روضة الطالبين وعمدة المفتين ط العلمية

روضة الطالبين - كتاب عقد الجزية والهدنة
فيه بابان :
الأول : في الجزية، وفيه طرفان :
الأول : في أركانها وهي خمسة: الاول: نفس العقد، وكيفيته أن يقول الامام أو نائبه: أقررتكم، أو أذنت لكم في الاقامة في دار الاسلام على أن تبذلوا كذا، وتنقادوا لاحكام الاسلام.

(7/487)


وهل يشترط التعرض لقدر الجزية ؟ وجهان، أحدهما: لا، ويجب الاقل، وأصحهما: نعم، كالثمن والاجرة. وهل يشترط التعرض لكفهم اللسان عن الله تعالى ورسوله - صلى الله عليه وسلم - ودينه ؟ وجهان، أصحهما: لا، لانه داخل في الانقياد، ويشترط من الذمي لفظ، كقبلت، أو رضيت بذلك، ولو قال الذمي: قررني بكذا، فأجابه الامام، تم العقد، ولا يصح عقد الذمة مؤقتا على المذهب، لانه خلاف مقتضاه، ومن صحح، قاسه على الهدنة، ولو قال: أقركم ما شئت، أو أقركم ما أقركم الله، أو إلى أن يشاء الله، لم يصح على المذهب، وقيل: على الخلاف في المؤقت بمعلوم وعكسه، وجعل هذا أولى بالصحة، وهو خلاف ما قاله الاصحاب. ولو قال: أقركم ما شئتم، جاز، لان لهم نبذ العقد متى شاؤوا، فليس فيه إلا التصريح بمقتضاه، قال الاصحاب: ولو قال في الهدنة: هادنتكم ما شئتم، لم يصح، لانه يجعل الكفار محكمين على المسلمين. فرع إذا طلبت طائفة تقر بالجزية عقد الذمة، وجبت إجابتهم، وفي البيان وغيره وجه: أنها لا تجب إلا إذا رأى الامام فيها مصلحة كما في الهدنة، وهذا شاذ متروك، فلو خاف غائلتهم، وأن ذلك مكيدة منهم، لم يجبهم. فرع إذا عقدت الذمة مع إخلال بشرط، لم يلزم الوفاء، ولم تجب الجزية المسماة، لكن لا يغتالون، بل يبلغون المأمن، ولو بقي بعضهم على ذلك العقد عندنا سنة أو أكثر، وجب عليه لكل سنة دينار، ولو دخل حربي دارنا وبقي مدة، فاطلعنا عليه فوجهان، الصحيح الذي حكاه الامام عن الاصحاب: أنا لا نأخذ منه شيئا لما مضى بخلاف من سكن دارا غصبا، لان عماد الجزية القبول، وهذا حربي لم يلتزم شيئا، وخرج ابن القطان وجها آخر: أنه تؤخذ منه جزية ما مضى، وعلى الوجهين: لنا قتله واسترقاقه، وأخذ ماله، ويكون فيئا، ولو رأى الامام أن يمن عليه، ويترك أمواله وذريته له، جاز بخلاف سبايا الحرب وأموالها، لان الغانمين

(7/488)


ملكوها، فاشترط استرضاؤهم، فإن كان الكافر كتابيا، وطلب عقد الذمة بالجزية، فهل يجيبه ونعصمه ؟ تقدم على هذا حكم الاسير إذا كان كتابيا، وطلب عقد الذمة بعد الاسر، وفي تحريم قتله حينئذ قولان، أظهرهما: التحريم، لان بذل الجزية يقتضي حقن الدم، كما لو بذلها قبل الاسر، فعلى هذا في استرقاقه وجهان، أحدهما: يحرم أيضا، ويجب تقريره بالجزية كما قبل الاسر، وأصحهما: لا يحرم، لان الاسلام أعظم من قبول الجزية، والاسلام بعد الاسر لا يمنع الاسترقاق، وماله مغنوم سواء قلنا: يحرم، أم لا. إذا عرفت هذا فبدل الداخل الذي أطلقنا عليه الجزية وجب قبولها على المذهب، وقيل: وجهان، كالاسير. فرع اطلعنا على كافر في دارنا، فقال: دخلت لسماع كلام الله تعالى، أو لرسالة، صدق ولا يتعرض له، سواء كان معه كتاب أم لا، وفيما إذا لم يكن معه احتمال للامام، ثم نقل ابن كج عن النص أنه مدعي الرسالة إن اتهم، حلف، وفي البحر أنه لا يلزم تحليفه، ويمكن الجمع بين الكلامين، ولو قال: دخلت بأمان مسلم، فهل يطالب ببينة لامكانها غالبا أم يصدق بلا بينة كدعوى الرسالة، لان الظاهر أنه لا يدخل بغير أمان ؟ فيه وجهان، أصحهما: الثاني، قال الروياني: وما اشتهر أن الرسول آمن هو في رسالة فيها مصلحة للمسلمين من هدنة وغيرها، فإن كان رسولا في وعيد وتهديد، فلا أمان له، ويتخير الامام فيه بين الخصال الاربع كأسير. قلت: ليس ما ادعاه الروياني بمقبول، والصواب أنه لا فرق، وهو آمن مطلقا. والله أعلم. الركن الثاني: العاقد، ولا يصح عقد الذمة إلا من الامام، أو من فوضه إليه، وفي كتاب ابن كج وجه: أنه يصح عقدها من آحاد الرعية، كالامان، وهذا شاذ متروك، لكن لو عقدها أحد الرعية، لم يغتل المعقود له، بل يلحقه بمأمنه، فإن أقام سنة فأكثر، فهل يلزمه لكل سنة دينار ؟ وجهان، أحدهما: نعم، كما لو فسد عقد الامام، وأصحهما: لا، لانه لغو. الركن الثالث: المعقود، له خمسة شروط.

(7/489)


أحدها: العقل، فلا جزية على مجنون، لانها لحقن الدم، وهو محقون، وفي البيان وجه: أن عليه الجزية، كالمريض والهرم، وليس بشئ، فإن كان يجن ويفيق، نظر إن قل زمن جنونه، كساعة من شهر، أخذت منه الجزية، وإن كثر بأن يقطع يوما ويوما، أو يومين، فأوجه، أصحها: تلفق أيام الافاقة، فإذا تمت سنة، أخذت الجزية، والثاني: لا شئ عليه، كمن بعضه رقيق، والثالث: حكمه كالعاقل وما يطرأ ويزول كالاغماء، والرابع: يحكم بموجب الاغلب، فإن استوى الزمان، وجبت الجزية، والخامس: إن كان في آخر السنة عاقلا، أخذت الجزية وإلا فلا، أما إذا كان مفيقا، ثم جن بعد انتصاف السنة، فهو كموته في أثناء السنة، وإن كان مجنونا فأفاق في أثناء السنة افتتح سنة، وسنذكرهما إن شاء الله تعالى. ولو وقع في الاسر من يجن ويفيق، قال الامام: إن غلبنا حكم المجنون، رق ولا يقتل، وإن غلبنا حكم الافاقة، لم يرق بالاسر، والظاهر الحقن، ويتجه أن تعتبر حالة الاسر، وهذا هو الاصح عند الغزالي. الشرط الثاني: البلوغ، فلا جزية على صبي، وإذا بلغ ولد ذمي، فهو في أمان، فلا يغتال، بل يقال له: لا نقرك في دار الاسلام إلا بجزية، فإن لم يبذل الجزية، ألحقناه بمأمنه، وإن اختار بذلها، فهل يحتاج إلى استئناف عقد، أم يكفي عقد أبيه ؟ وجهان، أصحهما عند العراقيين وغيرهم: الاول، فإن اكتفينا بعقد أبيه، لزمه مثل جزية أبيه، فإن كانت أكثر من دينار وقال: لا أبذل الزيادة، فطريقان، أحدهما: هو كذمي عقد بأكثر من دينار، ثم امتنع من بذل الزيادة، وفيه خلاف يأتي إن شاء الله تعالى، والثاني: القطع بالقبول، لانه لم يعقد بنفسه حتى يجعل بالامتناع ناقضا للعهد، وإن قلنا: يستأنف معه عقد، رفق به الامام ليلتزم ما التزم أبوه، فإن امتنع من الزيادة، عقد له بالدينار، وسواء اكتفينا بعقد أبيه، أم

(7/490)


احتجنا إلى الاستئناف، فلا فرق بين أن يكون الاب قد قال: التزمت هذا عن نفسي وفي حق ابني إذا بلغ، وبين أن لا يتعرض للابن، ولو بلغ الابن سفيها وبذل جزية أبيه وهي فوق دينار، فهل تؤخذ منه ؟ وجهان حكاهما البغوي، وليكونا بناء على أنه يكتفي بعقد أبيه أم يستأنف ؟ إن اكتفينا، أخذنا، وإلا فهو كسفيه جاء يطلب عقد الذمة، ولا شك أنه يجاب ولا يشترط إذن وليه، لان فيه مصلحة حقن الدم، لكن لو التزم أكثر من دينار، قال القاضي حسين: تلزمه الزيادة وإن لم يأذن الولي بناء على أن العهد لا يدخل تحت الولاية، حكاه الامام عنه، ولم يرتضه، وقال: الحقن ممكن بدينار، فينبغي أن يمتنع من بذل الزيادة، وذكر الروياني نحوه، وفي التهذيب الجزم بأنه لا تؤخذ الزيادة وإن أذن الولي، وقال الغزالي: يصح عقد السفيه بالزيادة لحقن الدم تشبيها بما إذا كان على السفيه قصاص، وصالح المستحق على أكثر من قدر الدية، لم يكن للولي منعه، وزاد فقال: للولي أن يعقد له بالزيادة، وليس للسفيه المنع، كما يشتري له الطعام بثمن غال صيانة لروحه، وفرق الامام بين هاتين المسألتين والجزية وقال: صيانة الروح لا تحصل في المسألتين إلا بالزيادة، وهنا بخلافه، والمذهب أنه لا يصح عقد السفيه والولي بالزيادة، وإذا اختار السفيه الالتحاق، واختار الولي عقد الذمة، فالمتبع اختيار السفيه، ذكره الروياني وصاحب البيان. الشرط الثالث: الحرية، فلا جزية على عبد ولا على سيده بسببه، ومن بعضه رقيق كالعبد، وقيل: يجب من الجزية بقسط حريته، والصحيح الاول، لانه غير مقتول بالكفر، كمن تمحض رقه، وإذا أعتق العبد، فإن كان من أولاد من لا يقر بالجزية، فليسلم، وإلا فليبلغ المأمن، وإن كان ممن يقر، فليسلم أو ليبذل الجزية، وإلا فليبلغ المأمن، سواء أعتقه مسلم أو ذمي، فإن أعتقه ذمي، فهل تؤخذ منه جزية سيده أم جزية عصبته، لانهم أخص به، أم يستأنف له عقد ؟ فيه أوجه.

(7/491)


قلت: الاصح: الاستئناف. والله أعلم. الشرط الرابع: الذكورة، فلا جزية على امرأة وخنثى، فإن بانت ذكورته، فهل تؤخذ منه جزية السنين الماضية ؟ وجهان. قلت: ينبغي أن يكون الاصح الاخذ. والله أعلم. ولو جاءتنا امرأة حربية، فطلبت عقد الذمة بجزية، أو بعثت بذلك من دار الحرب، أعلمها الامام أنه لا جزية عليها، فإن رغبت مع ذلك في البذل، فهذه هبة لا تلزم إلا بالقبض، وإن طلبت الذمة بلا جزية، أجابها الامام، وشرط عليها التزام الاحكام. ولو حاصرنا قلعة، فأرادوا الصلح على أن يؤدوا الجزية عن النساء دون الرجال، لم يجابوا، فإن صولحوا عليه، فالصلح باطل، وإن لم يكن فيها إلا النساء فطلبن عقد الذمة بالجزية، فقولان نص عليهما في الام أحدهما: يعقد لهن، لانهن يحتجن إلى صيانة أنفسهن عن الرق، كما يحتاج الرجال للصيانة عن القتل، فعلى هذا يشترط عليهن أن تجرى عليهن أحكام الاسلام، ولا يسترققن، ولا يؤخذ منهن شئ، وإن أخذ الامام مالا، رده، لانهن دفعنه على اعتقاد أنه واجب، فإن دفعنه على علم، فهو هبة، والحكم على هذا القول كما ذكرنا في حربية بعثت من دار الحرب تطلب الذمة، والقول الثاني: لا تعقد لهن، ويتوصل الامام إلى الفتح بما أمكنه، وإن عقد لم يتعرض لهن حتى يرجعن إلى القلعة، فإذا فتحها، سباهن، لان الجزية تؤخذ لقطع الحرب، ولا حرب في النساء والصبيان،

(7/492)


ولانهن قد قربن من مصيرهن غنيمة فلا يعرض عنهن بعد تحمل التعب والمؤنة، والقولان متفقان على أنه لا يقبل منهن جزية، ولا يوجد أحد إلزام، هذا ما نقله الاصحاب في جميع طرقهم، وشذ عنهم الامام فنقل في الخلاف وجهين وجعلهما في أنه هل يلزم قبول الجزية وترك إرقاقهن ؟ وضعف وجه اللزوم، وذكر الروياني الطريقة المشهورة، ثم حكى ما ذكره الامام عن بعض الخراسانيين، ولعله أراد به الامام، ثم قال: وهو غلط، ولو كان في القلعة رجل واحد، فبذل الجزية، جاز، وصارت النساء تبعا له في العصمة، هكذا أطلقه مطلقون، وخصه الامام والغزالي بما إذا كن من أهله، وهذا أحسن. فرع عقد الذمة يفيد الامان للكافر نفسا ومالا وعبيده من أمواله، قال الامام: وليس له أن يستتبع من النساء والصبيان والمجانين من شاء، لانه يخرج عن الضبط، ولكن لا بد من تعلق واتصال، فيستتبع من نسوة الاقارب وصبيانهم ومجانينهم من شاء، بأن يدرجهم في العقد شرطا، وسواء المحارم وغيرهم، فإن أطلق، لم يتبعوه. ومن له مصاهرة من النساء والصبيان والمجانين لهم حكم الاقارب على الاصح، وقيل: كالاجانب، وفي دخول الاولاد الصغار في العقد عند الاطلاق وجهان، أصحهما: الدخول اعتمادا على القرينة، والزوجات كالاولاد الصغار، وقيل: كنساء القرابة. فرع إذا بلغ الصبي، أو أفاق المجنون، أو عتق العبد، زالت التبعية، ولزمتهم الجزية وابتداء الحول من حين حدثت هذه الاحوال، فإن اتفق ذلك في نصف حول أهلهم الذميين مثلا، فإذا تم حول أهلهم، ورغب هؤلاء في أن يؤدوا نصف الجزية، فذاك، وإلا فإن شاء الامام أخذ جزيتهم عند تمام حولهم، وإن شاء أخر حتى يتم حول ثان لاهلهم، فيأخذ منهم جزية سنة ونصف لئلا تختلف الاحوال. فرع لو دخلت حربية دارنا بغير تبعية ولا أمان ولا طلب أمان، جاز استرقاقها، وكذا الحكم في الصبي، كما يجوز قتل الكافر إذا دخل، كذلك قال الامام، وكل حكم بجزية في القتال بجزية فيمن يظفر به من غير ذمة ولا أمان. فرع عن نصه إذا صالحنا قوم على أن يؤدوا الجزية عن صبيانهم ومجانينهم

(7/493)


ونسائهم سوى ما يؤدون عن أنفسهم، فإن شرطوا أن يؤدوا من مال أنفسهم، جاز، وكأنهم قبلوا جزية كثيرة، وإن شرطوه من مال الصبيان والمجانين، لم يجز أخذه. الشرط الخامس: كونه كتابيا، فالكفار ثلاثة أصناف. أحدها: أهل كتاب، ومنهم: اليهود والنصارى، فيقرون بالجزية، فلو زعم قوم أنهم متمسكون بصحف إبراهيم وزبور داود صلى الله عليهما وسلم، فهل يقرون بالجزية ؟ وجهان، أصحهما: نعم، ومنهم من قطع به، ولا تحل مناكحتهم وذبيحتهم على المذهب عملا بالاحتياط في المواضع الثلاثة، وقيل بطرد الخلاف في حل الذبيحة والمناكحة إلحاقا لكتبهم بكتاب اليهود، وحكي ذلك عن القاضي أبي الطيب وغيره، وإذا ألحقناهم باليهود، فإن تحققنا صدقهم، أو أسلم اثنان منهم، وشهدوا بذلك، فذاك، وعن صاحب الحاوي أن المعتبر قول جماعة تحصل الاستفاضة بقولهم، وإن شككنا في أمرهم، كالمجوس. الصنف الثاني: المجوس، فيقرون بالجزية، وهل كان لهم كتاب أم شبهة كتاب ؟ قولان سبقا في النكاح، أظهرهما: الاول وقطع به بعضهم. الثالث: من ليس له ولا شبهة، كعبدة الاوثان والملائكة والشمس، ومن في معناهم، فلا يقرون بالجزية، سواء فيهم العربي والعجمي. فرع اليهود والنصارى يقرون بالجزية، مهما دخل آباؤهم في اليهود أو التنصر قبل تبدل ذلك الدين، ولا فرق بين أولاد المبدلين وغيرهم، ولو دخل وثني

(7/494)


في يهودية أو نصرانية بعد مبعث نبينا - صلى الله عليه وسلم -، لم يقروا، هم ولا أولادهم، لانهم تمسكوا بدين باطل، وقال المزني: يقرون، والتهود بعد بعثة عيسى - صلى الله عليه وسلم - كالتهود والتنصر بعد بعثة نبينا - صلى الله عليه وسلم - على الاصح، وقد ذكرناه في النكاح، وإن دخلوا فيه بعد التبديل وقبل النسخ، فطريقان، أحدهما: إن تمسك بما لم يحرف، قرر، وإن تمسك بمحرف، لم يقرر هو ولا أولاده، وهل في الاولاد قولان، وبهذا الطريق قال العراقيون والبغوي وآخرون، والثاني: يقرون بلا تفصيل ولا خلاف، وهذا الطريق يدير الحكم على الدخول قبل النسخ وبعده، وهو اختيار ابن كج، والقاضي أبي الطيب، والامام، والروياني، قال القاضي أبو الطيب: لا أحفظ الشرط المذكور للشافعي، إنما فرق في كتبه بين ما قبل نزول القرآن وما بعده، وهذا أصح، قال الامام: لانهم وإن بدلوا فمعلوم أنه بقي فيه ما لم يبدل، فلا تنحط عن شبهة كتاب المجوس، أو تغليبا لحقن الدم، ولو لم نعرف أدخلوا قبل النسخ أو بعده، أو قبل التبديل أو بعده، قررناهم بالجزية كالمجوس. فرع المذهب أن السامرة والصابئين إن خالفوا اليهود والنصارى في أصول دينهم فليسوا منهم، وإلا فمنهم، وهكذا نص عليه، وعليه يحمل النصان الآخران، وقيل: قولان مطلقا، وقيل: تؤخذ منهم الجزية قطعا، وهذا فيما إذا لم يكفرهم اليهود والنصارى، فإن كفروهم، لم يقروا قطعا، فإن أشكل أمرهم، ففي تقررهم احتمالان ذكرهما الامام، الاصح: الجواز. فرع لو أحاط الامام بقوم، فزعموا أنهم أهل كتاب، أو أن آباءهم تمسكوا بذلك الدين قبل التبديل، قررهم بالجزية، لانه لا يعرف الامر إلا من جهتهم، قال ابن الصباغ: ويشترط عليهم إن بان خلاف قولهم، نبذ عهدهم وقاتلهم، وإن ادعاه بعضهم دون بعض، عامل كل طائفة بمقتضى قولها، ولا يقبل قول بعضهم على بعض، فلو أسلم منهم اثنان، وظهرت عدالتهما، وشهدا بخلاف دعواهم، نبذ عهدهم، هذا لفظ جماعة وقال الامام: يتبين أنه لا ذمة لهم، وهل يغتالهم لتلبيسهم علينا أم يلحقهم بالمأمن ؟ فيه تردد، والظاهر: اغتيالهم لتدليسهم، وكذا لو أسلم من السامرة أو الصابئين اثنان، فشهدا بكفرهم. فرع من أحد أبويه كتابي والآخر وثني، فيه طرق، والمذهب: تقريره،

(7/495)


سواء كان الكتابي الاب أو الام، وقيل: قولان، وقيل: لا يقرر، وقيل: يلحق بالاب، وقيل: بالام. فرع توثن نصراني وله أولاد صغار، فإن كانت أمهم نصرانية، استمر لهم حكم التنصر، فتقبل منهم الجزية بعد بلوغهم، وإن كانت وثنية، ففي تقريرهم بالجزية قولان، أظهرهما: نعم، لانه ثبت لهم علقة التنصر فلا تزول، وحقيقة القولين ترجع إلى أن توثنه هل يستتبع أولاده ؟ فإن أتبعناهم، لم يغتالوا، لانهم كانوا في أمان، ولم تؤخذ منهم جزية، وأما أبوهم، فيبنى حكمه على ما سبق في كتاب النكاح أنه هل يقنع منه بالعود إلى دينه أم لا يقنع إلا بالاسلام، فإن أباهما، فيقتل أم يلحق بالمأمن ؟ قولان الاظهر: الثاني. فرع الولد المنعقد من مرتدين، هل هو مسلم، أم مرتد، أم كافر أصلي ؟ فيه أقوال سبقت في الردة، فإن قلنا: مسلم، فبلغ وصرح بالكفر، فمرتد، وإن قلنا: أصلي، فالصحيح أنه لا يقر بجزية. فرع يهود خيبر كغيرهم في ضرب الجزية عليهم، وسئل ابن سريج رحمه الله عما يدعونه أن عليا رضي الله عنه كتب لهم كتابا بإسقاطها، فقال: لم ينقل ذلك أحد من المسلمين، وفي البحر أن ابن أبي هريرة أسقط الجزية عنهم، لان النبي - صلى الله عليه وسلم - ساقاهم، وجعلهم بذلك خولا، قال: وهذا شئ تفرد به، والمساقاة معاملة لا تقتضي إسقاط الجزية. فصل الزمن والشيخ الفاني، والاجير والراهب والاعمى تضرب عليهم الجزية كغيرهم على المذهب والمنصوص، لان الجزية كأجرة الدار، وقيل: إن قلنا: لا يقتلون، فلا جزية، كالنساء، وأما الفقير العاجز عن الكسب، فالمشهور المنصوص في عامة كتبه، أن عليه جزية، وفي قول: موسر، أخذناها منه، وإلا فهي في ذمته حتى يوسر، وكذا

(7/496)


حكم الحول الثاني وما بعده، وفي وجه: لا يمهل ولا يقر في دارنا، بل يقال: إما أن تحصل الجزية بما أمكنك، وإما أن نبلغك المأمن، لانه قادر على رفع الجزية بالاسلام، وإذا قلنا: لا يجب، عقدنا له الذمة على شرط إجراء الاحكام عليه، وبذل الجزية عند القدرة، فإذا أيسر، فهو أول حوله، هكذا قاله الاصحاب، وأشار الامام إلى أن ابتداء الحول من وقت العقد. فرع الجاسوس الذي يخاف شره، لا يقر بالجزية. الركن الرابع: المكان القابل للتقرير بلاد الاسلام حجاز وغيره، فالحجاز مكة والمدينة واليمامة ومخاليفها أي: قراها، قال الامام: قال الاصحاب: الطائف ووج، وهو واد بالطائف، وما يضاف إليهما منسوبة إلى مكة معدودة من أعمالها، وخيبر من مخاليف المدينة. ثم الحجاز ضربان: حرم مكة وغيره، أما غيره، فيمنع الكفار من الاقامة به، وفي منعهم من الاقامة في الطرق الممتدة في بلاد الحجاز وجهان حكاهما الامام، الصحيح وهو مقتضى إطلاق الجمهور: نعم، لانها من الحجاز، والثاني: لا، لانها ليست مجتمع الناس، ولا موضع إقامة، ولا يمنعون من ركوب بحر الحجاز، لانه ليس موضع إقامة، ويمنعون من الاقامة في سواحله في الجزائر المسكونة في البحر ومتى دخل كافر الحجاز بغير إذن الامام، أخرجه وعزره إن علم أنه ممنوع من دخوله، وإن استأذن في دخوله، أذن له إن كان في دخوله مصلحة للمسلمين، كرسالة أو عقد هدنة أو ذمة، أو حمل متاع يحتاج إليه المسلمون، وإن كان دخوله لتجارة ليس فيها كثير حاجة للمسلمين، لم يأذن له إلا بشرط أن يأخذ من تجارته شيئا، هكذا أطلقه جماعة، وحكوه عن النص، وفي التهذيب أنه يشرط عليه شيئا، وهو إلى رأي الامام، ولعله أراد أن قدر المشروط إلى رأي الامام، لا أصل الشرط فلا يخالف ما أطلقه غيره.

(7/497)


قلت: هذا الاحتمال هو مراده من غير ترديد، وهو مقتضى عبارته. والله أعلم. ولا يمكن من دخل بالاذن أن يقيم أكثر من ثلاثة أيام، ويشرط عليه ذلك عند الدخول، ولا يحسب من الثلاثة يوم الدخول والخروج، ولو كان له ديون، حصلت بمعاملاته بعد الدخول، أو من وجه آخر ولم يمكن قبضها في الحال، أمر أن يوكل مسلما بقبضها، وأخرج هو، ولو كان ينتقل من قرية إلى أخرى ويقيم في كل واحدة ثلاثة أيام، لم يمنع وأما حرم مكة زاده الله شرفا، فيمنع الكافر من دخوله، ولو كان مجتازا، فإن جاء برسالة والامام في الحرم، بعث إليه من يسمعه، ثم يخبر الامام، أو خرج إليه الامام ويتعين عليه ذلك إذا قال الكافر: لا أؤدي الرسالة إلا مشافهة، وإن جاء كافر ليناظره ليسلم، خرج إليه من يناظره، وإن حمل ميرة، خرج إليه الراغبون في الشراء، وإن كان لذمي مال في الحرم، أو دين، وكل مسلما ليقبضه ويسلمه إليه، وإن بذل الكافر على الدخول مالا، لم يجبه إليه، فإن فعل، فالصلح فاسد، فإن دخل، أخرج وثبت العوض المسمى بخلاف الاجارة الفاسدة، فإنه إنما تثبت فيها أجرة المثل، لانه هنا استوفى المعوض وليس لمثله أجرة، وإن دخل ولم ينته إلى الموضع المشروط، وجبت الحصة من المسمى، ولو دخل كافر بغير إذن الامام، أخرج وعزر إن كان علم، فلو مات فيه، لم يدفن فيه، فإن دفن، نبش وأخرج، فإن تقطع، ترك، وفي البحر وجه أنه تجمع عظامه إن أمكن وتخرج، وبهذا قطع الامام، وبالاول قال الجمهور، ولو مرض فيه، لم يرض فيه، بل ينقل وإن خيف من النقل موته، ولو مرض كافر في الحجاز خارج الحرم، قال: إن أمكن نقله بلا مشقة عظيمة عليه، كلف الانتقال، فإن خيف عليه الموت، ترك حتى يبرأ، وإن لم يخف الموت، ولكن تناله مشقة عظيمة، فالاصح تكليفه الانتقال، وجواب جمهور الاصحاب أنه لا ينقل مطلقا، فلو مات في الحجاز وتعذر نقله، دفن فيه، ولفظ الامام أنا نواريه مواراة الجيف، وإن كان في طرف الحجاز، نقل لسهولته، وأطلق أكثرهم أنه يدفن فيه، وقالوا: إذا جاز تركه في الحجاز للمرض، فللموت أولى، وذكر البغوي تفصيلا جيدا وهو أنه إن أمكن نقله قبل أن يتغير، نقل ولم يدفن فيه، وإن خيف عليه التغير، دفن للضرورة، وإذا دفن حيث لا يؤذن فيه، هل ينبش ويخرج عند التمكن ؟ وجهان حكاهما الامام، والصحيح: المنع، وبه

(7/498)


قطع الجمهور، فعلى هذا قال الامام: لا يبعد أن لا يرفع نعش قبره، وأما حرم المدينة فلا يلحق بحرم مكة فيما ذكرنا، لكن استحسن الروياني أن يخرج منه إذا لم يتعذر الاخراج ويدفن خارجه، أما غير الحجاز، فيجوز تقرير الكفار فيه بالجزية ولكل كافر دخوله بالامان، وإذا استأذن كافر في الدخول، لم يؤذن له إلا لحاجة، لانه لا يؤمن أن يجس، أو يطلع على عورة، ويتولد من اطلاعه فساد، أو يفتك بمسلم، ويؤذن له إذا كان في دخوله مصلحة للمسلمين، كرسالة وعقد ذمة أو هدنة، وإن كان يدخل لتجارة، فللامام أن يأذن له إذا رأى ذلك، ويأخذ من تجارته شيئا كما سيأتي إن شاء الله تعالى. وإذا دخل لبعض هذه الاغراض فليكن مكثه بقدر الحاجة، وليس لكافر أن يدخل مساجد هذه البلاد بغير إذن، ولا يؤذن له في دخولها لاكل ولا نوم، لكن يؤذن لسماع القرآن أو الحديث والعلم، قال الروياني: وكذا لحاجته إلى مسلم، أو حاجة مسلم إليه، وإذا دخل بلا إذن إن كان جاهلا فمعذور ويعرف، وإن كان عالما، عزر، وقيل: لا يعزر إلا أن يشرط عليه أن لا يدخل بلا إذن، وجلوس القاضي في المسجد إذن للكافر في الدخول، وإذا كان له خصومة. وهل يفرق بين كونه جنبا وغيره ؟ وجهان سبقا في كتاب الصلاة، والصحيح الاشهر أنه يكفي إذن آحاد المسلمين في دخول كل المساجد، وقال الروياني: لا يكفي في الجامع إلا إذن السلطان، وفي مساجد القبائل والمحال وجهان، أحدهما: يشترط إذن من له أهلية الجهاد، وأصحهما: يكفي إذن من

(7/499)


يصح أمانه، وإذا قدم وفد من الكفار، فالاولى أن ينزلهم الامام في دار مهيأة لذلك، أو في فضول مساكن المسلمين، فإن لم يتيسر، فله انزالهم في المسجد، ويجوز تعليمهم القرآن إذا رجي إسلامهم، ولا يجوز إذا خيف استخفافهم، وكذا القول في تعليم أحاديث النبي - صلى الله عليه وسلم - والفقه والكلام، ولا يمنعون من الشعر والنحو، قال الروياني: ومنعه بعض الفقهاء، لئلا يتطاولوا به على مسلم لا يحسنه. قلت: قال أصحابنا: لا يمنع الكافر من سماع القرآن، ويمنع من مس المصحف، ولا يجوز تعليمه القرآن إن لم يرج إسلامه ويمنعه التعليم على الاصح، وإن رجي، جاز تعليمه على الاصح. والله أعلم. فرع من دخل منهم لتجارة أو رسالة لم يمكن من إظهار خمر ولا خنزير، ولا يأذن له الامام في حملها إلى دار الاسلام. الركن الخامس: المال المعقود عليه، وفيه مسائل: إحداها: أقل الجزية دينار لكل سنة، هذا هو المنصوص الموجود في كتب الاصحاب، وذكر الامام أن الاقل دينار، أو اثنا عشر درهما نقرة خالصة مسكوكة، يتخير الامام بينهما، ولا يلزم الامام أن يخيرهم بأقل الجزية، بل يستحب أن يماكس حتى يأخذ من الغني أربعة دنانير، ومن المتوسط دينارين، وقال الامام: موضع المماكسة ما إذا لم يعلم الكافر جواز الاقتصار على دينار، فإن علم، تطلب الزيادة استماحة، فإن امتنعوا من بذل ما زاد على دينار، وجب تقريرهم بالدينار سواء فيه الغني والفقير، ولو عقد بأكثر من دينار، ثم علم أن الزيادة غير لازمة، لزمه ما التزم، كمن اشترى شيئا أكثر من ثمن مثله، فإن امتنع من الزيادة، فوجهان، أحدهما: يقنع بالدينار، وأصحهما: أنه ناقض للعهد بذلك، كما لو امتنع من أداء أصل الجزية، وحينئذ هل يبلغ المأمن أم يقتل ؟ قولان سنذكرهما إن شاء الله تعالى، فإن بلغ المأمن وعاد، فطلب العقد بدينار، أجبناه، هكذا ذكره البغوي، وأطلق الامام أنه إذا قبل الزيادة، ثم نبذ العهد إلينا لا يغتال، وإذا طلب تجديد عقد بالدينار، لزم إجابته، ثم إن كان النبذ بعد مضي سنة، لزمه ما التزم، وإن كان في

(7/500)


أثنائها، لزمه بقسطه تفريعا على المذهب فيما إذا مات الذمي في أثناء السنة. فرع نص أنه لو شرط على قوم أن على فقيرهم دينارا، ومتوسطهم دينارين، وغنيهم أربعة، جاز، والاعتبار في هذه الاحوال بوقت الاخذ لا بوقت العقد، ولا بما يطرأ، وإن قال بعضهم: أنا متوسط أو فقير، قبل قوله إلا أن تقوم بينة بخلافه. المسألة الثانية: لو مات الذمي، أو أسلم بعد مضي السنة، لم تسقط الجزية كسائر الديون، فتؤخذ من تركته ومنه إذا أسلم، ولو مضت سنون ولم يؤد الجزية، أخذت منه ولم تتداخل كالديون، ولو مات أو أسلم في أثناء السنة، فهل يجب قسط ما مضى كالاجرة أم لا يجب شئ كالزكاة ؟ قولان أظهرهما: الاول، وقيل: تجب قطعا، وقيل: عكسه، وقيل: لا تجب في الموت، وفي الاسلام القولان، فإن أوجبنا، فهل للامام أن يطالب في أثناء السنة بقسط ما مضى ؟ وجهان أصحهما: لا، ويقرب منه ما ذكره البغوي هل للامام أن يشترط تعجيلها ؟ وجهان، وجه الجواز إلحاقها بالاجرة، ومتى مات وعليه جزية، أخذت من تركته مقدمة على الوصية، كسائر الديون، فتؤخذ من تركته، ومنه إذا أسلم، فلو كان معها دين آدمي، فالمذهب والمنصوص أنه يسوى بينها وبينه، وقيل: فيه الاقوال الثلاثة في اجتماع دين الله تعالى ودين الآدمي هل يقدم ذا أم ذاك أم يستوي، وفي الوسيط طريقة حازمة بتقديم الجزية، وهو غلط. الثالثة: يستحب للامام إذا أمكنه أن يشرط على أهل الذمة إذا صولحوا في بلدانهم ضيافة من يمر بهم من المسلمين، وشرط الضيافة يكون لجميع

(7/501)


الطارقين، ولا يختص بأهل الفئ، هذا هو المذهب، وبه قطع الجمهور، وقيل: في اختصاصهم وجهان، وهل الضيافة زيادة مقصودة في نفسها أم محسوبة من الجزية وجهان أصحهما وأشهرهما: أنها زيادة وراء أقل الجزية، فعلى هذا إن قبلوها، لزم الوفاء، وجرت مجرى الزيادة على دينار، وإن قلنا: إنها من الجزية فعلمنا في آخر السنة أن ما ضيفوا به لا ينقص عن دينار فذاك، وإن نقص، لزمهم تتميمه، وإذا شرطنا الضيافة، ثم رأى الامام نقلها إلى الدنانير، فليس له ذلك على الاصح إلا برضاهم، فإن ردت إلى الدنانير، فهل يبقى للمصالح العامة، أم يختص بأهل الفئ ؟ وجهان، أصحهما: الاختصاص، كالدنانير المضروبة، وتشترط الضيافة على الغني والمتوسط، وفي الفقير أوجه، أصحها: لا تشترط عليه، والثاني: بلى، والثالث: تشترط على المعتمل دون غيره ويتعرض الامام عند اشتراط الضيافة لامور منها: أن يبين عدد أيام الضيافة في الحول، كمائة يوم أو أقل أو أكثر، وفي البحر أنه لو لم يذكر عدد الايام في الحول وشرط ثلاثة أيام مثلا عند قدوم كل قوم، فوجهان، إن جعلناها جزية، لم يجز، وإلا فيجوز. ومنها: بيان عدد الضيفان من الفرسان والرجالة، وعن الحاوي أن التعرض لعدد الضيفان إنما يشترط إذا جعلنا الضيافة من الجزية، فإن جعلناها وراءها، جاز أن لا يبين العدد، ثم إن تساووا في الجزية، تساووا في الضيافة، وإن تفاوتوا، فاوت بينهم، فيجعل على الغني ضيافة عشرين مثلا، وعلى المتوسط عشرة، والفقير إن قلنا باشتراطها عليه خمسة، وفي وجه يسوي بينهم في الضيافة، وإن تفاوتوا في الجزية، ولو شرط عدد الضيفان على جميعهم، وقال: تضيفون في كل سنة ألف مسلم، قال الروياني: يكفي ذلك، ثم هم يوزعونها أو يتحمل بعضهم عن بعض.

(7/502)


ومنها: بيان ذلك الطعام والادام وجنسهما، فيقول: لكل واحد كذا من الخبز، وكذا من السمن أو الزيت، ويتعرض لعلف الدواب من التبن أو الحشيش أو القت، ولا يحتاج إلى ذكر قدر العلف، وإن ذكر الشعير، بين قدره، وإطلاق العلف لا يقتضي الشعير، نص عليه. ومنها: منزل الضيفان من فضول منازلهم أو كنائسهم، أو بيوت الفقراء الذين لا يضيفون، وليكن الموضع بحيث يدفع الحر والبرد، ولا يخرجون أهل المنازل منها. ومنها: أن يبين مدة مقام الضيف، ولا يزيد على ثلاثة أيام، وقال ابن كج: يشترط على المتوسط ثلاثة أيام، والغني ستة، قال الامام: وإذا حصل التوافق على الزيادة، فلا منع، ولا يفرق بين الطبقات في جنس الطعام. فرع لو أراد الضيف أن يأخذ منهم ثمن الطعام، لم يلزمهم، ولو أراد أن يأخذ الطعام ويذهب به ولا يأكله، فله ذلك بخلاف طعام الوليمة، لان هذه معاوضة، وتلك مكرمة، ولا يطالبهم بطعام الايام الثلاثة في اليوم الاول ولو لم يأتوا بطعام اليوم، فهل للضيف المطالبة من الغد، إن جعلنا الضيافة محسوبة من الدينار، فله ذلك، وإلا فلا. ولا تلزمهم أجرة الطبيب والحمام وثمن الدواء، ولو تنازعوا في إنزال الضيف، فالخيار له، ولو تزاحم الضيفان على ذمي، فالخيار له، ولو قل عددهم، وكثر الضيفان، فالسابق أحق، فإن تساووا، أقرع، وليكن للضيفان عريف يرتب أمرهم. فصل تؤخذ الجزية على سبيل الصغار والاهانة، بأن يكون الذمي قائما، والمسلم الذي يأخذها جالسا، ويأمره بأن يخرج يده من جيبه، ويحني ظهره ويطأطئ رأسه، ويصب ما معه في كفة الميزان، ويأخذ المستوفي بلحيته ويضرب في لهزمته: وهي مجتمع اللحم بين الماضغ والاذن من اللحي، وهذا معنى الصغار

(7/503)


عند بعضهم، وهل هذه الهيئة واجبة أم مستحبة ؟ وجهان، أصحهما: مستحبة، ويبنى عليهما أنه هل يجوز أن يوكل الذمي مسلما بأداء الجزية، وأن يضمنها مسلم عن ذمي، وأن يحيل ذمي بها على مسلم، فإن أوجبنا إقامة الصغار عند أداء الجزية، لم يجز، وإن قلنا: المقصود تحصيل ذلك المال، ويحصل الصغار بالتزامه المال والاحكام كرها، جاز، والضمان أولى بالصحة، لانه لا يمنع مطالبة الذمي وإقامة الصغار عليه، ولو وكل ذمي ذميا بالاداء، قال الامام: الوجه طرد الخلاف، ولو وكل مسلما في عقد الذمة له، جاز، لان الصغار يرعى عند الاداء دون العقد. قلت: هذه الهيئة المذكورة أولا، لا نعلم لها على هذا الوجه أصلا معتمدا، وإنما ذكرها طائفة من أصحابنا الخراسانيين، وقال جمهور الاصحاب: تؤخذ الجزية برفق، كأخذ الديون، فالصواب الجزم بأن هذه الهيئة باطلة مردودة على من اخترعها، ولم ينقل أن النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولا أحد من الخلفاء الراشدين فعل شيئا منها مع أخذهم الجزية، وقد قال الرافعي رحمه الله في أول كتاب الجزية: الاصح عند الاصحاب: تفسير الصغار بالتزام أحكام الاسلام وجريانها عليهم، وقالوا: أشد الصغار على المرء أن يحكم عليه بما لا يعتقده ويضطر إلى احتماله. والله أعلم. فصل عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه طلب الجزية من نصارى العرب وهم: تنوخ وبهراء وبنو تغلب، وهم قبائل من العرب تنصروا لا يعلم متى تنصروا، وهم مقرون بالجزية، فقالوا: نحن عرب لا نؤدي ما يؤدي العجم، فخذ منا ما يأخذ بعضكم من بعض، يعنون الزكاة، فقال عمر رضي الله عنه: هذا فرض المسلمين، فقالوا: زد ما شئت بهذا الاسم لا باسم الجزية، فراضاهم على أن تضعف عليهم الزكاة،

(7/504)


قال الاصحاب: ولم يخالف عمر أحد من الصحابة رضي الله عنهم، فصار كالاجماع، وعقد الذمة لهم مؤبدا، فليس لاحد نقض ما فعله، قالوا: وفيه إشكال من وجهين: أحدهما: أنه ربما كان فيهم من يقل ماله الزكوي، فيكون المأخوذ منه أقل من دينار، وربما قلت أموالهم الزكوية، فينقص المأخوذ عن دينار لكل رأس، الثاني: أنه وإن وفى المأخوذ بدينار لكل رأس، فربما كان فيهم من لا يملك مالا زكويا فيكون قد قرر بلا جزية، ولا يجوز ذلك، وإن بذل غيره أكثر من دينار، كما لو قال واحد: خذوا مني عشرة دنانير على أن لا جزية على تسعة معي، ولم ينقل أنه رضي الله عنه سأل عن هذه الامور، وأجيب عن الاول بأن فعله رضي الله عنه محمول على أن المأخوذ لا ينقص عن دينار لكل رأس، أو أنه شرط عليهم الاتمام إن نقص، وقيل: احتمل ذلك، لانه إن نقص في وقت فربما زاد في وقت فتجبر الزيادة النقص، وعن الثاني، بأن المأخوذ من أصحاب أموال الزكوية مأخوذ عنهم وعن الآخرين، ولبعضهم أن يلتزم عن نفسه وعن غيره، وغرضنا تحصيل دينار عن كل رأس، هذا ما ذكره ابن أبي هريرة والاكثرون، وقال أبو إسحق: لا يجوز، لان فيه تقرير بعضهم بلا مال،. وأجري الوجهان فيما لو التزم واحد عشر دنانير عنه وعن تسعة، إذا تقرر هذا، فلو طلب قوم من أهل الكتاب أن يؤدوا الجزية باسم الصدقة، ولا يؤدوها باسم الجزية، فللامام إجابتهم إذا رأى ذلك، ويسقط عنهم الاهانة واسم الجزية، ويأخذ ضعف الصدقة، وسواء في هذا العرب والعجم، وقيل: يختص الجواز بالعرب لشرفهم، والصحيح الاول، ويشترط عليهم بمال الزكاة وقدرها، ويكفي أن يقول الامام: جعلت عليكم ضعف الصدقة، أو صالحتكم على ضعف الصدقة، والمأخوذ جزية تصرف مصرف الفئ، ولا يؤخذ شئ من الاموال الصبيان والمجانين والنسوة وينظر في الحاصل هل يفي بدينار عن كل رأس ؟ فإن لم يف، زاد إلى ثلاثة أضعاف فأكثر، وهل يدخل الفقير في التوزيع ؟ فيه الخلاف السابق في أنه تؤخذ منه جزية أم لا، ولو كثروا وعسر عددهم لمعرفة الوفاء بالدينار، فهل يجوز الاخذ بغلبة الظن ؟ وجهان، أصحهما: لا، بل يشترط تحقق أخذ دينار عن كل رأس، ويجوز الاقتصار على قدر الصدقة وعلى نصفها إذا حصل الوفاء بالدينار،

(7/505)


واستحب جماعة زيادة شئ على قدر الصدقة لاسقاط اسم الجزية، ولم يستبعد الامام المنع لما فيه من تشبيههم بالمسلمين في المأخوذ، وحط الصغار بلا غرض مالي، وإذا شرط ضعف الصدقة، وزاد على دينار، ثم سألوا إسقاط الزيادة وإعادة اسم الجزية، اجيبوا على الصحيح. فرع يأخذ من خمس من الابل شاتين، ومن عشر أربعا، ومن خمس وعشرين بنتي مخاض، ومن أربعين شاة شاتين، ومن ثلاثين بقرة تبيعتين، ومن عشرين دينارا دينارا، ومن مائتي درهم عشرة دراهم، ومما سقت السماء الخمس، ومما سقي بالنواضح العشر، ومن الركاز خمسين، وعلى هذا القياس، ومن مائتي بعير ثمان حقاق أو عشر بنات لبون، ولا يفرق فيؤخذ أربع حقاق وخمس بنات لبون، كما لا يفرق في الصدقة، ومن ستين بقرة أربعة أتبعة لا ثلاث مسنات، ومن ست وأربعين بعيرا حقتين فإن لم يجدهما فبنتي لبون مع الجيران، ومن ست وثلاثين بنتي لبون، فإن لم يجد فبنتي مخاض مع الجيران، وفي تضعيف الجبران وجهان، أحدهما: تضعف، فيؤخذ مع كل بنت مخاض شاتان، أو عشرون درهما، فإن لم نجد في مال صاحب الست والثلاثين بنت لبون وعندة حقاق، أخذنا حقتين ورددنا جبرانين ولا يضعف الجبران هنا قطعا، ويخرج الامام الجبران من الفئ كما يصرفه إذا أخذه إلى الفئ، وهل يؤخذ من بعض النصاب قسطه من واجب النصاب، كشاة من عشرين ونصف شاة من عشر ؟ فيه قولان، أظهرهما: لا، والثاني: نعم، رواه البويطي، فعلى هذا يؤخذ من مائة شاة ونصف شاة ثلاث شياه، ومن سبعة أبعرة ونصف ثلاث شياه، ومن خمس وثلاثين بقرة تبيع ومسنة، وأجرى الخلاف في الاوقاص، هل يحط عنهم أم يجب قسط المأخوذ في حقهم، وقيل: إن أدى الاخذ من الوقص إلى التشقيص مع التضعيف لم يؤخذ، وإلا فيؤخذ. فرع إذا ضرب الجزية على ما يحصل من أرضهم من ثمر وزرع باسم الصدقة، فباع أرضهم، صح بيعه، فإن بقي مع البائع ما بقي الحاصل منه بالمشروط عليه، فذاك، وإلا انقلبت الجزية إلى رقبة البائع، وأما المشتري، فإن كان مسلما، فلا شئ عليه فيما اشتراه، وإن كان ذميا، فإن كانت الجزية على رقبته، فكذلك، وإن كانت على حاصل أرضه، زاد الواجب بما اشتراه.

(7/506)


فصل إذا استأذن حربي في دخول دار الاسلام، أذن له الامام إن كان يدخل لرسالة، أو حمل ميرة، أو متاع تشتد حاجة المسلمين إليه، قال الامام: ولا يجوز توظيف مال على رسول، ولا على مستجير لسماع كلام الله تعالى، لان لهما الدخول بلا إذن، وإن كان يدخل لتجارة لا تشتد الحاجة إليها، جاز للامام أن يأذن له ويشرط عليه عشر ما معه من مال التجارة، ولو دخل غير تاجر بأمان مسلم، لم يطالب بشئ، وقيل: إن دخل الحجاز، وجب دينار، لعظم حرمته، ولو رأى الامام أن يزيد المشروط على العشر، جاز على الاصح، ويجتهد فيه كما في زيادة الجزية على دينار، ولو رأى أن يحط الضريبة عن العشر، ويردها إلى نصف العشر فما دونه، فله ذلك، وله أن يشرط في نوع من تجارتهم نصف العشر، وفي غيره العشر، ولو رأى أن يأذن لهم بغير شئ، جاز على الاصح، وبه قطع الجمهور، لان الحاجة تدعو إليه لاتساع المكاسب وغيره، ثم إن كان المشروط أن يأخذ من تجارة الكافر، أخذ، سواء باع أم لا، وإن كان المشروط أن يأخذ من ثمن تجارته، لم يأخذ حتى يبيع، وأما الذمي، فله أن يتجر فيما سوى الحجاز من بلاد الاسلام، ولا يؤخذ من تجارته شئ، قال في البيان: إلا أن يشترط عليه مع الجزية شئ من تجارته، فلو أراد أن يدخل الحجاز، ويتجر فيه، فقد ذكر الغزالي في الوجيز خلافا في أنه هل يؤخذ منه شئ ؟ ولا وجود لهذا الخلاف في شئ من كتب الاصحاب، ولم يذكره الامام والغزالي في الوسيط بل الذي نقله الاصحاب أن الذمي في الحجاز كالحربي في سائر بلاد الاسلام، وما يؤخذ من الذمي لا يؤخذ في كل سنة إلا مرة، كالجزية، وكذا الحربي إذا أخذت منه الضريبة مرة لا تؤخذ ثانيا حتى يمضي إذا كان يطوف في بلاد الاسلام بأجر أو يكتب له وللذمي براءة حتى لا يطالب في بلد آخر قبل الحول، فإن رجع إلى دار الحرب، ثم عاد في الحول، فهل تؤخذ كل مرة أم لا تؤخذ إلا مرة ؟ وجهان، أصحهما: الثاني وهو ظاهر نصه، والامام بالخيار فيما يضربه بين استيفائه دفعة أو دفعات، ثم ما ذكرنا من أخذ المال من تجارة الحربي أو الذمي هو فيما إذا شرط الامام عليه، فأما إذا أذن لحربي في دار الاسلام، أو لذمي في دخول الحجاز بلا شرط، فوجهان، أحدهما: تؤخذ، حملا للمطلق على المعهود، وأصحهما: المنع، لانهم لم يلتزموا. فرع المرأة التابعة للزوج أو القريب في عقد الذمة إذا ترددت متجرة في

(7/507)


الحجاز، أو في غير الحجاز، حكمها حكم الذمي. فصل إذا صالحنا طائفة من الكفار على أن تكون أرضهم لهم، ويؤدوا خراجا عن كل جريب في كل سنة كذا، جاز ويستمر ملكهم ويكون المأخوذ جزية تصرف مصرف الفئ، والتوكيل بإعطائه كالتوكيل بإعطاء الجزية، ويشترط أن يبلغ قدرا يخص كل واحد من أهل الجزية منه دينارا إذا وزع على رؤوسهم، ويلزمهم ذلك زرعوا أم لا، ولا يؤخذ من أرض صبي ولا مجنون ولا امرأة، ولهم بيع تلك الارض وهبتها وإجارتها، وإذا أجر بعضهم بعضها لمسلم بقي الخراج على المكري، ويلزم المستأجر الاجرة، وإن باع لمسلم، انتقل الواجب إلى رقبة البائع ولا خراج على المشتري، ولو أسلموا بعد الصلح، سقط الخراج، ويلزمهم أن يؤدوا عن المدات الذي يمنعوننا منه دون ما لا يمنعون منه، ولو أحيوا منه شيئا بعد الصلح، لم يلزمهم شئ لما أحيوا إلا إذا شرط عليهم أن يؤدوا عما يحيون، ولو صالحناهم على أن الارض لنا ويسكنونها ويؤدون عن كل جريب، فهو عقد إجازة، والمأخوذ أجرة، فتجب معها الجزية ولا يشترط أن تبلغ دينارا عن كل رأس، وتؤخذ من أرض النساء والصبيان والمجانين، ويجوز توكيل المسلم في أدائها، وليس لهم بيع تلك الارض ولا هبتها، ولهم إجارتها.
الطرف الثاني : في أحكام عقد الذمة
فإذا صح عقدها، لزمنا شئ، ولزمهم شئ، أما ما يلزمنا فأمران، أحدهما: الكف عنهم، بأن لا يتعرض لهم نفسا ومالا، ويضمنهما المتلف، ولا يتعرض لكنائسهم على تفصيل سنذكره إن شاء الله تعالى، ولا تتلف خمورهم وخنازيرهم إلا إذا أظهروها، فمن أراق أو قتل من غير إظهار، عصى، ولكن لا ضمان، ولو باع ذمي لمسلم خمرا، أريقت على المسلم ولا ثمن للذمي،

(7/508)


وإن غصبها من ذمي، وجب ردها على الصحيح، وعليه مؤنة الرد، قال البغوي: ولو كان لمسلم على ذمي دين، فقضاه، وجب القبول إذا لم يعلم أن المؤدى ثمن محرم، فإن علم، بأن باع الخمر بين يديه وأخذ ثمنها، فهل يجبر على قبوله ؟ وجهان، أصحهما: لا يجبر، وهو المنصوص، بل لا يجوز القبول، ولو كان لذمي على ذمي دين، ورهن به خمرا، لم يتعرض لهما، كما لو باعه الخمر، فإن وضعاها عند مسلم، لم يكن له إمساكها، ولو كان لمسلم على ذمي دين، فرهن به خمرا، لم يجز. الامر الثاني: يلزم الامام دفع من قصدهم من أهل الحرب إن كانوا في دار الاسلام، فإن كانوا مستوطنين دار الحرب وبذلوا الجزية، لم يجب الذب عنهم، وإن كانوا منفردين ببلدة في جوار الدار، وجب الذب على الاصح، هذا إذا جرى العقد مطلقا، فإن جرى بشرط أن يذب أهل الحرب، وجب الوفاء بالملتزم وفيه احتمال للامام، وإن جرى بشرط أن لا يذب عنهم، فإن كانوا مع المسلمين، أو في موضع إذا قصدهم أهل الحرب كان مرورهم على المسلمين، فسد الشرط، وكذا العقد على الصحيح، وإن كانوا منفردين ولا يمر أهل الحرب بهم، صح الشرط، وحكى الامام وجها أن شرط ترك الذب فاسد مطلقا، والصحيح الاول، وهل يكره ؟ فيه نصان حملوهما على حالين، فإن طلب الامام الشرط، كره، لان فيه إظهار ضعف المسلمين، وإن طلب أهل الذمة، فلا، ويجب دفع المسلمين وأهل الذمة عنهم، كما يجب دفع أهل الحرب، فإن لم يدفع عنهم حتى مضى حول، لم تجب جزيته، كما لا تجب الاجرة إذا لم يوجد التمكن من الانتفاع، ولو أغار أهل الحرب على أهل الذمة، وأخذوا أموالهم، ثم ظفر الامام بهم، فاسترجعها، لزمه ردها على أهل الذمة، فإن أتلفوا، فلا ضمان عليهم، كما لو أتلفوا مال المسلمين، ومن أغار من بيننا وبينه هدنة وأتلف أموال أهل الذمة، ضمن، فإن نقضوا العهد وامتنعوا، ثم أغاروا وأتلفوا لهم مالا أو نفسا، ففي الضمان قولان، كأهل البغي.
فصل وأما ما يلزمهم: فخمسة أمور. الاول: في الكنائس والبيع، فالبلاد التي في حكم المسلمين قسمان، أحدهما: ما أحدثه المسلمون، كبغداد والكوفة والبصرة، فلا يمكن أهل الذمة من إحداث بيعة وكنيسة وصومعة راهب فيها، ولو صالحهم على التمكن من إحداثها،

(7/509)


فالعقد باطل، والذي يوجد في هذه البلاد من البيع والكنائس وبيوت النار لا ينقض لاحتمال أنها كانت في قرية أو برية فاتصل بها عمارة المسلمين، فإن عرف إحداث شئ بعد بناء المسلمين، نقض. الثاني: بلاد لم يحدثوها ودخلت تحت أيديهم، فإن أسلم أهلها، كالمدينة واليمن، فحكمها كالقسم الاول، وإلا فإما أن تفتح عنوة أو صلحا، الضرب الاول: ما فتح عنوة، فإن لم يكن فيها كنيسة، أو كانت وانهدمت، أو هدمها المسلمون وقت الفتح أو بعده، فلا يجوز لهم بناؤها، وهل يجوز تقريرهم على الكنيسة القائمة ؟ وجهان، أصحهما: لا، وبه قطع جماعة، الثاني: ما فتح صلحا وهو نوعان، أحدهما: فتح على أن رقبة الارض للمسلمين، وهم يسكنونها بخراج، فإن شرطوا إبقاء البيع والكنائس، جاز، وكأنهم صالحوا على أن الكنائس لهم وما سواها لنا، وإن صالحوا على إحداثها أيضا، جاز، ذكره الروياني وغيره، وإن أطلقوا، لم تبق الكنائس على الاصح، الثاني: ما فتح على أن البلد لهم يؤدون خراجه، فيقرون على الكنائس ولا يمنعون من إحداثها فيه على الاصح، لان الملك والدار لهم، ويمكنون فيها من إظهار الخمر والخنزير والصليب، وإظهار ما لهم من الاعياد، وضرب الناقوس، والجهر بالتوراة والانجيل، ولا شك في أنهم لا يمنعون من إيواء الجاسوس، وتبليغ الاخبار، وما يتضرر به المسلمون في ديارهم، وحيث قلنا: لا يجوز الاحداث، وجوزنا إبقاء الكنيسة، فلا منع من عمارتها إذا استرمت، وهل يجب إخفاء العمارة ؟ وجهان، أحدهما: نعم، لان إظهارها زينة تشبه الاستحداث، وأصحهما: لا، فيجوز تطيينها من داخل وخارج، ويجوز إعادة الجدار الساقط، وعلى الاول يمنعون من تطيين خارجها، وإذا أشرف الجدار على الخراب، فلا وجه إلا أن يبنوا جدارا داخل الكنيسة، وقد تمس الحاجة إلى جدار ثالث ورابع، فينتهي الامر إلى أنه لا يبقى من الكنيسة شئ، ويمكن أن يكتفي من يوجب الاخفاء بإسبال ستر تقع العمارة وراءه، أو بإيقاعها في الليل، وإذا انهدمت الكنيسة المبقاة، فلهم إعادتها على الاصح، ومنعها الاصطخري وابن أبي هريرة، فإن جوزنا، فليس لهم توسيع خطتها على الصحيح، ويمنعون من ضرب

(7/510)


الناقوس في الكنيسة، كما يمنعون من إظهار الخمر، وقيل: لا يمنعون تبعا للكنيسة، وهذا الخلاف في كنيسة بلد صالحناهم على أن أرضه لنا، فإن صالحناهم على أن الارض لهم، فلا منع قطعا كما سبق، قال الامام: وأما ناقوس المجوس، فلست أرى فيه ما يوجب المنع، وإنما هو محوط وبيوت يجمع فيها المجوس جيفهم، وليس كالبيع والكنائس، فإنها تتعلق بالشعار. الامر الثاني: في البناء، فيمنعون من إطالته ورفعه على بناء جيرانهم من المسلمين، فإن فعلوا، هدم، هذا هو المذهب، وحكى ابن كج قولا آخر: أن لهم الرفع، فعلى المذهب الاعتبار ببناء جاره على الصحيح، وفي وجه: لا يطيل على بناء أحد من المسلمين في ذلك المصر، وسواء كان بناء الجار معتدلا أو في غاية القصر، وللامام احتمال فيما هو في غاية القصر، ثم المنع لحق الدين لا لمحض حق الجار، فيمنع ولو رضي الجار، وهذا المنع واجب، وقيل: مستحب، ويمنعون من المساواة على الاصح، ولو كان أهل الذمة في موضع منفرد، كطرف من البلد منقطع عن العمارة، فلا منع من رفع البناء على الصحيح، ولو ملك ذمي دارا رفيعة البناء، لم يكلف هدمها، فإن انهدمت، فأعادها، منع من الرفع، وفي المساواة الوجهان، ولو فتحت بلدة صلحا على أنها للمسلمين، لم

(7/511)


تهدم أبنيتهم الرفيعة فيها ويمنعون من الاحداث، ذكره البغوي. الثالث: يمنعون من ركوب الخيل على الصحيح، لان فيه عزا، وحكى ابن كج أن لا منع، كما لا منع من ثياب نفيسة، واستثنى الشيخ أبو محمد البراذين،

(7/512)


وفي البغال وجهان، أحدهما: المنع، وبه قال الفوراني والامام والغزالي، وأصحهما: لا منع، وبه قطع كثيرون، ولا منع من الحمر وإن كانت رفيعة القيمة، وإذا ركبوا، لم يركبوا السروج بل الاكف، ويركبون عرضا، وهو أن يجعل الراكب رجليه من جانب واحد وعن الشيخ أبي حامد أن لهم الركوب على استواء، ويحسن أن يتوسط، فيفرق بين أن يركب إلى مسافة قريبة فيمننع في البلد، أو إلى مسافة بعيدة، فيمنع في الحضر ويكون ركابهم من خشب لا حديد، وجوز ابن أبي هريرة الحديد، ويمنعون من تقلد السيوف وحمل السلاح، ومن لجم الذهب والفضة، وذكر ابن كج أن هذا كله في الذكور البالغين، فأما النساء والصغار، فلا يلزمون الصغار، كما لا جزية عليهم. فرع لا يترك لذمي صدر الطريق، بل يلجأ إلى أضيقه إذا كان المسلمون يطرقون، فإن خلت الطرق عن الزحمة، فلا حرج، وليكن الضيق بحيث لا يقع في وهدة، ولا يصدمه جدار، ولا يوقر، ولا يصدر في مجلس إذا كان فيه مسلمون، ولا يجوز لمسلم أن يوادهم، ولا أن يبدأ من لقيه منهم بسلام، وإن بدأ الذمي به، فلا يجيبه، ذكره البغوي. قلت: هذا الذي ذكره البغوي هو وجه حكاه الماوردي، والصحيح بل الصواب: أن يجاب بما ثبت في الاحاديث الصحيحة، وعليكم، وفي هذه المسألة كلام كثير وتفصيل أوضحته في كتاب السلام من كتاب الاذكار. والله أعلم. الرابع: يؤخذ أهل الذمة في دار الاسلام بالتميز في اللباس، بأن يلبسوا الغيار، وهو أن يخيطوا على ثيابهم الظاهرة ما يخالف لونه لونها، وتكون الخياطة على الكتف دون الذيل، هكذا أطلق، ويشبه أن يقال: لا يختص بالكتف، والشرط الخياطة في موضع لا يعتاد، وإلقاء منديل ونحوه، كالخياطة، ثم الاولى باليهود العسلي، وهو الاصفر، وبالنصارى الازرق أو الاكهب، ويقال له: الرمادي، وبالمجوس الاسود أو الاحمر، ويؤخذون أيضا بشد الزنار، وهو خيط غليظ على أوساطهم خارج الثياب، وليس لهم إبداله بمنطقة ومنديل ونحوهما، وإن

(7/513)


لبسوا قلانس، ميزت عن قلانس المسلمين بذؤابة، أو علم في رأسها، وإذا دخلوا حماما فيه مسلمون، أو تجردوا عن الثياب، فليكن عليهم جلاجل، أو في أعناقهم خواتيم حديد، أو رصاص لا ذهب وفضة، هكذا ذكره الجمهور، وقال في المهذب: يجعل في عنقه خاتم ليتميز في الحمام وفي الاحوال التي يتجرد فيها، وبين العبارتين تفاوت ظاهر، وإذا كان لهم شعر، أمروا بجز النواصي، ومنعوا من إرسال الضفائر، والجمع بين الغيار والزنار تأكيد ومبالغة في شهرهم، ويجوز أن يقتصر الامام على اشتراط أحدهما، وهل تؤخذ النساء بالغيار، وشد الزنار، والتميز في الحمام ؟ وجهان، أصحهما نعم، والثاني: لا، لندور خروجهن، فلا حاجة إلى التميز، فعلى الاصح قال الشيخ أبو حامد: يجعل الزنار فوق الازار، وفي التهذيب: وغيره تحته لئلا يصف بدنها، وأشار بعضهم إلى اشتراط ظهور شئ منه. قلت: هذا لا بد منه، وإلا فلا يحصل كبير فائدة. والله أعلم. والتميز في الحمام يبنى على أنه هل يجوز لهن دخوله مع المسلمات ؟ قال البغوي: والاصح منعه، وقد يفهم من هذا السياق أن للمسلمات دخوله بلا حجر، لكن نقل الروياني وغيره عن ابن أبي هريرة أنه قال: لا يجوز لهن دخوله إلا لضرورة. قلت: الاصح الاشهر أنه لا يحرم عليهن، لكن يكره إن لم يكن عذر، وبهذا قطع الامام أبو بكر السمعاني المروزي من أصحابنا، وقد أوضحت مسائل الحمام وما يتعلق به في آخر صفة الغسل من شرح المهذب. والله أعلم. وإذا خرجت ذمية بخف، فليكن أحد خفيها أسود والآخر أبيض أو أحمر، ولا يشترط التميز بكل هذه الوجوه، بل يكفي بعضها. فرع للذمي أن تعممم ويتطلس على الصحيح، ويلبس الديباج على الاصح، كرفيع القطن والكتان، وذكر الغزالي وجهين في أن أصل الغيار واجب أم مستحب ؟ والذي يوافق كلام الجمهور وإطلاقهم الوجوب. الخامس: الانقياد للحكم، فيلزم أهل الذمة الانقياد لحكمنا، هكذا أطلقه الاصحاب، وحكى الامام عن العراقيين أن المراد أنهم إذا فعلوا ما يعتقدون

(7/514)


تحريمه، يجري عليهم حكم الله تعالى فيه، ولا يعتبر رضاهم، وذلك كالزنى والسرقة، فإنهما محرمان عندهم كشرعنا، وقد بينا حكمهما في البابين، وذكرنا الفرق بين أن يزني بمسلمة، ويسرق مال مسلم، أو يزنى بذمية، ويسرق مال ذمي، وأما ما يعتقدون حله، فقد سبق أن حد الشرب لا يقام على ذمي على الاصح وإن رضى بحكمنا، ولو نكح مجوسي محرما له، لم يتعرض له، فإن رفعوا إلينا ورضوا بحكمنا، حكمنا، وهل يجب الحكم ؟ فيه القولان المعروفان، ويلزمهم كف اللسان، والامتناع من إظهار المنكرات، كإسماع المسلمين شركهم، وقولهم ثالث ثلاثة، واعتقادهم في المسيح وعزير - صلى الله عليه وسلم -، وإظهار الخمر والخنزير والناقوس وأعيادهم وقراءتهم التوراة والانجيل، وإحداثهم الكنائس في بلادنا، وإطالتهم البناء، وتركهم مخالفة لما شرط، فإن أظهروا شيئا من هذه، منعوا وعزروا ولكن لا ينتقض به عهدهم، سواء شرط الامتناع منها في العقد أم لا، فإن شرط عليهم الانتقاض بهذه الاسباب، فقال الامام: يبنى ذلك على الخلاف في صحة عقد الذمة مؤقتا، إن صححناه، صح العقد، فينتقض إذ أظهروا، وإن لم نصححه، فسد العقد من أصله، والحكاية عن الاصحاب أنه لا ينتقض، بل يفسد الشرط، ويتأبد العقد، ويحمل ما جرى على تخويفهم، وينتقض عهدهم بقتالهم المسلمين، سواء شرط عليهم الامتناع منه أم لا، هذا إذا لم تكن شبهة، فلو أعانوا البغاة، وادعوا أنهم لم يعرفوا الحال، فقد سبق بيانه في قتال البغاة، ولو منعوا الجزية، أو امتنعوا من إجراء أحكام الاسلام عليهم، انتقض عهدهم، هكذا قاله الاصحاب، قال الامام: هذا إذا منع مع القدرة، فأما العاجز إذا استمهل فلا ينتقض عهده، قال: ولا يبعد أن يقال: تؤخذ الجزية من الموسر الممتنع قهرا، ولا يجعل الامتناع ناقضا كسائر الديون، ويخصص ما قاله الاصحاب بالمتغلب المقاتل، قال: وأما الامتناع من إجراء الاحكام، فإن امتنع هاربا، فلا أراه ناقضا، وإن امتنع راكبا إلى قوة وعدة، فينبغي أن يدعى إلى الانقياد، فإن نصب القتال، انتقض عهده بالقتال، ثم أسند الامام ما ذكره من الاحتمال إلى من تقدمه، فحكى عن القاضي حسين الانتقاض في القتال، ونقل ابن كج قولين في امتناعهم من إجراء الاحكام، وعن الحاوي أن الامتناع من البدل نقض العهد من الواحد والجماعة، والامتناع من الاداء مع الاستمرار على الالتزام نقض من الجماعة دون الواحد، لانه

(7/515)


يسهل إجباره عليه، ولو زنى ذمي بمسلمة، أو أصابها باسم نكاح، أو تطلع على عورة المسلمين ونقلها إلى دار الحرب، أو فتن مسلما عن دينه، ودعاه إلى دينهم، ففي انتقاض عهده طرق، أصحها: أنه لم يجر ذكرها في العقد، لم ينتقض، وإلا فوجهان، ويقال: قولان، أصحهما: لا ينتقض قطعا، والثالث: إن شرط، انتقض، وإلا فوجهان، وهل المعتبر في الشرط الامتناع من هذه الافعال، أم انتقاض العهد إذا ارتكبها ؟ صرح الامام والغزالي بالثاني، وكثيرون بالاول، ولا يبعد أن يتوسط فيقال: إن شرط الانتقاض، فالاصح الانتقاض، وإلا، فالاصح خلافه، وألحق بالخصال الثلاث إيواء عيون الكفار، وأما قطع الطريق والقتل الموجب للقصاص، فالمذهب أنهما كالزنى بمسلمة، وقيل: كالقتال، ولا يلحق بالمنابذة التوثب على رفقة، أو شخص معين، وليجر الطريقان فيما لو قذف مسلما، وسواء قلنا: ينتقض العهد، أو لا ينتقض، فقد قال البغوي: يقام عليهم موجب ما فعلوه من حد أو تعزيز، ثم يجري على مقتضى الانتقاض كما سيأتي إن شاء الله تعالى، وإذا قتل الذمي لقتله مسلما، أو لزنى وهو محصن، فهل يصير ماله فيئا تفريعا على الحكم بالانتقاض ؟ وجهان. قلت: أصحهما. وأما ذكر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالسوء إذا جهروا به، وطعنهم في الاسلام ونفيهم القرآن، فالمذهب أنه كالزنى بمسلمة ونحوه، وقيل: ينتقض قطعا، كالقتال، وفي محل الخلاف طريقان، أحدهما: أنه فيما إذا ذكر الذمي سواء يعتقده ويتدين به، كتكذيب ونحوه، فأما ما لا يعتقده، ولا يتدين به، بأن طعن في نسب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، أو نسبه إلى الزنى، فليلتحق بالقتال، وينتقض العهد به قطعا سواء

(7/516)


شرط عليه الكف عنه أم لا، وأصحهما: أن الخلاف فيما ذكر ما لا يتدين به، فأما ما يتدين به، فلا ينتقض بإظهاره قطعا، ومن هذا نفيهم القرآن. واعلم أن ذكرهم الله تعالى كذكرهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بطريق الاولى، فيجري فيه الخلاف، صرح به الروياني وغيره، ولكنهم جعلوا إظهار الشرك، وقولهم ثالث ثلاثة، ومعتقدهم في المسيح وعزير، كإظهارهم الخمر، فلا ينتقض قطعا، مع أن جميع هذا يتضمن ذكر الله تعالى بالسوء، ولا يستقيم هذا إلا على الطريق الثاني، وهو أن السوء الذي يتدين به لا ينقض قطعا، ونقل صاحب الشامل وغيره عن أبي بكر الفارسي أنه قال: من شتم منهم النبي - صلى الله عليه وسلم - قتل حدا، لان النبي - صلى الله عليه وسلم - قتل ابن خطل والقينتين، وزيفوه وقالوا: إنهم كانوا مشركين لا أمان لهم. فرع حيث حكمنا بانتقاض العهد، هل يبلغهم المأمن ؟ قولان، أحدهما: نعم كمن دخل بأمان صبي، وأظهرهما: لا، بل يتخير الامام بين قتله واسترقاته، والمن والفداء، لانه كافر لا أمان له، والقولان في الانتقاض بغير قتال، فأما إذا نصبوا القتال، وصار حربا لنا في دارنا، فلا بد من دفعهم، والسعي في استئصالهم، ولو أسلم من انتقض عهده قبل أن يختار الامام شيئا، قال الاصحاب: لا يجوزر استرقاقه بخلاف الاسير، لانه لم يحصل في يد الامام بالقهر، فخف أمره، وهل يبطل أمان النساء والصبيان تبعا كما يثبت تبعا ؟ وجهان، أصحهما: لا، إذا لم توجد منهم خيانة ناقضة، فعلى هذا لا يجوز سبيهم، ويجوز تقريرهم في دارنا، فإن طلبوا الرجوع إلى دار الحرب، أجيب النساء دون الصبيان، إذ لا حكم لقولهم قبل البلوغ، فإن كان الطالب ممن يستحق الحضانة، أجيب إليه، وإلا فلا، ولو نبذ ذمي إلينا العهد، واختار اللحوق بدار الحرب، بلغناه المأمن على المذهب، وأجرى القاضي حسين فيه القولين، لانه كافر لا أمان له. فرع المسلم إذا ذكر الله تعالى بما يقتضي الكفر، أو كذب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فهو مرتد، فيدعى إلى الاسلام، فإن عاد وتاب، قبلت توبته، ولو كذب على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عمدا، فعن الشيخ أبي محمد أنه يكفر ويراق دمه، قال

(7/517)


الامام: وهذه زلة، ولم أر ما قاله لاحد من الاصحاب، والصواب أنه يعزر، ولا يكفر، ولا يقتل، وما روي أن رجلا أتى قوما، وزعم أنه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فأكرموه، فأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، بقتله، محمول على أن الرجل كان كافرا، ومن قذف النبي - صلى الله عليه وسلم - وصرح بنسبته إلى الزنى، فهو كافر باتفاق الاصحاب، فإن عاد إلى الاسلام فثلاثة أوجه، أحدها: قال الاستاذ أبو إسحق: لا شئ عليه، لانه مرتد أسلم، والثاني قال أبو بكر الفارسي يقتل حدا، لانه حد قذف، فلا يسقط بالتوبة، والثالث قال الصيدلاني: يجلد ثمانين جلدة، ثم في كلام الامام والغزالي أنا إذا قلنا: يقبت حد القذف، فعفا أحد بني أعمامه، فينبغي أن يسقط، أو يقول: هم لا ينحصرون، فهو كقذف ميت ليس له ورثة خاصون، ولا يبعد تخريج وجوب الحد على القولين في وجوب القصاص بقتل مثل هذا الشخص، وقد يقال: كل واحد من بني الاعمام غير وارث، بل الارث للاقرب، ولا يكاد يعرف الاقرب ممن في الدنيا، ويقع النظر في أن عفو بعض الورثة هل يؤثر ؟ ووراءه نظر آخر، وهو حد قذفه هل يورث ؟ فيجوز أن يقال: لا يورث، كما لا يورث المال، أما إذا لم يقذف صريحا، لكن عرض، فقال الامام: الذي أراه أنه كالسب الصريح في اقتضاء الكفر لما فيه من الاستهانة. قلت: هذا الذي قاله الامام متعين، وقد قاله آخرون، ولا نعلم فيه خلافا. والله أعلم. ولو قذف نبيا غير نبينا، فهو كقذف نبينا - صلى الله عليه وسلم -.
فصل في مسائل تتعلق بالباب يؤخذ على أهل الذمة أن يخفوا دفن موتاهم، ولا يخرجوا جنائزهم ظاهرا، ولا يظهروا على موتاهم لطما ولا نوحا، ولا يسقوا المسلمين خمرا، ولا يطعموهم خنزيرا، وإذا شرط ذلك عليهم فعرض بعضهم خمرا على مسلم، فشربها اختيارا، حد المسلم وعزر الذمي، وكذا لو ابتدأ المسلم بطلبها فأجابه، لكن تعزيره هنا أخف، وأن لا يعلوا أصواتهم على

(7/518)


المسلمين، وأن يعينوهم إذا استعانوا بهم فيما لا يتضررون به، وأن لا يستذلوا المسلمين في مهن الاعمال بأجرة ولا بتبرع، حكي أكثر هذا عن الحاوي أنهم لو انفردوا بقرية، هل يمنعون ركوب الخيل ؟ وجهان، أحدهما: لا كإظهار الخمر، والثاني: نعم، خوفا من أن يتقووا به على المسلمين، ولو بنى ذمي في دار الاسلام بناء لابناء السبيل،، مكن إن جعله للمسلمين وأهل الذمة، فإن خص أهل الذمة، فوجهان، ويكتب الامام بعد عقد الذمة أسماءهم وأديانهم وحلاهم، فيتعرض لسنه أهو شيخ أم شاب، ولكونه من سمرة وشقرة وغيرهما، ويصف وجهه ولحيته وجبهته وحاجبيه وعينيه وشفتيه وأنفه وأسنانه، وآثار وجهه إن ان فيه آثار، ويجعل على كل طائفة عريفا يضطبطهم لمعرفة من أسلم منهم، ومن مات، ومن بلغ، ومن قدم عليهم، وليحضرهم لاداء الجزية، والشكوى إليه ممن يتعدى عليهم من المسلمين، ومن يتعدى منهم، ويجوز أن يكون العريف للعرض الثاني ذميا، ولا يجوز للعرض الاول إلا مسلم وبالله التوفيق.
الباب الثاني : في عقد الذمة ويقال لها الموادعة، والمعاهدة، وهي جائزة بنصوص الكتاب والسنة والاجماع، فيه طرفان :
الأول : في شروطها وهي أربعة :
الأول : أن يتولاه الامام أو نائبه فيه، هذا في مهادنة الكفار مطلقا، أو أهل إقليم، كالهند والروم، ويجوز لوالي الاقليم المهادنة مع أهل قرية أو بلدة في إقليمه للمصلحة، وكأنه مأذون فيه بتفويض مصلحة الاقليم إليه. ولو عقد الهدنة واحد من الرعية، فدخل قوم ممن هادنهم دار الاسلام، لم

(7/519)


يقروا، لكن يلحقون بمأمنهم، لانهم دخلوا على اعتقاد أمانه.
الثاني : أن يكون للمسلمين إليه حاجة وفيه مصلحة، بأن يكون في المسلمين ضعف لقلة عدد أو مال، أو بعد العدو، أو يطمع في إسلامهم لمخاطتهم المسلمين، أو في قبولهم الجزية، أو في أن يعينوه على قتال غيرهم، وإذا طلب الكفار الهدنة، فإن كان فيها ضرر على المسلمين فلا يخفى أنهم لا يجابون، وإلا فوجهان، أحدهما: تجب إجابتهم، والصحيح: لا تجب، بل يجتهد الامام ويفعل الاصلح، قال الامام: وما يتعلق باجتهاد الامام لا يعد واجبا، وإن كان يتعين عليه رعاية الاصح.
الثالث : أن يخلو عن الشروط الفاسدة، فإن عقدها على أن لا ينتزع أسرى المسلمين منهم، أو يرد إليهم المسلم الذي أسروه، وأفلت منهم، أو شرط ترك مال مسلم في أيديهم، فهذه شروط فاسدة، وكذا لو شرط أن يعقد لهم الذمة على أقل من دينار، أو على أن يقيموا بالحجاز، أو يدخلوا الحرم، أو يظهروا الخمور في دارنا، أو شرط أن يرد عليهم إذا جئن مسلمات، وكذا ولو عقد بشرط التزام مال، فإن دعت ضرورة إلى بذل مال، بأن كانوا يعذبون الاسرى في أيديهم ففديناهم، أو أحاطوا بنا وخفنا الاصطدام، فيجوز بذل المال، ودفع أعظم الضررين بأخفهما، وفي وجوب بذل المال عند الضرورة وجهان بناء على وجوب دفع الصائل. قلت: ليس هذا البناء بصحيح، فقد سبق أن الصائل إذا كان كافرا، وجب دفعه قطعا، ثم الخلاف هناك في وجوب الدفع بالقتال، وهنا بالمال، والاصح وجوب البذل هنا للضرورة. والله أعلم. ولا يملك الكفار ما يأخذونه، لانه مأخوذ بغير حق، قاله في المهذب وإذا

(7/520)


جرى في المهادنة شرط فاسد، فسد به العقد على الصحيح، وبه قطع ابن الصباغ وغيره.
الرابع : أن يقتصر على المدة المشروعة، ثم لا يخلو إما لا يكون بالمسلمين ضعف، أو يكون، فإن لم يكن ورأى الامام المصلحة في الهدنة، هادن أربعة أشهر فأقل، ولا يجوز أكثر من سنة قطعا، ولا سنة على المذهب ولا ما بينهما وبين أشهر على الاظهر وإن كان بالمسلمين ضعف جازت الزيادة إلى عشر سنين بحسب الحاجة، ولا تجوز زيادة على العشر، لكن إن انقضت المدة والحاجة باقية، استؤنف العقد، وقيل: تجوز الزيادة على عشر بحسب الحاجة، وقيل: لا يجوز أكثر من سنة، وقيل: لا يجوز أكثر من أربعة أشهر، وهذه أوجه شاذة مردودة، فإذا قلنا لا تجوز الزيادة على عشر، فهادن مطلقا، فالعقد فاسد، وقيل: ينزل عند ضعف المسلمين على عشر، وعند القوة قولان، أحدهما: ينزل على سنة، والثاني: على أربعة أشهر، ويجوز أن لا يوقف الامام الهدنة، ويشرط انقضاءها متى شاء، لان النبي - صلى الله عليه وسلم - هادن يهود خيبر وقال: أقركم ما أقركم الله لكن لو اقتصر الامام على هذه اللفظة، أو قال: هادنتكم إلى أن يشاء الله فسد العقد، لان النبي - صلى الله عليه وسلم - يعلم ما عند الله بالوحي بخلاف غيره، ولو قال: هادنتكم ما شاء فلان، وهو مسلم عدل ذو رأي، فإذا نقضها، انتقضت، ولو قال: ما شاء فلان منكم، لم يجز، لان الكافر لا يحكم على المسلمين. فرع إذا زاد قدر مدة الهدنة على الجائز، بأن زاد عند الضعف على عشر سنين، أو احتاج إلى أربع مثلا، فزاد، بطل العقد في الزائد، وفي الباقي قولا تفريق الصفقة، وقيل: يصح فيه قطعا لعدم العوض ولانه يتسامح في معاقدة الكفار.

(7/521)


فرع إذا طلب الكافر الامان ليسمع كلام الله تعالى، وجبت إجابته قطعا كما سبق، قال الامام: وهل يمهل لذلك أربعة أشهر أم يقال: إذا لم يفصل الامر بمجالس يحصل فيها البيان التام يقال له: الحق بمأمنك ؟ فيه تردد أخذته من فحوى كلام الاصحاب، والاصح: المنع.
الطرف الثاني : في أحكامها فمتى فسد العقد لزيادة المدة، أو لالتزام مال أو غيرهما، لا يمضى بل يجب نقضه، لكن لا يجوز اغتيالهم، بل يجب إنذارهم وإعلامهم، وإذا قوع صحيحا، وجب الوفاء بالكف عنهم إلى انقضاء المدة، أو صدور خيانة منهم تقتضي الانتقاض، وإذا مات الامام الذي عقدها، أو عزل، وجب على الامام الذي بعده امضاؤه، فإن رآه فاسدا، قال الروياني: إن كان فساده من طريق الاجتهاد، لم يفسخه، وإن ان بنص أو اجماع، فسخه، وينبغي للامام إذ هادن أن يكتب عقد الهدنة ويشهد عليه ليعمل به من بعده، ولا بأس أن يقول فيه: لكم ذمة الله تعالى وذمة رسوله - صلى الله عليه وسلم - وذمتي، ومتى صرحوا بنقض العقد، أو قاتلوا المسلمين، أو آووا عينا عليهم، أو كاتبوا أهل الحرب، أو قتلوا مسلما، أو أخذوا مالا، أو سبوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، انتقض عهدهم، ولا يفتقر إلى أن يحكم الحاكم بنقضه، قال الامام: والمضرات التي اختلف في انتقاض عقد الذمة بها تنقض الهدنة بلا خلاف، لان الهدنة ضعيفة غير متأكدة ببذل الجزية، وإذا انتقض عهدهم، جاز قصد بلدهم وتبييتهم والاغارة عليهم إن علموا أن ما فعلوه ناقض، وكذا إن لم يعلموا على الاصح، وقيل: لا يقاتلون إلا بعد إنذارهم، وينبغي أن يقال: إذا لم يعلموا أنه خيانة لا ينتقض العهد إلا إذا كان المفعول مما لا يشك في مضادته للهدنة، كالقتال، ثم ما ذكرنا من قصدهم والاغارة عليهم هو إذا كانوا في بلادهم، فأما من دخل دارنا بأمان أو مهادنة، فلا يغتال وإن انتقض عهده، بل يبلغ المأمن، هذا إذا نقض جميعهم العهد، فإن نقضه بعضهم، نظر إن لم ينكر الآخرون على الناقضين بقول ولا فعل، بل ساكنوهم وسكتوا، انتقض عهدهم أيضا، وإن أنكر بقول أو فعل، بأن اعتزلوهم أو بعثوا إلى الامام بأنا مقيمون على العهد، لم ينتقض، هكذا أطلقه جماهير الاصحاب، ووراءه شيئان غريبان، أحدهما: قال الامام: لو بدت خيانة بعضهم وسكت الآخرون، كان للامام أن ينبذ إليهم، والثاني في كتاب ابن

(7/522)


كج: أنه لو نقض السوقة العهد ولم يعلم الرئيس والاشراف بذلك ففي انتفاض العهد في حق السوقة وجهان، وجه المنع: أنه لا اعتبار بعقدهم فكذا بنقضهم، وأنه لو نقض الرئيس وامتنع الاتباع وأنكروا، ففي الانتقاض في حقهم قولان، وجه النقض: أنه لم يبق العقد في حق المتبوع، فكذا التابع، والصحيح ما سبق، وأذا انتقض في حق بعضهم، فإن تميزوا، فذاك، وإلا فلا يبيتهم الامام، ولا يغر عليهم إلا بعد الانذار، ويبعث إلى الذين لم ينقضوا ليتميزوا أو يسلموهم، فإن لم يفعلوا مع القدرة صاروا ناقضين أيضا، ومن أخذ منهم واعترف بأنه من الناقضين، أو قامت عليه بينة، لم يخف حكمه، وإلا فيصدق بيمينه أنه لم ينقض، وأما عقد الذمة فنقضه من البعض ليس نقضا من الباقين بحال. فرع إذا استشعر الامام ممن هادنه خيانة وظهرت أمارة تدل على خيانتهم، فقال الشيخ أبو حامد: ينتقض عهدهم، والصحيح المنصوص: أنه لا ينتقض، بل للامام أن ينبذ إليهم عهدهم، وحكي قول أنه لا ينبذه كما لا ينبذ عقد الذمة بالتهمة، وحكي وجه في نبذ الذمة بالتهمة، والمذهب الفرق، وإذا نبذه فلا بد من إنذارهم وإبلاغهم المأمن، لكن من عليه حق آدمي من مال أو حد قذف أو قصاص، يستوفى منه أولا، والمعتبر في إبلاغ الكافر المأمن أن يمنعه من المسلمين ومن أهل عهدهم، ويلحقه بدار الحرب، واكتفى ابن كج بإلحاقه بأول بلاد الكفر وقال: لا يلزم إلحاقه ببلده الذي يسكنه فوق ذلك إلا أن يكون بين أول بلاد الكفر وبلده الذي يسكنه بلد للمسلمين يحتاج إلى المرور عليه، وفي لبحر أنه لو كان له مأمنان، لزم الامام إلحاقه بمسكنه منهما، ولو كان يسكن بلدين، فالاختيار للامام، وفي هذا ما ينازع في الاكتفاء بأول بلاد الكفر، ولو لم تظهر أمارة يخاف بسببها منهم نبذ العهد، ولا اعتبار الوهم المحض، حكي ذلك عن نصه في الام. فرع إذا هادن الامام مدة لضعف وخوف اقتضاها، ثم زال الخوف وقوي المسلمون، وجب الوفاء بما جرى. فرع قال في الحاوي: يجب على الذين هادنهم الامام الكف عن قبيح القول والعمل في حق المسلمين، وبذل الجميل منهما، فلو كانوا يكرمون

(7/523)


المسلمين، فصاروا يهينونهم، أو يضيفون النزيل ويصلونهم، فصاروا يقطعونهم، أو يعظمون كتاب الامام، فصاروا يستخفون به، أو نقصوا عما كانوا يخاطبون به، سألهم الامام عن سبب فعلهم، فإن اعتذروا بما يجوز قبول مثله، قبله، وإن لم يذكروا عذرا، أمرهم بالرجوع إلى عادتهم، فإن امتنعوا، أعلمهم بنقض الهدنة ونقضها. فصل إذا شرط رد المرأة إذا جاءتنا منهم مسلمة، لم يجز بحال، وشرط رد الرجل إذا هاجر مسلما جائز في الجملة، والفرق أنه لا يؤمن أن يصيبها زوجها الكافر، أو أن تزوج كافرا، ولانها عاجزة عن الهرب وأقرب إلى الافتتان، فإذا عقد الامام هدنة، فإما أن يشرط أن لا يرد من جاء مسلما، أو يطلق، أو يشرط الرد، أو شرط أن لا يرد، فلا رد ولا غرم، وكذا لو خص النساء، يمنع الرد، وإن أطلق فهل يغرم الامام مهر من جاءت مسلمة ؟ قولان، أظهرهما: لا، وقيل: إن كان قبل الدخول وجب الغرم قطعا، قال ابن الصباغ: هذا سهو من قائله، وإن شرط الرد، نظر إن أطلق فقال: بشرط أن نرد من جاءنا منهم، ففي وجوب الغرم القولان، وقد يقال: إن أوجبنا عند الاطلاق، فهنا أولى، وإلا فقولان، ولو صرح بشرط رد النساء، فهو فاسد، وفي فساد العقد به ما سبق، فإن لم يفسده، ففي الغرم الخلاف السابق بالترتيب، ويتفرع على وجوب الغرم مسائل: منها: المغروم، وهو المبذول من صداقها، وقال الماوردي: عندي أنه هو الاقل من مهر المثل والمبذول، والصحيح الاول، وبه قال الجمهور، ولو لم يدفع إليها شيئا، فلا شئ له، ولو لم يدفع إلا بعضه، لم يستحق إلا ذلك القدر، ولو كان أعطاها أكثر من المسمى، لم يستحق الزيادة، كما لا يستحق ما أطعمها وكساها وأنفقه في العرس، لانه متبرع به، ولانه ليس بدل البضع الذي حلنا بينه وبينه. ومنها: لا يثبت الغرم بمجرد قوله: أعطيتها صداقها، بل ينظر إن أنكرت النكاح، فهي المصدقة وعليه البينة، وإن صدقته وأنكرت القبض، ففي الشامل وغيره: أنها تصدق باليمين، وعليه البينة، وقال الروياني: لا يمين عليها، لان الصداق على غيرها، وقال الشيخ أبو حامد: يفحص الامام عن مهر مثلها، فقد يعرفه من تجار المسلمين الذين دخلوا دار الحرب، ومن الاسارى، ثم يحلف الرجل

(7/524)


أنه أصدقها ذلك القدر وسلمه، ولو ادعى الدفع وصدقته، فقد نقل الامام عن العراقيين أن إقرارها كالبينة، وقالوا: تعسر إقامة البينة على ما يجري بين الكفار، ورأى الامام أن يعتمد قولها ولا يجعله حجة علينا. ومنها: محل الغرم سهم المصالح، وحكى ابن كج وجها أنه إن كان للمرأة مال، أخذ منها، والصحيح الاول، فإن هاجرت إلى بلد فيه الامام، غرم المهر، وإن هاجرت إلى بلد فيه نائبه، فكذلك، وهل المعتبر نائبه في عقد الهدنة، أم في بيت المال ؟ وجهان، وإن هاجرت إلى بلد ليس فيه الامام ولا نائبه، فعلى أهل البلد منعها حسبة ولا يغرمون المهر، قال ابن كج: وليس على الامام والحالة هذه رد المهر، كما لو جاء رجل إلى غير بلد الامام لا يلزمه أن يخلي بينه وبين من يطلبه، والاحسن ما حكاه البغوي وغيره: أنه إن قال عند المهادنة: من جاءني منكم مسلما رددته، لم يلزمه شئ، لانها ما جاءته، وإن قال: من جاء المسلمين، أو من جاءنا، وجب. ومنها: لو وهبته الصداق، أو أبرأته فعلى الخلاف في التشطر. ومنها: إذا جاءت مسلمة، ثم أسلم الزوج، نظر إن أسلم قبل انقضاء عدتها، فالنكاح مستمر، وليس لها طلب المهر، وإن أخذه قبل الاسلام، لزمه رده إذا زالت الحيلولة، وإن لم يسلم حتى انقضت عدتها، نظر إن أخذ المهر قبل الاسلام، لم يسترجع منه، وصار بالقبض كالمستهلك في الشرك، وإن لم يأخذه، فإن طالبت به قبل إسلامه، استقر له المهر لحصول الحيلولة بإسلامها، ومنعنا إياها منه، وعن أبي إسحق أنه

(7/525)


لا مهر له، والصحيح الاول، وإن لم يطالب بها قبل إسلامه، فلا شئ له، لان الحيلولة حصلت بالبينونة باختلاف الدين، ولا مطالبة بالمهر بعد البينونة، فلو كانت الصورة بحالها، ولم يكن أعطاها المهر، فلما أسلم بعد انقضاء العدة أخذت المهر بسبب المسيس، فهل تغرم له ذلك ؟ فيه احتمالان للامام، وجعلهما الغزالي وجهين، أرجحهما: المنع، هذا إذا كان إسلامها بعد الدخول، فإن جاءت مسلمة قبل الدخول وأسلم الزوج بعدها، لم يكن له طلب المهر، لانه أسلم بعد البينونة. ومنها: لو جاء في طلبها غير زوجها، كأبيها وعشيرتها، لم يغرم شيئا، لان المعتبر طلب من كان له ملك البضع، أو طلب وكيله ورسوله، ولو جاءنا الزوج ولم يطلبها، لم يغرم أيضا، وينبغي أن يكون الطلب في العدة، فأما إذا بانت بانقضاء العدة، فلا أثر للطلب. ومنها: إذا دخلت كافرة، رددناها سواء طلبها زوجها أو محارمها، فإن أسلمت بعد دخولها، فهو كما لو جاءت مسلمة في أنا لا نردها وفي غرم المهر، وقيل: في الغرم وجهان، ولو ارتدت بعد الاسلام، وجاء الزوج يطلبها، نظر إن طلبها بعد قتلها، لم نغرم شيئا لحصول الحيلولة بالقتل، وإن طلبها قبل القتل، لم نردها لوجوب قتلها، وفي الغرم وجهان، أصحهما: يجب لحصول الحيلولة بالاسلام. ومنها: لو جاءتنا مسلمة، فجنت، أو جاءتنا مجنونة ثم أفاقت وأسلمت، فحكمها في الرد والغرم حكم العواقل، وإن جاءت مجنونة تصف الاسلام أو لا تصفه، وأخبر عنها أنها وصفته ولم نعلم، أو وصفته قبل الجنون أم فيه، أو لم نخبر عنها بشئ، لم ترد لاحتمال الاسلام قبل الجنون، ولا غرم لاحتمال أنها لم تسلم حينئذ، فلا نغرم بالشك، فإن أفاقت وأقرت بالاسلام، غرمنا، وإلا رددناها ولا غرم، ولو علمنا أنها لم تزل مجنونة، فينبغي أن ترد. ومنها: إذا جاءت صبية مميزة وهي تصف الاسلام لا نردها، لانا وإن لم نصحح إسلامها فنتوقعه، فيحتاط لحرمة الكلمة، وقيل: ترد، والصحيح الاول، ولا غرم في الحال على الاصح، وقيل: الاظهر كالمجنونة، فإن بلغت ووصفت الكفر، رددناها، وإن وصفت الاسلام غرمنا. ومنها: لو جاءت رقيقة منهم مسلمة، فلا ترد على سيدها ولا زوجها، ويحكم

(7/526)


بعتقها إن فارقتهم ثم أسلمت، لانها إذا جاءت مراغمة لهم، ملكت نفسها بالقهر فتعتق، كعبد قهر سيده الحربي، فإنه يصير حرا، وهل يغرم لسيدها قيمتها من سهم المصالح إذا جاء يطلبها ؟ فيه طريقان، المذهب: أنه على القولين، والثاني: لا غرم قطعا، لان الحيلولة حصلت بالعتق والقهر قبل الاسلام، ومن قال بالمذهب، قال: المانع هو الاسلام، فإنها لو كانت حرة كافرة لم يمنع زوجها، ولو أسلمت، ثم فارقتهم، وهاجرت مسلمة، فقال البغوي: لا تصير حرة، لانهم في أماننا، وأموالهم محرمة علينا، فلا يزول الملك عنها بالهجرة بخلاف ما إذا هاجرت، ثم أسلمت، لان الهدنة لا توجب أمان بعضهم من بعض، فملكت نفسها بالقهر، ولم يتعرض جماعة لهذا التفصيل، وأطلقوا الحكم بالعتق، ويجوز أن يؤخذ به، لان الهدنة جرت معنا لا معها، كما سنذكره إن شاء الله تعالى في الرجل إذا جاءنا مسلما ورددناه، أن له التعرض لهم، ثم قال الشيخ أبو إسحق: لا ترد إلى سيدها لاسلامها وشركه، ولكن نغرم له قيمتها، كما لو غصب منهم مال وتلف، واعترض صاحب البيان وقال: الذي يقتضيه المذهب أنا لا نغرم القيمة ويأمره بإزالة الملك عنها، كأمة كافر أسلمت، ونعود إلى هذا الكلام والتفصيل إن شاء الله تعالى، وإذا كانت الامة مزوجة، ففي غرم المهر القولان، فإن قلنا بغرامة المهر والقيمة، نظر إن حضر الزوج والسيد معا، أخذ كل واحد حقه، وإن جاء أحدهما فقط فثلاثة أوجه، أصحهما: نغرم حق الطالب، والثاني: لا نغرم شيئا، لان حق الرد مشترك ولم يتم الطلب، والثالث: نغرم للسيد إن انفرد بالطلب، ولا نغرم للزوج لان حق الرد في المزوجة للسيد آكد، ألا ترى أنه يسافر بها بخلاف الزوج، فإن كان زوج الامة عبدا، فلها خيار الفسخ إذا عتقت، فإن فسخت النكاح، لم نغرم المهر لان الحيلولة حصلت بالفسخ، وإن لم تفسخ وأوجبنا غرم المهر، فلا بد من حضور الزوج والسيد جميعا، وطلب الزوج المرأة والسيد المهر، فإن انفرد أحدهما، لم نغرم لان البضع غير مملوك للسيد، والمهر غير مملوك للعبد.

(7/527)


ومنها: إنما نغرم إذا طلبها الزوج فمنعناها بسبب الاسلام، أما إذا مات قبل الطلب، فلا غرم، وكذا لو مات الزوج قبل أن يطلبها منا وإن كان قد دخل دار الاسلام، ولو مات أحدهما بعد الطلب والمنع، لم يسقط الغرم، فإن كان هو الميت، صرف المهر إلى ورثته، وإن قتلت قبل الطلب، فلا غرم، كما لو ماتت، وإن قتلت بعده، ثبت الغرم، ثم نقل الامام أنه يكون على القاتل، لانه المانع بالقتل، ورأى أن يفصل فيقال: إن قتلها على الاتصال بالطلب، فالحكم ما ذكروه، وإن تأخر القتل، فقد استقر الغرم علينا بالمنع، فلا أثر للقتل بعده، وفي الحالتين لا حق للزوج فيما على القاتل من قصاص ودية، لانه لا يرثها، ولو جرحها شخص قبل الطلب، ثم طلبها الزوج وقد انتهت إلى حركة المذبوحين، فهو كالطلب بعد الموت، وإن بقيت فيها حياة مستقرة، فهل الغرم على الجارح، أم في بيت المال لان المنع في الحياة ؟ وجهان، أصحهما: الثاني، ولا يسقط الغرم، بأن يطلقها بعد طلبها، وأما قبله، فإن خالعها، أو طلقها طلاقا بائنا، فلا غرم، لانه ترك باختياره، قال الروياني: وكذا لو ملكها أن تطلق نفسها على الفور، وقد يلائم هذه القاعدة أن يقال: يشترط كون الطلب على الفور، وإن طلقها رجعيا، أو طلقها، فأسلمت وهي في عدة الرجعية، ثم جاء الزوج يطلبها، فالصحيح المنصوص أنا إنما نغرم له إذا راجعها لظهور قصد الامساك بالرجعة، وإن كانت رجعة الكافر المسلمة لا تصح، قال الامام: وخرج المحققون قولا أنه يستحق المهر بمجرد الطلب بلا رجعة، لانها فاسدة، فلا معنى لاشتراطها. فرع جميع ما ذكرناه هو في رد النساء الحرائر، أما الاماء والصبيان والمجانين، فلا يردون لضعفهم، ولا يجوز الصلح بشرط ردهم، ولا غرم في ترك ردهم، كما في غير ذوات الازواج، فإذا بلغ الصبي، وأفاق المجنون، فإن وصفا الاسلام، فذاك، وإن وصفا كفرا لا يقر أهله عليه، فإما أن يسلما، وإما أن يردا إلى مأمنهما، وإن وصفا كفرا يقر أهله، فإما أن يسلما وإما أن يقبلا الجزية، وإما أن يردا إلى مأمنهما. وأما الذكور البالغون العقلاء، فنقل الامام في رد العبد وجهين، الصحيح الذي ذكره الجمهور: لا يرد، لانه جاء مسلما مراغما لهم، والظاهر أنهم يسترقونه ويهينونه ولا عشيرة له تحميه، والثاني: يرد، والمنع في النساء لخوف الفاحشة، وهل يعتق العبد الذي جاء مسلما ؟ قال في الحاوي: إن غلبهم على

(7/528)


نفسه ثم أسلم وهاجر، عتق، لان الهدنة لا توجب أمان بعضهم من بعض، وإن أسلم، ثم غلبهم على نفسه وجاءنا، نظر إن فعل ذلك قبل أن هادناهم، فكذلك، لانه غلب في حال الاباحة، وإن فعله بعد الهدنة، لم يعتق، لان أموالهم محرمة حينئذ لا يملكها بالقهر، ثم لا يرد إلى السيد، وإن لم يعتق، ولا يمكن من استرقاقه، فإن أعتقه وإلا باعه الامام لمسلم، أو دفع قيمته من بيت المال، وأعتقه عن المسلمين كافة، وولاؤه لهم. وأما الحر، فإن لم تكن له عشيرة وغلب على الظن أنه يذل ويهان، ففي رده طريقان، الصحيح طرد الوجهين في رد العبد، والثاني: يرد قطعا لان الحرية في الجملة مظنة القدرة، فإن قلنا: يرد، قال الامام: لا يبعد أن يقال: على الامام أن يشرط عليهم أن لا يهينوا المسلم المردود، فإن أهانوه كانوا ناقضين للعهد، وإن كان للحر عشيرة وطلبته، رد كما رد النبي - صلى الله عليه وسلم - أبا جندل رضي الله عنه على سهيل بن عمرو، لان الظاهر أنهم يحمونه، وأما كون عشيرته تؤذيه بالتقييد ونحوه، فلا اعتبار به، فإنهم يفعلونه تأديبا في زعمهم، وإن طلبه عين عشيرته، لم يرد إلا إذا كان الطالب ممن يقدر المطلوب على قهره والافلات منه، وعلى هذا حمل رد النبي - صلى الله عليه وسلم - أبا بصير رضي الله عنه، وإن لم يطلبه أحد، فلا رد كما لا غرم إذا لم يطلب أحد المرأة، قال الاصحاب: ومعنى الرد أنه لا منع من الرجوع، ويخلى بينه وبين من يطلبه، لا أنه يجبر على الرجوع، وهذا معنى رد النبي - صلى الله عليه وسلم - أبا جندل وأبا بصير رضي الله عنهما ولا يبعد تسمية التخلية ردا كما في رد الوديعة، ولو شرط الامام في الهدنة أن يبعث إليهم من جاءه مسلما، فمن الاصحاب من قال: يجب الوفاء بشرطه، ومقتضى هذا أن لا يعتبر الطلب، ونقل الروياني عن النص أنه يفسد العقد بهذا الشرط، وذكر أنهم لو طلبوا من جاء منهم وهو مقيم على كفره، مكناهم منه، وأنهم لو كانوا شرطوا أن يقوم برده عليهم، وفينا بالشرط، ولا يجب على المطلوب أن يرجع إليهم، ولذلك لم ينكر النبي - صلى الله عليه وسلم - على أبي بصير رضي الله عنه امتناعه، فإن اختار الاقامة في دار الاسلام، لم يمنع، ويقول الامام للطالب: لا أمنعك منه إن قدرت عليه، ولا أعينك إن لم تقدر، وعن النص أنه يستحب أن يقول للمطلوب سرا: لا ترجع، وإن رجعت فاهرب إذا قدرت، وللمطلوب أن يقتل الطالب، ولنا أن نرشده إلى قتله تعريضا لا تصريحا، لان الامام إنما التزم بالهدنة أن يمتنع عنهم، ويمنع الذين يعادونهم وهم المسلمون

(7/529)


يومئذ، فأما من أسلم بعد، فلم يشترط على نفسه، ولا تناوله شرط الامام، لانه ليس في قبضته، وفيه احتمال للامام أنه ليس له التعرض لمن عصم الامام دمه وماله، ولهذا من جاءنا مسلما ولم يطلب، يلزمه بعقد الهدنة ما لزمنا. فرع عن البحر: كافر تحته عشر نسوة أسلمن، وهاجرن، وجاء يطلبهن، يؤمر باختيار أربع، ويعطى مهورهن على قول غرامة المهر، والمستولدة إذا جاءت مسلمة كالامة والمكاتبة إن اقتضى الحال عتقها كذلك وتبطل الكتابة وإلا فهي على كتابتها، فإن أدت، عتقت وللسيد الولاء، وإن عجزت ورقت حسب ما أخذ من مال الكتابة بعد إسلامها من ضمانها ولا يحسب منه ما أخذ قبل الاسلام، فإن بلغ المحسوب عليه قدر القيمة، فقد استوفى حقه وعتقت، وولاؤها للمسلمين، وهل يرد عليها من بيت المال ؟ قولان بناء على أنا هل نغرم للسيد قيمة الامة، وإن كان المؤدى أكثر من القيمة، لم يسترجع الفاضل من سيدها، وإن كان أقل، فللسيد تمام القيمة، ويكون ذلك من بيت المال. فصل إذا عقد الهدنة بشرط أن يردوا من جاءهم منا مرتدا، ويسلموه إلينا، لزمهم الوفاء، فإن امتنعوا، كانوا ناقضين للعهد، فإن عقدت بشرط أن لا يردوا من جاءهم، ففي جوازه قولان، أظهرهما وأشهرهما: الجواز، والثاني: المنع، بل لا بد من استرداده لاقامة حكم المرتدين عليه، وقال الماوردي: الصحيح عندي صحة الشرط في الرجال دون النساء، لان الابضاع يحتاط لها، ويحرم على الكافر من المرتدة ما يحرم من المسلمة، وربما حاول تنزيل القولين على الصنفين، فإن أبطلنا الشرط وأوجبنا الرد، فالذي عليهم التمكين والتخلية دون التسليم، وكذا الحكم لو جرت المهادنة مطلقا من غير تعرض لرد المرتد، وحيث لا يلزمهم التمكين والتسليم، يلزمهم مهر من ارتد من نساء المسلمين، وقيمة من ارتد من رقيقهم، ولا يلزمهم غرم من ارتد من الرجال الاحرار، ولو عاد المرتدون إلينا، لم نرد المهور، ونرد القيم، لان الرقيق بدفع القيمة يصير ملكا لهم، والنساء لا يصرن زوجات، وحيث يجب التمكين دون التسليم تمكنوا، فلا غرم عليهم، سواء وصلنا إلى المطلوبين أم

(7/530)


لا، وحيث يجب التسليم يطالبهم به عند الامكان، فإن فات التسليم بالموت، لزمهم الغرم، وإن هربوا، نظر إن هربوا قبل القدرة على التسليم، فلا غرم، وبعدها يجب الغرم، وإذا قلنا: لا تسترد المرتدة، غرم الامام لزوجها ما أنفق من صداقها، لانا بعقد الهدنة حلنا بينه وبينها، ولولاه، لقاتلناهم حتى يردوها، وإن قلنا: تسترد، فتعذر ذلك فقال الغزالي: نغرم له أيضا، ويشبه أن يكون الغرم لزوج المرتدة مفرعا على الغرم لزوج المسلمة المهاجرة، ولم أره مصرحا به، وقد يشعر كلام الغزالي بخلافه، ثم لو جاءتهم امرأة منا مرتدة، وهاجرت إلينا امرأة منهم مسلمة، وطلبها زوجها، فلا نغرم له المهر، بل نقول: هذه بهذه، ويجعل المهرين قصاصا، ويدفع الامام المهر إلى زوج المرتدة، ويكتب إلى زعيمهم ليدفع مهرها إلى زوج المهاجرة، هذا إن تساوى القدران، فإن كان مهر المهاجرة أكثر، صرفنا مقدار مهر المرتدة منه إلى زوجها والباقي إلى المهاجرة، وإن كان مهر المرتدة أكثر، صرفنا مقدار مهر المهاجرة إلى زوجها، والباقي إلى زوج المرتدة، وبهذه المقاصة فسر مفسرون قوله تعالى: * (وإن فاتكم شئ من أزواجكم إلى الكفار فعاقبتم فآتوا الذين ذهبت أزواجهم مثل ما أنفقوا) *. فصل على الامام منع من يقصد أهل الهدنة من المسلمين والذميين، وليس عليه منع الحربيين، ولا منع بعضهم من بعض لان الهدنة لمجرد الكف لا للحفظ بخلاف الذمة. ولو أتلف مسلم أو ذمي على مهادن نفسا أو مالا، ضمنه، وإن قذفه عزر، وعليهم بإتلاف مال المسلم الضمان، وبقتله القصاص، وبالقذف الحد. ولو أغار أهل الحرب عليهم، ثم ظفر الامام بأهل الحرب، فاستنقذ منهم أموال أهل الهدنة، لزمه ردها إليهم، وفي إقامة حد السرقة، والزنى على المعاهد، وانتقاض عهده بالسرقة خلاف سبق في آخر الباب الأول من كتاب السرقة، وبالله التوفيق. كتاب الصيد والذبائح والضحايا والعقيقة والاطعمة. هذه الكتب تقدمت في آخر العبادات.

(7/531)