تفويض الاعتاق إلى العبد، كتفويض التطليق إلى الزوجة في الاحكام المذكورة.
فصل كما يجوز التفويض بصريح الطلاق، ويعتد من المفوض إليها بالصريح، كذلك يجوز التفويض بالكنايات مع النية، ويعتد منها بالكناية مع النية، ولا يشترط توافق لفظيهما، إلا أن يقيد التفويض. فإذا قال: أبيني نفسك، أو بتي، فقالت: آبنت، أو بتت، ونويا، طلقت.

(6/46)


وإن لم ينو أحدهما، لم تطلق. ولو قال: طلقي نفسك، فقالت: أبنت نفسي، أو أنا خلية أو برية، ونوت، طلقت على الصحيح. وقال ابن خيران، وأبو عبيد بن خربويه: لا تطلق. ولو قال: طلقي نفسك، فقالت للزوج: طلقتك، ففيه هذا الخلاف، ويجري الخلاف في عكسه بأن يقول: أبيني نفسك، أو فوضت إليك أمرك، أو ملكتك نفسك، أو أمرك بيدك وينوي، فتقول: طلقت نفسي، قال القاضي حسين وغيره: ويجري فيما لو قال لاجنبي: طلقها، فقال: أبنتها، ونوى، أو قال: أبنها ونوى، فقال: طلقتها. ولو قال لها: أبيني نفسك ونوى، فقالت: أنا خلية ونوت، فإن قلنا بالصحيح، طلقت، وعلى قول ابن خيران، وجهان. أصحهما: تطلق، لان الاعتماد هنا على النية، واللفظ غير مستقل، بخلاف اختلاف الصريح والكناية. ولو قال: طلقي نفسك بصريح الطلاق، أو قال: بكناية الطلاق، فعدل عن المأذون فيه إلى غيره، لم تطلق بلا خلاف. ولو قال: طلقي نفسك، فقالت: سرحت نفسي، طلقت بلا خلاف لاشتراكهما في الصراحة. فرع قال لها: اختاري نفسك ونوى تفويض الطلاق، فقالت: اخترت نفسي، أو اخترت ونوت، وقعت طلقة. ولو قال: اختاري ولم يقل: نفسك، ونوى تفويض الطلاق، فقالت: اخترت، ففي التهذيب أنه لا يقع الطلاق حتى تقول: اخترت نفسي، وأشعر كلامه بأنه لا يقع وإن نوت، لانه ليس في كلامه ولا كلامها ما يشعر بالفراق، بخلاف قوله: اختاري نفسك، فإنه يشعر، فانصرف كلامها إليه وقال إسمعيل البوشنجي: إذا قالت: اخترت، ثم قالت بعد ذلك: أردت: اخترت نفسي وكذبها الزوج، فالقول قولها، ويقع الطلاق. ولو قالت: اخترت نفسي ونوت، وقعت طلقة، وتكون رجعية إن كانت محلا للرجعة. ولو قالت: اخترت زوجي أو النكاح لم تطلق. ولو قالت: اخترت الازواج، أو اخترت أبوي، أو أخي، أو عمي، طلقت على الاصح سواء قال: اختاري نفسك أو اختاري فقط. فرع متى كان التفويض وتطليقها أو أحدهما بكناية فتنازعا في النية، فالقول قول

(6/47)


الناوي، سواء أثبتها أم نفاها. وقال الاصطخري: إذا ادعت أنها نوت فأنكر صدق، لان الاصل بقاء النكاح، والصحيح الاول، لان النية لا تعرف إلا من الناوي. ولو اختلفا في أصل التخيير، فأنكره الزوج، أو قال: خيرتك فلم تختاري في وقت الاختيار، وقالت: اخترت، فالقول قوله للاصل. قال ابن كج: ولو جعل أمرها إلى وكيل، فقال لها الوكيل: أمرك بيدك وزعم أنه نوى الطلاق، وصدقته المرأة، وكذبه الزوج، فالقول قول الوكيل على الصحيح، لانه أمينه. وقيل: القول قول الزوج للاصل. ولو توافق الزوجان على تكذيبه، لم يقبل قول الوكيل. فرع القول في اشتراط الفور في قبولها إذا فوض بكناية، على ما ذكرناه إذا فوض بصريح. فرع قال: اختاري من ثلاث طلقات ما شئت، أو طلقي نفسك من ثلاث ما شئت، فلها أن تطلق نفسها واحدة أو اثنتين، ولا تملك الثلاث. فرع خير صبية، فاختارت، لم تطلق. فرع قال المتولي: لو قال ثلاث مرات: اختاري وقال: أردت واحدة، لم يقع إلا واحدة. فرع ذكر إسمعيل البوشنجي أنه إذا قال: اختاري نفسك، أو طلقي نفسك، فقالت: أختار أو أطلق، فمطلقة للاستقبال، فلا يقع في الحال شئ. فإن قال: أردت الانشاء، وقع في الحال. قلت: هذا كما قال، ولا يخالف هذا قول النحويين، أن الفعل المضارع إذا تجرد، فالحال أولى به، لانه ليس صريحا في الحال، وعارضه أصل بقاء النكاح. والله أعلم. فرع ذكر إسمعيل البوشنجي أنه لو خيرها وهي لا تعلم، فاختارت اتفاقا، خرج

(6/48)


على الخلاف فيما لو باع مال أبيه على أنه حي فكان ميتا، والطلاق أولى بالنفوذ. وأنه لو قال لرجل: أمر امرأتي بيد الله تعالى وبيدك، يسأل، فإن قال: أردت أنه لا يستقل بالطلاق، قبل قوله ولم يكن له أن يطلق، وإن قال: أردت أن الامور كلها بيد الله تعالى، والذي أثبته الله لي جعلته في يدك، قبل واستقل ذلك الرجل. وأنه لو قال: كل أمر لي عليك قد جعلته بيدك، فعندي أن هذا ليس بتفويض صريح، وأنه ليس لها أن تطلق نفسها ثلاثا ما لم ينو هو الثلاث. وأنه لو قال لها: اختاري اليوم وغدا وبعد غد، فالمضاف إلى الزمن المستقبل ينبغي أن يكون على الخلاف، في أن التفويض عليك أم توكيل ؟ إن قلنا: تمليك، لم يحتمل التراخي كالبيع، وإلا فهو كتوكيله بالبيع اليوم وغدا وبعد غد، فعلى هذا، له الرد في بعض الايام دون بعض.
فصل قال: طلقي نفسك ونوى الثلاث، فقالت: طلقت نفسي ونوت الثلاث، وقع الثلاث. وإن لم تنو هي العدد، فهل يقع واحدة أم الثلاث ؟ وجهان. أصحهما: واحدة. ولو قال: طلقي نفسك ثلاثا، فقالت: طلقت أو طلقت نفسي ولم تلفظ بالعدد ولا نوته، وقع الثلاث، لان قولها هنا جواب لكلامه، فهو كالمعاد في الجواب، بخلاف ما إذا لم يتلفظ هو بالثلاث ونوتها، لان المنوي لا يمكن تقدير عوده في الجواب، فإن التخاطب باللفظ لا بالنية. وفيه احتمال للامام، أنه لا يقع إلا واحدة. ولو فوض بكناية ونوى عددا وطلقت هي بالكناية ونوت العدد، وقع ما نوياه. فلو نوى أحدهما عددا، والآخر عددا آخر، وقع الاقل. ولو قال: طلقي نفسك ثلاثا، فطلقت واحدة أو ثنتين، وقع ما أوقعته. ثم إن أوقعت واحدة فراجعها في الحال. قال البغوي في الفتاوى: لها أن تطلق ثانية وثالثة، لانه لا فرق بين أن تطلق الثلاث دفعة، وبين قولها: طلقت نفسي واحدة وواحدة وواحدة، فلا يقدح تخلل الرجعة بين الطلقتين. ولو قال: طلقي واحدة، فقالت: طلقت ثلاثا أو ثنتين، وقعت واحدة، والحكم في الطرفين في توكيل الاجنبي كما ذكرنا. قلت: وحكى صاحب المهذب وغيره وجها في الوكيل: إذا زاد أو نقص، لا يقع شئ لانه متصرف بالاذن ولم يؤذن في هذا. والله أعلم.

(6/49)


ولو قال: طلقي نفسك ثلاثا إن شئت، فطلقت واحدة، أو قال: واحدة إن شئت، فطلقت ثلاثا، وقعت واحدة كما لو لم يقل: إن شئت. ولو قدم ذكر المشيئة على العدد فقال: طلقي نفسك إن شئت ثلاثا، فطلقت واحدة، أو قال: طلقي إن شئت واحدة، فطلقت ثلاثا. قال صاحب التلخيص وسائر الاصحاب: لا يقع، لان مشيئة ذلك العدد صارت شرطا في أصل الطلاق، وبالله التوفيق. الركن الثالث: القصد إلى الطلاق: فيشترط أن يكون قاصدا لحروف الطلاق بمعنى الطلاق، ولا يكفي القصد إلى حروف الطلاق من غير قصد معناه، ويختل القصد بثلاثة أسباب. الاول: أن لا يقصد اللفظ، كالنائم تجري كلمة الطلاق على لسانه. ولو استيقظ نائم، وقد جرى على لسانه لفظ الطلاق فقال: أجزت ذلك الطلاق أو أوقعته، فهو لغو. فرع من سبق لسانه إلى لفظ الطلاق في محاورته، وكان يريد أن يتكلم بكلمة أخرى، لم يقع طلاقه، لكن لا تقبل دعواه سبق اللسان في الظاهر إلا إذا وجدت قرينة تدل عليه. فإذا قال: طلقتك، ثم قال: سبق لساني وإنما أردت: طلبتك، فنص الشافعي رحمه الله تعالى، أنه لا يسع امرأته أن تقبل منه. وحكى الروياني عن صاحب الحاوي وغيره: أن هذا فيما إذا كان الزوج متهما. فأما إن ظنت صدقه بأمارة، فلها أن تقبل قوله ولا تخاصمه. وأن من سمع ذلك منه إذا عرف الحال، يجوز أن يقبل قوله ولا يشهد عليه. قال الروياني: وهذا هو الاختيار. ولو كانت زوجته تسمى طالقا، وعبده يسمى حرا، فقال لها: يا طالق، وله: يا حر، فإن قصد النداء، فلا طلاق ولا عتق. وإن قصد الطلاق والعتق، حصلا. وإن أطلق ولم ينو شيئا، فعلى أيهما يحمل ؟ وجهان. أصحهما: على النداء وبه

(6/50)


قطع البغوي. ولو كان حروف اسم امرأته تقارب حروف طالق، كطالع وطالب، وطارق، فقال: يا طالق، ثم قال: أردت أن أقول: يا طارق، أو يا طالع فالتف الحرف بلساني، قبل قوله في الظاهر لظهور القرينة. ومن صور سبق اللسان، ما إذا طهرت من الحيض أو ظن طهرها، فأراد أن يقول: أنت الآن طاهرة، فسبق لسانه، فقال: أنت الآن طالقة. فرع المبرسم والمغمى عليه كالنائم. فرع الحاكي لطلاق غيره، كقوله: قال فلان: زوجتي طالق. والفقيه إذا كرر لفظ الطلاق في تصويره وتدريسه وتكراره، لا طلاق عليه. فرع قال: أنت طالق عن العمل. قال البوشنجي: لا يقع الطلاق لا ظاهرا ولا باطنا.
فصل الطلاق والعتق ينفذان من الهازل ظاهرا وباطنا، فلا تديين فيهما، وينفذ أيضا النكاح والبيع وسائر التصرفات مع الهزل على الاصح. وصورة الهزل أن يلاعبها بالطلاق بأن تقول في معرض الدلال والاستهزاء: طلقني، فقال: طلقتك، فتطلق، لانه خاطبها قاصدا مختارا، ولم يصرف اللفظ إلى تأويل، فلم تدين، بخلاف من قال: أردت طالق من وثاق.
فصل خاطب زوجته بالطلاق في ظلمة أو حجاب ونحوهما وهو يظنها أجنبية، تطلق عند الاصحاب، وفيه احتمال للامام. وحكى الغزالي في البسيط أن بعض الوعاظ طلب من الحاضرين شيئا فلم

(6/51)


يعطوه، فقال متضجرا منهم: طلقتكم ثلاثا، وكانت زوجته فيهم وهو لا يعلم، فأفتى إمام الحرمين بوقوع الطلاق. قال: وفي القلب منه شئ. ولك أن تقول: ينبغي أن لا تطلق، لان قوله: طلقتكم لفظ عام وهو يقبل الاستثناء بالنية، كما لو حلف لا يسلم على زيد، فسلم على قوم هو فيهم واستثناه بقلبه، لم يحنث. وإذا لم يعلم أن زوجته في القوم، كان مقصوده غيرها. قلت: هذا الذي قاله إمام الحرمين والرافعي، كلاهما عجب منهما، أما العجب من الرافعي، فلان هذه المسألة ليست كمسألة السلام على زيد، لانه هناك علم به واستثناه، وهنا لم يعلم بها ولم يستثنها، واللفظ يقتضي الجميع إلا ما

(6/52)


أخرجه ولم يخرجها. وأما العجب من الامام، فلانه تقدم في أول الركن أنه يشترط قصد لفظ الطلاق بمعنى الطلاق، ولا يكفي قصد لفظه من غير قصد معناه، ومعلوم أن هذا الواعظ لم يقصد معنى الطلاق، وأيضا فقد علم أن مذهب أصحابنا أو جمهورهم، أن النساء لا يدخلن في خطاب الرجال إلا بدليل. وقوله: طلقتكم خطاب رجال، فلا تدخل امرأته فيه بغير دليل، فينبغي أن لا تطلق لما ذكرته، لا لما ذكره الرافعي، فهذا ما تقتضيه الادلة. والله أعلم. فرع نسي أن له زوجة، أو زوجه أبوه في صغره، أو وكيله في كبره وهو لا يدري فقال: زوجتي طالق، أو خاطبها بالطلاق، طلقت، نص عليه الشافعي رحمة الله عليه. وهذا في الظاهر. وفي نفوذه باطنا وجهان بناهما المتولي على الابراء عن المجهول. إن قلنا: لا يصح، لم تطلق باطنا. فرع إذا لقن كلمة الطلاق بلغة لا يعرفها، فقالها وهو لا يعرفها، لم يقع طلاقه. قال المتولي: هذا إذا لم يكن له مع أهل ذلك اللسان اختلاط. فإن كان لم يصدق في الحكم ويدين باطنا. وإذا لم يقع الطلاق فقال: أردت بهذه اللفظة معناها بالعربية، لم يقع على الاصح. ولو قال: لم أعلم أن معناها قطع النكاح، ولكن نويت بها الطلاق، وقصدت قطع النكاح، لم يقع الطلاق، كما لو خاطبها بكلمة لا معنى لها، وقال: أردت الطلاق. السبب الثاني: الاكراه. التصرفات القولية المحمول عليها بالاكراه بغير حق، باطلة سواء الردة والبيع، وسائر المعاملات والنكاح، والطلاق والاعتاق وغيرها، وأما ما حمل عليه بحق، فهو صحيح، فيحصل من هذا أن إسلام المرتد

(6/53)


والحربي مع الاكراه، صحيح، لانه بحق، ولا يصح إسلام الذمي مكرها على الاصح، والمؤلي بعد مضي المدة إذا أطلق بإكراه القاضي، نفذ لانه بحق، أو لانه ليس بحقيقة إكراه، فإنه لا يتعين الطلاق. قال المتولي: هذا في الطلقة الواحدة، وأما إذا أكرهه الامام على ثلاث طلقات فتلفظ بها، فإن قلنا: لا ينعزل بالفسق، وقعت واحدة ولغت الزيادة. وإن قلنا: ينعزل، لم يقع شئ كما لو أكرهه غيره، وثبت التحريم بالرضاع مع الاكراه، وفي امتناع القصاص وحد الزنا في حق الرجل بالاكراه خلاف في موضعه.
فصل إنما يندفع الطلاق بالاكراه، إذا لم يظهر ما يدل على اختياره. فإن ظهر بأن خالف المكره، وأتى بغير ما حمله عليه، حكم بوقوع الطلاق، ولذلك صور منها أن يكرهه على طلقة فيطلق ثلاثا، أو على ثلاث، فيطلق واحدة، أو على طلاق زوجتين، فيطلق إحداهما، أو على أن يطلق بصريح، فطلق بكناية أو بصريح آخر، أو بالعكس، أو على تنجيز الطلاق فعلقه، أو بالعكس، فلا عبرة بالاكراه في كل هذه الصور، ويقع ما أتى به. ولو أكرهه على طلاق إحدى زوجتيه، فطلق واحدة بعينها، وقع على المذهب لانه مختار في تعيينها وحكى المتولي فيه خلافا، ولو أكرهه على طلاق زوجة فطلق زوجتين، نظر إن قال له: طلق زوجتك حفصة، فقال لها ولضرتها عمرة: طلقتكما، طلقتا، لانه عدل عن كلمة الاكراه. وإن قال: طلقت حفصة وعمرة، أو: وطلقت عمرة، أو حفصة طالق وعمرة طالق، طلقت عمرة ولم تطلق حفصة، هكذا فصله البغوي والمتولي وغيرهما، ولم يفصل الامام بين العبارتين، بل أطلق عن الاصحاب الحكم بوقوع الطلاق على الضرتين. قال: وفيه احتمال، إذ لا يبعد أن يكون مختارا في طلاق عمرة. فرع الاكراه على تعليق الطلاق، يمنع انعقاده، كما يمنع نفوذ التنجيز.

(6/54)


فرع إن ورى المكره بأن قال: أردت بقولي: طلقت فاطمة غير زوجتي، أو نوى الطلاق من وثاق، أو قال في نفسه: إن شاء الله تعالى، لم يقع الطلاق. وإذا ادعى التورية، صدق ظاهرا في كل ما كان يدين فيه عند الطواعية. وإن ترك التورية، نظر إن كان غبيا لا يحسن التورية، لم يقع طلاقه أيضا، وإن كان عالما وأصابته دهشة بالاكراه وسل السيف، فكذلك. وإن لم تصبه دهشة، فوجهان. أحدهما: يقع طلاقه، وهو اختيار القفال والغزالي، لاشعاره بالاختيار، وأصحهما: لا، لانه مجبر على اللفظ. ولا نية تشعر بالاختيار. ولو قصد المكره إيقاع الطلاق، فوجهان. أحدهما: لا يقع، لان اللفظ ساقط بالاكراره، والنية لا تعمل وحدها. وأصحهما: يقع لقصده بلفظه. وعلى هذا، فصريح لفظ الطلاق عند الاكراه، كناية، إن نوى وقع، وإلا فلا. فرع قال: طلق زوجتي وإلا قتلتك، فطلقها وقع على الصحيح، لانه أبلغ في الاذن، وقيل: لا يقع لسقوط حكم اللفظ بالاكراه. كما لو قال لمجنون: طلقها فطلق. فرع الوكيل في الطلاق إذا أكره على الطلاق. قال أبو العباس الروياني: يحتمل أن يقال: يقع لحصول اختيار المالك، ويحتمل أن لا يقع، لانه المباشر. قال: وهذا أصح.
فصل في بيان الاكراه يشترط فيه كون المكره غالبا قادرا على تحقيق ما هدده به، بولاية، أو تغلب، وفرط هجوم، وكون المكره مغلوبا عاجزا عن الدفع بفرار أو مقاومة، أو استعانة بغيره، ويشترط أن يغلب على ظنه أنه إن امتنع مما أكرهه عليه، أوقع به المكروه. وقال أبو إسحق المروزي: لا إكراه إلا بأن ينال بالضرب. والصحيح الذي قطع به الجمهور، عدم اشتراط تنجيز الضرب وغيره بل يكفي التوعد. وفيما يكون التخويف به إكراها، سبعة أوجه. أحدها: القتل فقط. حكاه الحناطي والامام.

(6/55)


والثاني: القتل، أو قطع طرف، أو ضرب يخاف منه الهلاك، قاله أبو إسحاق. والثالث: قاله ابن أبي هريرة وكثيرون: أنه يلحق بما سبق أيضا الضرب الشديد، والحبس، وأخذ المال، وإتلافه، وبهذا قال أبو علي في الافصاح وزاد عليه فقال: لو توعده بنوع استخفاف، وكان الرجل وجيها يغض ذلك منه، فهو إكراه. قال هؤلاء: فالضرب والحبس والاستخفاف، يختلف باختلاف طبقات الناس وأحوالهم. والتخويف بالقتل والقطع وأخذ المال، لا يختلف. وقال الماسرجسي: يختلف بأخذ المال، فلا يكون تخويف الموسر بأخذ خمسة دراهم منه إكراها قال الروياني: هذا هو الاختيار، فهذه الاوجه هي الموجودة للمتقدمين من العراقيين وغيرهم. وأصحها: الثالث، وصححه الشيخ أبو حامد وابن الصباغ وغيرهما. والرابع: أن الاكراه لا يحصل إلا إذا خوفه بما يسلب الاختيار، ويجعله كالهارب من الاسد الذي يتخطى النار والشوك، ولا يبالي، فعلى هذا الحبس ليس بإكراه. وكذا التخويف بالايلام الشديد. قال الامام: لكن لو فوتح به، احتمل جعله إكراها. والخامس: لا يشترط سقوط الاختيار، بل إذا أكرهه على فعل يؤثر العاقل الاقدام عليه حذرا مما تهدده به، حصل الاكراه. فعلى هذا، ينظر فيما طلبه منه وما هدده به، فقد يكون الشئ إكراها في مطلوب دون مطلوب، وفي شخص دون شخص. فإن كان الاكراه على الطلاق، حصل بالقطع وبالتخويف بالحبس الطويل، وبتخويف ذوي المروءة بالصفع في الملا، وتسويد الوجه والطوف به في السوق. وقيل: لا يكون التخويف بالحبس وما بعده إكراها، وطرد هذا الخلاف في التخويف بقتل الولد والوالد، والصحيح في الجميع، أنه إكراه. والاصح أن التخويف بإتلاف المال ليس إكراها على هذا الوجه، وإن كان الاكراه على قتل فالتخويف بالحبس، وقتل الولد، وإتلاف المال ليس إكراها. وإن كان الاكراه على

(6/56)


إتلاف مال، فالتخويف بجميع ذلك إكراها. وقيل: لا يكون التخويف بإتلاف المال إكراه في إتلاف المال. الوجه السادس: أن الاكراه إنما يحصل بالتخويف بعقوبة تتعلق ببدن المكره، بحيث لو حققها تعلق به قصاص، فيخرج عنه ما لا يتعلق ببدنه، كأخذ المال وقتل الوالد والولد، والزوجة، والضرب الخفيف، والحبس المؤبد، إلا أن يخوفه بحبس في قعر بئر يغلب منه الموت. واختار القاضي حسين هذا. الوجه السابع: لا يحصل الاكراه إلا بعقوبة شديدة تتعلق ببدنه، فيدخل فيه القتل والقطع، والضرب الشديد، والتجويع والتعطيش، والحبس الطويل، ويخرج ما خرج عن الوجه السادس، ويخرج عنه التخويف بالاستخفاف بإلقاء العمامة والصفع، وما يخل بالجاه. واستبعد الامام من هذا الوجه، دخول الحبس وخروج قتل الولد، وأما التخويف بالنفي عن البلد، فإن كان فيه تفريق بينه وبين أهله، فكالحبس الدائم، وإلا فوجهان. أصحهما: إكراه، لان مفارقة الوطن شديدة، ولهذا جعلت عقوبة للزاني، وجعل البغوي التخويف باللواط، كالتخويف بإتلاف المال، وتسويد الوجه. وقال: لا يكون ذلك إكراها على القتل والقطع. وفي كونه إكراها في الطلاق والعتاق وإتلاف المال، وجهان. قلت: الاصح من هذا الخلاف المنتشر، هو الوجه الخامس، لكن في بعض تفصيله المذكور نظر. فالاختيار أن يقال: الاكراه. والله أعلم. فرع لا يحصل الاكراه بالتخويف بعقوبة اجلة كقوله: لاقتلنك غدا، ولا بأن يقول: طلق امرأتك وإلا قتلت نفسي، أو كفرت، أو أبطلت صومي أو صلاتي. ولا بأن يقول مستحق القصاص: طلق امرأتك، وإلا اقتصصت منك. فرع لو أخذه السلطان الظالم بسبب غيره وطالبه به فقال: لا أعرف موضعه، أو طالبه بماله فقال: لا شئ له عندي، فلم يخله حتى يحلف بالطلاق فحلف به كاذبا، وقع طلاقه ذكره القفال وغيره، لانه لم يكرهه على الطلاق، وإنما توصل بالحلف إلى ترك المطالبة، بخلاف ما إذا قال له اللصوص: لا نخليك حتى تحلف أن لا تذكر ما جرى، فحلف، لا يقع طلاقه إذا ذكره، لانهم أكرهوه على الحلف بالطلاق هنا.

(6/57)


فرع تلفظ بطلاق ثم قال: كنت مكرها وأنكرت، لم يقبل قوله إلا أن يكون محبوسا، أو كان هناك قرينة أخرى. ولو قال: طلقت وأنا صبي، أو نائم، فقال أبو العباس الروياني: يصدق بيمينه. قال: ولو طلق في المرض، وقال: كنت مغشيا علي، لم يقبل إلا ببينة على أنه كان زائل العقل في ذلك الوقت. قلت: هذا الذي قاله في النائم، فيه نظر. والله أعلم.

(6/58)


السبب الثالث: اختلال العقل: فمن طلق وهو زائل العقل بسبب غير متعد فيه، كجنون أو إغماء، أو أوجر خمرا، أو أكره على شربها، أو لم يعلم أن المشروب من جنس ما يسكر، أو شرب دواء يزيل العقل بقصد التداوي ونحو ذلك، لم يقع طلاقه. ولو تعدى بشرب الخمر فسكر، أو بشرب دواء يجنن لغير غرض صحيح فزال عقله فطلق، وقع طلاقه على المذهب المنصوص في كتب الشافعي رحمه الله. وحكي قول قديم، فأثبته الاكثرون، ومنعه الشيخ أبو حامد. وممن قال: لا يقع: المزني، وابن سريج، وأبو سهل الصعلوكي، وابنه سهل، وأبو طاهر الزيادي وقيل: لا يقع في شرب الدواء المذكور. وإن وقع في السكر. واختلفوا في محل الخلاف، فالصحيح أن القولين جاريان في أقواله وأفعاله كلها، ما له وما عليه. وقيل: إنهما في أقواله كلها، كالطلاق والعتاق، والاسلام والردة، والبيع والشراء وغيرها. وأما أفعاله، كالقتل والقطع وغيرهما، فكأفعال الصاحي قطعا لقوة الافعال. وقيل: هما في الطلاق والعتاق والجنايات، ولا يصح بيعه وشراؤه قطعا، لان العلم شرط في المعاملات. وقيل: هما فيما هو له كالنكاح والاسلام، أما ما عليه كالطلاق والاقرار والضمان، أو له وعليه، كالبيع والاجارة، فيصح قطعا تغليظا عليه. فرع اختلفت العبارات في حد السكران، فعن الشافعي رحمه الله: أنه الذي اختل كلامه المنظوم. وانكشف سره المكتوم. وعن المزني: أنه الذي لا يفرق بين الارض والسماء، وبين أمه وامرأته. وقيل: الذي يفصح بما كان يحتشم منه. وقيل: الذي يتمايل في مشيته ويهذي في كلامه. وقيل: الذي لا يعلم ما يقول. وعن ابن سريج وهو الاقرب: أن الرجوع فيه إلى العادة. فإذا انتهى تغيره إلى حاله يقع عليه اسم السكر، فهو المراد بالسكران. ولم يرض الامام هذه العبارات. قال: ولكن شارب الخمر تعتريه ثلاثة أحوال. إحداها: هزة ونشاط يأخذه إذا دبت الخمرة فيه ولم تستول بعد عليه، ولا يزول العقل في هذه الحالة، وربما احتد.

(6/59)


والثانية: نهاية السكر، وهو أن يصير طافحا، ويسقط كالمغشي عليه، لا يتكلم ولا يكاد يتحرك. والثالثة: حالة متوسطة بينهما. وهي أن تختلط أحواله، فلا تنتظم أقواله وأفعاله، ويبقى تمييز وفهم كلام، فهذه الثالثة سكر. وفي نفود الطلاق فيها الخلاف المذكور. وأما الحالة الاولى، فينفذ طلاقه فيها بلا خلاف، لبقاء العقل وانتظام القصد والكلام. وأما الحالة الثانية، فالاصح عند الامام والغزالي، أنه لا ينفذ طلاقه إذ لا قصد له، ولفظه كلفظ النائم، ومن الاصحاب من جعله على الخلاف، لتعديه بالتسبب إلى هذه الحالة، وهذا أوفق لاطلاق الاكثرين. الركن الرابع: المحل وهو المرأة. فإن أضاف إلى كلها فقال: طلقتك، فذاك. وكذا لو قال: جسمك، أو جسدك، أو شخصك، أو نفسك، أو جثتك، أو ذاتك طالق، طلقت. ولو أضاف إلى بعضها شائعا، طلقت أيضا، سواء أبهم فقال: بعضك أو جزءك طالق، أو نص على جزء معلوم كالنصف والربع، واحتجوا لذلك بالاجماع وبالقياس على العتق، فقد ورد فيه من أعتق شقصا... ولو أضاف إلى عوض معين، طلقت سواء كان عضوا باطنا كالكبد والقلب والطحال، أو ظاهرا كاليد، سواء كان مما يفصل في الحياة كالشعر والظفر، أم لا كالاصبع، والاصبع الزائدة كالاصلية. وحكى الحناطي قولا ضعيفا في الشعر، كما لا ينقض الوضوء، ولا شك في اطراده في السن والظفر. قلت: بينهما فرق ظاهر، فإن اتصال السن آكد من الشعر. وأما اشتراكهما في نقض الوضوء وعدمه، فلعدم الاحساس، ولانهما جزءان، فأشبها اليد. والله أعلم. وإن أضاف إلى فضلات البدن كالريق، والعرق، والمخاط، والبول، أو إلى الاخلاط كالبلغم، والمرتين لم تطلق على الصحيح. وحكى الحناطي والامام وجها: وإن أضاف إلى اللبن والمني، لم تطلق على الاصح، لانهما متهيئان للخروج كالبول.

(6/60)


ولو قال: جنينك طالق، لم تطلق على المذهب. ونقل الامام فيه الاتفاق، وحكى أبو الفرج الزاز فيه وجهين، وأبعد منه وجهان حكاهما الحناطي في قوله: الماء أو الطعام الذي في جوفك طالق. ولو أضاف إلى الشحم، طلقت على الاصح، وإلى الدم، تطلق على المذهب. ولو أضاف إلى معنى قائم بالذات، كالسمن والحسن، والقبح والملاحة، والسمع والبصر، والكلام والضحك، والبكاء والغم، والفرح، والحركة والسكون، لم تطلق. وحكى الحناطي وجها في الحسن والحركة، والسكون والسمع والبصر والكلام، وهذا شاذ ضعيف، ثم الوجه التسوية بينهما وبين سائر الصفات. ولو قال: ظلك، أو طريقك، أو صحبتك، أو نفسك بفتح الفاء، أو اسمك طالق، لم تطلق. قال المتولي: إلا أن يريد بالاسم ذاتها ووجودها، فتطلق. ولو قال: روحك طالق، طلقت على المذهب. وحكى أبو الفرج الزاز فيه خلافا مبنيا على أن الروح جسم أو عرض. ولو قال: حياتك طالق، فقال جماعة، منهم الامام والغزالي: تطلق. وقال البغوي: إن أراد الروح، طلقت، وهذا فيه إشعار بأنه (إن) أراد المعنى القائم بالحي، لا تطلق كسائر المعاني، وبهذا قطع أبو الفرج الزاز، ويشبه أن يكون الاصح عدم الوقوع. فرع إذا أضاف الطلاق إلى جزء أو عضو معين، ففي كيفية وقوع الطلاق وجهان. أحدهما: يقع على المضاف إليه، ثم يسري إلى باقي البدن، كما يسري العتق. والثاني: يجعل المضاف إليه عبارة عن الجملة، لانه لا يتصور الطلاق في المضاف إليه وحده، بخلاف العتق، ولانه لو قال: أنت طالق نصف طلقة، جعل ذلك عبارة

(6/61)


عن طلقة. ولا يقال: يقع نصف طلقة ثم يسري، ويشبه أن يكون الاول هو الاصح. وتظهر فائدة الخلاف في صور. منها: إذا قال: إن دخلت الدار فيمينك طالق، فقطعت يمينها، ثم دخلت، إن قلنا بالثاني، طلقت، وإلا، فلا. ولو قال لمن لا يمين لها: يمينك طالق، فطريقان. أحدهما: التخريج على هذا الخلاف. وأصحهما: القطع بعدم الطلاق. وبه قال القاضي حسين، والامام، لانه وإن جعل البعض عبارة عن الكل، فلا بد من وجود المضاف إليه لتنتظم الاضافة. فإذا لم يكن، لغت الاضافة، كما لو قال لها: لحيتك أو ذكرك طالق. قال الامام: وهذا يجب أن يكون متفقا عليه. ومنها: قال المتولي: القول بعدم الطلاق في قوله: حسنك أو بياضك طالق مبني على القول بالسراية، لانه لا يمكن وقوع الطلاق على الصفات. أما إذا جعلنا البعض عبارة عن الجملة، فيجعل الصفة عبارة عن الموصوف. قلت: هذا الذي قاله ضعيف، مخالف للدليل ولاطلاق الاصحاب. والله أعلم. ومنها: لو قال لامته: يدك أم ولدي، أو قال لطفل التقطه: يدك ابني، قال المتولي: إن جعلنا البعض عبارة عن الجملة، كان إقرارا بالاستيلاد أو النسب، وإلا فلا. فرع لو أضاف العتق إلى يد عبده أو رأسه، ففيه الوجهان. وإن أضافه إلى جزء شائع، قال الامام: المذهب تقدم السراية، لان العبد يمكن تبعيض العتق فيه، ووقوعه عليه بخلاف الطلاق. وقيل: فيه الوجهان، لان إعتاقه بعض عبده غير متصور.

(6/62)


: يتصور فيما إذا أعتق عبده المرهون وهو موسر بقيمة بعضه وقلنا بالاظهر: إنه ينفذ، عتق الموسر. والله أعلم. فرع لو أشار إلى عضو مبان، ووصفه بالطلاق، لم تطلق. ولو فصلت أذنها ثم ألصقت فالتحمت، أو سقطت شعرة ثم ثبتت في موضع آخر ونمت، فأضاف الطلاق إليها، لم تطلق المرأة على الاصح. قلت: قوله: في موضع آخر اتبع فيه الغزالي وليس هو شرطا، فلو ثبتت في موضعها، كان كذلك، ثم إن مسألة الشعرة قل أن توجد في غير الوسيط بخلاف مسألة الاذن، فإنها مشهورة بالوجهين، لكن أنكر إمام الحرمين تصورها في العادة، ولا امتناع في ذلك. والله أعلم.
فصل قال لزوجته: أنا منك طالق، ونوى إيقاع الطلاق عليها، طلقت. وإن لم ينو إيقاعه عليها، فالصحيح الذي قطع به الجمهور: أنها لا تطلق، وقيل: تطلق قاله أبو إسحق، واختاره القاضي حسين. فعلى هذا، لا بد من نية أصل الطلاق لان اللفظ كناية لكونه أضيف إلى غير محله. وأما على الاول، فمتى نوى إيقاعه

(6/63)


عليها، كان ناويا أصل الطلاق. ولو جرد القصد إلى تطليق نفسه ولم يقتصر على نية أصل الطلاق، فالمذهب أنه لا يقع قطعا. وقيل: على الوجهين. ولو قال: أنا منك بائن، فلا بد من نية أصل الطلاق. وفي نية الاضافة إليها، الوجهان. وإذا نواها، وقع، وهكذا حكم سائر الكنايات، كقوله: أنا منك خلي أو بري. ولو قال: استبرئ رحمي منك، أو أنا معتد منك، أو مستبرئ رحمي ونوى تطليقها، لم تطلق على الاصح. فرع قال لعبده: أنا منك حر، أو أعتقت نفسي منك ونوى إعتاق العبد، لم يعتق على الاصح، بخلاف الزوجية، فإنها تشمل الجانبين، والرق مختص بالعبد. فرع قال لزوجته: طلقي نفسك، فقالت: طلقتك أو أنت طالق، فهو كقوله لها: أنا منك طالق، وكذا إذا قال لعبده: أعتق نفسك، فقال: أعتقتك أو أنت حر، فهو كقول السيد: أنا منك حر. الركن الخامس الولاية على المحل: فلو قال لمطلقته الرجعية في عدتها: أنت طالق: طلقت. والمختلعة لا يلحقها طلاقه، لا في عدتها ولا بعدها، ولو قال لاجنبية: إذا نكحتك فأنت طالق، أو قال: كل امرأة أنكحها فهي طالق، فنكح، لم يقع الطلاق على المذهب، وبه قطع الجمهور، وهو الموجود في كتب الشافعي رحمه الله تعالى. وقيل: في الوقوع قولان، حكاهما الحناطي والسرخسي وغيرهما، وتعليق العتق بالملك، كتعليق الطلاق بالنكاح بلا فرق. ولو قال: لله علي أن أعتق هذا العبد وهو لاجنبي، فهو لغو. ولو قال: لله علي أن أعتقه إن ملكته، فوجهان لانه التزام في الذمة، لكن متعلق بملك غيره. وأجرى الوجهان في قوله: إذا ملكت عبد فلان، فقد أوصيت به لزيد. ولو أرسل الوصية وهو لا يملك شيئا، صحت على الصحيح كالنذر. وحكى الشيخ أبو علي وجها، أنها لا تصح.

(6/64)


فرع لو علق العبد الطلقة الثالثة إما مطلقا بأن قال: إن دخلت الدار فأنت طالق ثلاثا فعتق، ثم دخلت الدار، وإما مقيد بحالة ملك الثالثة بأن قال: إذا عتقت فأنت طالق ثلاثا، ففي صحة تعليق الثالثة وجهان. أصحهما: الصحة وبه قطع البغوي، ويحكم بموجبه لانه يملك أصل النكاح، وهو يفيد الطلقات الثلاث بشرط الحرية، وقد وجد كما أنه لا يملك في حال البدعة طلاق السنة، ويملك تعليقه. ويجري الوجهان في قوله لامته: إذا ولدت فولدك حر وكانت حائلا عند التعليق. فإن كانت حاملا حينئذ، عتق قطعا.
فصل علق طلاقها بصفة كدخول الدار، ثم أبانها قبل الدخول أو بعده بعوض أو بالثلاث، ووجدت الصفة في حال البينونة ثم نكحها، ثم وجدت الصفة ثانيا، أو ارتد قبل الدخول، ثم وجدت الصفة، ثم أسلم ونكحها، فوجدت الصفة ثانيا، لم تطلق على المذهب وبه قطع الاصحاب. وقال الاصطخري: فيه قولان. كما لو لم توجد الصفة حال البينونة، ولو علق عتق عبده بصفة، ثم أزال ملكه ثم وجدت الصفة، ثم اشتراه، لم يؤثر وجود الصفة بعد ذلك على المذهب، هذا إذا لم يكن التعليق بصيغة كلما فإن كان بها كقوله: كلما دخلت فأنت طالق: فإذا وجدت الصفة في البينونة، ثم جدد نكاحها، ففي عود الصفة القولان. أما إذا لم توجد الصفة حال البينونة، ثم وجدت بعدما جدد نكاحها، ففي وقوع الطلاق ثلاثة أقوال. أظهرها: لا يقع. والثاني: يقع والثالث: إن كانت البينونة بما دون الثلاث، وقع وإلا فلا. وتجري الاقوال في عود الايلاء والظهار. فإذا قلنا بالاول وكانت الصفة مما لا يمكن إيقاعه في البينونة كقوله: إن وطئتك فأنت طالق ثلاثا، تخلص منها إذا أبانها ثم نكحها، ولا يقع الطلاق بالوطئ في النكاح الثاني، وبه أجاب القاضي الروياني، ويوضحه أنه لو قال: إذا بنت مني ونكحتك، ودخلت الدار فأنت طالق، أو قال: إن دخلت الدار بعدما بنت مني ونكحتك فأنت طالق، فالمذهب وبه قال القفال والمعتبرون: لا تطلق بالدخول بعد البينونة، وغلطوا من خرجه على الخلاف، وعلى هذا القياس. فلو قال: إن دخلت الدار قبل أن أبينك فأنت طالق، وإن دخلتها بعدما أبنتك ونكحتك، فأنت طالق، صح التعليق الاول، وبطل الثاني. ولو علق على صفة ثم طلقها رجعية فراجعها،

(6/65)


ثم وجدت الصفة، طلقت بلا خلاف لانه ليس نكاحا مجددا ولم تحدث حالة تمنع وقوع الطلاق. ولو علق عتق عبد بصفة، ثم أزال ملكه ببيع أو غيره، ثم ملكه، ثم وجدت الصفة، ففي نفوذ العتق الخلاف في عود اليمين. ثم قيل: هو كالابانة بالثلاث، لان العائد ملك جديد من كل وجه لا تعلق له بالاول، كالنكاح بعد الثلاث. وقيل: هو كالابانة بما دون الثلاث وبه قطع البغوي، لانه لم يتخلل بين التعليق والصفة حالة تمنع ملكه كما لو لم يتخلل هناك حالة تمنع نكاحه، وإنما يكون كالابانة بالثلاث إذا علق ذمي عتق عبده الذمي، ثم أعتقه فنقض العهد، والتحق بدار الحرب، ثم سبي واسترق، فملكه سيده الاول، لانه تخلل حالة يمتنع فيها الملك وهي حالة الحرب. فرع الخلاف في وقوع الطلاق في النكاح الثاني، يعبر عنه بالخلاف في عود الحنث وبالخلاف في عود اليمين، لان على قول لا يتناول اليمين النكاح الثاني، ولا يحصل الحنث فيه. وعلى قول يتناوله ويحصل الحنث. فرع لا يقع الطلاق في النكاح الفاسد.
فصل إذا راجع الرجعية أو بانت منه هي أو غيرها بطلقة أو طلقتين، ثم جدد نكاحها قبل أن تنكح غيره، أو بعد نكاح ووطئ الزوج الثاني، عادت إليه بما بقي من الطلقات الثلاث. ولو بانت بالثلاث فنكحها آخر ووطئها وفارقها، فنكحها الاول، عادت إليه بالثلاث، لانه لا يمكن بناء الثاني على الاول، لاستغراق الاول. فرع الحر يملك ثلاث طلقات على زوجته الحرة والامة، والعبد لا يملك إلا طلقتين على الحرة والامة، والمدبر والمكاتب ومن بعضه حر، كالقن. ومتى طلق الحر أو العبد جميع ما يملك، لم تحل له المطلقة حتى ينكح زوجا آخر، ويطأها ويفارقها كما سبق. فرع طلق ذمي زوجته طلقة، ثم نقض العهد فسبي واسترق، ونكح بإذن سيده تلك المرأة المطلقة، ملك عليها طلقة فقط. ولو كان طلقها طلقتين وأراد نكاحها بعد الاسترقاق، فوجهان. أصحهما وبه قال ابن الحداد: تحل له ويملك

(6/66)


عليها طلقة، لانها لم تحرم عليه بالطلقتين، فطريان الرق لا يرفع الحل الثابت. وقيل: لا تحل له لانه رقيق وقد طلق طلقتين. ولو طلق العبد طلقة ثم عتق فراجعها، أو جدد نكاحها بعد البينونة، ملك عليها طلقتين أخريين، لانه عتق قبل استيفاء عدد الرقيق. ولو طلقها طلقتين، ثم عتق، لم تحل له على الصحيح. طلق العبد زوجته طلقتين، وأعتقه سيده، فقد ذكرنا أنه إن عتق أولا، فله رجعتها وتجديد نكاحها. وإن طلق أولا، فلا تحل له إلا بمحلل. فلو أشكل السابق واعترف الزوجان بالاشكال، قال ابن الحداد والاكثرون: ليس له رجعتها ولا نكاحها إلا بمحلل. وقيل: تحل رجعتها والتجديد إن بانت، ولا يفتقر إلى محلل لان الاصل أن لا تحريم. ولو اختلفا في السابق، نظر إن اتفقا على وقت الطلاق كيوم الجمعة، وقال: عتقت يوم الخميس، وقالت: بل يوم السبت، فالقول قولها. وإن اتفقا أن العتق يوم الجمعة وقالت: طلقت يوم السبت فقال: بل يوم الخميس، فالقول قوله. وإن لم يتفقا على وقت أحدهما وقال: طلقتك بعد العتق، وقالت: قبله واقتصر عليه، فالقول قوله لانه أعرف بوقت الطلاق. فرع سبق في التحليل لو قالت المطلقة ثلاثا: نكحني زوج وأصابني وانقضت عدتي منه ولم يظن، صدقها لان الاولى أن لا ينكحها. وهل يجب عليه البحث عن الحال ؟ قال أبو إسحق: لا يجب لكن يستحب. وقال الروياني: أنا أقول: يجب في هذا الزمان.
فصل طلاق المريض في الوقوع كطلاق الصحيح. ثم إن كان رجعيا، بقي التوارث بينهما ما لم تنقض عدتها. فإن مات أحدهما قبل انقضاء عدتها ورثه الآخر، وبعد انقضائها، لا يرثه. ولو طلقها في مرض موته طلاقا بائنا، ففي كونه قاطعا للميراث قولان. الجديد: يقطع وهو الاظهر. والقديم، لا يقطع، وحجة الجديد انقطاع الزوجية، ولانها لو ماتت لم يرثها بالاتفاق. فإن قلنا بالجديد، فلا إشكال ولا تفريع لوضوح أحكامه. وأما القديم، فيتفرع عليه مسائل. منها: هل

(6/67)


ترث ما لم تنقض عدتها، أم ما لم تتزوج، أم أبدا ؟ فيه أقوال. فإن طلق قبل الدخول سقط القول الاول، وجرى الآخران. ولو أبان في مرضه أربع نسوة، ونكح أربعا، ثم مات، فهل يكون الارث للاوليات لسبقهن، أم للاخريات لانهن الزوجات، أم يشترك الثمان ؟ فيه أوجه. أصحها: الثالث. وقال الامام: وسبب الخلاف ما في توريث الزيادة على الاربع من الاستبعاد. فلو أبان امرأته ونكح أخرى، فلا وجه إلا توريثهما. ولو أبان واحدة ونكح أربعا أو بالعكس، جرى الخلاف، وإنما ترث المبتوتة على القديم إذا طلقها لا بسؤالها، فإن طلقها بسؤالها، أو اختلعت، أو قال: أنت طالق إن شئت، فشاءت، لم ترث على الصحيح. وقال ابن أبي هريرة: ترث وإن طلق بسؤالها. ولو سألته فلم تطلق في الحال، ثم طلقها أو سألته رجعيا فأبانها، ورثت لانه فار. ولو علق طلاقها في المرض بمضي مدة، أو فعل نفسه، أو أجنبي، فهو فار وفي الاجنبي وجه. وإن علق بفعلها، فإن لم يكن لها منه بد، كالنوم والقيام والقعود والاكل ولشرب والطهارة، والصلاة والصوم المفروضين، ففار. قلت: وهذا في الاكل الذي يحتاج إليه. فإن أكلت متلذذة، أكلا يضرها فليس بفار. قاله الامام. والله أعلم. وإن كان لها منه بد، ففار إن لم تعلم التعليق، وإلا فلا. ولو علمت ثم نسيت، ففيه احتمالان للامام، والاشبه أنه فار. وإن علق طلاقها في الصحة بصفة لا توجد إلا في المرض كقوله: إذا مرضت مرض الموت، أو وقعت في النزع فأنت طالق، ففار: وإن احتمل وجودها في المرض وقبله، كقوله: إذا جاء غد، أو قدم زيد، فأنت طالق، فجاء أو قدم وهو مريض، فليس بفار على الاظهر. ولو فسخ النكاح بعينها أو لاعنها، فليس بفار. وقيل: إن كان القذف في المرض، ففار.

(6/68)


قلت: وقيل: إن الفاسخ فار. والله أعلم. ولو طلق العبد امرأته، أو الحر زوجته الامة، أو المسلم ذمية، ثم عتق العبد أو الامة، أو أسلمت الذمية في العدة، فلا إرث لانها لم تكن وارثة يوم الطلاق، فلا تهمة. وكذا لو أبانها في مرضه بعدما ارتد، أو ارتدت ثم جمعهما الاسلام في العدة، لانها لم تكن وارثة يومئذ. ولو ارتدت بعدما أبانها في المرض، ثم عادت إلى الاسلام، فهو فار للتهمة. ولو قال لزوجته الامة: أنت طالق غدا، فعتقت قبل الغد، أو طلقها وهو لا يعلم أنها عتقت، فليس بفار، وكذا لو ارتد في المرض قبل الدخول أو بعده وأصر إلى انقضاء العدة، ثم عاد إلى الاسلام ومات، لم يكن فارا على الصحيح، لانه لا يقصد بتبديل الدين حرمانها الارث، وفيه وجه ضعيف. وقيل بطرده فيما لو ارتدت هي حتى تجعل فارة، فيرثها الزوج. ولو أبان مسلمة في المرض، وارتدت وعادت إلى الاسلام في العدة، ورثت لانها بصفة الوارثين يومي الطلاق والموت، وكذا لو عادت بعد العدة، إن قلنا: المبتوتة ترث بعد انقضاء العدة. ولو طلق الامة في المرض، وعتقت واختلفا فقالت: طلقني بعد العتق فارث وقال الوارث: بل قبله فلا إرث، فالقول قول الوارث بيمينه، لان الاصل بقاء الرق. ولو أرضعت زوجها الصغير في المرض موتها، فقيل: تجعل فارة فيرثها الزوج، والصحيح خلافه. ولو أقر في مرض، بأنه أبانها في الصحة، لم يجعل فارا ويصدق فيما قاله، وتحسب العدة من يومئذ، وفيه وجه للتهمة، والصحيح الاول. ولو طلق إحدى امرأتيه، ثم مرض مرض الموت فقال: عنيت هذه، قبل قوله، ولم ترث. وإن كان قد أبهم، فعين في المرض واحدة، قال إسمعيل البوشنجي: يخرج على أن التعيين إيقاع للطلاق في المعينة، أم بيان لمحل الطلاق الواقع ؟ إن قلنا: بالثاني، لم ترث. وإلا فعلى قولي توريث المبتوتة.

(6/69)


قلت: إنما ترث المبتوتة على القديم إذا أنشأ تنجيز طلاق زوجته الوارثة بغير رضاها في مرض مخوف، واتصل به الموت ومات بسببه. فإن برأ من ذلك المرض، ثم مات، لم ترث قطعا. ولو مات بسبب آخر، أو قتل: في ذلك المرض، فقطع صاحب المهذب وغيره، بأنها لا ترث على القديم. وقال صاحب الشامل: والتتمة: ترث. والله أعلم.
الباب الثالث : في تعدد الطلاق فيه أطراف.
الأول : في نية العدد. فإذا قال: طلقتك، أو أنت طالق ونوى طلقتين، أو ثلاثا، وقع ما نوى وكذا حكم الكناية. قلت: وسواء في هذا المدخول بها وغيرها. والله أعلم. ولو قال: أنت طالق واحدة بالنصب، ونوى طلقتين، أو ثلاثا، فثلاثة أوجه. أصحها: يقع ما نوى صححه البغوي وغيره. والثاني: لا يقع إلا واحدة وصححه الغزالي. والثالث قاله القفال: إن بسط نية الثلاث على جميع اللفظ، لم تقع الثلاث. وإن نوى الثلاث بقوله: أنت طالق، وقع الثلاث ولغا ذكر واحدة. وإن قال: أردت طلقة ملفقة من أجزاء ثلاث طلقات: وقع الثلاث قطعا. وحكى الامام طرد وجه فيه، لبعد اللفظ والفهم، والمذهب الاول. ولو قال: أنت طالق واحدة بالرفع، فهو مبني على ما إذا قال: أنت واحدة، بحذف لفظ الطلاق، ونوى الثلاث، وفيه وجهان. أصحهما: وقوع ما نواه. والثاني: تقع واحدة فقط. فرع قال البغوي: ولو قال: أنت بائن باثنتين أو ثلاث، ونوى الطلاق، وقع. ثم إن نوى طلقتين أو ثلاثا فذاك، وإن لم ينو شيئا، وقع الملفوظ به لان ما أتى به صريح في العدد كناية في الطلاق. فإذا نوى أصل الطلاق، وقع العدد المصرح به. وإن نوى واحدة، فوجهان. أحدهما: يقع ما صرح به من طلقتين أو ثلاث.

(6/70)


والثاني: لا يقع إلا واحدة. فرع أراد أن يقول لها: أنت طالق ثلاثا فماتت قبل تمام قوله: أنت طالق، لم يقع الطلاق، وإن ماتت بعد تمامه قبل قوله: ثلاثا، فهل يقع الثلاث أم واحدة، أم لا يقع شئ ؟ ثلاثة أوجه: قال البغوي: أصحها الاول وهو اختيار المزني. وقال اسماعيل البوشنجي: الذي تقتضيه الفتوى، أنه إن نوى الثلاث بقوله: أنت طالق وكان قصده أن يحققه باللفظ، وقع الثلاث وإلا فواحدة، وهكذا قال المتولي في تعبيره عن الوجه الاول. وردتها وإسلامها، إذا لم تكن مدخولا بها قبل قوله: ثلاثا، كموتها، وكذا لو أخذ شخص على فمه ومنعه أن يقول: ثلاثا. ولو قال: أنت طالق على عزم الاقتصار عليه، فماتت فقال: ثلاثا، قال الامام: لا شك أن الثلاث لا تقع، وتقع الواحدة على الصحيح. فرع اختلفوا في قوله: أنت طالق ثلاثا، كيف سبيله ؟ فقيل: قوله: ثلاثا منصوب بالتفسير والتمييز. قال الامام: هذا جهل بالعربية، وإنما هو صفة لمصدر محذوف، أي: طالق طلاقا ثلاثا. كقوله: ضربت زيدا شديدا، أي: ضربا شديدا.

(6/71)


فصل قال: أنت طالق مل ء البيت أو البلد أو السماء أو الارض، أو مثل الجبل، أو أعظم من الجبل، أو أكبر الطلاق بالباء الموحدة، أو أعظمه، أو أشده، أو أطوله، أو أعرضه، أو طلقة كبيرة، أو عظيمة، لم يقع باللفظ إلا طلقة رجعية. ولو قال: أنت طالق كل الطلاق أو أكثره، وقع الثلاث. ولو قال: عدد التراب، قال الامام: تقع واحدة. وقال البغوي: عندي يقع الثلاث كما لو قال: عدد أنواع التراب. ولو قال: أنت طالق وزن درهم، أو درهمين، أو ثلاثة، أو أحد عشر درهما. ولم ينو عددا لم يقع إلا طلقة. ولو قال: يا مائة طالق، أو أنت مائة طالق، نقل البغوي، والمتولي: أنه يقع الثلاث لانه في العرف كقوله: أنت طالق مائة. ولو قال: أنت كمائة طالق فهل تقع واحدة أم ثلاث ؟ وجهان. ولو قال: أنت طالق طلقة واحدة ألف مرة ولم ينو عددا، لم يقع إلا واحدة كما قاله المتولي. فرع قال: أنت طالق إن لم، أو أنت طالق إن، قال اسماعيل البوشنجي: ينظر إن قصد الاستثناء أو التعليق، فلم يتمه، فلا أرى أن يقع طلاقه، ويصدق إذا فسر به للقرينة الظاهرة، وإن لم يقصد الاستثناء ولا التعليق، وقع لانه لو أتى بالاستثناء بلا نية، لم يقع، فهنا أولى.
الطرف الثاني : في التكرار فيه مسائل: احداها: قال لمدخول بها: أنت طالق أنت طالق، نظر إن سكت بينهما سكتة فوق سكتة التنفس ونحوه، وقع طلقتان، فإن قال: أردت التأكيد، لم يقبل ظاهرا ويدين، وإن لم يسكت وقصد التأكيد قبل ولم يقع إلا طلقة، وإن قصد الاستئناف، وقع طلقتان، وكذا إن أطلق على الاظهر. ولو قال: أنت طالق طالق، فقال القاضي حسين: يقع عند الاطلاق طلقة قطعا وقال الجمهور: لا فرق بين

(6/72)


اللفظين. ولو كرر اللفظة ثلاثا، وأراد بالآخرتين تأكيد الاولى لم يقع إلا واحدة وإن أراد الاستئناف، وقع الثلاث وإن أطلق فكذا على الاظهر. ولو قال: قصدت بالثالثة تأكيد الثانية، وبالثانية تأكيد الاولى، وبالثالثة الاستئناف، وقع طلقتان. ولو قصد بالثالثة تأكيد الاولى، وقع الثلاث على الاصح، وقيل: طلقتان، ولا يقدح هذا الفصل اليسير. وإن قصد بالثانية الاستئناف، ولم يقصد بالثالثة شيئا أو بالثالثة الاستئناف ولم يقصد بالثانية شيئا، وقع الثلاث على الاظهر، وفي قول طلقتان. ولو قال: أنت مطلقة، أنت مسرحة، أنت مفارقة، فهو كقوله: أنت طالق، أنت طالق، أنت طالق على الاصح. وقيل: تقع هنا الثلاث قطعا، حكاه الحناطي. ولو قال: أنت طالق، وطالق، وطالق، وقال: قصدت بالثاني تأكيد الاول، لم يقبل في الظاهر، ويجوز أن يقصد بالثالث تأكيد الثاني لتساويهما، ويجوز أن يقصد به الاستئناف، وإن أطلق، فعلى القولين. ولو قال: قصدت بالثالث تأكيد الاول، لم يقبل. ولو قال: أنت طالق وأنت طالق، أو أنت طالق بل طالق، أو أنت طالق ثم طالق، أو أنت طالق بل طالق بل طالق. فهو كقوله: طالق وطالق وطالق. ولو قال: أنت طالق، فطالق، فطالق، أو أنت طالق، ثم طالق ثم طالق، فهو كقوله: طالق وطالق وطالق. ولو قال: أنت طالق وطالق فطالق، أو أنت طالق، ثم طالق، بل طالق، أو أنت طالق، فطالق ثم طالق، تعين الثلاث ولا مدخل للتأكيد لاختلاف الالفاظ. ونص في الاملاء، أنه لو قال: طالق وطالق، لا بل طالق. وقال: شككت في الثانية، فاستدركت بقولي: لا بل طالق لاحقق إيقاع الثانية قبل ولم يقع إلا طلقتان، فجعل الاصحاب المسألة على قولين: أحدهما هذا، والثاني وهو المشهور وظاهر نصه في المختصر: لا يقبل ويقع الثلاث كسائر الالفاظ المتغايرة. ولو قال: أنت طالق وطالق، بل طالق من غير لفظ لا، فالمذهب وقوع الثلاث قطعا كما سبق وقيل بطرد القولين.

(6/73)


فرع قال لها قبل الدخول: أنت طالق طالق، أو أنت طالق وطالق، أو طالق فطالق، أو أنت طالق، أنت طالق، أنت طالق، أو أنت طالق بل طالق وطالق.. لم يقع إلا طلقة لانها تبين بها، فلا يقع ما بعدها. وحكي وجه وقول قديم أنه كما لو قال ذلك لمدخول بها على ما سبق، لانه كلام واحد فأشبه قوله لها: أنت طالق ثلاثا، والمذهب الاول، لان قوله: ثلاثا، بيان للاول بخلاف هذه الالفاظ. فرع قال لمدخول بها: إن دخلت الدار فأنت طالق وطالق وطالق، أو قال: أنت طالق وطالق وطالق إن دخلت الدار، فدخلت، وقع الثلاث، وإن قاله لغير المدخول بها، فثلاثة أوجه، أصحها: تقع الثلاث أيضا إذا دخلت. والثاني: لا يقع إلا واحدة. والثالث: إن قدم الجزاء فقال: أنت طالق وطالق وطالق إن دخلت الدار. وقع الثلاث. وإن عكس فواحدة. وإن قال: إن دخلت الدار فأنت طالق إن دخلت الدار، فأنت طالق إن دخلت الدار، فأنت طالق، فدخلت، فإن قصد التأكيد، وقع طلقة. وإن قصد الاستئناف، وقع الثلاث. وإن أطلق، فعلى أيهما يحمل ؟ قال البغوي: فيه قولان بناء على ما لو حنث في أيمان بفعل واحد، هل تتعدد الكفارة ؟ وقال المتولي: يحمل على التأكيد إذا لم يحصل فصل، أو حصل واتحد المجلس. فإن اختلف فعلى أيهما يحمل ؟ وجهان. وإذا حمل على التأكيد، فيقع عند الدخول طلقة أم يتعدد ؟ وجهان بناء على تعدد الكفارة وعدمه. ولو قال: إن دخلت الدار فأنت طالق طلقة، وإن دخلت الدار فأنت طالق طلقتين، قال ابن الحداد والاصحاب: تطلق بالدخول ثلاثا سواء كان مدخولا بها أم غيرها لان الجميع يقع دفعة. قال البغوي: وكذا في الصور المتقدمة لا فرق بين المدخول بها وغيرها، لان على تقدير التعدد يقع الجميع حال الدخول. ولو قال: إن دخلت الدار فأنت طالق، ثم طالق، لم يقع بالدخول في غير المدخول بها إلا طلقة لان ثم للتراخي. قال المتولي: وكذا لو أخر الشرط فقال: أنت طالق، ثم طالق إن دخلت الدار. المسألة الثانية: قال: أنت طالق طلقة فطلقة، أو طالق فطالق، وقع طلقتان

(6/74)


على المذهب. وقيل: قولان. ولو قال: طلقة بل طلقتين، وقع الثلاث فإن كانت غير مدخول بها، بانت بالاولى ولم تقع الزيادة في الصورتين. المسألة الثالثة: قال لمدخول بها: أنت طالق طلقة معها طلقة، أو مع طلقة، وقع طلقتان. وهل يقعان معا بتمام الكلام، أم متعاقبين ؟ وجهان. أصحهما: الاول. فإن قال ذلك لغير المدخول بها، طلقت على الاول طلقتين، وعلى الثاني طلقة. ولو قال: طلقة تحت طلقة، أو تحتها طلقة، أو فوق طلقة، أو فوقها طلقة، فقال الامام والغزالي: حكمها حكم مع، وقال المتولي كلاما يقتضي الجزم بأن غير المدخول بها لا يقع عليها إلا طلقة، لان وصف الطلاق بالفوقية والتحتية محال، فيلغو ويصير كقوله: طالق طالق، وفي المدخول بها وجه أنه لا يقع إلا واحدة، كما لا يلزم في الاقرار إلا درهم، واختاره ابن كج والحناطي. ولو قال لمدخول بها: أنت طالق طلقة قبل طلقة، أو بعدها طلقة، وقع طلقتان. إحداهما بعد الاخرى. ولو كانت غير مدخول بها، وقعت واحدة وبانت. ولو قال لمدخول بها: أنت طالق طلقة بعد طلقة، أو قبلها طلقة، وقع طلقتان متعاقبتان على الصحيح الذي قطع به الجمهور. وفي كتاب ابن كج وجه أنه لا يقع إلا واحدة، لاحتمال أن يكون المعنى: قبلها طلقة مملوكة أو ثابتة، قال: وهذا عند الاطلاق، ولو قال: أردت ذلك، صدق بيمينه لا محالة. فإذا قلنا بالصحيح، ففي كيفية تعاقبهما وجهان. أحدهما: تقع أولا المنجزة، ثم المضمنة، ويلغو قوله: قبلها، كما لو قال: أنت طالق أمس، يقع في الحال، ويلغو قوله: أمس. وأصحهما: تقع أولا المضمنة، ثم المنجزة، لان المعنى يقتضي ذلك، وليس المراد أن المضمنة تقع قبل تمام اللفظ، بل يقعان بعد تمام اللفظ، فتقع المضمنة عقب اللفظ، ثم المنجزة في لحظة عقبها. فإن قال ذلك لغير المدخول بها، فأوجه. أصحها: يقع واحدة. والثاني: لا يقع شئ، والثالث: يقع طلقتان، ويلغو قوله: قبلها، ويصير كأنه قال: طلقتين وهو ضعيف، ولو قال للمدخول بها: أنت طالق طلقة، قبلها طلقة وبعدها طلقة، طلقت ثلاثا. ولو قال: قبلها وبعدها طلقة، وقع الثلاث على الصحيح. وقيل: طلقتان، ويلغو قوله: قبلها.

(6/75)


ولو خاطب غير المدخول بها بأحد هذين اللفظين، فهل يقع واحدة أم لا يقع شئ ؟ وجهان. أصحهما: الاول. ومتى قال: أردت بقولي: بعدها طلقة، أي سأطلقها بعد هذا طلقة، لم يقبل ظاهرا ويدين، ولو قال: أردت بقولي: قبلها أن زوجا آخر طلقها في نكاح اخر، فعلى ما سيأتي إن شاء الله تعالى، فيما إذا قال: أنت طالق في الشهر الماضي، وفسر بهذا. المسألة الرابعة: قال لمدخول بها: أنت طالق وطالق، وقع طلقتان على الترتيب. ولو قال: أنت طالق ثلاثا، فالصحيح وقوع ثلاث عند فراغه من قوله: ثلاثا. وقيل: ثنتين بالفراغ (من) وقوع الثلاث بقوله: أنت طالق. قال الامام: وقياس من قال: يقع طلقة، إذا أراد بقوله: أنت طالق ثلاثا، فماتت قبل قوله: ثلاثا: أن يقع هنا طلقة بقوله: أنت طالق، ويتم الثلاث بقوله: ثلاثا، لكنه ضعيف، لانه لا خلاف أنه لو قال لغير المدخول بها: أنت طالق ثلاثا وقع الثلاث، وذلك يدل على أنها لا تقع مرتبة. المسألة الخامسة: قال لغير المدخول بها: أنت طالق خمسا، أو قال: إحدى عشرة، وقع الثلاث، ولو قال لها: واحدة ومائة، لم يقع إلا واحدة. ولو قال: إحدى وعشرين، فهل يقع الثلاث أم واحدة ؟ وجهان لترددها بين الصورتين. قلت: الاصح، أنه تقع واحدة لانه معطوف كقوله: واحدة ومائة، بخلاف إحدى عشرة، فإنه مركب فهو بمعنى المفرد. والله أعلم. ولو قال: طلقة ونصفا، لم يقع إلا واحدة. فرع قال: أنت طالق واحدة، بل ثنتين أو ثلاثا، فإن كانت مدخولا بها، وقع ثلاث، وإلا فواحدة. ولو قال: ثنتين بل واحدة، طلقت المدخول بها ثلاثا، وغيرها طلقتين. ولو قال: أنت طالق واحدة بل ثلاثا إن دخلت الدار، فوجهان. أصحهما وبه قال ابن الحداد: يقع واحدة بقوله: أنت طالق، ويتعلق طلقتان بدخول الدار. والثاني: يتعلق الثلاث بالدخول إلا أن يقول: أردت تخصيص الشرط بقولي: بل ثلاثا. فإن

(6/76)


قاله لغير مدخول بها، فعلى الوجه الاول تبين بالواحدة الواقعة في الحال، فإن نكحها بعد ذلك ودخلت، فقيل فيه قولا عود الحنث، والمذهب، أنه لا يقع قطعا، لانها إذا بانت كان التعليق بالدخول واقعا في حال البينونة، فيلغو. وعلى الوجه الثاني يتعلق الثلاث بالدخول، فإذا دخلت، فعلى الوجهين السابقين، فيما إذا قال لغير المدخول بها: إن دخلت الدار فأنت طالق وطالق، فعلى وجه: لا يقع إلا واحدة، وعلى الاصح: يقع الثلاث. ولو قال لغير المدخول بها: أنت طالق طلقتين، بل ثلاثا إن دخلت الدار، فعلى قول ابن الحداد: يقع طلقتان في الحال، ولا يصح تعليق الثالثة. وعلى الثاني تتعلق الثلاث بالدخول، فإذا دخلت، ففي وجه يقع طلقة، وعلى الاصح ثلاث. فرع قال: أنت طالق تطليقة، قبلها كل تطليقة، أو بعدها كل تطليقة، قال إسمعيل البوشنجي: قياس المذهب أن يقال: إن كانت مدخولا بها، وقع الثلاث مع ترتيب بين الواحدة وباقي الثلاث، وإلا، فوجهان. أصحهما: يقع واحدة. والثاني: لا شئ. فرع عن أبي العباس الروياني لو قال: أنت طالق كألف، فإن نوى عددا، وقع، وإلا فواحدة، وأنه لو قال: أنت طالق حتى تتم ثلاث، فهل تقع ثلاث، أم تعتبر نيته، فإن لم ينو، فواحدة ؟ فيه وجهان، ويقرب منه ما إذا قال: أنت طالق حتى أكمل ثلاثا، أو أوقع عليك ثلاثا، وأنه لو قال: أنت طالق ألوانا من الطلاق، تعتبر نيته، فإن لم ينو، فواحدة. وأنه لو قال: يا مطلقة: أنت طالق، وكان طلقها قبل ذلك، فقال: أردت تلك الطلقة، فهل يقبل أم يقع أخرى ؟ وجهان. ذكر اسماعيل البوشنجي: أنه لو قالت له: طلقني وطلقني وطلقني، أو طلقني طلقني طلقني، أو قالت: طلقني ثلاثا، فقال: طلقتك، أو قد طلقتك، أو أنت طالق. فإن نوى عددا، وقع، وإلا فواحدة، وأنه لو طلقها واحدة رجعية ثم قال: جعلتها ثلاثا، فهو لغو لا يقع به شئ.
الطرف الثالث : في الحساب، وهو ثلاثة أنواع. الاول: في حساب الضرب، فإذا قال لها: أنت طالق واحدة في واحدة، أو

(6/77)


طلقة في طلقة، سئل عن مراده، فإن قال: أردت طلقة مع طلقة، وقع طلقتان، وإن قال: أردت به الظرف أو الحساب، أو لم أرد شيئا، وقعت واحدة. وإن قال: أنت طالق طلقة في طلقتين، أو واحدة في اثنتين، وأراد مع اثنتين، وقع الثلاث، وإن أراد الحساب وهو يعلمه، وقع طلقتان، وإن جهله وقال: أردت ما يزيده الحساب، فطلقة على الاصح، وقال الصيرفي: طلقتان. وأجرى الوجهان في قوله: طلقتك مثل ما طلق زيد وهو لا يدري كم طلق زيد. وكذا لو نوى عدد طلاق زيد ولم يتلفظ، وإن أطلق ولم ينو الحساب، فإن لم يعرفه، فطلقة، وكذا إن عرفه على الاظهر. وفي قول: طلقتان. وفي قول غريب ضعيف حكاه الشيخ أبو محمد وغيره: يقع ثلاث طلقات لتلفظه بهن، ويجئ هذا القول فيمن لا يعرف الحساب ولم ينو شيئا، ولو قال: أنت طالق واحدة في ثلاث، فإن قصد الحساب، وقع الثلاث إن عرفه، وإلا فعلى الوجهين، وإن لم يقصد شيئا، فعلى التفصيل والخلاف المذكورين. وإن قال: أنت طالق ثنتين في ثنتين، فإن قصد الحساب وهو يعرفه، وقع الثلاث، وإن لم يقصد شيئا، فهل يقع ثنتان، أم ثلاث ؟ فيه الخلاف. ولو قال: أنت طالق نصف طلقة في نصف طلقة، وقعت طلقة، سواء أراد الحساب أم الظرف أم المعية، أم لم يقصد شيئا. ولو قال: واحدة في نصف، فكذلك إلا أن يريد المعية، فيقع طلقتان، ولو قال: واحدة وربعا، أو نصفا في واحدة وربع، وقع طلقتان إلا أن يريد المعية، فتقع ثلاث. فرع قال: أنت طالق من واحدة إلى ثلاث، فهل يقع الثلاث، أم ثنتان، أم واحدة ؟ فيه أوجه، أصحها عند البغوي: الاول، ولو قال: ما بين الواحدة والثلاث، وقعت طلقة على المذهب، ويجئ فيه خلاف سبق في نظيره من الاقرار. النوع الثاني: في تجزئة الطلاق اعلم أن الطلاق لا يتبعض، بل ذكر بعضه كذكر كله لقوته، سواء أبهم بأن قال: أنت طالق بعض طلقة، أو جزءا، أو سهما من طلقة، أو بين فقال: نصف طلقة أو ربع طلقة، قال الامام: وقوع الطلاق هنا

(6/78)


على سبيل التعبير بالبعض عن الكل، ولا يتخيل هنا السراية المذكورة في قوله: بعضك طالق، لكن لا يظهر بينهما فرق محقق. وفي كلام الشيخ أبي حامد وغيره، أنه يجوز أن يكون ذلك بطريق السراية، ويجوز أن يلغى قوله: نصف طلقة، ويعمل قوله: أنت طالق. فرع إذا زاد في الاجزاء فقال: أنت طالق ثلاثة أنصاف طلقة، أو أربعة أثلاث طلقة، وقع طلقتان على الاصح، وقيل: طلقة. وقيل: ثلاث طلقات، حكاه الحناطي. وعلى هذا القياس، قوله: خمسة أرباع طلقة، أو نصف وثلثي طلقة. قلت: هذا الخلاف فيما إذا زادت الاجزاء على طلقة، ولم يجاوز طلقتين، فإن جاوزت كقوله: خمسة أنصاف طلقة، أو سبعة أثلاث طلقة وأشباهه، كان الخلاف في أنه يقع طلقة أم ثلاث. والله أعلم. فرع ولو قال: لفلان علي ثلاثة أنصاف درهم، فهل يلزمه درهم أو درهم ونصف ؟ وجهان. أصحهما: الثاني. قال: انت طالق نصفي طلقة، لم يقع إلا طلقة، إلا أن يريد نصفا من طلقة، ونصفا من أخرى وكذا لو قال: ربعي طلقة، أو ثلثي طلقة، وأشار في الوسيط إلى الخلاف في هذه الصورة فقال: الصحيح أنه يقع طلقة، والكتب ساكتة عن الخلاف، لكنه جار على ما نقله الحناطي. قلت: قد حكى الوجه الذي أشار إليه في الوسيط عن شرح المفتاح. والله أعلم. ولو قال: نصف طلقتين، أو ثلث طلقتين، وقع طلقة على الاصح، وقيل: طلقتان، فعلى هذا لو قال: أردت طلقة، دين، وفي قبوله ظاهرا وجهان. ولو قال: علي نصف درهمين، قال الشيخ أبو علي: لا يلزم إلا درهم بإجماع الاصحاب لعدم التكميل. ولو قال: ثلث درهمين، فعليه ثلثا درهم بالاتفاق. ولو قال: نصفي طلقتين

(6/79)


أو ثلثي طلقتين. وقع طلقتان. ولو قال: ثلاثة أنصاف طلقتين، فهل يقع طلقتان أم ثلاث ؟ وجهان. أصحهما: الثاني، وبه قال ابن الحداد، ونقله الشيخ أبو علي عن الاكثرين. ولو قال: له علي ثلاثة أنصاف درهمين، ففيما يلزمه الوجهان. ولو قال: ثلاثة أنصاف الطلاق، قال المتولي: يقع ثلاث طلقات، وينصرف الالف واللام إلى الجنس، وحكى الحناطي وجهين، أحدهما: يقع ثلاث، والثاني: طلقة. فرع قال: أنت طالق نصف طلقة، أو ثلث وربع وسدس طلقة، لا يقع إلا طلقة، ولو كرر لفظة الطلقة فقال: ثلث طلقة، وربع طلقة، وسدس طلقة، طلقت ثلاثا على المذهب، وبه قطع الجمهور. وقال الغزالي: فيه وجهان. أحدهما: هذا، والثاني: لا يقع إلا واحدة، هكذا أطلقه الغزالي، وإنما نقل الامام هذا الوجه، فيما إذا نوى صرف هذه الاجزاء إلى طلقة وفسر كلامه به. ولو لم يدخل الواو، فقال: أنت طالق ثلث طلقة، ربع طلقة، سدس طلقة، لم يقع إلا طلقة لانه إذا لم يدخل الواو، كان الجميع بمنزلة كلمة واحدة، ولهذا لو قال: أنت طالق طالق، لم تقع إلا واحدة، ولو قال: طالق وطالق، وقع طلقتان. لو زادت الاجزاء ولم يدخل الواو، فقال: أنت طالق نصف طلقة، ثلث طلقة، ربع طلقة، ففي أمالي أبي الفرج: أنه على الوجهين في قوله: ثلاثة أنصاف طلقة. ولو لم تتغاير الاجزاء وتكررت الواو فقال: أنت طالق نصف طلقة، ونصف طلقة، ونصف طلقة، وقع طلقتان، ويرجع في اللفظ الثالث إليه، أقصد التأكيد أم الاستئناف كما لو قال: طالق وطالق وطالق. ولو قال: أنت نصف طلقة، أو ثلث طلقة، فهو كقوله: أنت الطلاق. ولو قال: أنت طالق نصف ثلث سدس، ولم يقل: طلقة، وقع طلقة بقوله: أنت طالق. فرع في فتاوى القفال، لو قال: طلقتك واحدة أو ثنتين على سبيل

(6/80)


الانشاء، فيختار ما شاء من واحدة، أو اثنتين كما لو قال: أعتقت هذا أو هذين. النوع الثالث: في التشريك، فإذا قال لاربع نسوة: أوقعت عليكن طلقة، وقع على كل واحدة طلقة (فقط) ولو قال: طلقتين أو ثلاثا أو أربعا، وقع على كل واحدة طلقة فقط، إلا أن يريد توزيع كل طلقة عليهن، فيقع في طلقتين، على كل واحدة طلقتان، وفي ثلاث وأربع، ثلاث. قلت: هذا الذي ذكره هو المنصوص في الام، وبه قطع الجمهور، وقال أبو علي الطبري: يحمل على التوزيع وإن لم ينوه. والله أعلم. ولو قال: أوقعت عليكن خمس طلقات، طلقت كل واحدة طلقتين، إلا أن يريد التوزيع، وكذلك في الست، والسبع، والثمان. وإن أوقع تسعا، طلقت كل واحدة ثلاثا. وإن قال: أوقعت بينكن طلقة، طلقت كل واحدة طلقة. فإن قال: أردت بعضهن دون بعض، دين ولا يقبل ظاهرا على الاصح، وقطع به جماعة. قال الامام والبغوي وغيرهما: الوجهان مخصوصان بقوله: أوقعت بينكن. أما قوله: عليكن، فلا يقبل تفسيره هذا قطعا، بل يعمهن الطلاق. وأعلم أنا قدمنا في قوله: نسائي طوالق عن ابن الوكيل وغيره، أنه يقبل تخصيصه بعضهن، وذلك الوجه يجئ هنا لا محالة، فكان قول الامام وغيره تفريعا على الصحيح هناك. وإذا قلنا: لا يقبل في قوله: بينكن، فذلك إذا أخرج بعضهن عن الطلاق، وعطل بعض الطلاق، فأما إذا فضل بعضهن كقوله: أوقعت بينكن ثلاث طلقات، ثم قال: أردت طلقتين على هذه، وتوزيع الثالثة على الباقيات، فيقبل على الاصح المنصوص، وبه قطع الشيخ أبو علي. والثاني حكاه ابن القطان: يشترط استواؤهن، وحكي وجه، أنه يقبل تفسيره وإن تعطل بعض الطلاق حتى لو قال: أوقعت بينكن أربع طلقات، ثم خصصها بامرأة قبل، وهذا ضعيف. وحيث قلنا: لا يقبل، فذلك في نفي الطلاق عمن نفاه عنها أما إثباته على من أثبته عليها، فيثبت قطعا مؤاخذة له. ولو قال: أوقعت بينكن خمس طلقات، لبعضكن أكثر مما لبعض، فيصدق

(6/81)


في التفصيل بلا خلاف، وفي تصديقه في إخراج بعضهن الخلاف. ولو قال: أوقعت عليكن نصف طلقة، أو ثلثها، وقع على كل واحدة طلقة. ولو قال: أوقعت بينكن ثلث طلقة، وخمس طلقة، وسدس طلقة، بني على الخلاف السابق فيما إذا خاطب به واحدة. فإن قلنا: لا يقع به إلا واحدة، فكذا هنا، فتطلق كل واحدة طلقة، وإن قلنا بالمذهب: وهو وقوع الثلاث، طلقت كل واحدة ثلاثا، لان تغاير الاجزاء وعطفها، يشعر بقسمة كل جزء بينهن. وقال الامام: ويحتمل أن تجعل كما لو قال: أوقعت بينكن ثلاث طلقات، فتطلق كل واحدة طلقة. ولو قال: أوقعت بينكن طلقة وطلقة وطلقة، فيجوز أن يقال: هو كقوله: ثلاث طلقات، تطلق كل واحدة طلقة، ويجوز أن يقال: تطلق كل واحدة ثلاثا لاشعاره بقسمة كل طلقة. فرع طلق إحدى امرأتيه ثم قال للاخرى: أشركتك معها، أو جعلتك شريكتها، أو أنت كهي، أو مثلها، ونوى طلاقها، طلقت وإلا فلا، وكذا لو طلق رجل امرأته فقال آخر لامرأته: أشركتك معها، أو أنت كهي، ونوى، طلقت. ولو كان تحته أربع، فقال لثلاث منهن: أوقعت عليكن أو بينكن طلقة، فطلقن واحدة واحدة، ثم قال للرابعة: أشركتك معهن ونوى الطلاق، نظر إن أراد طلقة واحدة لتكون كواحدة منهن، طلقت طلقة، وإن أراد أنها تشارك كل واحدة طلقتها، طلقت ثلاثا. وإن أطلق نية الطلاق ولم ينو واحدة ولا عددا، فوجهان: أصحهما وبه قال الشيخ أبو علي: تطلق واحدة، وقال القفال: طلقتين، لان التشريك يقتضي أن يكون عليها نصف ما عليهن وهو طلقة ونصف، فتكمل. ولو قيل على هذا التوجيه: تطلق ثلاثا مثلهن، لم يكن بأبعد منه، ولو طلق اثنتين ثم قال للاخريين: أشركتكما معهما ونوى الطلاق، فإن نوى كون كل منهما كواحدة من الاوليين، طلقت كل واحدة منهما طلقة، وإن نوى كون كل واحدة كالاوليين معا في الطلاق أو أن تشارك كل واحدة منهما كل واحدة من الاوليين في طلقتيهما، طلقتا طلقتين طلقتين. وإن أطلق، طلقت كل واحدة طلقة على قولي القفال وأبي علي جميعا، لان القفال يشركهما فيجعل لهما نصف ما للاوليين، وهو طلقة فتقسم وتكمل. فرع قال: أنت طالق عشرا، فقالت: تكفيني ثلاث، فقال: الباقي

(6/82)


لضرتك، لا يقع على الضرة شئ، لان الزيادة على الثلاث لغو. ولو قالت: تكفيني واحدة فقال: الباقي لضرتك، وقع عليها ثلاث، وعلى الضرة طلقتان إذا نوى، ذكره البغوي، ولو طلق إحدى امرأتيه ثلاثا ثم قال للثانية: أشركتك معها، قال الشاشي: يقع على الثانية طلقة، وتردد البوشنجي في طلقة أم ثلاث.
الباب الرابع : في الاستثناء
الاستثناء صحيح معهود، وفي القرآن والسنة موجود، فإذا قال: أنت طالق ثلاثا إلا اثنتين، طلقت طلقة. ويشترط لصحته شيئان، أحدهما: أن يكون متصلا باللفظ، فإن انفصل، فهو لغو، وسكتة التنفس والعي لا تمنع الاتصال. قال الامام: والاتصال المشروط هنا أبلغ مما يشترط بين الايجاب والقبول، لانه

(6/83)


يحتمل بين كلام الشخصين ما لا يحتمل بين كلام شخص واحد، ولذلك لا ينقطع الايجاب والقبول بتخلل كلام يسير على الاصح، وينقطع الاستثناء بذلك على الصحيح. وهل يشترط اقتران الاستثناء بأول اللفظ ؟ وجهان. أحدهما: لا، بل لو بدا له الاستثناء بعد تمام المستثنى منه فاستثنى، حكم بصحة الاستثناء، وحكى الشيخ أبو محمد هذا الوجه عن الاستاذ أبي اسحاق، وأصحهما وادعى أبو بكر الفارسي الاجماع عليه: أنه لا يعمل بالاستثناء حتى يتصل بأول الكلام. قلت: الاصح، وجه ثالث، وهو صحة الاستثناء بشرط وجود النية قبل فراغ اليمين وإن لم يقارن أولها. والله أعلم. ثم ما ذكرناه من اتصال اللفظ واقتران القصد بأول الكلام، يجري في الاستثناء ب‍ إلا وأخواتها، وفي التعليق بمشيئة الله تعالى، وفي سائر التعليقات الشرط الثاني، أن لا يكون الاستثناء مستغرقا، فإن استغرق، فهو باطل ويقع الجميع.
فصل الاستثناء ضربان. أحدهما: استثناء ب‍ " إلا " وأخواتها، والثاني: تعليق الطلاق والعتاق، وغيرهما بمشيئة الله تعالى، قال الامام: ولا يبعد عن اللغة تسمية كل تعليق استثناء، لان قول القائل: أنت طالق، يقتضي وقوع الطلاق بغير

(6/84)


قيد، فإذا علقه بشرط، فقد ثناه عن مقتضى اطلاقه، كما أن قوله: أنت طالق ثلاثا إلا طلقة، يثني اللفظ عن مقتضاه، إلا أنه اشتهر في عرف أهل الشرع تسمية التعليق بمشيئة الله تعالى خاصة استثناء. الضرب الاول: فيه مسائل. إحداها: قال: أنت طالق ثلاثا إلا ثلاثا، فالاستثناء باطل لاستغراقه. الثانية: إذا عطف بعض العدد على بعض في المستثنى أو المستثنى منه أو فيهما، فهل يجمع بينهما، أم لا ؟ وجهان، أصحهما: لا يجمع، وبه قال ابن الحداد، ولهذا لو قال لغير المدخول بها: أنت طالق وطالق، لا يقع إلا واحدة، ولا ينزل منزلة: أنت طالق طلقتين، فإذا قال: أنت طالق ثلاثا إلا اثنتين وواحدة، أو إلا اثنتين وإلا واحدة، فعلى الجمع يكون الاستثناء مستغرقا فيقع الثلاث، وعلى الفصل، يختص البطلان بالواحدة التي وقع بها الاستغراق، فتقع طلقة. ولو قال: إلا واحدة واثنتين، فعلى الجمع يقع ثلاث، وعلى الفصل يختص البطلان بالثنتين، فيقع طلقتان. ولو قال: أنت طالق طلقتين وواحدة إلا واحدة، فعلى الجمع تكون الواحدة مستثناة، فيقع طلقتان، وعلى الفصل، لا يجمع فتكون الواحدة مستثناة من واحدة، فيقع ا لثلاث. وقيل: تقع الثلاث هنا قطعا. ولو قال: أنت طالق واحدة واثنتين إلا واحدة، صح الاستثناء على الوجهين. ولو قال: ثلاثا إلا واحدة وواحدة وواحدة، فعلى الجمع، يقع الثلاث، وعلى الفصل، يقع استثناء اثنتين دون الثالثة. ولو قال: أنت طالق واحدة وواحدة، وواحدة إلا واحدة، أو أنت طالق طلقة، وطلقة، وطلقة إلا طلقة، فعلى الجمع يقع طلقتان. كأنه قال: ثلاثا إلا واحدة، وعلى الفصل، يقع ثلاث، لانه استثنى واحدة من واحدة، ولو قال: واحدة، وواحدة، وواحدة، إلا واحدة وواحدة وواحدة وقع الثلاث على الوجهين. ولو قال: واحدة، بل واحدة، ثم واحدة إلا واحدة، فالاستثناء باطل، ولا

(6/85)


جمع لتغاير الالفاظ. وقيل: يصح حكاه الحناطي، والصحيح المنع. ولو قال: أنت طالق ثلاثا إلا واحدة وواحدة، قال الشيخ أبو علي: اتفق الاصحاب أنه يجمع بينهما، ويصحان ولا يقع إلا ما بقي بعد الاستثناءين وهو طلقة، وحكى ابن كج فيه وجهين، ثانيهما: يقع ثلاث، ويجعل قوله: وواحدة عطفا على قوله: ثلاثا كأنه قال: اثنتين وواحدة. قلت: هذا الوجه خطأ ظاهر، وتعليله أفسد منه. والله أعلم. المسألة الثالثة: سبق في الاقرار أن الاستثناء من النفي إثبات، ومن الاثبات نفي، فإذا قال: أنت طالق ثلاثا، إلا اثنتين إلا واحدة، وقع طلقتان، وعن الحناطي، احتمال أنه كقوله: إلا ثنتين وواحدة، والصواب الاول. ولو قال: ثلاثا إلا ثلاثا إلا واحدة، فهل يقع واحدة، أم اثنتان، أم ثلاث ؟ فيه أوجه، أصحها: الاول، ولو قال: ثلاثا إلا ثلاثا إلا اثنتين، ففيه الاوجه، لكن الاصح هنا: يقع طلقتان. ولو قال: ثلاثا إلا اثنتين، إلا اثنتين وقعت واحدة قطعا، ولغا الاستثناء الثاني. ولو قال: ثلاثا إلا واحدة إلا واحدة، فهل يقع اثنتان أم ثلاث ؟ وجهان حكاهما الحناطي، ولو قال: اثنتين إلا واحدة إلا واحدة، فقيل: اثنتان، وقيل: واحدة. ولو قال: ثلاثا إلا ثلاثا إلا اثنتين إلا واحدة، فقيل اثنتان. وقيل: واحدة، قال الحناطي: ويحتمل وقوع الثلاث. المسألة الرابعة: إذا زاد على العدد الشرعي، فهل ينصرف الاستثناء إلى الملفوظ به، أم إلى المملوك وهو الثلاث ؟ وجهان. أصحهما: إلى الملفوظ به، وبه قال ابن الحداد، وابن القاص، وقال أبو علي بن أبي هريرة والطبري: إلى المملوك. فإذا قال: أنت طالق خمسا إلا ثلاثا، وقع طلقتان على الاول، وثلاث على الثاني. ولو قال: خمسا إلا اثنتين، وقع ثلاث على الاول، وواحدة على الثاني. ولو

(6/86)


قال: أربعا إلا اثنتين، وقع اثنتان على الاول، وواحدة على الثاني، ولو قال: أربعا إلا واحدة، وقع ثلاث على الاول، واثنتان على الثاني، ولو قال: أربعا إلا ثلاث، وقع على الاول واحدة، وعلى الثاني ثلاث، ولو قال: ستا أو سبعا أو أكثر من ذلك إلا ثلاثا، وقع الثلاث على الوجهين، ولو قال: ستا إلا أربعا، فعلى الاول: يقع طلقتان، وعلى الثاني: ثلاث. ولو قال: أربعا إلا ثلاثا إلا اثنتين، فعلى الاول: يقع ثلاث، وعلى الثاني: هو كقوله: ثلاثا إلا ثلاثا إلا اثنتين. ولو قال: خمسا إلا اثنتين إلا واحدة، فعلى الاول يقع ثلاث، وعلى الثاني طلقتان كقوله: ثلاثا إلا اثنتين إلا واحدة، ولو قال: ثلاثا وثلاثا إلا أربعا، فإن جمعنا بين الجمل المعطوفة واعتبرنا الملفوظ، فكقوله: ستا إلا أربعا، وإلا طلقت ثلاثا. فرع قال: أنت بائن إلا بائنا ونوى بقوله: أنت بائن الثلاث، قال اسماعيل البوشنجي: يبنى على أنه لو قال: أنت واحدة ونوى الثلاث، هل يقع الثلاث اعتبارا بالنية أم واحدة اعتبارا باللفظ ؟ فإن غلبنا اللفظ، بطل الاستثناء كما لو قال: أنت طالق واحدة إلا واحدة. وإن غلبنا النية، صح الاستثناء ووقع طلقتان، وهذا هو الذي رجحه ونصره. قلت: الاول غلط ظاهر، فإنه لا خلاف أنه إذا قال: أنت بائن ونوى الثلاث، وقع الثلاث، فكيف يبنى على الخلاف في قوله: أنت واحدة ؟ !. والله أعلم. وفي معنى هذه الصورة قوله: أنت بائن إلا طالقا ونوى بقوله: بائن الثلاث. ولو قال: أنت طالق ثلاثا إلا طالقا، صح الاستثناء كقوله: ثلاثا إلا طلقة، وكذا لو قال: طالق وطالق وطالق إلا طالقا ونوى التكرار فيه احتمال. المسألة الخامسة: لو قدم الاستثناء على المستثنى منه، فقال: أنت إلا واحدة طالق ثلاثا، حكى صاحب المهذب عن بعض الاصحاب، أنه لا يصح الاستثناء ويقع الثلاثة، قال: وعندي أنه يصح فيقع طلقتان.

(6/87)


المسألة السادسة: قال: أنت طالق ثلاثا إلا نصف طلقة، وقع الثلاث على الصحيح، وقيل: طلقتان. ولو قال: أنت طالق ثلاثا إلا طلقة ونصفا، فعلى الصحيح طلقتان، وعلى الثاني طلقة. ولو قال: إلا نصفا وقع طلقة قطعا، ولو قال: ثلاثة إلا طلقتين ونصفا، فإن قلنا بالثاني، فهو كقوله: ثلاث إلا اثنتين وواحدة، وإن قلنا بالصحيح، فهل يقع ثلاث أم واحدة، فيه احتمالان للامام. ولو قال: أنت طالق ثلاثا إلا طلقتين إلا نصف طلقة، وقع طلقتان. ولو قال: واحدة ونصفا إلا واحدة، نقل الحناطي وقوع طلقة. قال: ويحتمل وقوع طلقتين. ولو قال: أنت طالق ثلاثا إلا نصفا، قال البوشنجي: يراجع، فإن قال: أردت: إلا نصفها، وقع طلقتان. وإن قال: أردت إلا نصف طلقة، طلقت ثلاثا، ويجئ فيه الوجه الضعيف، وإن لم تكن نية فطلقتان. الضرب الثاني، التعليق بالمشيئة: فإذا قال: أنت طالق إن شاء الله، نظر إن سبقت الكلمة إلى لسانه لتعوده لها كما هو الادب، أو قصد التبرك بذكر الله تعالى، أو الاشارة إلى أن الامور كلها بمشيئة الله تعالى ولم يقصد تعليقا محققا، لم يؤثر ذلك ووقع الطلاق. وإن قصد التعليق حقيقة، لم تطلق على المذهب، ومنهم من حكى قولا آخر، والتفريع على المذهب. وكذا يمنع الاستثناء انعقاد التعليق، كقوله: أنت طالق إن دخلت الدار، إن شاء الله، أو إذا شاء الله، ويمنع أيضا العتق في قوله: أنت حر إن شاء الله، ويمنع انعقاد النذر واليمين، وصحة العفو عن القصاص، والبيع وسائر التصرفات. وسواء قال: أنت طالق إن شاء الله، أو إن شاء الله أنت طالق، أو متى شاء الله، أو إذا شاء الله، قال ابن الصباغ: وكذا قوله: إن شاء الله أنت طالق، وفي هذه الصيغة وجه حكاه الحناطي. ولو قال: أنت طالق إذا شاء الله [ أو ان شاء الله ] بفتح الهمزة، وقع الطلاق في الحال، وكذا لو قال: إذا

(6/88)


شاء زيد، أو أن شاء زيد، ونقل الحناطي وجها، في أن شاء الله، أنه لا يقع، وثالثها أنه يفرق بين عارف النحو وغيره. واختار الروياني هذا. ولو قال: أنت طالق ما شاء الله، قال المتولي وغيره: وقعت طلقة لانها اليقين. ولو قال: أنت طالق ثلاثا وثلاثا إن شاء الله، أو ثلاثا وواحدة إن شاء الله، أو واحدة وثلاثا إن شاء الله، قال ابن الصباغ والمتولي: الذي يقتضيه المذهب: أنه لا يقع شئ، والوجه بناؤه على الخلاف السابق، أن الاستثناء بعد الجملتين ينصرف إليهما، أم إلى الاخيرة فقط ؟ وكذا ذكره الامام، وقد ذكرنا أن الاصح عوده إلى الاخيرة، ويوافق هذا البناء ما ذكره البغوي أنه لو قال: حفصة وعمرة طالقتان إن شاء الله، فهل يرجع الاستثناء إلى عمرة فقط أم إليهما ؟ وجهان، أصحهما: الاول. ولو قال: أنت

(6/89)


طالق واحدة واثنتين إن شاء الله، قال الامام: هو على الوجهين، إن جمعنا المفرق، لم يقع شئ. ولو قال: أنت طالق واحدة ثلاثا إن شاء الله، أو أنت طالق ثلاثا ثلاثا إن شاء الله، لم تطلق، وفي معناه: أنت طالق أنت طالق إن شاء الله، وقصد التأكيد. فرع قال: يا طالق إن شاء الله، يقع الطلاق على الاصح، ولو قال: يا طالق، أنت طالق ثلاثا إن شاء الله، وقعت طلقة بقوله: يا طالق فقط، ولو قال: أنت طالق ثلاثا يا طالق إن شاء الله، فهل يقع طلقة بقوله: يا طالق، أم ثلاث أم لا يقع شئ ؟ فيه أوجه، وبالاول قطع المتولي، ويشبه أن يكون هو الاظهر. وحكى الامام عن القاضي والاصحاب الثالث، ويؤيد الاول، أن البغوي وغيره: ذكروا أنه لو قال: أنت طالق ثلاثا يا زانية إن شاء الله، رجع الاستثناء إلى الطلاق، ووجب حد القذف. قلت: هذا الذي ذكره من ترجيح الاول هو الاصح، وقد قطع به جماعة غير المتولي. والله أعلم. فرع إذا قال: أنت طالق إن لم يشأ الله، أو إذا لم يشأ الله، أو ما لم يشأ الله، لم تطلق على الصحيح باتفاق الجمهور، وقال صاحب التلخيص: تطلق، ولو قال: أنت طالق إلا أن يشاء الله، فوجهان. أحدهما: لا تطلق، والثاني: تطلق، وبالثاني قال العراقيون، وهو محكي عن ابن سريج، ورجحه البغوي، والاول هو الاصح، صححه الامام وغيره، واختاره القفال، ونقله عن نص الشافعي رحمه الله. فرع إذا قال: أنت طالق إن لم يشأ زيد، أو إن لم يدخل الدار، أو إن لم يفعل كذا، نظر، إن وجد منه المشيئة أو غيرها مما علق عليه في حياته، لم يقع الطلاق، وإن لم توجد حتى مات، وقع الطلاق قبيل الموت إن لم يحصل قبل ذلك مانع، فإن حصل مانع تتعذر معه المشيئة، كجنون ونحوه، تبينا وقوع الطلاق قبيل

(6/90)


حدوث المانع، وإن مات وشككنا في أنه هل وجد منه الصفة المعلق عليها، ففي وقوع الطلاق وجهان، سواء كانت الصيغة: أنت طالق إن لم يدخل زيد، أو إلا أن يدخل، والوقوع في الثانية أظهر منه في الاولى. ولو قال: أنت طالق اليوم إلا أن يشاء زيد، أو إلا أن تدخل الدار، فاليوم هنا كالعمر. واعلم أن الاكثرين قالوا بالوقوع فيما إذا شككنا في الفعل المعلق عليه، واختار الامام عدم الوقوع في الصورتين، وهو أوجه وأقوى. قلت: الاصح عدم الوقوع، للشك في الصفة الموجبة للطلاق. والله أعلم. فرع: قوله: أنت طالق إلا أن يشاء الله، أو إلا أن يشاء زيد، معناه: إلا أن يشاء وقوع الطلاق. كما أن قوله: أنت طالق إن شاء الله، معناه: إن شاء وقوع الطلاق، فالطلاق معلق بعدم مشيئة الطلاق، لا بمشيئة عدم الطلاق، وعدم مشيئة الطلاق تحصل بأن يشاء عدم الطلاق، أو بأن لا يشاء شيئا أصلا، فعلى التقديرين يقع، وإنما لا يقع إذا شاء زيد أن يقع، وقال بعضهم: معناه: أنت طالق إلا أن يشاء زيد أن لا تطلقي، وعلى هذا، إن شاء أن تطلق، طلقت، وكذا ذكره البغوي، والصحيح الاول.

(6/91)


الباب الخامس : في الشك في الطلاق إذا شك، هل طلق ؟ لم يحكم بوقوعه، وكذا لو علق الطلاق على صفة وشك في حصولها، كقوله: إن كان هذا الطائر غرابا، فأنت طالق، وشك في كونه غرابا، أو قال: إن كان غرابا فزينب طالق، وإن كان حمامة، فعمرة طالق، وشك هل كان غرابا أم حمامة أم غيرهما فلا يحكم بالطلاق. ولو تيقن أصل الطلاق، وشك في عدده، أخذ بالاقل، ويستحب الاخذ بالاحتياط، فإن شك في أصل الطلاق، راجعها ليتيقن الحل، وإن زهد فيها، طلقها لتحل لغيره يقينا، وإن شك في أنه طلق ثلاثا أم اثنتين ؟ لم ينكحها حتى تنكح زوجا غيره، وإن شك هل طلق ثلاثا أم لم يطلق شيئا ؟ طلقها ثلاثا. فصل: تحته زينب وعمرة، فقال: إن كان هذا الطائر غرابا، فزينب طالق، وإلا فعمرة طالق، وأشكل حاله، طلقت إحداهما، وعليه اعتزالهما جميعا حتى يتبين الحال، وعليه البحث والبيان. ولو قال: إن كان غرابا فامرأتي طالق، فقال رجل آخر: إن لم يكن غرابا فامرأتي طالق، لم يحكم بوقوع الطلاق على واحد منهما. فرع قال: إن كان هذا الطائر غرابا، فعبدي حر، وقال آخر: إن لم يكن

(6/92)


غرابا، فعبدي حر، وأشكل، فلكل واحد منهما التصرف في عبده، فإن ملك أحدهما عبد الآخر بشراء أو غيره، واجتمع عنده العبدان، منع التصرف فيهما ويؤمر بتعيين العتق في أحدهما، كما لو كانا في ملكه وعلق التعليقين، وعليه البحث عن طريق البيان، وفي وجه: إنما يمتنع التصرف في الذي اشتراه، فلا يتصرف فيه حتى يحصل البيان، ولا يمتنع التصرف في الاول. قلت: هذان الوجهان نقلهما الامام وآخرون، ورجحوا الاول، وبه قطع المتولي، لكن قطع الشيخ أبو حامد وسائر العراقيين، أو جماهيرهم، بأن العتق يتعين في العبد المشترى، ويحكم بعتقه إذا تم تملكه ظاهرا، ولكن الاول أفقه. والله أعلم. ولو باع أحدهما عبده، ثم اشترى عبد صاحبه، قال في البسيط: لم أره مسطورا، والقياس أن ينفذ تصرفه فيه، لان بيع الاول لواقعة انقضت، وتصرفه في الثاني واقعة أخرى، كما لو صلى إلى جهتين باجتهادين. قلت: أما على طريقة العراقيين التي نقلتها، فيعتق عليه الثاني بلا شك، وأما على الطريقة الاخرى، فيحتمل ما قاله في البسيط، ويحتمل بقاء الحجر في الثاني حتى يتبين الحال، وهو قريب من الخلاف فيما إذا اشتبه إناءان فانصب أحدهما، هل يجتهد في الثاني، أم يأخذ بطهارته، أم يعرض عنه، والاقيس بقاء الحجر احتياطا للعتق، ولان الاموال وغراماتها أشد من القبلة وسائر العبادات، ولهذا لا يعذر الناسي والجاهل في الغرامات، ويعذر في كثير من العبادات، ويؤيد ما ذكرته أن إقدامه على بيع عبده كالمصرح بأنه لم يعتق، وأن الذي عتق هو عبد الآخر، وقد سبق أنه لو صرح بذلك، عتق عليه عبد صاحبه إذا ملكه قطعا، وقد ذكر الغزالي في الوسيط: احتمالين، أحدهما: ما ذكره في البسيط. والثاني: خلافه وهو يؤيد ما قلته. والله أعلم. هذا كله إذا لم يصدر منه غير التعليق السابق، فإن قال للآخر: حنثت في يمينك، فقال: لم أحنث، ثم ملك عبده، حكم عليه بعتقه قطعا لاقراره بحريته، ولا رجوع له بالثمن إن كان اشتراه. ولو صدر هذان التعليقان من شريكين في عبد، فسيأتي حكمه إن شاء الله تعالى في كتاب العتق.

(6/93)


فرع قال: أنت طالق بعدد كل شعرة على جسد إبليس، قال إسمعيل البوشنجي: قياس مذهبنا: أنه لا يقع طلاق أصلا، لانا لا ندري أعليه شعر أم لا ؟ والاصل العدم، وعن بعض أصحاب أبي حنيفة وقوع طلقة. قلت: القياس وقوع طلقة، وليس هذا تعليقا على صفة، فيقال: شككنا فيها بل هو تنجيز طلاق، وربط لعدده بشئ شككنا فيه، فنوقع أصل الطلاق، ونلغي العدد، فإن الواحدة ليست بعدد، لان أقل العدد اثنان، فالمختار وقوع طلقة. والله أعلم. فصل طلق إحدى امرأتيه بعينها ثم نسيها، حرم عليه الاستمتاع بكل منهما حتى يتذكر، فإن صدقناه في النسيان، فلا مطالبة بالبيان، وإن كذبناه وبادرت واحدة وقالت: أنا المطلقة، لم يقنع منه في الجواب بقوله: نسيت، أو لا أدري، وإن كان قوله محتملا، بل يطالب بيمين جازمة أنه لم يطلقها، فإن نكل، حلفت وقضي باليمين المرودة. فصل قال لزوجته وأجنبية: إحداكما طالق، وقال: نويت الاجنبية، قبل قوله بيمينه على الصحيح المنصوص في الاملاء، وبه قطع الجمهور، وقيل: تطلق زوجته، قال البغوي في الفتاوى: لو قال: لم أنو بقلبي واحدة، طلقت امرأته، وإنما ينصرف عنها بالنية، ولو حضرتا، فقالت زوجته: طلقني، فقال:

(6/94)


طلقتك، ثم قال: أردت الاجنبية، لم يقبل، ذكره البغوي، وأمته مع زوجته، كالاجنبية مع الزوجة. ولو كان معها رجل أو دابة، فقال: أردت الرجل، أو الدابة، لم يقبل. ولو كان اسم زوجته زينب، فقال: زينب طالق، ثم قال: أردت جارتي زينب، فثلاثة أوجه، الصحيح الذي عليه الجمهور: أنه لا يقبل، فتطلق زوجته ظاهرا ويدين، وقيل: يصدق بيمينه كالصورة السابقة، وهذا اختيار القاضي أبي الطيب الطبري وغيره، والثالث، قاله إسمعيل البوشنجي: إن قال: زينب طالق، ثم قال: أردت الاجنبية، قبل، وإن قال: طلقت زينب، لم يقبل، وهذا ضعيف. ولو نكح امرأة نكاحا صحيحا، وأخرى نكاحا فاسدا، فقال لهما: إحداكما طالق، وقال: أردت فاسدة النكاح، فيمكن أن يقال: إن قبلنا التفسير بالاجنبية، فهذه أولى، وإلا فوجهان. فصل قال لزوجته: إحداكما طالق، فإن قصد واحدة بعينها، فهي المطلقة، فعليه بيانها. وإن أرسل اللفظ ولم يقصد معينة، طلقت إحداهما مبهما ويعينها الزوج، وهذان القسمان يشتركان في أحكام، ويفترقان في أحكام، ثم تارة يفصل حكمهما في الحياة، وتارة بعد الموت. الحالة الاولى: حالة الحياة، وفيها مسائل: الاولى: يلزم الزوج بالتبيين إذا نوى واحدة بعينها، وبالتعيين إذا لم ينو، ويمنع من قربانهما حتى يبين، أو يعين، وذلك بالحيلولة بينه وبينهما، ويلزمه التبيين والتعيين على الفور، فإن أخر، عصى، فإن امتنع، حبس وعزر، ولا يقنع بقوله: نسيت المعينة، وإذا بين في الصورة الاولى، فللاخرى أن تدعي عليه أنك نويتني وتحلفه، فإن نكل حلفت وطلقتا، وإذا عين في الصورة الثانية، فلا دعوى لها، لانه اختيار ينشئه، هذا كله في الطلاق البائن، فلو أبهم طلقة رجعية بينهما، فهل يلزمه أن يبين أو يعين في الحال ؟ وجهان حكاهما الامام، أحدهما: نعم، لحصول التحريم، وأصحهما: لا، لان الرجعية زوجة. المسألة الثانية: يلزمه نفقتهما إلى البيان والتعيين، وإذا بين أو عين، لا يسترد المصروف إلى المطلقة، لانها محبوسة عنده حبس الزوجة.

(6/95)


الثالثة: وقوع الطلاق فيما إذا نوى معينة يحصل بقوله: إحداكما طالق، ويحتسب عدة من ببين الطلاق فيها من حين اللفظ على المذهب المنصوص. وحكي قول مخرج: أنها من وقت البيان، قال الامام: وهذا غير سديد. أما إذا لم ينو معينة، ثم عين، فهل يقع الطلاق من حين قال: إحداكما طالق، أم من حين التعيين ؟ وجهان، رجحت طائفة الثاني، منهم الشيخ أبو علي، ورجح الشيخ أبو حامد والقاضي أبو الطيب والروياني وآخرون الاول. قالوا: ولولا وقوع الطلاق، لما منع منهما، وهذا أقرب. قلت: هذا الذي قاله أبو حامد وموافقوه، هو الصواب. والله أعلم. فإن قلنا: يقع الطلاق بالتعيين، فمنه العدة، وإن قلنا: باللفظ، فهل العدة منه، أم من التعيين ؟ فيه الخلاف السابق، فيما إذا نوى معينة. والاكثرون على أن الراجح، احتساب العدة من التعيين كيف قدر البناء، هذا كله في حياة الزوجين، وسنذكر إن شاء الله أنهما إذا ماتتا أو إحداهما تبقى المطالبة بالتعيين لبيان حكم الميراث، وحينئذ فإن أوقعنا الطلاق باللفظ، فذاك، وإن أوقعناه بالتعيين، فلا سبيل إلى إيقاع طلاق بعد الموت، ولا بد من إسناده للضرورة، وإلى ما يسند ؟ وجهان، أصحهما عند الامام: إلى وقت اللفظ فيرتفع الخلاف، وأرجحهما عند الغزالي: إلى قبيل الموت. المسألة الرابعة: لو وطئ إحداهما، نظر، إن كان نوى معينة، فهي المطلقة، ولا يكون الوطئ بيانا، بل تبقى المطالبة بالبيان، فإن بين الطلاق في الموطوءة، فعليه الحد إن كان الطلاق بائنا، ويلزمه المهر لجهلها كونها المطلقة، وإن بين في غير الموطوءة، قبل، فإن ادعت الموطوءة أنه أرادها، حلف، فإن نكل وحلفت، طلقتا وعليه المهر، ولا حد للشبهة. وإن لم يكن نوى معينة، فهل يكون الوطئ تعيينا ؟ وجهان، ويقال: قولان، أحدهما: نعم، وبه قال المزني وأبو إسحق وأبو الحسن الماسرجسي، ورجحه ابن

(6/96)


كج، والثاني: لا، وبه قال ابن أبي هريرة، ورجحه صاحبا الشامل والتتمة. قلت: هذا الثاني، هو الاصح عند الرافعي في المحرر، وهو المختار. قال في الشامل: وهو ظاهر نص الشافعي رحمه الله، فإنه قال: إذا قال: إحداكما طالق، منع منهما، ومن يقول: الوطئ تعيين، لا يمنعه وطئ أيهما شاء. والله أعلم. فإن جعلنا الوطئ تعيينا للطلاق، ففي كون سائر الاستمتاعات تعيينا وجهان بناء على الخلاف في تحريم الربيبة بذلك، وإذا جعلنا الوطئ تعيينا للطلاق في الاخرى، فلا مهر للموطوءة ولا مطالبة، وإلا فتطالب بالتعيين، فإن عين الطلاق في الموطوءة، فلها المهر إن قلنا: يقع الطلاق باللفظ، وإن قلنا بالتعيين، فحكى الفوراني أنه لا مهر، وذكر فيه احتمالا، وذكر ابن الصباغ وغيره تفريعا على أن الوطئ تعيين: أن الزوج لا يمنع من وطئ أيهما شاء، وإنما يمنع منهما إذا لم يجعل الوطئ تعيينا، ولما أطلق الجمهور المنع منهما جميعا، أشعر ذلك بأن الاصح عندهم، أنه ليس بتعيين. الخامسة: في ألفاظ البيان والتعيين، فإن نوى معينة، حصل البيان بأن يقول مشيرا إلى واحدة: المطلقة هذه، ولو قال: الزوجة هذه، بان الطلاق في الاخرى، وكذا لو قال: لم أطلق هذه. ولو قال: أردت هذه بل هذه، أو قال: هذه وهذه، أو هذه هذه، وأشار إليهما، أو هذه مع هذه، طلقتا، قال الامام: وهذا فيما يتعلق بظاهر الحكم، فأما في الباطن، فالمطلقة هي المنوية فقط، حتى لو قال: إحداكما طالق ونواهما، فالوجه عندنا أنهما لا تطلقان، ولا يجئ فيه الخلاف في قوله: أنت طالق واحدة، ونوى ثلاثا، لان حمل إحدى المرأتين عليهما لا وجه له، وهناك يتطرق إلى الكلام تأويل. ولو قال: أردت هذه ثم هذه، أو هذه فهذه، قال القاضي حسين وصاحباه المتولي والبغوي: تطلق الاولى دون الثانية لاقتضاء الحرفين الترتيب. وحكى الامام

(6/97)


هذا عن القاضي، واعترض بأنه اعترف بطلاق الثانية أيضا، فليكن كقوله: هذه وهذه، والحق هو الاعتراض. قلت: قول القاضي أظهر. والله أعلم. ولو قال: أردت هذه بعد هذه، فقياس الاول أن تطلق المشار إليها بائنا وحدها. ولو قال: هذه قبل هذه، أو بعدها هذه، فقياس الاول أن تطلق المشار إليها أولا وحدها، وقياس الاعتراض، الحكم بطلاقهما في الصورة، ولو قال: أردت هذه أو هذه، استمر الابهام والمطالبة بالبيان. ولو كان تحته أربع، فقال: إحداكن طالق، ونوى واحدة بعينها، ثم قال: أردت هذه بل هذه بل هذه، طلقن جميعا، وكذا لو عطف (بالواو فلو عطف) بالفاء أو بثم، عاد قول القاضي والاعتراض. ولو قال وهن ثلاث: أردت أو طلقت هذه، بل هذه أو هذه، طلقت الاولى وإحدى الاخريين، ويؤمر بالبيان. وإن قال: هذه أو، هذه بل هذه، أو هذه، طلقت الاخيرة وإحدى الاوليين، ويؤمر بالبيان. ولو قال: هذه وهذه أو هذه، نظر إن فصل الثالثة عن الاوليين بوقفة أو بنغمة، أو أداء، فالطلاق مردد بين الاوليين وبين الثالثة وحدها، وعليه البيان، فإن بين في الثالثة، طلقت وحدها، وإن بين في الاوليين أو إحداهما، طلقتا، لانه جمع بينهما بالواو العاطفة، فلا يفترقان. وإن فصل الثانية عن الاولى، تردد الطلاق بين الاولى وإحدى الاخريين، فإن بين في الاولى، طلقت وحدها. وإن بين في الاخريين أو إحداهما، طلقتا جميعا، وإن سرد الكلام ولم يفصل، احتمل كون الثالثة مفصولة عنهما، واحتمل كونها مضمومة إلى الثانية مفصولة عن الاولى، فيسأل ويعمل بما أظهر إرادته. ولو

(6/98)


قال: هذه أو هذه وهذه، فإن فصل الثالثة عن الاوليين، تردد الطلاق بين إحدى الاوليين، والاخرى مطلقة وحدها. وإن فصل الاخريين عن الاولى، فالتردد بين الاولى وحدها، وبين الاخريين معا، وإن سرد الكلام ولم يفصل، فهما محتملان ولو قال وهن أربع وقد طلق واحدة: أردت هذه أو هذه (لا)، بل هذه وهذه، طلقت الاخريان وإحدى الاوليين. ولو قال: هذه وهذه، بل هذه أو هذه، طلقت الاوليان وإحدى الاخريين. ولو قال: هذه وهذه وهذه أو هذه، فإن فصل الاخيرة عن الثلاث، تردد الطلاق بين الثلاث والرابعة. وإن فصل الثالثة عما قبلها، طلقت الاوليان وإحدى الاخريين، وإن فصل الثانية عن الاولى، فينبغي أن يقال: تطلق الاولى، ويتردد الطلاق بين الثانية والثالثة معا، وبين الرابعة وحدها، فعليه البيان. وإن سرد الكلام، قال البغوي: تطلق الثلاث أو الرابعة، ويؤمر بالبيان. فإن بين في الثلاث أو بعضهن، طلقن جميعا، وإن بين في الرابعة، طلقت وحدها. والوجه أن يقال: صورة السرد تحتمل احتمالات الثلاث، فيراجع ويعمل بمقتضى قوله كما سبق. ولو قال: هذه وهذه، أو هذه وهذه، فقد يفصل الاولى عن الثلاث الاخيرة، ويضم بعضهن إلى بعض، فتطلق الاولى ويتردد بين الثانية وحدها، وبين الاخريين معا. وقد يفرض الفصل بين الاوليين والاخريين، والضم فيهما، فتطلق الاوليان والاخريان. وقد يفرض فصل الرابعة عما قبلها فتطلق الرابعة، ويتردد الطلاق بين الثالثة وحدها وبين الاوليين معا. ومتى قال: هذه المطلقة، ثم قال: لا أدري أهي

(6/99)


هذه أم غيرها ؟ فتلك طالق بكل حال وتوقف الباقيات، فإن قال بعد ذلك: تحققت أن المطلقة الاولى، قبل منه، ولم تطلق غيرها. وإن عين أخرى، حكم بطلاقها، ولم يقبل رجوعه عن الاولى. والوقفة التي جعلناها فاصلة بين اللفظين مع إعمال اللفظين، هي الوقفة اليسيرة، فأما إذا طالت، فقطعت نظم الكلام بأن قال: أردت هذه ثم قال بعد طول المدة: أو هذه وهذه، فهذا الكلام الثاني لغو إذ لا يستقل بالافادة، هذا كله إذا نوى عند اللفظ المبهم واحدة معينة. أما إذا لم ينو فطولب بالتعيين، فقال مشيرا إلى واحدة: هذه المطلقة، تعينت ولغا ذكر غيرها، سواء عطف غيرها بالفاء وثم، أو بالواو أو ببل، لان التعيين هنا ليس إخبارا عن سابق، بل هو إنشاء اختيار، وليس له إلا اختيار واحدة، وسواء قلنا: يقع الطلاق بالتعيين أو باللفظ. المسألة السادسة: لو ادعت التي علق طلاقها بكون الطائر غرابا أنها مطلقة، لزمه أن يحلف جزما على نفي الطلاق، كما لو ادعى نسيان المطلقة. ولو ادعت أنه كان غرابا وأنها طلقت، لزمه أن يحلف على الجزم أنه لم يكن غرابا، ولا يكتفى بقوله: لا أعلم أنه كان غرابا أو نسيت الحال، كذا ذكره الامام، وفرق بينه وبين ما إذا علق طلاقها بدخول الدار ونحوه وأنكر حصوله، فإنه يحلف على نفي العلم بالدخول، لان الحلف هناك على نفي فعل الغير. وأما نفي الغرابية، فهو نفي صفة في الغير، ونفي الصفة كثبوتها في إمكان الاطلاع عليها. قال الغزالي في البسيط: في القلب من هذا الفرق شئ، فليتأمل، ويشبه أن يقال: إنما يلزمه الحلف على نفي الغرابية إذا تعرض لها في الجواب. أما إذا اقتصر على قوله: لست بمطلقة، فينبغي أن يكتفى منه بذلك كنظائره. الحالة الثانية: إذا طرأ الموت قبل البيان أو التعيين، ففيه صورتان. إحداهما: أن تموت الزوجتان أو إحداهما، ويبقى الزوج، فتبقى المطالبة بالبيان أو التعيين. وقيل: إذا ماتتا، سقط التعيين، وإن ماتت إحداهما، تعين الطلاق في الاخرى، ونسب هذا إلى الشيخ أبي محمد وهو بعيد، والصواب: الاول، ويوقف له من تركة كل واحدة ميراث زوج، حتى يبين أو يعين، فإذا بين أو عين، لم يرث من المطلقة إن كان الطلاق بائنا، سواء قلنا: يقع الطلاق عند اللفظ أو عند التعيين، ويرث من الاخرى، ثم إن نوى معينة، فبين، وقال ورثة الاخرى: هي التي

(6/100)


أردتها، فلهم تحليفه، فإن حلف فذاك، وإن نكل، ومنع ميراثها أيضا. وإن لم ينو معينة، وعين، لم يتوجه لورثة الاخرى دعوى، لان التعيين إلى اختياره. وقال الشيخ أبو محمد تفريعا على ما اختاره: يرث من كل واحدة ميراث زوج وهو ضعيف. قال ابن كج: وإذا حلفه ورثة الاخرى التي عينها للنكاح، أخذوا جميع المهر إن كان بعد الدخول، وإلا أخذوا نصفه وفي النصف الثاني، وجهان، أحدهما: يأخذونه أيضا عملا بتصديقه، والثاني: لا، لانها مطلقة قبل الدخول بزعمهم، ولو كذبه ورثة التي عينها للطلاق وغرضهم استقرار جميع المهر إذا كان قبل الدخول، فلهم تحليفه وهم مقرون له بإرث لا يدعيه. الصورة الثانية: أن يموت الزوج قبل البيان أو التعيين، ففي قيام الوارث مقامه في البيان والتعيين قولان، وقيل: يقوم في البيان قطعا، والقولان في التعيين، وقيل: لا يقوم في التعيين والقولان في البيان، لانه إخبار يمكن الاطلاع عليه، بخلاف التعيين، فإنه اختيار شهوة، فلا يحلفه الوارث، كما لو أسلم على أكثر من أربع نسوة ومات، وقال القفال: إن مات والزوجتان حيتان، لم يقم الوارث قطعا لا في البيان ولا في التعيين، إذ لا غرض له في ذلك، فإن الارث لا يختلف بزوجة وزوجتين، وإن ماتت إحداهما، ثم الزوج، ثم الاخرى، وعين الوارث الاولى للطلاق، قبل قوله قطعا، لانه يضر نفسه، وإن عين الاولى للنكاح، أو مات الزوج وقد ماتتا، ففيه القولان، ثم يعود الترتيب المذكور في البيان والتعيين، والاظهر حيث ثبت قولان: أنه يقوم، وحيث اختلف في إثبات القولين، المنع. فإذا قلنا: لا يقوم، أو قلنا: يقوم فقال: لا أعلم، فإن مات الزوج قبلهما، وقف ميراث زوجة بينهما حتى يصطلحا، أو يصطلح ورثتهما بعد موتهما، وإن ماتتا قبل موت الزوج، وقف من تركتهما ميراث زوج، وإن توسط موته بينهم، وقف من تركة الاولى ميراث زوج، ومن تركة الزوج ميراث زوجة، حتى يحصل الاصطلاح.

(6/101)


وإن قلنا: لا يقوم، أو قلنا: يقوم الوارث مقامه، فإن مات الزوج قبلهما، فتعين الوارث كتعينه وإن مات بعدهما، فإذا بين الوارث واحدة، فلورثة الاخرى تحليفه أنه لا يعلم أن الزوج طلق مورثتهم، وإن توسط موته بينهما، فبين الوارث الطلاق في الاولى قبلناه، ولم نحلفه لانه ضر نفسه، وإن بين في المتأخرة، فلورثة الاولى تحليفه أنه لا يعلم أن مورثه طلقها، ولورثة الثانية تحليفه على البت أنه طلقها. فرع شهد اثنان من ورثة الزوج، أن المطلقة فلانة، فيقبل شهادتهما إن مات الزوج قبل الزوجتين لعدم التهمة، ولا يقبل إن ماتتا قبله، وإن توسط موته، نظر إن شهدا بالطلاق للاولى قبل وإلا فلا. فصل قال: إن كان هذا الطائر غرابا، فعبدي حر، وإن لم يكن، فزوجتي طالق، أو دخل جماعة، فقال: إن كان أول من دخل زيد، فعبدي حر، وإلا فزوجتي طالق، وأشكل الحال، ففي وجه حكاه ابن القطان: يقرع بين العبد والزوجة، كما إذا مات الحالف، فإن خرجت قرعة العبد، ثم قال: تبينت أن الحنث كان في الزوجة، لم ينقض العتق، وحكم بالطلاق أيضا، والصحيح الذي قطع به الجمهور، أنه لا يقرع ما دام الحلف حيا لتوقع البيان، لكن يمنع من الاستمتاع بالزوجة، واستخدام العبد، والتصرف فيه، وعليه نفقة الزوجة إلى البيان، وكذا نفقة العبد على الاصح. وقيل: يؤجره الحاكم، وينفق عليه من أجرته. فإن فضل شئ، حفظه حتى يبين الحال. وإذا قال الزوج: حنثت في الطلاق، طلقت. فإن صدقه العبد، فذاك ولا يمين عليه على الصحيح، وحكى الحناطي وجها، أنه يحلف لما فيه من حق الله تعالى، وإن كذبه وادعى العتق، صدق السيد بيمينه، فإن نكل، حلف العبد، وحكم بعتقه، وإن قال: حنثت في العتق، عتق العبد، ثم إن صدقته المرأة، فلا يمين، وفيه الوجه المذكور، وإن كذبته، حلف، فإن نكل، حلفت وحكم بطلاقها. وقوله: لم أحنث في يمين العبد، في جواب دعواه، وفي غير الجواب كقوله: حنثت في يمين العبد، ولو قال: لا أعلم في أيهما حنثت، ففي الشامل وغيره، أنهما إن صدقاه، بقي الامر موقوفا، وإن كذباه، حلف على نفي العلم، فإن حلف، فالامر موقوف، وإن نكل، حلف المدعي منهما وقضى بما ادعاه.

(6/102)


وإن ادعى أحدهما أنه حنث في يمينه، فقال في جوابه: لا أدري، لم يكن إقرارا بالحنث في الآخر، فإن عرضت عليه اليمين فحلف على نفي ما يدعيه، كان مقرا بالحنث في الآخر. وإن كان التعليق لطلاق نسوة، وادعين الحنث ونكل عن اليمين، فحلف بعضهن دون بعض، حكم بطلاق من حلف دون من لم يحلف. ولو ادعت واحدة، ونكل عن اليمين، فحلفت، حكم بطلاقها، وله أن يحلف إذا ادعت أخرى، ولا يجعل نكوله في واحدة نكولا في غيرها. وأعلم أن ما سبق من الامر بالبيان أو التعيين، والحبس والتعزير عند الامتناع، قد أشاروا إلى مثله هنا، لكن إذا قلنا: إنه إذا قال: لا أدري، يحلف عليه ويقنع منه بذلك، يكون التضييق إلى أن يبين أو يقول: لا أدري، ويحلف عليه، وهكذا ينبغي أن يكون الحكم في إبهام الطلاق بين الزوجتين. فرع إذا مات الزوج قبل البيان، ففي قيام الوارث مقامه طريقان، أحدهما: على الخلاف السابق في الطلاق المبهم بين الزوجتين، والثاني: القطع بأنه لا يقوم، للتهمة في إخباره بالحنث في الطلاق ليرق العبد ويسقط إرث الزوجة، ولان للقرعة مدخلا في العتق، وسواء ثبت الخلاف أم لا، فالمذهب أنه لا يقوم. قال السرخسي في الامالي: هذا الخلاف إذا قال الوارث: حنثت في الزوجة، فإن عكس، قبل قطعا لاضراره بنفسه وهذا حسن. قلت: قد قاله أيضا غير السرخسي، وهو متعين. والله أعلم. فإن لم يعتبر قول الوارث، أو قال: لا أعلم، أقرعنا بين العبد والمرأة، فإن خرجت على العبد، عتق ويكون عتقه من الثلث إن كان التعليق في مرض الموت، وترث المرأة إلا إذا كانت قد ادعت الحنث في يمينها وكان الطلاق بائنا. وإن خرجت القرعة على المرأة، لم تطلق، لكن الورع أن تترك الميراث، وهل يرق العبد ؟ وجهان: أحدهما: نعم، فيتصرف فيه الوارث كيف شاء. وأصحهما: لا، لان القرعة لم تؤثر فيما خرجت عليه، فغيره كذلك، وعلى هذا، يبقى الابهام كما كان. وقال ابن أبي هريرة: لا نزال نعيد القرعة حتى تخرج على العبد، قال الامام: هذا القول غلط يجب إخراج قائله من أحزاب الفقهاء، وينبغي لقائله أن يقطع بعتق العبد، ويترك تضييع الزمان بالقرعة. فالصواب بقاء الابهام، وإن اعتبرنا

(6/103)


قول الوارث فقال: الحنث في العبد، عتق وورثت الزوجة، وإن عكس، فللمرأة تحليفه على البت، وللعبد أن يدعي العتق، ويحلفه أنه لا يعلم حنث مورثه فيه. ونقل الحناطي وجها عن ابن سريج، أنه إذا لم يبين الورثة وقف حتى يموتوا، ويخلفهم آخرون، وهكذا إلى أن يحصل بيان، ووجها، أن الوارث إذا لم يبين حكم عليه بالعتق والطلاق، وهذان ضعيفان، والصواب الذي عليه الاصحاب، ما تقدم وهو الاقراع إذا لم يبين، وبالله التوفيق. فصل: ذكر الامام الرافعي رحمه الله هنا مسائل منثورة تتعلق بكتاب الطلاق، نقلتها إلى موضعها اللائقة بها، ومما لم أنقله مسائل، منها عن أبي العباس الروياني: لو كان له امرأتان، فقال مشيرا إلى إحداهما: امرأتي طالق، وقال: أردت الاخرى، فهل تطلق الاخرى، وتبطل الاشارة، أم تطلقان معا ؟ وجهان. قلت: الارجح الاول. والله أعلم. وذكر إسمعيل البوشنجي، أنه لو قال لاحدى نسائه: أنت طالق، وفلانة أو فلانة، فإن أراد ضم الثانية إلى الاولى، فهما حزب، والثالثة حزب، والطلاق تردد بين الاوليين والثالثة، فإن عين الثالثة، طلقت وحدها، وإن عين الاوليين أو إحداهما، طلقتا، وإن ضم الثانية إلى الثالثة وجعلهما حزبا والاولى حزبا، طلقت الاولى وإحدى الاخريين، والتعيين إليه، وهذا الضم والتحزيب يعرف من قرينة الوقفة، والنغمة كما ذكرناه قريبا في صيغ التعيين، فإن لم تكن قرينة، قال: فالذي أراه أنه إن كان عارفا بالعربية، فمقتضى الواو الجمع بين الاولى والثانية في الحكم، فيجعلان حزبا، والثالثة حزبا، وإن كان جاهلا بها، طلقت الاولى بيقين، ويخير بين الاخريين. وأنه لو جلست نسوته الاربع صفا، فقال: الوسطى منكن طالق، فوجهان، أحدهما: لا يقع شئ إذ لا وسطى، والثاني: يقع على الوسطيين، لان الاتحاد ليس بشرط في وقوع اسم الوسطى.

(6/104)


قلت: كلا الوجهين ضعيف، والمختار ثالث، وهو أن يطلق واحدة من الوسطيين، يعينها الزوج، لان موضوع الوسطى لواحدة. فلا يزاد. والله أعلم. وأنه لو قال لامرأتيه المدخول بهما: أنتما طالقان، ثم قال قبل المراجعة: إحداكما طالق ثلاثا ولم ينو معينة، ثم انقضت عدة إحداهما، فإن عين في الباقية، فذاك، وإن عين في الثانية، بني على أن التعيين بيان للواقع، أم إيقاع ؟ إن قلنا بالاول صح، وإلا فلا. قال: والاول أشبه بالمذهب. ولو انقضت عدتها، لم يجز له التزوج بواحدة منهما قبل التعيين، وإلا إذا نكحت زوجا آخر، وبالله التوفيق.
الباب السادس : في تعليق الطلاق وهو جائز قياسا على العتق، وقد ورد الشرع بتعليقه في التدبير. وإن علقه، لم يجز له الرجوع فيه، وسواء علقه بشرط معلوم الحصول، أو محتمله، لا يقع الطلاق إلا بوجود الشرط في النوعين. ولا يحرم الوطئ قبل وجود الشرط ووقوع الطلاق. وإذا علق بصفة، ثم قال: عجلت تلك الطلقة المعلقة، لم تتعجل على الصحيح. وحكى الشيخ أبو علي وغيره وجها، أنها تعجل. فإذا قلنا بالصحيح فأطلق وقال: عجلت لك الطلاق، سألناه، فإن قال: أردت تلك الطلقة، صدقناه بيمينه ولم يتعجل شئ، وإن أراد طلاقا مبتدءا، وقع طلقة في الحال. قلت: وإن لم يكن له نية، لم يقع في الحال شئ. والله أعلم. ولو عقب لفظ الطلاق بحرف شرط، فقال: أنت طالق إن، فمنعه غيره من الكلام بأن وضع يده على فيه، ثم قال: أردت أن أعلق على شرط كذا، صدق بيمينه، وإنما حلفناه لاحتمال أنه أراد التعليق على شئ حاصل، كقوله: إن كنت فعلت كذا وقد فعله. ولو قطع الكلام مختارا حكم بوقوع الطلاق. ولو ذكر حرف الجزاء، ولم يذكر شرطا، بأن قال: فأنت طالق، ثم قال: أردت ذكر صفة فسبق لساني إلى الجزاء، قال القاضي حسين: لا يقبل في الظاهر،

(6/105)


لانه متهم، وقد خاطبها بصريح الطلاق، وحرف الفاء، قد يحتمل غير الشرط، ربما كان قصده أن يقول: أما بعد، فأنت طالق. ولو قال: إن دخلت الدار أنت طالق بحذف الفاء، فقد أطلق البغوي وغيره، أنه تعليق، وقال البوشنجي: يسأل، فإن قال: أردت التنجيز، حكم به، وإن قال: أردت التعليق، أو تعذرت المراجعة، حمل على التعليق. ولو قال: إن دخلت الدار. وأنت طالق بالواو، قال البغوي: إن قال: أردت التعليق، قبل، أو التنجيز، وقع، وإن قال: أردت جعل الدخول، وطلاقها شرطين لعتق أو طلاق، قبل قال البوشنجي: فإن لم يقصد شيئا طلقت في الحال، وألغيت الواو، كما لو قال ابتداءا: وأنت طالق. قلت: هذا الذي قاله البوشنجي فاسد حكما ودليلا، وليس كالمقيس عليه، والمختار، أنه عند الاطلاق تعليق بدخول الدار، إن كان قائله لا يعرف العربية، وإن عرفها، فلا يكون تعليقا ولا غيره إلا بنية، لانه غير مقيد عنده، وأما العامي، فيطلقه للتعليق، ويفهم منه التعليق. والله أعلم. ولو قال: أنت طالق وإن دخلت الدار، طلقت في الحال، وكذا لو قال: وإن دخلت الدار أنت طالق، ولم يذكر الواو في أنت. فرع إذا علق الطلاق بشرط، ثم قال: أردت الايقاع في الحال، فسبق لساني إلى الشرط، وقع في الحال لانه غلط على نفسه. فصل أعلم أن هذا الباب واسع جدا ويتلخص لمقصوده في أطراف.
الأول : في التعليق بالاوقات، وفيه مسائل. الاولى: قال: أنت طالق في شهر كذا، أو غرة شهر كذا، أو أوله، أو رأس الشهر، أو ابتداءه، أو دخوله، أو استقباله، أو إذا جاء شهر كذا، طلقت عند أول جزء منه، فلو رأوا الهلال قبل غروب الشمس، لم تطلق حتى تغرب. ولو قال: في نهار شهر كذا أو في أول يوم منه، طلقت عند طلوع الفجر من اليوم الاول. ولو قال: أنت طالق في يوم كذا، طلقت عند طلوع الفجر من ذلك اليوم، وحكى الحناطي قولا، أنها تطلق عند غروب الشمس من ذلك اليوم، وطرده

(6/106)


في الشهر أيضا، وهو شاذ ضعيف جدا. وعلى قياس هذا ما لو قال: في وقت الظهر أو العصر، ولو قال: أردت بقولي: في شهر كذا أو في يوم كذا وسطه أو آخره، لم يقبل ظاهرا على الصحيح، وحكى ابن كج وغيره في قبوله وجها، ويدين قطعا. ولو قال: أردت بقولي: في غرته اليوم الثاني أو الثالث، فكذلك، لان الثلاثة الاولى تسمى غررا، فلو قال: أردت به المنتصف، لم يدين، لانه لا يطلق على غير الثلاثة الاولى، وكذا لو قال: في رأس الشهر، ثم قال: أردت السادس عشر. الثانية: قال في رمضان: أنت طالق في رمضان، طلقت في الحال، ولو قال: في أول رمضان، وإذا جاء رمضان، وقع في أول رمضان القابل. الثالثة: قال: أنت طالق في آخر رمضان، فهل يقع في جزء من الشهر، أم أول جزء من ليلة السادس عشر، أم أول اليوم الاخير منه ؟ فيه أوجه، أصحها الاول، ولو قال: أنت طالق في آخر السنة، فعلى الاول يقع في آخر جزء من السنة، وعلى الثاني في أول الشهر السابع. ولو قال: في آخر طهرك، فعلى الاول يقع في آخر جزء من الطهر، وعلى الثاني، في أول النصف الثاني من الطهر. ولو قال: أنت طالق في أول آخر الشهر، قال الجمهور: يقع في أول اليوم الاخير. وقال ابن سريج: في أول النصف الاخير، وقال الصيرفي أو غيره: في أول اليوم السادس عشر. ولو قال: أنت طالق في آخر أول الشهر، قال الجمهور: يقع عند غروب الشمس في اليوم الاول. وعن ابن سريج، يقع في آخر جزء من الخامس عشر. وقيل: عند طلوع الفجر في اليوم الاول، وبهذا قطع المتولي بدلا عن الاول. فقال: لو قال: أنت طالق أخر أول آخر الشهر، فمن جعل آخر الشهر اليوم الاخير، قال: تطلق بغروب الشمس في اليوم الاخير، لان ذلك اليوم هو آخر الشهر، وأوله طلوع الفجر، وآخر أوله غروب الشمس، ومن جعل الآخر على النصف الثاني، فأوله ليلة السادس عشر، فتطلق عند انقضاء الشهر على الوجهين.

(6/107)


الرابعة: قال: أنت طالق في سلخ الشهر، فأوجه. أحدها: وبه قطع الشيخ أبو حامد ورجحه الغزالي: يقع في آخر جزء من الشهر. والثاني: وبه قطع المتولي والبغوي: يقع في أول اليوم الاخير. والثالث: في أول جزء من الشهر، فإن الانسلاخ يأخذ من حينئذ. وقال الامام: اسم السلخ يقع على الثلاثة الاخيرة من الشهر، فتحتمل أن يقع في أول جزء من الثلاثة. قلت: الصواب الاول، وما سواه ضعيف. والله أعلم. الخامسة: قال أنت طالق عند انتصاف الشهر، يقع عند غروب الشمس في اليوم الخامس عشر، وإن كان الشهر ناقصا، لانه المفهوم من مطلقه، ذكره المتولي. ولو قال: نصف النصف الاول من الشهر، طلقت عند طلوع الفجر يوم الثامن. ولو قال: نصف يوم كذا، طلقت عند الزوال لانه المفهوم منه. وإن كان اليوم يحسب من طلوع الفجر شرعا، ويكون نصفه الاول أطول. السادسة: إذا قال: إذا مضى يوم فأنت طالق، نظر إن قاله بالليل، طلقت عند غروب الشمس من الغد، وإن قاله بالنهار، طلقت إذا جاء مثل ذلك الوقت من اليوم الثاني، هكذا أطلقوه. ولو فرض انطباق التعليق على أول نهار، طلقت عند غروب شمس يومه. ولو قال: أنت طالق إذا مضى اليوم، نظر، إن قاله نهارا، طلقت عند غروب شمسه، وإن كان الباقي منه يسيرا، وإن قاله ليلا، كان لغوا، إذ لا نهار، ولا يمكن الحمل على الجنس. ولو قال: أنت طالق اليوم، طلقت في الحال نهارا كان أو ليلا، قاله المتولي، ويلغو قوله: اليوم لانه لم يعلق، وإنما أوقع وسمى الوقت بغير اسمه. ولو قال: أنت طالق الشهر، أو السنة، وقع في الحال. السابعة: قال: إذا مضى شهر فأنت طالق، لم تطلق حتى يمضي شهر كامل. فإن اتفق قوله في ابتداء الهلال، طلقت بمضيه تاما أو ناقصا، وإلا فإن قاله

(6/108)


ليلا، طلقت إذا مضى ثلاثون يوما، ومن ليلة الحادي والثلاثين تقدر ما كان سبق من ليلة التعليق، وإن قاله: نهارا كمل من اليوم الحادي والثلاثين بعد التعليق. ولو قال: إذا مضى الشهر، طلقت إذا انقضى الشهر الهلالي، وكذا لو قال: إذا مضت السنة، طلقت بمضي بقية السنة العربية، وإن كانت قليلة، وإن قال: إذا مضت سنة بالتنكير، لم تطلق حتى يمضي اثنا عشر شهرا، ثم إن لم ينكسر الشهر الاول، طلقت بمضي اثني عشر شهرا بالاهلة، وإن انكسر به الاول، حسب أحد عشر شهرا بعده بالاهلة، وكملت بقية الاول ثلاثين يوما من الثالث عشر. وفي وجه: أنه إذا انكسر شهر، انكسر جميع الشهور، واعتبرت سنة بالعدد، وقد سبق مثله في السلم وهو ضعيف. ولو شك فيما كان مضى من شهر التعليق، لم يقع الطلاق إلا باليقين، وذكر الحناطي في حل الوطئ في حال التردد وجهين. قلت: أصحهما الحل. والله أعلم. ولو قال: أردت بالسنة، السنة الفارسية أو الرومية، دين ولم يقبل ظاهرا على الصحيح. ولو قال: أردت بقولي: السنة سنة كاملة، دين ولم يقبل ظاهرا. ولو قال: أردت بقولي سنة بقية السنة، فقد غلط على نفسه. الثامنة: إذا علق الطلاق بصفة مستحيلة عرفا، كقوله: إن طرت أو صعدت السماء، أو إن حملت الجبل، فأنت طالق، أو عقلا كقوله: إن أحييت ميتا، أو إن اجتمع السواد والبياض، فهل يقع الطلاق أم لا، أم يقع في العقلي دون العرفي ؟ فيه أوجه، أصحها: لا يقع، أما في العرفي، فباتفاق الاصحاب وهو المنصوص، وأما في العقلي، فعند الامام وجماعة خلافا للمتولي، والمستحيل شرعا كالمستحيل عقلا، كقوله: إن نسخ صوم رمضان. أما إذا قال: أنت طالق أمس أو الشهر الماضي، أو في الشهر الماضي، فله أحوال. أحدها: أن يقول: أردت، أن يقع في الحال طلاق، يستند إلى أمس أو إلى

(6/109)


الشهر الماضي، فلا شك أنه لا يستند، لكن يقع في الحال على الصحيح. وقيل: لا يقع أصلا. الحال الثاني: أن يقول: لم أوقع في الحال، بل أردت إيقاعه في الماضي، فالمذهب والمنصوص، وقوع الطلاق في الحال وبه قطع الاكثرون، وقيل: قولان ثانيهما: لا يقع. الحال الثالث: أن يقول: لم أرد إيقاعه في الحال ولا في الماضي، بل أردت أني طلقتها في الشهر الماضي في هذا النكاح وهي في عدة الرجعية أو بائن الآن، فيصدق بيمينه، وتكون عدتها من الوقت الذي ذكره إن صدقته، ويبقى النظر في أنه كان يخالطها أم لا ؟ وإن كذبته، فالعدة من وقت الاقرار. وعن القاضي حسين: أنها إن صدقته، قبل، وإلا فالقول قولها في أنه أنشأ الطلاق، وحينئذ يحكم عليه بطلاقين، والصحيح الاول. الحال الرابع: قال: أردت أني طلقتها في الشهر الماضي وبانت، ثم جددت نكاحها، أو أن زوجا آخر طلقها في نكاح سابق، قال الاصحاب: ينظر، إن عرف نكاح سابق، فطلاق فيه، أو أقام بذلك بينة وصدقته المرأة في إرادته، فذاك،

(6/110)


وإن كذبته وقالت: إنما أردت إنشاء طلاق الآن، حلف. وإن لم يعرف نكاح سابق، وطلاق في ذلك النكاح، وكان محتملا، فينبغي أن يقبل التفسير به وإن لم يقم بينة، وإلا يقع الطلاق وإن كان كاذبا، ولهذا لو قال ابتداءا: طلقك في الشهر الماضي زوج غيري، لا يحكم بالطلاق عليه وإن كذب. الحال الخامس: أن يقول: لم أرد شيئا أو مات ولم يفسر، أو جن، أو خرس وهو عاجز عن التفهيم بالاشارة، فالصحيح وقوع الطلاق، ولو قال: أنت طالق للشهر الماضي، ففي المجرد للقاضي أبي الطيب: أنه يقع الطلاق في الحال بلا خلاف، كما لو قال: لرضى فلان، لكن الكلام في مثل ذلك يستعمل للتاريخ، واللفظ محتمل للمعاني المذكورة في قوله. المسألة التاسعة: قال: إذا مات أو إذا قدم فلان، فأنت طالق قبله بشهر، أو قال: أنت طالق قبل أن أضربك بشهر، نظر إن مات فلان أو قدم، أو ضربها قبل مضي شهر من وقت التعليق، لم يقع الطلاق. وقيل: يقع عند الضرب، والصحيح الاول، وبه قطع الجمهور، وتنحل اليمين. حتى لو ضربها بعد ذلك وقد مضى شهرا أو أكثر، لم تطلق، وللامام احتمال أنه لا تنحل لكون الضرب الاول ليس هو المحلوف عليه. وإن مات أو قدم أو ضرب بعد مضي شهر من وقت التعليق، تبينا وقوع الطلاق قبله بشهر، وتحسب العدة من يومئذ. ولو ماتت وبينها وبين القدوم (دون) شهر. لا يرثها الزوج، ولو خالعها قبل القدوم أو الموت، فإن كان بين الخلع وقدوم فلان أكثر من شهر، وقع الخلع صحيحا، ولم يقع الطلاق المعلق. وإن كان بينهما دون شهر والطلاق المعلق ثلاث، فالخلع فاسد والمال مردود. ولو علق عتق عبده كذلك ثم باعه، وبين البيع وموت فلان، أو قدومه أكثر من شهر، صح البيع، ولم يحصل العتق.

(6/111)


المسألة العاشرة: قال: أنت طالق غد أمس، أو أمس غد على الاضافة، وقع الطلاق في اليوم لانه غد أمس وأمس غد. ولو قال: أمس غدا، أو غدا أمس لا بالاضافة، طلقت إذا طلع الفجر من الغد، ويلغو ذكر الامس. هكذا أطلقه البغوي، ونقل الامام مثله في قوله: أنت طالق أمس غدا، وأبدى فيه توقفا، لانه يشبه: أنت طالق الشهر الماضي. ولو قال: أنت طالق اليوم غدا، وقع في الحال طلقة، ولا يقع في الغد شئ. ولو قال: أردت اليوم طلقة وغدا أخرى، طلقت كذلك إلا أن يبين. وإن قال: أردت إيقاع نصف طلقة اليوم ونصف طلقة غدا، فكذلك تطلق طلقتين. ولو قال: أردت نصف طلقة اليوم ونصفها الآخر غدا، فوجهان، أحدهما: يقع طلقتان أيضا، وأصحهما: لا يقع إلا واحدة، لان النصف الذي أخره تعجل، وبهذا قطع المتولي. ولو قال: أنت طالق غد اليوم، فوجهان، أحدهما: يقع في الحال طلقة، ولا يقع في غد شئ، كما سبق في قوله: اليوم غدا، والثاني وهو الصحيح، وبه قال القاضي أبو حامد وصححه أبو عاصم: لا يقع في الحال شئ، ويقع في غد طلقة، لان الطلاق تعلق بالغد، وقوله: بعده اليوم، كتعجيل الطلاق المعلق، فلا يتعجل. ولو قال: أنت طالق اليوم وغدا، وبعد غد، يقع في الحال طلقة، ولا يقع في الغد ولا بعده شئ آخر، لان المطلقة في وقت مطلقة فيما بعده، كذا ذكره المتولي. ولو قال: أنت طالق اليوم، وإذا جاء الغد، قال إسمعيل البوشنجي: يسأل. فإن قال: أردت طلقة اليوم وتبقى بها مطلقة غدا، أو لم يكن له نية، لم يقع إلا طلقة، وإن قال: أردت طلقة اليوم وطلقة غدا، أوقعناه كذلك إن كانت مدخولا بها. ولو قال: أنت طالق اليوم ورأس الشهر، فهو كقوله: اليوم وغدا. ولو قال: أنت طالق اليوم وفي الغد، وفيما بعد غد، قال المتولي: يقع في كل يوم طلقة. قال: وكذلك لو قال: في الليل وفي النهار، لان المظروف يتعدد بتعدد الظرف، وليس هذا الدليل بواضح فقد يتحد المظروف، ويختلف الظرف.

(6/112)


ولو قال: أنت طالق بالليل والنهار، لم تطلق إلا واحدة. ولو قال: أنت طالق اليوم أو غدا، فوجهان، الصحيح: لا يقع إلا في الغد لانه اليقين. والثاني: يقع في الحال تغليبا للايقاع، ولو قال: أنت طالق غدا أو بعد غد، أو إذا جاء الغد أو بعد غد، قال البوشنجي: لا تطلق في الغد، قال: وعلى هذا استقر رأي أبي بكر الشاشي وابن عقيل ببغداد، وهذا يوافق الصحيح من هذين الوجهين السابقين. ولو قال: أنت طالق اليوم إذا جاء الغد، فوجهان. أحدهما عن ابن سريج وصاحب التقريب: لا تطلق أصلا، لانه علقه بمجئ الغد، فلا يقع قبله، وإذا جاء الغد، فقد مضى اليوم الذي جعله محلا للايقاع. والثاني: إذا جاء الغد، وقع الطلاق مستندا إلى اليوم، ويكون كقوله: إذا قدم زيد، فأنت طالق اليوم. قلت: الاصح لا تطلق، وبه قطع صاحب التنبيه وهو الاشبه بالتعليق بمحال. والله أعلم. ولو قال: أنت طالق الساعة إذا دخلت الدار، قال البوشنجي: هو كقوله: أنت طالق اليوم إذا جاء الغد. المسألة الحادية عشرة: إذا قال لمدخول بها: أنت طالق ثلاثا، في كل سنة طلقة، وقع في الحال طلقة، ثم إن أراد السنين العربية، وقعت أخرى في أول المحرم المستقبل، وأخرى في أول المحرم الذي بعده. وإن أراد أن بين كل طلقتين سنة، وقعت الثانية عند انقضاءه سنة كاملة من وقت التعليق، والثالثة بعد انقضاء سنة كاملة بعد ذلك، وهذا مفروض فيما إذا امتدت العدة أو راجعها فلو بانت وجدد نكاحها وهذه المدة باقية، ففي وقوع الطلاق قولا عود الحنث فإن قلنا: يعود وكان التجديد في خلال السنة، تطلق في الحال، وإن أطلق السنين، فهل ينزل على العربية أم على الاحتمال الثاني ؟ فيه وجهان. أصحهما: الثاني، وإن قال: أنت طالق ثلاثا في ثلاثة أيام، أو في كل يوم طلقة، فإن قالها بالنهار، وقع في الحال طلقة، وبطلوع الفجر في اليوم الثاني أخرى، وبطلوعه في الثالث أخرى. فلو قال: أردت أن يكون بين كل طلقتين يوم دين، وفي قبوله ظاهرا وجهان، أقيسهما: القبول، وإن قاله بالليل، وقع ثلاث طلقات بطلوع الفجر في الايام الثلاثة التالية للتعليق.

(6/113)


الثانية عشرة: قال: أنت طالق اليوم إن لم أطلقك اليوم، فمضى اليوم ولم يطلقها، فوجهان. قال ابن سريج وغيره: لا طلاق، وقال الشيخ أبو حامد: تقع في آخر لحظة من اليوم، وهو إذا بقي من اليوم زمن لا يسع التطليق. قلت: هذا الثاني: أفقه، وهو المختار. والله أعلم. الثالثة عشرة: قال: أنت طالق في أفضل الاوقات، طلقت ليلة القدر، ولو قال: أفضل الايام، طلقت يوم عرفة، وفي وجه: يوم الجمعة عند غروب الشمس، ذكره القفال في الفتاوى. قلت: تخصيصه ب‍ عند غروب الشمس ضعيف أو غلط، لان اليوم يتحقق بطلوع الفجر، فإن تخيل متخيل أن ساعة الاجابة، قد قيل: إنها آخر النهار، فهو وهم ظاهر لوجهين، أحدهما: أن الصواب أن ساعة الاجابة، من حين يجلس الامام عند المنبر، إلى أن تقضي الصلاة، كذا صرح به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في صحيح مسلم: والثاني: أنه لم يعلق بأفضل أوقات اليوم، بل اليوم الافضل، واسم اليوم الافضل يحصل بطلوع الفجر. والله أعلم. الرابعة عشرة: في فتاوى القفال. لو قال: أنت طالق بين الليل والنهار، لا تطلق ما لم تغرب الشمس. قلت: هذا إذا كان نهارا، فإن علق ليلا، طلقت بطلوع الفجر. والله أعلم. الخامسة عشرة: في فتاوى القفال. لو قال: أنت طالق قبل موتي، طلقت في الحال، وإن قال: قبيل بضم القاف وفتح الياء أو قبيل بزيادة ياء، لا تطلق إلا في آخر جزء من أجزاء حياته. ولو قال: بعد قبل موتي، طلقت في الحال، لانه بعد قبل موته، ويحتمل أن لا يقع، لان جميع عمره قبل الموت. ولو قال: أنت

(6/114)


طالق قبل أن تدخلي الدار، أو قبل أن أضربك ونحو ذلك مما لا يقع بوجوده، قال إسمعيل البوشنجي: يحتمل وجهين، أحدهما: وقوع الطلاق في الحال، كقوله: قبل موتي أو موت فلان. وأصحهما: لا يقع حتى يوجد ذلك الفعل، فحينئذ يقع الطلاق مستندا إلى حال اللفظ، لان الصيغة تقتضي وجود ذلك الفعل، وربما لا يوجد، ولو قال: أنت طالق تطليقة قبلها يوم الاضحى، سألناه، فإن أراد الاضحى الذي بين يديه، لم تطلق حتى يجئ ذلك الاضحى وينقرض، ليكون قبل التطليقة، وإن أراد الاضحى الماضي طلقت في الحال كما لو قال: يوم السبت أنت طالق طلقة قبلها يوم الجمعة. قلت: فإن لم يكن له نية، لم يقع حتى ينقضي الاضحى الذي بين يديه. والله أعلم. ولو قال: أنت طالق قبل موت فلان وفلان بشهر، فمات أحدهما قبل شهر، لم تطلق، وإن مات أحدهما بعد مضي شهر، فوجهان، أحدهما: تطلق قبل موته بشهر، لانه وإن تأخر موت الآخر، فيصدق عليه أنه وقع قبل موتهما بشهر، والثاني: لا تطلق أصلا، لانه في العرف لا يقال: طلقت قبل موته بشهر، إلا إذا لم يزد ولم ينقص، وهذا الثاني خرجه البوشنجي، ونظير المسألة، قوله: أنت طالق قبل عيدي الفطر والاضحى بشهر، فعلى الاول تطلق أول رمضان، وعلى الثاني، لا تطلق. قلت: الصواب الاول، والثاني غلط، ولا أطلق عليه اسم الضعيف، وعجب ممن يخرج مثل هذا أو يحكيه ويسكت عليه. والله أعلم. فرع في فتاوى القاضي حسين: أنه لو قال: أنت طالق قبل ما بعده رمضان، وأراد الشهر، طلقت في آخر جزء من رجب، وإن أراد اليوم بليلته، ففي آخر جزء من التاسع والعشرين من شعبان، وإن أراد مجرد اليوم، فقبيل فجر يوم الثلاثين من شعبان، وإن قال: بعد ما قبله رمضان وأراد الشهر، طلقت عند استهلال ذي القعدة، وإن أراد الايام، ففي اليوم الثاني من شوال. السادسة عشرة: قال: أنت طالق كل يوم، فوجهان حكاهما أبو العباس

(6/115)


الروياني، أحدهما: تطلق كل يوم طلقة، حتى يكمل الثلاث، وهو مذهب أبي حنيفة، والثاني: لا يقع إلا واحدة، والمعنى: أنت طالق أبدا. قلت: الاول أصح، لانه السابق إلى الفهم. والله أعلم. ولو قال: أنت طالق يوما ويوما لا، ولم ينو شيئا، وقع واحدة، وقال البوشنجي: المفهوم منه وقوع ثلاث طلقات آخرهن في اليوم الخامس. وإن قال: أردت طلقة، يثبت حكمها في يوم دون يوم، أو تقع في يوم دون يوم، وقعت طلقة. السابعة عشرة: قال: أنت طالق إلى شهر، قال المتولي وغيره: يقع الطلاق بعد مضي شهر، ويتأبد إلا أن يريد تنجيز الطلاق وتوقيته، فيقع في الحال مؤبدا، قال البوشنجي: ويحتمل أن يقع في الحال عند الاطلاق. قلت: هذا الاحتمال ضعيف. والله أعلم. الثامنة عشرة: قال: أنت طالق غدا، أو عبدي حر بعد غد، قال البوشنجي: يؤمر بالتعيين، فإذا عين الطلاق أو العتق، يعين في اليوم الذي ذكره. قال: ولو قال: أنت طالق أمس وقد تزوجها اليوم، كان الحكم كما لو تزوجها قبل الامس. قال: ولو قال: أنت طالق طلقة، لا تقع عليك إلا غدا، طلقت بمجئ الغد، كما لو قال: طلقة تقع عليك غدا. قال: ولو قال: أنت طالق اليوم، وإن جاء رأس الشهر، طلقت في الحال، كقوله: أنت طالق اليوم وإن دخلت الدار.
الطرف الثاني : في التعليق بالتطليق، ونفيه ونحوهما. قال الاصحاب: الالفاظ التي يعلق بها الطلاق بالشرط والصفات من وإن وإذا ومتى، ومتى ما، ومهما، وكلما، وأي.

(6/116)


كقوله: من دخلت منكن، أو إن دخلت، أو إذا دخلت، أو متى، أو متى ما، أو مهما، أو كلما، أو أي وقت، أي زمان دخلت، فأنت طالق. ثم إن كان التعليق بإثبات فعل، لم يقتض شئ منها الفور، ولم يشترط وجود المعلق عليه في المجلس، إلا إذا كان التعليق بتحصيل مال، بأن يقول: إن ضمنت لي، أو إن أعطيتني ألفا، فإنه يشترط الفور في الضمان والاعطاء في بعض الصيغ المذكورة، كما سبق في كتاب الخلع، وإلا إذا علق الطلاق على مشيئتها فإنه تعتبر مشيئتها على الفور كما سبق، وسيأتي إن شاء الله تعالى، ولا يقتضي شئ من هذه الصيغ تعدد الطلاق بتكرر الفعل، بل إذا وجد الفعل المعلق عليه مرة، انحلت اليمين ولم يؤثر وجوده ثانيا إلا كلما فإنها تقتضي التكرار بالوضع والاستعمال، وحكى الحناطي وجها، أن متى، ومتى ما يقتضيان التكرار، ووجها أن متى ما تقتضيه دون متى، وهما شاذان ضعيفان. فصل إذا قال: إن طلقتك، أو إذا طلقتك، أو متى طلقتك فأنت طالق، ثم طلقها، نظر إن كان مدخولا بها، وقع طلقتان، إحداهما: المنجزة، والاخرى المعلقة سواء طلق بصريح أو كناية مع النية، ولو طلقها طلقتين وقع ثلاث، الثالثة بالتعليق، ولو قال: لم أرد التعليق، إنما أردت أني إذا طلقتها تكون مطلقة بتلك الطلقة، دين ولم يقبل ظاهرا. ولو وكل فطلقها وكيله، وقعت المنجزة فقط، لانه لم يطلقها هو، وأما إذا لم يكن مدخولا بها، فيقع ما نجزه وتحصل البينونة، فلا يقع شئ آخر، وتنحل اليمين، فلو نكحها بعد ذلك وطلقها، لم يجئ الخلاف في عود الحنث. ولو خالعها وهي مدخول بها، أو غيرها، لم يقع الطلاق المعلق لحصول البينونة بالخلع، ثم إن جعلنا الخلع طلاقا، انحلت اليمين، وإن جعلناه فسخا، لم تنحل، وحكى الحناطي وجها، أنه يقع في غير المدخول بها وفي الخلع طلقتان وهو غريب ضعيف.

(6/117)


فرع الطلقة المعلقة بصفة، هل تقع مع الصفة مقترنة بها، أم تقع مترتبة على الصفة ؟ وجهان، أصحهما والمرضي عند الامام وقول المحققين: أنها معها، لان الشرط علة وضعية، والطلاق معلولها فيتقاربان في الوجود، كالعلة الحقيقية مع معلولها. فمن قال بالترتيب قال: إنما لم يقع على غير المدخول بها الطلقة الثانية في السمألة السابقة، لكونها بانت بالمنجزة. ومن قال بالاصح وهو المقارنة، قال: إنما لم تقع في الثانية، لان قوله: إن طلقتك، فأنت طالق، معناه: إن صرت مطلقة، وبمجرد مصيرها مطلقة، بانت. فرع كما أن تنجيز الطلاق تطليق يقع به الطلقة المعلقة بالتطليق في المدخول بها، فكذا تعليق الطلاق مع وجود الصفة تطليق. فإذا قال: إذا طلقتك فأنت طالق، ثم قال: إن دخلت الدار فأنت طالق، فدخلت، وقع طلقتان، وكما أن التعليق بالصفة مع الصفة تطليق، فالتعليق مع الصفة إيقاع للطلاق. فإذا قال: إذا أوقعت عليك الطلاق، فأنت طالق، ثم قال: إن دخلت الدار، فأنت طالق، فدخلت، وقع طلقتان. وقال الشيخ أبو حامد: لا يقع إلا طلقة، وحكاه صاحبا المهذب والتهذيب، وزعم قائله أن لفظ الايقاع يقتضي طلاقا يباشره بخلاف التطليق، والصحيح الاول. وأما مجرد الصفة، فليس بتطليق ولا إيقاع، لكنه وقوع، فإذا قال: إن دخلت الدار، فأنت طالق، ثم قال: إن طلقتك، أو إذا أوقعت عليك الطلاق فأنت طالق، ثم دخلت الدار، لا يقع المعلق بالتطليق أو الايقاع، بل يقع طلقة بالدخول. ولو قال: إن دخلت الدار فأنت طالق، ثم قال: إن وقع عليك طلاقي، فأنت طالق، ثم دخلت الدار، وقع طلقتان، وتطليق الوكيل وقوع على الصحيح. وأما مجرد التعليق، فليس بتطليق ولا إيقاع ولا وقوع. وإذا قال: كلما وقع عليك طلاقي، فأنت طالق، ثم طلقها، وقع ثلاث طلقات، فيقع بوقوع الاولى ثانية، وبوقوع الثانية ثالثة. ولو قال: كلما طلقتك فأنت طالق، ثم طلقها، وقع طلقتان على الصحيح

(6/118)


والمشهور، وحكى ابن كج عن القاضي أبي حامد وغيره وقوع ثلاث، وجعله الحناطي قولا منسوبا إلى كتاب البويطي. فإذا قلنا بالصحيح: لا تنحل اليمين لاقتضاء اللفظ التكرار. قال البغوي: لكن لا تظهر فائدة هنا، لانه إذا طلقها أخرى، كان بالمنجزة مستوفيا للثلاث، ولا تعود اليمين بعد استيفاء الثلاث على المذهب، ولو قال: كلما طلقتك، فأنت طالق، ثم قال: إذا أوقعت عليك طلاقي، فأنت طالق، ثم طلقها، طلقت ثلاثا. فرع قال لها: إذا أعتقت عبدي، فأنت طالق، ثم قال للعبد: إن دخلت الدار، فأنت حر، ثم دخل، عتق وطلقت، لان التعليق مع الدخول اعتاق كما أنه تطليق، ولو قدم تعليق، العتق فقال: إن دخلت الدار، فأنت حر، ثم قال لامرأته: إن أعتقت عبدي، فأنت طالق، ثم دخل العبد، عتق ولم تطلق المرأة، فلو قال: إن دخلت الدار، فأنت حر، ثم قال لها: إذا عتق أو وقع عليه العتق، فأنت طالق، ثم دخل، عتق وطلقت. فرع تحته حفصة وعمرة، فقال لحفصة: إذ اطلقت عمرة، فأنت طالق، ثم قال لعمرة: إذا دخلت الدار، فأنت طالق، فدخلت، طلقتا جميعا. ولو قال لعمرة: إن دخلت الدار، فأنت طالق، ثم قال لحفصة: إن طلقت عمرة، فأنت طالق، ثم دخلت عمرة، طلقت ولم تطلق حفصة. ولو قال لحفصة: متى وقع طلاقي على عمرة، فأنت طالق، وعلق طلاق عمرة بدخول الدار قبل تعليق حفصة أو بعده، ثم دخلت عمرة، طلقتا. ولو قال لحفصة: إن طلقت عمرة، فأنت طالق، ثم قال لعمرة: إن طلقت حفصة، فأنت طالق، ثم طلق حفصة، طلقت حفصة طلقتين، وعمرة طلقة. ولو طلق عمرة بدل حفصة، طلقتا طلقة طلقة فقط. ولو كان تعليق الطلاقين بصيغة إذا أو متى أو مهما أو كلما فكذلك الجواب، لان التطليق لم يتكرر، ولا مزية لكلما. ولو قال لحفصة: إن وقع طلاقي على عمرة، فأنت طالق، ثم قال لعمرة: إن وقع طلاقي على حفصة، فأنت طالق، ثم طلق إحداهما، طلقت طلقة منجزة وتقع

(6/119)


على صاحبتها طلقة بالصفة، ثم يعود إلى المنجز طلاقها طلقة أخرى بالوقوع على صاحبتها، ولو علق هكذا بصيغة كلما، ثم طلق إحداهما، طلقتا ثلاثا ثلاثا. ولو قال لحفصة: إذا طلقتك، فعمرة طالق، ثم قال لعمرة: إذا طلقتك، فحفصة طالق، فقد بطلاق المخاطبة طلاق صاحبتها بخلاف الصورة السابقة وحكم هذه، أنه إن طلق بعد ذلك حفة، طلقت طلقة فقط، وطلقت عمرة بالصفة، ولم تعد إلى حفصة طلقة أخرى، لان طلاقههها معلق بتطليق عمرة، ولم يطلق عمرة بعد ما علق طلاق حفصة تنجزا، ولا أحدث تعليقا. ولو طلق عمرة أولا، طلقت طلقة منجزة، وطلقت حفصة طلقة بالصفة، وعاد بطلاقها إلى عمرة طلقة أخرى. فرع تحته أربع، فقالت: كلما طلقت واحدة منكن، فالاخريات طوالق، ثم طلق واحدة، طلقن طلقة طلقة، فإن طلق أخرى، فإن طلق ثالثة، طلقن ثلاثا ثلاثا، ولو قال: كلما طلقت واحدة منكن، فأنتن طوالق، ثم طلق إحداهن، طلقت هي طلقتين، والباقيات طلقة طلقة، فإن طلق ثانية، تم لها وللاولى ثلاث ثلاث، وللثالثة والربعة، طلقتان طلقتان، فإن طلق إحداهما، تم لهما أيضا الثلاث. فرع له نسوة نكحهن مرتبا، فقال: إن طلقت الاولى، فالثانية طالق، وإن طلقت الثانية، فالثالثة، طلق، وإن طلقت الثالثة فالاولى طالق، فان طلق الاولى طلق هي والثانية، دون الثالثة، وإن طلق الثانية، طلقت هي والثالثة، دون الاولى، وإن طلقت هي والاولى والثانية، وإن طلق واحدة لا بعينها ومات فبل البيان، فإن كان الطلاق قاطعا للارث، لكونه ثلاثا، أو قبل الدخول، فليس للثانية المخاصمة للميراث لانها مطلقة على كل تقدير والاولى والثالثة المخاصمة، لان احتمال عدم الطلاق قائم في حق كل منهما، فيوقف الامر إلى الاصطلاح. فصل له أربع نسوة وعبيد، فقال: إن طلقت واحدة من نسائي، فعبد من عبيدي حر، وإن طلقت ثنتين، فعبدان حران، وإن طلقت ثلاثا، فثلاثة أعبد

(6/120)


أحرار، وإن طلقت أربعا، فأربعة أعبد أحرار، ثم طلقهن معا، أو على الترتيب، عتق عشرة أعبد، وهكذا الحكم إذا علق بصيغة إذا أو متى أو مهما، وما لا يقتضي شئ، أما إذا علق هذه التعليقات بلفظ كلما ثم طلقهن معا، أو على الترتيب، فيعتق خمسة عشر عبدا، وقيل: عشرة، وقيل: سبعة عشر، وقيل: عشرون، وقيل: ثلاثة عشر، حكاه القاضي أبو الطيب في كتابه المجرد، والصحيح الاول، واتفق الاصحاب على تضعيف ما سواه، والرجوع في تعيين العبيد إليه. فصل في التعليق بنفي التطليق وفي معناه التعليق بنفي دخول الدار والضرب، وسائر الافعال، فإذا قال: إن لم أطلقك، فأنت طالق، لم يقع الطلاق حتى يحصل اليأس من التطليق. ولو قال: إذا لم أطلقك، فأنت طالق، فإذا مضى زمن يمكنه أن يطلق فيه، فلم يطلق، طلقت، هذا هو المنصوص في الصورتين، وهو المذهب، وقيل: قولان فيهما بالنقل والتخريج، ولو قال: متى لم أطلقك، أو مهما، أو أي حين، أو كلما لم أفعل، أو تفعلي كذا، فأنت طالق، فمضى زمن يسع الفعل ولم يفعل، طلقت على المذهب، كلفظ إذا، وأشار الحناطي إلى خلاف، وضبط الاصحاب هذا تفريعا على المذهب، بأن أدوات التعليق كلها تقتضي الفور في طرف النفي، إلا لفظة إن، فإنها للتراخي، وفي تسمية هذا فورا وتراخيا، نوع توسع، ولكن المعنى مفهوم، ولو علق النفي بلفظة إن، وقيد بزمان، فقال: إن لم أطلقك اليوم، فأنت طالق، وقلنا بالمذهب، فإذا مضى اليوم ولم يطلق، حكم بوقوع الطلاق قبيل غروب الشمس لحصول اليأس حينئذ، ولو قال: إن تركت طلاقك، فأنت طالق، فإذا مضى زمن زمن يمكنه أن يطلق فيه فلم يطلق، طلقت، بخلاف طرف النفي، ولو طلقها في الحال واحدة ثم سكت، لم يقع أخرى لانه لم يترك طلاقها. قال البغوي: ولو قال: إن سكت، عن طلاقك، فأنت طالق فلم يطلقها في الحال، وقع طلقة، وإن طلقها في الحال ثم سكت، وقعت أخرى بالسكوت، ولا تطلق بعد ذلك لانحلال اليمين.

(6/121)


فرع قال: كلما سكت عن طلاقك، أو كلما لم أطلقك، فأنت طالق، ومضت ثلاثة أوقات تسع ثلاث طلقات بلا تطليق، طلقت ثلاثا، وهذه الصور في المدخول بها، فلو قال لغير المدخول بها: كلما لم أطلقك فأنت طالق، ومضت لحظة لم يطلقها، بانت ولا تلحقها الثانية، فلو جدد نكاحها وقلنا: يعود الحنث، فمضت لحظة، وقعت طلقة أخرى، ولو قال للمدخول بها عقب هذا التعليق بكلما: أنت طالق على ألف، فقبلت، بانت ولم تقع الثانية، فإن جدد نكاحها، عاد قولا عود الحنث. فرع إذا قلنا بالمذهب وهو الفرق بين إن وإذا فقال: أردت بإذا معنى إن، دين، ويقبل أيضا ظاهرا على الاصح، وحيث قلنا: في إن أو إذا إنه إذا مضى زمن يسع التطليق فلم يطلق يقع، فأمسك رجل فمه، أو أكرهه على الامتناع من التطليق، قال الحناطي: يخرج على الخلاف في حنث الناسي والمكره، وحيث قلنا: لا يقع الطلاق حتى يتحقق اليأس من التطليق. ولليأس طرق، أحدها: أن يموت أحد الزوجين قبل التطليق، فيحكم بوقوع الطلاق قبيل الموت. والثاني: إذا جن الزوج، لا يحصل اليأس لاحتمال الافاقة، فإن اتصل بالموت، تبينا حصول اليأس من وقت الجنون، فيحكم بوقوع الطلاق قبيل الجنون. الثالث: إذا فسخ النكاح بسبب، لم يحصل اليأس، لاحتمال التجديد، لان البر والحنث لا يختص بحال النكاح، ولذلك تنحل اليمين بوجود الصفة في

(6/122)


البينونة، فإن مات أحدهما قبل التجديد والتطليق، حكم بوقوع الطلاق قبيل الانفساخ، هكذا قاله الامام، وتابعه الغزالي وغيره. قالوا: وإنما يتصور ذلك في الطلاق الرجعي، ليمكن اجتماعه هو والانفساخ، فلو كان الطلاق بائنا لكونه ثلاثا، أو قبل الدخول، لم يمكن إيقاعه قبل الانفساخ، لما فيه من الدور، فإنه لو وقع لما حصل الانفساخ، ولو لم يحصل الانفساخ لم يحصل اليأس، وإذا لم يحصل اليأس، لم يقع الطلاق، فيلزم من وقوعه عدم وقوعه، وهذا من قبيل الدور الحكمي، وأما إذا جدد نكاحها بعد الانفساخ، فإن طلقها في النكاح الثاني، لم يفت التطليق، بل قد حصل، وإن لم يطلقها حتى مات أحدهما، بني على قولي عود الحنث، إن قلنا: يعود، طلقت في النكاح الثاني قبل الموت، وبنينا النكاح على النكاح، وإن قلنا: لا يعود الحنث، لم يمكن إيقاع الطلاق قبيل الموت، فيحكم بوقوع الطلاق قبيل الانفساخ كما سبق. وأعلم أن هذه الطرق الثلاثة، هي فيما إذا كان التعليق بنفي التطليق، أما إذا علق بنفي الضرب وسائر الافعال، فالجنون لا يوجب اليأس، وإن اتصل به الموت، قال الغزالي: لان ضرب المجنون في تحقيق الصفة ونفيها، كضرب العاقل على الصحيح، ولو أبانها ودامت البينونة إلى الموت، ولم يتفق الضرب، لم يقع الطلاق ولا يحكم بوقوعه قبيل البينونة، بخلاف قوله: إن لم أطلقك، لان الضرب بعد البينونة ممكن، والطلاق بعد البينونة غير ممكن، وإذا كان التعليق بنفي الضرب ونحوه من الافعال، فعروض الطلاق كعروض الفسخ والانفساخ، لكن ينبغي أن يبقى من الطلاق عدد يمكن فرضه، مستندا إلى قبيل الطلاق، فأما في التعليق بنفي التطليق، فإنما تفرض البينونة بالانفساخ، لانه لو طلقها بطلت الصفة المعلق عليها، ويمكن أن تفرض في طلاق الوكيل، فإنه لا تفوت الصفة. فصل إن الشرطية هي بكسر الهمزة، فإن فتحت، صارت للتعليل، فإذا قال: أنت طالق أن لم أطلقك بفتح الهمزة، طلقت في الحال، ثم الذي قاله الشيخ أبو حامد، والامام، والغزالي، والبغوي، إن هذا في حق من يعرف اللغة،

(6/123)


ويفرق بين أن وإن، فإن لم يعرف، فهو للتعليق. وقال القاضي أبو الطيب: يحكم بوقوع الطلاق في الحال، إلا أن يكون الرجل ممن لا يعرف اللغة ولا يميز، وقال: قصدت التعليق، فيصدق، وهذا أشبه، وإلى ترجيحه ذهب ابن الصباغ، وبه قطع المتولي. قلت: الاول أصح، وبه قطع الاكثرون. والله أعلم. وعلى هذا القياس طرق الاثبات، فإذا قال: أنت طالق إن دخلت الدار، وإن دخلت الدار فأنت طالق، طلقت في الحال وإن لم تكن دخلت الدار، ولو قال: أنت طالق إن طلقتك، حكم بوقوع طلقتين، واحدة بإقراره، وأخرى بإيقاعه في الحال، لان المعنى: أنت طالق لاني طلقتك، ولو قال: أنت طالق إذ دخلت الدار، طلقت في الحال، لان إذ للتعليل أيضا. فإن كان القائل لا يميز بين إذ وإذا، فيمكن أن يكون الحكم كما لو لم يميز بين إن وأن. فرع قال: أنت طالق طالقا، قال الشيخ أبو عاصم: لا يقع في الحال شئ، لكن إذا طلقها وقع طلقتان، والتقدير: إذا صرت مطلقة فأنت طالق، وهذا في المدخول بها، ولو قال: أنت طالق إن دخلت الدار طالقا، فإن طلقها قبل الدخول، فدخلت الدار طالقا، وقعت المعلقة إذا لم تحصل البينونة بذلك الطلاق، وإن دخلت غير طالق، لم تقع تلك المعلقة، ولو قال: أنت طالق فطالق إن دخلت الدار طالقا، فهذا تعليق طلقتين بدخولها الدار طالقا، فإن دخلت طالقا، وقع طلقتان بالتعليق، ولو قال: أنت إن دخلت الدار طالقا، واقتصر عليه، قال البغوي: إن قال: نصبت على الحال، ولم أتم الكلام، قبل منه، ولم يقع شئ، وإن أراد ما يراد عند الرفع، ولحن، وقع الطلاق إذا دخلت الدار. فرع قال إسمعيل البوشنجي: لو قال: أنت طالق حين لا أطلقك، أو حيث لا أطلقك، ولم يطلقها عقبه، طلقت في الحال على قياس مذهبنا، وكذا لو

(6/124)


قال: حين لم أطلقك، أو حيث لم أطلق، أو ما لم أطلقك، ولو قال: أنت طالق إن لم أضربك، أو إن لم أضربك فأنت طالق، وقال: أردت وقتا، دين، سواء عين الساعة أو وقتا قريبا أو بعيدا، وهكذا يكون الحكم في التعليق بنفي الطلاق وسائر الافعال، وبالله التوفيق.
الطرف الثالث : في التعليق بالحمل والولادة، وفيه مسائل: الاولى: إذا قال: إن كنت حاملا فأنت طالق، فإن كان الحمل بها ظاهرا، طلقت في الحال، وإلا فلا يحكم بوقوع الطلاق مع الشك، ثم ينظر، إن ولدت قبل ستة أشهر من حين التعليق، تبينا وقوع الطلاق وكونها كانت حاملا حينئذ، وإن ولدت لاكثر من أربع سنين، تحققنا أنها كانت حائلا يومئذ، فلا طلاق، وإن ولدت لستة أشهر فأكثر، ولاربع سنين فأقل، نظر، إن كان الزوج يطؤها، وكان بين الوضع والوطئ ستة أشهر فأكثر، لم يقع الطلاق، وإن لم يطأها بعد التعليق أو وطئها وكان بين الوطئ والوضع دون ستة أشهر، فقولان أو وجهان. أظهرهما: وقوع الطلاق لتبين الحمل ظاهرا، ولهذا حكمنا بثبوت النسب. والثاني: لا يقع، لان الاصل بقاء النكاح، والاحتمال قائم، ثم إذا لم يكن الحمل ظاهرا عند التعليق، فينبغي أن يفرق بين الزوجين إلى أن يستبرئها، وليمتنع الزوج من وطئها، وهل التفريق واجب والاستمتاع حرام أم لا ؟ وجهان. أحدهما: نعم، تغليبا للتحريم في موضع التردد، وبهذا قال الشيخ أبو حامد، والقاضي أبو الطيب، وجماعة. وأصحهما: لا، ولكنهما مستحبان، لان الاصل عدم الحمل وبقاء النكاح، وكما لو قال: إن كان الطائر غرابا، وهذا هو نصه في الاملاء وبه قال أبو إسحق وغيره، وقطع به الحناطي. وبماذا يستبرئها ؟ فيه أوجه، أصحهما: بحيضة، والثاني: بطهر، والثالث: بثلاثة أطهار، وتفصيله يأتي إن شاء الله تعالى في كتاب الاستبراء. ولو جرى هذا التعليق في مراهقة لم تحض بعد، وأمكن كونها حاملا، فيشبه أن يقال: إن قلنا: الاستبراء بثلاثة أقراء، ففي حقها بثلاثة أشهر، وإن قلنا: بقرء، فهل يكفي في حقها شهر، أم يشترط ثلاثة أشهر، فيه خلاف كاستبراء الامة، والاصح هناك الاكتفاء بشهر، والذي ذكره البغوي هنا عن القفال ثلاثة أشهر حرة كانت أو أمة، لان الحمل لا يظهر في أقل من هذه المدة. وأما الآيسة، فهل يعتبر فيها مضي مدة كالعدة، أم يكتفي بدلالة اليأس ؟

(6/125)


وجهان، أصحهما: الثاني، لان المقصود ظهور الحال. ولو كان قد استبرأ زوجته قبل التعليق، فوجهان. أحدهما: لا يكتفى به كما لا يكتفى بمدة العدة واستبراء الرقيقة قبل الطلاق والملك، وأصحهما: يكتفى به، لان المقصود معرفة حالها في الحمل، فلا فرق بين التقدم والتأخر، بخلاف العدة واستبراء المملوكة، ثم إذا جرى الاستبراء، لا يمنع من الوطئ بعده، فلو ولدت بعد الوطئ واقتضى الحال وقوع الطلاق، أوقعناه، وكان ذلك الوطئ وطئ شبهة، يجب به المهر دون الحد. فرع: قال: إن أحبلتك فأنت طالق وكانت حاملا لم تطلق، بل يقتضي ذلك حملا حادثا منه، فإن وضعت، أو كانت حائلا لم يمنع من الوطئ، فإذا وطئها مرة، منع حتى تحيض. فرع نص في الاملاء أنه لو قال لامرأته: إن كنت حاملا فأنت طالق على مائة دينار وهي حامل في غالب الظن، طلقت إذا أعطته مائة دينار، وله عليها مهر المثل لفساد المسى. ووجه فساط المسمى، بأن الحمل مجهول لا يمكن التوصل إليه في الحال، فأشبه إذا جعله عوضا. المسألة الثانية: قال: إن كنت حائلا فأنت طالق، وإن لم تكوني حائلا، فينظر، إن علم أنها حائل بأن كانت في سن لا يحتمل الحمل، طلقت في الحال، وإلا فلا يحكم في الحال بالطلاق، بل ينظر، إن ولدت قبل ستة أشهر من التعليق، لم تطلق، وإن ولدت لاكثر من أربع سنين، حكمنا بوقوع الطلاق عند التعليق وإن ولدت لستة أشهر، فأكثر، ولاربع سنين، فأقل، فإن وطئها الزوج وكان بين الوطئ والولادة ستة أشهر فأكثر، طلقت على الاصح، وإن كان بينهما دون ستة أو لم يطأ، لم تطلق، لانها كانت حاملا عند التعليق، ويحرم وطؤها قبل الاستبراء على الاصح. وقال القفال: لا يحرم، لكن يستحب أن لا يطأ والقول فيما يجب به الاستبراء وفي الاكتفاء بالاستبراء السابق، على ذكرنا في المسألة الاولى، وقيل الاستبراء هنا بثلاثة أطهار قطعا والمذهب الاول: وإذا استبراء حكمنا بوقوع الطلاق الظاهر الحال، فإن كان الاستبراء بثلاثة أطهار، فقد انقضت العدة، وان كان بقرء تممت العدة، فإن ظهر بعد الاستبراء حمل ووضع، فحكمه ما سبق. وأبدى الامام وشيخه احتمالا، أنها لا تطلق بالاستبراء لانه لا يفيد إلا الظن، والصفات المعلق

(6/126)


بها، يعتبر فيها اليقين. ولو قال: استنقنت براءة رحمك، فأنت طالق، لم تطلق بمضي مدة الاستبراء، فكذا هنا. المسألة الثالثة: قال: إن كنت حاملا بذكر، أو إن كان في بطنك ذكر فأنت طالق طلقة، وإن كنت حاملا بأنثى، أو كان في بطنك أنثى، فأنت طالق طلقتين، فإن ولدت أحدهما، وقع ما علقه، وإن ولدت خنثى، وقعت طلقة، ونوقف الاخرى، حتى يبين حاله، وإن ولدت ذكرا وأنثى، طلقت ثلاثا لوجود الصفتين، وتنقضي العدة في جميع هذه الصور بالولادة، ويكون الوقوع عند اللفظ. وإن قال: إن كان حملك، أو إن كان ما في بطنك ذكرا فأنت طالق طلقة، وإن كان أنثى فطلقتين، فإن ولدت ذكرا فقط أو أنثى فقط، وقع ما علق، وإن ولدت ذكرا وأنثى، لم يقع شئ، وإن ولدت ذكرين أو انثيين، فوجهان. أصحهما: يقع، وبه قال الحناطي والقاضي حسين، لان معناه: ما في البطن من هذا الجنس. والثاني: لا يقع، وبه قال الشيخ أبو محمد، وإليه ميل الامام، لان مقتضى التنكير التوحيد، هذا عند اطلاق اللفظ، فلو قال: أردت الحصر في الجنس، قبل وحكم بالطلاق قطعا، ولو ولدت ذكرا وخنثى، أو أنثى وخنثى، فعلى الوجه الثاني: لا طلاق، وعلى الاول: إن بان الخنثى المولود مع الذكر ذكرا، وقع طلقة، وإن بان أنثى، لا يقع شئ، وإن بان الخنثى المولود مع الانثى ذكرا، لم يقع شئ، وإن بان أنثى، وقع طلقتان. المسألة الرابعة: قال: إذا ولدت أو إن ولدت فأنت طالق، فولدت حيا أو ميتا، ذكرا أو أنثى، طلقت إذا انفصل الولد بكماله. قال ابن كج: ولو أسقطت ما بان فيه خلق آدمي، طلقت، وإن لم يبن فيه خلق الآدمي بتمامه لم تطلق. ولو قال: إن ولدت ولدا فأنت طالق، فولدت ولدين متعاقبين، طلقت بالاول. ثم إن كانا في بطن واحد، بأن كان بينهما دون ستة أشهر، انقضت عدتها بالثاني، ولا يتكرر الطلاق، وإن كانا من بطنين، فانقضاء العدة بالثاني يبنى على لحوقه بالزوج، وهو لاحق إن ولدته لاقل من أربع سنين، وهل تحسب هذه المدة من وقت الطلاق، أم من وقت انقضاء العدة ؟ قولان مذكوران في العدة فإن ألحق انقضت به العدة،

(6/127)


وإن قال: كلما ولدت ولدا فأنت طالق، فهذا يقتضي التكرار، فإن ولدت أولادا في بطن واحد، نظر، إن كانوا أربعة وانفصلوا متعاقبين، طلقت ثلاثا بولادة ثلاثة، وانقضت عدتها بولادة الرابع، وإن كانوا ثلاثة، طلقت بالاوليين طلقتين، وانقضت عدتها بالثالث، ولا تطلق بولادته طلقة ثالثة، هذا هو المنصوص في الام وعامة كتب الشافعي رحمه الله، وقال في الاملاء: يقع بالثالث طلقة ثالثة، وتعتد بعد ذلك بالاقراء، والمذهب عند الاصحاب هو الاول، لان المرأة في عدة الطلقتين، ووقت انفصال الثالث هو وقت انقضاء العدة، وبراءة الرحم. ولو وقع الطلاق لوقع في تلك الحال، لما سبق أن الطلاق المعلق بالولادة يقع عند الانفصال، ولا يجوز أن يقع الطلاق في حال انقضاء العدة والبينونة، ولهذا لو قال: أنت طالق مع موتي، لم يقع الطلاق إذا مات، لانه وقت انتهاء النكاح. ولو قال لغير المدخول بها: إذا طلقتك فأنت طالق، فطلقها، لم يقع أخرى لمصادفتها البينونة، وأما نصه في الاملاء، ففيه طريقان، أحدهما: تسليمه قولا واحدا، ووجهوه بشيئين، أحدهما: أن هذا الطلاق لا يتأخر عن العدة، بل يقارن آخرها، وإذا تقارن الوقوع وانقضاء العدة كفى، وحكم بالوقوع تغليبا للطلاق ولقوته، وهؤلاء قالوا: لو قال للرجعية: أنت طالق مع انقضاء عدتك، ففي الوقوع القولان، بخلاف ما لو قال: بعد انقضاء عدتك. وعن الخضري وغيره تخريج قول فيما إذا قال: مع موتي: أنها تطلق في آخر جزء من حياته. الشئ الثاني عن الخضري والقفال، بناء القولين على القولين، في أن الرجعية إذا طلقت، هل تستأنف العدة ؟ إن قلنا: لا، لم تطلق هنا ولم تلزم العدة، وإن قلنا نعم، فبوقوع الطلاق ارتفعت العدة، ولزمت عدة أخرى هناك، فكذا هنا. وعلى هذا حكى الامام عن القفال، أنه لا يحكم بوقوع الطلاق، وهي في بقية من العدة الماضية، ولا بوقوعه في مفتتح العدة المستقبلة، لكن يقع على منفصل الانقطاع والاستقبال، وهو كقوله: أنت طالق بين الليل والنهار، يقع لا في جزء من الليل، ولا من النهار. قال الامام: ولا معنى للمنفصل، وليس بين انقضاء العدة الاولى وافتتاح الثانية لو قدرناها زمان، والحكم

(6/128)


بوقوع الطلاق في غير زمان محال. قال: وقوله: بين الليل والنهار يقع الطلاق في آخر جزء من النهار، لتكون متصفة بالطلاق في منقطع النهار، ومبتدأ الليل. والطريق الثاني: وهو الصحيح عند المعتبرين: القطع بما نص عليه في كتبه المشهورة، والامتناع من إثبات نص الاملاء قولا، وأولوه من وجهين، أحدهما: حمله على ما إذا ولدتهم دفعة في مشيمة، وفي هذه الحالة يقع بكل واحد طلقة، وتعتد بالاقراء لانها ليست حاملا وقت وقوع الطلاق، والثاني: حمله على ما إذا كان الحمل من زنا، ووطئها الزوج، يقع بكل واحد طلقة، ولا تنقضي العدة بولادتهم. أما إذا أتت بولدين متعاقبين في بطن، والتعليق بصيغة كلما فهل تنقضي عدتها بالثاني ولا يقع به طلقة أخرى، أم تقع أخرى ؟ فيه هذا الخلاف السابق. المسألة الخامسة: قال: إن ولدت ولدا، فأنت طالق طلقة، وإن ولدت ذكرا فأنت طالق طلقتين، فولدت ذكرا، طلقت ثلاثا لوجود الصفتين، وإن قال: إن ولدت ذكرا فأنت طالق طلقة، وإن ولدت أنثى فأنت طالق طلقتين، فولدت ذكرا، طلقت طلقة وشرعت في العدة بالاقراء، وإن ولدت أنثى طلقت طلقتين واعتدت بالاقراء، وإن ولدت ذكرا وأنثى، نظر، إن ولدتهما معا، طلقت ثلاثا لوجود الصفتين معا وهي زوجة، وتعتد بالاقراء، وإن ولدت الذكر ثم الانثى، طلقت طلقة بالذكر، ولا يقع بالانثى شئ على المذهب، وتنقضي بها العدة. وعلى نصه في الاملاء، تطلق بالانثى طلقتين أخريين، وتعتد بالاقراء، وإن ولدت الانثى أولا طلقت بها طلقتين، وهل يقع بالذكر شئ ؟ فيه الخلاف فإن أشكل الحال، فلم يدر كيف ولدتهما، أو علم الترتيب ولم يعلم المتقدم، فعلى المذهب: يؤخذ باليقين وهو وقوع طلقة، والورع تركها عند احتمال المعية حتى تنكح زجا غيره. وعلى نصه في الاملاء: تطلق ثلاثا كيف كان، وتعتد بالاقراء. ولو ولدت ذكرين وأنثى، نظر، إن ولدتهم معا، طلقت ثلاثا، وإن ولدت الذكرين معا أو متعاقبين، ثم ولدت الانثى، طلقت بالولدين أو بأولهما طلقة، وتنقضي العدة بولادة الانثى على المذهب، ولا يقع بها شئ آخر. وإن ولدت الانثى ثم الذكرين متعاقبين، طلقت بالانثى طلقتين، وبالذكر الاول طلقة أخرى، وتنقضي العدة بولادة الثاني، وإن ولدتها ثم ولدتهما معا، طلقت بها طلقتين، وتنقضي العدة بالذكرين، ولا يقع شئ آخر على المذهب.

(6/129)


ولو ولدت ذكرا، ثم أنثى، ثم ذكرا، طلقت طلقة ثم طلقتين، وانقضت عدتها بالذكر الاخير. فرع قال: إن كنت حاملا بذكر، فأنت طالق طلقة، وإن ولدت أنثى، فأنت طالق طلقتين، فإن ولدت ذكرا، تبين وقوع طلقة عند اللفظ، وانقضت العدة بالولادة، وإن ولدت أنثى، وقع بالولادة طلقتان، وتعتد بالاقراء، وإن ولدت ذكرا وأنثى، نظر، إن ولدت الانثى أولا، وقع بولادتها طلقتان، وبولادته نتبين وقوع طلقة أولا لكونها كانت حاملا بذكر، وتنقضي عدتها عن الثلاث بولادة الذكر، وإن ولدت الذكر أولا، تبين وقوع طلقة، وتنقضي العدة بولادة الانثى، ولا يقع شئ آخر على المذهب، وإن ولدتهما معا، فكذلك يتبين وقوع طلقة، ولا يقع بالولادة شئ على المذهب. المسألة السادسة: قال لاربع نسوة حوامل: كلما ولدت واحدة منكن، فصاحباتها طوالق، فولدن جميعا. فلهن أحوال، إحداها: أن يلدن معا، فتطلق كل واحدة ثلاثا وعدة جميعهن بالاقراء. الحالة الثانية: أن يلدن مرتبا، فوجهان، أصحهما وبه قال ابن الحداد: أنه إذا ولدت الاولى، طلقت كل واحدة من الباقيات طلقة، فإذا ولدت الثانية، انقضت عدتها وبانت، وتقع على الاولى بولادة هذه طلقة، وعلى كل واحدة من الاخريين طلقة أخرى إن بقيت عدتهما، فإذا ولدت الثالثة انقضت عدتها عن طلقتين، ووقع على الاولى طلقة ثانية إن بقيت في العدة، وعلى الرابعة طلقة ثالثة، فإذا ولدت الرابعة، انقضت عدتها عن ثلاث طلقات، ووقعت ثالثة على الاولى، وعدة الاولى بالاقراء، وفي استئنافها العدة للطلقة الثانية والثالثة، الخلاف في طلاق الرجعية، والوجه الثاني وبه قال ابن القاص، واختاره القاضي أبو الطيب، أن الاولى لا تطلق أصلا، وتطلق كل واحدة من الاخريات طلقة واحدة، وتنقضي عددهن بولادتهن، لان الثلاث في وقت ولادة الاولى صواحبها، لان الجميع زوجاته، فيطلقن طلقة طلقة، فإذا طلقن، خرجن عن كونهن صواحب للاولى، وكون الاولى صاحبة لهن، فلا تؤثر بعد ذلك ولادتهن في حقها، ولا في حق بعضهن، ومن قال بالاول، قال: ما دمن في العدة فهن زوجات وصواحب، ولهذا لو حلف بطلاق زوجاته،

(6/130)


دخلت الرجعية فيه. الحالة الثالثة: أن تلد ثنتان معا (ثم ثنتان معا). فعلى قول ابن الحداد: تطلق كل واحدة من الاوليين بولادة الاخرى طلقة، وكل واحدة من الاخريين بولادة الاوليين طلقتين، فإذا ولدت الاخريان، طلقت كل واحدة من الاوليين طلقتين أخريين، ولا يقع على الاخريين شئ آخر، وتنقضي عدتهما بولادتهما على المذهب، وعلى نصه في الاملاء: يقع على كل واحدة منهما طلقة ثالثة وتعتدان بالاقراء، وعلى قول ابن القاص: تطلق كل واحدة من الاوليين طلقة، وكل واحدة من الاخريين طلقتين فقط، وتنقضي عدة الاخريين بالولادة، وتعتد الاوليان بالاقرار على الوجهين. الحالة الرابعة: أن تلد ثلاثا منهن معا، ثم الرابعة، فيقع على الرابعة ثلاث طلقات بلا خلاف، وتطلق كل واحدة من الاوليات على قول ابن الحداد ثلاثا، منها طلقتان بولادة اللتين ولدتا معها، وثالثة بولادة الرابعة إن بقين في العدة، وعلى قول ابن القاص: لا تطلق كل واحدة من الثلاث إلا طلقتين، ولو كان الامر بالعكس، ولدت واحدة، ثم ولدت الثلاث معا، فعلى قول ابن الحداد: تطلق كل واحدة من الثلاث طلقة بولادة الاولى، ثم تنقضي عدتهن بولادتهن، فلا يقع عليهن شئ آخر على المذهب، وعلى نصه في الاملاء: يقع على كل واحدة طلقتان أخريان، ويعتددن بالاقراء، والاولى تطلق بولادتهن ثلاثا. وعلى قول ابن القاص: لا يقع على الاولى شئ، ويقع على كل واحدة من الباقيات طلقة فقط. الحالة الخامسة: أن تلد ثنتان على الترتيب، ثم ثنتان معا فيقع على الاولى ثلاث بولادتهن، وعلى كل واحدة من الباقيات طلقة بولادة الاولى. فإذا ولدت الثانية، انقضت عدتها، ووقعت على كل واحدة من الاخريين طلقة أخرى، فإذا ولدت الاخريان، انقضت عدتهما بولادتهما، ولا يقع على واحدة منهما شئ بولادة صاحبتها على المذهب، هذا قياس ابن الحداد، وعلى قول ابن القاص: لا يقع على الاولى شئ، ولا على كل واحدة من الباقيات إلا طلقة، ولو ولدت ثنتان معا، ثم ثنتان مرتبا، فعلى قياس ابن الحداد: تطلق كل واحدة من الاوليين بولادتهما طلقة، وكل واحدة من الاخريين طلقتين. فإذا ولدت الثالثة انقضت عدتها، وطلقت

(6/131)


كل واحدة من الاوليين طلقة أخرى إن بقيتا في العدة، وطلقت الرابعة طلقة ثالثة، فإذا ولدت، انقضت عدتها، وطلقت كل واحدة من الاوليين طلقة ثالثة إن بقيتا في العدة، وعلى قياس ابن القاص: لا تطلق كل واحدة من الاوليين إلا طلقة، ولا كل واحدة من الاخريين إلا طلقتين. فرع قال ابن الحداد: ولو قال للاربع: كلما ولدت كل واحدة منكن فصواحبها طوالق، ثم طلق كل واحدة منهن طلقة منجزة، ثم ولدن على الترتيب، فالاولى مطلقة بالتنجيز، وتنقضي عدتها بولادتها، ويقع على الثانية بولادة الاولى طلقة، وهي مطلقة بالتنجيز، وتنقضي عدتها عن طلقتين بولادتها، وتطلق كل واحدة من الثالثة والرابعة ثلاثا، واحدة بالتنجيز، واثنتان بولادة الاوليين، وعلى قياس ابن القاضي: لا يقع على الجميع إلا المنجزة. فرع قال للاربع: كلما ولدت واحدة منكن فأنتن طوالق، فقد علق بولادة كل منهن طلاق الوالدة وغيرها، فإن ولدن معا طلقن ثلاثا ثلاثا، وإن ولدن مرتبا، طلقت الاولى ثلاثا، طلقة بولادة نفسها، وثانية بولادة الثانية، وثالثة بولادة الثالثة إن بقيت في العدة، وتعتد بالاقراء وتطلق الثانية بولادة الاولى، ولا تطلق بولادة نفسها على المذهب، وتنقضي عدتها، وعلى نصه في الاملاء: تطلق أخرى وتعتد بالاقراء، وتطلق الثالثة بولادة الاوليين، وهل تطلق بولادة نفسها ثالثة ؟ فيه الخلاف، والرابعة تطلق بولادة الاوليات ثلاثا، وتنقضي عدتها بولادتها، ولا يقع بولادتها شئ على الاوليات لبينونتهن. فرع: قال للاربع: كلما ولدت ثنتان منكن، فالاخريان طالقان، فولدن مرتبا، لم تطلق واحدة بولادة الاولى، لانه علق بولادة ثنتين، فإذا ولدت الثانية، طلقت الثالثة والرابعة طلقة طلقة، ولا يقع على الاوليين شئ، لان المعلق به طلاق ثنتين بولادة أخريين. وإذا ولدت الثالثة، فوجهان، أصحهما: لا تضم الثالثة إلى الثانية، ولا يقع بولادتها طلاق حتى تلد الرابعة، فإذا ولدت، فعلى قياس ابن الحداد: تطلق الاوليان طلقة طلقة، ويعتدان بالاقراء، وتنقضي عدة الاخريين بولادتهما، وعلى قياس ابن القاص: لا تطلق الاوليان بولادة الاخريين،

(6/132)


والوجه الثاني، أن الثالثة تضم إلى الثانية، وتطلق بولادتهما الاولى طلقة، والرابعة طلقة ثانية، ثم إذا ولدت الرابعة، طلقت الثانية، وطلقت الاولى طلقة ثانية. فرع تحته امرأتان فقال: كلما ولدت واحدة منكما فأنتما طالقان، فولدتا مرتبا، وقع بولادة الاولى عليها طلقة، وعلى الاخرى طلقة، فإذا ولدت الثانية، وقع على الاولى طلقة أخرى إن بقيت في العدة، وتنقضي عدة الثانية، ولا يقع عليها طلاق آخر على المذهب، ولو ولدت منهما زينب يوم الخميس، وعمرة يوم الجمعة، ثم زينب يوم السبت، وعمرة يوم الاحد، وقع بولادة يومي الخميس والجمعة على كل واحدة طلقتان، وتنقضي عدة زينب بولادتها يوم السبت، ولا يقع عليها شئ آخر على المذهب، ويقع على عمرة طلقة ثالثة، وتنقضي عدتها بولادتها يوم الاحد، ولو قال: كلما ولدتما فأنتما طالقان، فولدت إحداهما ثلاثة أولاد في بطن، ثم الثانية كذلك، لم تطلق واحدة منهما بولادة الاولى، لان التعليق بولادتهما جميعا، فإذا ولدت الثانية ولدا، طلقت كل واحدة طلقة، فإذا ولدت الثاني، طلقت كل واحدة طلقة ثانية، فإذا ولدت الثالث، طلقت الاولى طلقة ثالثة، ولا تطلق الثانية، وتنقضي عدتها عن طلقتين على المذهب، وفيه نصه في الاملاء. ولو ولدت أحدهما ولدا، ثم الاخرى ولدا ثم الاولى ولدا، وهكذا إلى أن ولدت كل واحدة ثلاثة في بطن، فبولادة الثانية ولدها الاول، يقع على كل واحدة طلقة، وبولادتها الثاني، يقع على كل واحدة طلقة ثانية، ثم إذا ولدت الاولى الولد الثالث، انقضت عدتها، وإذا ولدت الثانية الولد الثالث، هل يقع عليها طلقة ثالثة، أم لا وتنقضي عدتها ؟ فيه خلاف المذهب والاملاء، ولو ولدت إحداهما ولدا، ثم الثانية ثلاثة على الترتيب، ثم الاولى ولدين، فبولادة الثانية الولد الاول، يقع على كل واحدة طلقة، ولا يقع بولادتها الولد الثاني والثالث شئ، وتنقضي بالثالث عدتها، فإذا ولدت الاولى الولد الثاني، انضمت ولادتها إلى ولادة الثانية الولد الثاني، فيقع على الاولى طلقة ثانية، فإذا ولدت الثالث انقضت عدتها، ولم يقع عليها شئ آخر على المذهب. وعلى نصه في الاملاء: يقع ثالثة بضم هذه الولادة إلى ولادة الثانية الولد الثالث. المسألة السابعة: قد سبق أن الطلاق المعلق بالولادة، إنما يقع إذا انفصل الولد بتمامه، فلو خرج بعضه ومات الزوج أو المرأة، لم يقع الطلاق، وورث الباقي

(6/133)


منهما الميت، ولو قال: إن ولدت، فعبدي حر، فخرج بعض الولد، وباع العبد حينئذ وتخايرا، ثم ولدت، لم يعتق العبد، ولو انفصل الولد قبل انقضاء الخيار، عتق العبد، لانه له العتق في زمن الخيار. الثامنة: في فتاوى القفال: أنه إذا قال: إن كنت حاملا، فأنت طالق، فقالت: أنا حامل، فإن صدقها الزوج، حكم بوقوع الطلاق في الحال، وإن كذبها، لم تطلق حتى تلد، فإن لمسها النساء، فقال أربع منهن فصاعدا: إنها حامل، لم تطلق، لان الطلاق لا يقع بقول النسوة. ولو علق الطلاق بالولادة، فشهد بها أربع نسوة، لم يقع الطلاق وإن ثبت النسب والميراث، لانهما من توابع الولادة وضروراتها، بخلاف الطلاق. التاسعة: قال: إن كان أول ولد تلدينه من هذا الحمل ذكرا فأنت طالق، فولدت ذكرا ولم يكن غيره، قال الشيخ أبو علي: اتفق أصحابنا على أنه يقع الطلاق، وليس من شرط كونه أولا أن تلد بعده آخر، وإنما الشرط أن لا يتقدم عليه غيره، وفي التتمة: وجه ضعيف: أنه لا يقع شئ، والاول يقتضي آخر، كما يقتضي الآخر أولا. قلت: الصواب ما نقله الشيخ أبو علي. قال الله تعالى: * (إن هؤلاء ليقولون إن هي إلا موتتنا الاول) *. وهؤلاء المذكورون كانوا يقولون: ليس لهم إلا موتة. وقال الامام أبو إسحق الزجاج: معنى الاولى في اللغة: ابتداء الشئ، قال: ثم يجوز أن يكون له ثان، ويجوز أن لا يكون، وقد بسطت أنا الكلام في إيضاح، هذا بدلائله في تهذيب اللغات. والله أعلم. ولو قال: إن كان أول ولد تلدينه ذكرا، فأنت طالق واحدة، وإن كان أنثى

(6/134)


فطالق ثلاثا، فولدت ذكرا وأنثى، نظر، إن ولدت الذكر أولا، طلقت واحدة وانقضت عدتها بولادة الانثى، وإن ولدت الانثى أولا، طلقت ثلاثا وانقضت عدتها بالذكر، وإن ولدتهما معا، لم يقع شئ، لانه لا يوصف واحد منهما بالاولية، ولهذا لو أخرج رجل دينارا بين المتسابقين، وقال: من جاء منكما أولا، فهو له، فجاءا معا، لم يستحقا شيئا. قال الشيخ أبو علي: ويحتمل أن تطلق ثلاثا، لان كلا منهما يوصف بأنه أول ولد إذا لم تلد قبله غيره، ولانه لو قال: أول من رد آبقي، فله دينار، (فرده اثنان) استحقا الدينار. قال: وعرضته على الشيخ يعني القفال، فلم يستبعده، ولو لم يعلم، أولدتهما معا، أو مرتبا، لم تطلق لاحتمال المعية، ولو علم الترتيب ولم يعلم السابق، وقعت طلقة لانه اليقين، ولو قال: إن كان أول ولد تلدينه ذكرا فأنت طالق، وإن كانت أنثى فضرتك طالق، فولدتهما مرتبا، ولم يعلم السابق، فقد طلقت إحداهما، فيوقف عنهما، ويؤخذ بنفقتهما حتى تبين المطلقة منهما. ولو قال: إن كان أول ولد تلدينه ذكرا فأنت طالق، وإن كان أنثى، فعبدي حر، فولدتهما مرتبا، ولم يعلم السابق، قال الشيخ أبو علي: يقرع بين المرأة والعبد، فإذا خرجت القرعة على العبد، عتق، وإن خرجت على المرأة، لم تطلق. فرع: قال: إن ولدت ذكرا فأنت طالق طلقة، وإن ولدت أنثى فطلقتين، فولدت ميتا ودفن ولم يعرف حاله، فهل ينبش ليعرف ؟ يحتمل وجهين، قاله أبو العباس الروياني. قلت: الراجح النبش. والله أعلم.
الطرف الرابع : في التعليق بالحيض. قال: إذا حضت حيضة فأنت طالق، لم تطلق حتى تحيض ثم تطهر، وحينئذ يقع سنيا. ولو قال: إن حضت فأنت طالق، ولم يبين ولم يزد عليه، لم يعتبر تمام الحيضة، ومتى يحكم بالطلاق ؟ فيه طريقان، المذهب وبه قطع الجمهور: يقع برؤية الدم، فإن انقطع قبل يوم وليلة ولم يعد إلى خمسة عشر، تبينا أنه لم يقع. والطريق الثاني، على وجهين. أحدهما: هذا، والثاني، وهو الراجح عند الامام

(6/135)


والغزالي: لا يحكم بوقوع الطلاق حتى يمضي يوم وليلة، فحينئذ تبين وقوعه من حين رأت الدم. قال الامام: وعلى هذا هل يحرم الاستمتاع بها ناجزا ؟ حكمه كما لو قال: إن كنت حاملا فأنت طالق وقد سبق. ولو قال: إن طهرت، أو إذا طهرت فأنت طالق، طلقت في أول الطهر. ولو قال: إذا طهرت طهرا واحدا، فأنت طالق، قال الحناطي: تطلق إذا انقضى الطهر ودخلت في الدم، وحكى وجها: أنها تطلق إذا مضى جزء من الطهر، والصحيح الاول، ثم قوله: إن حضت، أو إذا حضت، يقتضي حيضا مستقبلا، فلو كانت في الحال حائضا، لم تطلق حتى تطهر ثم تحيض. ولو قال والثمار مدركة: إذا أدركت الثمار، فأنت طالق، فهو تعليق بالادراك المستأنف في العام المستقبل، وعلى هذا قياس سائر الاوصاف، إلا أنه سيأتي في كتاب الايمان إن شاء الله تعالى. إن استدامة الركوب واللبس لبس وركوب، فليكن الحكم كذلك في الطلاق. وفي الشامل والتتمة وجه: أنه إذا استمر الحيض بعد التعليق بساعة، طلقت، ويكون دوام الحيض حيضا، والصحيح ما سبق. فرع قال: كلما حضت فأنت طالق، طلقت ثلاثا في أول ثلاث حيض مستقبلة، ويكون الطلاق بدعيا. ولو قال: كلما حضت حيضة فأنت طالق، طلقت ثلاثا في انتهاء ثلاث حيض مستقبلة، ويكون طلاق سنة. فرع قال: إن حضت حيضة، فأنت طالق، وإن حضت حيضتان، فأنت طالق، فإذا حاضت حيضة، وقع طلقة، فإذا حاضت أخرى، طلقت ثانية، ولو قال: إن حضت حيضة فأنت طالق، ثم إن حضت حيضتين، فأنت طالق، فإنما تقع الثانية إذا حاضت بعد الاولى حيضتين، ولو قال: كلما حضت حيضة، فأنت طالق، وكلما حضت حيضتين، فأنت طالق، فحاضت مرة، طلقت طلقة، وإذا حاضت أخرى، طلقت ثانية وثالثة. فرع قال لامرأتيه: إن حضتما حيضة فأنتما طالقان، فثلاثة أوجه: أصحها: يلغى قوله: حيضة، فإذا ابتدأ بهما الدم، طلقتا. والثاني: إذا تمت الحيضتان، طلقتا، وهذا احتمال راه الامام. والثالث: أنه لغو ولا تطلقان وإن حاضتا، ويجري الخلاف في قوله: إن ولدتما ولدا، فعن ابن القاص: أنه لغو،

(6/136)


وعن غيره، أنه كقوله: إذا ولدتما. قال الحناطي: فإن قال: إن ولدتما ولدا واحدا، فأنتما طالقان، فإنه محال، ولا يقع الطلاق، وعلى الوجه الذي يقول: يقع بالتعليق على محال، يقع هنا في الحال وإن لم تلدا. فصل علق طلاقها على حيضها، فقالت: حضت، فأنكر الزوج، صدقت بيمينها، وكذلك الحكم في كل ما لا يعرف إلا منها، كقوله: إن أضمرت بغضي فأنت طالق، فقالت: أضمرته، تصدق بيمينها، ويحكم بوقوع الطلاق. ولو علق بزناها، فوجهان، أحدهما: تصدق فيه، لانه خفي تندر معرفته، فأشبه الحيض، وأصحهما عند الامام وآخرين: لا تصدق كالتعليق ونحوه، لان معرفته ممكنة، والاصل النكاح، وطرد الخلاف في الافعال الخفية التي لا يكاد يطلع عليهما. ولو علق بالولادة، فادعتها، فأنكر وقال: هذا الولد مستعار، لم يصدق على الاصح، وتطالبه بالبينة كسائر الصفات. ولو علق طلاق غيرها بحيضها، لم يقبل قولها فيه إلا بتصديق الزوج. ولو قال: إذا حضت، فأنت وضرتك طالقان، فقالت: حضت وكذبها فحلفت، طلقت ولم تطلق الضرة على الصحيح. وعن صاحب التقريب: طلاق الضرة أيضا. ولو قال لهما: إن حضتما فأنتما طالقان، فهو تعليق لطلاقهما على حيضهما جميعا، فإن حاضتا معا أو مرتبا، طلقتا، فإن كذبهما، صدق بيمينه، ولم تطلقا، وإن صدق إحداهما فقط، طلقت المكذبة بيمينها على حيضها، ولا تطلق المصدقة. وعلى قول صاحب التقريب: تطلقان. ولو قال لحفصة: إن حضت فعمرة طالق، وقال لعمرة: إن حضت فحفصة طالق، فقالتا: حضنا، فإن صدقهما، طلقتا، وإن كذبهما، لم تطلقا، وإن كذب إحداهما، طلقت المكذبة دون المصدقة. فرع: تحته ثلاث نسوة، فقال: إذا حضتن فأنتن طوالق، فقلن: حضنا، وصدقهن، طلقن، وإن كذبهن أو كذب ثنتين، لم تطلق واحدة منهن، وإن كذب واحدة فقط، طلقت فقط. فرع: قال لاربع نسوة: إن حضتن، فأنتن طوالق، فقلن: حضنا، وصدقهن، طلقن، وإن كذبهن، أو كذب ثنتين أو ثلاثا وحلف، لم تطلق واحدة

(6/137)


منهن، وإن كذب واحدة فقط، طلقت فقط، وعلى قياس صاحب التقريب: تطلقن، وكذا في صورة الثلاث. فرع قال لاربع: كلما حاضت واحدة منكن فأنتن طوالق، فإذا حاض ثلاث منهن، طلقن كلهن ثلاثا (ثلاثا) وإن قلن: حضنا، فكذبهن وحلف، طلقت كل واحدة طلقة، لان يمينه تكفي في حيضها. ولو صدق واحدة فقط، طلقت طلقة، وطلقت المكذبات طلقتين طلقتين. ولو صدق ثنتين، طلقتا طلقتين طلقتين، وطلقت المكذبتان ثلاثا ثلاثا، ولو صدق ثلاثا، طلق الجميع ثلاثا ثلاثا. فرع: قال: كلما حاضت واحدة منكن فصواحبها طوالق، فقلن: حضنا، وصدقهن، طلقن ثلاثا ثلاثا، وإن كذبهن، لم يقع شئ، وإن صدق واحدة، لم يقع عليها شئ، وطلقت الباقيات طلقة طلقة، وإن صدق ثنتين، طلقتا طلقة طلقة، وطلقت المكذبات طلقتين طلقتين، وإن صدق ثلاثا، طلقن طلقتين طلقتين، وطلقت المكذبة ثلاثا. فرع: قال: إذا رأيت الدم، فأنت طالق، فعن أبي العباس الروياني، وجهان، أصحهما: حمله على دم الحيض، لانه المعتاد. والثاني: على كل دم، فعلى الاولى: لا تعتبر رؤيتها حقيقة، بل المعتبر العلم كرؤية الهلال. فرع: ذكر إسمعيل البوشنجي، أنه لو قال: أنت طالق ثلاثا، في كل حيض طلقة، وهي حائض في الحال، فالذي يقتضيه اللفظ، وقوع طلقة في الحال، وثانية في أول الحيض الثاني، وثالثة في أول الثالث. وأنه لو قال: إذا حضت نصف حيضة، فأنت طالق، وعادتها ستة أيام مثلا، فإذا مضت ثلاثة أيام، حكم بالطلاق. فرع: ذكر الامام إشكالا على وقوع الطلاق، بتصديق الزوج لها، وقال: بم يعرف الزوج صدقها ؟ وكيف يقع الطلاق بقوله: صدقت وليس هو إقرارا، فيؤاخذ به ؟ وغايته أن يظن صدقها بقرائن، ومعلوم أنه لو قال: سمعتها تقول: حضت وأنا أجوز كذبها وأظن صدقها، لا يحكم بوقوع الطلاق، فليكن كذلك إذا أطلق التصديق، إذ لا سند له إلا هذا. قال: وسمعت بعض أكابر العراق يحكي عن القاضي أبي الطيب، عن الشيخ أبي حامد، ترددا في وقوع الطلاق، ولهذا

(6/138)


الاشكال قال: وسبيل الجواب عما أطبق عليه الاصحاب، أن الاقرار حجة شرعية كاليمين، واليمين يستند إلى قرائن يفيد الظن القوي، كما تحلف المرأة على نية الزوج في الكنايات، فلا يبعد أن يستند الاقرار إليها، فليحكم به. فرع: إذا صدقناها في الولادة، فإنما يقبل قولها في حقها دون غيرها كما قلنا في الحيض. فلو قال: إن ولدت فأنت طالق وعبدي حر، فقالت: ولدت وحلفت، طلقت على هذا الوجه، ولم يعتق العبد قطعا، ولو قال لامته: إذا ولدت فأنت حرة وامرأتي طالق، فقالت: ولدت، عتقت ولم تطلق الزوجة. ولو قال: إذا ولدت فامرأتي طالق وولدك حر، وكانت حاملا بمملوك له، لم تطلق الزوجة ولم يعتق الولد بقولها: ولدت، لانه ليس في حقها. فرع: ذكر القفال تفريعا على أنه لا يقبل قولها: زنيت، إذا علق الطلاق بزناها، وبه أجاب أنه ليس لها تحليفه على أنه لا يعلم أنها زنت، ولكن إن ادعت وقوع الفرقة، حلف أنه لم تقع فرقة، وكذا في التعليق بالدخول وسائر الافعال.
الطرف الخامس : في التعليق بالمشيئة. أما تعليقه بمشيئة الله تعالى، فسبق بيانه، وأما التعليق بمشيئة غيره، فينظر، إن علق بمشيئة الزوجة مخاطبة، فقال: أنت طالق إن شئت، اشترط مشيئتها في مجلس التواجب، كما سبق في كتاب الخلع، فإن أخرت، لم تقع، وفيه قول شاذ ذكرناه في كتاب الخلع. ولو قال لاجنبي: إن شئت فزوجتي طالق، فالاصح أنه لا يشترط مشيئته على الفور، وقيل: كالزوجة، ورجحه المتولي. ولو علق بمشيئتها لا مخاطبة، فقال: زوجتي طالق إن شاءت، لم تشترط المشيئة على الفور على الاصح، وقيل: يشترط قولها: شئت في الحال إن كانت حاضرة، وإن كانت غائبة، فتبادر بها إذا بلغها الخبر. ولو قال: امرأتي طالق إذا شاء زيد، لم يشترط الفور بالاتفاق. ولو قال: إن شئت وشاء فلان، فأنت طالق، اشترط مشيئتها على الفور وفي مشيئة فلان الوجهان، أصحهما: لا يشترط الفور. فصل علق بمشيئتها أو مشيئة غيرها، فقال المعلق بمشيئة الزوج: شئت إن شئت، أو إن شاء فلان، فقال الزوج أو فلان: شئت، أو قال: شئت غدا، لم يقع الطلاق، لانه علق على مشيئة مجزوم بها، ولم تحصل. وحكى الحناطي

(6/139)


وجها: أنه يصح تعليق المشيئة، ويقع الطلاق إذا قال الزوج: شئت، وهذا غريب ضعيف. ولو شاء المعلق بمشيئته بلسانه وهو كاره بقلبه، طلقت في الظاهر، وفي الباطن وجهان، قال أبو يعقوب الابيوردي: لا يقع، كما لو أخبرت بالحيض كاذبة، وإلى هذا مال القاضي حسين، وقال القفال: يقع، قال البغوي: وهو الاصح، لان التعليق في الحقيقة بلفظ المشيئة. قلت: قال الرافعي في المحرر: الاصح الوقوع باطنا. والله أعلم. ولو وجدت الارادة دون اللفظ، لم تطلق على قول القفال، وعلى قول الابيوردي وجهان. فرع علق بمشيئتها وهي صبية، أو بمشيئة صبي، فقالت: شئت، أو قال: شئت، لم تطلق على الاصح، وقيل: تطلق إن شاءت وهي مميزة، كما لو قال لها: أنت طالق إن قلت: شئت، أما لو علق بمشيئتها وهي مجنونة أو صغيرة لا تميز، أو بمشيئة غيرها، وهو بهذه الصفة، فقالت: شئت، فلا تقع بلا خلاف. ولو قال المعلق بمشيئته: شئت وهو سكران، خرج على الخلاف في أنه كالصاحي أو المجنون، ولو علق بمشيئة أخرس، فقال بالاشارة: شئت، طلقت، وإن علق بمشيئة ناطق، فخرس، وأشار بالمشيئة، طلقت على الاصح. فرع قال: أنت طالق إذا شئت، فهو كقوله: إن شئت، وإن قال: متى شئت، طلقت متى شاءت، وإن فارقت المجلس. فرع إذا علق بمشيئتها، فإن أراد أن يرجع قبل مشيئتها، لم يكن له كسائر التعليقات. فرع قال: أنت طالق إن شاءت الملائكة، لم تطلق، لان لهم مشيئة، وحصولها غير معلوم، ولو قال: إن شاء الحمار، فكقوله: إن صعدت السماء، ولو قال: إن شئت أنا، فمتى شاء وقع. فرع قال لامرأتيه: إن شئتما فأنتما طالقان، فشاءت كل واحدة طلاق نفسها دون ضرتها، قال اسماعيل البوشنجي: القياس وقوع الطلاق، لان المفهوم

(6/140)


منه تعليق كل واحدة بمشيئتها، وفي التتمة ما يقتضي تعليق طلاق كل واحدة بالمشيئتين. فرع ذكر البغوي، أنه لو قال: أنت طالق كيف شئت، قال أبو زيد والقفال: تطلق شاءت أم لم تشأ، وقال الشيخ أبو علي: لا تطلق حتى توجد مشيئة في المجلس، إما مشيئة أن تطلق، وإما مشيئة أن لا تطلق، قال البغوي: وكذا الحكم في قوله: أنت طالق على أي وجه شئت. ولو قال: أنت طالق إن شئت أو أبيت، فمقتضى اللفظ وقوع الطلاق بأحد الامرين: المشيئة أو الاباء، كما لو قال: أنت طالق إن قمت أو قعدت، ولو قال: أنت طالق، شئت أو أبيت، طلقت في الحال، إذ لا تعليق في هذا. فصل قال: أنت طالق ثلاثا، إلا أن يشاء أبوك أو فلان واحدة، فشاء واحدة، فثلاثة أوجه، أصحها: لا يقع شئ، كما لو قال: أنت طالق إلا أن يدخل أبوك الدار، فدخل. وعلى هذا لو شاء اثنتين أو ثلاثا، لم يقع شئ أيضا، لانه شاء واحدة وزاد، والثاني: أنه إذا شاء واحدة وقعت، والثالث، يقع طلقتان، وتقديره: أنت طالق ثلاثا إلا أن يشاء أبوك أن لا يقع واحدة منها، فلا يقع، فإذا قلنا بالاول، فقال: أردت المراد بالثاني، قبل، وإن قلنا: بالثاني، فقال: أردت معنى الاول، قبل أيضا على الاصح فلا يقع شئ، ولو قال: أنت طالق واحدة إلا أن يشاء أبوك، أو إلا أن تشائي ثلاثا، فإن شاء أو شاءت ثلاثا، لم يقع شئ تفريعا على الاصح. وإن لم يشأ شيئا، أو شاءت واحدة أو ثنتين، وقعت واحدة. ولو قال: أنت طالق ثلاثا إن شئت فقالت: شئت واحدة أو ثنتين، لم يقع شئ، ولو قال: أنت طالق واحدة إن شئت، فقالت: شئت ثنتين أو ثلاثا، وقعت الواحدة. فرع قال: أنت طالق لولا أبوك، لم تطلق على الصحيح. وفيه وجه ضعيف حكاه المتولي. ولو قال: أنت طالق لولا أبواك لطلقتك. قال الاصحاب: لا تطلق، لانه أخبر أنه لولا حرمة أبيها لطلقها، وأكد هذا الخبر بالحلف بطلاقها، كقوله: والله لولا أبوك لطلقتك. قال المتولي: إنما لا تطلق إذا كان صادقا في خبره، فإن كان كاذبا، طلقت في الباطن، وإن أقر أنه كان كاذبا، طلقت في الظاهر أيضا.

(6/141)


فرع قال: أنت طالق إلا أن يشاء أو يبدو لي، قال البغوي: يقع في الحال. فرع قال البغوي: لو قال لها: أحبي الطلاق، أو اهوي، أو أريدي، أو ارضي، وأراد تمليكها الطلاق، فهو كقوله: شائي أو اختاري، فإذا رضيت أو أحبت، أو أرادت، وقع الطلاق، هذا لفظه. وقال البوشنجي: إذا قال: شائي الطلاق، ونوى وقوع الطلاق بمشيئتها فقالت: شئت، لا تطلق، وكذا لو قال: أحبي أو أريدي، لانه استدعى منها المشيئة ولم يطلقها، ولا علق طلاقها، ولا فوضه إليها، ولو قدر أنه تفويض، فقولها: شئت ليس بتطليق، وهذا أقوى. ولو قال: إذا رضيت أو أحببت أو أردت الطلاق، فأنت طالق، فقالت: رضيت أو أحببت أو أردت، طلقت. ولو قالت: شئت، قال البوشنجي: ينبغي أن لا يقع، وكذا لو قال: إن شئت، فقالت: أحببت أو هويت، لان كلا من لفظي المشيئة والمحبة يقتضي ما لا يقتضيه الآخر. ولهذا يقال: الانسان يشاء دخول الدار، ولا يقال: يحبه، ويحب ولده، ولا يسوغ لفظ المشيئة فيه. فرع قال: أنت طالق إلا أن يرى فلان غير ذلك، أو إلا إن يشاء أو يريد غير ذلك، أو إلا أن يبدو لفلان غير ذلك، فلا يقع الطلاق في الحال، بل يقف الامر على ما يبدو من فلان، ولا يختص ما يبدو منه بالمجلس. ولو مات فلان وفات ما جعله مانعا من الوقوع، تبين وقوع الطلاق قبيل موته. فرع ذكر البوشنجي. أنه لو قال: أنت طالق إن لم يشأ فلان، فقال فلان: لم أشأ، وقع الطلاق. وكذا لو قال: إن لم يشأ فلان طلاقك اليوم، فقال فلان في اليوم: لا أشاء، وقع الطلاق، وقياس التعليق ينفي الدخول وسائر الصفات أن يقال: إنه وإن لم يشأ في الحال، فقد يشاء بعد، فلا يقع الطلاق إلا إذا حصل اليأس، وفاتت المشيئة. وفي صورة التقييد باليوم، لا يقع إلا إذا مضى اليوم خاليا عن المشيئة، ويجوز أن يوجه ما ذكره البوشنجي بأن كلام المعلق محمول على تلفظه بعدم المشيئة، فإذا قال: لم أشأ، فقد تحقق الوصف.

(6/142)


الطرف السادس : في مسائل الدور فإذا قال لها: إذا طلقتك، أو إن طلقتك، أو متى طلقتك، أو مهما طلقتك، فأنت طالق قبله ثلاثا، ثم طلقها، فثلاثة أوجه أحدها: لا يقع عليها طلاق أصلا، عملا بالدور وتصحيحا له، لانه لو وقع المنجز لوقع قبله ثلاث، وحينئذ فلا يقع المنجز للبينونة، وحينئذ لا يقع الثلاث، لعدم شرطه وهو التطليق. والوجه الثاني: يقع المنجز فقط. والثالث: يقع ثلاث تطليقات، المنجزة، وطلقتان من المعلق. وقيل على هذا: يقع المعلقات دون المنجزة، قال الامام: وهو بعيد، ثم الوجهان الاولان يجريان في المدخول بها وغيرها، وأما الثالث، فمختص بالمدخول

(6/143)


بها، فإن غيرها لا يتعاقب عليها طلاقان. ولو قال لرقيق: إن أعتقك، فأنت حر قبله، ثم أعتقه، عتق على الوجه الثاني دون الاول، ولو قال: إذا طلقتك، فأنت طالق ثلاثا قبله بيوم، وأمهل يوما ثم طلقها، ففيه الخلاف، ولو طلق قبل تمام يوم من وقت التعليق، وقع المنجز بلا خلاف، ولا يقع شئ من المعلق، لان الوقوع لا يسبق اللفظ. ولو قال: متى طلقتك، فأنت طالق قبله بشهرين أو بسنة، فإن طلقها قبل مضي تلك المدة، وقع المنجز فقط بلا خلاف، وإن مضت تلك المدة، فعلى الوجه الاول، وإن كانت غير مدخول بها، لم يقع شئ، وإن كانت مدخولا بها، فإن كانت عدتها منقضية في تلك المدة لو أوقعنا طلقة من الوقت الذي ذكره، لم يقع شئ أيضا، وإن لم تكن منقضية، وقع عليها طلقتان، وعلى الوجه الثاني: إن لم يكن مدخولا بها، وقع ما نجزه، وإن كانت مدخولا بها، وكانت عدتها منقضية في تلك المدة، فكذلك، وإن كانت غير منقضية، وقع طلقتان. ولو قال: أنت طالق اليوم ثلاثا إن طلقتك غدا واحدة، ثم طلقها غدا واحدة، ففيه الاوجه، وإذا كان التعليق بالتطليق كما صورناه في هذه المسائل، فلو كان قد علق طلاقها بدخول الدار ونحوه قبل التعليق بالتطليق، ثم دخلت الدار، يقع المعلق بالدخول بلا خلاف، لانه ليس بتطليق، وكذا لو وكل وكيلا بتطليقها، لانه لم يطلقها الزوج، إنما وقع عليها طلاقه. أما إذا قال: إن وقع عليك طلاقي، فأنت طالق قبله ثلاثا، فسواء طلق بنفسه أو بوكيله، هكذا ذكره الامام والمتولي، ولو علق طلاقها بدخول الدار، ثم قال: متى وقع عليك طلاقي فأنت طالق قبله ثلاثا، أو قال: إن حنثت في يميني فأنت طالق قبله ثلاثا ثم دخل الدار، فهل يقع المعلق بالدخول إذا فرعنا على الوجه الاول ؟ وجهان. أحدهما: نعم لانها يمين منعقدة قبل الدور، فلا يملك إبطالها، وأصحهما: لا، وبه قال القاضيان، أبو الطيب والروياني للدور، ويتصور حل اليمين، ولهذا لو قال: إذا جاء رأس الشهر فأنت طالق ثلاثا، كان له إسقاطه، بأن يقول: أنت طالق قبل انقضاء الشهر بيوم، وعلى هذا الوجه، هذا الطريق أسهل في دفع الطلقات الثلاث من الخلع وإيقاع الصفة في حال البينونة. ولو قال: أنت طالق

(6/144)


ثلاثا قبل أن أطلقك واحدة، ثم طلقها واحدة، فعلى الوجه الاول: لا يقع شئ، وكذا لو طلق ثلاثا أو اثنتين لاشتمال العدد على واحدة، وإذا مات أحدهما، يحكم بوقوع الطلاق قبل الموت، كما لو قال: إن لم أطلقك فأنت طالق، قاله المتولي، وعلى الوجه الثاني: يقع المنجز. ولو قال: إذا طلقتك ثلاثا، فأنت طالق قبلها طلقة، فطلقها ثلاثا، فعلى الوجه الاول: لا يقع شئ، وعلى الثاني: يقع الثلاث. ولو طلقها واحدة أو ثنتين، وقع المنجز بلا خلاف، ولو قال: إذا طلقتك فأنت طالق قبله طلقتين، وهي غير مدخول بها، فطلقها، لم يقع على الاول شئ، وعلى الثاني: يقع المنجز، وإن كانت مدخولا بها، وقع طلقتان على الوجهين. فرع قال: إن آليت منك، أو ظاهرت منك، فأنت طالق قبله ثلاثا، فإذا آلى أو ظاهر منها، لم تقع الثلاث قبله، وفي صحة الظهار والايلاء الوجهان، إن صححنا الدور، لم يصحا، وإن أوقعنا الطلاق المنجز صحا، واختاره الغزالي في كتابه غاية الغور في دراية الدور القطع بالصحة، وكذا الحكم لو قال: إن لاعنتك، أو حلفت بطلاقك، فأنت طالق قبله ثلاثا، أو قال للرجعية: إن راجعتك فأنت طالق قبله طلقتين أو ثلاثا، أو قال: إن فسخت النكاح بعيبك فأنت طالق قبله ثلاثا، وإذا وجد منه التصرف المعلق عليه، ففي نفوذه الوجهان. قاله الشيخ أبو علي والقاضي حسين والاصحاب، ولو قال: إن فسخت النكاح بعيبي أو بعيبك، فأنت طالق قبله ثلاثا، أو قال: إن استحققت الفسخ بذلك أو بالاعسار، أو إن استقر مهرك بالوطئ، أو إن استحققت النفقة، أو القسم، أو طلب الطلاق في الايلاء فأنت طالق قبله ثلاثا، ثم فسخت، أو وجدت الاسباب المثبتة لهذه الاستحقاقات، نفذ الفسخ وتبين الاستحقاق، ولا نقول بابطالها للدور، وإن ألغينا الطلاق المنجز، والفرق أن هذه فسوخ وحقوق، ثبتت عليه قهرا، ولا تتعلق بمباشرته واختياره، فلا يصلح تصرفه دافعا لها ومبطلا لحق غيره، بخلاف الطلاق، ولو قال: إن انفسخ نكاحك، فأنت طالق قبله ثلاثا، ثم ارتد أو اشتراها، انفسخ النكاح قطعا، ولا يقع الطلاق.

(6/145)


فرع قال: إن وطئت وطأ مباحا، فأنت طالق قبله، ثم وطئها، لم تطلق قبله، إذ لو طلقت لم يكن الوطئ مباحا، وسواء ذكر الثلاث في هذه الصورة أم لا. قال الامام وغيره: ولا خلاف في هذه الصورة، بل موضع الخلاف إذا انحسم بتصحيح اليمين الدائرة باب الطلاق أو غيره من التصرفات الشرعية، وهنا لا تنحسم ولو قال: إن طلقتك طلقة رجعية، فأنت طالق قبلها ثلاثا أو طلقتين، فطلقها، ففيه الخلاف. ولو طلقها ثلاثا أو خالعها، أو كانت غير مدخول بها، فطلقها واحدة، أو ثنتين، وقع المنجز، لانه إنما علق الثلاث بالطلقة الرجعية. وفي هذه الصور ما نجزه ليس برجعي. ولو قال: إن طلقتك طلقة رجعية، فأنت طالق قبله واحدة وهي مدخول بها، فلا دور، فإذا طلقها، طلقت طلقتين. ولو قال للمدخول بها: متى طلقتك طلاقا رجعيا، فأنت طالق ثلاثا، ولم يقل: قبله، ثم طلقها، وقع الثلاث ولا دور. وحكي عن ابن سريج: أنه لا يقع شئ، قال الشيخ أبو علي: هذا غلط من ناقل أو ناسخ، وابن سريج أجل من أن يقول هذا، قال الامام: والمحكي عن ابن سريج، متجه عندي. ولو قال: إذا طلقتك طلقة رجعية، فأنت طالق معها ثلاثا، فإذا طلقها، فوجهان بناء على الوجهين في قوله لغير المدخول بها: أنت طالق طلقة معها طلقة، هل يقع طلقتان أم طلقة ؟ إن قلنا: طلقتان معا، فهنا لا يقع شئ، بناء على تصحيح الدور، وإن قلنا هناك: لا يقع إلا واحدة، وقع هنا الثلاث كما لو لم يقل: معها. فرع: اختلف الاصحاب في الراجح من الاوجه الثلاثة في الدور، فالمعروف عن ابن سريج الوجه الاول، وهو أنه لا يقع الطلاق، وبه اشتهرت المسألة بالسريجية وبه قال ابن الحداد والقفالان، والشيخ أبو حامد، والقاضي أبو الطيب، واختاره الشيخ أبو علي وصاحب المهذب، والغزالي، وعن المزني أنه قال في كتاب المنثور، ورأيت في بعض التعاليق، أن صاحب الافصاح حكاه عن نص الشافعي رضي الله عنه، أنه مذهب زيد بن ثابت رضي الله عنه، واختاره الامام أبو بكر الاسماعيلي، وأبو عبد الله الحسين. الوجه الثالث، وهو وقوع الثلاث إذا نجز واحدة، وذهب إلى وقوع المنجزة فقط: ابن القاص، وأبو زيد، وهو مذهب أبي حنيفة، واختاره ابن الصباغ والمتولي، والشريف ناصر العمري، وللغزالي تصنيفان في المسألة، مطول في تصحيح الدور، سماه غاية الغور في دراية

(6/146)


الدور، ومختصر في إبطاله سماه الغور في الدور، رجع فيه عن تصحيحه، واعتذر فيه عما سبق منه، ويشبه أن تكون الفتوى به أولى. وذكر الروياني بعد اختياره تصحيح الدور، أنه لا وجه لتعليم العوام المسألة لفساد الزمان. قلت: قد جزم الرافعي في المجرد بترجيح وقوع المنجزة فقط، كما أشار هنا إلى اختياره. والله أعلم. فصل: إذا صححنا الدور، فقال: متى وقع طلاقي على حفصة، فعمرة طالق قبله ثلاثا، ومتى وقع طلاقي على عمرة، فحفصة طالق قبله ثلاثا، ثم طلق إحداهما، لم تطلق هي ولا صاحبتها، فلو ماتت عمرة ثم طلقت حفصة، طلقت، لانه لا يلزم والحالة هذه من إثبات الطلاق نفيه، ولو قال زيد لعمرو: متى وقع طلاقك على زوجتك، فزوجتي طالق قبله ثلاثا، وقال عمرو ليد مثل ذلك، لم يقع طلاق واحد منهما على زوجته، ما دامت زوجة الآخر في نكاحه، ولو قال لزوجته: متى دخلت الدار وأنت زوجتي، فعبدي حر قبله، وقال لعبده: متى دخلت الدار وأنت عبدي، فامرأتي طالق قبله ثلاثا، ثم دخلا الدار معا، لم يعتق العبد، ولا تطلق هي، قال الامام: ولا يخالف أبو زيد في هذه الصورة، لانه ليس فيها سد باب التصرف، فلو دخلت المرأة أولا، ثم العبد، عتق ولم تطلق هي لانه حين دخلت لم يكن عبدا له، فلم تحصل صفة طلاقها. ولو دخل العبد أولا ثم دخلت، طلقت ولم يعتق. ولو قال لها: متى دخلت الدار وأنت زوجتي، فعبدي حر. وقال له: متى دخلت الدار وأنت عبدي، فزوجتي طالق، ولم يقل في الطرفين: قبله، فدخلا معا، عتق وطلقت، لان كلا منهما عند الدخول بالصفة المشروطة. ولو دخل ثم دخلت أو عكسه، فالحكم كما في الصورة السابقة بلا فرق. فرع قال لها: متى أعتقت أمتي هذه وأنت زوجتي، فهي حرة، ثم قال: متى أعتقتها، فأنت طالق قبل إعتاقك إياها بثلاثة أيام، ثم أعتقتها المرأة قبل ثلاثة أيام، عتقت الامة لانها أعتقتها وهي زوجة، ولا تطلق المرأة، لانها لو طلقت، لطلقت قبل الاعتاق بثلاثة أيام، وحينئذ يكون الطلاق متقدما على اللفظ، وذلك ممتنع. فلو أمهلت ثلاثة أيام ثم أعتقها، لم تعتق، لانه إنما أذن لها في الاعتاق بشرط أن تكون زوجة له، ولا تطلق أيضا لانه معلق بالعتق، وبالله التوفيق.

(6/147)


الطرف السابع : في أنواع من التعليق ونحوه: فمن ذلك التعليق بالحلف، قال ابن سريج وتابعه جمهور الاصحاب: الحلف ما تعلق به منع من الفعل، أو حث عليه، أو تحقيق خير وجلب تصديق، فإذا قال: إذا حلفت، أو إن حلفت بطلاقك، فأنت طالق، ثم قال: إذا طلعت الشمس، أو إذا جاء رأس الشهر، فأنت طالق، لم يقع الطلاق المعلق بالحلف بالطلاق، لانه ليس في هذا التعليق منع، ولا حث، ولا غرض تحقيق، وكذا لو قال: إذا ح ضت، أو إذا طهرت، أو إذا شئت فأنت طالق، فكذلك حكمه، وحكى الفوراني وجها أن هذا كله يسمى حلفا، وهذا شاذ، والصواب الاول. ولو قال بعد التعليق بالحلف: إن ضربتك، أو إن كلمت فلانا، أو إن خرجت من الدار، أو إن لم تخرجي، أو إن لم أفعل كذا، أو إن لم يكن هذا كما قلت فأنت طالق، وقع في الحال الطلاق المعلق بالحلف، لان هذا حلف، ثم إذا وجد الضرب أو غيره مما علق عليه، وقعت طلقة أخرى إن بقيت في العدة، ولو قال: إن قدم فلان فأنت طالق، وقصد منعه وهو ممن يمتنع تخلفه، فهو كقوله: إن دخلت الدار. وكذا لو قال الزوج: طلعت الشمس، فكذبته، فقال: إن لم تطلع فأنت طالق، فهو حلف، لان غرضه التحقيق، وحملها على التصديق، وإن قصد بقوله: إن قدم فلان، التوقيت، أو كان فلان ممن لا يمتنع تخلفه كالسلطان، أو قال: إذا قدم الحجيج فأنت طالق، فليس هذا حلفا، وما جعلنا التعليق به حلفا، فلا فرق بين

(6/148)


أن يعلقه بصيغة إن أو صيغة إذا، أعتبارا بأنه موضع منع وحث وتصديق وقيل: إن كان بصيغة إذا فهو توقيت وليس بحلف، والصحيح الاول، وما لم يجعل التعليق به حلفا كطلوع الشمس وقدوم الحجيج، فلا فرق فيه بين صيغة إن وإذا. وقيل: إن علقه بصيغة إن كان حلفا لانه صرفه عن التوقيت بالعدول عن كلمة التوقيت، وهي إذا، فإنها ظرف زمان، والصحيح الاول. فرع: قال: إن أقسمت بطلاقك، أو عقدت يميني بطلاقك، [ فأنت طالق ] فهو كقوله: إن حلفت بطلاقك. ولو قال: إن لم أحلف بطلاقك، أو إذا لم أحلف بطلاقك، فأنت طالق، فحكمه كما سبق في طرف الاثبات، والمذهب أن لفظة إن لا تقتضي الفور والبدار إلى الحلف، ولفظه إذا تقتضيه. فإذا قال: إذا لم أحلف بطلاقك فأنت طالق، ثم أعاد ذلك مرة ثانية وثالثة، نظر، إن فصل بين المرات بقدر ما يمكن فيه الحلف بطلاقها وسكت فيه، ولم يحلف عقيب المرة الثالثة، وقع الطلقات الثلاث، وإن وصل الكلمات، لم يقع بالاولى ولا بالثانية شئ، ويقع بالثالثة طلقة، إذا لم يحلف بطلاقها. ولو قال: كلما لم أحلف بطلاقك فأنت طالق، ومضى زمان يمكنه أن يحلف فيه فلم يحلف، طلقت طلقة،. فإذا مضى مثل ذلك ولم يحلف، وقعت ثانية، وكذلك الثالثة. ولو قال: إن حلفت بطلاقك فأنت طالق، ثم أعاد هذا القول مرة ثانية وثالثة ورابعة، فإن كانت المرأة مدخولا بها، وقع بالمرة الثانية طلقة، وتنحل اليمين الاولى، ثم يقع بالثالثة طلقة بحكم اليمين الثانية وتنحل، ويقع بالرابعة طلقة ثالثة بحكم اليمين الثالثة وتنحل الثالثة، وتكون الرابعة يمينا منعقدة، حتى يقع بها الطلاق إذا حلف بطلاقها في نكاح آخر، إن قلنا: يعود الحنث بعد الطلقات الثلاث وإن لم يكن مدخولا بها، وقع طلقة بالمرة الثانية، وبانت بها، تنحل اليمين الاولى، وتبقى الثانية منعقدة، وفي ظهور أثرها في النكاح المجدد، الخلاف في عود الحنث، والثالثة والرابعة واقعتان في حال البينونة، فلا تنعقدان، ولا ينحل بهما شئ. ولو قال لغير المدخول بها: إذا كلمتك فأنت طالق، وأعاد ذلك مرارا، وقع بالمرة الثانية طلقة، وهي يمين منعقدة، وتنحل بالثالثة، لان التعليق هنا بالكلام، والكلام قد يكون في

(6/149)


البينونة، وهناك التعليق بالحلف بالطلاق، وذلك لا يكون في حال البينونة وقال سهل الصعلوكي: لا تنعقد اليمين الثانية في مسألة الكلام، لانها تبين بقوله: إن كلمتك، فيقع قوله: فأنت طالق في حال البينونة، وتلغو الثالثة والرابعة، والصحيح الاول، لان قوله: إن كلمتك فأنت طالق، كلام واحد. فرع: قال لامرأتيه: إذا حلفت بطلاقكما، فأنتما طالقان، وأعاد هذا القول مرارا، فإن كان دخل بهما، طلقتا ثلاثا ثلاثا، وإن لم يدخل بواحدة منهما، طلقتا طلقة، وبانتا، وفي عود الحنث باليمين الثانية الخلاف، وإن دخل بإحداهما، طلقتا جميعا بالمرة الثانية، وبانت غير المدخول بها، وبالمرة الثالثة لا تطلق واحدة منهما، لان شرط الطلاق الحلف بهما، ولا يصح الحلف بالبائن. فإن نكح التي بانت، وحلف بطلاقها وحدها، طلقت المدخول بها إن راجعها، أو كانت بعد في العدة، لانه حصل الشرط وهو الحلف بطلاقها. وفي طلاق هذه المجددة الخلاف في عود الحنث. فرع قال لامرأتيه: إن حلفت بطلاقكما، فعمرة منكما طالق، وأعاد هذا مرارا، لم تطلق عمرة، لان طلاقها معلق بالحلف بطلاقهما معا، وهذا حلف بطلاقها وحدها، وكذا لو قال بعد التعليق الاول: إذا دخلتما الدار فعمرة طالق، وإنما تطلق عمرة إذا حلف بطلاقهما جميعا، إما في يمين أو يمينين. ولو قال: إن حلفت بطلاقكما، فإحداكما طالق، وأعاد ذلك مرارا، لم تطلق واحدة منهما. فلو قال بعد ذلك: إن حلفت بطلاقها فأنتما طالقان، طلقت إحداهما بالتعليق الاول، وعليه البيان، ولو قال: إن حلفت بطلاق إحداكما فأنتما طالقان، وأعاد مرة ثانية، طلقتا جميعا. فرع قال: أيما امرأة لم أحلف بطلاقها منكما، فصاحبتها طالق. قال صاحب التلخيص: إذا سكت ساعة يمكنه أن يحلف فيها بطلاقهما، طلقتا. قال الشيخ أبو علي: عرضت قوله على القفال وشارحي التلخيص فصوبوه والقياس أن هذه الصيغة لا تقتضي الفور، ولا يقع الطلاق على واحدة منهما بالسكوت، إلى أن يتحقق اليأس عن الحلف بموته أو موتها، إذ ليس في عبارته تعرض للوقت، بخلاف قوله: متى لم أحلف. وتابعه الامام وغيره على قوله،

(6/150)


واستبعدوا كلام صاحب التلخيص. فصل:: قال: إن أكلت رمانة فأنت طالق، وإن أكلت نصف رمانة، فأنت طالق، فأكلت رمانة، طلقت طلقتين. ولو كان التعليق بصيغة كلما طلقت ثلاثا، لانها أكلت رمانة، ونصف رمانة مرتين. فصل: تحته أربع نسوة، فقال: من بشرتني منكن بكذا، فهي طالق، فبشرته واحدة بعد أخرى، طلقت الاولى فقط، لان البشارة الخبر الاول. ولو شاهد هو الحال قبل أن تخبره، فاتت البشارة، ولو بشره أجنبي ثم ذكرته له إحداهن، لم تطلق. وحكى الفوراني وجها، أن البشارة لا تختص بالخبر الاول، بل هي كقوله: من أخبرتني بكذا، وسنذكره إن شاء الله تعالى، والصحيح الاول، ولو بشرته امرأتان معا، فالمنقول أنهما تطلقان، وفيه نظر، فإنه لو قال: من أكل منكما هذا الرغيف، فهي طالق فأكلتاه، لم تطلقا. قلت: الصواب، أنهما تطلقان، وليس كمسألة الرغيف، لانه لم تأكله واحدة منهما، وأما البشارة، فلفظ من ألفاظ العموم، لا ينحصر في واحدة، فإذا بشرتاه معا، صدق اسم البشارة من كل واحدة، فطلقتا. والله أعلم. ويشترط في البشارة الصدق، فلو قالت واحدة: كان كذا، وهي كاذبة، ثم ذكرته الثانية وهي صادقة، طلقت الثانية دون الاولى، وتحصل البشارة بالمكاتبة، كما تحصل باللفظ، ولو أرسلت رسولا، لم تطلق، لان المبشر هو الرسول، ذكره البغوي.

(6/151)


فرع قال: من أخبرتني منكما بكذا، فهي طالق، فلفظ الخبر يقع على الكذب والصدق، ولا يختص بالخبر الاول، فإذا أخبرتاه صادقتين أو كاذبتين معا، أو على الترتيب، طلقتا جميعا، وسواء قال: من أخبرتني منكما بقدوم زيد، أو من أخبرتني أن زيدا قدم، أو بأن زيدا قدم، وحكي وجه، فيما إذا قال: من أخبرني بقدوم زيد، أنه لا يقع إذا أخبرته كاذبة، لان الباء للالصاق، فصار في معنى شرط القدوم في الاخبار، وبهذا قال الفوراني، والصحيح الاول. فصل تحته حفصة وعمرة، فقال: يا عمرة، فأجابته حفصة، فقال: أنت طالق، فإن قال: ظننت المجيبة عمرة، تطلق عمرة، لم تطلق عمرة، لانه لم يخاطبها بالطلاق، بل ظن ذلك، وظن الخطاب بالطلاق لا يقتضي وقوعه. ولهذا لو قال لزوجته: أنت طالق وهو يظنها زوجته الاخرى، طلقت المخاطبة دون المظنونة، ولو قال لاجنبية: أنت طالق وهو يظنها زوجته، لم يقع الطلاق على زوجته، وأما حفصة المخاطبة، فيقع عليها الطلاق على الاصح. وأشار بعضهم إلى أن الخلاف في الوقوع باطنا، وأنها تطلق ظاهرا بلا خلاف، هذا ترتيب الاصحاب. وقال الامام: لو قيل: تطلق حفصة ظاهرا قطعا، وفي عمرة وجهان، لكان محتملا، ولو قال: علمت أن التي أجابتني حفصة، سئل، فإن قال: قصدت طلاق حفصة، طلقت حفصة دون عمرة، لان قوله محتمل، وإن قال: قصدت طلاق عمرة دون حفصة المجيبة، طلقت عمرة ظاهرا وباطنا، ويدين في حفصة، ويقع طلاقها ظاهرا على الصحيح، ولو كان النداء والجواب كما سبق، لكن قال بعد جواب حفصة: زينب طالق لامرأة له ثالثة، طلقت زينب دون حفصة وعمرة. ولو قال: أنت وزينب طالقان، طلقت زينب، ثم يسأل ؟ فإن قال: ظننت المجيبة عمرة، لم تطلق عمرة، وتطلق حفصة على الاصح. وإن قال: علمت أن المجيبة حفصة، وقصدت طلاقها، طلقت دون عمرة، وإن قال: قصدت طلاق عمرة، طلقت عمرة ظاهرا وباطنا، وطلقت حفصة ظاهرا على الصحيح، وهذه المسألة ليست من التعليق في شئ، لكن التزام ترتيب الكتاب اقتضى جعلها هنا. فصل قال العبد لزوجته: إذا مات سيدي، فأنت طالق طلقتين، وقال السيد للعبد: إذا مت فأنت حر، فمات، نظر إن لم يحتمل الثلث جميع العبد رق ما زاد على الثلث، ومن بعضه رقيق كالقن في عدد الطلاق، فتقع الطلقتان، وليس

(6/152)


له رجعتها ولا نكاحها إلا بمحلل، وإن احتمله الثلث عتق، وفي تحريمها عليه وجهان، أحدهما: لا تحل إلا بمحلل، وأصحهما وبه قال ابن الحداد: لا تحرم، فله رجعتها، وله تجديد نكاحها بلا محلل، لان العتق والطلاق وقعا معا، فلم يكن رقيقا حال الطلاق حتى يفتقر إلى محلل، ولا تختص المسألة بموت السيد، بل يجري الخلاف في كل صورة تعلق عتق العبد، ووقوع طلقتين على زوجته بصفة واحدة، كما لو قال العبد: إذا جاء الغد، فأنت طالق طلقتين، وقال السيد: إذا جاء الغد فأنت حر، ولو قال العبد، إذا عتقت فأنت طالق طلقتين، وقال السيد: إذا جاء الغد فأنت حر، قال الشيخ أبو علي: إذا جاء الغد، عتق وطلقت طلقتين، ولا تحرم عليه بلا خلاف، لان العتق سبق وقوع الطلاق، ولو علق السيد عتقه بموته، وعلق العبد الطلقتين بآخر جزء من حياة السيد، انقطعت الرجعة، واشترط المحلل بلا خلاف، لان الطلاق صادف الرق. فرع من له نكاح الامة، نكح أمة مورثه، ثم قال لها: إذا مات سيدك ؟ فأنت طالق، فمات السيد وورثه الزوج، انفسخ النكاح، ولم يقع الطلاق على الاصح، وقيل: يقع سواء كان على السيد دين مستغرق أم لا، وقيل: إن كان دين مستغرق، نفذ الطلاق تفريعا على أن الدين يمنع انتقال الملك إلى الوارث، فعلى هذا، إذا قضي الدين، بان انتقال الملك إليه، وصار الدين كالمعدوم، والصحيح الاول. ولو علق الزوج طلاقها كما ذكرنا، وقال السيد: إذا مت، فأنت حرة، فإن خرجت من الثلث، عتقت وطلقت، وإلا عاد الخلاف في نفوذ الطلاق، فلو أجاز الزوج عتقها وكان حائزا للارث، أو أجاز معه باقي الورثة، فإن قلنا: الاجازة تنفيذ، طلقت، لانها لم تدخل في ملك الوارث، وإن قلنا: عطية من الوارث، فقد دخلت في ملكه، ويكون وقوع الطلاق على الخلاف، ولو كاتبها السيد ومات، قال الشيخ أبو علي: في وقوع الطلاق الخلاف، لان المكاتب يورث، ولهذا لو مات وبنته تحت مكاتبه، انفسخ النكاح، لانها ورثت بعض زوجها، وإذا لم يكن الزوج وارثا لسبب، وقع الطلاق والانفساخ قطعا. فرع قال الحر لزوجته الامة: إن اشتريتك، فأنت طالق، وقال سيدها: إن بعتك، فأنت حرة، فباعها لزوجها، عتقت في الحال، لانا إن قلنا: الملك في زمن الخيار للبائع أو موقوف، فالجارية ملكه، وقد وجدت الصفة، وإن قلنا:

(6/153)


الملك للمشتري، فللبائع الفسخ، وإعتاقه فسخ، فتعود الجارية بالاعتاق إلى ملكه، وأما الطلاق، فقد أطلق ابن الحداد: أنه يقع، قال الاصحاب: هذا تفريع على أن الملك في زمن الخيار للبائع، فإن النكاح على هذا القول باق، وقد وجد شرط الطلاق، فيقع، وكذا الحكم على قولنا: موقوف، لانه لم يتم البيع، وأما إذا قلنا: الملك للمشتري، فلا يقع الطلاق على الاصح، كالمسألة السابقة في الفرع السابق، ولو قال: إن ملكتك بدل اشتريتك، لم يجئ فيه إلا هذا الخلاف الاخير، ولو اشترى زوجته الامة وطلقها في زمن الخيار، فإن قلنا: الملك للبائع، نفذ الطلاق، وإن قلنا: للمشتري، فلا، وإن قلنا: موقوف، فإن لم يتم البيع، طلقت، وإلا فلا، قال الشيخ أبو علي: ومتى وقع الطلاق ثم تم البيع، فإن كان الطلاق رجعيا، فله الوطئ بملك اليمين، ولا يلزم الصبر إلى انقضاء العدة، لانها عدته، كما له نكاح مختلعته في العدة، وإن كان الطلاق بالثلاث، فليس له وطؤها بملك اليمين قبل محلل على الاصح. فصل قال: أنت طالق يوم يقدم زيد، فقدم نهارا، طلقت، وهل يقع الطلاق عقب القدوم، أم نتبين وقوعه من طلوع الفجر ؟ وجهان. أصحهما الثاني، وبه قال ابن الحداد، لان الطلاق مضاف إلى يوم القدوم، فأشبه قوله: يوم الجمعة، فلو ماتت، ثم قدم زيد ذلك اليوم، فعلى الوجه الثاني، ماتت مطلقة، فلا يرثها الزوج إن كان الطلاق بائنا، وكذلك لو مات الزوج بعد الفجر، فقدم زيد في يومه، لم ترث هي منه، وعلى الوجه الاول ثبت الارث، ولو خالعها في أول النهار ثم قدم، فعلى الوجه الاول الخلع صحيح، ولا تطلق بالقدوم، وعلى الثاني، الخلع باطل إن كان الطلاق المعلق بائنا، وإن كان رجعيا، فعلى الخلاف في خلع الرجعية، ولو كانت طاهرا في أول النهار فحاضت، ثم قدم، فعلى الوجه الثاني، تحسب بقية ذلك الطهر قرءا، وعلى الاول بخلافه، ويجري الخلاف فيما لو قال: عبدي حر يوم يقدم زيد، فباعه، ثم قدم زيد في يوم البيع، هل يصح البيع أم لا ؟ ولو قدم زيد ليلا، لم تطلق على المذهب، وبه قطع الجمهور. وقيل: وجهان، لان اليوم قد يستعمل في مطلق الوقت.

(6/154)


فصل قال: أنت طالق هكذا، وأشار بإصبع، طلقت طلقة، وإن أشار بإصبعين، فطلقتين، أو بثلاث فثلاثا، قال الامام: هذا إذا أشار إشارة مفهمة للطلقتين أو الثلاث، وإذا حصلت الاشارة المعتبرة، فقال: أردت الاشارة بالاصبعين المقبوضتين، صدق بيمينه للاحتمال، وإن قال: أردت واحدة، لم يقبل على الاصح. وقال صاحب التقريب: يقبل، وإن قال: أنت طالق، وأشار بالاصابع ولم يقل: هكذا، لم يحكم بوقوع العدد إلا بالنية، ولو قال: أنت هكذا، وأشار بأصبعه الثلاث، ففي فتاوى القفال: أنه إن نوى الطلاق، طلقت ثلاثا، وإلا فلا، كما لو قال: أنت ثلاثا ولم ينو بقلبه. وقال غيره: ينبغي أن لا تطلق وإن نوى، لان اللفظ لا يشعر بطلاق. قلت: هذا الثاني أصح، ويوافقه ما قطع به صاحب المهذب فقال: لو قال: أنت، وأشار بأصابعه الثلاث، ونوى الطلاق، لا يقع، لانه ليس فيه لفظ طلاق، والنية لا يقع بها طلاق من غير لفظ. والله أعلم. فرع قال: إن دخلت الدار، أو كلمت زيدا، فأنت طالق، أو أنت طالق إن دخلت الدار، أو كلمت زيدا، طلقت بأيهما وجد، وتنحل اليمين، فلا يقع بالصفة الاخرى شئ، ولو قال: إن دخلت الدار، وإن كلمت زيدا، فأنت طالق، أو أنت طالق إن دخلت الدار، وإن كلمت زيدا، أو قال: إن دخلت هذه الدار، وإن دخلت الاخرى، فأنت طالق، أو قال: إن دخلت هذه الدار، فأنت طالق، وإن دخلت الاخرى، وقع بالصفتين طلقتان، وبإحداهما طلقة. ولو قال: إن دخلت وكلمت زيدا، فأنت طالق، فلا بد من وجودهما، وتقع طلقة واحدة، وسواء تقدم الكلام على الدخول أو تأخر، وأشار في التتمة، إلى وجه في اشتراط تقدم الدخول، تفريعا على أن الواو تقتضي الترتيب. ولو قال: إن دخلت الدار، فكلمت زيدا، أو ثم كلمت زيدا، فلا بد منهما، ويشترط تقدم الدخول، ولو قال: إن دخلت الدار، إن كلمت زيدا، فأنت

(6/155)


طالق، أو قال: أنت طالق إن دخلت، إن كلمت، فلا بد منهما، ويشترط تقدم المذكور آخرا على المذكور أولا، ويسمى هذا: اعتراض الشرط على الشرط، لانه جعل الكلام شرطا لتعليق الطلاق بالدخول، والتعليق يقبل التعليق، كما أن التنجيز يقبله، ولهذا يصح أن يقول لعبده: إن دخلت الدار فأنت مدبر، ومن هذا الباب قوله تعالى: * (ولا ينفعكم نصحي إن أردت أن أنصح لكم إن كان الله يريد أن يغويكم) *. وفي فتاوى القفال: أنه يشترط تقدم المذكور أولا، فإن قدمت الثاني، لم تطلق، وهذا غريب ضعيف. ومال إمام الحرمين إلى أنه لا يشترط بالترتيب، ويتعلق الطلاق بحصولهما كيف كان، والصحيح الذي عليه الجماهير، هو الاول، قالوا: فإذا كلمته في المثال المذكور ثم دخلت، طلقت، وإن دخلت ثم كلمته، لم تطلق. قال المتولي: وتنحل اليمين، فلو كلمته بعد ذلك ثم دخلت، لم تطلق، لان اليمين تنعقد على المرة الاولى، وسواء كانت صيغة الشرط في الصفتين إن أو غيرها، وسواء اتحدت الصيغة أم لا، حتى لو قال: أنت طالق إذا دخلت، إذا كلمت، أو قال: إن دخلت إن كلمت، أو بالعكس، أو قال: متى كلمت، فالحكم كما سبق، ولو قال: إن أعطيتك، إن وعدتك، إن سألتني فانت طالق، اشترط وجود السؤال، ثم الوعد، ثم العطية، والمعنى: إن سألتني فوعدتك فأعطيتك فأنت طالق، (وذكر صاحب المهذب أنه لو قال: إن سألتني إن أعطيتك إن وعدتك فأنت طالق) اشترط السؤال، ثم الوعد، ثم العطية، لكن مقتضى ما تمهل أنه يشترط وجود الوعد، ثم العطية، ثم السؤال، والمعنى: إن سألتني وأعطيتك إن وعدتك، فأنت طالق، وكأنه صور رجوع الكل إلى مطلوب واحد، ولم ير للوعد معنى بعد العطية، ولا للسؤال معنى بعد الوعد والعطية، فحمله على ما ذكرناه. فرع قال: إن دخلت الدار فأنت طالق، إن كلمت زيدا، فقد يريد إذا دخلت الدار تعلق طلاقها بالكلام، وقد يريد إذا كلمته تعلق طلاقها بالدخول، فيراجع، ويعمل بتفسيره. فرع قال: إن كلمت زيدا وعمرا، أو بكرا مع عمرو، فأنت طالق، فإنما

(6/156)


تطلق إذا كلمت زيدا وعمرا، والاصح اشتراط كون بكر مع عمرو وقت تكليمه، كما لو قال: إن كلمت فلانا وهو راكب. فرع قال المتولي: عادة البغداديين إذا أراد أحدهم تعليقا بالدخول يقول: أنت طالق لا دخلت، كما يقول الحالف، والله لا أدخل، والمعنى: إن دخلت فأنت طالق، وعلى هذه العادة قال ابن الصباغ: لو قال: أنت طالق لا كلمت زيدا وعمرا وبكرا، فكلمتهم، طلقت وإن كلمت بعضهم، لم تطلق. ولو قال: لا كلمت زيدا وعمرا ولا بكرا، فأيهم كلمته طلقت. فرع ذكر ابن سريج، أنه لو قال: أنت طالق إن كلمت زيدا حتى يدخل عمرو الدار، أو إلى أن يدخل، فالغاية تتعلق بالشرط، لا بنفس الطلاق، والمعنى: أنت طالق إن كلمت زيدا قبل دخول عمرو الدار. فصل قال لنسوته الاربع: أربعكن طوالق إلا فلانة، أو إلا واحدة، قال القاضي حسين والمتولي: لا يصح هذا الاستثناء، ويطلقن جميعا، لان الاربع ليست صيغة عموم، وإنما هي اسم خاص لعدد معلوم خاص، فقوله: إلا فلانة، رفع للطلاق عنها بعد التنصيص عليها، فهو كقوله: طالق طلاقا لا يقع. ومقتضى هذا التعليل، أنه لا يصح الاستثناء من الاعداد في الاقراء، ومعلوم أنه ليس كذلك. ومنهم من وجهه، بأن الاستثناء في المعين غير معتاد، وهذا يضعف بأن الامام حكى عن القاضي، أنه قال: أربعكن إلا فلانة طوالق، صح الاستثناء، وادعى أن هذا معهود دون ذلك، وهذا كلام كما تراه. وقد حكينا في الاقرار أن الاستثناء صحيح من المعينات على الصحيح، ويستوي في الوجهين الاقرار والطلاق. فصل قيل له على وجه الاستخبار: أطلقت امرأتك، أو فارقتها، أو زوجتك طالق ؟ فقال: نعم، فهذا إقرار بالطلاق، فإن كان كاذبا فهي زوجته في الباطن. فلو قال: أردت الاقرار بطلاق سابق وقد راجعتها، صدق. وإن قال: أبنتها وجددت النكاح، فعلى ما ذكرناه فيما إذا قال: أنت طالق في الشهر الماضي، وفسر بذلك. ولو قيل له ذلك على وجه التماس الانشاء، فإن قال في الجواب: نعم، طلقت، ولا إشكال، وإن اقتصر على قوله: نعم، فهل هو صريح أم كناية ؟ قولان. قال ابن الصباغ والروياني وغيرهما: أظهرهما: أنه صريح، وقطع به

(6/157)


بعضهم، وهو اختيار المزني، وفي كلام بعضهم إطلاق الخلاف بلا فرق بين الالتماس والاستخبار والانشاء. والصحيح التفصيل الذي ذكرناه. ولو قيل له: طلقت زوجتك، فقال: طلقت، فقد قيل: هو كقوله: نعم. وقيل: ليس بصريح قطعا، لان نعم متعين للجواب، وقوله: طلقت، مستقل بنفسه، فكأنه قال ابتداء: طلقت واقتصر عليه، وقد سبق أنه لو اقتصر عليه فلا طلاق. فرع قيل له: ألك زوجة ؟ فقال: لا، فقد نص في الاملاء أنه لا يقع به طلاق وإن نوى، لانه كذب محض، وبهذا قطع كثير من الاصحاب، ولم يجعلوه إنشاء، ولا بأس لو فرق بين كون السائل مستخبرا أو ملتمسا الانشاء، كما قد سبق في الفصل قبله، لانا ذكرنا في كنايات الطلاق، أنه لو قال مبتدئا: لست بزوجة لي، كان كناية على الاصح، وذكروا وجهين، في أنه صريح في الاقرار، أم كناية ؟ قال القاضي حسين: هو صريح، والاصح أنه كناية، لاحتمال أنه يريد نفي فائدة الزوجات، وبهذا قطع البغوي، ولها تحليفه أنه لم يرد طلاقها. ولو قال قائل: هذه زوجتك مشيرا إليها ؟ فقال: لا، فهذا أظهر في كونه إقرارا بالطلاق. فرع قيل: أطلقت زوجتك ؟ فقال: قد كان بعض ذلك، لم يكن إقرارا بالطلاق، لاحتمال التعليق، أو الوعد بالطلاق،، أو خصومة تؤول إليه، ولو فسر بشئ من ذلك، قبل. وإن كان السؤال عن ثلاث، ففسر بواحدة قبل، وإن لم يفسر بشئ، قال المتولي: إن كان السؤال عن ثلاث، لزمه الطلاق، وإن كان عن واحدة، فلا، لانها لا تتبعض والاصل أن لا طلاق، وفي كل واحد من الطرفين نظر. قلت: الصواب أنه لا يقع شئ، إلا أن يعرف به، سواء سئل عن ثلاث أو مطلقا، للاحتمالات المذكورة مع الاصل. والله أعلم. فصل أكل الزوجان تمرا، وخلطا النوى، فقال: إن لم تميزي نوى ما أكلت عن نواي فأنت طالق، أو اختلطت دراهمها بدراهمه ونحو ذلك، فقال الاصحاب: تخلص من الحنث بأن يفرقها، بحيث لا يلتقي منها نواتان، فإن أراد التمييز الذي

(6/158)


يحصل به التعيين، لم يتخلص بذلك. وفي صورة الاطلاق، احتمال للامام، ولو قال: إن لم تعدي الجوز الذي في هذا البيت اليوم، فأنت طالق، فقال الامام: في طريق البر، وجهان. أحدهما: تأخذ من عدد تستيقنه، وتزيد واحدا حتى تستيقن أنه لا يزيد عليه، كما لو قال: إن لم تخبريني بعدده، والثاني: يلزم أن تبتدئ من الواحد، وتزيد حتى تنتهي إلى الاستيقان، قال الامام: واكتفوا على الوجهين بذكر اللسان، ولم يعتبروا تولي العد فعلا، قال: ولست أرى الامر كذلك. فرع في فمها تمرة، فقال: إن ابتلعتها، فأنت طالق، وإن قذفتها، فأنت طالق، وإن أمسكتها، فأنت طالق، فتخلص من الحنث أن تأكل بعضها، وتقذف بعضها، هذا إذا وقع التعليق بالامساك، آخرا كما ذكرنا، ثم اتصل أكل البعض بآخر التعليق، فلو وجد مكث، فقد حصل الامساك، ولو علق بالامساك أولا، وأكلت البعض بعد تمام الايمان، كان حانثا في يمين الامساك، ولو قال: إن أكلتها، فأنت طالق، وإن لم تأكليها (فأنت طالق) فلا خلاص بأكل البعض، فإن فعلته، حنث في يمين عدم الاكل، ولو علق على الاكل، فابتلعت، لم يحنث على الاصح، لانه يقال: ابتلع، ولم يأكل، ذكره المتولي. فرع كانت تصعد سلما، فقال: إن نزلت، فأنت طالق، وإن صعدت، فأنت طالق، وإن مكثت، فأنت طالق، فيحصل الخلاص بالطفرة إن أمكنتها، وبأن تحمل فيصعد بها أو تنزل، وينبغي أن يكون الحمل بغير أمرها، وتتخلص أيضا بأن تضجع السلم على الارض وهي عليه، وتقوم من موضعها، وبأن يكون بجنبه سلم آخر فينتقل إليه، فإن مضى في نصب سلم آخر زمان، حنث في يمين الوقوف. فرع قال: إن أكلت هذه الرمانة، أو إن أكلت رمانة، فأنت طالق، فأكلتها إلا حبة، لم يحنث، لانه وإن كان يقال في العرف: أكل رمانة، فيقال أيضا: لم يأكل كل الرمانة، ولو علق بأكل رغيف، فأكلته إلا فتاتا، قال القاضي حسين: لا يحنث كحبة الرمان. وقال الامام: إن بقي قطعة تحس، ويجعل لها موقع، لم يحنث، وربما ضبط ذلك بأن يسمى قطعة خبز، وإن دق مدركه، لم يظهر له أثر في بر ولا حنث، قال: وهذا مقطوع به عندي في حكم العرف، والوجه: تنزيل إطلاق القاضي على هذا التفصيل.

(6/159)


فرع قال: إن لم تخبريني بعدد حبات هذه الرمانة قبل كسرها، فأنت طالق، أو إن لم تخبريني بعدد ما في هذا البيت من الجوز اليوم، أو إن لم تذكري لي ذلك، فأنت طالق، قال الاصحاب: يتخلص بأن تبتدئ من عدد تستيقن أن الحبات أو الجوز لا تنقص عنه، وتذكر الاعداد بعد متوالية بأن تقول: مائة، مائة وواحد، مائة واثنان، وهكذا (إلى أن) تنتهي إلى عدد تستيقن أنه لا يزيد عليه، فتكون مخبرة عن ذلك العدد وذاكرة له، وهذا إذا لم تقصد التعيين والتعريف، وإلا فلا يحصل كما سبق. وفي معنى هذه الصورة، ما إذا أكل تمرا، وقال: إن لم تخبريني بعدد ما أكلت، فأنت طالق. وما إذا اتهمها بسرقة، وقال: إن لم تصدقيني أسرقت أم لا، فأنت طالق، فتقول: سرقت وما سرقت. فرع وقع حجر من سطح، فقال: إن لم تخبريني الساعة من رماه، فأنت طالق، ففي فتاوى القاضي حسين: أنها إن قالت: رماه مخلوق، لم تطلق، وإن قالت: رماه آدمي، طلقت الجواز أن يكون رماه كلب أو الريح، لانه وجد سبب الحنث، وشككنا في المانع، وشبهه بما إذا قال: أنت طالق إلا أن يشاء زيد اليوم، فمضى اليوم ولم يعرف مشيئته، فإنه يقع الطلاق على خلاف فيه سبق. فرع قال لثلاث نسوة: من لم تخبرني منكن بعدد ركعات الصلاة المفروضة، فهي طالق، فقالت واحدة: سبع عشرة، وقالت أخرى: خمس عشرة، وثالثة: إحدى عشرة، لم تطلق واحدة منهن، فالاول معروف، والثاني يوم الجمعة، والثالث في السفر، قاله القاضي والمتولي.

(6/160)


فرع قال: كل كلمة كلمتيني بها إن لم أقل مثلها، فأنت طالق، فقالت المرأة: أنت طالق ثلاثا، فطريقه أن يقول: أنت تقولين: أنت طالق ثلاثا، أو تقول: أنت طالق ثلاثا من وثاق، أو أنت طالق إن شاء الله، ولو قالت له: إذا قلت لك: طلقني ما تقول ؟ فقال: أقول: طلقتك، لا يقع الطلاق، لانه إخبار عما يفعل في المستقبل. فرع في يدها كوز ماء، فقال: إن قلبت هذا الماء، فأنت طالق، وإن تركتيه، فأنت طالق، وإن شربتيه أنت أو غيرك، فأنت طالق، فخلاصها بأن تضع فيه خرقة فتبلها به. فرع قال لها وهي في ماء جار: إن خرجت منه فأنت طالق، وإن مكثت فيه فأنت طالق. قال الاصحاب: لا تطلق خرجت أم مكثت، لان ذلك الماء فارقها بجريانه، وفيه وفي نظائره احتمال للامام بسبب العرف، وإن كان الماء راكدا، فالطريق أن يحملها إنسان في الحال. فرع لا بد من النظر في مثل هذه التعليقات إلى وضع اللسان، وإلى ما يسبق إلى الفهم في العرف الغالب، فإن تطابق العرف والوضع، فذاك، وإن اختلفا، فكلام الاصحاب يميل إلى اعتبار الوضع، والامام والغزالي يريان اتباع العرف، وقد سبق في هذه الفروع أمثلة هذا. فصل في مسائل تجري في مخاصمة الزوجين ومشاتمتهما وأغلب ما تقع إذا واجهت زوجها بمكروه، فيقول على سبيل المكافأة: إن كنت كذلك فأنت طالق، يريد أن يغيظها بالطلاق كما غاظته بالشتم، فكأنه يقول: تزعمين أني كذا فأنت طالق، فإذا قالت له: يا خسيس فقال: إن كنت كذلك فأنت طالق، نظر، إن أراد المكافأة كما ذكرنا، طلقت، سواء كان خسيسا أو لم يكن، وإن قصد التعليق، لم تطلق إلا بوجود الخسة، قال أبو الحسن العبادي: الخسيس: من باع دينه بدنياه، وأخس الاخساء، من باع آخرته بدنيا غيره، ويشبه أن يقال: الخسيس: من يتعاطى في العرف ما لا يليق بحاله لشدة بخله، فإن شك في وجود الصفة - ويتصور ذلك كثيرا في مسائل الشتم والايذاء - فالاصل أن لا طلاق، وإن أطلق اللفظ ولم يقصد المكافأة، ولا حقيقة اللفظ، فهو للتعليق. فإن عم العرف بالمكافأة،

(6/161)


كان على الخلاف السابق في أنه يراعي الوضع أو العرف، والاصح وبه قطع المتولي مراعاة اللفظ، فإن العرف لا يكاد ينضبط في مثل هذا، وأجاب القاضي حسين بمقتضى الوجه الآخر، ولو قالت: يا سفيه فقال: إن كنت كذلك، فأنت طالق، فإن قصد المكافأة، طلقت في الحال، وإن قصد التعليق، طلقت إن كان سفيها، وإن أطلق، فعلى الخلاف، ويمكن أن يحمل السفه على ما يوجب الحجر، وعلى هذا نظائر ما يقع به الشتم والايذاء. وتكلموا في كلمات يدخل بعضها في حد الافحاش، ففي التتمة أن القواد: من يحمل الرجال إلى أهله ويخلي بينهم وبين الاهل، ويشبه أن لا يختص بالاهل، بل هو الذي يجمع بين الرجال والنساء بالحرام، وأن القرطبان الذي يعرف من يزني بزوجته ويسكت عليه، وأن قليل الحمية: من لا يغار على أهله ومحارمه، وأن القلاش: الذواق، وهو من يوهم أنه يشتري الطعام ليذوقه وهو لا يريد الشراء، وأن الديوث: من لا يمنع الناس الدخول على زوجته. وفي الرقم للعبادي: أنه الذي يشتري جارية تغني للناس، وأن البخيل: من لا يؤدي الزكاة، ولا يقري الضيف فيما قيل، وأنه لو قيل له: يا زوج القحبة، فقال: إن كانت زوجتي بهذه الصفة فهي طالق، فإن قصد التخلص من عارها، وقع الطلاق، كما لو قصد المكافأة، وإلا فهو تعليق، فينظر: هل هي بالصفة المذكورة أم لا ؟ قلت: القحبة: هي البغي، وهي كلمة مولدة ليست عربية. والله أعلم. وأنه لو قال لها في الخصومة: إيش تكونين أنت، فقالت: وإيش تكون أنت، فقال: إن لم أكن منك بسبيل فأنت طالق، قال القاضي حسين: إن قصد

(6/162)


التعليق لم تطلق، لانها زوجته فهو منها بسبيل، وإن قصد المغايظة والمكافأة، طلقت. والمقصود إيقاع الفرقة وقطع ما بينهما، وأنها لو قالت لزوجها: أنت من أهل النار، فقال: إن كنت من أهل النار فأنت طالق، لم يحكم بوقوع الطلاق إن كان الزوج مسلما، لانه من أهل الجنة ظاهرا، وإن كان كافرا طلقت فإن أسلم بعد ذلك، تبينا أنها لم تطلق. ولو قالت: يا سفلة، فقال: إن كنت كذلك فأنت طالق، قال اسماعيل البوشنجي: الاولى أنه الذي يتعاطى الافعال الدنيئة ويعتادها، ولا يقع ذلك على من يتفق منه نادرا، كاسم الكريم، والسيد في نقيضه. ولا يخفى أن النظر في تحقيق هذه الاوصاف، إنما يحتاج إليه عند حمل اللفظ على التعليق، فأما إذا حمل على المكافأة، فيقع الطلاق في الحال. فرع الكوسج: من قل شعر وجهه مع انحسار الشعر عن عارضيه، وعن أبي حنيفة رحمه الله: أنه الذي عدد أسنانه ثمانية وعشرون. فرع قال أبو العباس الروياني: الغوغاء: من يخالط المفسدين والمنحرفين، ويخاصم الناس بلا حاجة. قال: والاحمق: من نقصت مرتبة أموره وأحواله عن مراتب أمثاله نقصا بينا بلا مرض ولا سبب. قلت: قال صاحب المهذب والتهذيب في باب كفارة الظهار: الاحمق: من يفعل الشئ في غير موضعه مع علمه بقبحه. وفي التتمة والبيان أنه من يعمل ما يضره مع علمه بقبحه. وفي الحاوي: أنه من يضع كلامه في غير موضعه، فيأتي بالحسن في موضع القبيح، وعكسه. قال أبو العباس ثعلب: الاحمق: من لا ينتفع بعقله. والله أعلم. فرع قالت: يا جهودروي فقال: إن كنت كذلك فأنت طالق، وقصد التعليق، قال الامام: وقعت المسألة في الفتاوى، وأكثروا في التعبير عن هذه الصفة، فقيل: هي صفرة الوجه، وقيل: الذلة والخساسة، وكان جوابنا فيه أن المسلم لا يكون بهذه الصفة، فلا يقع الطلاق. قال في الوسيط: وفيه نظر. فرع لو تخاصم الزوجان، فقال أبوها للزوج: لم تحرك لحيتك فقد رأيت مثلها كثيرا، فقال: إن كنت رأيت مثل هذه اللحية كثيرا، فابنتك طالق، فهذه كناية عن

(6/163)


الرجولية والفتوة ونحوهما فإن حمل اللفظ على المكافأة، طلقت، وإلا فلا لكثرة الامثال. فرع قال المتولي: لو نسب إلى فعل سئ كالزنا واللواط، فقال: من فعل مثل هذا فامرأته طالق، وكان ذلك فعله، لم يقع طلاقه، لانه لم يوقع طلاقا، وإنما غرضه ذم من يفعله، ولو قال لزوجته: سرقت أو زنيت، فقالت: لم أفعل، فقال: إن كنت سرقت أو زنيت فأنت طالق، حكم بوقوع الطلاق في الحال بإقراره السابق. فصل قال: إن خالفت أمري، فأنت طالق، ثم قال: لا تكلمي زيدا، فكلمته، قالوا: لا تطلق لانها خالفت النهي دون الامر، ولو قال: إن خالفت نهيي فأنت طالق، ثم قال: قومي، فقعدت، وقع لان الامر بالشئ نهي (عن) أضداده وهذا فاسد، إذ ليس الامر بالشئ نهيا عن ضده فيما يختاره. وإن كان، فاليمين لا ينبني عليه، بل على اللغة أو العرف، لكن في المسألة الاولى نظر بسبب العرف.

(6/164)


فصل قال: أنت طالق إلى حين أو زمان، أو بعد حين، طلقت بمضي لحظة ؟ ولو قال: إذا مضى حقب أو عصر فأنت طالق، قال الاصحاب: يقع بمضي لحظة، وهو بعيد لا وجه له. فصل لو علق الطلاق بالضرب، طلقت إذا حصل الضرب بالسوط أو الوكز أو اللكز، ولا يشترط أن لا يكون حائل، ويشترط الايلام على الاصح، وقيل: لا يشترط، بل تكفي الصدمة، وإلى هذا مال الامام، وقال: الايلام وحده لا يكفي، فإنه لو وضع عليه حجرا ثقيلا، فانصدم تحته، لم يكن ضربا وإن آلم. قال: والصدم وحده لا يكفي، فإنه لو ضربه بأنملة، لا يقال: ضربه، وكان المعتبر في إطلاق اسم الضرب الصدم بما يؤلم، أو يتوقع منه إيلام. واتفق الاصحاب، على أنه لا يقع الطلاق إذا كان المضروب ميتا، وشذ الروياني فحكى فيه خلافا، والعض وقطع الشعر لا يسمى ضربا، فلا يقع به الطلاق، وتوقف المزني في العض. فصل علق بالمس، طلقت بمس شئ من بدنه حيا أو ميتا بلا حائل، ولا يقع

(6/165)


بمس الظفر والشعر. قال الامام: الوجه القطع بهذا وإن أثبتنا خلافا في نقض الوضوء به، والاشبه مجئ الخلاف. فصل علق بقدوم زيد، طلقت إذا قدم راكبا أو ماشيا، وإن قدم به ميتا لم تطلق، وإن حمل وقدم به حيا، إن كان باختياره، طلقت، وإلا فلا على المذهب. فصل علق بقذف زيد، طلقت بقذفه حيا أو ميتا، فلو قال: إن قذفت فلانا في المسجد فأنت طالق، فالمعتبر كون القاذف في المسجد. ولو قال: إن قتلته في المسجد، اشترط كون المقتول في المسجد، والفرق أن قرينة الحال تشعر بأن المقصود الامتناع مما يهتك (حرمة) المسجد، وهتك الحرمة إنما تحصل إذا كان القاذف والمقتول فيه دون عكسه، فإن قال: أردت العكس، قبل منه في الظاهر على الاصح. ولو قال: إن قذفت أو قتلت فلانا في الدار، سئل عما أراد. فصل قال: إن رأيت زيدا فأنت طالق، فرأته حيا أو ميتا أو نائما، طلقت وإن كان الرائي أو المرئي مجنونا أو سكران، ثم يكفي رؤية شئ من بدنه وإن قل، وقيل: يعتبر الوجه. ولو كان كله مستورا بثوب، أو رأته في المنام لم تطلق، ولو رأته وهو في ماء صاف لا يمنع الرؤية أو من وراء زجاج شفاف، طلقت على الصحيح. ولو نظرت في المرآة أو في الماء فرأت صورته، لم تطلق، وفيه احتمال ضعيف للامام. ولو قال للعمياء: إن رأيت زيدا فأنت طالق، قال الامام: الصحيح أن الطلاق معلق بمستحيل، فلا يقع، وفي وجه: يحمل على اجتماعهما في مجلس، لان الاعمى يقول: رأيت اليوم زيدا، ويريد الحضور عنده. فرع علق برؤيته أو رؤيتها الهلال، فهو محمول على العلم، فرؤية غير المعلق برؤيته (كرؤيته) وتمام العدد كرؤيته، فيقع الطلاق به وإن لم ير الهلال. ولو قال: أردت بالرؤية المعاينة، دين ويقبل أيضا ظاهرا على الاصح. ولو

(6/166)


كان المعلق برؤيته أعمى، لم يقبل التفسير بالمعاينة في الظاهر على الاصح. وحكى الحناطي فيما إذا أطلق ولم ينو شيئا قولين في وقوع الطلاق برؤية الغير، هذا كله فيمن علق برؤية الهلال باللغة العربية، فلو علق بالعجمية، فعن القفال: أنه يحمل على المعاينة، سواء فيه البصير والاعمى، وادعى أن العرف الشرعي في حمل الرؤية على العلم، لم يثبت إلا في العربية، ومنع الامام الفرق بين اللغتين. وفي التهذيب وجه: أنه يحمل في حق الاعمى على العلم. وإذا أطلق التعليق برؤية الهلال، حمل على أول شهر يستقبله، حتى لو لم ير في الشهر الاول، انحلت اليمين، قاله البغوي، وهو محمول على ما إذا صرح بالمعاينة أو فسر بها وقبلناه. قال البغوي: والرؤية في الليلة الثانية والثالثة، كهي في الاولى، ولا أثر لها بعد الثلاث، لانه لا يسمى هلالا بعد ثلاث. وفي المهذب: أنه لو لم يره حتى صار قمرا، لم تطلق، وحكى خلافا فيما يصير به قمرا، هل هو باستدارته، أم بأن يبهر ضوؤه ؟ قلت: هذا المنقول عن المهذب، مذكور في الحاوي، وفيما تفرع عنه، والمختار ما ذكره البغوي. والله أعلم. والمعتبر الرؤية بعد غروب الشمس، ولا أثر للرؤية قبله. فصل قال: إن كلمت زيدا فأنت طالق، فكلمته وهو سكران أو مجنون طلقت، قال ابن الصباغ: يشترط أن يكون السكران بحيث يسمع ويكلم، وإن كلمته وهو نائم أو مغمى عليه، أو هذت بكلامه في نومها وإغمائها لم تطلق. ولو كلمته وهي مجنونة، قال ابن الصباغ: لا تطلق. وعن القاضي حسين، أنها تطلق. والظاهر تخريجه على حنث الناسي وأما كلامها في سكرها، فتطلق به على الاصح، إلا إذا انتهت إلى السكران الطافح. ولو خفضت صوتها بحيث لا يسمع وهو الهمس، لم تطلق وإن وقع في سمعه شئ وفهم المقصود اتفاقا، لانه لا يقال: كلمته، ولو نادته من مسافة بعيدة لا يسمع منها الصوت، لم تطلق، ولو حملت الريح كلامها ووقع في سمعه، فقد أشار الامام إلى تردد فيه، والمذهب أنها لا تطلق. وإن كانت المسافة بحيث يسمع فيها الصوت، فلم يسمع لذهول أو شغل طلقت، فإن لم يسمع لعارض لغط أو ريح، أو لصمم به، فوجهان، أحدهما: تطلق، وبه أجاب

(6/167)


الروياني، وكذا الامام والغزالي في صورة اللغط، وأصحهما عند البغوي: لا طلاق حتى يرتفع الصوت بقدر ما يسمع في مثل تلك المسافة مع ذلك العارض، فحينئذ يقع وإن لم يسمع، ورأى الامام القطع بالوقوع إذا كان اللغط بحيث لو فرض معه الاصغاء لامكن السماع، وكذا في تكليم الاصم إذا كان وجهه إليه وعلم أنه يكلمه، وقطع الحناطي بعدم الوقوع إذا كان الصم بحيث يمنع السماع، وحكي قولين فيما إذا قال: إن كلمت نائما أو غائبا عن البلد، هل يقع الطلاق في الحال بناء على الخلاف في التعليق بالمستحيل. ويحتمل أن يقال: لا تطلق حتى تخاطبه مخاطبة المكلمين، وبنحو منه أجاب القاضي أبو الطيب فيما إذا قال: إن كلمت ميتا أو حمارا. فصل إذا علق الطلاق بفعل شئ، ففعله وهو مكره، أو ناس للتعليق، أو جاهل به، ففي وقوع الطلاق قولان، وذكر صاحب المهذب والروياني وغيرهما، أن الاظهر في الايمان، أنه لا يحنث الناسي والمكره، ويشبه أن يكون الطلاق مثله. وقطع القفال بأنه يقع الطلاق. ولا يخرج على القولين في الايمان، لان التعويل في الايمان على تعظيم اسم الله تعالى، والحنث هتك حرمة، والناسي والمكروه غير منتهك، والطلاق تعليق بصفة، وقد وجدت، والمذهب الاول، وعليه الجمهور. قلت: قد رجح الرافعي في كتابه المحرر أيضا، عدم الحنث في الطلاق واليمين جميعا، وهو المختار للحديث الحسن رفع عن أمتي الخطأ والنسيان، وما استكرهوا عليه، والمختار، أنه عام فيعمل بعمومه، إلا فيما دل دليل على تخصيصه، كغرامة المتلفات. والله أعلم. ولو علق بفعل الزوجة، أو أجنبي، فإن لم يكن للمعلق بفعله شعور بالتعليق، ولم يقصد الزوج إعلامه، أو كان ممن لا يبالي بتعليقه، بأن علق بقدوم الحجيج أو السلطان، طلقت بفعله في حالتي النسيان والاكراه على المذهب،

(6/168)


وقيل: إن فعلة مكرها، ففيه القولان، فكأنه لا فعل له، وإن كان المعلق بفعله عالما بالتعليق، وهو ممن يبالي بتعليقه، وقصد المعلق بالتعليق منعه، ففعله ناسيا أو مكرها أو جاهلا، ففيه القولان. ولو قصد منعها من المخالفة فنسيت، قال الغزالي: لا تطلق قطعا لعدم المخالفة، ويشبه أن يراعى معنى التعليق ويطرد الخلاف. قلت: الصحيح قول الغزالي، ويقرب منه عكسه، وهو أنه لو حلف لا يدخل عمدا ولا ناسيا، فدخل ناسيا، فنقل القاضي حسين: أنه يحنث بلا خلاف. والله أعلم. ولو علق بدخول طفل أو بهيمة أو سنور، فدخل، طلقت، قال الحناطي: ويحتمل المنع، وإن حصل دخولهم كرها، لم تطلق، قال: ويحتمل الوقوع، إذ لا قصد لهم، فلا أثر لاكراههم. قلت: ذكر الامام الرافعي رحمه الله هنا مسائل منثورة كثيرة جدا، متعلقة بتعليق الطلاق وغيره، فقدمت منها جملا وفرقتها على مواضع تليق بها مما سبق،

(6/169)


وأذكر هنا باقيها إن شاء الله تعالى. والله أعلم. قال لاربع نسوة: إن لم أطأ واحدة منكن اليوم، فصواحبها طوالق، فإن وطئ واحدة منهن ذلك اليوم، انحلت اليمين، وإن لم يطأ واحدة، طلقت كل واحدة طلقة. وإن قال: أيتكن لم أطأها اليوم، فإن الاخريات طوالق، فمضى اليوم، ولم يطأ واحدة، طلقن ثلاثا ثلاثا، وإن وطئ واحدة فقط، طلقت هي ثلاثا، لان لها ثلاث صواحب لم يطأهن، وطلقت الباقيات طلقتين طلقتين، لان لها صاحبتين لم يطأهما، ولو وطئ امرأتين، طلقتا طلقتين، وطلقت الاخريان طلقة طلقة. ولو وطئ ثلاثا طلقن طلقة طلقة، ولم تطلق الرابعة، لانه ليس لها صاحبة غير موطوءة. ولو قال: أيتكن لم أطأها فالاخريات طوالق، ولم يقيد بوقت، فجميع العمر وقت له، فإن مات أو متن قبل الوطئ، طلقت كل واحدة ثلاثا قبيل الموت، وإن ماتت واحدة والزوج حي، لم يحكم بطلاق الميتة، لانه قد يطأ الباقيات ويطلق الباقيات طلقة طلقة. فلو ماتت ثانية قبل الوطئ، تبينا وقوع طلقة على الاولى قبيل موتها، وطلقت كل واحدة من الباقيتين طلقة أخرى إن بقيتا في العدة. فإن ماتت الثالثة قبل الوطئ، تبينا وقوع طلقتين على الاوليين قبيل موتهما، وطلقت الباقية طلقة ثالثة، فإن ماتت الرابعة قبل الوطئ، تبينا وقوع الثلاث على الجميع. فصل قال: إن سرقت مني شيئا فأنت طالق، فدفع إليها كيسا، فأخذت منه شيئا، لا تطلق، لنه خيانة لا سرقة. فرع قال: إن كلمتك فأنت طالق، ثم أعاد مرة أخرى، طلقت. وإن قال: إن كلمتك فأنت طالق فاعلمي، طلقت بقوله: فاعلمي وقيل: إن وصله بالكلام الاول، لم تطلق، لانه تتمته. وإن قال: إن كلمتك فانت طالق، إن دخل الدار فأنت طالق، فالتعليق الثاني تكليم، فتطلق. ولو قال: إن بدأتك بالكلام فأنت طالق، فقالت: إن بدأتك بالكلام فعبدي حر، ثم كلمها، ثم كلمته، فلا طلاق، ولا عتق. ولو قال لرجل: إن بدأتك بالسلام فعبدي حر، فقال الآخر: إن بدأتك بالسلام فعبدي حر، فسلم كل منهما على الآخر دفعة واحدة، لم يعتق عبد واحد منهما لعدم ابتداء كل واحدة منهما على الآخر، وتنحل اليمين، فإذا سلم أحدهما

(6/170)


على الآخر بعد ذلك، لم يعتق واحدة من عبديهما، ذكره الامام. فرع قال المدين لصاحب الدين: إن أخذت مالك علي، فامرأتي طالق، فأخذه مختارا، طلقت امرأة المدين، سواء كان مختارا في الاعطاء أو مكرها، وسواء أعطى بنفسه أو بوكيله، أو استلبه صاحب الدين قال البغوي: وكذا لو أخذه السلطان ودفعه إليه. وفي كتب العراقيين أنه لا يقع الطلاق إذا أخذه السلطان ودفعه إليه، لانه إذا أخذه السلطان برئت ذمة المدين، وصار المأخوذ حقا لصاحب الدين، ولا يبقى له حق عليه، فلا يصير بأخذه من السلطان آخذا حقه من المدين، ولو قضى عنه أجنبي. قال الداركي: لا تطلق، لانه بدل حقه لاحقه بنفسه. ولو قال: إن أخذت حقك مني، لم تطلق بإعطاء وكيله، ولا بإعطاء السلطان من ماله. فإن أكرهه السلطان حتى أعطى بنفسه، فعلى القولين في المكره. ولو قال: إن أعطيتك حقك، فأعطاه باختياره، طلقت، سواء كان الآخذ مختارا في الاخذ أم لا، ولا تطلق بإعطاء الوكيل والسلطان. فرع قال: أنت طالق مريضة، بالنصب، لم تطلق إلا في حال المرض. ولو قال: أنت طالق مريضة، بالرفع، فقيل: تطلق في الحال. وقوله: مريضة، صفة، واختيار ابن الصباغ الحمل على اشتراط المرض حملا على الحال، وإن كان لحنا في الاعراب.

(6/171)


فرع قال لامرأتيه: إن دخلتما هاتين الدارين فأنتما طالقان، فدخلت كل واحدة إحدى الدارين، فهل تطلقان، أم لا تطلقان ؟ وجهان (وإن قال): إن أكلتما هذين الرغيفين، وأكلت كل واحدة منهما رغيفا، تطلقان، لانهما أكلتاهما، ولا يمكن أكل واحدة من الرغيفين، بخلاف دخول الدارين. قلت: الاصح في مسألة الدارين عدم الطلاق، صححه صاحب المهذب وغيره، والمذهب في الرغيفين الوقوع، وطرد صاحب المهذب فيه الوجهين. والله أعلم. فرع لو قالت لزوجها: أنت تملك أكثر من مائة، فقال: إن كنت أملك أكثر من مائة فأنت طالق، وكان يملك خمسين، فإن قال: أردت: لا أملك زيادة على مائة، لم تطلق، وإن قال: أردت أني أملك مائة بلا زيادة، طلقت، وإن أطلق، فعلى أيهما يحمل ؟ وجهان. قلت: الصحيح لا تطلق. والله أعلم. وإن قال: إن كنت أملك إلا مائة، وكان يملك خمسين، فقد قيل: تطلق

(6/172)


على الوجهين. فرع قال: إن خرجت إلا باذني، فأنت طالق، فالمسألة تأتي بفروعها في كتاب الايمان إن شاء الله تعالى. فإن قال: إن خرجت إلى غير الحمام بغير إذني فأنت طالق، فخرجت إلى الحمام، ثم قضت حاجة أخرى، لم تطلق، وإن خرجت لحاجة أخرى، ثم عدلت إلى الحمام، طلقت، وإن خرجت إلى الحمام وغيره، ففي وقوع الطلاق وجهان. قلت: الاصح الوقوع، وممن صححه الشاشي. والله أعلم. فرع خرجت إلى دار أبيها، فقال: إن رددتها إلى داري أو ردها أحد فهي طالق، فاكترت بهيمة وعادت إلى داره مع المكاري، لم تطلق، لان المكاري لم يردها، بل صحبها. ولو عادت ثم خرجت فردها الزوج، لم تطلق، إذ ليس في اللفظ ما يقتضي التكرار. فصل في فتاوى القفال أنه لو قال: المرأة التي تدخل الدار من نسائي طالق، لم يقع طلاق قبل الدخول. فلو أشار إلى واحدة وقال: هذه التي تدخل الدار طالق، طلقت في الحال وإن لم تدخل، وأنه لو ادعت عليه أنه نكحها فأنكر، فالاصح أنه ليس لها أن تنكح غيره، ولا يجعل إنكاره طلاقا، بخلاف ما لو قال: نكحتها وأنا أجد طول حرة، يجعل ذلك فرقة بطلقة، لان هناك أقر بالنكاح وادعى مفسدا.

(6/173)


وقيل: يتلطف به الحاكم حتى يقول: إن كنت نكحتها فقد طلقتها، وأنه لو قال: حلال الله علي حرام لا أدخل هذه الدار، كان ذلك تعليقا وإن لم يكن فيه أداة تعليق. وأنه لو قال: حلفت بطلاقك أن لا تخرجي، ثم قال: ما حلفت، بل قصدت تفريعها، لا تقبل ظاهرا ويدين، وأنها لو قالت: اجعل أمر طلاقي بيدي، فقال: إن خرجت من هذه القرية أجعل أمر طلاقك إليك، فقالت: أخرج. فقال: جعلت أمرك بيدك، فقالت: طلقت نفسي، فإن ادعى أنه أراد بعد خروجها من القرية، صدق، وإلا طلقت في الحال، وأنه لو قال: إن أبرأتني من دينك فأنت طالق، فأبرأته، وقع الطلاق بائنا. ولو قال: إن أبرأت فلانا فأبرأته، وقع رجعيا. وأنه لو قال لام امرأته: بنتك طالق، ثم قال: أردت البنت التي ليست زوجتي، صدق. وأنه لو قال: إن فعلت ما ليس لله تعالى فيه رضى فأنت طالق، فتركت صوما أو صلاة، ينبغي أن لا تطلق، لانه ترك وليس بفعل، فلو سرقت أو زنت، طلقت. فصل عن الشيخ أبي عاصم العبادي أنه لو قال: أنت طالق، يا طالق، لا طلقتك، وقع طلقتان. وأنه لو قال: إن وطئت أمتي بغير إذنك فأنت طالق، فاستأذنها، فقالت: طأها في عينها، لا يكون إذنا. وأنه لو كان له أمة وزوجة حرة، فدعا الامة إلى فراشه، فحضرت الحرة، فوطئها، فقال: إن لم تكوني أحلى من الحرة فهي طالق وهو يظنها الامة، فقال أبو حامد المروزي: تطلق، لانها هي الحرة، فلا تكون أحلى من الحرة، وحكى أبو العباس الروياني وجها أنها لا تطلق لان عنده أنه يخاطب غيرها، وهذا أصح، وبه أفتى الحناطي. فصل سئل القاضي حسين عمن حلف بالطلاق ليقرأن عشرا من أول سورة البقرة

(6/174)


بلا زيادة، ويقف، وللقراء اختلاف في رأس العشر، فقال: ما أدى إليه اجتهاد المفتي أخذ به المستفتي. وعن امرأة صعدت بالمفتاح السطح، فقال: إن لم تلقي المفتاح فأنت طالق، فلم تلقه ونزلت، قال: لا يقع الطلاق، ويحمل قوله: إن لم تلقه على التأبيد، كما قال أصحابنا فيمن دخل عليه صديقه فقال: تغد معي، فامتنع فقال: إن لم تتغد معي فامرأتي طالق، فلم يفعل، لا يقع الطلاق ولو تغدى بعد ذلك معه، وإن طال الزمان، انحلت اليمين. فإن نوى أن يتغدى معه في الحال، فامتنع، وقع الطلاق، ورأى البغوي حمل المطلق على الحال للعادة. وأنه لو قال: إن لم تبيعي هذه الدجاجات فأنت طالق، فقتلت واحدة منهن، طلقت لتعذر البيع، وإن جرحتها ثم باعتها، فإن كانت بحيث لو ذبحت لم تحل، لم يصح البيع، ووقع الطلاق، وإلا فتنحل اليمين. وأنه لو قال: إن قرأت سورة البقرة في صلاة الصبح فأنت طالق، فقرأها، ثم فسدت صلاته في الركعة الثانية، لم تطلق على الصحيح، لان الصلاة عبادة واحدة يفسد أولها بفساد آخرها. وأنه لو قال: مهما قبلتك فضرتك طالق، فقبلها بعد موتها، لم تطلق الضرة، ولو قال لوالدته: متى قبلتك فامرأتي طالق، فقبلها بعد موتها، طلقت امرأته. والفرق أن قبلة المرأة قبلة بشهوة، ولا شهوة بعد الموت، وقبلة الام قبلة كرامة، فيستوي فيها الحياة والموت. وأنه لو قال: إن غسلت ثوبي فأنت طالق، فغسلته أجنبية، ثم غمسته المحلوف بطلاقها في الماء تنظيفا له، لم تطلق لان العرف في مثل هذا يغلب. والمراد في العرف، الغسل بالصابون والاشنان ونحوهما، وإزالة الوسخ. وقال غير القاضي: إن أراد الغسل من الوسخ، لم تطلق، وإن أراد التنظيف، فلا، فإن أطلق قال: لا أجيب فيه.

(6/175)


بفصل في فتاوى البغوي أنه لو طلقها ثلاثا ثم قال: كنت حرمتها على نفسي قبل الطلاق، لم يقبل قوله. وأنه لو قال: إن ابتلعت شيئا فأنت طالق، فابتلعت ريقها، طلقت. فإن قال: أردت غير الريق، صدق في الحكم، وإن قال: إن ابتلعت الريق، طلقت بابتلاع ريقها وبريق غيرها. فإن قال: أردت ريقك خاصة، قبل في الحكم. وإن قال: أردت ريق غيرك، دين ولم يقبل في الحكم. وأنه لو قال: إن ضربتك فأنت طالق، فقصد بالضرب غيرها، فأصابها، طلقت، ولم يقبل قوله، لان الضرب يقين ويحتمل. وأنه لو نادى أمه فقال: إن لم تجبني أمي فامرأتي طالق، فإن رفعت الام صوتها في الجواب (بحيث) يسمع في تلك المسافة، لم تطلق، وإلا فتطلق، وأنه لو قال: إن دخلت على فلان داره، فامرأتي طالق، فجاء فلان وأخذ بيده وأدخله الدار، فإن دخلا معا، لم تطلق. وإن دخلت فلان أولا، طلقت. وأنه لو حلف أنه لا يخرج من البلد حتى يقضي دين فلان بالعمل، فعمل له ببعض دينه وقضى الباقي من موضع آخر ثم خرج، طلقت. فإن قال: أردت أني لا أخرج حتى أخرج إليه من دينه وأقضي حقه، قبل قوله في الحكم. فصل عن أبي العباس الروياني أنه إذا طلق امرأته، فقيل له: طلقت امرأتك ؟ فقال: طلقة واحدة، يقبل قوله، لان قوله: طلقتها، صالح للابتداء، غير متعين للجواب. وأنه لو قال: إن سرقت ذهبا فأنت طالق، فسرقت ذهبا مغشوشا، طلقت على الصحيح. وأنه لو قال: إن أجبتني عن خطابي فأنت طالق، ثم خاطبها،

(6/176)


فقرأت آية تتضمن جوابه، فإن قالت قصدت بقراءتها جوابه، طلقت. وإن قالت: قصدت القراءة أو لم تبين قصدها، فلا طلاق. وأنه لو قال: إن لم تستوفي حقك من تركة أبيك تاما فأنت طالق، وكان إخوتها قد أتلفوا بعض التركة، فلا بد من استيفاء حصتها من الباقي وضمان التالف، ولا يكفي الابراء، لان الطلاق معلق بالاستيفاء، إلا أن الطلاق إنما يقع عند اليأس من الاستيفاء. وأنه لو أشار إلى ذهب وحلف بالطلاق أنه الذي أخذه من فلان، وشهد عدلان أنه ليس ذلك الذهب، طلقت على الصحيح، لانها وإن كانت شهادة على النفي، إلا أنه نفي يحيط العلم به. وأنه لو حلف بالطلاق أنه لا يفعل كذا، فشهد عدلان عنده أنه فعله، وظن صدقهما، لزمه الاخذ بالطلاق، وأنه لو كان له نسوة ففتحت إحداهن بابا، فقال: من فتحته منكن فهي طالق. فقالت كل واحدة: أنا فتحته، لم يقبل قولهن لامكان البينة. فإن اعترف الزوج أنه لا يعرف الفاتحة، لم يكن له التعيين، وإنما يرجع إلى تعيينه إذا كان الطلاق مبهما. وأنه لو حلف بالطلاق أنه بعث فلانا إلى بيت فلان، وعلم أن المبعوث لم يمض، فقيل: يقع الطلاق لانه لا يقتضي حصوله

(6/177)


هناك، والصحيح أنه لا طلاق لانه يصدق أن يقال: بعثته، فلم يمتثل، وأنه لو قال: إن لم تطيعيني فأنت طالق، فقالت: لا أطيعك. فقيل: تطلق في الحال، والصحيح أنها لا تطلق حتى يأمرها بشئ فتمتنع، أو ينهاها عنه فتفعله، وأنه لو قال: امرأتي طالق إن دخلت دارها (ولا دار لها) وقت الحلف، ثم ملكت دارا، فدخلها، طلقت. وأنه لو قال: إن لم تكوني الليلة في داري فأنت طالق، ولا دار له، ففي وقوع الطلاق وجهان، بناء على التعليق بالمحال. وأنه لو قال: امرأتي هذه محرمة علي، لا تحل لي أبدا، فلا طلاق، لانه قد يظن تحريمها باليمين على ترك الجماع، وليس اللفظ صريحا في الطلاق. وقيل: يحكم بالبينونة بهذا اللفظ، والاول أصح. وأنه لو قيل لمن يسمى زيدا: يا زيد، فقال: امرأة زيد طالق، طلقت امرأته. وقيل: لا تطلق إلا أن يريد نفسه. وأنه لو قال: إن أجبت كلامي فأنت طالق، ثم خاطب الزوج غيرها، فأجابته، فالصحيح أنها لا تطلق. وأنه لو قال: إن خرجت من الدار بغير إذني فأنت طالق، فأخرجها هو، هل يكون إذنا ؟ وجهان، القياس المنع. وأنه لو عزل عن القضاء، فقال: امرأة القاضي طالق، ففي وقوع طلاقه وجهان. وأنه لو قيل: طلقت امرأتك، فقال: اعلم أن الامر على ما تقوله، لم يكن إقرارا بالطلاق على الاصح. وأنه جلس مع جماعة فقام ولبس خف غيره، فقالت له: استبدلت بخفك ولبست خف غيرك، فحلف بالطلاق أنه لم يفعل ذلك، فإن كان خرج بعد خروج الجماعة، ولم يبق هناك إلا ما لبسه، لم تطلق، لانه لم يستبدل، بل استبدل الخارجون قبله، وإن بقي غيره، طلقت. قلت: هذا الكلام ضعيف في الطرفين جميعا، بل صواب المسألة أنه إن خرج بعد خروج الجميع، نظر، إن قصد أني لم أجد بدله، كان كاذبا، فإن كان عالما بأنه أخذ بدله، طلقت، وإن كان ساهيا، فعلى قولي طلاق الناسي، وإن لم يكن قصد، خرج على الخلاف السابق، في أن اللفظ الذي تختلف دلالته بالوضع والعرف، على أيهما يحمل لان هذا يسمى استبدالا في العرف. وأما إن خرج وقد بقي بعض الجماعة، فإن علم أن خفه مع الخارجين قبله، فحكمه ما ذكرنا، وإن

(6/178)


علم أنه كان باقيا، أو شك، ففيه الخلاف في تعارض الوضع والعرف. والله أعلم. وأنه لو رأى امرأته تنحت خشبة، فقال: إن عدت إلى مثل هذا الفعل فأنت طالق، فنختت خشبة من شجرة أخرى، ففي وقوع الطلاق (وجهان) لان النحت كالنحت، لكن المنحوت غيره. قلت: الاصح الوقوع. والله أعلم. وأنه لو قال: إن لم تخرجي الليلة من داري فأنت طالق، فخلعها مع أجنبي في الليل وجدد نكاحها ولم تخرج، لم تطلق. وأنه لو حلف لا يخرج من البلد إلا معها، فخرجا، وتقدم معها بخطوات، فوجهان. أحدهما: لا يحنث للعرف. والثاني: يحنث، ولا يحصل البر إلا بخروجهما معا بلا تقدم، وأنه لو حلف أن لا يضربها إلا بالواجب، فشتمته، فضربها بالخشب، طلقت لان الشتم لا يوجب الضرب بالخشب، وإنما تستحق به التعزير، وقيل خلافه. قلت: الاصح، لا تطلق هنا، ولا مسألة التقدم بخطوات يسيرة. والله أعلم. وأنه لو قال لزوجته: إن علمت من أختي شيئا فلم تقوليه لي فأنت طالق، انصرف ذلك إلى ما يوجب ريبة ويوهم فاحشة، دون ما لا يقصد العلم به، كالاكل والشرب، ثم لا يخفى أنه لا يشترط أن تقوله على الفور، وأنها لو سرقت منه دينارا فحلف بالطلاق لتردينه عليه، وكانت قد أنفقته، لا تطلق حتى يحصل اليأس من رده بالموت، فإن تلف الدينار وهما حيان، فوقوع الطلاق على الخلاف في الحنث بفعل المكره. قلت: إن تلف بعد التمكن من الرد، طلقت على المذهب. والله أعلم. وأنه لو سمع لفظ رجل بالطلاق، وتحقق أنه سبق لسانه إليه، لم يكن له أن يشهد عليه بمطلق الطلاق. وأنه لو قال: إن رأيت الدم فأنت طالق، فالظاهر حمله على دم الحيض. وقيل: يتناول كل دم. وأنه لو قال: إن دخلت هذه الدار، فأنت

(6/179)


طالق، وأشار إلى موضع من الدار، فدخلت غير ذلك الموضع من الدار، ففي وقوع الطلاق وجهان. قلت: أصحهما الوقوع ظاهرا، لكنه إن أراد ذلك الموضع، دين. والله أعلم. وأنه لو قال: إن كانت امرأتي في المأتم، فأمتي حرة، وإن كانت أمتي في الحمام، فامرأتي طالق، وكانتا عند التعليقين كما ذكر، عتقت الامة، ولم تطلق الزوجة، لان الامة عتقت عند تمام التعليق الاول، وخرجت عن كونها أمته، فلا يحصل شرط الطلاق. ولو قدم ذكر الامة فقال: إن كانت أمتي في المأتم فامرأتي طالق، وإن كانت امرأتي في الحمام، فأمتي حرة، فكانتا كما ذكر، طلقت الزوجة. ثم إن كانت رجعية، عتقت الامة أيضا، وإلا فلا. ولو قال: إن كانت هذه في المأتم، وهذه في الحمام، فهذه حرة، وهذه طالق، وكانتا، حصل العتق والطلاق. وأنه لو قال: إن كان هذا ملكي فأنت طالق، ثم وكل من يبيعه، هل يكون إقرارا (بأنه ملكه ؟) وجهان، وكذا لو تقدم التوكيل على التعليق. قلت: إذا تقدم التوكيل، يبعد، وقوع الطلاق، إذ لم يوجد حال التعليق ولا بعده ما يقتضي الاقرار، والمختار في الحالتين أنه لا طلاق، إذ يحتمل أن يكون وكيلا في التوكيل ببيعه، أو كان لغيره وله عليه دين، وقد تعذر استيفاؤه، فيبيعه ليتملك ثمنه، أو باعه غصبا، أو باعه بولاية كالوالد والوصي والناظر. والله أعلم. وأنه لو كان بين يديه تفاحتان، فقال لزوجته: إن لم تأكلي هذه التفاحة اليوم فأنت طالق، وقال لامته: إن لم تأكلي الاخرى اليوم فأنت حرة، واشتبهت التفاحتان، فوجهان. أحدهما: أن الطريق أن تأكل كل واحدة تفاحة، فلا يقع عتق ولا طلاق للشك، والثاني: تأكل كل واحدة ما ظنت هي والزوج أنها تفاحتها. ولو خالع الزوج وباع الامة في يومه، ثم جدد النكاح والشراء، تخلص من الحنث. وقيل: يبيع الامة للمرأة في يومه، وتأكل المرأة التفاحتين، وأنه لو قال لامرأتيه: كلما كلمت رجلا فأنتما طالقان، ثم قال لرجلين: اخرجا، طلقتا.

(6/180)


ولو قال: كلما كلمت رجلا فأنت طالق، فكلم رجلين بكلمة، طلقت طلقتين على الصحيح، وقيل: طلقة. وأنه لو قال: أنت طالق إن تزوجت النساء، أو اشتريت العبيد، لم تطلق إلا إذا تزوج ثلاث نسوة، أو اشترى ثلاثة أعبد. وأنه لو حلف لا يخرج من الدار، فتعلق بغصن شجرة في الدار، والغصن خارج، حنث على الاصح. وأنه لو قال: إن لم تصومي غدا فأنت طالق، فحاضت، فوقوع الطلاق على الخلاف في المكره. وأن لو قال لنسوته الاربع: من حمل منكن هذه الخشبة فهي طالق، فحملها ثلاث منهن، فإن كانت خشبة ثقيلة لا تستقل بحملها واحدة، طلقن. وإن استقلت، لم تطلق واحدة منهن. وقيل: يطلقن. وأنه لو قال: أنت طالق إن لم أطأك الليلة، فوجدها حائضا أو محرمة، فعن المزني أنه حكى عن الشافعي، ومالك، وأبي حنيفة أنه لا طلاق، فاعترض وقال: يقع، لان المعصية لا تعلق لها باليمين، ولهذا لو حلف أن يعصي الله تعالى، فلم يعص، حنث. وقيل ما قاله المزني هو المذهب، واختيار القفال. وقيل: على القولين، كفوات البر بالاكراه. وأنه لو قال: إن لم أشبعك من الجماع الليلة فأنت طالق، فقيل: يحصل البر إذا جامعها وأقرت أنها أنزلت. وقيل: يعتبر مع ذلك أن تقول: لا أريد الجماع ثانيا، فإن كانت لا تنزل، فيجامعها إلى أن تسكن لذاتها، وإن لم تشته الجماع فيحتمل أن يبنى على الخلاف في التعليق بالمحال. وأن الوكيل بالطلاق إذا طلق لا يحتاج إلى نية إيقاع الطلاق عن موكله في الاصح. وأنه إن قال: إن بت عندك

(6/181)


الليلة فأنت طالق، فبات في مسكنها وهي غائبة، لم تطلق. وأنه لو قال: إن لم أصطد ذلك الطائر اليوم فأنت طالق، فاصطاد طائرا، وادعى أنه ذلك الطائر، قبل، للاحتمال، والاصل النكاح. فإن قال الحالف: لا أعرف الحال واحتمل الامرين، فيحتمل وقوع الطلاق وعدمه. قلت: الاصح عدمه كما سبق في آخر الباب الرابع في المسألة: أنت طالق إن لم يدخل زيد اليوم الدار وجهل دخوله. والله أعلم. ولو قال: أنت طالق الطلقة الرابعة، فهل تطلق ؟ وجهان يقربان من الخلاف في التعليق بالمحال. فصل ذكر اسماعيل البوشنجي أنه لو حلف بالطلاق لا تساكنه شهر رمضان، تعلق الحنث بمساكنة جميع الشهر، ولا يحنث ببعضه، وبهذا قال إمام العراقيين، يعني أبا بكر الشاشي، وعن محمد بن يحيى: يحنث بمساكنة ساعة منه، كما لو حلف لا يكلمه شهر رمضان، يحنث بتكليمه مرة. وأنه لو قال: امرأتي طالق إن أفطرت بالكوفة، وكان يوم الفطر بالكوفة، فلم يأكل ولم يشرب، فمقتضى المذهب أنه لا تطلق، لان الافطار محمول على تناول مأكول أو مشروب، وأنه لو حلف أنه لا يعيد بالكوفة، فأقام معها يوم العيد، ولم يخرج إلى العيد، حنث ويحتمل المنع. ولو قال: إن أكلت اليوم إلا رغيفا فأنت طالق، فأكلت رغيفا ثم فاكهة، طلقت. ولو قال: إن أكلت أكثر من رغيف، فأكلت خبزا بإدام، طلقت أيضا. وأنه لو قال: إن أدركت الظهر مع الامام فأنت طالق، فأدركته فيما بعد الركعة الاولى، لم تطلق على قياس مذهبنا، لان الظهر عبارة عن الركعات الاربع، ولم يدركها. قلت: هذا فيه نظر، فإنه يقال: أدرك الجماعة، وأدرك صلاة الامام، ولكن الظاهر أنه لا يقع، لان حقيقته إدراك الجميع، ومنه الحديث ما أدركتم فصلوا،

(6/182)


وما فاتكم فاقضوا. والله أعلم. وأنه لو طلق نسوته طلاقا رجعيا، ثم قال: كل واحدة أراجعها فهي طالق كلما كلمت فلانا، فراجع امرأة، ثم كلم فلانا، ثم راجع أخرى، طلقت الاولى دون الثانية، لان شرط الحنث المراجعة قبل الكلام، فإن كلمه مرة أخرى، طلقت الثانية أيضا. وأنه لو قال: آخر امرأة أراجعها فهي طالق، فراجع نسوة، ومات، يقع الطلاق على آخرهن مراجعة باليقين. حتى لو انقضت عدتها من ذلك الوقت، لم ترثه. وإن كان وطئها، فعليه مهر مثلها. وأنه إذا علق الطلاق على النكاح، فهو محمول على العقد دون الوطئ، إلا إذا نوى. وأنه لو تخاصم الزوجان في المراودة، فقال: إن لم تجيئي إلى الفراش الساعة فأنت طالق، ثم طالت الخصومة حتى مضت الساعة، ثم جاءت إلى الفراش، فالقياس أنها طلقت. وأنه لو قال: إن كلمت بني آدم فأنت طالق، فالقياس أنها لا تطلق بكلام واحد ولا اثنين، إلا إذا أعطيناهما حكم الجمع. وأنه لو قال: إن دخلت الدار فعبدي حر، أو كلمت فلانا فامرأتي طالق، سألناه لنتبين أي اليمينين أراد منهما، فما أراد تقرر. وأنه لو قال: أنت طالق في الدار، فمطلق هذا يقتضي وقوع الطلاق إذا دخلت هي الدار. وأنه لو قال: إن ملكتما عبدا فأنت طالق، فشرط الحنث على ما يقتضيه القياس، أن يملكاه معا، حتى لو ملك أحدهما عبدا ثم باعه لصاحبه، لا يحنث. ولو قال: إن لبست قميصين فأنت طالق، فلبستهما متواليين، طلقت على قياس المذهب. وأنه لو قال: إن اغتسلت في هذه الليلة فأنت طالق، فاغتسل فيها من غير جنابة، وقال: قصدت بيميني غسل الجنابة، فالقياس أنه يدين ولا يقبل ظاهرا،

(6/183)


وأنه لو حلف في جنح الليل أنه لا يكلم فلانا يوما، ولا نية له، فعليه أن يمتنع من كلامه في اليوم الذي يليه، ولا بأس بأن يكلمه في بقية الليل، وأنه لو قال: أنت طالق إن دخلت الدار ثنتين أو ثلاثا أو عشرا، فهو مجمل، فإن قال: أردت أنها تطلق واحدة إن دخلت الدار مرتين، أو ثلاثا، صدق، فإن اتهم، حلف، وإن أراد وقوع الطلاق بالعدد المذكور، وقع الثلاث، ولغت الزيادة، وأنه لو قال: إن خرجت من الدار فأنت طالق، وللدار بستان بابه مفتوح إليها، فخرجت إلى البستان، فالذي يقتضيه المذهب أنه إن كان بحيث يعد من جملة الدار ومرافقها لا تطلق، وإلا فتطلق. وأنه لو قال لابويه: إن تزوجت ما دمتما حيين، فامرأتي هذه طالق، فمات أحدهما، فتزوج، ينبغي أن لا يقع طلاقه. وأنه لو حلف لا يطعنه بنصل هذا الرمح أو السهم، فنزع النصل، وجعله في رمح آخر وطعنه به، حنث. وأنه لو قال: إن شتمتني ولعنتني فأنت طالق، فلعنته، لم تطلق، لانه علق على الامرين. وأنها لو خرجت إلى قرية للضيافة، فقال: إن مكثت هناك أكثر من ثلاثة أيام فأنت طالق، فخرجت من تلك القرية بعد الثلاثة أو قبل، ثم رجعت إليها، فينبغي أن لا تطلق. وأنه لو قال نصف الليل، إن بت مع فلان، فأنت طالق، فبات معه بقية الليل، طلقت على مقتضى القياس، ولا يشترط أن يبيت جميع الليل ولا أكثره. قلت: المختار، أن المبيت يحمل مطلقه على أكثر الليل إذا لم يكن قرينة كما سبق في المبيت بمنى، لكن الظاهر الحنث هنا لوجود القرينة. والله أعلم. ولو حلف أنه ما يعرف فلانا، وقد عرفه بوجهه، وطالت صحبته له، إلا أنه لا يعرف اسمه، حنث على قياس المذهب، وبه قال سعد الاسترابادي. وأنه لو قال: آخر امرأة أراجعها فهي طالق، فراجع حفصة ثم عمرة، ثم طلق حفصة ثم راجعها، فالذي أراه أن حفصة تطلق لانها صارت اخرا بعدما كانت أولا. وأنه لو قال: إن نمت على ثوب لك فأنت طالق، فوضع رأسه على مرفقة لها، لا تطلق، كما لو وضع عليها يديه أو رجليه. وأنه لو حلف لا يأكل من مال فلان، فنثر مأكولا فالتقطه وأكله، حنث، وكذا لو تناهدا فأكل من طعامه. قلت: الصورتان مشكلتان، والمختار في مسألة النثار، بناؤه على الخلاف،

(6/184)


في أنه يملكه الآخذ أم لا ؟ فإن قلنا بالاصح: إنه يملكه، لم يحنث، وإلا فيخرج على الخلاف السابق في الضيف ونحوه، أنه هل يملك الطعام المقدم إليه ومتى يملكه ؟ وأما مسألة المناهدة وهي خلط المسافرين نفقتهم واشتراكهم في الاكل من المختلط، ففيها نظر، لانها في معنى المعاوضة، وإلا فيخرج على مسألة الضيف. والله أعلم. وأنه لو قال: إن دخلت دار فلان ما دام فيها فأنت طالق، فتحول فلان منها ثم عاد إليها، فدخلتها، لا تطلق، وأنه لو قال: إن قتلته يوم الجمعة فأنت طالق، فضربه يوم الخميس ومات يوم الجمعة بسبب ذلك الضرب، لم تطلق، لان القتل هو الفعل المفوت للروح، ولم يوجد ذلك يوم الجمعة. وأنه لو قال: إن أغضبتك فأنت طالق، فضرب ابنها، طلقت وإن كان ضرب تأديب. وأنه لو حلف ليصومن (زمانا، أنه يحنث بصوم بعض يوم إن قلنا: إن من حلف ليصومن، أنه يحنث بالشروع فيه، وأنه لو حلف ليصومن) أزمنة، بر بصوم يوم لاشتماله على أزمنة. ولو حلف ليصومن الايام، فيحمل على أيام العمر، أو على ثلاثة أيام، وهو الاولى. وأنه لو قال: إن كان الله سبحانه وتعالى يعذب الموجودين، فأنت طالق، طلقت. قلت: هذا إذا قصد إن كان يعذب أحدا منهم، فإن قصد إن كان يعذبهم كلهم، أو لم يقصد شيئا، لم تطلق لان التعذيب مختص ببعضهم. والله أعلم. وأنه لو اتهمته امرأته بالغلمان، فحلف بالطلاق لا يأتي حراما، ثم قبل غلاما، أو لمسه، يحنث لعموم اللفظ. وأنه لو قال: أنت طالق إن خرجت من الدار، ثم قال: لا تخرجين من الصفة أيضا، فخرجت من الصفة، لم تطلق، لان قوله: ولا تخرجين كلام مبتدأ ليس فيه صيغة تعليق ولا عطف. فصل عن البويطي أنه لو قال: أنت طالق بمكة، أو في مكة، أو في البحر، طلقت في الحال، إلا أن يريد إذا حصلت هناك. وكذا لو قال: في الظل وهما

(6/185)


في الشمس، بخلاف ما إذا كان الشئ منتظرا غير حاصل، كقوله: في الشتاء وهما في الصيف، لا يقع حتى يجئ الشتاء. فصل في الزيادات لابي عاصم العبادي أنه لو قال: إن أكلت من الذي طبخته هي فهي طالق، فوضعت القدر على الكانون، وأوقدت غيرها، لم تطلق، وكذا لو سجر التنور غيرها ووضعت القدر فيه. وأنه لو قال: إن كان في بيتي نار فأنت طالق، وفيه سراج، طلقت وأنه لو حلف لا يأكل من طعامه، ودفع إليه دقيقا ليخبزه له فخبزه بخميرة من عنده، لم يحنث لانه مستهلك. وأنها لو قالت: لا طاقة لي بالجوع معك، فقال: إن جعت يوما في بيتي فأنت طالق، ولم ينو المجازاة، تعتبر حقيقة الصفة، ولا تطلق بالجوع في أيام الصوم، وأنه لو قال: إن دخلت دارك فأنت طالق، فباعتها ودخلها، لم تطلق على الاصح. فصل قال: إن لم تكوني أحسن من القمر، أو إن لم يكن وجهك أحسن من القمر فأنت طالق، قال القاضي أبو علي الزجاجي والقفال وغيرهما: لا تطلق، واستدلوا بقول الله تعالى: * (لقد خلقنا الانسان في أحسن تقويم) *. قلت: هذا الحكم والاستشهاد، متفق عليه، وقد نص عليه الشافعي رحمه الله، وقد ذكرت النص في ترجمة الشافعي من كتاب الطبقات. قال الشيخ إبرهيم المروذي: لو قال: إن لم أكن أحسن من القمر فأنت طالق، لا تطلق، وإن كان زنجيا أسود. والله أعلم. فصل في فتاوى الحناطي أنه لو قال: إن قصدتك بالجماع فأنت طالق، فقصدته المرأة، فجامعها، لم تطلق، وإن قال: إن قصدت جماعك، طلقت في هذه الصورة. فصل حكى أبو العباس الروياني، أن امرأة قالت لزوجها: اصنع لي ثوبا ليكن لك فيه أجر، فقال: إن كان لي فيه أجر فأنت طالق، فقالت: استفتيت فيه إبرهيم بن يوسف العالم، فقال: إن كان إبرهيم بن يوسف عالما فأنت طالق،

(6/186)


فاستفتى إبرهيم بن يوسف فقال: لا يحنث في اليمين الاولى، لانه مباح، والمباح لا أجر له فيه، ويحنث في الثانية، لان الناس يسمونني عالما. وقيل: يحنث في الاولى أيضا، لان الانسان يؤجر في ذلك إذا قصد البر، وحكى الوجهين القاضي الروياني في كتابه التجزئة وقال: الصحيح الثاني. قلت: لا معنى للخلاف في مثل هذا، لانه إن قصد الطاعة كان فيه أجر ويحنث، وإلا فلا، ومقتضى الصورة المذكورة، أن لا يحنث، لانه لم يقع فعل نية الطاعة. والله أعلم. فصل قال شافعي: إن لم يكن الشافعي أفضل من أبي حنيفة، فامرأتي طالق، وقال حنفي: إن لم يكن أبو حنيفة أفضل من الشافعي، فامرأتي طالق، لا يحكم بالطلاق على أحدهما، وشبهوه بمسألة الغراب. وعن القفال: لا يفتى في هذه المسألة وفي تعليق الشيخ إبرهيم المروذي في هذه المسألة، أنه لو قال السني: إن لم يكن الخير والشر من الله تعالى فامرأتي طالق، وقال المعتزلي: إن كانا من الله تعالى فامرأتي طالق، أو قال السني: إن لم يكن أبو بكر أفضل من علي رضي الله عنهما فامرأتي طالق، فقال الرافضي: إن لم يكن علي أفضل من أبي بكر، وقع طلاق المعتزلي والرافضي، وأنه لو قال لها: أفرغي البيت من قماشك، فإن دخلت ووجدت فيه شيئا من قماشك ولم أكسره على رأسك فأنت طالق، فدخل فوجد في البيت هاونا لها، فوجهان. أحدهما: لا تطلق، للاستحالة، والثاني: تطلق عند اليأس قبيل موتها أو موته. وأنه لو تخاصم الزوجان فخرجت مكشوفة الوجه، فعدا خلفها وقال: كل امرأة لي خرجت من الدار مكشوفة ليقع نظر الاجانب عليها فهي طالق، فسمعت قوله فرجعت ولم يبصرها أجنبي، طلقت، ولو قال: كل امرأة لي خرجت مكشوفة ويقع نظر الاجانب عليها فهي طالق، فخرجت ولم يبصرها أجنبي، لم تطلق. والفرق أن الطلاق في الصورة الثانية معلق على صفتين، ولم يوجد إلا

(6/187)


إحداهما، وفي الاولى على صفة فقط وقد وجدت. قلت: هكذا صواب صورة هذه المسألة، وكذا حقيقتها من كتاب إبرهيم المروذي، ووقعت في نسخ من كتاب الرافعي مغيرة. والله أعلم.

(6/188)