روضة الطالبين وعمدة المفتين ط العلمية

روضة الطالبين - كتاب السبق والرمي
وهو المناضلة، المسابقة والمناضلة جائزتان بل سنتان إذا قصد بهما التأهب للجهاد. قلت: يكره لمن علم الرمي تركه كراهة شديدة، ففي صحيح مسلم عن عقبة رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: من علم الرمي ثم تركه فليس منجا أو قد عصى. والله أعلم. ويجوز شرط المال في المسابقة والمناضلة، وفي الكتاب بابان، باب في السبق، وباب في الرمي، وقد تدخل مسائل أحدهما في الآخر لتقاربهما.
الباب الاول : في السبق وفيه طرفان
الأول : في شروطه، وهي عشرة. الاول: أن يكون المعقود عليه عدة للقتال، لان المقصود منه التأهب للقتال، ولهذا قال الصيمري: لا يجوز السبق والرمي من النساء، لانهن لسن أهلا للحرب، ثم الاصل في السبق الخيل والابل، لانها التي يقاتل عليها غالبا، وتصلح للكر والفر

(7/532)


بصفة الكمال، وتجوز المسابقة على الفيل والبغل والحمار على المذهب، وقيل بالمنع فيها، وقيل بالمنع في البغل والحمار، وقيل في الجميع خلاف. وأما المناضلة فتجوز على السهام العربية والعجمية وهي النشاب، وعلى جميع أنواع القسي، حتى تجوز على الرمي بالمسلات والابر، وفي المزاريق والرانات ورمي الحجارة باليد وبالمقلاع والمنجنيق طريقان، أحدهما: الجواز، والثاني: وجهان، أصحهما: الجواز، ولا تجوز المسابقة بإشالة الحجر باليد على المذهب وبه قطع الاكثرون، وقيل: وجهان، وأما مراماة الاحجار، وهي أن يرمي كل واحد الحجر إلى صاحبه، فباطلة، وأما المسابقة على التردد بالسيوف والرماح، فقيل بمنعها، لانها لا تفارق صاحبها، وإلا يصح الجواز، لانها من أعظم عدد القتال، واستعمالها يحتاج إلى تعلم وتحذق، والمسابقة على الحمام وغيره من الطيور، وعلى الاقدام والسباحة في الماء والطيارات والزوارق والصراع، فجائزة بلا عوض، والاصح منها بالعوض، فإن جوزنا الصراع، ففي المشابكة باليد وجهان، ولا تجوز على مناطحة الشياه، ومهارشة الديكة لا بعوض ولا بغيره. فرع لا يجوز عقد المسابقة على ما لا ينتفع به في الحرب، كاللعب بالشطرنج والخاتم والصولجان، ورمي البندق والجلاهق، والوقوف على رجل واحدة، ومعرفة ما في اليد من شفع ووتر، وسائر أنواع اللعب، وأما المقل في الماء فقال الشيخ المروزي: إن جرت العادة بالاستعانة به في الحرب، فهو كالسباحة،

(7/533)


وإلا فلا تجوز المسابقة عليه. قلت: لا تجوز المسابقة على البقر على المذهب، وقيل: وجهان، حكاه الدارمي قال: والذي تجوز المسابقة عليه من الخيل. قيل: ما يسهم له وهو الجذع أو الثني، وقيل: وإن كان صغيرا قال: ولا تجوز على الكلب. والله أعلم.
الشرط الثاني : الإعلام، فيشترط إعلام الموقف الذي يبدآن بالجري منه، والغاية التي يجريان إليها، ويشترط تساوي المتسابقين فيهما، ولو لم يعينا غاية وشرطا المال لاسبقهما حيث سبق، لم يجز، ولو عينا غاية وشرطا أن السبق إن اتفق في وسط الميدان لاحدهما كان فائزا، لم يجز على الاصح لانا لو اعتبرنا السبق في خلال الميدان لاعتبرناه بلا غاية معينة، ولو عينا غاية وقالا: إن اتفق السبق عندها فذاك، وإلا عدينا إلى غاية أخرى اتفقا عليها، جاز على الاصح لحصول الاعلام وكون كل واحدة من الغايتين معلومة. فرع يشترط كون المال معلوم الجنس والقدر.
الشرط الثالث : أن يشترط للسابق كل المال أو أكثره، فإذا تسابق اثنان، وبذل المال غيرهما، فإن شرطه للسابق منهما، فذاك، وإن شرطه للثاني، أو شرط له مثل الاول، لم يجز، وإن شرط للثاني أقل مما شرط جاز على الاصح، وإن تسابق ثلاثة، وشرط باذل المال المال للاول، جاز، وإن شرطه للثاني، أو شرط له أكثر من الاول، لم يجز على الاصح، وقيل: يجوز، لان ضبط الفرس في شدة عدوة ليقف في مقام الثاني يحتاج إلى حذق ومعرفة، وإن شرط له مثل ما شرط ل لاول، جاز على الاصح، لان كل واحد يجتهد هنا أن يكون أولا وثانيا، وإن شرط له دون ما شرط للاول، جاز على الصحيح، ويخرج من هذا الاختلاف في الثلاثة أربعة أوجه، أحدها: يجوز أن يشرط الجميع للثاني، والثاني: لا يجوز شرط شئ

(7/534)


له، والثالث: يجوز له شرط بشرط تفضيل السابق، والاصح: يجوز أن يشرط له بحيث لا يفضل على السابق، وأما الفسكل بكسر الفاء والكاف وإسكان السين المهملة بينهما وهو الاخير، فلا يجوز أن يساوى بمن قبله، ويجوز أن يشرط له دون ما شرط لمن قبله على الاصح كما سبق في الاثنين، ويقاس بها ما إذا تسابق أكثر من ثلاثة حتى لو كانوا عشرة، وشرط لكل واحدة سوى الفسكل مثل المشروط لمن قبله، جاز على الاصح، والاحب أن يكون المشروط لكل واحد دون المشروط لمن قبله، وفي شرط شئ للفسكل الوجهان، ولو أهمل بعضهم، بأن شرط للاول عشرة، وللثالث تسعة، وللرابع ثمانية، فهل يجوز ؟ وجهان، أحدهما: لا، لان الرابع والثالث يفضلان من قبلهما، والثاني: نعم، ويقام الثالث مقام الثاني، والرابع مقام الثالث، وكأن الثاني لم يكن، وإذا بطل المشروط في حق بعضهم، ففي بطلانه في حق من بعده وجهان، وهذان الوجهان مع الوجهين في الاهمال مبنيان على أن من بطل السبق في حقه هل يستحق على الباذل أجرة المثل ؟ وفيه خلاف يأتي إن شاء الله تعالى، فإن قلنا: لا، بطل العقد في حق من بعده لئلا يفضل من سبقه، وإن قلنا: نعم، لم يبطل في حق من بعده ولا يضر كون المشروط له زائدا على أجرة المثل، لان الممتنع أن يفضل المسبوق السابق فيما يستحقانه بالعقد، وأجرة المثل غير مستحقة بالعقد. واعلم أن الصور المذكورة وضعوها فيما لو كان باذل المال غير المتسابقين، ويمكن فرضها أو فرض، بعضها فيما لو بذله أحدهما، بأن يتسابق اثنان، ويبذل أحدهما مالا على أنه إن سبق دفع إلى الآخر منه كذا، وإن سبقه الآخر أمسك لنفسه منه كذا. فرع قال: من سبق فله كذا فجاء المتسابقون معا فلا شئ لهم، ولو جاء اثنان فصاعدا معا، وتأخر الباقون فالمشروط للاولين بالسوية، ولو قال: من سبق، فله دينار، ومن جاء ثانيا، فله نصف دينار، فسبق واحد، ثم جاء ثلاثة معا، ثم الباقون، فللسابق دينار، وللثلاثة نصف، وإن سبق واحد، ثم جاء الباقون، فله دينار، ولهم نصف، وإن جاء الجميع معا، فلا شئ لهم، ولو قال: كل من سبق، فله دينار، فسبق ثلاثة، قال الداركي: لكل واحد منهم دينار.

(7/535)


الشرط الرابع : أن يكون فيهم محلل، ومال المسابقة قد يخرجه المتسابقان، أو أحدهما أو غيرهما. الحالة الاولى: أن يخرجه غيرهما، فيجوز للامام أن يخرج المال من خاص نفسه ومن بيت المال، لما فيه من التحريض على تعلم الفروسية، وإعداد أسباب القتال، ويجوز للواحد من الرعية إخراجه من مال نفسه، لانه بذل مال في طاعة، ويثاب عليه إذا نوى، وسواء تسابق اثنان أو أكثر، ومن سبق، أخذ المال. الحالة الثانية: أن يخرجه أحدهما، ويشرطانه إن سبق أحرزه ولا شئ له على الآخر، وإن سبق الآخر، أخذه، فيجوز، ولو تسابق أكثر من اثنين، وأخرجه اثنان فصاعدا، وشرطوا أن من سبق من المخرجين لم يحرز إلا ما أخرجه، ومن سبق من غيرهم، أخذ ما أخرجه المخرجون، جاز أيضا. الثالثة: أن يخرجه المتسابقان، فيقول كل واحد: إن سبقتك، فلي عليك كذا، وإن سبقتني، فلك علي كذا، فهذا لا يجوز، لانه صورة قمار إلا أن يدخلا بينهما محللا وهو ثالث يشاركهما في المسابقة على أنه إن سبق أخذ ما شرطاه، وإن سبق، فلا شئ عليه، فيجوز لانه يخرج عن صورة القمار، ثم إن شرطا أن يختص المحلل بالاستحقاق، وإن سبق أحدهما كل واحد منهما لا يأخذ إلا ما أخرج، فهذا جائز بالاتفاق، وإن شرطا أن المحلل يأخذ السبقين وإن سبق أحدهما أحدهما، جاز على الصحيح المنصوص، ومنعه ابن خيران، فإذا قلنا بالمنصوص وكان المتسابقون مائة مثلا، وليس فيهم إلا محلل واحد، وشرط أن يأخذ جميع ما أخرجوه إن سبق ولا يغرم إن سبق، وكل واحد من المتسابقين إن سبق، غنم، وإن سبق، غرم، صح العقد والشرط، قال الامام: وهنا أصل آخر وهو أنهما إذا أطلقا شرط المال للسابق، فهل اللفظ للسابق المطلق، أم يتناول من سبق غيره وإن كان مسبوقا لغيره ؟ فيه وجهان، الصحيح: الاول، ويترتب على الاصلين الحكم في صور مجئ المتسابقين، فإذا تسابق اثنان ومحلل، نظر إن جاء المحلل ثم أحدهما ثم

(7/536)


الفسكل، فللمحلل ما أخرجه الآتي بعده بلا خلاف، وفيما أخرجه الفسكل ثلاثة أوجه، أصحها: أنه للمحلل أيضا لانه السابق المطلق، والثاني: أنه له وللآتي بعده، لانهما سبقا الفسكل، والثالث: هو للآتي بعده وحده، ولو سبق المحلل ثم جاءا معا، فله السبقان بلا خلاف، ولو سبق المحلل مع أحدهما، فالذي سبق مع المحلل يحرز ما أخرجه وأما ما أخرجه الآخر، فهو له، وللمحلل على الصحيح المنصوص، وعند ابن خيران للمحلل خاصة، ولو سبق أحدهما، ثم جاء الثاني مع المحلل، أو جاء الثاني، ثم المحلل، أحرز السابق ما أخرجه وله أيضا ما أخرجه الآخر على المنصوص، وعند ابن خيران لا يأخذه، ولا شئ للمحلل على المذهبين، ولو سبق أحدهما، ثم جاء المحلل، ثم الآخر، أحرز السابق ما أخرجه الآخر، فإن قلنا بالمنصوص، ففيه أوجه، أصحها: أنه للسابق أيضا، والثاني: أنه له وللمحلل معا، لانهما سبقا الآخر، والثالث: أنه للمحلل وليس بشئ، وإن قلنا بقول ابن خيران، فهل هو للمحلل، أم يحرزه مخرجه، ولا يستحقه المحلل ولا السابق ؟ وجهان، ولو سبقا معا، ثم جاء المحلل، أو جاء الثلاثة معا، لم يأخذ واحد منهم من غيره شيئا، ويجوز أن يدخلا بينهما محللين وأكثر، فإذا تسابق اثنان ومحللان، فسبق أحد المحللين، ثم جاء أحد المتسابقين، ثم المحلل الثاني، ثم المتسابق الثاني، فما أخرجه المتسابق الاول، فللمحلل الاول، وأما ما أخرجه الآخر، فإن قلنا بالمنصوص، فهو للمحلل الاول أيضا على الصحيح، لانه السابق المطلق، وقيل: هو للمحللين والمتسابق الاول، لانهم جميعا سبقوا الثاني، وقياس الوجه الضعيف أنه للمحلل الثاني، وإن قلنا بقول ابن خيران، فهو للمحلل الاول، وقيل: للمحللين، ولو جاء أولا أحد المتسابقين، ثم أحد المحللين ثم المحلل الثاني، أحرز الاول ما أخرجه، وأما ما أخرجه الآخر، فإن قلنا بالمنصوص، فهو للمتسابق الاول على الصحيح، وقيل: له وللمحلل الاول، وعلى الوجه الضعيف: هو للمحلل الاول، وعلى قول ابن خيران: هو للمحلل الاول لا غير. الشرط الخامس: أن يكون سبق كل واحد منهما ممكنا، فإن كان فرس أحدهما، أو فرس المحلل ضعيفا يقطع بتخلفه، أو فارها يقطع بتقدمه، لم يجز، هكذا أطلق عامة الاصحاب، وقال الامام: إن أخرج أحدهما المال على أنه إن

(7/537)


فاز، أحرز ما أخرجه، وإلا فهو لصاحبه، وكان صاحبه بحيث يقطع بأنه لا يسبق، فهذه مسابقة بلا مال، وإن كان يقطع بأنه يسبق، ففي صحة هذه المعاملة وجهان: أصحهما: الصحة، وحاصلها إخراج مال لمن يقطع بأنه يسبقه، فأشبه ما لو قال لرجل: ارم كذا، فإن أصبت منه كذا، فلك هذا المال، وإن أخرج كل واحد منهما مالا، وأدخلا محللا يعلم تخلفه قطعا، فلا فائدة في إدخاله، ويبقى العقد على صورة القمار، فيبطل، وإن تيقن سبقه، ففيه الوجهان، وإن أخرجا المال ولا محلل وأحدهما بحيث يقطع بسبقه، فالذي يسبق كالمحلل، لانه لا يستحق عليه شئ، وشرط المال من جهته لغو، وهذا التفصيل الذي ذكره الامام حسن، ولو كان سبق أحدهما ممكنا على الندور، ففي الاكتفاء به للصحة وجهان، أصحهما وأقربهما إلى كلام الاصحاب: المنع، ولا اعتبار بالاحتمال النادر، ويتعلق بما نحن فيه اختلاف المركوبين جنسا ونوعا، أما النوع فلا يضر، فتجوز المسابقة بين فرس عربي وعجمي، وعربي وتركي، وقال أبو إسحق: إذا تباعد نوعان، كالعتيق والهجين من الخيل، والنجيب والبختي من الابل، لم يجز، وينبغي أن يرجح هذا وإن كان الاول أشهر، لانه إذا تحقق التخلف فأي فرق بين أن يكون لضعف، أو لرداءة نوع. قلت: قول الاكثرين تجوز بين العتيق والهجين، والنجيب والبختي، محمول على ما إذا لم يقطع بسبق العتيق والنجيب كما ذكرناه، فقول أبي إسحق ضعيف إن لم يرد به هذا فإن أراده، ارتفع الخلاف. والله أعلم. وأما إذا اختلف الجنس، فإن كان كبعير وفرس، أو فرس وحمار فالاصح: المنع، وإن كان بغلا وحمارا وجوزنا المسابقة عليهما، فالاصح: الصحة، وبه أجاب ابن الصباغ.

(7/538)


الشرط السادس: تعيين المركوبين، فإن أحضرت الافراس، وعقد على عينها، فذاك، وإن وصفت وعقد على الوصف، فهل تصح ؟ وجهان، أصحهما: نعم، وبه قال العراقيون، قال الامام: هو الاوجه، كما قام الوصف في السلم والزنى مقام الاحضار، ونقل الامام عن العراقيين أنه إذا جرت المسابقة مطلقة، كان كجريان المناضلة مطلقة، وسيأتي إن شاء الله تعالى أنها على ماذا تحمل، وإذا تعلق العقد بعين فرس، لم يجز إبداله، فإن هلك، انفسخ العقد، وإذا عقد على الوصف، ثم أحضر فرس، فينبغي إن لا ينفسخ العقد بهلاكه. الشرط السابع: أن يسبق على الدابتين، فلو شرطا إرسالهما ليجريا بأنفسهما، فالعقد باطل، لانها تنفر، ولا تقصد الغاية بخلاف الطيور إذا جوزنا المسابقة عليها، لان لها هداية إلى الغاية. الشرط الثامن: أن تكون المسافة بحيث يمكن للفرسين قطعها ولا ينقطعان، فإن كانت بحيث لا يصلان غايتها إلا بانقطاع وتعب، فالعقد باطل. الشرط التاسع: أن يكون المال المشروط معلوما، ويجوز أن يكون عينا ودينا، وبعضه عينا وبعضه دينا، وحالا ومؤجلا، فلو شرطا مالا مجهولا بأن قال: أعطيك ما شئت أو شئت، أو شرط دينارا أو ثوبا ولم يصف الثوب، أو دينارا إلا ثوبا، فالعقد باطل، وكذا لو شرطا دينارا إلا درهما إلا أن يريد قدر الدرهم وعرفا قيمة الدينار بالدراهم، ولو قال: إن سبقتني، فلك هذه العشرة وترد ثوبا، فالعقد باطل، لانه شرط عوض عن السابق، وهو خلاف مقتضاه، ولو تسابقا على عوض كان في الذمة، فوجهان بناء على جواز الاعتياض عنه، ولو أخرج المال غيرهما، جاز أن يشرط لاحدهما أكثر من الآخر، وإن أخرجاه جاز أن يخرج أحدهما أكثر، وقال الصيمري والماوردي: إذا أخرجاه وجب التساوي جنسا ونوعا وقدرا. الشرط العاشر: اجتناب الشروط المفسدة، فلو قال: إن سبقتني، فلك هذا الدينار ولا أرمي بعد هذا أو لا أناضلك إلى شهر، بطل العقد، نص عليه. ولو شرط على السابق أن يطعم السبق أصحابه، بطل العقد على الصحيح، وقال أبو إسحق: يصح، وقبوله الاطعام وعد إن شاء وفى به، وإن شاء لم يف. قلت: وفي التنبيه وجهان آخران، أحدهما: يفسد المسمى، ويجب

(7/539)


عوض المثل، والثاني: يصح العقد ولا عوض. والله أعلم. فصل الاشياء التي ذكر الاصحاب اعتبار السبق بها ثلاثة: أحدها: الكتد بفتح التاء وكسرها، والفتح أشهر، وهو مجمع الكفين بين أصل العنق والظهر. الثاني: الاقدام وهي القوائم. الثالث: الهادي وهو العنق، ونقل الامام اختلاف وجه أو قول في أن الاعتبار بالهادي، أم بموضع الاقدام والكتد، ورأى الثاني أقيس، والذي يوجد لعامة الاصحاب في كتبهم أن الاعتبار في الابل بالكتد، وفي الخيل بالهادي، لان الابل ترفع أعناقها في العدو، فلا يمكن اعتباره، والخيل تمدها، قالوا: فإذا استوى الفرسان في خلقة العنق طولا وقصرا، فالذي تقدم بالعنق، أو بعضه هو السابق، وإن اختلفا فإن تقدم أقصرهما عنقا، فهو السابق، وإن تقدم الآخر، نظر إن تقدم بقدر زيادة الخلقة فما دونها، فليس بسابق، وإن تقدم الآخر، نظر إن تقدم بقدر زيادة الخلقة فما دونها، فليس بسابق، وإن تقدم بأكثر، فسابق، وحكيت أوجه أخر ضعيفة، أحدها: أن عند اختلاف خلقة العنق يعتبر في الخيل الكتد، حكي عن أبي إسحق ورجحه الروياني، والثاني: أن عند اختلاف الخلقة إذا سبق أطولهما عنقا ببعض عنقه، وكتدهما سواء، كان سابقا. والثالث: أنه إن كان في جنس الخيل ما يرفع الرأس عند العدو، اعتبر فيه الكتد كما في الابل. والرابع: أن التقدم بأيهما حصل، حصل السبق، وعلى هذا لو تقدم أحدهما بأحدهما، والآخر بالآخر فلا سبق. والخامس: حكاه ابن القطان: لا يعتبر هذا ولا ذاك، بل يعتبر عرف الناس وما يعدونه سبقا. والسادس: المعتبر تقدم الاذن. والسابع: المعتبر ما شرطاه من الكتد أو الهادي. قلت: هذا السابع ضعيف، لان المسألة فيما إذا أطلقا. والله أعلم. فهذا هو الكلام في الهادي والكتد، أما الكتد مع القدم، فقد قرن بينهم قارنون، وأقام أحدهما مقام الآخر آخرون، وأشار الفريقان إلى أنه لا فرق في الاعتبار بهما ولا خلاف، لانهما قريبان من التحاذي، لكن بينهما مع التفاوت تفاوت، ولا يبعد أن يجعل اعتبار القدم وراء اعتبار الكتد والهادي، وقال صاحب الحاوي: لو اعتبر السبق بالقدم، فأيهما تقدمت يداه، فهو السابق، لان السعي بهما والجري عليهما، لكن الشافعي رحمه الله اعتبر الهادي والكتد، وأما قول الغزالي: الاعتماد على القدم، فخلاف الجمهور، ثم قال الشيخ أبو محمد:

(7/540)


الخلاف في أن السبق بماذا يعتبر ؟ مخصوص بآخر الميدان، فأما في أوله، فيعتبر التساوي في الاقدام قطعا.
فروع تتعلق بالسبق لو سبق أحدهما في وسط الميدان، والآخر في آخره، فالسابق الثاني. ولو عثر أحد الفرسين، أو ساخت قوائمه في الارض فتقدم الآخر، لم يكن سابقا، وكذا لو وقف بعد ما جرى لمرض ونحوه، فإن وقف بلا علة، فهو مسبوق، ولو وقف قبل أن يجري، فليس بمسبوق، سواء وقف لمرض أو لغيره، ولو تسابقا على أن من سبق منهما بأقدام معلمة على موضع كذا فله السبق جاز على الصحيح، والغاية في الحقيقة نهاية الاقدام من ذلك الموضع لكنه شرط في الاستحقاق تخلف الآخر عنها بالقدر المذكور. فرع ليجريا في وقت واحد، ويستحب أن تكون في الغاية قصبة مغروزة ليقطعها السابق، فيظهر لكل أحد بقدمه. الطرف الثاني في أحكامه: وفيه قاعدتان: إحداهما: هل عقد المسابقة لازم كالاجارة أم جائز كالجعالة ؟ قولان، أظهرهما: الاول، ثم قيل: القولان فيما إذا أخرجا العوض جميعا، أما إذا أخرجه أحدهما أو غيرهما، فجائز قطعا، والمذهب: طرد القولين في الحالين، قال الشيخ أبو محمد والائمة: القولان فيمن التزم المال، فأما من لم يلتزم شيئا، فجائز في حقه قطعا، وقد يكون العقد جائزا من جانب لازما من جانب، كالرهن والكتابة، وقيل بطردهما فيمن لم يلتزم لانه قد يقصد بمعاقدته تعلم الفروسية والرمي فيكون كالاجير، والمذهب يخصصهما بالملتزم، فإن قلنا بالجواز فلكل واحد ترك العمل قبل الشروع فيه، وكذا بعده إن لم يكن لاحدهما فضل على الآخر، وكذا إن كان على الاصح، لانه عقد جائز، وعلى هذا القول تجوز الزيادة والنقص في العمل، وفي المال بالتراضي، وإذا بذل أحدهما المال لا يشرط من صاحبه القبول على الصحيح، قال الامام: وأجرى الاصحاب هذين الوجهين في الجعالة المتعلقة بمعين، بأن يقول: إن أردت عبدي فلك كذا، وفي ضمان السبق قبل تمام العمل

(7/541)


والرهن به الخلاف السابق في ضمان الجعل والرهن به قبل تمام العلم، وقيل: إن لم يصح الضمان، لم يصح الرهن وإلا فوجهان، لان الضمان أوسع بابا، ولذلك يجوز ضمان الدرك دون الرهن به، وأما إذا قلنا باللزوم، فليس لاحدهما فسخ العقد دون الآخر، فإن ظهر بالعوض المعين عيب، ثبت حق الفسخ، وليس لاحدهما أن يترك العمل إن كان مفضولا أو فاضلا وأمكن أن يدركه صاحبه ويسبقه، وإلا فله الترك، لانه ترك حق نفسه، ولا يجوز لهما الزيادة في العمل والمال ولا النقص منه إلا أن يفسخا العقد الاول، ويستأنفا عقدا، وإذا سبق أحدهما اشترط قبول الآخر بالقول، ولا يكلف المسبق البداءة بتسليم المال على المذهب بخلاف الاجرة، لان في المسابقة خطرا، فيبدأ بالعمل، ويجوز ضمان السبق والرهن به على هذا القول على المذهب، وقال القفال: قولان كضمان ما لم يجب، وجرى سبب وجوبه، فأما بعد الفراغ من العمل فيجوز ضمان السبق والرهن به على القولين، وإن كان السبق عينا، لزم المسبق تسلميها، فإن امتنع، أجبره الحاكم وحبسه عليه، ولو تلفت في يده بعد الفراغ من العمل، لزمه الضمان كالمبيع إذا تلف في يده قبل التسليم، ولو تلفت في يده قبل العمل، انفسخ العقد، ولو غاب لمرض ونحوه، فلم ينفسخ العقد، بل ينتظر زواله. فرع اشترى ثوبا وعقد المسابقة بعشرة، إن قلنا: المسابقة لازمة، فهو جمع بيع وإجارة في صفقة وفي صحته قولان، وإن قلنا: جائزة، لم يصح قطعا لانه جمع بين جعالة لا تلزم، وبيع يلزم في صفقة، وذلك ممتنع. القاعدة الثانية: إذا فسدت المسابقة، وركض المتسابقان، وسبق من لو صحت، استحق السبق، فالمذهب أنه يستحق أجرة المثل، وبه قطع الاكثرون كالاجارة والقراض الفاسدين، وقيل: لا يستحق شيئا، لانه لم يعمل لغيره شيئا، وفائدة عمله تعود إليه بخلاف الاجارة والجعالة الفاسدتين، وقيل: إن كان الفساد لخلل في العوض وأمكن تقويمه بأن كان مغصوبا، وجبت قيمته، وإذا قلنا بالمذهب، ففي كيفية اعتبار أجرة المثل وجهان، قال ابن سلمة: هي أجرة مثل الزمن الذي اشتغل بالرمي فيه، وأصحهما: قول أبي إسحق: يجب ما يتسابق بمثله في مثل تلك المسابقة غالبا.

(7/542)


الباب الثاني : في الرمي
فيه طرفان :
الأول : في شروطه، وهي ستة، أحدها: المحلل، فمال المناضلة على نحو ما ذكرنا في المسابقة، وهو أن يخرجه غير المتناضلين، أو أحدهما أو كلاهما، وصورة القسم الاول أن يقول الامام أو أجنبي: ارميا عشرة، فمن أصاب منها كذا، فله كذا، وصورة القسم الثاني أن يقول أحدهما: نرمي كذا، فإن أصبت أنت منها كذا، فلك علي كذا، وإن أصبتها أنا، فلا شئ لاحدنا على صاحبه، وصورة الثالث: أن يشرط كل واحد المال على صاحبه إن أصاب، وهذا الثالث لا يجوز إلا بمحلل معهما كما سبق. وكما تجوز المناضلة بين اثنين تجوز بين حزبين كما سيأتي إن شاء الله تعالى، وحينئذ، فكل حزب كشخص، فإن أخرج المال أحد الحزبين أو أجنبي، جاز، وإن أخرجاه اشترط محلل، إما واحد وإما حزب، ولو أخرجه الحزبان، وشرطوا لواحد من أحد الحزبين إن كان الفوز لحزبه، شاركهم في أخذ المال، وإن كان للحزب الآخر، فلا شئ على ذلك الواحد إنما يغرم أصحابه، أو اشتمل كل حزب على محلل على هذه الصورة، فثلاثة أوجه، أصحها: لا يجوز، لان المحلل من إذا فاز، استبد بالمال، وهذا يشارك أصحابه، والثاني: الصحة، والثالث: يصح في الصورة الثانية دون الاولى، ولو شرط كل حزب كل المال لمحللهم، بطل قطعا، لانه يكون فائزا لغيره. الشرط الثاني: اتحاد الجنس، فإن اختلف، كالسهام مع المزاريق، لم يصح على الاصح، ولو اختلفت أنواع القسي والسهام، جاز قطعا، كقسي عربية مع فارسية، ودورانية، وتنسب إلى دوران قبيلة من بني أسد، مع هندية، وكالنبل، وهو ما يرمى به عن القوس العربية، مع النشاب، وهو ما يرمى به عن الفارسية، ومن أنواع القسي: الحسبان، وهي قوس تجمع سهامها الصغار في قصبة، ويرمى بها، فتتفرق على الناس، ويعظم أثرها ونكايتها، وحكى صاحب التقريب وجها أنه لا تجوز المناضلة بالنبل مع النشاب، كالخيل والبغال، والصحيح الاول، لانا قدمنا أن اختلاف أنواع الابل والخيل لا يضر، فهذا أولى، ثم إن عينا في عقد المناضلة نوعا

(7/543)


من الطرفين أو أحدهما، وفيا به ولا يجوز العدول عن المعين إلى ما هو أجود منه، بأن عينا القوس العربية، فلا يجوز العدول إلى الفارسية، ولو عدل إلى ما دونه، لم يجز أيضا على الاصح إلا برضى صاحبه، لانه ربما كان استعماله لاحدهما أكثر، ورميه به أجود، ولو عينا سهما أو قوسا، لم يتعين، وجاز إبداله بمثله من ذلك النوع، سواء حدث فيه خلل يمنع استعماله أم لا بخلاف الفرس، فلو شرط أن لا يبدل، فسد الشرط على الاصح، لان الرمي قد تعرض له أحوال خفية تحوجه إلى الابدال، وفي منعه من الابدال تضييق لا فائدة فيه، وقيل: يصح الشرط، فإن أفسدنا الشرط، فسد العقد على الاصح، ويجري الوجهان في كل ما لو طرح من أصله، لاستقل العقد بإطلاقه، فأما ما لا يستقل العقد بإطلاقه لو طرح، كإهمال ذكر الغاية في المسابقة، وصفة الاصابة في المناضلة، فإذا فسد، فسد العقد بلا خلاف، فإن صححنا هذا الشرط، لزم الوفاء به ما لم ينكسر المعين، ويتعذر استعماله، فإن انكسر جاز الابدال للضرورة، فإن شرط أن لا يبدل وإن انكسر، فسد العقد قطعا، ولو أطلقا المناضلة ولم يتعرضا لنوع، فثلاثة أوجه، الصحيح وقول الاكثرين: الصحة، لان الاعتماد على الرامي، والثاني: المنع، لاختلاف الاغراض وتفاوت الحذق في استعمالها، والثالث: إن غلب نوع في الموضع الذي يترامون فيه، صح ونزل عليه، وإلا فباطل، فإن قلنا: يصح، فتراضيا على نوع، فذاك، وإن تراضيا على نوع من جانب، ونوع آخر من الجانب الآخر، جاز أيضا على الاصح كما في الابتداء، ولو اختار أحدهما نوعا، وقال الآخر: بل يرمي بنوع آخر، وأصرا على المنازعة، فسخ العقد على الاصح، وقيل: ينفسخ. فرع قال الامام: اختلاف السهام وإن اتحد نوع القوس كاختلاف نوع الفرس، وبيانه أن الرمي بنبال الحسبان التي يقال لها: الناول إنما يكون بالقوس الفارسية، لكنها مع الآلة المتصلة بها كنوع آخر من القوس، وكذا القوس الجرخ مع قوس اليد، والجرخ والناول مختلفان. الشرط الثالث: أن تكون الاصابة المشروطة ممكنة لا ممتنعة ولا متيقنة، فإن شرط ما يتوقع إصابته، صح، وإن شرط ما هو ممتنع في العادة، بطل العقد، والامتناع قد يكون لشدة صغر الغرض أو بعد المسافة أو كثرة الاصابة المشروطة، كإصابة مائة أو عشرة متوالية، وفي العشرة وجه ضعيف، وإن شرط ما هو متيقن في

(7/544)


العادة، كإصابة الحاذق واحدا من مائة، ففي صحة العقد وجهان، وجه المنع، أن هذا العقد ينبغي أن يكون فيه خطر ليتأنق الرامي في الاصابة. قلت: أصحهما. ولو شرط ما يمكن حصوله نادرا، فوجهان، ويقال: قولان، أحدهما: الصحة، للامكان وحصول الحذق، وأصحهما: الفساد، لبعد حصول المقصود، ويجري الخلاف في كل صورة تندر فيها الاصابة المشروطة، فمنها: التناضل إلى مسافة تندر فيها الاصابة، والتناضل في الليلة المظلمة وإن كان الغرض قد يتراءى لهما، ويقرب من هذا ما ذكره الاصحاب أن المتناضلين ينبغي أن يتقاربا في الحذق بحيث يحتمل أن يكون كل واحد فاضلا ومفضولا، فإن تفاوتا وكان أحدهما مصيبا في أكثر رميه، والآخر يخطئ في أكثره، فوجهان، ويتعلق بهذا الشرط أن المحلل بين المتناضلين ينبغي أن يكون بحيث يمكن فوزه وقصوره، فإن علم قصوره، فوجوده كعدمه، وإن علم فوزه فعلى الوجهين في إصابة واحد من مائة. الشرط الرابع: الاعلام، فيشترط في المناضلة العلم بأمور لاختلاف الغرض باختلافها، منها: المال المشروط على ما ذكرنا في المسابقة، ومنها: عدد الاصابة، كخمسة من عشرين، وليبينا صفة الاصابة من القرع، وهو الاصابة المجردة، والخرق، وهو أن يثقب الغرض، ولا يثبت فيه، والخسق وهو أن يثبت فيه، والخرم وهو أن يصيب طرف الغرض فيخرمه، والمرق وهو أن يثقبه، ويخرج من الجانب الآخر، ثم كتب كثير من الاصحاب منهم العراقيون مصرحة بأنه لا بد من ذكر ما يريدان من هذه الصفات سوى الخرم والمرق، فإنهم لم يشرطوا التعرض لهما، والاصح ما ذكره البغوي: أنه لا يشترط التعرض لشئ منها، كالخرم والمرق، وكإصابة أعلى الشن وأسفله، قال: وإذا أطلقا العقد حمل على القرع، لانه المتعارف، وأحسن من هذه العبارة أن يقال: حقيقة اللفظ ما يشترك فيه جميع ذلك، ومنها: إعلام المسافة التي يرميان فيها، وفي وجوبه قولان حكاهما الامام، أحدهما: نعم، لاختلاف الغرض بها، والثاني: لا، وينزل على العادة الغالبة للرماة هناك إن كانت، فإن لم تكن عادة وجب قطعا، وعلى هذا يحمل ما أطلقه

(7/545)


الاكثرون من اشتراط الاعلام، وليرجح من القولين: التنزيل على العادة الغالبة، لان الشرط العلم بها، وذلك تارة يكون بالاعلام، وتارة بقرينة الحال، كنظائره، وبهذا قطع ابن كج، وفي المهذب والتهذيب أنه إذا كان هناك غرض معلوم المدى، حمل مطلق العقد عليه، ولو ذكرا غاية لا تبلغها السهام، بطل العقد، وإن كانت الاصابة فيها نادرة، ففيه الوجهان، أو القولان في الشروط النادرة، وقدر الاصحاب المسافة التي يقرب توقع الاصابة فيها بمائتين وخمسين ذراعا، وما تتعذر فيه بما فوق ثلاثمائة وخمسين، وما تندر فيه بما بينهما، وفي وجه لا تجوز الزيادة على مائتين، وهو شاذ، ولو تناضلا على أن يكون السبق لابعدهما رميا، ولم يقصدا غرضا، صح العقد على الاصح، لان الابعاد مقصود أيضا في مقاتلة القلاع ونحوها، وحصول الارعاب، وامتحان شدة الساعد، قال الامام: والذي أراه على هذا أنه يشترط استواء القوسين في الشدة، وتراعى خفة السهم ورزانته، لانهما تؤثران في القرب والبعد تأثيرا عظيما. ومنها: إعلام قدر الغرض طولا وعرضا، والكلام فيه على ما ذكرنا في المسافة. ومنها: ارتفاعه عن الارض وانخفاضه، وهل يشترط بيانه أم لا يشترط ؟ ويحمل على الوسط فيه مثل الخلاف السابق. واعلم أن الهدف هو التراب الذي يجتمع، أو الحائط الذي يبنى لينصب فيه الغرض، والغرض قد يكون من خشب أو قرطاس أو جلد، أو شن وهو الجلد البالي، وقيل: كل ما نصب في الهدف، فهو قرطاس، سواء كان من كاغد أو غيره، وما تعلق في الهواء، فهو الغرض والرقعة، عظم ونحوه، يجعل في وسط الغرض وقد يجعل في الشن نقش كالقمر قبل استكماله يقال لها: الدارة، وفي وسطها نقش يقال له: الخاتم، وينبغي أن يبينا موضع الاصابة أهو الهدف، أم الغرض المنصوب فيه، أم الدارة في الشن، أم الخاتم في الدارة ؟ وقد يقال له: الحلقة والرقعة، وفي الصحة مع اشتراط إصابته الخلاف في الشروط النادرة، وقد يجعل العرب بدل الهدف ترسا ويعلق فيه الشن. ومنها: عدد الارشاق وهو جمع رشق بالكسر، وهي النوبة من الرمي تجري بين المتراميين، سهما سهما أو خمسة خمسة، أو ما يتفقان عليه، ويجوز أن يتفقا على أن يرمي أحدهما جميع العدد، ثم الآخر كذلك، والاطلاق محمول على سهم سهم،

(7/546)


والمحاطة أن يشترط طرح ما يشتركان فيه من الاصابات، ويفضل لاحدهما إصابات معلومة، فإذا شرطا عشرين رشقا وفضل خمس إصابات، فرميا عشرين، وأصاب أحدهما عشرة والآخر خمسة، فالاول ناضل، وإن أصاب كل واحد خمسة أو غيرها ولم يفضل لاحدهما خمسة، فلا ناضل، والمبادرة أن يشترط الاستحقاق لمن بدر إلى إصابة خمسة من عشرين مثلا مع استوائهما في العدد المرمي به، فإذا رميا عشرين وأصاب أحدهما خمسة، والآخر أربعة فالاول ناضل، فلو رمى احدهما عشرين وأصاب خمسة ورمى الآخر تسعة عشر، وأصاب أربعة، فالاول ليس بناضل الآن، فيرمي الآخر سهمه، فإن أصاب، فقد استويا، وإلا فالاول ناضل، وقولنا: مع استوائهما في العدد المرمي به احتراز من هذه الصورة، فإن الاول بدر، لكن لم يستويا بعد، وهل يشترط التعرض في العقد للمحاطة والمبادرة ؟ وجهان، أحدهما: نعم، ويفسد العقد إن تركاه لتفاوت الاغراض، وأصحهما: لا، فإن أطلقا، حمل على المبادرة، لانها الغالب من المناضلة، وهل يشترط ذكر الارشاق وبيان عددها في العقد ؟ فيه طريقان، المذهب وبه قطع عامة الاصحاب: يشترط ذلك في المحاطة والمبادرة، ليكون للعمل ضبط، والارشاق في المناضلة كالميدان في المسابقة. والثاني: فيه ثلاثة أوجه ذكرها الامام، وجعلها الغزالي أقوالا، أحدها: هذا، والثاني: لا يشترط، لان الرامي لا يجري على نسق واحد، وقد لا يستوفي الارشاق لحصول الفوز في خلالها كما سيأتي إن شاء الله تعالى، وليكن التعويل على الاصابات، والثالث: يشترط في المحاطة لينفصل الامر، ويبين نهاية العقد، ولا يشترط في المبادرة لتعلق الاستحقاق بالبدار إلى العدد المشروط. فرع تناضلا على رمية واحدة، وشرطا المال للمصيب فيها، صح على الاصح، وقيل: لا، فقد يتفق في المرة الواحدة إصابة الاخرى دون الحاذق، فلا يظهر الحذق إلا برميات، ولو رمى أحد المتناضلين أكثر من النوبة المستحقة له، إما باتفاقهما وإما بغيره، لم تحسب الزيادة له إن أصاب، ولا عليه إن أخطأ، ولو عقدا على عدد كثير على أن يرميا كل يوم بكرة كذا وعشية كذا، جاز، ولا يتفرقان كل يوم حتى يستوفيا المشروط فيه إلا لعذر، كمرض وريح عاصفة ونحوه، ثم يرميان على ما مضى في ذلك اليوم أو بعده، ويجوز أن يشرطا الرمي جميع النهار، وحينئذ يفيان

(7/547)


به ولا يدعان إلا في وقت الطهارة والصلاة والاكل ونحوها، وتقع هذه الاحوال مستثناة، كما في الاجارة، ولو أطلقا ولم يبينا وظيفة كل يوم، فكذلك الحكم، ولا يتركان الرمي إلا بالتراضي أو لعارض، كمرض وريح ومطر ونحوها، والحر ليس بعذر، وكذا الريح الخفيفة، وإذا غربت الشمس قبل فراغ وظيفة اليوم، لم يرميا بالليل للعادة إلا أن يشرط له وحينئذ يحتاجان إلى مشمعة ونحوها، وقد يكفي ضوء القمر كذا قاله الاصحاب. ومنها: أنه يشترط رميهما مرتبا، لانهما لو رميا معا، اشتبه المصيب بالمخطئ، فإن ذكرا في العقد من يبدأ بالرمي، اتبع الشرط، وإن أطلقا، فقولان، أظهرهما: بطلان العقد، والثاني: صحته، وكيف يمضي ؟ وجهان، ويقال: قولان، أحدهما: ينزل على عادة الرماة وهي تفويض الامر إلى المسبق بكسر الباء وهو مخرج السبق، فإن أخرجه أحدهما، فهو أولى، وإن أخرجه غيرهما، قدم من شاء، وإن أخرجاه، أقرع، والثاني: يقرع بكل حال، وقال القفال: القولان في الاصل مبنيان على أنا نتبع القياس أم عادة الرماة ؟ ويجري مثل هذين القولين في صور من السبق والرمي، وهما متعلقان بالخلاف في أن سبيل هذا العقد سبيل الاجارة أم الجعالة، إن قلنا بالاول، اتبعنا القياس، وإن قلنا بالثاني، اتبعنا العادات، وقيل: في المسألة طريقان آخرا، أحدهما: القطع بالفساد، والثاني: بالقرعة، ثم إذا شرط تقديم واحد، أو اعتمدنا القرعة فخرجت لواحد، فهل يقدم في كل رشق، أم في الرشق الاول فقط ؟ حكى الامام فيه وجهين قال: ولو صرحوا بتقديم من قدموه في كل رشق، أو أخرجا القرعة للتقديم في كل رشق، اتبع الشرط وما أخرجته القرعة، ولك أن تقول: إذا ابتدأ المقدم في النوبة الاولى، فينبغي أن يبتدئ الثاني في الثانية بلا قرعة، ثم يبتدئ الاولى في الثالثة، ثم الثاني وهذا لامرين، أحدهما: أنهم نقلوا عن نصه في الام أنه لو شرط كون الابتداء لاحدهما أبدا، لم يجز، لان المناضلة مبنية على التساوي، والثاني: أنه يستحب كون الرمي بين غرضين متقابلين يرمي المتناضلان، أو الجريان من عند أحدهما إلى الآخر، ثم يأتيان الثاني، ويلتقطان السهام، ويرميان إلى الاول، ثم نص الشافعي والاصحاب رحمهم الله أنه إذا بدأ أحدهما بالشرط، أو بالقرعة، أو بإخراج المال، ثم انتهيا إلى الغرض الثاني، بدأ الثاني في النوبة الثانية، وإن كان الغرض واحدا

(7/548)


وحينئذ فيتصل رميه في النوبة الثانية برميه في النوبة الاولى. فرع إذا قلنا: يقرع للابتداء، هل يدخل المحلل في القرعة إذا أخرجا المال ؟ وجهان، وإذا ثبت الابتداء لواحد، فرمى الآخر قبله، لم يحسب له إن أصاب، ولا عليه إن أخطأ، ويرمي ثانيا عند انتهاء النوبة إليه. الشرط الخامس: تعيين الرماة فلا يصح العقد إلا على راميين معينين، أو رماة معينين، وتجوز المناضلة بين حزبين فصاعدا، ويكون كل حزب في الخطإ والاصابة كالشخص الواحد، ومنع ابن أبي هريرة جواز الحزبين لئلا يأخذ بعضهم برمي بعض، والصحيح الجواز، وليكن لكل حزب زعيم يعين أصحابه، فإذا تراضيا، توكل عنهم في العقد، ولا يجوز أن يكون زعيم الحزبين واحدا، كما لا يجوز أن يتوكل واحد في طرفي البيع، ولا يجوز أن يعقدا قبل تعيين الاعوان، وطريق التعيين الاختيار بالتراضي، فيختار زعيم واحدا ثم الزعيم الآخر في مقابلته واحدا، ثم الاول واحدا، ثم الثاني واحدا وهكذا حتى يستوعبوا، ولا يجوز أن يختار واحد جميع الحزب أولا لانه لا يؤمن أن يستوعب الحذاق، ولا يجوز أن يعينا الاعوان بالقرعة لانها قد تجمع الحذاق في جانب، فيفوق مقصود المناضلة، ولهذا لو قال أحد الزعيمين: أنا أختار الحذاق، وأعطي السبق أو الخرق، وآخذ السبق، لا يجوز، ولان القرعة لا مدخل لها في العقود، ولهذا لا تجوز المناضلة على تعين من خرجت القرعة عليهم، وقال الامام: لا بأس به، لان القرعة بعد تعديل الحصص والاقساط معهودة، والذي قطع به صاحبا المهذب والتهذيب وغيرهما: المنع، ونص في الام أنهما لو تناضلا على أن يختار كل واحد ثلاثة ولم يسمهم، لم يجز، وأنه يشترط كل واحد من يرمي معه بأن يكون حاضرا أو غائبا يعرفه، واحتج القاضي أبو الطيب بظاهره أنه تكفي معرفة الزعيمين، ولا يعتبر أن يعرف الاصحاب بعضهم بعضا، وابتداء أحد الحزبين بالرمي كابتداء أحد الشخصين ولا يجوز أن يشرطا أنه يتقدم من هذا الحزب فلان ويقابله من الحزب الآخر فلان ثم فلان، لان تدبير كل حزب إلى زعيمهم، وليس للآخر مشاركته فيه. فروع ثلاثة أحدها: حضرهم غريب، فاختاره أحد الزعيمين، وظنه يجيد الرمي، فبان خلافه، نظر إن لم يحسن الرمي أصلا، بطل العقد فيه، وسقط

(7/549)


من الحزب الآخر واحد بإزائه، وهل يبطل العقد في الباقي ؟ فيه قولا تفريق الصفقة، وقيل: يبطل قطعا، فإن قلنا: لا يبطل، فللحزبين خيار الفسخ للتبعيض، فإن أجازوا، وتنازعوا في تعيين من يجعل في مقابلته، فسخ العقد لتعذر إمضائه، وإن بان أنه ضعيف الرمي أو قليل الاضابة، فلا فسخ لاصحابه، ولو بان فوق ما ظنوه، فلا فسخ للحزب الآخر هكذا أطلقوه، وينبغي أن يكون فيه الخلاف السابق في أنه هل يشترط كون المتناضلين متدانيين وقد يستدل بإلاقهم على أن الاصح: أنه لا بأس بهذا التفاوت، وذكر الشيخ أبو محمد أن من فوائد المسألة أن المجهول الذي لم يختبر يجوز إدخاله في رجال المناضلة، قال: وكان لا يبعد منعه للجهالة العظيمة، لكن نص الشافعي رحمه الله على جوازه، فلو تناضل غريبان لا يعرف واحد منهما صاحبه، حكم بصحة العقد، فإن بان أنهما أو أحدهما لا يحسن الرمي، بطل العقد، وإن بان أن أحدهما أخرق لا يقاوم الآخر، ففي تبين بطلان العقد الوجهان السابقان فيما لو عاقد فاضل أخرق. الفرع الثاني: يشترط استواء الحزبين في عدد الارشاق والاصابات، وأما عدد الحزبين والاحزاب فوجهان، أحدهما وبه قطع الامام والغرض: لا يشترط بل يجوز أن يكون أحد الحزبين ثلاثة والثاني أربعة، والارشاق مائة على كل حزب، وأن يرامي رجل رجلين أو ثلاثة، فيرمي هو ثلاثة وكل واحد منهم واحدا، والثاني وبه قطع صاحبا المهذب والتهذيب وغيرهما: يشترط، لان به يحصل الحذق، فعلى هذا يشترط كون عدد الارشاق تنقسم صحيحا على الاحزاب، فإن كانوا ثلاثة أحزاب، فليكن للارشاق ثلث صحيح، وإن كانوا أربعة، فربع صحيح. الثالث: من التزم السبق من الزعيمين، لزمه، ولا يلزم أصحابه إلا أن يلتزموا معه، أو يأذنوا له أن يلتزم عنهم، وحينئذ يوزع على عدد الرؤوس، وإذا فضل أحد الحزبين فهل يوزع المال على عدد رؤوسهم أم على عدد الاصابات ؟ وجهان، الصحيح: الاول، ومنهم من قطع به، فإن قلنا بالاصابات، فمن لم يصب، لا شئ له، هذا إذا أطلقوا العقد، فإن شرطوا أن يقتسموا على الاصابة، فالشرط متبع وفيه احتمال للامام. الشرط السادس: تعيين الموقف، وتساوي المتناضلين فيه، فلو شرط كون

(7/550)


موقف أحدهما أقرب، لم يجز، ولو قدم أحدهما أحد قدميه عند الرمي، فلا بأس، وإذا وقف الرماة صفا، فالواقف في الوسط أقرب إلى الغرض، لكن هذا التفاوت محتمل بالاتفاق، ولم يشترط أحد تناوب الرماة على الموقف للمشقة في الانتقال، وقد نص في الام أن عادة الرماة أن الرامي الثاني قد يتقدم على الاول بخطوة أو خطوتين أو ثلاث، قال الاصحاب: إن لم تطرد هذه العادة، بل كانوا يفعلونها تارة دون تارة لم تعتبر وإلا فوجهان، فإن اعتبرت ولم تختلف العادة في عدد الاقدام روعي ذلك، وإن اختلفت، اعتبر الاقل. فرع تنافسوا في الوقوف في وسط الصف، قال الامام والغزالي: هو كالتنافس في الابتداء، والذي قطع به الجمهور: أن الاختيار لمن له الابتداء، فمن استحق الابتداء بشرط أو غيره يختار المكان، فيقف في مقابلته، أو تيامنا، أو متياسرا كيف شاء، وليحمل ما ذكره الامام عليه، وإذا وقف، وقف الآخر بجنبه يمينا أو شمالا، فإن لم يرض إلا بأن يقف عند الرمي في موقف الاول، فهل له أن يزيله عن موقفه ؟ وجهان، ولو رميا بين غرضين، فانتهيا إلى الغرض الثاني، فالثاني كالاول يقف حيث شاء، فإن كانوا ثلاثة، قال أبو إسحق: يقرع بين الآخرين عند الغرض الثاني، فمن خرجت له القرعة، وقف حيث شاء، ثم إذا عادوا إلى الغرض الاول بدأ الثالث بلا قرعة، ويقف حيث شاء، وحكي قول آخر أنهما حيث تنازعا في الموقف يحملان على عادة الرماة إن كان لهم في ذلك عادة مستمرة. فرع لو رضوا بعد العقد بتقدم واحد، نظر إن تقدم بقدر يسير، جاز، وإن كان أكثر، فلا، ولو تأخر واحد برضى الآخرين، لم يجز على الاصح، ولو اتفقوا على تقدم الجميع أو تأخرهم، أو تعيين عدد الارشاق بالزيادة والنقص، بني على أن المسابقة والمناضلة جائزتان، أم لازمتان. فرع لو قال أحدهما: ينصب الغرض بحيث يستقبل الشمس، وقال الآخر: بل يستدبرها، أجيب الثاني، لانه أصلح للرمي.
الطرف الثاني : في أحكام المناضلة وفيه فصلان: أحدهما: فيما يتعلق به استحقاق المال وفيه مسائل:

(7/551)


إحداها: إذا شرط في العقد الاصابة أو القرع لم يشترط التأثير بالخدش والخرق ولا يضر، فيحسب ما أصاب وارتد بلا تأثير، وما أثر بخسق وغيره، ولو كان الشن باليا، فأصاب موضع الخرق منه حسب، ذكره البغوي، وقد يجئ فيه وجه، لانه لم يصب الغرض. ثم يحتاج إلى معرفة ما يصاب وما يصيب به، أما الاول فإن ذكر إصابة الغرض، حسب ما أصاب الجلد والجريد وهو الدائر على الشن، والعروة وهي السير أو الخيط المشدود به الشن على الجريد، فكل ذلك الغرض وفيما يعلق به الغرض قولان، أظهرهما وأشهرهما: أنه ليس من الغرض، فإن ذكر إصابة الشن، لم تحسب إصابة الجريد والعروة، وإن ذكرا إصابة الخاصرة وهي يمين الغرض أو يساره، لم تحسب إصابة غيرهما، وأما ما يصيب من السهم فالاعتبار بالنصل فلا تحسب الاصابة بفوق السهم وعرضه، لانها تدل على سوء الرمي، وتحسب هذه الرمية عليه من العدد، وقيل: إذا أصاب بالفوق لا تحسب عليه وهو شاذ، وإن كان الاستحقاق معلقا بإصابة مقيدة كالخسق وغيره، فالحكم فيما يصاب ويصاب به كما ذكرنا لا يختلف، ولو اصطدم السهم بجدار أو شجرة ونحو ذلك، ثم أصاب الغرض، أو اصطدم بالارض، ثم ازدلف وأصاب الغرض، حسب له على الاصح عند العراقيين والاكثرين، وقيل: لا يحسب، وقال أبو إسحق: إن أعانته الصدمة وزادته حدة، لم يحسب، وإلا فيحسب، وإن ازدلف ولم يصب الغرض، حسب عليه على الاصح. المسألة الثانية: إذا شرط الخسق، فأصاب السهم الغرض وثقبه، وتعلق النصل به وثبت، فهو خسق، ولا يضر سقوطه بعد ما ثبت كما لو نزعه غيره، وإن خدشه، ولم يثقبه فليس بخاسق وإن ثقبه ولم يثبت فقولان، ويقال: وجهان، اظهرهما: ليس بخاسق لما سبق في تفسير الخسق، ولو ثقب ومرق فهو خاسق على المذهب والمنصوص، وقيل: قولان، ولو أصاب السهم طرف الغرض فخرمه، وثبت هناك، فهل يحسب خاسقا ؟ قولان، أظهرهما: نعم، وفي موضع القولين طرق، أصحها: أنهما فيما إذا كان بعض جرم النصل خارجا، فإن كان كله داخلا، فهو خاسق قطعا، والثاني: أنه إن كان بعضه خارجا، فليس بخاسق قطعا، وإنما القولان إذا بقيت طفية أو جليدة تحيط بالنصل، والطفية الواحدة من الخوص، والثالث: أنه إن أبان من الطرف قطعة لو لم يبنها، لكان الغرض محيطا بالنصل،

(7/552)


فهو خاسق قطعا، والقولان فيما إذا خرم الطرف لا على هذا الوجه، والراجع: أنه إن خرم الطرف، فليس بخاسق قطعا، وإنما القولان إذا خرم شيئا من الوسط، وثبت مكانه، وهذا أضعفها، وقال القفال: إن كان بين النصل والطرف، لكنه تشقق، فالخرم ليبوسة الشن ونحوها، فهو خاسق، ولو فرض ما ذكرنا من إصابة الطرف، والمشروط القرع أو الاصابة دون الخسق فطريقان، أحدهما: طرد القولين، ولو وقع السهم في ثقبة قديمة وثبت، فهل يحسب خاسقا ؟ وجهان، أحدهما: لا، لان النصل صادف الثقب فلم يخسق، وأصحهما: نعم، لان السهم في قوته ما يخرق لو أصاب موضعا صحيحا، ومقتضى هذا أن لا يجعل خاسقا إذا لم تعرف قوة السهم، ويوضحه أن الشافعي رحمه الله قال: لو أصاب موضع خرق في الغرض، وثبت في الهدف كان خاسقا، فقال الاصحاب: أراد إذا كان الهدف في قوة الغرض أو أصلب منه، بأن كان من خشب أو آجر أو طين يابى، فإن لم يكن بل كان ترابا، أو طينا لينا، لم يحسب له ولا عليه، لانه لا يدري هل كان يثبت لو أصاب موضعا صحيحا أم لا ؟ وفي الحاوي وجه أنه لا يحسب خاسقا وإن كان الهدف في قوة الغرض، أما إذا خدش النصل موضع الاصابة، وخرق بحيث يثبت فيه مثل هذا السهم، لكنه رجع لغلظ لقيه من حصاة أو نواة، فيحسب خاسفا على الاظهر، وبه قطع البغوي، وفي قول: لا يحسب له ولا عليه، ولو اختلفا فقال الرامي: خسق، لكن لم يثبت لغلظ لقيه، وأنكر الآخر، فإن كان فيه خروق ولم يعلم موضع الاصابة، فالقول قول الآخر، لان الاصل عدم الخسق والخدش، وكذا الحكم لو عين الرامي موضعا وقال: هذا الخرق حصل بسهمي، وأنكر صاحبه، ثم إن فتش الغرض، فلم يوجد فيه حصاة ولا ما في معناها، لم يحلف، وإن وجد فيه مانع، حلف، وإذا حلف، لم يحسب للرامي، وهل يحسب عليه ؟ وجهان، أصحهما: لا، وإن علم موضع الاصابة ولم يكن هناك مانع، أو كان ولم يؤثر السهم فيه بخدش وخرق، صدق بلا يمين، وحسبت الرمية على الرامي، وإن قلنا: الخرق بلا ثبوت خسق، حسب خاسقا بلا يمين، وإلا فلا يحسب له، ولا يحسب عليه أيضا على الاصح، ولو مرق سهم، وثبت في الهدف وعلى النصل قطعة من الغرض، فقال الرامي: هذه القطعة أبانها سهمي لقوته وذهب بها، فقال الآخر: بل كانت القطعة مبانة قبله، فتعلقت بالسهم، فالقول قول الآخر، نص عليه في الام لان الاصل

(7/553)


عدم الخسق، قال الشيخ أبو حامد: هذا إذا لم نجعل الثبوت في الهدف كالثبوت في الغرض، فإن جعلناه، فلا معنى لهذا الاختلاف. المسألة الثالثة: إذا تناضلا مبادرة، وشرطا المال لمن سبق إلى إصابة عشرة من مائة مثلا، فسبق أحدهما إلى الاصابة المشروطة قبل كمال عدد الارشاق، بأن رمى كل واحد منهما خمسين، وأصاب أحدهما منها عشرة والآخر دونها، فالاول ناضل وقد استحق المال، وهل يلزمه إتمام العمل ؟ فيه طريقان، المذهب وبه قطع الجمهور: لا يلزم، لانه تم العمل الذي تعلق به الاستحقاق، فلا يلزمه عمل آخر، والثاني: فيه وجهان حكاهما الامام والغزالي، ثانيهما: يلزمه لينتفع صاحبه بمشاهدة رميه ويتعلم منه، ولو تناضلا محاطة وشرطا المال لمن خلص له عشرة من مائة، فرمى كل واحد خمسين، وأصاب أحدهما في خمسة عشر، والآخر في خمسة، فقد خلص للاول عشرة هل يستحق بها المال، أم يتوقف الاستحقاق على استكمال الارشاق ؟ وجهان، أحدهما: يستحق بها كالمبادرة، والثاني وهو الصحيح: لا يستحق، لان الاستحقاق منوط بخلوص عشرة من مائة، وقد يصيب الآخر فيما بقي ما يمنع خلوص عشرة للاول بخلاف المبادرة، فإن الاصابة بعدها لا ترفع ابتدار الاول إلى ذلك العدد، فإن قلنا بهذا، وجب إتمام الارشاق، وإن قلنا بالاول وأنه لا حط بعد خلوص العدد المشروط، فهل للآخر أن يكلفه إتمام العمل ؟ فيه الطريقان في المبادرة، ويجري الخلاف في كل صورة يتوقع الآخر منع الاول من خلوص المشروط أو نصله، كما إذا شرطا خلوص خمسة من عشرين، فرمى كل واحد خمسة عشر، وأصاب أحدهما عشرة والآخر ثلاثة، لانهما إذا استكملا الارشاق، فقد يصيب الآخر في الخمسة الباقية، ولا يصيب الاول في شئ منها، فلا يخلص له عشرة، فلو كانت الصورة بحالها، وأصاب الاول في عشرة من خمسة عشر، ولم يصب الآخر في شئ منها، فلا يرجو الآخر منع الاول من الخلوص، فيثبت له استحقاق المال في الحال قطعا، قال البغوي وغيره: ولا يلزمه إتمام الارشاق، ولا يشك أنه يجئ فيه الخلاف المذكور في المبادرة، ولو رمى أحدهما والشرط المبادرة في المثال المذكور خمسين، وأصاب عشرة، ورمى الآخر تسعة وأربعين، وأصاب تسعة، فالاول ليس بناضل، بل يرمي الآخر سهما آخر فإن إأصاب، فقد تساويا وإلا فقد ثبت الاستحقاق للاول، ولو أصاب الاول من خمسين

(7/554)


عشرة، والآخر من تسعة وأربعين ثمانية، فالاول ناضل لان الآخر وإن أصاب في رميته الباقية لا يساوي الاول، ويظهر بالصورتين أن الاستحقاق لا يحصل بمجرد المبادرة إلى العدد المذكور بل يشترط مع الابتدار مساواتهما في عدد الارشاق، أو عجز الثاني من المساواة في الاصابة، وإن ساواه في عدد الارشاق، ولو خلص لاحدهما في المحاطة عشرة من خمسين، ورمى الآخر تسعة واربعين ولم يصب في شئ منها فله أن يرمي سهما آخر فلعله يصيب فيه، فيمنع خلوص عشر إصابات للاول. فرع إذا قال رجل لرام: ارم خمسة عني، وخمسة عن نفسك، فإن أصبت في خمستك، أو كان الصواب فيها أكثر، فلك كذا، أو قال: ارم عشرة، واحدة عنك وواحدة عني، فإن كانت إصابتك فيما رميت عنك أكثر، فلك كذا، لم يجز، نص عليه في الام لان المناضلة عقد، فلا يكون إلا بين نفسين كالبيع وغيره، ولانه قد يجتهد في حق نفسه دون صاحبه ولو قال: ارم عشرة فإن كان صوابك منها أكثر، فلك كذا، فظاهر ما نقله المزني: أنه لا يجوز، وأشار في تعليله بأنه يناضل نفسه، فوافقه طائفة من الاصحاب، وخالفه الجمهور وقالوا: هو جائز، وحكوه عن نصه في الام، وعللوه بأنه بذل المال على عوض معلوم، وله فيه غرض ظاهر، وهو تحريضه على الرمي ومشاهدة رميه، قالوا: وليس هو بنضال، بل هو جعالة، ثم من هؤلاء من غلط المزني في الحكم والتعليل، ومنهم من تأوله على ما لو قال: ارم كذا، فإن كان صوابك أكثر، فقد نضلتني، فهذا لا يجوز، لان النضال إنما يكون بين اثنين، فإن قلنا بالجواز، فرمى ستة وأصابها كلها، فقد ثبت استحقاقه، وللشارط أن يكلفه استكمال العشرة على المذهب، لانه علق الاستحقاق بعشرة إصابتها أكثر، ولو قال لمتراميين: ارميا عشرة، فمن أصاب منكما خمسة، فله كذا، جاز، ولو قال رجل لآخر: نرمي عشرة، فإن أصبت في خمستك، فلك كذا، وإن أصبت أنا، فلا شئ لي عليك، جاز أيضا، وإن قال: وإن أصبت في خمستي، فلي عليك كذا، لم يجز إلا بمحلل، ولو قال: أرم سهما، فإن أصبت، فلك كذا، وإن أخطأت، فعليك كذا، فهو قمار. فرع لو كانوا يتناضلون، فمر بهم رجل، فقال لمن انتهت النوبة إليه وهو يريد الرمي: ارم، فإن أصبت بهذا السهم، فلك دينار، نص الشافعي رحمه الله أنه

(7/555)


إذا أصاب، استحق الدينار، وتكون تلك الاصابة محسوبة من معاملته التي هو فيها، قال الاصحاب: قياسا على هذا، لو كان يناضل رجلا والمشروط عشر قرعات، فشرط أن يناضل بها ثانيا ثم ثالثا إلى غير ضبط، وإذا فاز بها، كان ناضلا لهم جميعا، جاز، قال الامام: هذا دليل على انقطاع هذه المعاملة عن مضاهاة الاجارة، لانها لو كانت مثلها لما استحق بعمل واحد مالين عن جهتين، وسبب استحقاق المال فيها الشرط لا رجوع العمل إلى الشارط. المسألة الرابعة: اختلفوا في تفسير الحابي، فقيل: هو السهم الذي يقع بين يدي الغرض، ثم يزحف إليه فيصيبه من قولهم: حبا الصبي، وهو كالمزدلف إلا أن الحابي أضعف حركة منه، وقيل: هو الذي يصيب الهدف حوالي الغرض، وقيل: هو القريب من الهدف، كأن صاحبه يحابي، ولا يريد إصابة الهدف، ويروى هذا التفسير عن الربيع، ولم يجعل كثير من الاصحاب الحوابي صفة السهام، لكن قالوا: الرمي ثلاثة: المبادرة والمحاطة والحوابي، وهو أن يرميا على أن يسقط الاقرب والاسد الابعد، إذا ثبت هذا، فلو شرطوا احتساب القريب من الغرض، نظر إن ذكروا حد القرب من ذراع أو أقل أو أكثر، جاز وصار الحد المضبوط كالغرض، وصار الشن في وسطه كالدارة، وإن لم يذكروا حد القرب، فإن كان هناك للرماة عادة مطردة، حمل العقد عليها، كما تحمل الدراهم المطلقة على النقد الغالب، وإن لم تكن عادة مطردة فوجهان، أصحهما: بطلان العقد للجهالة، والثاني: الصحة، فعلى هذا وجهان، أحدهما: يحمل على أن الاقرب يسقط الابعد كيف كان، والثاني: يحمل على إسقاط البعيد أو الاقرب للابعد، أما إذا قالا: يرمي عشرين إرشقا على أن يسقط الاقرب الابعد، فمن فضل له خمسة، فهو ناضل، فهو صحيح والشرط متبع، وعن الحاوي ما يشير إلى خلافه، والمذهب الاول، لانه ضرب من الرمي معتاد للرماة، وهو ضرب من المحاطة، وحينئذ فإن تساوت السهام في القرب والبعد، فلا ناضل ولا منضول، وكذا لو تساوى سهمان في القرب، أحدهما لهذا والآخر للآخر، وكان باقي السهام أبعد، ومهما كان بين سهم أحدهما وبين الغرض قدر شبر، وبين سهم الآخر والغرض دون شبر، أسقط الثاني الاول، فإن رمى الاول بعد ذلك، فوقع أقرب، أسقط ما رماه الثاني، ولو وقع سهم أحدهما قريبا من الغرض، ورمى الآخر خمسة، فوقعت أبعد من ذلك السهم، ثم عاد

(7/556)


الاول، فرمى سهما، فوقع أبعد من الخمسة، سقط هذا السهم بالخمسة، وسقطت الخمسة بالاول، ولو رمى أحدهما خمسة، فوقعت قريبة من الغرض وبعضها أقرب من بعض، ثم رمى الثاني خمسة، فوقعت أبعد من خمسة الاول، سقطت خمسة الثاني بخمسة الاول، ولا يسقط من خمسة الاول شئ وإن تفاوتت في القرب، لان قريب كل واحد يسقط بعيد الآخر، ولا يسقط بعد نفسه، هذا هو الصحيح المنصوص وبه قطع الجمهور، وقيل: يسقط بعيد نفسه، كما يسقط بعيد غيره، ولو وقع سهم أحدهما بقرب الغرض، وأصاب سهم الآخر الغرض، فالمنقول أن الثاني يسقط الاول كما يسقط الاقرب الابعد، ولك أن تقول: وإن كان الشرط أن الاسد أو الاصوب يسقط غيره، وأن الاقرب يسقط الابعد على معنى الاقرب إلى الصواب، فهذا صحيح، وإن كان الشرط الاول أن الاقرب إلى الغرض يسقط الابعد عنه، فينبغي أن يتساويا، ولو أصاب أحدهما الرقعة في وسط الغرض، والآخر الغرض خارج الرقعة، أو أصابا خارج الرقعة وأحدهما أقرب إليها، فقد حكى الشافعي رحمه الله عن بعض الرماة أن الذي أصاب الرقعة، أو كان أقرب إليها يسقط الآخر، قال: والقياس عندي أنهما سواء، وإنما يسقط القريب البعيد إذا كانا خارجين عن الشن، وفي هذا تأكيد لما استدركناه، وعد صاحب الحاوي المذهبين وجهين، ونقل الشافعي رحمه الله عن بعض الرماة أنه قال: القريب الذي يسقط البعيد هو الساقط، وهو السهم الذي يقع بين يدي الغرض، والعاضد، وهو الذي يقع في اليمين أو اليسار دون الخارج، وهو الذي يتجاوزه ويقع فوقه، قال الشافعي: والقياس أنه لا فرق لوقوع اسم القريب من الغرض، فالاعتبار بموضع ثبوت السهم واستقراره لا بحالة المرور، حتى لو قرب مروره من الغرض، ووقع بعيدا منه، لم يحتسب به إلا إذا شرط اعتبار حالة المرور، ولو شرطا أن ما أصاب القرطاس أسقط ما وقع حواليه، فقد حكى الامام والغزالي في صحته قولين حكياهما عن نقل العراقيين، ووجه المنع بأنه تعسر إصابة الوسط، وقد يصيبه الاخرق اتفاقا، وهذا النقل لا يكاد يوجد في كتب الاصحاب، والمفهوم من كلامهم القطع باتباع الشرط. الخامسة: النكبات: هي التي تطرأ عند الرمي وتهوشه، وذلك يعم شرط القرع والخسق وغيرهما، والاصل أن السهم متى وقع مباعدا تباعدا مفرطا إما مقصرا

(7/557)


عن الغرض، وإما مجاوزا له، نظر إن كان ذلك لسوء الرمي، حسب على الرامي، ولا يرد إليه السهم ليرمي به، وإن كان لنكبة عرضت، أو خلل في آلة الرمي بغير تقصير من الرامي، فذلك السهم غير محسوب عليه، ويوضح هذا الاصل بصور، إحداها: إذا عرض في مرور السهم إنسان أو بهيمة فمنع السهم، أو القوس إن كان لتقصيره وسوء رميه حسب عليه، وإن الرمية عليه، فيعيدها، لانه معذور، ولو انقطع الوتر، أو انكسر السهم، أو القوس إن كان تقصيره وسوء رميه حسب عليه، وإن كان لضعف الآلة وغيره لا لتقصيره وإساءته، لم تحسب، كما لو حدث في يده علة أو ريح، وقيل: إن وقع السهم عند هذه العوارض قريبا من الغرض، حسب عليه، حكاه الامام عن أبي إسحق، وقيل إن وقع السهم مجاوزا للغرض، حسب عليه، لان المجاوزة تدل على أن العارض لم يؤثر، وإنما هو لاساءته، والاول هو الصحيح المنصوص، لان الخلل يؤثر تارة في التقصير، وتارة في الاسراف، فإن قلنا: تحسب عليه، فلو أصاب حسب له، وإن قلنا بالمنصوص: إنه لا يحسب عليه، فأصاب، حسب له على الاصح، لان الاصابة مع النكبة تدل على جودة الرمي، ثم في كتاب ابن كج أن الانقطاع والانكسار إنما يؤثر حدوثهما قبل خروجه من القوس، وأما بعده، فلا أثر له، وصور البغوي انكسار السهم فيها إذا كان بعد خروجه من القوس، وجعله عذرا، ولو انكسر السهم نصفين بلا تقصير، وأصاب أحد نصفيه الغرض إصابة شديدة، فثلاثة أوجه، أحدها: لا تحسب، والثاني: تحسب الاصابة بالنصف الاعلى، وهو الذي فيه الفوق دون الذي فيه النصل، والثالث وهو الصحيح، وبه قطع العراقيون والاكثرون وهو المنصوص: تحسب الاصابة بالنصف الذي فيه النصل دون الاعلى، ولو أصاب بالنصفين، لم تحسب إصابتين، وكذا لو رمى سهمين دفعة واحدة، ذكره ابن كج، ولو حاد السهم عن سنن الهدف، وخرج عن السماطين، حسب عليه لسوء رميه، ولو رمى إلى غير الجهة التي فيها الهدف، فهذا اشتغال بغير النضال الذي تعاقدا عليه، فلا يحسب عليه. الثانية: كان في الغرض سهم، فأصاب سهمه فوق ذلك السهم، نظر إن كان ذلك السهم تعلق به، وبعضه خارج، لم يحسب له، لانه لا يدري هل كان يبلغ الغرض لولا هذا السهم، ولا يحسب عليه أيضا، لانه عرض دون الغرض عارض،

(7/558)


فإن شقه، وأصاب الغرض، حسب، وقد يجئ فيه الخلاف السابق في البهيمة، فإن كان ذلك السهم قد غرق فيه، حسب إصابة، وإن كان الشرط الخسق، لم يحسب له ولا عليه، لانه لا يدري هل كان بخسق أم لا ؟ وينبغي أن ينظر إلى ثبوته فيه، وتقاس صلابة ذلك السهم بصلابة الغرض كما سبق نظيره، ولو أغرق الرامي، وبالغ في المد حتى دخل النصل مقبض القوس، ووقع السهم عنده، فالنص إلحاقه بانكسار القوس وانقطاع الوتر ونحوهما، لان سوء الرمي أن يصيب غير ما قصده، ولم يوجد هذا هنا، وعن صاحب الحاوي أنه يحسب عليه، وقال ابن القطان: إن بلغ مدى الغرض، حسب عليه وإلا فلا. الثالثة: الريح اللينة لا تؤثر حتى لو رمى زائلا عن المسامتة، فردته الريح اللينة، أو رميا ضعيفا، فقوته، فأصاب، حسب له وإن صرفته عن السمت بعض الصرف، فأخطأ، حسب عليه، لان الجو لا يخلو عن الريح اللينة غالبا، ويضعف تأثيرها في السهم مع سرعة مروره، وقيل: يمنع الاحتساب له وعليه، وقيل: يمنع الاحتساب عليه، والصحيح الاول، ولو كانت الريح عاصفة، واقترنت بابتداء الرمي، فوجهان، أحدهما وهو ظاهر النص، وبه أجاب الامام والغزالي: لا يؤثر لان ابتداء الرمي والريح عاصفة تقصير، ولان للرماة حذقا في الرمي وقت هبوب الريح ليصيبوا، فإذا أخطأ، فقد ترك ذلك، وظهر سوء رميه، وأصحهما وهو قول ابن سلمة، وبه قطع العراقيون وغيرهم: لا يحسب له إن أصاب لقوة تأثيرها، ولهذا يجوز لكل واحد ترك الرمي إلى أن تركد بخلاف اللينة، ولو هجم هبوب العاصفة بعد خروج السهم من القوس، فمقتضى الترتيب أن يقال: إن قلنا: اقترانها مؤثر، فهبوبها أولى، وإلا فوجهان، أحدهما: أنها كالنكبات العارضة، والثاني: المنع، لان الجو لا يخلو عن الريح، ولو فتح هذا الباب، لتعلق به المخطئون، وطال النزاع، والمذهب: أنه إن أخطأ في الهجوم لا يحسب عليه، وإن أصاب، فهل يحسب له ؟ فيه الخلاف في السهم المزدلف، وقال الشيخ أبو إسحق: عندي أنه لا يحسب له قطعا، لانا لا نعلم أنه أصاب برميه، ولو هبت ريح نقلت الغرض إلى موضع آخر، فأصاب السهم الموضع المنتقل عنه، حسب له، إن كان الشرط الاصابة على الصحيح، وإن كان الخسق، نسبت صلابة الموضع بصلابة الغرض، ولو أصاب الغرض في الموضع المنتقل إليه، حسب عليه، لا له، ولو أزالت الريح

(7/559)


الغرض حتى استقل السهم، فأصابه السهم، قال ابن كج: لا يحسب له. الفصل الثاني: في حكم المناضلة جوازا ولزوما وفي كونها لازمة أو جائزة قولان كما سبق في المسابقة، فإن قلنا: تلزم، انفسخت بموت أحدهما، كالاجير المعين، ولو مرض أحدهما، أو أصابه رمد ونحوه، لم ينفسخ العقد، بل يؤخر الرمي، وفي المسابقة يحصل الانفساخ بموت الفرس، لان التعويل عليه، ولا يحصل بموت الفارس، بل يقوم الوارث مقامه، وقيل: فيه احتمال، لان للفارس أثرا ظاهرا، وإلزام الوارث على المسابقة كالمستبعد، ولا يجوز لها إلحاق زيادة في عدد الارشاق ولا عدد الاصابات، وطريقهما إن أرادا ذلك أن يفسخا العقد، ويستأنفا عقدا، وليس للمناضل أن يترك النضال ويجلس، بل يلزم به كمن استؤجر لخياطة ونحوها، ويحبس على ذلك ويعزر، هذا إذا كان مفضولا أو كان له الفضل، ولكن توقع صاحبه أن يدركه، فيساويه أو يفضله، أما إذا لم يتوقع الادراك بأن شرطا إصابة خمسة من عشرين، فأصاب أحدهما خمسة، والآخر واحدا ولم يبق لكل واحد إلا رميتان، فلصاحب الخمسة أن يجلس: ويترك الباقي، هذا تفريع قول اللزوم، أما إذا قلنا بالجواز فتتفرع عليه مسألتان، إحداهما: تجوز الزيادة في عدد الارشاق والاصابات، وفي المال بالتراضي، وفي الجميع وجه ليس بشئ، وهل يستبد أحدهما بالزيادة ؟ ثلاثة أوجه، أصحها: نعم، لجواز العقد، فإن لم يرض صاحبه فليفسخ، والثاني: لا، إذ لا بد في العقد من القبول، والثالث: يجوز الالحاق للفاضل والمساوي دون المفضول لئلا يتخذ المفضول ذلك ذريعة إلى إبطال النضال، ومتى يصير مفضولا ؟ وجهان، أحدهما: متى زاد صاحبه بإصابة واحدة، وأصحهما: لا تكفي إصابة وإصابتان، بل لا يصير مفضولا إلا إذا قرب صاحبه من الفوز. واعلم أن الوجه المذكور في أنه لا يجوز إلحاق الزيادة والنقص بالتراضي، والوجه الآخر في أنه ليس لاحدهما الاستبداد يطردان في المسابقة وإن لم يذكرهما هناك، وفي الجعالة إذا زاد الجاعل في العمل كان متهما كالمفضول، ففي زيادته الخلاف، فإن لم تلحق الزيادة بها، فذاك، وإن ألحقناها وقد عمل العامل بعض العمل ولم يرض بالزيادة، فسخ العقد، قال الامام: والوجه أن تثبت له أجرة

(7/560)


المثل، لان الترك بسبب الزيادة بخلاف ما إذا ترك في أثناء العمل بلا عذر، فإنه لا يستحق شيئا. المسألة الثانية: يجوز لكل منهما على هذا القول تأخير الرمي والاعراض عنه من غير فسخ، وكذا الفسخ إذا لم يكن المعرض مفضولا متهما، فإن كان، فهل له أن يجلس ويترك النضال ؟ وجهان كما ذكرنا في المسابقة، قال الامام: وفي جواز فسخه الخلاف المذكور في الزيادة، ويفضي الامر إذا فرقنا بين المفضول وغيره إلى أن الحكم بأن العقد جائز مطلقا مقصور على ما إذا لم يصر أحدهما مفضولا، فإن صار، لزم في حقه، وبقي الجواز في حق الآخر، وهذا الخلاف في نفوذ فسخ المفضول طرد في فسخ الجاعل الجعالة بعدما عمل العامل بعض العمل، وكانت حصة عمله من المسمى تزيد على أجرة المثل، ولو شرطا في العقد أن لكل واحد أن يجلس ويترك الرمي إن شاء، فسد العقد إن قلنا بلزومه، وكذا إن قلنا بجوازه وقلنا: ليس للمفضول الترك، وإن قلنا: له ذلك لم يضر شرطه، لانه مقتضى العقد. ولو شرطا أن المسبق إن جلس كان عليه السبق، فهو فاسد على القولين، لان السبق إنما يشرع في العمل، ولو تناضلا، ففضل أحدهما الآخر بإصابات، فقال المفضول: حط فضلك، ولك علي كذا، لم يجز على القولين، سواء جوزنا إلحاق الزيادة أم لا، لان حط الفضل لا يقابل بمال.
فصل في مسائل منثورة تتعلق بالمناضلة والمسابقة لو كان أحد الراميين إذا أصاب، أطال الكلام بالتبجح والافتخار وأضجر صاحبه، أو عنفه إذا أخطأ، منع منه، ولو كلم أحدهما رجل، قيل له: أجب جوابا وسطا، ولا تطول، ولا تحبس القوم، ولو تعلل بعدما رمى صاحبه بمسح القوس والوتر، وأخذ النبل بعد النبل والنظر فيه، قيل له: ارم، لا مستعجلا ولا متباطئا، ولو شرطا أن تحسب لاحدهما الاصابة الواحدة الاصابتين، أو يحط من إصاباته شئ، أو أنه إن أخطأ رد عليه سهم أو سهمان ليعيد رميهما، أو أن يكون في يد أحدهما من النبل أكثر مما في يد الآخر، لم يجز، لان هذه المعاملة مبينة على التساوي، ولا يجوز أن يشرط خاسق أحدهما خاسقين، ولو كان الشرط الحوابي، فشرطا أن يحسب الخاسق حابيين، جاز، نص عليه في الام لان الخاسق يختص بالاصابة والثبوت فجاز أن تجعل تلك الزيادة مقام حاب، وقيل: فيهما جميعا قولان، ولو تناضلا، فرميا

(7/561)


بعض الارشاق ثم ملا، فقال أحدهما للآخر: ارم، فإن أصبت فقد نضلتني، أو قال: أرمي أنا فإن أصبت هذه الواحدة فقد نضلتك، لم يجز لان الناضل من ساوى صاحبه في عدد الارشاق وفضله في الاصابة، ولو تناضلا، أو تسابقا، وأخرج السبق أحدهما، فقال أجنبي: شاركني فيه، فإن غنمت أخذت معك ما أخرجته، وإن غرمت، غرمت معك، لم يجز، وكذا لو أخرجاه، وبينهما محلل، فقال أجنبي ذلك لاحدهما. ولو عقد المناضلة في الصحة، ودفع المال في مرض الموت، فهو من رأس المال إن جعلناها إجارة، وإن قلنا: جعالة، فوجهان، ولو ابتدأ العقد في المرض، فيحتمل أن يحسب من الثلث، ويحتمل أن يبنى على القولين ذكره في البحر. قلت: الاصح أو الصواب القطع بأنه من رأس المال في الصورتين، سواء قلنا إجارة أو جعالة، لانه ليس بتبرع ولا محاباة فيه، فإذا كان ما يصرفه في ملاذ شهواته من طعام وشراب ونكاح وغيره مما لا ضرورة له إليه، ولا ندبه الشرع إليه محسوبا من رأس المال، فالمسابقة التي ندب الشرع إليها، ويحتاج إلى تعلمها أولى، لكن هذا فيما إذا سابق بعوض المثل في العادة، فإن زاد، فالزيادة تبرع من الثلث. والله أعلم. وفي البحر أن الولي ليس له صرف مال الصبي في المسابقة والمناضلة ليتعلم، وأن السبق الذي يلتزمه المتناضلان يجوز أن يكون عندهما، ويجوز وضعه عند عدل يثقان به وهو أحوط وأبعد عن النزاع، وأنهما لو تنازعا فقال أحدهما: يترك السبق عندنا، وقال الآخر: بل عند عدل، فإن كان دينا، أجيب الاول، وإن كان عينا، فالثاني، وأنه لو قال أحدهما: نضعه عند زيد، وقال الآخر: عند عمرو، اختار الحاكم أمينا، وهل يتعين أحد الامينين المتنازع فيهما أم له أن يختار غيرهما ؟ وجهان وأنه لا أجرة للامين إلا إذا اطرد العرف بأجرة له فوجهان، وفيه: أن المحلل ينبغي أن يجري فرسه بين فرسي المتسابقين، فإن لم يتوسطهما، وأجرى بجنب أحدهما، جاز إن تراضيا به، وأنه لو رضي أحدهما بعدوله عن الوسط، ولم يرض الآخر، لزمه التوسط، وأنهما لو رضيا بترك توسطه وقال أحدهما: يكون عن اليمين، وقال الآخر: عن اليسار، لزم التوسط، وأنه لو تنازع المتسابقان في اليمين واليسار، أقرع، قال الشافعي رحمه الله في المختصر: لا بأس أن يصلي متنكبا

(7/562)


للقوس والقرن إلا أن يتحركا عليه حركة تشغله، فأكرهه ويجزئه، والتنكب: التقلد، والقرن بفتح القاف والراء: هو الجعبة المشقوقة، ولا بد من طهارة ذلك، ولا يجلب على الفرس في السباق، وهو أن يصيح به القوم ليزيد عدوه، ولكن يركضان بتحريك اللجام والاستحثاث بالسوط، وإذا وقف المتناضلان في الموقف، فهل يحتاج من يرمي إلى استئذان صاحبه ؟ قال ابن كج عادة الرماة الاستئذان، حتى إن من رمى بلا استئذان لا يحسب ما رماه، أصاب أم أخطأ، ويجب اتباع عرفهم فيه، وقال ابن القطان: يحسب، ولا حاجة إلى الاستئذان. وبالله التوفيق.
تم الجزء السابع ويليه الجزء الثامن والاخير وأوله: (كتاب الأيمان)

(7/563)