روضة الطالبين وعمدة المفتين ط العلمية

روضة الطالبين - كتاب الرجعة
هي بفتح الراء وكسرها، والفتح فيه أفصح، وفيه بابان.

(6/189)


الأول : في أركانها، وهي أربعة.
الأول : سببها، والمطلقات قسمان. الاول: من لم يستوف زوجها عدد طلاقها، وهي نوعان، بائن ورجعية، فالبائن هي المطلقة قبل الدخول أو بعوض، فلا يحل له إلا بنكاح جديد، والرجعية، هي المطلقة بعد الدخول بلا عوض. القسم الثاني: مطلقة استوفى عدد طلاقها، فلا تحل له برجعة ولا بنكاح إلا بعد محلل، وإن شئت اختصرت، فقلت: الرجعية مطلقة بعد الدخول (بلا عوض) ولا استيفاء عدد. فرع سواء في ثبوت الرجعة طلق بصريح أو كناية، ولو طلق ثم قال: أسقطت حق الرجعة، أو طلق بشرط أن لا رجعة، لم يسقط ولا مدخل للرجعة في الفسوخ.
الركن الثاني : الزوج المرتجع، ويشترط فيه أهلية النكاح، والاستحلال، والبلوغ، والعقل، فلا رجعة لمرتد، ولو طلق رجل فجن، فينبغي أن يجوز لوليه

(6/190)


المراجعة حيث يجوز ابتداء النكاح، هذا إذا جوزنا التوكيل في الرجعة وهو الصحيح، وللعبد المراجعة بغير إذن سيده على الصحيح.
الركن الثالث : الصيغة، فتحصل الرجعة بقوله: رجعتك أو راجعتك أو ارتجعتك، وهذه الثلاثة صريحة، ويستحب أن يضيف إلى النكاح أو الزوجية، أو نفسه، فيقول: رجعتك إلى نكاحي أو زوجيتي أو إلي، ولا يشترط ذلك، ولا بد من إضافة هذه الالفاظ إلى مظهر أو مضمر، كقوله: راجعت فلانة أو راجعتك، فأما مجرد راجعت وارتجعت، فلا ينفع. ولو قال: راجعتك للمحبة أو للاهانة أو للاذى، وقال: أردت لمحبتي إياك، أو لاهينك، أو أوذيك، قبل وحصلت الرجعة، وإن قال: أردت أني كنت أحبها أو أهينها قبل النكاح، فردتها إلى ذلك، قبل ولم تحصل الرجعة، وإن تعذر سؤاله بموته، أو أطلق، حصلت الرجعة، لان اللفظ صريح وظاهره إرادة المعنى الاول، وأشير فيه إلى احتمال، ولو قال: رددتها، فالاصح أنه صريح، فعلى هذا، في اشتراطه قوله: إلي أو إلى نكاحي، وجهان. أصحهما: يشترط، ولو قال: أمسكتك، فهل هو كناية أم صريح أم لغو ؟ فيه أوجه، أصحها عند الشيخ أبي حامد والقاضي أبي الطيب والروياني وغيرهم: كناية، وصحح البغوي كونه صريحا، وهو قول ابن سلمة والاصطخري، وابن القاص. قلت: صحح الرافعي في المحرر أنه صريح. والله أعلم. فإن قلنا: صريح، فيشبه أن يجئ في اشتراط الاضافة وجهان، كالرد. وجزم البغوي بعدم الاشتراط، وأنه مستحب. ولو قال: تزوجتك أو نكحتك، فهل هو كناية أم صريح، أم لغو ؟ أوجه. أصحها: الاول، وبه قال القاضي ويجري

(6/191)


الخلاف فيما لو جرى العقد على صور الايجاب والقبول، قال الروياني: الاصح هنا الصحة، لانه آكد في الاباحة. قلت: ولو قال: اخترت رجعتك ونوى الرجعة، ففي حصولها وجهان حكاهما الشاشي، الاصح الحصول. والله أعلم. فرع تصح الرجعة بالعجمية، سواء أحسن العربية أم لا، وقيل: لا، وقيل: بالفرق، والصحيح الاول. فرع هل صرائح الرجعة منحصرة، أم كل لفظ يؤدي معنى الصريح صريح، كقوله: رفعت تحريمك وأعدت حلك ونحوهما ؟ فيه وجهان، أصحهما: الانحصار، لان الطلاق صرائحه محصورة، فالرجعة التي هي تحصيل إباحة أولى. فرع لا يشترط الاشهاد على الرجعة على الاظهر، فعلى هذا، تصح بالكتابة مع القدرة على النطق، وإلا فلا. فرع لا تقبل الرجعة التعليق، فلو قال: راجعتك إن شئت، فقالت: شئت، لم يصح، ولو قال: إذ شئت، أو أن شئت بفتح الهمزة، صح. ولو طلق إحدى زوجتيه مبهما، ثم قال: راجعت المطلقة، لم يصح على الاصح. ولو قال لرجعية: متى راجعتك فأنت طالق، أو قال لمن في صلب النكاح: متى طلقتك وراجعتك فأنت طالق، فراجعها فهل تصح الرجعة وتطلق، أم لا تصح أصلا، أم تصح ولا تطلق ويلغو الشرط ؟ فيه أوجه، الصحيح الاول. فرع لا تحصل الرجعة بالوطئ والتقبيل وشبههما.
الركن الرابع : المحل، وهي الزوجة، ولا يشترط رضاها، ولا رضا سيد

(6/192)


الامة، ويستحب إعلامه، ويشترط فيها بقاؤها في العدة، وكونها قابلة للحل، فلو ارتد الزوجان أو أحدهما في العدة، فراجعها في حال الردة، لم يصح، وإذا أسلما قبل انقضاء العدة، فلا بد من استئناف الرجعة، نص عليه، وبه قال الاصحاب. وقال المزني: الرجعة موقوفة. فإذا أسلما في العدة، تبينا صحتها. قال الامام: وهذا له وجه، ولكن لم أر من الاصحاب من جعله قولا مخرجا، فعلى النص، لو ارتد الزوجان أو أحدهما بعد الدخول، ثم طلقها في العدة، أو راجعها، فالطلاق موقوف، إن جمعهما الاسلام في العدة، تبينا نفوذه، والرجعة باطلة، ولو كا نا ذميين فأسلمت فراجعها وتخلف، لم يصح، ولو أسلم في العدة، احتاج إلى الاستئناف. فرع إذا أثبتنا العدة بالوطئ في الدبر، أو بالخلوة، ثبتت الرجعة على الاصح. قلت: مما يتعلق بالركن، قال إبرهيم المروذي: لو كان تحته حرة وأمة، فطلق الامة رجعية، فله رجعتها. والله أعلم.
فصل العدة تكون بالحمل أو الاقراء أو الاشهر، فلو ادعت المعتدة بالاشهر انقضاءها، وأنكر الزوج، صدق بيمينه، لانه اختلاف في وقت طلاقه. ولو قال: طلقتك في رمضان. فقالت: بل في شوال، فقد غلطت على نفسها فتؤاخذ بقولها. وأما عدة الحامل، فتنقضي بوضع الحمل التام المدة، حيا كان أو ميتا أو ناقص الاعضاء، وبإسقاط ما ظهر فيه صورة الآدمي، فإن لم يظهر، فقولان مشروحان في كتاب العدة. ومتى ادعت وضع حمل أو سقط أو مضغة، إذا اكتفينا بها، صدقت بيمينها. وقيل: لا تصدق مطلقا، ولا بد من بينة، وقيل: لا تصدق في الولد الميت إذا لم يظهر. وقيل: ولا في الولد الكامل. وقيل: ولا في السقط، والمذهب الاول، قال الائمة: وإنما يصدقها فيما يرجع في العدة بشرطين. أحدهما: أن تكون ممن تحيض. فلو كانت صغيرة أو آيسة، لم تصدق. والثاني: أن تدعي الوضع لمدة الامكان، ويختلف الامكان بحسب دعواها. فإن ادعت ولادة ولد تام، فأقل مدة تصدق فيها ستة أشهر ولحظتان من حين إمكان اجتماع الزوجين بعد النكاح لحظة لامكان الوطئ، ولحظة للولادة، فإن ادعت لاقل من ذلك، لم تصدق، وكان للزوج رجعتها. وإن ادعت إسقاط سقط ظهرت فيه

(6/193)


الصورة، فأقل مدة إمكانه أربعة أشهر ولحظتان من يوم إمكان الاجتماع، وإن ادعت إلقاء مضغة لا صورة فيها، فأقل مدة إمكانها ثمانون يوما، ولحظتان من يوم إمكان الاجتماع. وأما المعتدة بالاقراء، فإن طلقت في الطهر حسب بقية الطهر قرءا، وإن طلقت في الحيض، اشترط مضي ثلاثة أطهار كاملة، كما سيأتي في العدد إن شاء الله تعالى. فأقل مدة تمكن انقضاء العدة فيها إذا طلقت في الطهر اثنان وثلاثون يوما ولحظتان، وذلك بأن تطلق وقد بقي من الطهر لحظة، ثم تحيض يوما وليلة، ثم تطهر خمسة عشر، ثم تحيض يوما وليلة، وتطهر خمسة عشر، ثم تطعن في الحيض، هذا هو المذهب. ولنا وجه أنه لا تعتبر اللحظة الاولى تفريعا على أن القرء هو الانتقال من الطهر إلى الحيض، فإذا صادف الطلاق آخر جزء من الطهر، حسب ذلك قرءا، ويظهر تصوير ذلك فيما إذا علق الطلاق بآخر. وفي قول: لا يحكم بانقضاء العدة بمجرد الطعن في الدم آخرا، بل يشترط مضي يوم وليلة، ثم هل اليوم والليلة على هذا، أو اللحظة على المذهب من نفس العدة، أم ليس منها وإنما هو لاستيقان انقضاء الاقراء ؟ فيه وجهان، أصحهما: الثاني، وتظهر فائدتهما في ثبوت الرجعة في ذلك الوقت، هذا كله تفريع على المذهب أن أقل الحيض يوم وليلة، فإن جعلناه أقل من ذلك، نقص زمن الامكان عن المدة المذكورة، هذا كله في طهر غير المبتدأة، أما إذا طلقت المرأة قبل أن تحيض، ثم حاضت، فيبنى أمرها على أن القرء طهر محتوش بدمين، أم لا يشترط فيه الاحتواش ؟ فإن لم يشترط، فحكمها في مدة الامكان حكم غيرها، وإن شرطناه، فأقل مدة إمكانها ثمانية وأربعون يوما ولحظة، هذا كله إذا طلقت في طهر. أما المطلقة في حيض، فأقل مدة إمكانها سبعة وأربعون يوما ولحظة، بأن تطلق في اخر جزء من الحيض، ويظهر تصويره فيما إذا علق طلاقها بآخر جزء من حيضها، ثم تطهر خمسة عشر يوما، ثم تحيض يوما

(6/194)


وليلة، وتطهر خمسة عشر، ثم تحيض يوما وليلة، وتطهر خمسة عشر، وتطعن في الحيض، وفي لحظة الطعن ما ذكرناه في المطلقة في الطهر، ولا تحتاج هنا إلى تقدير لحظة في الاول، لان اللحظة هناك تحسب قرءا، هذا حكم الحرة، وأما الامة، فإن طلقت في طهر، فأقل مدة إمكانها ستة عشر يوما ولحظتان، وإن طلقت ولم تحض قط، ثم ظهر الدم وشرطنا في القرء الاحتواش، فأقل مدة الامكان اثنان وثلاثون يوما ولحظة، وإن طلقت في الحيض، فالاقل أحد وثلاثون يوما ولحظة. إذا عرف هذا، فإن لم يكن للمطلقة عادة في الحيض والطهر مستقيمة، بأن لم تكن حاضت ثم طرأ حيضها، وكان لها عادات مضطربة، أو كانت لها عادة مستقيمة دائرة على الاقل حيضا وطهرا، صدقت بيمينها إذا ادعت انقضاء الاقراء لمدة الامكان، فإن نكلت عن اليمين، حلف الزوج وكان له الرجعة، فإن كان لها عادة مستقيمة دائرة على ما فوق الاقل، صدقت في دعوى انقضائها على وفق العادة، وهل تصدق فيما دونها مع الامكان ؟ وجهان. أصحهما عند الاكثرين: تصدق بيمينها، لان العادة قد تغير، والثاني: لا للتهمة، قال الشيخ أبو محمد: هذا هو المذهب. قال الروياني: هو الاختيار في هذا الزمان. قال: وإذا قالت لنا امرأة انقضت عدتي، وجب أن نسألها عن حالها، كيف الطهر والحيض ؟ ونحلفها عند التهمة لكثرة الفساد، هذا لفظه. فرع ادعت انقضاء العدة لدون الامكان، ورددنا قولها، فجاء زمن الامكان، فإن كذبت نفسها، أو قالت: غلطت وابتدأت الآن دعوى الانقضاء، صدقت بيمينها، وإن أصرت على الدعوى الاولى، صدقناها الآن أيضا على الاصح، لان إصرارها يتضمن دعوى الانقضاء الآن. فرع قال: إن ولدت فأنت طالق، وطلقت بالولادة، فأقل زمن يمكن انقضاء أقرائها فيه، مبني على أن الدم تراه في الستين، هل يجعل حيضا، فيه خلاف سبق. فإن جعلناه حيضا وهو الاصح، فأقل زمن تصدق فيه سبعة وأربعون يوما ولحظة، كما لو طلقت في الحيض، فتقدر أنها ولدت ولم تر دما، ويعتبر مضي ثلاثة أطهار وثلاث حيض، والطعن في الحيضة الرابعة، وإن لم نجعله حيضا لم

(6/195)


تصدق فيما دون اثنين وتسعين يوما ولحظة، منها ستون للنفاس، ويحسب ذلك قرءا، وبعدها مدة حيضتين وطهرين، واللحظة للطعن في الحيضة الثالثة، هكذا ذكره البغوي، ولم يعتد المتولي بالنفاس قرءا، واعتبر مضي مائة وسبعة أيام ولحظة، وهي مدة النفاس، ومدة ثلاثة أطهار وحيضتين، واللحظة للطعن.
فصل الرجعة مختصة بعدة الطلاق، فلو وطئ الزوج الرجعية في العدة، فعليها أن تستأنف ثلاثة أقراء من وقت الوطئ، ويدخل فيها ما بقي من عدة الطلاق، ولا تثبت الرجعة إلا فيما بقي من عدة الطلاق، وله تجديد النكاح فيما زاد بسبب الوطئ، ولا يجوز ذلك لغيره. ولو أحبلها بالوطئ، اعتد ت بالوضع عن الوطئ. وفي دخول ما بقي من عدة الطلاق في عدة الوطئ وجهان. أصحهما: يدخل، فعلى هذا، له الرجعة في عدة الحمل على الاصح، وحكى البغوي وجها، أن الرجعة تنقطع على هذا بالحمل. فإن قلنا: لا تدخل، فإذا وضعت، رجعت إلى بقية الاقراء، وللزوج الرجعة في البقية التي تعود إليها بعد الوضع، وله الرجعة أيضا قبل الوضع على الاصح.
الباب الثاني : في أحكام الرجعية والرجعة وفيه مسائل. إحداها: يحرم وطئ الرجعية ولمسها، والنظر إليها، وسائر الاستمتاعات. فإن وطئ، فلا حد وإن كان عالما بالتحريم لاختلاف العلماء في إباحته، وفي العالم وجه ضعيف، ولا تعزير أيضا إن كان جاهلا أو يعتقد الاباحة، وإلا فيجب. وإذا وطئ ولم يراجع، لزمه مهر المثل، وإن راجعها، فالنص وجوب المهر أيضا، ونص فيما لو ارتدت فوطئها الزوج في العدة ثم أسلمت فيها، فلا مهر. وكذا لو أسلم أحد المجوسيين أو الوثنيين ووطئها، ثم أسلم المتخلف في العدة، فقال

(6/196)


الاصطخري: في الجميع قولان، وحكى ابن كج عن ابن القطان، أنه وجدهما منصوصين، والمذهب تقرير النصين الاولين، لان أثر الطلاق لا يرتفع بالرجعة، بل يبقى نقصان العدة فيكون ما بعد الرجعة وما قبل الطلاق كعقدين، وأما أثر الردة وتبديل الدين، فيرتفع بالاسلام، فيكون الوطئ مصادفا للعقد الاول. الثانية: يصح خلع الرجعية على الاظهر، ويصح الايلاء والظهار عنها، واللعان، ويلحقها الطلاق. وإذا مات أحدهما في العدة، ورثه الآخر، ويجب نفقتها، وهذه الاحكام مذكورة في أبوابها، ولو قال: نسائي أو زوجاتي طوالق، دخلت الرجعية فيهن على الاصح المنصوص. الثالثة: طلق زوجته الرقيقة رجعية، ثم اشتراها، وجب استبراؤها، لانها كانت محرمة بالطلاق. فإن بقيت في العدة حيضة كاملة، كفت، وإن بقيت بقية الطهر، فقيل: يكفي، وقيل: يشترط حيضة كاملة على القياس، هذا إذا قلنا: الاستبراء بالحيض وهو المذهب، فإن قلنا: بالطهر، قلنا: بقية الطهر كافية للاستبراء، حصل الغرض بها. فرع لما نظر الاصحاب في الاحكام المذكورة في هذه المسائل، استنبطوا منها أقوالا في أن الطلاق الرجعي يقطع النكاح ويزيل الملك، أم لا ؟ أحدها: نعم، بدليل تحريم الوطئ ووجوب المهر ومنع الخلع على قول. والثاني: لا، لوقوع الطلاق وعدم الحد، وصحة الايلاء والظهار واللعان، وثبوت الارث وصحة الخلع، وعدم الاشهاد على الاظهر فيهما. واشتهر عن لفظ الشافعي رضي الله عنه، أن الرجعية زوجة في خمس آيات من كتاب الله تعالى، وأراد الآيات المشتملة على هذه الاحكام. والثالث: أنه موقوف، فإن لم يراجعها حتى انقضت العدة، تبينا زوال

(6/197)


الملك بالطلاق. وإن راجع، تبينا أنه لم يزل، ورجح الغزالي القول الاول، والامام الثاني. والتحقيق أنه لا يطلق ترجيح واحد منهما لما ذكرناه من اختلاف الترجيح في الصور المذكورة. قلت: المختار ما اختاره الرافعي، أنه لا يطلق ترجيح، ونظيره القولان في أن النذر يسلك به مسلك واجب الشرع، أم جائزة، وأن الابراء إسقاط أم تمليك ؟ ويختلف الراجح بحسب المسائل، لظهور دليل الطرفين في بعضها، وعكسه في بعض. والله أعلم.
فصل في الاختلاف فإذا ادعى أنه راجع في العدة، وأنكرت، فإما أن يختلفا قبل أن تنكح زوجا، وإما بعده. القسم الاول: قبله، فإما إن تكون العدة منقضية، وإما باقية. الضرب الاول: منقضية وادعى سبق الرجعة، وادعت سبق انقضاء العدة، فلهذا الاختلاف صور. إحداها: أن يتفقا على وقت انقضاء العدة، كيوم الجمعة. وقال: راجعت يوم الخميس، وقالت: بل يوم السبت، فثلاثة أوجه. الصحيح الذي عليه الجمهور القول قولها بيمينها أنها لا تعلمه راجع يوم الخميس. والثاني: القول قوله بيمينه. والثالث: قالت: أولا انقضت يوم الجمعة فصدقها، وقال: راجعت يوم الخميس،

(6/198)


فهي المصدقة. وإن قال هو أولا: راجعتك يوم الخميس فهو مصدق لاستقلاله بالرجعة، والرجعة تقطع العدة. فإن اقترن دعواهما، سقط هذا الوجه، وبقي الوجه الآخر، وبقي الاولان. الصورة الثانية: أن يتفقا على الرجعة يوم الجمعة، وقالت: انقضت يوم الخميس، وقال: بل يوم السبت، فهل يصدق بيمينه أم هي، أم السابق بالدعوى ؟ أوجه، الصحيح الاول. الثالثة: أن لا يتفقا، بل يقتصر على تقدم الرجعة، وهي على تأخرها، ففيه طرق ذكرناها في اخر نكاح المشرك، وهنا خلاف اخر حاصله أوجه. أصحها: تصديق من سبق بالدعوى، فلو وقع كلامهما معا، فالقول قولها، والثاني: تصديقها مطلقا، والثالث: تصديقه، والرابع: يقرع ويقدم قول من خرجت قرعته، حكاه القاضي أبو الطيب، والخامس: يسأل الزوج عن وقت الرجعة، فإذا تبين وصدقته، وإلا ثبت بيمينه، وتسأل عن وقت انقضاء العدة، فإن صدقها وإلا ثبت بيمينها، ثم ينظر فيما ثبت من وقتيهما، ويحكم للسابق منهما، ولو قال: لا نعلم حصول الامرين مرتبا، ولا نعلم السابق، فالاصل بقاء العدة وولاية الرجعة. الضرب الثاني: أن تكون العدة باقية، واختلفا في الرجعة، فالقول قوله على الصحيح. وقيل: قولها، لان الاصل عدم الرجعة، فإن أرادها، فلينشئها. فإذا قلنا بالصحيح، فقد أطلق جماعة، منهم البغوي، أن إقراره ودعواه، يكون إنشاء، وحكى ذلك عن القفال، قال الشيخ أبو محمد: ومن قال به، يجعل الاقرار بالطلاق إنشاء أيضا، قال الامام: هذا لا وجه له، فإن الاقرار والانشاء يتنافيان، فذلك إخبار عن ماض، وهذا إحداث في الحال، وذلك يدخله الصدق والكذب، وهذا بخلافه. فرع قال: راجعتك اليوم، فقالت: انقضت عدتي قبل رجعتك، صدقت هي، نص عليه، قال الاصحاب: المراد إذا اتصل كلامها بكلامه، قالوا: وقوله راجعت، إنشاء، وقولها: انقضت عدتي إخبار، فيكون الانقضاء سابقا على قولها.

(6/199)


القسم الثاني: إذا نكحت زوجا بعد العدة، فجاء الاول وادعى الرجعة في العدة، فإن أقام بينة، فهي زوجته، سواء دخل بها الثاني أم لا، فإن دخل، فلها عليه مهر المثل، وإن لم تكن بينة، وأراد تحليفها، سمعت دعواه على الصحيح، فلو ادعى على الزوج، ففي سماع دعواه وجهان، أصحهما عند الامام: لا، لان الزوجة ليست في يده. والثاني: نعم، لانها في حبالته وفراشه، وبهذا قطع المحاملي وغيره من العراقيين. فإذا ادعى عليها، فإن أقرت بالرجعة، لم يقبل إقرارها على الثاني، بخلاف ما لو ادعى على امرأة في حبال رجل أنها زوجته، فقالت: كنت زوجتك فطلقتني، فإنه يكون إقرارا له، وتجعل زوجة له، والقول قوله في أنه لم يطلقها، لان هناك لم يحصل الاتفاق على الطلاق، وهنا حصل، والاصل عدم الرجعة، وتغرم المرأة للاول مهر مثلها، لانها فوتت البضع عليه بالنكاح الثاني. وقال أبو إسحق: لا غرم عليها، كما لو قتلت نفسها أو ارتدت، وإن أنكرت، فهل تحلف ؟ فيه خلاف مبني على أنها لو أقرت هل تغرم ؟ إن قلنا: لا، فإقرارها بالرجعة غير مقبول ولا مؤثر في الغرم، فلا تحلف، والاصح التحليف، فإن حلفت، سقطت دعواه، وإن نكلت، حلف وغرمها مهر المثل، ولا يحكم ببطلان نكاح الثاني وإن جعلنا اليمين المردودة كالبينة على قول، لانها لا تكون كالبينة في حق المتداعيين. وحكى الامام وجها أنه يحكم ببطلان نكاح الثاني إذا قلنا: كالبينة، وإذا قبلنا الدعوى على الزوج الثاني، نظر، إن بدأ بالدعوى على الزوجة، فالحكم كما سبق، لكن إذا انقضت خصومتهما، بقيت دعواه على الثاني، وإن بدأ بالدعوى على الثاني، فإن أنكر، صدق بيمينه، وإن نكل، ردت اليمين على المدعي، فإن حلف، حكم بارتفاع نكاح الثاني، ولا تصير المرأة

(6/200)


للاول بيمينه، ثم إن قلنا: اليمين المردودة كالبينة، فكأنه لم يكن بينها وبين الثاني نكاح، ولا شئ لها عليه، إلا أن يكون دخل بها، فعليه مهر المثل، وإن قلنا: كالاقرار، فإقراره عليها غير مقبول، فلها عليه كمال المسمى إن كان بعد الدخول، ونصفه إن كان قبله. قال البغوي: والصحيح عندي، أنها وإن جعلت كالبينة لا تؤثر في سقوط حقها من المسمى، بل يختص أثر اليمين المردودة بالمتداعيين، فإذا انقضت الخصومة بينهما، فله الدعوى على المرأة، ثم ينظر، فإن بقي النكاح الثاني، بأن حلف، فالحكم كما ذكرنا فيما إذا بدأ بها، وإن لم يبق، بأن أقر الثاني للاول بالرجعة، أو نكل وحلف الاول، فإن أقرت المرأة سلمت إليه، وإلا فهي المصدقة باليمين، فإن نكلت فحلف الاول، سلمت إليه، ولها على الثاني مهر المثل إن جرى دخول، وإلا فلا شئ عليه، كما لو أقرت بالرجعة، وكل موضع قلنا: لا تسلم إلى الاول، لحق الثاني، وذلك عند إقرارها، أو نكولها، ويمين الاول، فإذا زال حق الثاني بموت وغيره، سلمت إلى الاول، كما لو أقر بحرية عبد في يد غيره، ثم اشتراه، حكم عليه بحريته. فرع إذا أنكرت الرجعة، واقتضى الحال تصديقها، ثم رجعت، صدقت في الرجوع، وقبل إقرارها نص عليه، بخلاف ما لو أقرت أنها بنت زيد من النسب، أو الرضاع، ثم رجعت وكذبت نفسها، لا يقبل رجوعها، ولو زوجت وهي ممن يعتبر رضاها، فقالت: لم أرض بعقد النكاح، ثم رجعت فقالت: رضيت وكنت نسيته، فهل يقبل رجوعها أم لا ولا تحل إلا بعقد جديد ؟ وجهان: المنصوص الثاني، نقله القاضي أبو الطيب، ورجح الغزالي الاول.

(6/201)


فرع طلقها طلقة أو طلقتين، وقال: طلقتها بعد الدخول، فلي الرجعة، فأنكرت الدخول، فالقول قولها بيمينها. فإذا حلفت، فلا رجعة، ولا سكنى، ولا نفقة، ولا عدة، ولها أن تتزوج في الحال، وليس له أن ينكح أختها، ولا أربعا سواها، حتى يمضي زمن عدتها، ثم هو مقر لها بكمال المهر، وهي لا تدعي إلا نصفه، فإن كانت قبضت الجميع، فليس له مطالبتها بشئ، وإن لم تقبضه، فليس لها إلا أخذ النصف، فإذا أخذته ثم عادت واعترفت بالدخول، فهل لها أخذ النصف الآخر، أم لا بد من إقرار مستأنف من الزوج ؟ فيه وجهان حكاهما إبرهيم المروذي. وفي شرح المفتاح لابي منصور البغدادي: أنه لو كانت قبضت المهر وهو عين، وامتنع الزوج من قبول النصف، فيقال له: إما أن تقبل النصف، وإما أن تبرئها منه. ولو كانت العين المصدقة في يده، وامتنعت من أخذ الجميع، أخذه الحاكم، وإن كان دينا في ذمته، قال لها: إما أن تبرئيه، وإما أن تقبليه. فرع ادعت الدخول، فأنكر، فالقول قوله، فإذا حلف، فلا رجعة ولا نفقة، ولا سكنى، وعليها العدة، فإن كذبت نفسها، لم تسقط العدة، وسواء اختلفا في الدخول قبل الخلوة أم بعدها على المشهور، وحكينا في آخر فصل التعيين قولا أن الخلوة ترجح جانب مدعي الدخول، فيكون القول قوله بيمينه. فرع نص في الام أنه لو قال: أخبرتني بانقضاء العدة، ثم راجعها مكذبا، لها ثم قالت: ما كانت عدتي انقضت وكذبت نفسها، فالرجعة صحيحة، لانه لم يقر بانقضاء العدة بل حكى عنها. فرع قال المتولي: لو طلق زوجته الامة، واختلفا في الرجعة، فحيث قلنا: القول قوله إذا كانت حرة، فكذا هنا، وحيث قلنا: قول الزوجة، فهنا القول قول السيد، وقال البغوي: القول قولها، ولا أثر لقول السيد. قلت: واختار الشاشي ما ذكره المتولي، وهو قوي. والله أعلم.

(6/202)