روضة الطالبين وعمدة المفتين ط العلمية

روضة الطالبين - كتاب النفقات
لوجوب النفقة ثلاثة أسباب : ملك النكاح، وملك اليمين، وقرابة البعضية فالاولان يوجبان النفقة للمملوك على المالك ولا عكس، والثالث يوجبها لكل واحد من القريبين على الآخر لشمول البعضية والشفقة، ويشتمل الكتاب على ستة أبواب، أما نفقة الزوجة، فواجبة بالنصوص، والاجماع، وفيها ثلاثة أبواب :
الأول : في قدر الواجب وكيفيته وفيه طرفان:
الأول : فيما يجب وهو ستة

(6/449)


أنواع: الاول الطعام، أما قدره، فيختلف باختلاف حال الزوج باليسار والاعسار، ولا تعتبر فيه الكفاية، ولا ينظر إلى حال المرأة في الزهادة والرغبة، ولا إلى منصبها وشرفها، وتستوي فيه المسلمة والذمية، الحرة والامة، فعلى الموسر مدان، والمعسر مد والمتوسط مد ونصف، والاعتبار بمد النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو مائة وثلاثة وسبعون درهما وثلث درهم. قلت: هذا تفريع منه على أن رطل بغداد مائة وثلاثون درهما، والمختار أنه مائة وثمانية وعشرون درهما وأربعة أسباع درهم، كما ذكرته في باب زكاة النبات. والله أعلم. وحكى الشيخ أبو محمد قولا أن نفقة الزوجة يعتبر فيها الكفاية كنفقة القريب، وحكى صاحب التقريب قولا أن المعتبر ما يفرضه القاضي، وعليه أن يجتهد ويقدر، وهذان القولان شاذان. وحكى ابن كج عن ابن خيران وغيره أن المعتبر عرف الناس في البلد. والمذهب: التقدير كما سبق. وفيما يضبط به اليسار والاعسار والتوسط أوجه، أحدها: العادة وتختلف باختلاف الاحوال والبلاد، وبه قطع المتولي وغيره. والثاني: أن الموسر من يزيد دخله على خرجه، والمعسر عكسه، والمتوسط من تساوى خرجه ودخله، وبه قال القاضي حسين وحكاه البغوي. والثالث عن الماوردي أن الاعتبار بالكسب فمن قدر على نفقة الموسرين في حق نفسه ومن في نفقته من كسبه لا من أصل ماله، فهو موسر، ومن لا يقدر على أن ينفق من كسبه، فمعسر، ومن قدر أن ينفق من كسبه

(6/450)


نفقة المتوسطين فمتوسط. والرابع وهو أحسنها وهو الذي ذكره الامام والغزالي: أن من لا يملك شيئا يخرجه عن استحقاق سهم المساكين فهو معسر، ومن يملكه ولا يتأثر بتكليف المدين موسر، ومن يملكه ويتأثر بتكليف المدين، ويرجع إلى حد المسكنة متوسط، ولا بد في ذلك من النظر الرخص والغلاء. فرع القدرة على الكسب الواسع لا تخرجه عن الاعسار في النفقة، وإن كانت تخرجه عن استحقاق سهم المساكين. فرع يعتبر في اليسار والاعسار طلوع الفجر، فإن كان موسرا حينئذ، فعليه نفقة الموسرين، وإن أعسر في أثناء النهار، وإن كان معسرا، لم تلزمه إلا نفقة المعسرين، وإن أيسر في أثناء النهار. فرع ليس على العبد إلا نفقة المعسر، وكذا المكاتب وإن أكثر ماله لضعف ملكه، وفيمن بعضه حر وجهان، الاصح: معسر وإن كثر ماله لنقص حاله. والثاني: أن عليه ببعضه الحر نفقة الموسر إذا كثر ماله، فعلى هذا إن كان نصفه حرا ونصفه رقيقا فعليه مد ونصف. فصل وأما جنس الطعام فغالب قوت البلد من الحنطة أو الشعير أو الارز أو التمر أو غيرها، حتى يجب الاقط في حق أهل البادية الذين يقتاتونه. وعن ابن

(6/451)


سريج أن المعتبر ما يليق بحال الزوج إلحاقا للجنس بالقدر، والصحيح: الاول: فإن اختلف قوت البلد، ولم يكن غالبا وجب ما يليق بحال الزوج. الواجب الثاني: الادم وجنسه غالب أدم البلد من الزيت والشيرج والسمن والتمر والخل والجبن وغيرها، ويختلف باختلاف الفصول، وقد تغلب الفواكه في أوقاتها فتجب، ويعود الوجه السابق في الطعام أن الاعتبار بما يليق بالزوج، وأما قدره، فقال الاصحاب: لا يتقدر بل هو إلى اجتهاد القاضي، فينظر في جنس الادم، ويقدر باجتهاده ما يحتاج إليه المد، فيفرضه على المعسر، وعلى الموسر مثليه، والمتوسط بينهما، ويجب عليه أن يطعمها اللحم وفي كلام الشافعي رحمه الله أنه يطعمها في كل أسبوع رطل لحم، وهو محمول على المعسر، وعلى الموسر رطلان والمتوسط رطل ونصف، واستحب أن يكون يوم الاعطاء يوم الجمعة، فإنه أولى بالتوسيع فيه. ثم قال الاكثرون: إنما قال الشافعي رحمه الله هذا على عادة أهل مصر لعزة اللحم عندهم يومئذ، وأما حيث يكثر اللحم، فيزاد بحسب عادة البلد: وقال البغوي: يجب في وقت الرخص على الموسر في كل يوم رطل، وعلى المتوسط في كل يومين أو ثلاثة، وعلى المعسر في كل أسبوع، وفي وقت الغلاء يجب في أيام مرة على ما يراه الحاكم. وقال آخرون منهم القفال: لا مزيد على ما ذكره الشافعي في جميع البلاد لان فيه كفاية لمن قنع، ويشبه أن يقال: لا يجب الادم في اليوم الذي يعطيها اللحم ولم يتعرضوا له، ويحتمل أن يقال: إذا أوجبنا على الموسر اللحم كل يوم يلزمه الادم أيضا ليكون أحدهما غداء، والآخر عشاء على العادة. فرع لو تبرمت بالجنس الواحد من الادم فوجهان، أحدهما: يلزم الزوج

(6/452)


إبداله، إذ لا مشقة عليه، وأصحهما: لا يلزمه وتبدل هي إن شاءت. فرع في أمالي السرخسي أنها لو صرفت شيئا من الادم إلى القوت أو بالعكس، أو أبدلت الجنس الذي قبضته من الادم بجنس آخر، جاز، ولا اعتراض للزوج، وقيل: له المنع من إبدال الاشرف بالاخس. فرع لو كانت تقنع بالخبز، ولا تأكل الادم، لم يسقط حقها منه، كما لا يسقط حقها من الطعام بأن لا تأكل بعضه، وعلى الوجه المجوز للزوج منعها من إبدال الاشرف له منعها من ترك التأدم. فرع لها على الزوج آلات الطبخ والاكل والشرب، كالكوز والجرة والقدر والمغرفة والقصعة ونحوها، ويكفي كونها من خشب، أو حجر، أو خزف. قال الامام وغيره: يحتمل أن لا يزاد في الجنس على ذلك، ويقال: الزيادة من رعونات الانفس، ويجب أن يجب للشريفة الظروف النحاسية للعادة. الواجب الثالث: الخادم. النساء صنفان، صنف لا يخدمهن أنفسهن في عادة البلد، بل لهن من يخدمن، فمن كانت منهن، فعلى الزوج إخدامها على المذهب وبه قطع الجمهور. وقيل في وجوب الخادم قولان، وسواء في وجوب الاخدام كان الزوج معسرا أو موسرا أو مكاتبا أو عبدا، والاعتبار بالمرأة في بيت أبيها. فلو ارتفعت بالانتقال إلى الزوج الخادم، لم يجب، صرح به في تعليق الشيخ أبي حامد. والواجب خادم واحد وإن ارتفعت مرتبتها، ولا يلزمه تمليكها جارية، بل الواجب إخدامها بحرة أو أمة مستأجرة أو مملوكة، أو بالاتفاق على من صحبتها من

(6/453)


حرة أو أمة، ويشترط كون الخادم إمرأة أو صبيا، أو محرما لها، وفي مملوكها والشيخ الهم اختلاف، وفي الذمية وجهان، لان النفس تعاف استخدامها، ثم إن أخدمها بمستأجرة، فليس عليه إلا الاجرة، وإن أخدمها مملوكته، فعليه نفقتها بالملك، وإن أخدمها بكفاية من صحبتها من حرة أو أمة فهذا موضع نفقة الخادم. والقول في جنس طعامها كهو في جنس طعام المخدومة، وأما قدره، فقيل: لا يختلف باختلاف حال الزوج، بل يجب مد مطلقا. والصحيح أنه يختلف، فعلى المعسر مد، والموسر مد وثلث، والمتوسط مد على الصحيح، وقيل: مد وثلث، وقيل: مد وسدس. وفي استحقاق الخادم الادم وجهان، أحدهما: لا ويكتفى بفضل المخدومة. والصحيح: نعم. فعلى هذا جنسه جنس أدم المخدومة، وفي نوعه وجهان، أحدهما كالمخدومة، وأصحهما وهو نصه دون نوع أدم المخدومة، وطرد الوجهان في نوع الطعام، وفي استحقاق الخادم اللحم وجهان، ثم قدر أدمها بحسب الطعام. فرع قالت: أنا أخدم نفسي، وطلبت الاجرة، أو نفقة الخادم، لا يلزمه، وأشار الغزالي إلى خلاف فيه، فعلى المذهب، لو اتفقا على ذلك، قال المتولي: هو على الخلاف في الاعتياض عن النفقة، ولو قال الزوج: أنا أخدمها لتسقط مؤنة الخادم، فليس له ذلك على الاصح، لانها تستحي منه، وتعير به، وقيل: له ذلك، وبه قال أبو إسحق، واختاره الشيخ أبو حامد، وقال القفال وغيره: له ذلك فيما لا يستحى منه كغسل الثوب، واستقاء الماء، وكنس البيت والطبخ، دون ما يرجع إلى خدمة نفسها كصب الماء على يدها، وحمله إلى المستحم ونحوهما وفي هذا تصريح بأن هذين النوعين من وظيفة الخادم. وعلى هذا إذا تولى بنفسه ما لا يستحى منه، فقد تولى عمل الخادم، فهل تستحق تمام النفقة، أم شطرها، أم

(6/454)


توزع على الافعال ؟ فيه أوجه، وهذا فيه كلامان، أحدهما: ذكر أبو الفرج الزاز أن الذي يجب على الزوج كفايته في حق المخدومة الشريفة الطبخ والغسل ونحوهما دون حمل الماء إليها للشرب وحمله إلى المستحم، لان الترفع عن ذلك رعونة لا عبرة بها. الثاني: قال البغوي يعني بالخدمة ما هو حاجتها، كحمل الماء إلى المستحم، وصبه على يدها، وغسل خرق الحيض ونحوها، فأما الطبخ والكنس والغسل، فلا يجب شئ منها على المرأة، ولا على خادمها، بل هو على الزوج إن شاء، فعله بنفسه، وإن شاء بغيره، فالكلامان متفقان على أنه لا يتوظف النوعان على خادم المرأة، والاعتماد من الكلام على ما ذكره البغوي. قلت: الذي أثبته الزاز من الطبخ والغسل ونحوهما هو فيما يختص بالمخدومة، والذي نفاه البغوي منهما هو فيما يختص بالزوج كغسل ثيابه، والطبخ لاكله ونحوه، والطرفان متفق عليهما، فلا خلاف بين الجميع في ذلك. والله أعلم. فرع تنازعا في تعيين الخادم التي تخدمها من جواريه أو من يستأجرها فهل المتبع اختيار المخدومة لان الخدمة لها، وقد تكون التي عينتها أرفق بها وأسرع موافقة، أم المتبع اختيار الزوج لان الواجب كفايتها ؟ فيه وجهان، الصحيح الثاني هذا في الابتداء، أما إذا أخدمها خادما وألفتها، أو كانت حملت معها خادما، فأراد إبدالها، فلا يجوز، لانها تتضرر بقطع المألوف إلا إذا ظهرت ريبة أو خيانة، فله الابدال. فرع لو أرادت استخدام ثانية وثالثة من مالها، فللزوج منعهن دخول داره، وكذا لو حملت معها أكثر من واحدة، فله أن يخرج من داره من زاد على واحدة، وله أن يمنع أبويها من الدخول عليها، وله أن يخرج ولدها من غيره إذا استصحبته. فرع إذا كانت المنكوحة رقيقة، لكنها جميلة تخدم في العادة، لم يجب إخدامها على المذهب، وبه قطع الاكثرون لنقصها، وقيل: وجهان، ثانيهما يجب

(6/455)


للعادة. فرع المبتوتة الحامل هل تستحق نفقة الخادم ؟ وجهان بناهما ابن المرزبان على أن نفقتها للحمل أم للحامل، إن قلنا: للحامل، وجبت وإلا فلا. الصنف الثاني من تخدم نفسها في العادة فينظر إن احتاجت إلى الخدمة لزمانة أو مرض، لزم الزوج إقامة من يخدمها ويمرضها، وإذا لم تحصل الكفاية بواحدة، لزمه الزيادة بحسب الحاجة، وسواء هنا كانت الزوجة حرة أو أمة، هذا ما أطلقه الشافعي وجمهور الاصحاب رحمهم الله في المرض، ومنهم من فصل فقال: إن كان المرض دائما، وجب الاخدام، وإلا فلا، وعلى هذا جرى الآخذون عن الامام، وإن لم يكن عذر محوج إلى الخدمة، فليس عليه الاخدام، ولو أرادت أن تتخذ خادما من مالها فله منعه من دخول داره، قال المتولي: وعلى الزوج أن يكفيها حمل الطعام إليها، والماء إلى المنزل، وشبه ذلك. الواجب الرابع: الكسوة، فتجب كسوتها على قدر الكفاية، وتختلف بطول المرأة وقصرها وهزالها وسمنها، وباختلاف البلاد في الحر والبرد، ولا يختلف عدد الكسوة بيسار الزوج وإعساره، ولكنهما يؤثران في الجودة والرداءة، وفي كلام ا لسرخسي وإبرهيم المروذي أنه يعتبر في الكسوة حال الزوجين جميعا، فيجب عليه ما يلبس مثله مثلها. وأما عدد الكسوة، فيجب في الصيف قميص وسراويل وخمار وما تلبسه في الرجل من مكعب أو نعل، وفي الشتاء تزاد جبة محشوة، وقد يقام الازار مقام السراويل، والفرو مقام الجبة إذا كانت العادة لبسهما، كذا قاله المتولي، وعن

(6/456)


المنهاج للجويني أن السراويل لا تجب في الصيف، وإنما تجب في الشتاء، وفي الحاوي أن نساء أهل القرى إذا جرت عادتهن أن لا يلبسن في أرجلهن شيئا في البيوت، لم يجب لارجلهن شئ. وأما جنس الكسوة، فقد قال الشافعي رضي الله عنه: يكسوها الموسر جميع ذلك من لين البصرة أو الكوفة، أو وسط بغداد، والمعسر من غليظها، والمتوسط ما بينهما، وأراد المتخذ من القطن، فإن جرت عادة البلد بالكتان أو الخز أو الحرير فوجهان، أحدهما عن الشيخ أبي محمد لا يلزم ذلك، وأصحهما اللزوم، وتفاوت بين الموسر والمعسر في مراتب ذلك الجنس، قال الاصحاب: وإنما ذكر الشافعي ما ذكر على عادة ذلك الوقت، لكن لو كان عادة البلد لبس الثياب الرقيقة كالقصب الذي لا يصلح ساترا، ولا تصح فيها الصلاة، لم يعطها منه، لكن من الصفيق الذي يقرب منه في الجودة كالديبقي والكتان المرتفع، قال السرخسي: وإذا لم تستغن في البلاد الباردة بالثياب عن الوقود يجب من الحطب أو الفحم بقدر الحاجة. فرع هذا المذكور حكم لباس البدن، وأما الفرش، فعلى الزوج أن يعطيها ما تفرشه للقعود عليه، ويختلف ذلك باختلاف حال الزوج، قال المتولي: فعلى الموسر طنفسة في الشتاء، ونطع في الصيف، وعلى المتوسط زلية، وعلى الفقير حصير في الصيف ولبد في الشتاء، وتشبه أن تكون الطنفسة والنطع بعد بسط زلية أو حصير فإن الطنفسة والنطع لا يبسطان وحدهما، وهل عليه فراش تنام

(6/457)


عليه ؟ وجهان، أحدهما: لا وتنام على ما يفرشه نهارا، وأصحهما: نعم للعادة، فعلى هذا يلزمه مضربة وثيرة أو قطيفة، ويجب لها مخدة ولحاف أو كساء في الشتاء، وفي البلاد الباردة بلا خلاف، ويكون كل ذلك لامرأة الموسر من المرتفع، ولامرأة المعسر من النازل، والمتوسط، وذكر الغزالي يجب أيضا شعار، ولم يتعرض له الجمهور، والحكم في جميع ذلك مبني على العادة نوعا وكيفية حتى قال الروياني في البحر: لو كانوا لا يعتادون في الصيف لنومهم غطاء غير لباسهم، لم يلزم شئ آخر. فرع تجب للخادم الكسوة كالنفقة، فلا بد من قميص، وفي السراويل وجهان، أصحهما عند البغوي والروياني تجب، وكلام الجمهور يميل إلى عدم الوجوب، وأما المقنعة، فأطلق جماعة وجوبها، وقال المتولي: تجب في الشتاء وكذا في الصيف إن كانت حرة، فإن كانت أمة، لم تجب إن كانت عادة إماء البلد كشف الرأس. قلت: الصحيح القطع بالوجوب مطلقا. والله أعلم. ويجب للخادم في الشتاء جبة أو فرو، ويجب الخف للخادم دون المخدومة، ويجب لها ما تلتحف به عند الخروج، وأما ما يفرش وتنام فيه، فقد قال المتولي: لا بد من شئ تجلس عليه كبارية في الصيف، وقطعة لبد في

(6/458)


الشتاء، ولا بد من مخدة وشئ تتغطى به في الليل من كساء ونحوه، قال في البحر: ولا يجب لها الفراش، بل يكتفى بالوسادة والكساء، وما وجب يجب مما يليق بالخادم جنسا ونوعا، ويكون دون كسوة المخدومة. فرع قياس مسائل الباب أنه يجب زيادة على الجبة الواحدة حيث يشتد البرد ولا تكفي الواحدة. الواجب الخامس: آلات التنظف، فعلى الزوج للزوجة ما تتنظف به، وتزيل الاوساخ التي تؤذيها وتؤذي بها كالمشط والدهن، وما تغسل به الرأس من سدر أو خطمي أو طين على عادة البقعة، والرجوع في قدرها إلى العادة، ويجب من الدهن ما يعتاد استعماله غالبا كالزيت والشيرج وغيرهما، وإذا اعتادوا التطيب بالورد، أو البنفسج، وجب المطيب، وأبدى الامام وغيره احتمالا في الدهن إذا قال الزوج: هو للتجمل وأنا لا أريده. والذي عليه الاصحاب القطع بالوجوب، وأما ما يقصد للتلذذ والاستمتاع كالكحل والخضاب، فلا يلزم الزوج، بل ذلك إلى اختياره، فإن شاء هيأه لها، وإذا هيأ لها أسباب الخضاب، لزمها الاختضاب، ومن هذا القبيل الطيب، ولا يجب إلا ما يقصد به قطع السهوكة ويجب المرتك، أو ما

(6/459)


في معناه لدفع الصنان إذا لم ينقطع بالماء والتراب وفيه وجه ضعيف. فرع للزوج منعها من تعاطي الثوم، وما له رائحة مؤذية على الاظهر، وقد ذكرناه في كتاب النكاح، وله منعها من تناول السموم بلا خلاف، ولكل أحد المنع، وهل له منعها من أكل ما يخاف منه حدوث مرض ؟ وجهان، أصحهما: نعم. فرع لا تستحق الزوجة الدواء للمرض، ولا أجرة الطبيب والفصاد والحجام والختان، لان هذه الامور لحفظ الاصل، فكانت عليها كما يكون على المكري ما يحفظ العين المكراة، ويلزم الزوج الطعام والادم في أيام المرض، ولها صرف ما تأخذه إلى الدواء ونحوه. فرع هل على الزوج أجرة الحمام لها ؟ وجهان، أحدهما: لا تجب إلا إذا اشتد البرد، وعسر الغسل إلا في الحمام، واختاره الغزالي، وأصحهما - وبه قطع البغوي والروياني وغيرهما - الوجوب إلا إذا كانت من قوم لا يعتادون دخوله، فإن أوجبناها، قال الماوردي: إنما تجب في كل شهر مرة. فرع إذا احتاجت إلى شراء الماء للغسل إن كانت تغتسل من الاحتلام، لم يلزم الزوج قطعا وكذا إن اغتسلت عن الحيض على الاصح، وإن اغتسلت عن الجماع والنفاس، لزمه على الاصح، لانه بسببه، وينظر على هذا القياس في ماء الوضوء إلى أن السبب منه كاللمس أم لا ؟ فرع لا يلزمه أن يضحي عن زوجته، نذرت التضحية أم لا. فرع لا يجب للخادمة آلات التنظف، لانها لا تتنظف له بخلاف المخدومة، بل اللائق بالخادمة أن تكون شعثة لئلا تمتد إليها العين، لكن لو كثر

(6/460)


الوسخ، وتأذت بالهوام، لزمه أن يعطيها ما تترفه به، كذا استدركه القفال واستحسنوه، وأطلق صاحب العدة وجهين في أنه هل يعطي الخادمة الدهن والمشط. فرع في وجوب تجهيز الزوجة الميتة وجهان سبقا في الجنائز، ويجريان في تجهيز الخادمة، ورأى المتولي ترتيبهما على الزوجة، لان علقة النكاح تبقى في الغسل والارث، وكذا في التجهيز. الواجب السادس: الاسكان، فيجب لها مسكن يليق بها في العادة، وقال المتولي: يليق بالزوجين جميعا، وله إسكانها في المملوك والمستأجر والمستعار بلا خلاف.
الطرف الثاني : في كيفية الإنفاق، في هذه الواجبات هي ضربان: الاول: ما ينتفع به باستهلاكه كالطعام وفيه مسائل: إحداها: يجب التمليك في الطعام والادم، وما يستهلك من آلة التنظف كالدهن والطين، وإذا أخذت نفقتها فلها التصرف فيها بالابدال والبيع والهبة وغيرها، لكن لو قترت على نفسها بما يضرها فله منعها. ونفقة الخادم يجب فيها التمليك أيضا، قاله الاصحاب، وقد سبق أن موضع وجوب نفقة الخادم إذا أخدمها بمملوكتها أو بحرة غير مستأجرة، فإن كانت مملوكتها، فيملكها نفقتها كما يملكها نفقة نفسها، وإن كانت حرة فيجوز أن يقال: يملكها نفقتها كما يملك الزوجة، وتستحق المرأة المطالبة بذلك لتوفر حق الخدمة، ويجوز أن يقال: يملك الزوجة لتدفعها إلى الخادمة وعلى هذا لها أن تتصرف في المأخوذ، وتكفي مؤنة الخادمة من مالها. المسألة الثانية: لو قبضت الزوجة النفقة، فتلفت أو سرقت، لا يلزمه إبدالها.

(6/461)


الثالثة: الذي يجب تمليكه من الطعام الحب كما في الكفارة لا الخبز والدقيق، فلو طلبت غير الحب، لم يلزمه، ولو بذل غيره، لم يلزمها قبوله، وهل عليه مع الحب مؤنة طحنه وخبزه ؟ أوجه، أحدها: لا كالكفارة، وبه قطع ابن كج. والثاني: إن كانت من أهل القرى الذين عادتهم الطحن والخبز بأنفسهم، فلا، وإلا فنعم، وبه قال الماوردي، وأصحها: الوجوب مطلقا، لانها في حبسه بخلاف الكفارة، وعلى هذا تجب مؤنة طبخ اللحم وما يطبخ به. ولو باعت الحب، أو أكلته حبا، ففي استحقاقها مؤنة إصلاحه احتمالان للامام. الرابعة: ليس له تكليفها الاكل معه لا مع التمليك ولا دونه. الخامسة: لو كانت تأكل معه على العادة، ففي سقوط نفقتها وجهان، أقيسهما وهو الذي ذكره الروياني في البحر: لا تسقط وإن جريا على ذلك سنين، لانه لم يؤد الواجب وتطوع بغيره. والثاني: تسقط فإنه اللائق بالباب. قال الغزالي: وهذا أحسنهما لجريان الناس عليه في الاعصار، واكتفاء الزوجات به، ولانها لو طلبت النفقة للزمن الماضي والحالة هذه لاستنكر، وبنى بعضهم هذا على المعاطاة، إن جعلناها بيعا برئت ذمته عن النفقة، وإلا فلا، وعليها غرامة ما أكلت، ثم الوجهان في الزوجة البالغة، أو صغيرة أكلت معه بإذن القيم، فأما إذا لم يأذن القيم، فالزوج متطوع، ولا تسقط نفقتها بلا خلاف.

(6/462)


قلت: الصحيح من الوجهين سقوط نفقتها إذا أكلت معه برضاها وهو الذي رجحه الرافعي في المحرر وعليه جرى الناس من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبعده من غير نزاع ولا إنكار ولا خلاف ولم ينقل أن امرأة طالبت بنفقة بعده، ولو كانت لا تسقط مع علم النبي - صلى الله عليه وسلم - بإطباقهم عليه لاعلمهم بذلك، واقتصه من تركة من مات ولم يوفه وهذا مما لا شك فيه. والله أعلم. السادسة: لو تراضيا باعتياضها عن النفقة دراهم أو دنانير أو ثيابا ونحوها، جاز على الاصح. ولو اعتاضت خبزا أو دقيقا أو سويقا فالمذهب أنه لا يجوز، وهو الذي رجحه العراقيون والروياني وغيره لانه ربا، وقطع البغوي بالجواز لانها تستحق الحب وإصلاحه وقد فعله، ولا يجوز الاعتيا ض عن نفقة زمن مستقبل، ولا بيع نفقة حالة لغير الزوج قبل قبضها قطعا. السابعة: النفقة تستحق يوما فيوما ولها المطالبة بها إذا طلع الفجر كل يوم كذا قاله الجمهور وفي المهذب إذا طلعت الشمس. ولو قبضت نفقة يوم، ثم ماتت، أو أبانها في أثناء النهار لم يكن له الاسترداد، بل المدفوع لورثتها لوجوبه بأول النهار. ولو ماتت أو أبانها في أثناء النهار ولم تكن قبضت نفقة يومها كانت دينا

(6/463)


عليه. وفي كتاب ابن كج له الاسترداد، والصحيح الاول وبه قطع الجمهور. ولو نشزت في النهار، فله الاسترداد قطعا، ولو قبضت نفقة أيام أو شهر فهل تملك الزيادة على نفقة اليوم ؟ وجهان، أحدهما: لا للشك في استمرار الاستحقاق. وأصحهما: نعم كالاجرة والزكاة المعجلة، فعلى هذا لو نشزت، استرد نفقة المدة الباقية، وإن ماتت، أو أبانها، استرد أيضا على الاصح كالزكاة المعجلة، وقيل: لا، لانها صلة مقبوضة. وإذا قلنا: لا تملك إلا نفقة يوم، فكلما دخل يوم ملكت نفقته. الثامنة: نفقة الخادم في وقت وجوب التسليم، وفي استرداد المدفوع إليها كنفقة المخدومة بلا فرق. الضرب الثاني: ما تنتفع به مع بقاء عينه كالكسوة وفيها وجهان، أحدهما: لا يجب تمليكها، وبه قال ابن الحداد، واختاره القفال، بل يكون إمتاعا كالمسكن والخادم. وأصحهما وينسب إلى النص: يجب تمليكها كالنفقة والادم وكسوة الكفارة، ويجري الخلاف في كسوة الخادم وطرده البغوي في كل ما ينتفع به مع بقاء عينه كالفرش وظروف الطعام والشراب والمشط، وألحق الغزالي في البسيط الفرش والظروف بالمسكن. واعلم أن الكسوة تدفع إليها في كل ستة أشهر، ثم تجدد كسوة الصيف للصيف، والشتاء للشتاء، وأما ما يبقى سنة أو أكثر كالفرش والبسط والمشط، فإنما تجدد في وقت تجديده، وكذلك جبة الخز والابريسم لا يجدد في كل شتوة، وعليه تطريتها على العادة، ويتفرع على الوجهين في وجوب تمليك الكسوة صور.

(6/464)


منها: لو سلم إليها كسوة الصيف، فتلفت في يدها قبل مضي الصيف فلا تقصير، لزمه الابدال إن قلنا: الكسوة إمتاع، وإلا فلا على الصحيح. ولو أتلفتها، أو تمزقت قبل أوان التمزق لكثرة ترددها فيها، وتحاملها عليها، فإن قلنا: الكسوة تمليك، لم يلزم الابدال، وإن قلنا: إمتاع، لزمها قيمة ما أتلفت، ولزمه الابدال. ومنها: لو سلم إليها كسوة الصيف، فماتت في أثنائه، أو مات الزوج، أو أبانها، فله استردادها إن قلنا: إمتاع، وإلا فلا على الصحيح. ومنها: إذا لم يكسها مدة، صارت الكسوة دينا عليه إن قلنا بالتمليك، وإلا، فلا. ومنها: إن قلنا: إمتاع، لم يجز الاعتياض عنها، كما لا يجوز للقريب أن يعتاض عن نفقته، وإن قلنا: تمليك، ففي الاعتياض الخلاف السابق في الاعتياض عن النفقة. ومنها: لو أعطاها كسوة الصيف فمضى الصيف، وهي باقية لرفقها بها، فعليه كسوة الشتاء، إن قلنا بالتمليك، وعلى الامتاع لا يلزمه إلا ما يزاد للشتاء حتى يبلى ما عندها.

(6/465)


ومنها: له أن يأخذ المدفوع منها، ويعطيها غيره إن قلنا بالامتاع، وإلا فلا إلا برضاها. ومنها: لو ألبسها ثيابا مستعارة، أو مستأجرة، لم يجز على قولنا تمليك، ويجوز على الامتاع، فإن تلف المستعار، فالضمان على الزوج. ومنها: ليس بيع المقبوض إن قلنا إمتاع، ويجوز على التمليك كالقوت، فعلى هذا وجهان، أحدهما: ليس لها أن تلبس دون المقبوض كما في النفقة، وأصحهما: المنع، لان للزوج غرضا في تجملها. فرع ليس للزوج أن يدفع إليها ثمن الكسوة، بل يجب تسليم الثياب، وعليه مؤنة الخياطة.
الباب الثاني : في مسقطات النفقة
للباب مقدمة وأصل، أما المقدمة، فلا خلاف أن وقت وجوب تسليم النفقة صبيحة كل يوم، والكسوة أول كل صيف وشتاء كما سبق، وذلك بعد حصول التمكين، وأما وقت ثبوتها في الذمة، فللنفقة تعلق بالعقد والتمكين، فإنها لا تجب قبل العقد، ولكن تسقط بالنشوز، وفيما تجب به قولان، القديم: تجب بالعقد كالمهر، ولا تتوقف على التمكين بدليل وجوبها للمريضة والرتقاء، لكن لو نشزت سقطت فالعقد موجب، والنشوز مسقط، وإذا حصل التمكين، استقر الواجب يوما فيوما كالاجرة المعجلة، إلا أن الاجرة يجب تسليمها بالعقد جملة للعلم بها، والنفقة غير معلومة الجملة، والجديد الاظهر: أنها لا تجب بالعقد، بل بالتمكين يوما فيوما، فلو اختلفا، فقالت: مكنت من وقت كذا. وأنكر الزوج ولا بينة، فإن

(6/466)


قلنا بالجديد، فالقول قول الزوج، وإلا فقولها، لان الاصل بقاء ما وجب بالعقد، وقيل: القول قوله قطعا. ولو اتفقا على التمكين، وقال: أديت نفقة المدة الماضية، وأنكرت، فالقول قولها، سواء كان الزوج حاضرا عندها أم غائبا، ولو لم يطالبها الزوج بالزفاف، ولم تمتنع هي منه، ولا عرضت نفسها عليه، ومضت على ذلك مدة، فإن قلنا بالقديم، وجبت نفقة تلك المدة، وإن قلنا بالجديد، فلا. ولو توافقا على التمكين، وادعى أنها بعده نشزت، وأنكرت، فالصحيح أن القول قولها، لان الاصل البراءة، قال الاصحاب: إذا سلمت نفسها إلى الزوج، فعليه النفقة من وقت التسليم. ولو بعثت إليه: إني مسلمة نفسي، فعليه النفقة من حين بلغه الخبر، فإن كان غائبا، رفعت الامر إلى الحاكم، وأظهرت له التسليم والطاعة، ليكتب إلى حاكم بلد الزوج، فيحضره، ويعلمه الحال، فإن سار إليها عند إعلامه، أو بعث إليها وكيله فتسلمها، وجبت النفقة من حين التسليم، وإن لم يفعل ومضى زمن الوصول إليها، فرض القاضي نفقتها في ماله، وجعل كالمتسلم، لان الامتناع منه. قال المتولي: فإن لم يعرف موضعه، كتب الحاكم إلى حكام البلاد التي تردها القوافل من تلك البلدة في العادة ليطلب وينادى باسمه، فإن لم يظهر، فرض القاضي نفقتها في ماله الحاضر، وأخذ منها كفيلا بما يصرف

(6/467)


إليها لاحتمال وفاته وطلاقه، ومن الاصحاب من لم يتعرض للرفع إلى القاضي ولا لكتابه، وقال: تجب النفقة من حين تصله، ويمضي زمن إمكان القدوم عليها، وكذا ذكره البغوي. أما إذا لم تعرض نفسها على الزوج الحاضر، أو الغائب، ولا بعثت إليه، فلا نفقة لها وإن طالت المدة تفريعا على الجديد، ولا تؤثر غيبة الزوج بعد التسليم ما دامت مقيمة على الطاعة. وإن طالت المدة، هذا كله إذا كانت عاقلة بالغة، فأما المراهقة والمجنونة، فلا اعتبار بعرضهما، وبذلهما الطاعة، وإنما الاعتبار فيهما بعرض الولي. ولو سلمت المراهقة نفسها، فتسلمها الزوج، ونقلها إلى داره، وجبت النفقة، وكذا لو سلمت الزوجة نفسها إلى الزوج المراهق بغير إذن الولي، وجبت النفقة بخلاف تسليم المبيع إلى المراهق، لان المقصود هناك أن تصير اليد للمشتري، واليد في عقد المراهق للولي لا له. فصل وأما الاصل فبيان موانع النفقة وهي أربعة:
الأول : النشوز، فلا نفقة لناشزة، وإن قدر الزوج على ردها إلى الطاعة قهرا، فلو نشزت بعض النهار فوجهان، أحدهما: لا شئ لها. والثاني: لها بقسط زمن الطاعة إلا أن تسلم ليلا وتنشز نهارا، أو بالعكس، فلها نصف النفقة، ولا ينظر إلى طول الليل وقصره، وبالوجه الثاني قطع السرخسي، ومنهم من رجح الاول وهو أوفق لما سبق فيما إذا سلم السيد الامة المزوجة ليلا فقط، ونشوز المراهقة والمجنونة كالبالغة العاقلة. فرع امتناعها عن الوطئ والاستمتاع والزفاف بغير عذر نشوز، فلو قالت: سلم المهر لاسلم نفسي، فإن جرى دخول، أو كان المهر مؤجلا، فهي ناشزة، إذ ليس لها الامتناع والحالة هذه، وإذا لم يجر دخول والمهر حال، فلها النفقة من حينئذ، هذا هو المذهب، وفيه خلاف سبق في كتاب الصداق. ولو حل المؤجل، فهل هو كالمؤجل أم كالحال ؟ وجهان وبالاول قطع البغوي، لان العقد لم يثبت هذا الامتناع. ولو كانت مريضة، أو كان بها قرح يضرها الوطئ، فهي معذورة في

(6/468)


الامتناع عن الوطئ، وعليه النفقة إذا كانت عنده. وكذا لو كان الرجل عبلا، وهو كبير الذكر بحيث لا تحتمله، فإن أنكر القرح المانع من الوطئ، فلها إثباته بقول النسوة، وهل يشترط أربع نسوة، لانه شهادة يسقط بها حق الزوج، أم تكفي إمرأة ويجعل إخبارا ؟ وجهان، أصحهما الاول، وبالثاني قال أبو إسحق، وكذا لو أنكر الضرر بسبب العبالة يرجع فيه إلى النسوة ولا بأس بنظرهن إليه عند اجتماعهما ليشهدن، وليس لها الامتناع من الزفاف بعذر عبالته كما سبق في أول كتاب الصداق، ولها الامتناع بعذر المرض، لانه متوقع الزوال. فرع لو قالت: لا أمكن إلا في بيتي، أو في موضع كذا، أو بلد كذا، فهي ناشزة. فرع هربها وخروجها من بيت الزوج وسفرها بغير إذنه نشوز، ويستثنى عن الخروج ما إذا أشرف المنزل على الانهدام، أو كان المنزل لغير الزوج، فأخرجت، فإن سافرت بإذنه، فإن كان معه أو وحدها في حاجته، وجبت نفقتها، فإن كانت وحدها لحاجتها، فلا نفقة على الاظهر، وقيل: لا نفقة قطعا، وعن ابن الوكيل طرد القولين فيما إذا كانت معه لحاجة نفسها، وقطع الجمهور في هذه الصورة بالوجوب. فرع تجب النفقة للمريضة والرتقاء والمضناة التي لا تحتمل الجماع، سواء حدثت هذه الاحوال بعد التسليم، أم قارنته، لانها أعذار دائمة، وقد سلمت التسليم الممكن، وتمكن من الاستمتاع بها من بعض الوجوه، وكذا حكم أيام الحيض والنفاس، قال البغوي: ولو غصبت، فلا نفقة، وإن كانت معذورة

(6/469)


لخروجها عن قبضته وفوات الاستمتاع بخلاف المريضة. قلت: ولو حبست ظلما أو بحق، فلا نفقة كما لو وطئت بشبهة، فاعتدت. والله أعلم. فرع نشزت، فغاب الزوج، فعادت إلى الطاعة، فهل يعود استحقاق النفقة ؟ وجهان، وفي التتمة قولان، أصحهما: لا، فعلى هذا يرفع الامر إلى القاضي، ليقضي بطاعتها ويخبر الزوج بذلك، فإذا عاد إليها، أو بعث وكيله، فاستأنف تسلمها، عادت النفقة، وإن مضى زمن إمكان العود ولم يعد، ولا بعث وكيله، عادت النفقة أيضا. فرع خرجت في غيبة الزوج إلى بيت أبيها لزيارة أو عيادة، لا على وجه النشوز، لا تسقط نفقتها ذكره البغوي.

(6/470)


المانع الثاني : الصغر، فإذا كانت صغيرة وهو كبير أو صغير، فلا نفقة لها على الاظهر، وإن كانت كبيرة وهو صغير، وجبت النفقة على الاظهر، وقيل: قطعا، وقيل: إن علمت صغره، فقولان، وإلا فتجب قطعا. ثم موضع الخلاف ما إذا سلمت إلى الزوج، أو عرضت عليه، فإن لم يوجد تسليم ولا عرض، فالحكم كما سبق في الكبيرة، وفي الوسيط ما يقتضي خلافه، والمذهب الاول، وإذا كان الزوج صغيرا، كان العرض على وليه لا عليه، والمراد بالصغيرة والصغير من لا يتأتى جماعه، وبالكبير من يتأتى منه الجماع، ويدخل فيه المراهق.
المانع الثالث : العبادات، وفيه مسائل إحداها: إذا أحرمت بحج أو عمرة، فلها حالان، أحدهما: أن تحرم بإذنه، فإذا خرجت، فقد سافرت في غرض نفسها، فإن كان الزوج معها لم تسقط على المذهب كما سبق، وإلا فتسقط على الاظهر، وسواء خرجت بإذنه أم بغيرها، ولا أثر لنهيه عن الخروج لوجود الاذن في الاحرام، وعن القفال: أنه إذا نهاها عن الخروج فلا نفقة قطعا، أما قبل الخروج، فوجهان، أحدهما: لا نفقة لفوات الاستمتاع، وأصحهما: وجوبها، لانها في قبضته، وتفويت الاستمتاع بسبب إذن فيه. الحال الثاني: أن تحرم بغير إذنه فقد سبق في الحج أن له أن يحللها من حج التطوع، وكذا من الفرض على الاظهر، فإن جوزنا له التحليل، فلم يحلل، فلها النفقة ما لم تخرج، لانها في قبضته وهو قادر على تحليلها والاستمتاع، وقيل: لا نفقة، لانها ناشزة بالاحرام، والناشزة لا تستحق نفقة وإن قدر الزوج على ردها إلى الطاعة قهرا، والصحيح الاول. فإذا خرجت بغير إذنه، فلا نفقة، فإن خرج معها، فعلى ما سبق، وإن أذن في الخروج، فعلى القولين في السفر بإذنه، وإن قلنا: ليس له التحليل، فهي ناشزة من وقت الاحرام، وقيل: لها النفقة ما دامت مقيمة،

(6/471)


والصحيح الاول، وحكي وجه شاذ أن الاحرام لا يسقط النفقة مطلقا، لانها تسقط به فرضا عليها. المسألة الثانية في الصوم، أما صوم رمضان، فلا تمنع منه، ولا تسقط النفقة بحال، وأما قضاء رمضان، فإن تعجل لتعديها بالافطار لم تمنع منه، ولم تسقط به النفقة على الاصح، وإن فات الاداء بعذر، وضاق وقت القضاء، بأن لم يبق من شعبان إلا قدر القضاء، فهو كأداء رمضان، وإن كان الوقت واسعا، فقطع الاكثرون بأن له منعها من المبادرة إليه كصوم التطوع، وقيل في جواز منعها وجهان، وفي جواز إلزامها الافطار إذا شرعت فيه وجهان مخرجان من القولين في التحليل من الحج، فإن قلنا: لا يجوز، ففي سقوط النفقة وجهان، أحدها: تسقط كالحج، والثاني: لا لقصر الزمان، وقدرته على الاستمتاع ليلا. قلت: الاصح السقوط. والله أعلم. وأما صوم التطوع، فلا تشرع فيه بغير إذن الزوج، فإن أذن، لم تسقط به نفقتها، وإن شرعت فيه بلا إذن، فله منعها وقطعه، فإن أفطرت، فلها النفقة، وإن أبت، فلا نفقة على الاصح، وقيل: تجب، لانها في داره وقبضته، وحاصل هذا الوجه أن صوم التطوع لا يؤثر في النفقة، وقيل: إن دعاها إلى الاكل، فأبت، لم تسقط نفقتها، وإن دعاها إلى الوطئ، فأبت سقطت لمنعها حقه، وإذا قلنا بسقوط النفقة بامتناعها فعن الحاوي أن ذلك فيما إذا أمرها بالافطار في صدر النهار، فلو اتفق في آخره لم تسقط لفوت الزمان، واستحسنه الروياني، ولم يتعرض الجمهور

(6/472)


لهذا التفصيل. ولو نكحها وهي صائمة قال إبرهيم المروذي: لا يجبرها على الافطار، وفي النفقة وجهان. وأما صوم النذر، فإن كان نذرا مطلقا، فللزوج منعها منه على الصحيح، لانه موسع، وإن كانت أياما معينة، نظر إن نذر بها قبل النكاح، أو بعده بإذنه، فليس له منعها، وإلا فله ذلك، وحيث قلنا: له المنع، فشرعت فيه، وأبت أن تفطر، فعلى ما ذكرنا في صوم التطوع. وأما صوم الكفارة، فهو على التراخي، فللزوج منعها منه، وعن الماوردي أنه إذا لم يمنعها حتى شرعت فيه، فهل له إجبارها على الخروج منه ؟ وجهان، وحيث قلنا: تسقط النفقة بالصوم، فهل تسقط جميعها، أم نصفها للتمكن من الاستمتاع ليلا ؟ وجهان في التهذيب. قلت: أرجحهما سقوط الجميع وقد سبق قريبا نظيره فيمن سلمت ليلا فقط، أو عكسه. والله أعلم. المسألة الثالثة: فرائض الصلوات الخمس لا منع منها، ولا تؤثر في النفقة بحال، وهل له منعها من المبادرة بها في أول الوقت ؟ وجهان، الاصح المنصوص ليس له، لان زمنها لا يمتد بخلاف الحج، والتطوعات المطلقة كصوم التطوع، وفي السنن الراتبة وجهان، أصحهما: ليس له منعها لتأكدها، وله منعها من تطويلها، وصوم يوم عرفة وعاشوراء كرواتب الصلاة، وصوم الاثنين والخميس كالتطوع المطلق، فله منعها قطعا، وله منعها من الخروج لصلاة العيدين والكسوفين، وليس له المنع من فعلها في المنزل، وقضاء الصلاة وفعل المنذورة كمثلهما في الصوم.

(6/473)


المسألة الرابعة: الاعتكاف، إن خرجت له إلى المسجد بإذنه وهو معها لم تسقط نفقتها، وإن لم يكن معها، فعلى الخلاف في الخروج للحج، وقيل: إن لم تزد على يوم لم يؤثر قطعا، فإن كان بغير إذنه، نظر إن كان تطوعا، أو نذرا مطلقا أو معينا نذرته بعد النكاح، سقطت نفقتها، وإن كان معينا نذرته قبل النكاح، فلا منع منه، ولا تسقط به النفقة. فصل أجرت نفسها قبل النكاح إجارة عين، قال المتولي: ليس للزوج منعها من العمل، ولا نفقة عليه، وعن الحاوي أن له الخيار إن كان جاهلا بالحال لفوات الاستمتاع عليه بالنهار، وأنه لا يسقط خياره بأن يرضى المستأجر بالاستمتاع نهارا، لانه تبرع قد يرجع فيه.
المانع الرابع : العدة، المعتدة الرجعية تستحق النفقة والكسوة وسائر المؤن إلا آلة التنظف، سواء كانت أمة أو حرة، حاملا أو حائلا، ولا تسقط نفقتها إلا بما تسقط به نفقة الزوجة، وتستمر إلى انقضاء العدة بوضع الحمل أو غيره. ولو ظهر بها أمارات الحمل بعد الطلاق، لزم الزوج الانفاق عليها، فإذا أنفق، ثم بان أنه لم يكن حمل، فله استرداد المدفوع إليها بعد انقضاء العدة، وتسأل عن قدر الاقراء، فإن عينت قدرها، صدقناها باليمين إن كذبها الزوج، ولا يمين إن صدقها، وإن قالت: لا أعلم متى انقضت عدتي، سألناها عن عادة حيضها وطهرها، فإن ذكرت عادة مضبوطة، عملنا على قولها، وإن قالت: عادتي مختلفة، أخذنا بأقل عاداتها، ورجع الزوج فيما زاد، لانه المستيقن، وهي لا تدعي زيادة عليه، وإن قالت: نسيت عادتي، فعن نص الشافعي رحمه الله أنه يرجع في نفقة ما زاد على ثلاثة أشهر أخذا بغالب العادات، وقال الشيخ أبو حامد: يرجع فيما زاد على أقل ما يمكن انقضاء العدة فيه، وبهذا قطع أبو الفرج، وإن انقطع الولد الذي أتت به عن الزوج بأن ولدته لاكثر من أربع سنين، إما من وقت الطلاق، وإما من وقت انقضاء العدة على الخلاف السابق، سئلت عن حال الولد، فإن قالت: هو من زوج

(6/474)


نكحته، أو وطئ شبهة حصل بعد ثلاثة أقراء، فعليها رد المأخوذ بعد الثلاثة. وإن قالت: حصل ذلك في أثناء الاقراء، فقد انقطعت عدتها بوطئ الثاني وإحباله فتعود بعد الوضع إلى ما بقي منها، وعليه النفقة في البقية، وأما في مدة الحمل، فتبنى على أنه هل للزوج الرجعة فيها ؟ وفيه وجهان سبقا في الرجعة والعدة، إن قلنا: لا رجعة فلا نفقة، وإلا فوجهان، وقيل: إن قلنا له الرجعة، فلها النفقة، وإلا فوجهان. وكيف كان، فالمذهب أنه لا نفقة في مدة الحمل وبه قطع الاكثرون، فيسترجع ما أخذت لها. ولو قالت: وطئني الزوج، وأنكر، فهو المصدق بيمينه، وتسأل عن وقت وطئه، فإن قالت: بعد انقضاء الاقراء، ردت ما زاد، وإن قالت، عقب الطلاق، فقد بان أنها لم تقض عدته، فترد ما أخذت وتعتد بعد الوضع ثلاثة أقراء، ولها النفقة فيها، هكذا ذكره ابن الصباغ وغيره، وإنما يستمر ذلك على قولنا: إن العدتين المختلفتي الجنس من شخص لا تتداخلان. فرع ادعت الرجعية تباعد الحيض، وامتداد الطهر، فالصحيح أنها تصدق في استمرار النفقة إلى أن تقر بمضي العدة، كما تصدق في ثبوت الرجعة، وقيل: لا تصدق في النفقة، فإنها حقها بخلاف الرجعة. فرع وضعت حملا، وطلقها، فقال: طلقتك قبل وضعه، وانقضت عدتك، فلا نفقة الآن، وقالت: بل طلقتني بعد الوضع، فلي النفقة، فعليها العدة، ولها النفقة، لان الاصل بقاء النكاح ولا رجعة له، لانها بائن بزعمه، ولو وطئها قبل الوضع في الزمن الذي يزعم هو أنها مطلقة فيه لم يلزمه مهر المثل، لانها تزعم أن الوطئ في النكاح. ولو اختلفا بالعكس، فقال: طلقتك بعد الولادة، فلي الرجعة، وقالت: بل قبلها، وقد انقضت عدتي، فالقول قوله في بقاء العدة، وثبوت الرجعة، ولا نفقة لها لزعمها. فصل البائن بخلع، أو طلاق الثلاث لا نفقة لها ولا كسوة إن كانت

(6/475)


حائلا، وإن كانت حاملا، فعلى الزوج نفقتها وكسوتها، وهل هي للحمل أم للحامل ؟ قولان، أظهرهما للحامل بسبب الحمل، ويتفرع على القولين مسائل، إحداها: المعتدة عن فرقة فسخ، في استحقاقها النفقة إذا كانت حاملا طرق، أحدها: إن حصلت الفرقة بما لا مدخل لها فيه كردة الزوج، استحقت النفقة كالمطلقة، وإن كان لها مدخل كفسخها بالعتق، أو بعيبه، أو فسخه بعيبها، فقولان. والثاني: في المعتدات عن جميع الفسوخ قولان، والثالث وهو الاصح وبه قال الجمهور: إن كان الفرقة بسبب عارض، كالرضاع والردة، فلها النفقة كالطلاق وإن استند إلى سبب قارن العقد كالعيب والغرور فقولان. والرابع وبه قطع المتولي: تستحق النفقة حيث تستحق السكنى وإلا فقولان، وقد سبق بيان السكنى. وأما المفارقة باللعان إذا كانت حاملا ولم ينف حملها، ففيه الطرق، ولا يخفى على الطريق الثالث أن اللعان سبب عارض، وأما على الاول فقيل: هو مما لها فيه مدخل، لانها أحوجته إليه، والاصح أنه كالطلاق، وإن نفى حملها لم تجب النفقة، سواء قلنا: هي للحمل أم للحامل، وتستحق السكنى على الاصح في هذه الحالة. ولو أبان زوجته بالطلاق، ثم ظهر بها حمل، وقلنا: له أن يلاعن لنفيه، فلاعن، سقطت النفقة، قال القاضي أبو الطيب: فإن أثبتنا للملاعنة السكنى، فهذه أولى، لانها معتدة عن طلاق، وإلا فتحمل وجهين، وإذا لاعن وهي حامل ونفاه ثم أكذب نفسه، واستلحق الولد، طولب بنفقة ما مضى، نص عليه فقيل: هو تفريع على أن النفقة للحامل. أما إذا قلنا: للحمل: فلا مطالبة، لان نفقة القريب تسقط بمضي المدة، وقال الجمهور: تثبت المطالبة على القولين، وهو المذهب، لانها وإن كانت للحمل، فهي مصروفة إلى الحامل وهي صاحبة حق فيها فتصير دينا كنفقة الزوجة. ولو أكذب نفسه بعدما أرضعت الولد، رجعت عليه بأجرة الرضاع على الصحيح المنصوص في الام ولو أنفقت على الولد مدة، ثم رجع، رجعت عليه بما أنفقت على الصحيح المنصوص، لانها أنفقت على ظن وجوبه عليها، فإذا بان خلافه، ثبت الرجوع، كما لو ظن أن عليه دينا فقضاه، فبان خلافه يرجع، وكما لو أنفق على أبيه على ظن إعساره، فبان موسرا، يرجع عليه بخلاف المتبرع.

(6/476)


المسألة الثانية في وجوب نفقة الحامل المعتدة عن نكاح فاسد، أو وطئ شبهة، وجهان، إن قلنا: للحمل وجبت، وإلا فلا. هذا إذا كانت الموطوءة بشبهة غير منكوحة، فإن كانت منكوحة وأوجبنا نفقتها على الواطئ، سقطت عن الزوج قطعا، وإلا فعلى الاصح واستحسن في الوسيط أنها إن وطئت نائمة أو مكرهة، فلها النفقة، وإن مكنت على ظن أنه زوجها، فلا نفقة، لان الظن لا يؤثر في الغرامات. المسألة الثالثة: المعتدة عن الوفاة لا نفقة لها، وإن كانت حاملا، سواء قلنا للحامل أو للحمل، لان نفقة القريب تسقط بالموت. الرابعة: هل تتقدر النفقة الواجبة كنفقة صلب النكاح، أم تعتبر كفايتها، سواء زادت أم نقصت ؟ فيه طريقان، المذهب، وبه قطع الجمهور أنها مقدرة، وشذ الامام ومتابعوه فحكوا خلافا. الخامسة: إذا مات زوج البائن الحامل قبل الوضع، إن قلنا: النفقة للحمل، سقطت، لان نفقة القريب تسقط بالموت، وإن قلنا: للحامل فوجهان، أصحهما عند الامام وبه قال ابن الحداد: تسقط أيضا لانها كالحاضنة للولد، ولا تجب نفقة الحاضنة بعد الموت، وقال الشيخ أبو علي: لا تسقط، لانها لا تنتقل إلى عدة الوفاة، بل تتم عدة الطلاق، والطلاق موجب.

(6/477)


قلت: قال المتولي: وكما تستحق البائن الحامل النفقة، تستحق الادم والكسوة سواء قلنا النفقة للحامل أو للحمل. والله أعلم. فرع لا يجب تسليم النفقة قبل ظهور الحمل، سواء قلنا: هي للحمل أم للحامل، فإذا ظهر هل يجب تسليمها يوما بيوم، أم تؤخر إلى أن تضع، فتسلم الجميع دفعة واحدة ؟ قولان، أظهرهما الاول لقول الله تعالى: * (وإن كن أولات حمل فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن) * فإن قلنا: تؤخر، فقالت: وضعت، فكذبها، فعليها البينة. وإن قلنا بالتعجيل، فادعت ظهور الحمل، وأنكر فكذلك وتقبل فيهما شهادة النساء، وقيل: لا يعتمد قولهن إلا بعد مضي ستة أشهر، والصحيح الذي عليه الجمهور أن ذلك ليس بشرط. ولو كان ينفق على ظن الحمل، فبان أن لا حمل، فإن أوجبنا التعجيل، أو أمره به الحاكم، رجع عليها، وإلا فإن لم يذكر أن المدفوع نفقة معجلة لم يرجع، ويكون متطوعا، وإن ذكره وشرط الرجوع رجع، وإلا فوجهان، أصحهما: يرجع، وخرج القفال من هذه المسألة أن الدلال إذا باع متاعا لانسان، فأعطاه المشتري شيئا وقال: وهبته لك، أو قال له الدلال: وهبته لي، فقال: نعم، فإن علم المشتري أنه ليس عليه أن يعطيه شيئا، فله قبوله، وإن ظن أنه يلزمه أن يعطيه، فلا، وللمشتري الرجوع فيه وأجرة الدلال على البائع الذي أمره بالبيع. فرع لو لم ينفق عليها حتى وضعت، أو لم ينفق في بعض المدة، فالمذهب أنه لا تسقط نفقة المدة الماضية، بل يلزمه دفعها إليها، وبهذا قطع الجمهور، وقيل: في سقوطها خلاف مبني على أنها للحمل أم للحامل.

(6/478)


فرع لو كان زوج البائن الحامل رقيقا، إن قلنا: النفقة للحامل لزمته، وإلا فلا، لانه لا يلزمه نفقة القريب. ولو كان الحمل رقيقا ففي وجوب النفقة على الزوج حرا كان أو عبدا قولان، إن قلنا: للحمل لم تجب، بل هي على المالك وإلا فتجب. فرع ذكر ابن كج أنه لو كان الحمل موسرا، وقلنا: النفقة للحمل وأنها تؤخر إلى أن تضع، فإذا وضعت سلمت النفقة من مال الولد إلى الام، كما تنفق عليه في المستقبل من ماله، قال: ويحتمل عندي أن يكون ذلك على الاب، وإن قلنا: يجب التعجيل، لم تؤخذ من مال الحمل، بل ينفق الاب عليها، فإذا وضعت، ففي رجوعه في مال الولد وجهان. فرع اختلفا فقالت: وضعت اليوم، وطالبت بنفقة شهر قبله، وقال: بل وضعت من شهر قبله، فالقول قولها، لان الاصل عدم الوضع وبقاء النفقة. ولو وقع هذا الاختلاف والزوجة رقيقة، فإن قلنا النفقة للحمل، فلا معنى لهذا الاختلاف، ولا شئ عليه قبل الوضع ولا بعده، وإن قلنا: للحامل، فهي كالحرة. ولو وقع هذا الاختلاف بين موطوءة بشبهة، أو نكاح فاسد، وبين الواطئ، فإن أوجبنا نفقتها بناء على أن النفقة للحمل، فالقول قولها بيمينها، وإن لم نوجبها، فلا معنى للاختلاف، لكن لو اختلفا على العكس لنفقة الولد، فقالت: ولدت من شهر، فعليك نفقة الولد لشهر، وقال: بل ولدت أمس، بني على أن الام إذا أنفقت على الولد أو استدانت للنفقة عليه، هل ترجع على الاب ؟ وسيأتي بيانه إن شاء الله تعالى. فرع أبرأت الزوج من النفقة، قال المتولي: إن قلنا النفقة للحامل، سقطت، وإن قلنا: للحمل، فلا، ولها المطالبة بعد الابراء، ولك أن تقول: إن كان الابراء عن نفقة الزمن المستقبل، فقد سبق حكمه، وإن كان عما مضى، فالنفقة مصروفة إليها على القولين، وقد سبق أن الراجح أنها تصير دينا لها حتى تصرف إليها بعد الوضع، فينبغي أن يصح إبراؤها على القولين.

(6/479)


فرع ذكر المتولي أنه لو أعتق أم ولده وهي حامل منه، لزمه نفقتها إن قلنا: النفقة للحمل، وإن قلنا: للحامل فلا، وأنه لو مات، وترك أباه وامرأته حبلى، لها مطالبة الجد بالنفقة إن قلنا: النفقة للحمل، وإن قلنا: للحامل فلا، وقطع البغوي بأنها لا تطالب الجد، ويقرب منه كلام الشيخ أبي علي. فرع نشزت الزوجة وهي حامل، حكى ابن كج تخريج سقوط النفقة على أنها للحمل أو للحامل، والمذهب القطع بسقوطها، وإنما الخلاف في البائن لا في الزوجة. فرع لو أنفق على من نكحها نكاحا فاسدا مدة، ثم بان فساد النكاح وفرق بينهما، قال الاصحاب: لا يسترد ما أنفق عليها، بل يجعل ذلك في مقابلة استمتاعه، وسواء كانت حاملا أو حائلا. وبالله التوفيق. الباب الثالث : في الاعسار بنفقة الزوجة فيه أربعة أطراف :
الأول : في ثبوت الفسخ به، فإذا عجز الزوج عن القيام بمؤن الزوجة الموظفة عليه، فالذي نص عليه الشافعي رضي الله عنه في كتبه قديما وجديدا أنها بالخيار إن شاءت صبرت، وأنفقت من مالها، أو اقترضت، وأنفقت على نفسها، ونفقتها في ذمته إلى أن يوسر، وإن شاءت طلبت فسخ النكاح، وقال في بعض كتبه بعد ذكر هذا: وقد قيل: لا خيار لها. وللاصحاب طريقان، أحدهما: القطع بأن لها حق الفسخ، وهذا أرجح عند ابن كج والروياني، وأصحهما: إثبات قولين المشهور منهما أن لها الفسخ، والثاني: لا. فالمذهب ثبوت الفسخ، فأما إذا امتنع من دفع النفقة مع قدرته فوجهان، أحدهما: لها الفسخ لتضررها، وأصحهما: لا فسخ لتمكنها من تحصيل حقها بالسلطان، وكذا لو قدرت على شئ من ماله، أو غاب وهو موسر في غيبته، ولا يوفيها حقها، ففيه الوجهان، أصحهما: لا فسخ وكان المؤثر تغيبه لخراب ذمته، ولكن يبعث الحاكم إلى حاكم بلده، ليطالبه إن كان

(6/480)


موضعه معلوما، وعلى الوجه الآخر: يجوز الفسخ إذا تعذر تحصيلها، وهو اختيار القاضي الطبري وإليه مال ابن الصباغ، وذكر الروياني وابن أخته صاحب العدة أن المصلحة الفتوى به، وإذا لم نجوز الفسخ، والغائب موسر، فجهلنا يساره وإعساره، فكذلك الحكم، لان السبب لم يتحقق، ومتى ثبت إعسار الغائب عند حاكم بلدها، فهل يجوز الفسخ، أم لا يفسخ حتى يبعث إليه فإن لم يحضر، ولم يبعث النفقة، فحينئذ يفسخ ؟ فيه وجهان، أصحهما الاول، وبه قطع المتولي. ولو كان الرجل حاضرا، وماله غائب، فإن كان على دون مسافة القصر، فلا فسخ، ويؤمر بتعجيل الاحضار، وإن كان على مسافة القصر، فلها الفسخ ولا يلزمها الصبر. ولو كان له دين مؤجل، فلها الفسخ إلا أن يكون الاجل قريبا، وينبغي أن يضبط القرب بمدة إحضار المال الغائب فيما دون مسافة القصر. وإن كان الدين حالا وهو على معسر، فلها الخيار، وإن كان على موسر حاضر، فلا خيار، وإن كان غائبا فوجهان. ولو كان له دين على زوجته، فأمرها بالانفاق منه، فإن كانت موسرة، فلا خيار لها، وإن كانت معسرة، فلها الفسخ، لانها لا تصل إلى حقها، والمعسر منظر، وعلى قياس هذه الصور لو كان له عقار ونحوه لا يرغب في شرائه ينبغي أن يكون لها الخيار، ومن عليه ديون تستغرق ماله لا خيار لزوجته حتى يصرف ماله إلى الديون. لو تبرع رجل بأداء النفقة عن المعسر، لم يلزمها القبول، ولها الفسخ كما لو كان له دين على إنسان فتبرع غيره بقضائه، لا يلزمه القبول، لان فيه منة للمتبرع، وحكى ابن كج وجها أنه لا خيار لها، لعدم تضررها بفوات النفقة، والصحيح الاول. قال المتولي: ولو كان بالنفقة ضامن، ولم نصحح ضمان النفقة فالضامن كالمتبرع، وإن صححناه، فإن ضمن بإذن الزوج، فلا خيار، وبغير إذنه وجهان. فرع لو لم يعطها الموسر إلا نفقة المعسر، فلا فسخ، ويصير الباقي دينا

(6/481)


فصل القدرة بالكسب كالقدرة بالمال، فلو كان يكسب كل يوم قدر النفقة فلا خيار، ولو كان يكسب في يوم ما يكفي لثلاثة أيام، ثم لا يكسب يومين أو ثلاثة، ثم يكسب في يوم ما يكفي للايام الماضية فلا خيار، لانه غير معسر، ولا تشق الاستدانة لما يقع من التأخير اليسير. وكذا الحكم في النساج الذي ينسج في الاسبوع ثوبا تفي أجرته بنفقة الاسبوع، كذا قاله أبو إسحق والماوردي وصاحبا المهذب والتهذيب وقد ذكرنا في المال الغائب على مسافة القصر أن لها الخيار، وقد يمكن إحضاره فيما دون أسبوع، والوجه التسوية. قلت: المختار هنا أنه لا خيار كما ذكره هؤلاء الائمة. والله أعلم. وإذا عجز العامل عن العمل لمرض، فلا فسخ إن رجي زواله في نحو ثلاثة أيام، وإن كان يطول، فلها الفسخ، قال المتولي: ولو كان يكسب في بعض الاسبوع نفقة جميعه، فتعذر العمل في أسبوع لعارض فلها الخيار على الاصح، وإذا لم يستعمل البناء والنجار، وتعذرت النفقة كذلك، قال الماوردي: لا خيار إن كان ذلك نادرا، وإن كان يقع غالبا، فلها الخيار. فرع القادر على الكسب إذا امتنع كالموسر الممتنع إن أوجبنا الاكتساب لنفقة الزوجة، وفيه خلاف سنذكره إن شاء الله تعالى. فصل إنما يثبت الفسخ بالعجز عن نفقة المعسر، فلو عجز عن نفقة المتوسط، فلا خيار. ولو قدر كل يوم على دون نصف مد، أو يوما مدا، ويوما لا يجد شيئا، فلها الخيار على الصحيح. ولو وجد بالغداة ما يغديها، وبالعشي ما

(6/482)


يعشيها، فلا خيار على الاصح. فصل لو أعسر بالادم، فلا خيار على الاصح عند الاكثرين، وقال الداركي: يثبت. وقال الماوردي: إن كان القوت مما ينساغ دائما للفقراء بلا أدم فلا خيار، وإلا فيثبت. فصل يثبت الخيار بالاعسار بالكسوة على المذهب، وبالمسكن على الاصح، ولا يثبت بالاعسار بنفقة الخادم على الصحيح المنصوص، لانه ليس ضروريا. فصل الاعسار بالمهر فيه طرق منتشرة، المذهب منها عند الجمهور يثبت الفسخ إن كان قبل الدخول، ولا يثبت بعده، وقيل: يثبت فيهما قطعا ورجحه البغوي وغيره، وقيل بالمنع قطعا، وقيل قولان، وقيل: يثبت قبله وفي بعده قولان، وقيل: لا يثبت بعده، وفي قبله قولان، ولا خيار للمفوضة لانها لا تستحق المهر بالعقد على الاظهر، لكن لها المطالبة بالفرض، فإذا فرض صار كالمسمى. فصل إذا لم ينفق على زوجته مدة، وعجز عن أدائها لم يكن لها الفسخ بسبب ما مضى حتى لو لم يفسخ في يوم جواز الفسخ، فوجد نفقة بعده، فلا فسخ لها بنفقة الامس، وما قبله كسائر ديونها، وقيل: هو كالاعسار بالمهر بعد الدخول، وليس بشئ، ثم نفقة الماضي لا تسقط، بل تبقى دينا في ذمته، سواء ترك الانفاق بعذر أم لا، وسواء فرض القاضي نفقتها، أم لا، ويثبت الادم في الذمة كالنفقة، وكذا نفقة الخادم على المشهور، وتثبت الكسوة إن قلنا: يجب فيها التمليك. وإن قلنا: إمتاع فلا، ولا تثبت مؤنة السكنى على المذهب.
الطرف الثاني : في حقيقة هذه الفرقة، فإذا ثبت حق التفريق بسبب الاعسار، فلا بد من الرفع إلى القاضي، لانه مجتهد فيه، وحكى المتولي وغيره وجها أن

(6/483)


للمرأة أن تتولى الفسخ بنفسها من غير رفع إلى القاضي، كفسخ البيع بالعيب، والصحيح المنصوص الاول، وبه قطع الجمهور، وعلى هذا يتولى القاضي الفسخ بنفسه، أو يأذن لها فيه، وهو مخير فيهما. وقيل: إنما يستقل بالفسخ بعد ثبوت الاعسار عنده، والصحيح الاول. وتكون هذه الفرقة فسخا على الصحيح المنصوص، وفي قول مخرج هي طلاق، فعلى هذا يأمره الحاكم بالتحمل في الانفاق، فإن أبى، فهل يطلق الحاكم بنفسه، أم يحبسه ليطلق ؟ فيه القولان في المولى، فإن طلق، طلق طلقة رجعية، فإن راجع، طلق ثانية وثالثة، أما إذا لم ترفع إلى القاضي، بل فسخت بنفسها لعلمها بعجزه، فلا ينفذ ظاهرا، وهل ينفذ باطنا حتى إذا ثبت إعساره متقدما على الفسخ إما باعتراف الزوج، وإما ببينة يكتفى به وتحسب العدة منه ؟ فيه وجهان، قال في البسيط: ولعل هذا فيما إذا قدرت على الرفع إلى القاضي، فإن لم يكن في الناحية قاض ولا محكم، فالوجه إثبات الاستقلال بالفسخ.
الطرف الثالث : في وقت الفسخ قد سبق أنها تستحق تسلم النفقة كل يوم بطلوع الفجر، فإذا عجز، فهل ينجز الفسخ، أم يمهل ثلاثة أيام ؟ قولان، أظهرهما: الامهال، وقطع به جماعة وادعى ابن كج أنه طريقة الجمهور، فإن قلنا: لا يمهل ثلاثا فوجهان، أحدهما: لها المبادرة إلى الفسخ في أول النهار، وأقربهما ليس لها المبادرة، فعلى هذا هل يؤخر الفسخ إلى نصف النهار، أم إلى آخره، أم إلى آخر الليلة بعده ؟ فيه احتمالات، أرجحها عند الغزالي الثالث، ثم هذا إذا لم يتخذ ذلك عادة، فأما إن اعتاد إحضار الطعام ليلا، فلها الفسخ، ويقرب من هذا ما ذكره صاحب العدة أنه لو لم يجد النفقة في أول النهار، وكان يجدها في آخره، فلها الفسخ على الاصح. فإذا قلنا: لا فسخ في أول النهار، فلو قال صبيحة اليوم: أنا عاجز لا أتوقع شيئا، فهل لها الفسخ في الحال لتصريحه بالعجز، أم يلزم التأخير، فقد يرزق من حيث لا يحتسب ؟ فيه احتمالان، أرجحهما: الثاني. أما المذهب وهو الامهال ثلاثة أيام، فيتفرع عليه مسألتان، إحداهما: إذا مضت الثلاثة فلها الفسخ صبيحة الرابع إن لم يسلم نفقته، وإن سلمها، لم يجز الفسخ لما

(6/484)


مضى، وليس لها أن تقول: آخذ هذا عن نفقة بعض الايام الثلاثة، وأفسخ بتعذر نفقة اليوم، لان الاعتبار في الاداء بقصد المؤدي، فلو توافقا على جعلها عما مضى، فيحتمل أن يقال: لها الفسخ، ويحتمل أن تجعل القدرة عليها مبطلة للمهلة، ولو مضى يومان بلا نفقة، ووجد نفقة الثالث، وعجز في الرابع، فهل تستأنف المدة، أم يبنى فتصير يوما آخر فقط ؟ وجهان، أصحهما البناء، ولو لم يجد نفقة يوم ووجد نفقة الثاني، وعجز في الثالث، وقدر في الرابع، لفقت أيام العجز فإذا تمت مدة المهلة، فلها الفسخ، ولو مضت ثلاثة أيام في العجز، ووجد نفقة الرابع، وعجز في الخامس، فالاصح وبه قال الداركي: أن لها الفسخ، ويكفي الامهال السابق، قال الروياني: وقيل: يمهل مرة أخرى إن لم تتكرر. المسألة الثانية: يجوز لها الخروج في مدة الامهال لتحصيل النفقة بكسب أو تجارة أو سؤال، وليس له منعها من الخروج، وقيل: له منعها، وقيل: إن قدرت على الانفاق بمالها، أو كسب في بيتها كالخياطة والغزل، فله منعها، وإلا فلا، والصحيح المنصوص أنه ليس له منعها مطلقا، لانه إذا لم يوف ما عليه لا يملك الحجر. قال الروياني: وعليها أن تعود إلى منزله بالليل. ولو أراد الاستمتاع بها قال الروياني: ليس لها المنع، وقال البغوي: لها المنع وهو أقرب، ولا شك أنها إذا منعت نفسها منه لا تستحق نفقة مدة الامتناع، فلا تثبت دينا عليه. فرع إذا قلنا بالامهال، فمضت المدة، فرضيت بإعساره والمقام معه، أو لم نقل بالامهال، فرضيت ثم أرادت الفسخ، فلها الفسخ، لان الضرر متجدد ولا أثر لقولها: رضيت بإعساره أبدا، لانه وعد لا يلزم الوفاء به، ولو نكحته عالمة بإعساره، فلها الفسخ أيضا، وإذا عادت إلى طلب الفسخ بعد الرضى، جدد

(6/485)


الامهال على قولنا: يمهل، ولا يعتد بالماضي، وفيه احتمال للامام والروياني وهو ضعيف، وإذا اختارت المقام معه، لم يلزمها التمكين من الاستمتاع، ولها الخروج من المنزل ذكره البغوي وغيره، فإن لم تمنع نفسها منه، ثبت في ذمته ما يجب على المعسر من الطعام والادم وغيرهما، وخروجها بالنهار للاكتساب لا يوجب نقصان ما يثبت في ذمته. فرع إذا أعسر بالمهر، ومكنها الحاكم من الفسخ، فرضيت بالمقام معه، ثم أرادت الفسخ، فليس لها، لان الضرر لا يتجدد هكذا أطلقه الجمهور، وهو المذهب، وقال الماوردي: إن كانت المحاكمتان معا قبل الدخول، أو بعده، فكذلك، وإن كانت المحاكمة الاولى قبل الدخول، والاخرى بعده، فوجهان. وجه تجويز الفسخ أن بالدخول استقر ما لم يكن مستقرا، فالاعسار به يجدد خيارا، ولو نكحته عالمة بإعساره بالصداق، فليس لها الفسخ على الاصح، كما لو رضيت به في النكاح، ثم بدا لها، بخلاف النفقة، وليس لها الامتناع بعد الدخول إذا مكناها من الفسخ، واختارت المقام، ولا بد في الاعسار بالمهر من حكم القاضي كالنفقة، والخيار فيه بعد المرافعة على الفور، فلو أخرت الفسخ، سقط، ولو علمت إعساره، وأمسكت عن المحاكمة، فإن كان كذلك بعد طلبها المهر، كان رضى بالاعسار، وسقط خيارها، وإن كان قبل المطالبة، لم يسقط، فقد تؤخر المطالبة لتوقع اليسار ذكره الروياني.
الطرف الرابع : فيمن له حق الفسخ، وهو للزوجة إن شاءت، فسخت، وإن شاءت صبرت، ولا اعتراض للولي عليها، وليس له الفسخ بغير توكيلها، وليس لولي الصغيرة والمجنونة الفسخ، وإن كان فيه مصلحتهما، وينفق عليهما من مالهما، فإن لم يكن لهما مال فنفقتهما على من عليه نفقتهما لو كانتا خليتين، وتصير

(6/486)


نفقة الزوجة دينا عليه يطالب به إذا أيسر، وكذا لا يفسخ الولي بإعسار الزوج بالمهر إن جعلناه مثبتا للخيار، ولو أعسر زوج الامة بالنفقة فلها الفسخ كما تفسخ بجبه، ولانها صاحبة حق في تناول النفقة، فإن أرادت الفسخ، لم يكن للسيد منعها، فإن ضمن النفقة، فهو كالاجنبي يضمنها، ولو رضيت بالمقام، أو كانت صغيرة أو مجنونة، فهل للسيد الفسخ ؟ فيه أوجه، الاصح: ليس له، وبه قطع ابن الحداد والبغوي وجماعة، وعلى هذا لا يلزم السيد نفقة الكبيرة العاقلة، بل يقول: افسخي أو اصبري على الجوع، والثاني: له، والثالث: له في الصغيرة والمجنونة. وأما إذا أعسر زوجها بالمهر، وقلنا: يثبت به الفسخ، فالفسخ للسيد، لانه محض حقه لا تعلق للامة به، ولا ضرر عليها في فواته، وقيل: ليس له الفسخ، وهو غلط. فرع قال الامام والغزالي: تتعلق نفقة الامة المزوجة بالامة وبالسيد، أما السيد، فلانها تدخل في ملكه، لان الامة لا تملك، لكنها بحكم النكاح مأذون لها في القبض، وبالعرف في تناول المقبوض. وأما الامة فلها مطالبة الزوج، كما كانت تطالب السيد، وإذا أخذتها، فلها أن تتعلق بالمأخوذ ولا تسلم إلى السيد حتى تأخذ بدله، وله الابدال لحق الملك. والحاصل أن له حق الملك ولها حق التوثق، ولا يجوز للسيد الابراء من نفقتها، ولا بيع المأخوذ قبل تسليم البدل إليها، وفي التتمة ما يخالف بعض هذه الجملة، فإنه قال: حق الاستيفاء للسيد، فلو سلمها الزوج إليها بغير إذن السيد لم يبرأ، ولهذا لو قبض النفقة، وأنفق عليها من ماله، جاز، والاول أصح، وذكر البغوي أنها لو أبرأت الزوج عن نفقة اليوم، جاز، وليس لها الابراء عما صار دينا في ذمته، كما في الصداق، وقد تنازع قياس الملك في الابراء من نفقة اليوم، لكن نفقة اليوم للحاجة الناجزة، وكانا لا يثبت الملك للسيد إلا بعد الاخذ، وأما قبله فتمحض الحق لها، ولو اختلفت الامة وزوجها في تسليم نفقة اليوم، أو أيام مستقبلة، فالقول قولها بيمينها، ولا أثر لتصديق السيد الزوج، ولو اختلفا في النفقة الماضية، وصدق

(6/487)


السيد الزوج، فوجهان، أحدهما: كان السيد شاهدا له، ولا يثبت المدعى بتصديقه، وأصحهما: يثبت، وتكون الخصومة في النفقة الماضية للسيد، لا لها كالمهر، وبهذا قطع المتولي، كما لو أقر السيد بأن العبد جنى خطأ، وأنكر العبد، لا يلتفت إلى إنكاره. ولو أقرت الامة بالقبض، وأنكر السيد، فالصحيح المنصوص: أن القول قولها، لان القبض إليها بحكم النكاح، أو صريح الاذن، وقيل: قول السيد، لانه المالك. فصل جميع ما ذكرناه تفريع على المذهب، وهو ثبوت الفسخ بالاعسار بالنفقة، فإذا قلنا: لا يثبت، فلها الخروج من المسكن لطلب النفقة إن احتاجت إليه لتحصيلها، وكذا لو أمكنها أن تنفق من مالها في المسكن، أو أن تكسب بغزل ونحوه في المسكن على الاصح، ولها منعه من الوطئ على الاصح، وشرط الغزالي فيه كونها لم تمكن من قبل، ولم يشترطه الاكثرون. فصل إذا مضت مدة لم ينفق فيها على الزوجة، فاختلفا، فقالت: كنت موسرا في تلك المدة، وقال: كنت معسرا، فإن عرف له مال، فالقول قولها، وإلا فقوله. فصل قد سبق أن نفقة زوجة العبد من أين تكون ؟ وإذا لم يكن العبد مأذونا له في التجارة، ولا كسوبا فقد حكينا قولا قديما أن المهر على سيده، ويكون بالاذن في النكاح ضامنا. قال الخضري وغيره: وذلك القول يجئ في النفقة بطريق الاولى، لان الحاجة إليها أمس. فلو كان العبد ينفق من كسبه، فعجز بزمانة وغيرها، فعلى القديم للزوجة مطالبة السيد، وعلى الاظهر لها أن تفسخ، أو تصير نفقتها دينا في ذمة العبد. فصل إذا عجز عن نفقة أم ولده، فعن الشيخ أبي زيد أنه يجبر على عتقها، أو تزويجها إن وجد راغب فيها، وقال غيره: لا يجبر عليه بل يخليها

(6/488)


لتكسب وتنفق على نفسها. قلت: هذا الثاني أصح، فإن تعذرت نفقتها بالكسب، فهي في بيت المال. والله أعلم. فصل قد سبق في كتاب الضمان، ضمان النفقة، وبالله التوفيق.
الباب الرابع : في نفقة الاقارب سبق أن أحد أسباب وجوب النفقة والمؤن: القرابة، وفيه طرفان: الأول : في مناط هذه النفقة، وشرائط وجوبها وكيفيتها، وفيه مسائل: إحداها: إنما تجب النفقة بقرابة البعضية، فتجب للولد على الوالد وبالعكس، وسواء فيه الاب والام والاجداد والجدات وإن علوا، والبنون والبنات والاحفاد وإن نزلوا، الذكر والانثى والوارث وغيره والمسلم والكافر من الطرفين، وفي وجه: لا تجب على المسلم نفقة كافر، وفي وجه: لا تجب على الام نفقة بحال، حكاهما ابن كج، وهما شاذان ضعيفان، ولا يلحق بالاصول والفروع سائر الاقارب كالاخ والاخت، والعم والخال، والعمة والخالة وغيرهم. الثانية: لا تجب نفقة القريب إلا على موسر، وهو من فضل عن قوته وقوت عياله في يوم وليلة ما يصرفه إلى القريب، فإن لم يفضل شئ، فلا شئ عليه،

(6/489)


وفي التهذيب وغيره وجه: أنه لا يشترط يسار الوالد في نفقة الولد الصغير، فعلى هذا يستقرض عليه، ويؤمر بقضائه إذا أيسر، والصحيح: الاول. ويباع في نفقة القريب ما يباع في الدين من العقار وغيره، لانها حق مالي لا بدل له، فأشبه الدين، وفي كيفية بيع العقار وجهان، حكاهما ابن كج، أحدهما: يباع كل يوم جزء بقدر الحاجة. والثاني: أن ذلك يسبق، فيقترض عليه إلى أن يجمع ما يسهل بيع العقار له. الثالثة: إذا لم يكن مال، لكنه كان ذا كسب يمكنه أن يكسب ما يفضل عنه، فهل يكلف الكسب لنفقة القريب ؟ فيه أوجه، أحدهما: لا كما لا يكلف الكسب لقضاء الديون. والثاني وهو الصحيح وبه قطع الاكثرون، لانه يلزمه إحياء نفسه بالكسب فكذا أصله وفرعه، ويخالف الدين، فإنه لا ينضبط والنفقة يسيرة. والثالث: يكلف للولد دون الوالد. فرع يجب الاكتساب لنفقة الزوجة على المذهب، ونقل الامام وغيره فيه وجهين لالتحاقها بالديون. الرابعة: من له مال يكفيه لنفقته، أو هو مكتسب لا تجب نفقته على القريب، سواء كان مجنونا صغيرا زمنا أو بخلافه، ومن لا مال له ولا هو مكتسب، ينظر، إن كان به نقص في الحكم كالصغير والمجنون، أو في الخلقة كالزمن والمريض والاعمى، لزم القريب نفقته، فإذا بلغ الصغير والمجنون حدا يمكن أن يعلم حرفة، أو يحمل على الكسب، فللولي أن يحمله عليه، وينفق عليه من كسبه، لكن لو هرب عن الحرفة، أو ترك الاكتساب في بعض الايام، فعلى القريب نفقته، وكذا لو كان لا تليق به الحرفة، وإن لم يكن به نقص في الحكم ولا في

(6/490)


الخلقة، لكنه كان لا يكتسب مع القدرة على الكسب، فإن كان من الفروع لم تجب نفقته على المذهب، سواء فيه الابن والبنت، وإن كان من الاصول وجبت على الاظهر، لان الله تعالى أمر بمصاحبتهم بالمعروف، وليس من المعروف تكليفهم الكسب مع كبر السن، وكما يجب الاعفاف، ويمتنع القصاص، ولحرمة الوالدين. هذه طريقة الجمهور، ولم يفرقوا بين اكتساب واكتساب، ومنهم من جعل الخلاف أولا في اشتراط العجز عن كسب يليق به، ثم قالوا: إن شرط ذلك ففي اشتراط العجز عن كل كسب يليق به بالزمانة، وجهان، ورأوا الاعدل الاقرب الاكتفاء بعجزه عما يليق به من الاكساب، وأوجبوا النفقة مع القدرة على الكنس وحمل القاذورات، وسائر ما لا يليق به، وهذا حسن. الخامسة: نفقة القريب لا تتقدر، بل هي قدر الكفاية، وعن ابن خيران أنها تتقدر بقدر نفقة الزوجة، والصحيح الاول، لانها تجب لتزجية الوقت ودفع حاجته الناجزة، فتعتبر الحاجة وقدرها، حتى لو استغنى في بعض الايام بضيافة وغيرها، لم تجب، وتعتبر حاله في سنه وزهادته ورغبته، فالرضيع تكفي حاجته بمؤنة الارضاع في الحولين، والفطيم والشيخ ما يليق بهما، ولا يشترط انتهاء المتفق عليه إلى حد الضرورة، ولا يكفي ما يسد الرمق، بل يعطيه ما يستقل به، ويتمكن معه من التردد والتصرف، ويجب الادم كما يجب القوت، وفي التهذيب نزاع في الادم، وتجب الكسوة والسكنى على ما يليق بالحال، وإذا احتاج إلى الخدمة، وجبت مؤنة الخادم. السادسة: تسقط نفقة القريب بمضي الزمان، ولا يصير دينا في الذمة، سواء

(6/491)


تعدى بالامتناع من الانفاق أم لا، وفي الصغير وجه، أنها تصير دينا تبعا لنفقة الزوجة، والصحيح الاول، لانها مواساة، ولهذا قال الاصحاب: لا يجب فيها التمليك، وإنما يجب الامتناع، ولو سلم النفقة إلى القريب، فتلفت في يده أو أتلفها، وجب الابدال، لكن إذا أتلفها، لزمه ضمانها إذا أيسر، ويستثنى ما إذا أقرضها القاضي، أو أذن في الاقتراض لغيبة أو امتناع، فيصير ذلك دينا في الذمة. السابعة: قد سبق في النكاح أن الابن يلزمه إعفاف أبيه على المشهور، وأنه إذا أعفه بزوجة، أو ملكه جارية، لزمه نفقتها ومؤنتها حيث تلزمه نفقة الاب، فلو كان للاب أم ولد لزم الولد أيضا نفقتها، ولو كان تحته زوجتان فأكثر، لم يلزمه إلا نفقة واحدة، ويدفع تلك النفقة إلى الاب وهو يوزعها عليهما، ولكل واحدة الفسخ لفوات بعض حقها، فإن فسخت واحدة تمت النفقة للاخرى، وحكى الشيخ أبو علي وجها أنه إذا كان تحت الاب زوجتان فأكثر، لم يلزم الولد لهما شيئا، لان المستحقة لا تتعين، وهو شاذ ضعيف. ولو كان للاب أولاد فوجهان، قال المتولي: يلزم الابن الانفاق عليهم، لان نفقتهم على الاب، فيتحملها الابن عنه كنفقة

(6/492)


الزوجة، والصحيح: أنه لا يجب، وبه قطع الشيخ أبو علي، ويخالف الزوجة، فإنها إن لم ينفق فسخت، فيتضرر الاب، ولان نفقتها تجب على الاب وإن كان معسرا. فرع إذا كان الابن في نفقة أبيه، وله زوجة، فوجهان، حكاهما القاضي أبو حامد وغيره، أحدهما: يلزم الاب نفقتها ونفقة كل قريب وجبت نفقته، لانه من تمام الكفاية، وبهذا قطع صاحب المهذب وأصحهما: لا تلزمه لانه لا يلزم الاب إعفاف الابن. فرع كما تجب على الابن نفقة زوجة الاب، تجب عليه كسوتها، قال البغوي: ولا يلزم الادم، ولا نفقة الخادم لان فقدهما لا يثبت الخيار، لكن قياس ما ذكرنا أن الابن يتحمل ما لزم الاب وجوبهما لانهما واجبان على الاب مع إعساره. الثامنة: إذا امتنع الاب من الانفاق على الولد الصغير، أو كان غائبا، أذن القاضي لامه في الاخذ من ماله، أو الاستقراض عليه، والانفاق على الصغير بشرط أهليتها لذلك، وهل تستقل بالاخذ من ماله ؟ وجهان، أصحهما: نعم لقصة هند. والثاني: المنع، لانها لا تتصرف في ماله، وتحمل قصة هند على أنه كان قضاء، أو إذنا لها لا إفتاء وحكما عاما، وفي استقلالها بالاقتراض عليه إذا لم تجد له مالا، وجهان مرتبان وأولى بالمنع لخروجه عن صورة الحديث، ومخالفته

(6/493)


القياس، وعن القفال تجويزه، فإن أثبتنا استقلالها، أو لم يكن في البلد قاض، وأشهدت، لزمه قضاء ما اقترضته، وإن لم تشهد، فوجهان، ولو أنفقت على الطفل الموسر من مال نفسه بغير إذن الاب والقاضي، فوجهان، وأولى بالجواز، لانها لا تتعدى مصلحة الطفل، ولا تتصرف في غير ماله. ولو أنفقت عليه من مالها بقصد الرجوع وأشهدت، رجعت، وإلا فوجهان. التاسعة: إذا امتنع القريب من نفقة قريبه، فللمستحق أخذ الواجب من ماله إن وجد جنسه، وفي غير الجنس خلاف يأتي في الدعاوى إن شاء الله تعالى، وإن كان غائبا ولا مال له هناك، راجع القاضي ليقترض عليه، فإن لم يكن هناك قاض واقترض، نظر هل أشهد أم لا ؟ على ما ذكرناه في اقتراض الام للطفل. العاشرة: إذا كان الاب الذي عليه الانفاق غائبا، والجد حاضر، فإن تبرع بالانفاق فذاك، وإلا فبقرض القاضي، أو يأذن للجد في الانفاق، ليرجع على الاب، وفي البحر وجه ضعيف، أنه لا يرجع. ولو استقل الجد بالاقتراض، فإن أمكنه مراجعة القاضي فليس على الاب قضاؤه على الصحيح، وإلا فينظر في الاشهاد وعدمه. الحادية عشرة: إذا وجبت نفقة الاب أو الجد على الصغير أو المجنون، أخذاها من ماله بحكم الولاية، ولهما أن يؤاجراه لما يطيقه من الاعمال، ويأخذا من أجرته نفقة أنفسهما، والام لا تأخذ إلا بإذن الحاكم، وكذا الابن إذا وجبت نفقته على الاب المجنون، فلو كان يصلح لصنعة، فللحاكم أن يولي ابنه إجارته، وأخذ نفقة نفسه من أجرته. فصل يجب على الام أن ترضع ولدها اللبأ، ولها أن تأخذ عليه الاجرة

(6/494)


إن كان لمثله أجرة، وفي وجه ذكره الماوردي: لا أجرة لها، لانه متعين عليها، والصحيح الاول، كما يلزم بذل الطعام للمضطر ببدله، ثم إن لم يوجد بعد سقي اللبأ مرضعة غيرها، لزمها الارضاع، وكذا لو لم يوجد إلا أجنبية، لزمها الارضاع، وإن وجد غيرها وامتنعت الام من الارضاع، لم تجبر، سواء كانت في نكاح الاب أم بائنة، وسواء كانت ممن يرضع مثلها الولد في العادة أم لا. وإن رغبت الام في الارضاع، فلها حالان. أحدهما: أن تكون في نكاح أبي الرضيع، فهل له منعها من إرضاعه ؟ وجهان، أحدهما: لا، لان فيه إضرارا بالولد، وأصحهما: نعم، لانه يستحق الاستمتاع بها في أوقات الارضاع لكن يكره له المنع. قلت: الاول أصح، وممن صححه البغوي والروياني في الحلية وقطع به الدارمي والقاضي أبو الطيب في المجرد ولمحاملي والفوراني وصاحب التنبيه والجرجاني. والله أعلم. فإن قلنا: ليس له المنع، أو توافقا على الارضاع، فإن كانت متبرعة فذاك، وهل تزاد نفقتها للارضاع ؟ وجهان، أحدهما قاله أبو إسحق والاصطخري: نعم، ويجتهد الحاكم في قدر الزيادة، لانها تحتاج في الارضاع إلى زيادة الغذاء. وأصحهما: لا، لان قدر النفقة لا يختلف بحال المرأة وحاجتها، وإن طلبت أجرة، بني على أن الزوج هل له استئجار زوجته لارضاع ولده ؟ فيه وجهان ذكرناهما في الاجارة، قال العراقيون: لا يجوز، وأصحهما: الجواز، فعلى هذا حكمها إذا طلبت الاجرة حكم البائن إذا طلبت الارضاع بأجرة، وسنذكره إن شاء الله تعالى. وإذا أرضعت بالاجرة، فإن كان الارضاع لا يمنع من الاستمتاع ولا ينقصه، فلها مع الاجرة النفقة، وإن كان يمنع، أو ينقص، فلا نفقة لها، كذا ذكره البغوي وغيره،

(6/495)


ويشبه أن يجئ فيه الخلاف فيما لو سافرت لحاجتها بإذنه، وإن قلنا: لا يجوز الاستئجار، وأرضعت على طمع الاجرة، ففي استحقاقها أجرة المثل وجهان، قال ابن خيران: تستحق، لانها لم تبذل منفعتها مجانا، وقال الجمهور: لا تستحق. الحال الثاني: أن تكون مفارقة، فإن تبرعت بالارضاع، لم يكن للاب المنع، وإن طلبت أجرة، نظر، إن طلبت أكثر من أجرة المثل، لم يلزمه الاجابة، وكان له استرضاع أجنبية بأجرة المثل، وإن طلبت أجرة المثل، فهي أولى من الاجنبية بأجرة المثل، فإن وجد أجنبية تتبرع، أو ترضى بدون أجرة المثل، فهل للاب انتزاع الولد منها ؟ فيه طريقان، أشهرهما على قولين، أظهرهما: له الانتزاع. والطريق الثاني: له الانتزاع قطعا، وبه قال ابن سريج، وأبو إسحق، وابن أبي هريرة، والاصطخري، فعلى المذهب لو اختلفا، فقال الاب: أجد متبرعة، وأنكرت، فهو المصدق بيمينه، لانها تدعي عليه أجرة، الاصل عدمها، ولانه تشق عليه البينة، وحيث أوجبنا الاجرة فهي في مال الطفل، فإن لم يكن له مال، فعلى الأب كالنفقة.
الطرف الثاني : في اجتماع أقارب المحتاج والأقارب المحتاجين، وفيه أربعة فصول: الاول: في اجتماع الفروع الذين تلزمهم النفقة للاصل المحتاج، فإذا اجتمع اثنان من الاولاد، نظر إن استويا في القرب والوراثة أو عدمها، والذكورة والانوثة، فالنفقة عليهما بالسوية، سواء استويا في اليسار، أم تفاوتا، وسواء أيسرا بالمال، أو الكسب، أو أحدهما بمال، والآخر بكسب، فإن كان أحدهما غائبا، أخذ قسطه من ماله، فإن لم يكن له مال، اقترض عليه. وإن اختلفا في شئ من ذلك،

(6/496)


ففيه طريقان، أحدهما: النظر إلى القرب، فإن كان أحدهما أقرب، فالنفقة عليه سواء كان وارثا أو غيره، ذكرا أو أنثى، فإن استويا في القرب، ففي التقديم بالارث وجهان، فإن قدمنا بالارث، فكانا وارثين، فهل يستويان في قدر النفقة، أم تتوزع بحسب الارث ؟ وجهان، الطريق الثاني: النظر إلى الارث، فإن كان أحدهما وارثا دون الآخر، فالنفقة على الوارث، وإن كان الآخر أقرب، فإن تساويا في الارث، قدم الاقرب، فإن تساويا في القرب، فالنفقة عليهما، ثم هل تستوي أم توزع بحسب الارث ؟ فيه الوجهان. وإذا استويا في المنظور إليه على اختلاف الطريقين، فهل يختص الذكر بالوجوب، أم يستويان ؟ وجهان، وأصح الطريقين عند الامام والغزالي والبغوي وغيرهم: الاول، دون اعتبار الارث والذكورة، واختيار العراقيين يخالفهم في بعض الصور كما نذكره في الامثلة إن شاء الله تعالى. أمثلة: ابن وبنت، النفقة عليهما سواء، إن اعتبرنا القرب، أو أصل الارث، وإن اعتبرنا الذكورة، فعلى الابن فقط، وهو اختيار العراقيين. بنت وابن ابن، هي على البنت إن اعتبرنا القرب، وعليهما بالسوية إن اعتبرنا الارث، وعلى ابن الابن إن اعتبرنا الذكورة، وهذا اختيار العراقيين. بنت وبنت ابن، هي على البنت إن اعتبرنا القرب، وعليهما إن اعتبرنا الارث.

(6/497)


بنت وابن بنت، هي على البنت إن اعتبرنا القرب، أو الارث، وعلى ابن البنت إن اعتبرنا الذكورة. ابن ابن وابن بنت، عليهما إن اكتفينا بالقرب، وعلى الاول إن رجحنا الارث. بنت ابن وابن بنت، هي على بنت الابن، إن اعتبرنا الارث، وعلى ابن البنت إن اعتبرنا الذكورة، وعليهما إن اكتفينا بالاستواء في الدرجة. بنت بنت وبنت ابن ابن، هي على الاولى إن اعتبرنا القرب، وعلى الثانية إن اعتبرنا الارث. بنت بنت وبنت ابن، عليهما إن اكتفينا بالاستواء في الدرجة، وعلى الثانية إن اعتبرنا الارث. ابن وولد خنثى، إن قلنا في اجتماع الابن والبنت، تكون عليهما، فكذا هنا، وإن قلنا: تكون على الابن، فهنا وجهان، أحدهما: على الابن نصفها، لانه المستيقن، والنصف الآخر يقترضه الحاكم، فإن بان ذكرا، فالرجوع عليه، وإلا فعلى الابن، وأصحهما: يؤخذ الجميع من الابن، فإن بان الخنثى ذكرا، رجع عليه بالنصف. بنت وولد خنثى، إن قلنا في اجتماع الابن والبنت: النفقة عليهما، فكذا هنا، وإن قلنا: على الابن، فوجهان، أحدهما: هي على الخنثى، فإن بانت أنوثته، رجعت على أختها بالنصف. والثاني: لا يؤخذ منه إلا النصف، لانه اليقين، ويؤخذ النصف الآخر من البنت، فإن بانت ذكورته، رجعت عليه. قلت: كان ينبغي أن يجئ وجه الاقتراض، ولا يؤخذ من البنت شئ. والله أعلم. الفصل الثاني: إذا اجتمع للمحتاج قريبان من أصوله، نظر، إن اجتمع أبوه

(6/498)


وأمه، فإن كان الولد صغيرا، فالنفقة على الاب قطعا، وإن كان كبيرا، فأوجه، الصحيح: أنها على الاب، والثاني: عليهما أثلاثا كالارث، والثالث: عليهما نصفين. وإن اجتمعت الام وواحد من آباء الاب، فأوجه، الصحيح: أنها على الجد، والثاني: على الام، والثالث: عليهما أثلاثا، والرابع: عليهما نصفين. وإن اجتمع اثنان من الاجداد والجدات، نظر، إن كان أحدهما يدلي بالآخر، فالنفقة على القريب، وإلا ففيه خمسة أوجه أرجحها: اعتبار القرب، والثاني: الارث، والثالث وهو اختيار المسعودي: الاعتبار بولاية المال، فإن لم تكن لواحد منهما ولاية، وأحدهما يدلي بالولي، أو هو أقرب إدلاء بالولي، فالنفقة عليه، فإن استويا في الادلاء به وجودا وعدما، اعتبر فيه القرب، والمراد بالولاية على هذا الوجه: الجهة التي تفيدها، لا نفس الولاية التي قد يمنع منها مانع مع وجود الجهة. والرابع: الاعتبار بالذكورة، فالنفقة على الذكر، وإلا فعلى المدلي بذكر، فإن استويا، اعتبر القرب. والخامس: يعتبر الارث والذكورة معا، فإن اختص بهما أحدهما، فالنفقة عليه، وإن وجدا فيهما، أو لم يوجدا، أو وجد أحدهما في أحدهما، والآخر في الآخر، اعتبر القرب، وعلى هذا الوجه، يجبر فقد كل واحد من المعنيين بالآخر. الامثلة: أبو الأب، وأبوالام، إن اكتفينا بالقرب، سوينا بينهما، وإن اعتبرنا الارث، أو الولاية، فالنفقة على أبي الاب. أم أب وأم أم، إن اعتبرنا القرب أو الارث، سوينا بينهما، وإن اعتبرنا الادلاء بالولي أو بذكر، فهي على أم الاب. أبو الأم، وأم الاب، إن اعتبرنا القرب، سوينا، وإن اعتبرنا الارث، أو الادلاء بالولي فهي على أم الاب، وعلى الوجه الخامس: يجبر فقدان الارث فيه بالذكورة، وفقدان الذكورة فيها بالوراثة، فيستويان.

(6/499)


الفصل الثالث: إذا اجتمع للمحتاج واحد من أصوله، وآخر من فروعه، ففيه الاوجه الخمسة، فيقدم الاقرب في وجه، والوارث في وجه، والولي في وجه، والذكر في وجه، ويستوي الذكر والانثى في وجه، وإذا وجبت النفقة على وارثين، جاء الخلاف في أن التوزيع بالسوية، أم بحسب الارث ؟ فلو كان له أب وابن، فهل النفقة على الابن أم الاب أم عليهما ؟ فيه أوجه، أصحها: الاول لان عصوبته أقوى، ولانه أولى بالقيام بشأن الوالد، وتجري هذه الاوجه في أب وبنت، وفي جد وابن ابن، وتجري أيضا في أم وبنت على المذهب، وقيل: يقطع بأنها على البنت، قاله القاضي أبو حامد وغيره. وفي أم وابن طريقان، أحدهما: طرد الاوجه الثلاثة، والثاني: القطع بتقديم الابن، لضعف الاناث عن تحمل المؤن، ويجري الطريقان في جد وابن، وفي أب وابن ابن، وقال البغوي: الاصح أنه لا نفقة على الاصول ما دام يوجد واحد من الفروع، قريبا كان أو بعيدا، ذكرا أو أنثى. الفصل الرابع: في ازدحام الآخذين، فإذا اجتمع على الشخص الواحد محتاجون ممن تلزمه نفقتهم، نظر، إن وفى ماله أو كسبه بنفقتهم، فعليه نفقة الجميع، قريبهم وبعيدهم، وإن لم يفضل عن كفاية نفسه إلا نفقة واحد، قدم نفقة الزوجة على نفقة الاقارب، هذا أطبق عليه الاصحاب لان نفقتها آكد، فإنها لا تسقط بمضي الزمان، ولا بالاعسار، ولانها وجبت عوضا، واعترض الامام بأن نفقتها إذا كانت كذلك، كانت كالديون، ونفقة القريب في مال المفلس تقدم على الديون، وخرج لذلك احتمالا في تقديم القريب، وأيده بالحديث أن رجلا قال للنبي - صلى الله عليه وسلم -: معي دينار ؟ فقال: أنفقه على نفسك فقال: معي آخر ؟ فقال: أنفقه على ولدك، فقال: معي آخر ؟ فقال: أنفقه على أهلك. فقدم نفقة الولد على الاهل، وفي التتمة وجه أن نفقة الولد الطفل تقدم على نفقة الزوجة، وأما الذين ينفق عليهم بالقرابة، فتعود فيهم الاوجه في أنه يصرف الفاضل إلى الاقرب، أو الوارث، أو الولي، وعلى الوجه الرابع القائل هناك أنها على الذكر، يصرف الفاضل هنا إلى الانثى لعجزها، ويسوى في الوجه الخامس بين

(6/500)


الذكر والانثى، وإذا صرف إلى وارثين، فهل يوزع بالسوية، أم بحسب الارث ؟ وجهان، قال الاكثرون بالسوية، ونوضح ذلك بصور: ابنان أو بنتان، يصرف الموجود إليهما، فإن اختص أحدهما بمزيد عجز، بأن كان مريضا، أو رضيعا، قدم، ذكره الروياني. ابن وبنت، الصحيح أنها كالابنين، وقيل: تقدم البنت لضعفها. ابن بنت، وبنت ابن، ذكر الروياني أن بنت الابن تقدم لضعفها، ويشبه أن يجعلا كالابن والبنت. أب وجد، أو ابن وابن ابن، قيل: هما سواء، والاصح: تقديم الاب والابن، فإن كان الابعد زمنا، ففي التهذيب أنه يقدم، وذكر أنه لو اجتمع جدان في درجة، وأحدهما عصبة، كأبي الاب مع أبي الام، فالعصبة أولى، وأنه لو اختلفت الدرجة، واستويا في العصوبة أو عدمها، فالاقرب مقدم، وإن كان الابعد عصبة، تعارض القرب والعصوبة، فيستويان. أب وابن، إن كان الابن صغيرا، قدم، وإلا فهل يقدم الابن أم الاب، أم يستويان ؟ فيه ثلاثة أوجه، ثالثها: اختيار القفال، وتجري الاوجه في الابن والام، وفي الاب والبنت، وفي الجد وابن الابن. وابن الابن. أب وأم، تقدم الام على الاصح، وقيل: الاب، وقيل: يستويان. جد وابن، قيل بطرد الاوجه، وقيل: يقدم الابن قطعا، وعن - القاضي أبي حامد إذا اجتمع جدتان لاحداهما ولادتان، وللاخرى ولادة، فإن كانتا في درجة، فذات الولادتين أولى، وإن كانت أبعد، فالاخرى أولى، وأنه لو اجتمعت بنت بنت بنت أبوها ابن ابن بنته وبنت بنت بنت ليس أبوها من أولاده، فإن كانتا في درجة،

(6/501)


فصاحبة القرابتين أولى، وإن كانت هي أبعد، فالاخرى أولى. فرع متى استوى اثنان، وزع الموجود عليهما، فلو كثروا بحيث لو وزع، لم يسد قسط كل واحد مسدا، أقرع بينهم. فرع إذا أوجبنا النفقة على أقرب القريبين، فمات أو أعسر، وجبت على الابعد، فإن أيسر الاقرب بعد ذلك، لم يرجع الابعد عليه بما أنفق. ذكر الروياني أنه لو كان له ولدان، ولم يقدر إلا على نفقة أحدهما، وله أب موسر، لزم الاب نفقة الآخر، فإن اتفقا على الانفاق بالشركة، أو على أن يختص كل واحد بواحد، فذاك، وإن اختلفا، عمل بقول من يدعو إلى الاشتراك. وأنه لو كان للابوين المحتاجين ابن لا يقدر إلا على نفقة أحدهما، وللابن ابن موسر، فعلى ابن الابن باقي نفقتهما، فإن اتفقا على أن ينفقا عليهما بالشركة، أو يخص كل واحد بواحد، فذاك، وإن اختلفا، رجعنا إلى اختيار الابوين إن استوت نفقتهما، وإن اختلفت، اختص أكثرهما نفقة بمن هو أكثر يسارا، وهذان الجوابان في الصورتين مختلفان، والقياس أن يسوى بينهما، بل ينبغي في الصورة الثانية أن يقال: تختص الام بالابن تفريعا على الاصح، وهو تقديم الام على الاب، وإذا اختصت به، تعين الاب لانفاق ابن الابن. فصل لا تلزم العبد نفقة ولده، بل إن كانت الام حرة، فالولد حر وعليها نفقته، وإن كانت رقيقة، فهو رقيق نفقته على مالكه، وإن كان الولد حرا، وأبواه رقيقان، فنفقته في بيت المال، إلا أن يكون في فروعه من تلزمه نفقته، ولا يلزم المكاتب نفقة ولده من زوجته، سواء كانت حرة أو أمة أو مكاتبة، بل لا يجوز له أن ينفق عليه صيانة لحق السيد، فإن كانت زوجته الامة لسيده أيضا، جاز أن ينفق على ولده منها، وإن لم يجب، لانه ملك السيد، وكذا لو كانت زوجته مكاتبة السيد، إن جعلنا الولد ملكا للسيد، وإن قلنا: إنه يتكاتب عليها، لم يجز له أن ينفق عليه، لجواز أن تعتق المكاتبة والولد، ويعجز المكاتب، فيكون قد فوت مال سيده، هكذا أطلقوه، ولا يصح إطلاق بتجويز الانفاق على ملكه بغير إذنه، ولو استولد المكاتب

(6/502)


جارية نفسه، أو كنا لا نجوز له ذلك، فيتكاتب الولد عليه، وينفق المكاتب عليه من أكسابه، لانه إن عتق، فقد أنفق ماله على ولده، وإن رق، رق الولد أيضا، فيكون قد أنفق مال السيد على عبده. فرع هل تجب نفقة المكاتب على ولده الحر ؟ عن الحاوي أنه يحتمل وجهين، أحدهما: لا، لبقاء أحكام الرق. والثاني: نعم، لانقطاع النفقة عن سيده. قلت: الاول أصح، لان المكاتب عبد ما بقي عليه درهم، فينفق من كسبه، فإن تعذر، عجز نفسه، والنفقة على سيده. والله أعلم. من نصفه حر، ونصفه رقيق، قال في البسيط: الظاهر أنه تلزمه نفقة القريب، لانها كالغرامات، وهل تلزمه نفقة تامة أم نصفها ؟ وجهان، حكاهما ابن كج. قلت: الاصح نفقة كاملة، لانه كالحر كما في الكفارة. والله أعلم. ولو كان من نصفه حر ونصفه رقيق محتاجا، هل يلزمه قريبه الحر نفقته بقدر ما فيه من الحرية ؟ وجهان حكاهما ابن كج. قلت: الراجح الوجوب، ويمكن بناؤهما على أنه هل يورث ؟ والاظهر أنه يورث كالاحرار. والله أعلم.

(6/503)


الباب الخامس : في الحضانة
هي القيام بحفظ من لا يميز ولا يستقل بأمره، وتربيته بما يصلحه، ووقايته عما يؤذيه، وهي نوع من ولاية وسلطنة، لكنها بالاناث أليق، لانهن أشفق، وأهدى إلى التربية، وأصبر على القيام بها، وأشد ملازمة للاطفال. ومؤنة الحضانة على الاب، لانها من أسباب الكفاية، كالنفقة، وحكى السرخسي وجها أنه ليس للام طلب الاجرة بعد الفطام، والصحيح: الاول، وأما أجرة الرضاع فقد سبق بيانها، وفي الباب طرفان :
الأول : في صفات الحاضن والمجنون، فإن كان أبو الطفل على النكاح، فالطفل معهما يقومان بكفايته، الاب بالانفاق، والام بالحضانة والتربية، وإن تفرقا بفسخ أو طلاق، فالحضانة للام إن رغبت فيها، لكن لاستحقاقها شروط: أحدها: كونها مسلمة، إن كان الطفل مسلما بإسلام أبيه، فلا حضانة لكافرة على مسلم، وقال الاصطخري: لها الحضانة، وقيل: الام الذمية أحق بالحضانة من الاب المسلم إلى أن يبلغ الولد سبع سنين، ثم الاب بعد ذلك. قال الاصحاب: والصحيح الاول، فعلى هذا حضانته لاقاربه المسلمين على ما يقتضيه الترتيب، فإن لم يوجد أحد منهم، فحضانته على المسلمين، والمؤنة في ماله، فإن لم يكن له مال، فعلى أمه إن كانت موسرة، وإلا فهو من محاويج المسلمين،

(6/504)


وولد الذميين في الحضانة كولد المسلمين، فالام أحق بها، ولو وصف صبي منهم الاسلام، نزع من أهل الذمة، سواء صححنا إسلامه أم لا، ولا يمكنون من كفالته، والطفل الكافر والمجنون تثبت لقريبه المسلم حضانته وكفالته على الصحيح، لان فيه مصلحة له. الشرط الثاني: كونها عاقلة، فلا حضانة لمجنونة، سواء كان جنونها مطبقا، أو منقطعا، إلا إذا كان لا يقع إلا نادرا، ولا تطول مدته، كيوم في سنين، فلا يبطل الحق به، كمرض يطرأ ويزول، والمرض الذي لا يرجى زواله، كالسل والفالج إن كان بحيث يؤلم أو يشغل الالم عن كفالته وتدبير أمره، سقط حق الحضان، وإن كان تأثيره يعسر الحركة والتصرف، سقطت الحضانة في حق من يباشرها بنفسه دون من يشير بالامور ويباشرها غيره. الشرط الثالث: كونها حرة، فلا حضانة لرقيقة وإن أذن السيد، ثم إن كان الولد حرا، فحضانته لمن له الحضانة بعد الام من الاب وغيره، وإن كان رقيقا،

(6/505)


فحضانته على السيد، وهل له نزعه من الاب وتسليمه إلى غيره ؟ وجهان بناء على القولين في جواز التفريق، ولو كانت الام حرة والولد رقيق، بأن سبي طفل ثم أسلمت أمه، أو قبلت الذمة، فحضانته للسيد، وفي الانتزاع منها الوجهان، والمدبرة، والمكاتبة، والمعتق بعضها، لا حضانة لهن، لكن ولد المكاتبة، إذا قلنا: إنه لها تستعين به في الكتابة، سلم إليها، لا لان لها حضانة، بل لان الحق لها. وولد أم الولد من زوج أو زنى له حكمها، يعتق بموت السيد وحضانته لسيده مدة حياته، وهل لها حق الحضانة في ولدها من السيد ؟ وجهان، الصحيح: لا حضانة لها لنقصها، وقال الشيخ أبو حامد: لها الحضانة إلى سبع سنين، ثم السيد أولى بالولد بعد السبع، ولو كان ولد نصفه حر، ونصفه رقيق، فنصف حضانته لسيده، ونصفها لمن يلي حضانته من أقاربه الاحرار، فإن اتفقا على المهايأة، أو على استئجار حاضنة، أو رضي أحدهما بالآخر، فذاك، وإن تمانعا، استأجر الحاكم حاضنة، وأوجب المؤنة على السيد وعلى من يقتضي الحال الايجاب عليه. الشرط الرابع: كونها أمينة، فلا حضانة لفاسقة. الشرط الخامس: كونها فارغة خلية، فلو نكحت أجنبيا، سقطت حضانتها لاشتغالها بحقوق الزوج، فلو رضي الزوج، لم يؤثر، كما لا يؤثر رضى السيد بحضانة الامة، فقد يرجعان فيتضرر الولد، فلو نكحت عم الطفل، فوجهان، أصحهما: لا تبطل حضانتها لان العم صاحب حق الحضانة، وشفقته تحمله على رعاية الطفل، فيتعاونان على كفالته بخلاف الاجنبي، وبهذا قطع القفال والغزالي والمتولي، ويقال: إن صاحب التلخيص خرجه من نص الشافعي رحمه الله، أن الجدة إذا نكحت جد الطفل لا يبطل حقها من الحضانة، وكذا لو كانت في

(6/506)


نكاحه، ثبت لها حق الحضانة بخلاف ما لو كانت في نكاح أجنبي، والثاني: يبطل حق الام، وليس العم كالجد لان الجد ولي تام الشفقة قائم مقام الاب، وهذان الوجهان في نكاح الام العم، يطردان في كل من لها حضانته، نكحت قريبا للطفل له حق في الحضانة، بأن نكحت أمه ابن عم الطفل، أو عم أبيه، أو نكحت خالته التي لها حضانة عم الطفل، أو نكحت عمته خاله، هكذا ذكره الشيخ أبو علي وغيره، ثم إنما يبقى الحق إذا نكحت الجدة جد الطفل، أو الام عمه على الاصح إذا رضي الذي نكحته بحضانتها، فإن أبى، فله المنع، وعليها الامتناع. فرع إذا اجتمعت هذه الشروط فإنما تثبت لها الحضانة إذا كان الابوان مقيمين في بلد، فإن سافر أحدهما، فسيأتي حكمه إن شاء الله تعالى، وهل يشرط استحقاقها أن ترضع الولد إن كان رضيعا ؟ وجهان، أحدهما: لا، بل لها الحضانة وإن لم يكن لها لبن، أو امتنعت من الارضاع، وعلى الاب أن يستأجر مرضعة ترضعه عند الامام، وهذا أصح عند البغوي، والثاني وهو الصحيح وبه قطع الاكثرون: يشترط لعسر استئجار مرضعة تخلي بيتها، وتنتقل إلى مسكن الام، وعلى هذا لا تمنع الام من زيارته. فرع لو أسلمت الكافرة، أو أفاقت المجنونة، أو عتقت الامة، أو رشدت

(6/507)


الفاسقة، أو طلقت التي سقط حقها بالنكاح، تثبت لها الحضانة لزوال المانع، وسواء كان الطلاق رجعيا أو بائنا، هذا هو نص المذهب، وخرج ابن سريج قولا أنه لا حضانة للرجعية حتى تنقضي العدة، وبه قال المزني لان الرجعية زوجة، فعلى المذهب: إن اعتدت في بيت الزوج فإنما تثبت لها الحضانة إذا رضي الزوج بأن يدخل الولد بيته، فإن لم يرض، لم يكن لها أن تدخله بيته، وكذا في البائن، وإذا رضي، ثبت حقها بخلاف رضاه في صلب النكاح، لان المنع هناك لاستحقاقه الاستمتاع، واستهلاك منافعها فيه، وهنا للمسكن، فإذا أذن صار معيرا. فرع إذا امتنعت الام من الحضانة، أو غابت، فثلاثة أوجه، الصحيح: أنها تنتقل إلى الجدة، كما لو ماتت، أو جنت، والثاني: تنتقل إلى الاب، والثالث: إلى السلطان لبقاء أهلية الام كما لو غاب الولي في النكاح، أو عضل، يزوج السلطان لا الابعد، فعلى الصحيح متى امتنع الاقرب من الحضانة، كانت لمن يليه، لا للسلطان، لانها للحفظ والقريب الابعد أشفق من السلطان. فصل أما المجنون، فهو من لا يستقل بمراعاة نفسه، ولا يهتدي إلى مصالحه لصغر أو جنون، أو خبل وقلة تمييز، ومتى بلغ الغلام رشيدا، ولي أمر نفسه ولا يجبر على كونه عند الابوين أو أحدهما، ولكن الاولى أن لا يفارقهما ليخدمهما ويصلهما بره، وإن بلغ عاقلا غير رشيد، فقد أطلق جماعة أنه كالصبي، لا يفارق الابوين، وتدام حضانته، وقال ابن كج: إن لم يحسن تدبير نفسه، فالحكم كذلك، وأما إن كان اختلال الرشيد لعدم الصلاح في الدين، فالصحيح أنه يسكن حيث يشاء، ولا يجبر أن يكون عند الابوين، أو أحدهما، وقيل: تدام حضانته إلى ارتفاع الحجر عنه، وهذا التفصيل حسن. وأما الانثى إذا بلغت، فإن كانت مزوجة، فهي عند زوجها، وإلا، فإن كانت بكرا، فعند أبويها أو أحدهما إن افترقا، وتختار من شاءت منهما، وهل تجبر على ذلك ؟ وجهان، أحدهما: نعم، وليس لها الاستقلال، والثاني: لا، بل لها السكنى حيث شاءت، لكن يكره لها مفارقتهما، وبهذا قطع العراقيون، وصحح ابن كج والامام والغزالي الاول، ثم

(6/508)


صرح الغزالي باختصاص هذه الولاية بالاب والجد، كولاية الاجبار في النكاح، وذكر البغوي في ثبوتها أيضا للاخ والعم وجهين. قلت: أرجحهما ثبوتها. والله أعلم. وإن كانت ثيبا، فالاولى أن تكون عند الابوين، أو أحدهما، ولا تجبر على ذلك باتفاق الاصحاب، لانها صاحبة اختيار وممارسة، وبعيدة عن الخديعة، وهذا إذا لم تكن تهمة، ولم تذكر بريبة، فإن كان شئ من ذلك، فللاب والجد ومن يلي تزويجها من العصبات منعها من الانفراد، ثم المحرم منهم يضمها إلى نفسه إن رأى ذلك، وغير المحرم يسكنها موضعا يليق بها، ويلاحظها دفعا للعار عن النسب، كما يمنعونها نكاح غير الكف ء، وأثبت البغوي للام ضمها إليها عند الريبة، كما أثبتها للعصبة، ولو فرضت التهمة في حق البكر، فهي أولى بالاحتياط، فتمنع من الانفراد بلا خلاف، ونقل في العدة عن الاصحاب أن الامرد إذا خيف من انفراده فتنة، وانقدحت تهمة، منع من مفارقة الابوين. قلت: الجد كالابوين في حق الامرد، وكذا ينبغي أن يكون الاخ والعم ونحوهما لاشتراك الجميع في المعنى. والله أعلم. فرع إذا ادعى الولي ريبة، وأنكرت، فقد ذكر احتمالان، أحدهما: لا يقبل قوله لان الحكم على الحرة العاقلة بمجرد الدعوى بعيد، وأصحهما: يقبل ويحتاط بلا بينة، لان إسكانها في موضع البراءة أهون من الفضيحة لو أقام بينة. فصل إنما يحكم بأن الام أحق بالحضانة من الاب في حق من لا تمييز له أصلا، وهو الصغير في أول أمره، والمجنون، فأما إذا صار الصغير مميزا، فيخير بين الابوين إذا افترقا، ويكون عند من اختار منهما، وسواء في التخيير الابن والبنت، وسن التمييز غالبا سبع سنين، أو ثمان تقريبا، قال الاصحاب: وقد يتقدم التمييز عن السبع وقد يتأخر عن الثمان، ومدار الحكم على نفس التمييز، لا على سنه، وإنما يخير بين الابوين إذا اجتمع فيهما شروط الحضانة، بأن يكونا مسلمين حرين عاقلين عدلين مقيمين في وطن واحد على ما سيأتي إن شاء الله تعالى، وأن

(6/509)


تكون الام خلية، فإن اختل في أحدهما بعض الشروط، فلا تخيير، والحضانة للآخر، فإن زال الخلل، أنشئ التخيير، ولو وجدت الشروط فيهما، واختص أحدهما بزيادة في الدين أو المال أو محبة الولد، فهل يختص به أم يجري التخيير ؟ وجهان، أصحهما: الثاني، ويجري التخيير بين الام والجد عند عدم الاب، ويجري أيضا بينها وبين من على حاشية النسب، كالاخ والعم، على الاصح، وقيل: تختص به الام، وفي ابن العم مع الام هذان الوجهان، إن كان الولد ذكرا، فإن كان أنثى، فالام أحق قطعا، ويجري الخلاف أيضا بين الاب والاخت والخالة إذا قدمناها عليه قبل التمييز كما سنذكره إن شاء الله تعالى، وإذا اختار أحد الابوين، ثم اختار الآخر، حولناه إليه، فإن عاد واختار الاول، أعدناه إلى الاول، فإن أكثر التنقل بحيث يظن أن سببه نقصانه وقلة تمييزه، جعل عند الام كما قبل التمييز، وكذا لو بلغ على نقصانه وخبله. فرع إذا اختار الاب وسلم إليه، فإن كان ذكرا، لم يمنعه الاب من زيارة أمه ولا يحوجها إلى الخروج لزيارته، وإن زارته، لم يمنعها من الدخول عليه، وله منع الانثى من زيارة الام، فإن شاءت الام، خرجت إليها للزيارة، لانها أولى بالخروج لسنها وخبرتها، ثم الزيارة تكون في الايام على العادة، لا في كل يوم، وإذا دخلت، لا تطيل المكث، ولو مرض الولد ذكرا كان أو أنثى، فالام أولى بتمريضه، فإنها أشفق وأهدى إليه، فإن رضي بأن تمرض في بيته، فذاك، وإلا فينقل الولد إلى بيت الام، ويجب الاحتراز عن الخلوة إذا كانت تمرضه في بيت الاب، وكذا إذا زارت الولد، فإن لم يكن هناك ثالث، خرج حتى تدخل، وإذا مات، لم تمنع من حضور غسله وتجهيزه إلى أن يدفن، وإن مرضت الام، لم يكن للاب منع الولد من عيادتها، ذكرا كان أو أنثى، ولا يمرضها، قال الروياني: إلا إذا

(6/510)


أحسنت الانثى التمريض. فرع إذا اختار الام، فإن كان ابنا، أوى إليها ليلا، وكان عند الاب نهارا يؤدبه ويعلمه أمور الدين والمعاش والحرفة، وإن كانت بنتا، كانت عند الام ليلا ونهارا، ويزورها الاب على العادة، ولا يطلب إحضارها عنده، وهكذا الحكم إذا كان الولد عند الام قبل سن التخيير. فرع: إذا اختار الام، فليس للاب إهماله بمجرد ذلك، بل يلزمه القيام بتأديبه وتعليمه، إما بنفسه وإما بغيره ويتحمل مؤنته، وكذا المجنون الذي لا تستقل الام بضبطه يلزم الاب رعايته، وإنما تقدم الام فيما يتأتى منها وما هو شأنها. قلت: تأديبه وتعليمه واجب على وليه أبا كان أو جدا أو وصيا أو قيما، وتكون أجرة ذلك في مال الصبي، فإن لم يكن له مال، فعلى من تلزمه نفقته، وقيل: إن أجرة مالا يلزمه تعلمه بعد البلوغ تكون في مال الولي مع يسار الولد، والاول أصح، وقد سبق بعض هذا في أول كتاب الصلاة. والله أعلم. فرع لو خيرناه فاختارهما، أقرع بينهما، وإن لم يختر واحدا منهما، فوجهان، أحدهما: يقرع وبه قطع البغوي، وأصحهما: الام أحق، لانه لم يختر غيرها، وكانت الحضانة لها فيستصحب، وبه قطع في البسيط. قال الروياني: لو ترك أحد الابوين في وقت التخيير كفالته للآخر، كان الآخر أحق به، ولا اعتراض للولد، فإن عاد وطلب الكفالة، عدنا إلى التخيير، قال: ولو تدافع الابوان كفالته، وامتنعا منها، فإن كان بعدهما من يستحق الحضانة، كالجد والجدة، خير بينهما، وإلا فوجهان، أحدهما: يخير الولد، ويجبر من اختاره على كفالته، فعلى هذا لو امتنعا من الحضانة قبل سن التمييز، يقرع بينهما، ويجبر من

(6/511)


خرجت قرعته على حضانته، والثاني: يجبر عليها من تلزمه نفقته. قلت: أصحهما الثاني. والله أعلم. فصل ما سبق من أن الام أولى من الاب قبل التمييز، وأنه يخير بينهما بعد تمييزه، هو فيما إذا كان الابوان مقيمين في بلد واحد، فأما إذا أراد أحدهما سفرا، أو أرادا سفرا يختلف فيه بلدهما، فينظر، إن كان سفر حاجة، كحج وغزو وتجارة، لم يسافر بالولد، لما في السفر من الخطر والمشقة، بل يكون مع المقيم إلى أن يعود المسافر، سواء طالت مدة السفر أم قصرت، وعن الشيخ أبي محمد وجه أن للاب أن يسافر به إذا طال سفره، وإن كان سفر نقلة، نظر، إن كان ينتقل إلى مسافة القصر، فللاب أن ينتزعه من الام ويستصحبه معه، سواء كان المنتقل الاب أو الام، أو أحدهما إلى بلد والآخر إلى آخر، احتياطا للنسب، فإن النسب يتحفظ بالآباء، ولمصلحة التأديب والتعليم، وسهولة القيام بنفقته ومؤنته، وسواء نكحها في بلدها أو في الغربة، فلو رافقته الام في طريقه، دام حقها، وكذا في المقصد، ولو عاد من سفر النقلة إلى بلدها، عاد حقها، ولو كان الطريق الذي يسلكه مخوفا، أو البلد الذي يقصده غير مأمون لغارة ونحوها، لم يكن له انتزاع الولد، وإن كان الانتقال إلى دون مسافة القصر، فوجهان، أحدهما: لا يؤثر، ويكونان كالمقيمين في محلتين من بلد، وأصحهما: أنه كمسافة القصر، ولو اختلفا، فقال: أريد الانتقال، فقالت: بل التجارة، فهو المصدق بيمينه، وقال القفال: يصدق بلا يمين، والاول أصح، فإن نكل، حلفت، وأمسكت الولد، وسائر العصبات من المحارم، كالجد والاخ والعم، بمنزلة الاب في انتزاع الولد ونقله إذا أرادوا الانتقال، احتياطا للنسب، وكذا غير المحارم، كابن العم، إن كان الولد ذكرا، وإن كان أنثى، لم تسلم إليه، قال المتولي: إلا إذا لم تبلغ حدا يشتهى مثلها، وفي الشامل أنه لو كان له بنت ترافقه، سلمت إلى بنته، وأما المحرم الذي لا

(6/512)


عصوبة له، كالخال والعم للام، فليس له نقل الولد إذا انتقل، لانه لاحق له في النسب. فرع إنما يثبت حق النقل للاب وغيره، إذا استجمع الصفات المعتبرة في الحضانة، قال المتولي: ولو كان للولد جد مقيم، وأراد الاب الانتقال، كان له أن ينقل الولد، ولم تمنع منه إقامة الجد، وكذا حكم الجد عند عدم الاب، ولا تمنعه إقامة الاخ أو العم، لكن لو لم يكن أب ولا جد، وأراد الاخ الانتقال، وهناك ابن أخ أو عم يقيمان، فليس للاخ انتزاعه من الام لنقله، بخلاف الاب والجد، لكمال عنايتهما وتقارب عناية غيرهما من العصبات. فرع لو كان كل واحد من الابوين يسافر لحاجة، واختلف طريقهما ومقصدهما، فيشبه أن يدام حق الام، ويحتمل أن يكون مع الذي مقصده أقرب، أو مدة سفره أقصر. قلت: المختار أنه يدام مع الام، وهو مقتضى كلام الاصحاب. والله أعلم.
الطرف الثاني : في ترتيب المستحقين للحضانة، فمتى اجتمع اثنان فصاعدا من مستحقي الحضانة، نظر، إن تراضوا بواحد، فذاك، وإن تدافعوا، وجبت على من عليه النفقة، وقيل: يقرع، وتجب على من خرجت قرعته، والصحيح الاول، وإن الضرب الاول: محض الاناث، طلبها كل واحدة ممن فيه شروطها، فهم ثلاثة أضرب: الضرب الاول: محض الاناث، فأولاهن الام، ثم أمهاتها المدليات بالاناث، تقدم أقربهن، وتقدم البعدى منهن على القربى من أمهات الاب، ثم بعد أمهات الام، قولان، الجديد: تقدم أم الاب، ثم أمهاتها المدليات بالاناث، ثم أم أبي الاب، ثم أمهاتها المدليات بالاناث، ثم أم أبي الجد، ثم أمهاتها كذلك،

(6/513)


وتقدم الاقرب منهن فالاقرب، ويتأخر عنهن الاخوات والخالات، ودليل هذا القول، أنهن جدات وارثات فقدمن على الاخوات والخالات، وعلى أن الخالات يقدمن على بنات الاخوات، وبنات الاخوة، والعمات، لانهن يشاركنهن في المحرمية والدرجة وعدم الارث، ويتميزون بالادلاء بقرابة الام، وعن ابن سريج تقديم الخالة على الاخت للاب، وهو شاذ ضعيف، ثم الحضانة بعد الخالات لبنات الاخوات، وبنات الاخوة يقدمن على العمات، هكذا رتب الامام والغزالي والبغوي، وحكى الروياني هذا وجها، وادعى أن الاصح تقديم العمات على بنات الاخوة وبنات الاخوات، ثم حكى وجهين فيمن يقدم بعد العمات، أحدهما: بنات الاخوات والاخوة، ثم بنات سائر العصبات بعد الاخوة، ثم بنات الخالات، ثم بنات العمات، ثم خالات الام، ثم خالات الاب، ثم عماته. والثاني: تقدم بعد العمات خالات الام، ثم خالات الاب، ثم عماته، ولا حضانة لعمات الام لادلائهن بذكر غير وارث، ثم خالات الجد، ثم عماته، وهكذا، فإن فقدن جميعا، فالحضانة لبنات الاخوات والاخوة، وفي أي رتبة وقعن، تقدم بنات الاخوات على بنات الاخوة، كما تقدم الاخت على الاخ. فرع الاخت من الابوين، تقدم على الاخت من الاب، وعلى الاخت من الام، وأما الاخت من الاب، والاخت من الام، فأيهما تقدم على صاحبتها ؟ وجهان، الصحيح المنصوص في الجديد والقديم: تقديم الاخت من الاب، وقال المزني وابن سريج: تقدم الاخت من الام، وأما الخالة من الاب مع الخالة من الام والعمة، فإن قدمنا الاخت للام على الاخت للاب، فكذا هنا، وإن قدمنا الاخت للاب، فوجهان، أحدهما: تقدم الخالة للام والعمة للام، وأصحهما: يقدم التي هي لاب، وفي الخالة لاب وجه، أنها لا تستحق حضانة أصلا، لانها تدلي بأبي أم. فرع المنصوص أنه لا حضانة لكل جدة تسقط في الميراث، وهي من تدلي بذكر بين أنثيين، وقيل: لهن الحضانة، لكن يتأخرن عن جميع المذكورات

(6/514)


أولا، وقيل: يتقدمن على الاخوات والخالات، لانهن أصول، ويتأخرن عن الجدات الوارثات، وفي معنى الجدة الساقطة، كل محرم يدلي بذكر لا يرث، كبنت ابن البنت وبنت العم للام. الانثى التي ليست بمحرم، كبني الخالة والعمة، وبنتي الخال والعم، لهن الحضانة على الاصح، فإن كان الولد ذكرا، استمرت حضانتهن حتى يبلغ حدا يشتهى مثله، وتقدم بنات الخالات على بنات الاخوات، وبنات العمات على بنات الاعمام، وتقدم بنات الخؤولة على بنات العمومة. فرع لبنت المجنون حضانته إذا لم يكن له أبوان، ذكره ابن كج، قال الروياني: ولو كان للمحضون زوجة كبيرة، وكان له بها استمتاع، أو لها به استمتاع، فهي أولى بكفالته من جميع الاقارب، وإن لم يكن استمتاع، فالاقارب أولى، وكذا لو كان للمحضونة زوج كبير، وهناك استمتاع، فهو أولى، وإلا فالاقارب، فإن كان لها قرابة أيضا، فهل يرجح بالزوجية ؟ وجهان. الضرب الثاني: محض الذكور، وهم أربعة أصناف، الاول: محرم وارث، كالاب والجد والاخ وابن الاخ والعم، فلهم الحضانة، وحكى البغوي وغيره وجها، أنه لا حضانة لغير الاب والجد من الرجال، وقيل: لا حضانة للاخ من الام خاصة لعدم العصوبة والولاية، والصحيح الاول، فيقدم الاب، ثم الجد وإن علا، يقدم

(6/515)


منهم الاقرب فالاقرب، ثم الاخ للابوين، ثم الاخ للاب، ثم الاخ للام، ثم بنو الاخوة على هذا الترتيب، ثم العم للابوين، ثم العم للاب، ثم عم الاب، ثم عم الجد، هذا هو المذهب، وفي وجه، يقدم الاخ للام على الاخ للاب، وفي وجه، يتقدم العم على الاخ للام لعصوبته، وفي وجه، يتقدم الاعمام على بني الاخوة من الام. الصنف الثاني: وارث غير محرم، كابن العم وابنه، وابن عم الاب والجد، فلهم الحضانة على الصحيح، وفيهم الوجه الذي حكاه البغوي، ثم إن كان الولد ذكرا أو أنثى لا تشتهى، سلمت إليه، وإن بلغت حدا تشتهى، لم تسلم إليه، لكن له أن يطلب تسليمها إلى امرأة ثقة، وتعطى أجرتها، فإن كانت له بنت، سلمت إليه، وفي ثبوت الحضانة للمعتق، وجهان، أحدهما: نعم، كالارث، وولاية النكاح، وتحمل الدية، وأصحهما: لا، لعدم القرابة التي هي مظنة الشفقة، فعلى هذا لو كانت له قرابة وهناك من هو أقرب منه، فهل يرجح لانضمام عصوبة القرابة إلى عصوبة الولاء ؟ وجهان، حكاهما الروياني، مثاله: عم وعم أب معتق. قلت: الاصح لا يرجح. والله أعلم.

(6/516)


الصنف الثالث: محرم غير وارث، كأبي الام، والخال، والعم للام، وابن الاخت، وابن الاخ للام، فلا حضانة لهم على الاصح، لضعف قرابتهم، فإن قلنا: لهم حضانة، تأخروا عن المحارم الوارثين، وعن الوارثين الذين لا محرمية لهم. الصنف الرابع: من ليس بمحرم ولا وارث من الاقارب، كابن الخال والخالة والعمة، فلا حضانة لهم على المذهب، وقيل: وجهان، وإذا أثبتنا الحضانة لجميع المذكورين من الاصناف الاربعة، تفريعا على المذهب في بعضهم، وعلى الضعيف في بعضهم، وتركنا التقسيم، قلنا: يقدم الاب، ثم أب الاب وإن علا، ثم الاخوة، ثم بنوهم، ثم الاعمام، ثم بنوهم، ثم أعمام الاب، ثم بنوهم، ثم أعمام الجد، ثم بنوهم، ثم الجد أبو الأم، وكل جد يدلي بذكر بين أنثيين، يقدم الاقرب منهم فالاقرب، ثم الخال، ثم العم للام، ثم ابن الخال، ثم ابن العم للام، ثم المعتق، ثم عصباته، ومنهم من يقتضي كلامه تأخر بني العم عن أعمام الاب والجد، لان لهم محرمية مع الارث. الضرب الثالث: في اجتماع الذكور والاناث، فتقدم الام على جميعهم، حتى على الاب، ثم أم الام وإن علت، تقدم على الاب وغيره، فلو نكحت الام ورضي أبو الولد وزوجها بكونه عندها، سقط حق الجدة على الاصح، وإذا اجتمع الاب والجدات من جهته، قدم عليهن على الصحيح المنصوص، لانهن يدلين به، وقيل: يتقد منه، لولادتهن وصلاحيتهن، وطرد هذا الخلاف في الاخت للاب مع الاب وإن كانت فرعا له، لصلاحيتها، وأما الاخت من الابوين، أو من الام والخالة، فإن قلنا بالقديم وقدمناهن على أمهات الاب، قدمناهن على

(6/517)


الاب، وإن قدمنا أمهات الاب على الاخت والخالة، يقدم الاب هنا على الاصح المنصوص، وقيل: يتقدمان عليه لانوثتهما وإدلائهما بالام، فعلى هذا لو كانت مع الاب أو الاخت للاب، والخالة أم الاب، فوجهان، قال الاصطخري: الحضانة للاب، لان الاخت تسقط بأم الاب، وهي تسقط بالاب، وقال الاكثرون: الحضانة للاخت، لانها مقدمة على الاب على الوجه الذي تفرع عليه، وتسقط أم الاب بالاب. ولو اجتمع الاب والاخت للاب والاخت للام، وقلنا بالصحيح: إن الاخت للام مقدمة على الاخت للاب، فهل الحضانة للاب، أم للاخت للام ؟ فيه هذان الوجهان، فإذا قلنا بالصحيح في تقديم الاب على أمهاته، وبالاصح في تقديمه على الاخت للام والخالة، فالمقدم بعد أمهات الام الاب، ثم أمهاته المدليات بالاناث، ثم الجد أبو الأب، وفيه مع أمهاته ما في الاب، ثم أبو الجد وأمهاته كذلك، ويتقدمون جميعا على الاقارب الواقعين على حواشي النسب، وأما الجدات الساقطات، فقد سبق الكلام في استحقاقهن، وفي زينتهن، وإذا لم يوجد مستحق للحضانة من الاجداد والجدات، فثلاثة أوجه، أحدها: نساء القرابة وإن بعدن أولى من الذكور، وإن كانوا عصبات، لصلاحيتهن، فعلى هذا تقدم الاخوات والعمات والخالات وبناتهن على الاخوة والاعمام وبنيهم، والثاني: العصبات أولى، لقوة نسبهم وقيامهم بالتأديب، والثالث - وهو الاصح: لا يرجح واحد من الفريقين على الآخر، بل يقدم منهم الاقرب، فالاقرب، فإن استوى اثنان، قدم بالانوثة، فعلى هذا تقدم بعد الآباء والامهات، الاخوة والاخوات، وتقدم الاخوات على الاخوة، ثم بعد الاخوة بنات الاخوات، ثم بنو الاخوة، وتقدم بنت الاخ على ابن الاخت اعتبارا من يحضن لا بمن يدلي به، فإن فقدوا كلهم، فالحضانة للخؤولة، ثم العمومة، وتقدم الخالات على الاخوال، والعمات على الاعمام، فإن فقدوا، فالحضانة لاولادهم على ما ذكرنا في أصولهم ثم لخؤولة الابوين ثم لعمومتهما، على هذا الترتيب، وإذا استوى اثنان، كأخوين أو خالتين، وتنازعا، أقرعنا، وإذا لم يوجد أحد من نساء القرابة ولا من العصبات، وهناك رجال من ذوي الارحام، فحكمهم ما ذكرنا في الصنف الرابع.

(6/518)


فرع الاخت مع الجد كهي مع الاب. فرع لو كان في أهل الحضانة خنثى، هل يتقدم على الذكر في موضع لو كان أنثى لتقدم لاحتمال الانوثة، أم لا لعدم الحكم بها ؟ وجهان. قلت: الاصح: الثاني. والله أعلم. وإذا أخبر عن ذكورته أو أنوثته، عمل بقوله في سقوط الحضانة، وهل يعمل بها في استحقاقها، أم لا يعمل للتهمة ؟ وجهان، حكاهما الروياني. قلت: أصحهما: يعمل وهو الجاري على قواعد المذهب في نظائره. والله أعلم.
الباب السادس : في نفقة المملوك
تجب على السيد نفقة رقيقه، قوتا وأدما، وكسوته، وسائر مؤوناته، قنا كان أو

(6/519)


مدبرا، أو أم ولد، سواء الصغير والكبير، والزمن والاعمى والسليم، والمرهون والمستأجر وغيرهم، فإن كان كسوبا، فكسبه لسيده، فإن شاء أخذه وأنفق عليه من سائر أمواله، وإن شاء، أنفق عليه من كسبه، فإن لم يف بها، فالباقي على السيد، وإن زاد، فالزيادة للسيد، ولو اشترك جماعة في رقيق، فالنفقة عليهم بحسب أنصبائهم، ولا تجب نفقة المكاتب على سيده. قلت: وهل يلزم السيد شراء الماء لطهارة رقيقه ؟ وجهان، أصحهما: نعم، كفطرته، والثاني: لا، لان له بدلا وهو التيمم، كما لا يلزمه دم بتمتعه بل يصوم. والله أعلم.
فصل لا تتقدر نفقة الرقيق، بل تعتبر الكفاية، وفيما تعتبر به الكفاية ؟ أوجه، أصحها: تعتبر كفايته في نفسه، وتراعى رغبته وزهادته، وإن زاد ذلك على كفاية مثله غالبا، والثاني: يعتبر ما يكفي مثله في الغالب، ولا يعتبر نفسه، وعن صاحب الحاوي إن كان يؤثر فقد الزيادة في قوته وبدنه، لزمت السيد، وإلا فلا، وينبغي أن تجئ هذه الاوجه في نفقة القريب.
فصل وأما جنس نفقة الرقيق، فغالب القوت الذي يطعم منه المماليك في البلد، من الحنطة والشعير وغيرهما، وكذا الادم الغالب، والكسوة من القطن والكتان والصوف وغيرها، وتراعى حال السيد في اليسار والاعسار، فيجب ما يليق بحاله من رفيع الجنس الغالب وخسيسه، ولا يجوز الاقتصار في الكسوة على ستر العورة، وإن كان لا يتأذى بحر ولا برد، ولو تنعم السيد في الطعام والادم والكسوة، استحب أن يدفع إليه مثله، ولا يلزمه، بل له الاقتصار على الغالب، ولو كان السيد يأكل ويلبس دون المعتاد غالبا، إما بخلا وإما رياضة، لزمه رعاية الغالب للرقيق على الصحيح، وقيل: له الاقتصار على ما اقتصر عليه لنفسه.
فصل إذا كان له عبيد، يستحب أن يسوي بينهم في الطعام والكسوة،

(6/520)


ويفضل النفيس على الخسيس، والصحيح: الاول، وفي الجواري وجهان، أحدهما: يسوي بينهن كالعبيد، وأصحهما: يفضل ذوات الجمال والفراهة للعادة، وهذا هو المنصوص، وسواء فيه السرية وغيرها، والمراد بالتسوية أنه يكره التفضيل، وبالتفضيل أنه مستحب لا واجب.
فصل إذا ولي رقيقه معالجة طعامه، فجاءه به، فينبغي أن يجلسه معه ليتناول منه، فإن لم يفعل السيد، أو امتنع الرقيق توقيرا للسيد، فينبغي أن يروغ له السيد لقمة أو لقمتين، ثم يناوله، والترويغ: أن يرويها دسما، وأشار الشافعي رضي الله عنه في ذلك إلى ثلاثة أقوال، أحدها: أنه يجب الترويغ والمناولة، فإن أجلسه معه، فهو أفضل، والثاني: يجب أحدهما لا بعينه، وأظهرهما: لا يجب واحد منهما، والامر بهما على الاستحباب ندبا إلى التواضع ومكارم الاخلاق، ومنهم من قطع بنفي الوجوب، وذكر قولين في أن الاجلاس أفضل، أم هما متساويان، والمذهب الاول، وأصل هذا الاستحباب في مناولة الطعام اللذيذ، يشمل من عالجه وغيره، لكنه فيمن عالجه آكد، ورعايته في حق الحاضرين أهم، والخلاف في الوجوب مختص بمن عالجه، وليكن ما يناوله لقمة كبيرة تسد مسدا، لا صغيرة تهيج الشهوة، ولا تقضي النهمة.
فصل نفقة الرقيق لا تصير دينا، بل تسقط بمضي الزمان، ولو دفع إليه طعاما، ثم أراد إبداله، قال الروياني: ليس له ذلك عند الاكل، ويجوز قبله، وعن الماوردي: أنه إن تضمن الابدال تأخر الاكل، لم يجز. فصل إذا ولدت أمته، أو أم ولده منه، فله أن يجبرها على إرضاعه، لان

(6/521)


لبنها ومنافعها له، ولو أراد تسليم الولد إلى غيرها، وأرادت هي إرضاعه، فوجهان، أحدهما: له ذلك لانها ملكه، وقد يريد الاستمتاع بها واستخدامها، وأصحهما: ليس له، وبه قطع في الوجيز لان فيه تفريقا بين الوالدة وولدها، لكن له أن يضمه في أوقات الاستمتاع إلى غيرها، وليس له أن يكلفها إرضاع غير ولدها معه بأجرة ولا بغيرها، إلا أن يفضل لبنها عن ري ولدها، لقلة شربه، أو لكثرة اللبن، أو لاجتزائه بغير اللبن في أكثر الاوقات، ولو مات ولدها، أو استغنى عن اللبن، فله ذلك، وله إجبارها على فطامه قبل الحولين إذا اجتزأ الولد بغير اللبن، وعلى الارضاع بعد الحولين، وإن كان يجتزئ بغير اللبن، إلا إذا تضررت به، وليس لها الاستقلال بالفطام قبل تمام الحولين، وعلى الاب الاجرة إذا امتنعت الام من الفطام، إما لها وإما لغيرها، وذكر فيه احتمال إذا لم يتضرر به الولد، وإن اتفقا عليه، جاز، إذا لم يتضرر الولد، وأما بعد الحولين فيجوز لكل واحد منهما الفطام إذا اجتزأ بالطعام، ويجوز أن يزاد في الارضاع على الحولين إذا اتفقا. فرع لو لم يكن ولد الامة من السيد، بل مملوك له من زوج أو زنى، فحضانته على السيد، وحكم الارضاع على ما ذكرنا، وإن كان الولد حرا، فله طلب الاجرة على الارضاع، ولا يلزمه التبرع به كما لا يلزم الحرة التبرع، ولو رضي بأن ترضعه مجانا، لم يكن لها الامتناع.
فصل تجوز المخارجة وهي ضرب خراج معلوم على الرقيق يؤديه كل يوم أو أسبوع مما يكتسبه، وليس للسيد إجبار العبد عليها، ولا للعبد إجبار السيد، كالكتابة، وحكي قول مخرج أن للسيد إجباره كما ينقل منافعه قهرا إلى غيره، وليس بشئ، وإذا تراضينا على خراج، فليكن له كسب دائم يفي بذلك الخراج، فاضلا عن نفقته وكسوته، إن جعلهما في كسبه، وإذا وفى وزاد كسبه، فالزيادة بر من السيد لعبده، وتوسيع للنفقة عليه، وإذا ضرب عليه خراجا أكثر مما يليق، وألزمه

(6/522)


تأديته، منعه السلطان، ويجبر النقص في بعض الايام بالزيادة في بعضها، والمخارجة غير لازمة. فصل لا يجوز للسيد أن يكلف رقيقه من العمل إلا ما يطيق الدوام عليه، فلا يجوز أن يكلفه عملا يقدر عليه يوما ويومين، ثم يعجز عنه، وإذا استعمله نهارا، أراحه ليلا، وكذا بالعكس، ويريحه في الصيف في وقت القيلولة، ويستعمله في الشتاء، النهار مع طرفي الليل، ويتبع في جميع ذلك العادة الغالبة، وعلى العبد بذل المجهود، وترك الكسل. فصل إذا امتنع من النفقة على مملوكه، باع الحاكم ماله في نفقته، وهل يبيع شيئا فشيئا، أم يستدين عليه، فإذا اجتمع عليه شئ صالح، باع ؟ فيه وجهان. قلت: الثاني أصح. والله أعلم. فإن لم يجد له مالا، أمره بأن يبيعه، أو يؤجره، أو يعتقه، فإن لم يفعل، باعه الحاكم أو أجره، فإن لم يشتره أحد، أنفق عليه من بيت المال، فإن لم يكن فيه مال، فهو من محاويج المسلمين، فعليهم القيام بكفايته. فصل من ملك دابة، لزمه علفها، وسقيها، ويقوم مقام العلف والسقي تخليتها لترعى، وترد الماء إن كانت مما يرعى ويكتفى به لخصب الارض ونحوه، ولم يكن مانع ثلج وغيره، فإن أجدبت الارض ولم يكفها الرعي، لزمه أن يضيف إليه من العلف ما يكفيها، ويطرد هذا في كل حيوان محترم، وإذا امتنع المالك من ذلك،

(6/523)


أجبره السلطان في المأكولة على بيعها أو صيانتها عن الهلاك بالعلف أو التخلية للرعي أو ذبحها، وفي غير المأكولة على البيع أو الصيانة، فإن لم يفعل، ناب الحاكم عنه في ذلك على ما يراه ويقتضيه الحال، وعن ابن القطان أنه لا يخليها لخوف الذئب وغيره، فإن لم يكن له مال، باع الحاكم الدابة، أو جزءا منها، أو اكراها، فإن لم يرغب فيها لعمى أو زمانة، أنفق عليها بيت المال كالرقيق. فرع يجوز غصب العلف للدابة إذا لم يجد غيره، ولم يبعه صاحبه، وكذا غصب الخيط لجراحتها، وفيهما وجه ضعيف. فرع يحرم تكليف الدابة ما لا تطيقه، من تثقيل الحمل، وإدامة السير وغيرهما. قلت: يحرم تحميلها ما لا تطيق الدوام عليه، وإن كانت تطيقه يوما ونحوه، كما سبق في الرقيق. والله أعلم. فرع لا يجوز نزف لبن الدابة بحيث يضر ولدها، وإنما يحلب ما فضل عن ري ولدها، قال الروياني: ويعني بالري: ما يقيمه حتى لا يموت، وقد يتوقف في الاكتفاء بهذا، قال المتولي: ولا يجوز الحلب إذا كان يضر البهيمة لقلة العلف، قال: ويكره ترك الحلب إذا لم يكن فيه إضرار بها، لانه تضييع للمال، قال: والمستحب أن لا يستقصي في الحلب، ويدع في الضرع شيئا، وأن يقص الحالب أظفاره لئلا يؤذيها. فرع يبقى للنحل شيئا من العسل في الكوارة، فإن كان أخذه العسل في الشتاء، وزمن تعذر خروج النحل، كان المتبقي أكثر، وإن أقام شيئا مقام العسل لغذائها، لم يتعين إبقاء العسل. كما سبق في الرقيق. والله أعلم. فرع لا يجوز نزف لبن الدابة بحيث يضر ولدها، وإنما يحلب ما فضل عن ري ولدها، قال الروياني: ويعني بالري: ما يقيمه حتى لا يموت، وقد يتوقف في الاكتفاء بهذا، قال المتولي: ولا يجوز الحلب إذا كان يضر البهيمة لقلة العلف، قال: ويكره ترك الحلب إذا لم يكن فيه إضرار بها، لانه تضييع للمال، قال: والمستحب أن لا يستقصي في الحلب، ويدع في الضرع شيئا، وأن يقص الحالب أظفاره لئلا يؤذيها. فرع يبقى للنحل شيئا من العسل في الكوارة، فإن كان أخذه العسل في الشتاء، وزمن تعذر خروج النحل، كان المتبقي أكثر، وإن أقام شيئا مقام العسل لغذائها، لم يتعين إبقاء العسل. فرع دود القز يعيش بورق التوت، فعلى مالكه تخليته لاكله، فإن عز الورق، ولم يعتن المالك به، بيع ماله في تحصيل الورق لئلا يهلك من غير فائدة، فإذا جاء الوقت، جاز تجفيفه بالشمس، وإن كان يهلك لتحصل فائدته.

(6/524)


فرع ما لا روح فيه كالعقار والقنى والزرع والثمار، لا يجب القيام بعمارتها، ولا يكره ترك زراعة الارض، لكن يكره ترك سقي الزرع والاشجار عند الامكان لما فيه من إضاعة المال، قال المتولي: ويكره أيضا ترك عمارة الدار إلى أن تخرب، ولا يكره عمارات الدور وسائر العقار للحاجة، والاولى ترك الزيادة، وربما قيل: تكره الزيادة وبالله التوفيق. تم الجزء السادس ويليه الجزء السابع وأوله: " كتاب الجنايات "

(6/525)