روضة الطالبين وعمدة المفتين ط العلمية

روضة الطالبين - كتاب القسمة
قد يتولاها الشركاء بأنفسهم أو منصوب للقاضي أو لهم، ويشترط في منصوب القاضي الحرية والعدالة، والتكليف والذكورة، والعلم بالمساحة والحساب، وهل يشترط معرفته للتقويم ؟ وجهان، لأن في أنواع القسمة ما يحتاج إليه،

(8/181)


ولا يشترط في منصوب الشركاء العدالة والحرية، لانه وكيل لهم، كذا أطلقوه. وينبغي أن يكون في توكيل العبد في القسمة الخلاف في توكيله في البيع. ولو حكم الشركاء رجلا ليقسم بينهم، فهو على القولين في التحكيم، فإن جوزناه، فهو كمنصوب القاضي، فإن كان في سهم المصالح مال يتفرع لمؤنة القاسمين، لزم الامام أن ينصب في كل بلد قاسما، فإن لم تحصل الكفاية بواحد، زاد بحسب الحاجة، وإلا فلان يعين قاسما لئلا يغالي في الاجرة، ولئلا يواطئه بعضهم، فيحيف، بل يدع الناس ليستأجروا من شاؤوا، وإذا لم تكن في القسمة تقويم، كفى قاسم على المذهب، وقيل قولان ثانيهما يشترط اثنان، وإن كان تقويم، اشترط اثنان، وللامام أن ينصب قاسما، لجعله حاكما في التقويم، ويعتمد في التقويم عدلين، وهل للقاضي أن يحكم بمعرفته في التقويم ؟ قولان، كقضائه بعلمه، وقيل: لا يجوز قطعا، لانه تخمين مجرد، ولو فوض الشركاء القسمة إلى واحد بالتراضي، جاز قطعا.
فرع القاسم المنصوب من جهة الإمام يدر رزقه من بيت المال على الصحيح، وبه قطع الجمهور. وقال أبو إسحق: لا يدر، وهذا ضعيف. وإذا لم يكف مؤنته من بيت المال، فأجرته على الشركاء، سواء طلب جميعهم القسمة أم بعضهم، وقال ابن القطان وغيره: على الطالب وحده، والصحيح الاول، ثم إن

(8/182)


استأجر الشركاء قاسما، وسموا له أجرة، وأطلقوا، فتلك الاجرة توزع على قدر الحصص على المذهب، وقيل قولان ثانيهما على عدد الرؤوس، ويجري الطريقان فيما لو استأجروه استئجارا فاسدا، فقسم، أن أجرة المثل كيف توزع ؟ وفيما لو أمروا قاسما فقسم، ولم يذكروا أجرة، وقلنا: تجب أجرة المثل في مثل ذلك، وفيما لو أمر القاضي قاسما فقسم قسم إجبار. ولو استأجروا قاسما، وسمى كل واحد أجرة التزمها، فله على كل واحد ما التزم، هذا إذا أستأجروا جميعا بأن قالوا: استأجرناك لتقسم بيننا كذا بدينار على فلان، ودينارين على فلان مثلا أو وكلوا وكيلا عقد لهم كذلك، فلو استأجروا في عقود مترتبة، فعقد واحد لافراز نصيبه، ثم الثاني كذلك، ثم الثالث، فقد جوزه القاضي حسين، وأنكره الامام، وقال: هذا بناء على أنه يجوز استقلال بعض الشركاء باستئجار القاسم لافراز نصيبه، ولا سبيل إليه، لان إفراز نصيبه لا يمكن إلا بالتصرف في نصيب الآخرين ترددا وتقريرا ولا سبيل إليه إلا برضاهم، لكن يجوز انفراد أحدهم برضى الباقين فيكون أصلا ووكيلا ولا حاجة إلى عقد الباقين، وحينئذ إن فصل ما على كل واحد بالتراضي، فذاك، وإن أطلق، عاد الخلاف في كيفية التوزيع. فرع إذا كان أحد الشريكين طفلا، نظر إن كان في القسمة غبطة له، فعلى الولي طلب القسمة، وبدل حصته من الاجرة من مال الطفل وإلا فلا يطلبها، وإن طلبها الشريك الآخر وأجيب، فإن قلنا: الاجرة على الطالب خاصة، فذاك، وإن قلنا: على الجميع، فوجهان، أحدهما: على الطالب لئلا يجحف بالصبي بلا غبطة، وأصحهما تؤخذ حصة الصبي من ماله.
فصل للعين المشتركة حالان : الاولى أن يعظم ضرر قسمتها، فإن طلبها أحدهما، وامتنع الآخر، لم يجبر، وفي ضبط الضرر المانع ثلاثة أوجه سبقت في باب الشفعة، فلا يكسر جوهر نفيس، ولا يقطع ثوب رفيع، ولا يقسم زوجا خف،

(8/183)


ومصراعا باب إن طلبه أحدهما، فلو تراضوا بقسمة ذلك، وطلبوها من القاضي، فإن بطلت المنفعة بالكلية، لم يجبهم ويمنعهم أن يقتسموا بأنفسهم، لانه سفه، وإن نقصت كسيف يكسر، لم يجبهم على الاصح، لكن لا يمنعهم أن يقتسموا بأنفسهم وما يبطل القسمة منفعته المقصودة منه، كطاحونة وحمام صغيرين إذا امتنع أحدهما لا يجبر الآخر على أصح الاوجه المشار إليها، فإن كانا كبيرين، وأمكن جعل الطاحونة طاحونتين، والحمام حمامين، أجبر الممتنع، فإن كان يحتاج إلى إحداث بئر أو مستوقد فوجهان، أحدهما: لا إجبار، لتعطل المنفعة إلى الاحداث، وأصحهما: يجبر ليسر التدارك. وإن تضرر أحدهما بالقسمة دون الآخر كدار بين اثنين، لاحدهما عشرها، وللآخر باقيها، ولو قسمت، لم يصلح العشر للسكن، ويصلح الباقي، فإن طلب القسمة صاحب العشر، لم يجبر الآخر على الاصح، وإن طلبها الآخر، أجبر صاحب العشر على الاصح، لان صاحب العشر متعنت في طلبه، والآخر معذور. وإن كان نصف الدار لواحد، ونصفها لخمسة، فطلب صاحب النصف إفراز نصيبه، أجيب إليه، والباقون إن اختاروا القسمة قسم، وإن كان العشر لا يصلح للسكن، لان في القسمة فائدة لبعض الشركاء، وإن استمروا على الشيوع، جاز فلو طلب أحدهم القسمة بعد ذلك، لم يجبر الباقون، لان هذه القسمة تضر الجميع، ولو طلب الخمسة أولا إفراز النصف، ليكون بينهم شائعا، أجيبوا إليه، كذا ذكره الروياني وغيره، وكذا لو كانت بين عشرة، فطلب خمسة القسمة، ليكون النصف بينهم يجابون. الحالة الثانية: أن لا يعظم ضرر القسمة، فقد لا ينقسم من غير رد من أحد

(8/184)


الشريكين أو الشركاء، وقد ينقسم بلا رد باعتبار الاجزاء، وتسمى قسمة المتشابهات، أو باعتبار القيمة وتسمى قسمة التعديل، فهذه ثلاثة أنواع. الاول: قسمة المتشابهات، وإنما تجري في الحبوب والدراهم والادهان وسائر المثليات، وفي الدار المتفقة الابنية، والارض المتشابهة الاجزاء وما في معناها، فتعدل الانصباء في المكيل بالكيل، والموزون بالوزن، والارض المتساوية تجزأ أجزاء متساوية بعدد الانصباء إن تساوت، بأن كانت لثلاثة أثلاثا، فتجعل ثلاثة أجزاء متساوية، ثم تؤخذ ثلاث رقاع متساوية، ويكتب على كل رقعة اسم شريك أو جزء من الاجزاء ويميز بعضها عن بعض بحد أو جهة أو غيرها، وتدرج في بنادق متساوية وزنا وشكلا من طين مجفف أو شمع، وتجعل في حجر من لم يحضر الكتابة والادراج، فإن كان صبيا أو أعجميا كان أولى، ثم يؤمر بإخراج رقعة على الجزء الاول إن كتب في الرقاع أسماء الشركاء، فمن خرج اسمه، أخذه، ثم يؤمر بإخراج أخرى على الجزء الذي يلي الاول، فمن خرج اسمه أخذه، ويعين الباقي للثالث، وإن كتب في الرقاع أسماء الاجزاء أخرجت رقعة باسم زيد، ثم أخرى باسم عمرو، ويتعين الثالث للثالث، ويعين من يبتدئ به من الشركاء والاجزاء منوط بنظر القاسم، فيقف أولا على أي طرف شاء ويسمي أي شريك شاء، وإن كانت الانصباء مختلفة، بأن كان لزيد نصف، ولعمرو ثلد، وللثالث سدس، جزأ الارض على أقل السهام وهو السدس، فيجعلها ستة أجزاء، ثم نص الشافعي رحمه الله أنه يثبت اسم الشركاء في رقاع، وتخرج الرقاع على الاجزاء، وقال في العتق: يكتب على رقعتين: رق، وعلى رقعتين: حرية، وتخرج على أسماء العبيد، ولم يقل تكتب أسماء العبيد، وفيهما طريقان، أحدهما فيهما قولان، ففي قول يثبت اسم الشركاء والعبيد، وفي قول يثبت الاجزاء هنا، والرق والحرية هناك، والطريق الثاني وهو المذهب، وبه قطع الجمهور الفرق، ففي العتق يسلك ما شاء من الطريقين، وهنا لا يثبت الاجزاء على الرقاع، لانه لو أثبتها وأخرج الرقاع على الاسماء ربما خرج لصاحب السدس الجزء الثاني أو الخامس، فيفرق ملك من له النصف أو الثلث، وأيضا قال في المهذب: لو فعلنا ذلك ربما خرج السهم الرابع لصاحب النصف، فيقول:

(8/185)


آخذه وسهمين قبله ويقول الآخران، بل خذه وسهمين بعده، فيفضي إلى النزاع، ثم هل هذا الخلاف في الجواز أم الاولوية ؟ وجهان، أرجحهما: الثاني وبه قال الامام والغزالي، وسنوضح إن شاء الله تعالى ما يحصل به الاحتراز عن تفريق الملك، وأما ما ذكره في المهذب فيجوز أن يقال: لا نبالي بقول الشركاء بل يتبع نظر القاسم كما في الجزء المبدوء به، واسم الشريك المبدوء به، فإن أثبت أسماء الشركاء فقيل: يثبت أسماءهم على ثلاث رقاع، ويأمر بإخراج رقعة على الجزء الاول، فإن خرج اسم صاحب السدس أخذه، وأخرجت رقعة على الجزء الثاني، فإن خرج اسم عمرو، أخذه مع الجزء الثالث، تعينت الثلاثة الباقية لزيد، وإن خرج اسم زيد، أخذ الثاني والثالث والرابع، وتعين الآخران لعمرو، فإن خرج اسم زيد أولا، أخذ الثلاثة الاولى، ثم يخرج رقعة، فإن خرج اسم عمرو، أخذ الرابع والخامس، ويعين السادس لصاحب السدس. وإن خرج اسم طاحب السدس، أخذ الرابع، وتعين الباقيان لعمرو، وإن خرج اسم عمرو أولا، لم يخف الحكم. وقيل: تثبت أسماؤهم في ست رقاع، اسم زيد في ثلاث، وعمرو في ثنتين، والثالث في رقعة، ويخرج على ما ذكرنا. وليس في هذا إلا أن اسم زيد يكون أسرع خروجا لكن سرعة الخروج لا توجب حيفا، لان السهام متساوية، فالوجه تجويز كل واحد من الطريقين. وإن أثبت الاجزاء في الرقاع، فلا بد من إثباتها في ست رقاع، وحينئذ فالتفريق المحذور لو لزم إنما يلزم إذا خرج أولا اسم صاحب السدس وهو مستغن عنه، بأن يبدأ باسم صاحب النصف، فإن خرج الاول باسمه، فله الاول والثاني والثالث، وإن خرج الثاني فكذلك، فيعطى معه ما قبله وما بعده، وإن خرج الثالث، ففي شرح مختصر الجويني أنه يتوقف فيه، ويخرج لصاحب الثلث، فإن خرج الاول أو الثاني، فله الاول والثاني، ولصاحب النصف الثالث والرابع والخامس. وإن خرج الخامس، فله الخامس والسادس، ثم أهمل باقي الاحتمالات، وكان يجوز أن يقال: إذا خرج لصاحب النصف الثالث، فهو له مع اللذين قبله، وإن خرج الرابع، فهو له مع اللذين قبله، ويتعين الاول لصاحب السدس، وإن خرج الخامس، فهو له مع اللذين قبله، ويتعين السادس لصاحب السدس، وإن خرج السادس، فهو له مع اللذين قبله. وإذا أخذ زيد حقه، ولم يتعين حق الآخرين، أخرج رقعة أخرى باسم أحدهما، فلا يقع تفريق ويمكن أن يبدأ

(8/186)


بصاحب السدس، فإن خرج باسم الجزء الاول دفع إليه، ثم يخرج باسم أحد الجزئين، فلا يقع تفريق. وإن خرج له الثالث دفع إليه ويعين الاول والثاني لصاحب الثلث والثلاثة الآخرة لصاحب النصف. وإن خرج له الرابع، دفع إليه، وتعين الاخيران لصاحب الثلث، والثلاثة الاولى لصاحب النصف. ويمكن أن يبدأ بصاحب الثلث، فإن خرج له الاول أو الثاني، دفعا إليه، وإن خرج له الخامس أو السادس دفعا إليه، ثم يخرج باسم أحد الآخرين، وإن خرج الثالث، فله الثالث والثاني، ويتعين الاول لصاحب السدس، والثلاثة الاخيرة لصاحب النصف، وإن خرج الرابع، فله الرابع والخامس، وتعين السادس لصاحب السدس، والثلاثة الاول لصاحب النصف. فرع كيفية إدراج الرقاع وإخراجها على التفصيل المذكور لا يختص بقسمة المتشابهات، بل هي في قسمة التعديل إذا عدلت الاجزاء بالقيمة كذلك. فرع كما تجوز القسمة بالرقاع المدرجة في البنادق تجوز بالاقلام والعصي والحصى ونحوها. فرع إذا امتنع أحد الشركاء من نوع القسمة الذي نحن فيه، وهو قسمة المتشابهات، أجبر عليها، سواء كانت الانصباء متساوية، أم متفاوتة، وفي المتفاوتة وجه لابن أبي هريرة أنه لا إجبار، والصحيح الاول.
فصل إذا قسم قاسم القاضي بالإجبار، ثم ادعى أحد الشريكين غلطا أو حيفا، نظر إن لم يبين ما يزعم به الحيف أو الغلط، لم يلتفت إليه، وإن بينه، لم يمكن تحليف القاسم، كما لا يحلف القاضي أنه لم يظلم، والشاهد أنه لم يكذب، لكن إن قامت بينة، سمعت ونقضت القسمة. قال الشيخ أبو حامد وغيره: وطريقه أن يحضر قاسمين حاذقين لينظرا، ويمسحا، ويعرفا الحال، ويشهدا. وألحق أبو الفرج بقيام البينة ما إذا عرف أنه يستحق ألف ذراع. ومسحنا ما أخذه،

(8/187)


فإذا هو سبعمئة ذراع، ولو لم تقم حجة، وأراد تحليف الشريك، مكن منه، فإن نكل وحلف المدعي، نقضت القسمة، ولو حلف بعض الشركاء، ونكل بعضهم، فحلف المدعي لنكول بعضهم، قال في الوسيط: تنقض القسمة في حق الناكلين دون الحالفين ولا يطالب الشريك بإقامة بينة أن القسمة الجارية عادلة، لان الظاهر الصواب. وحكى ابن أبي هريرة قولا أن على الشريك البينة بأنها عددلة، ولا بينة على مدعي الغلط. وقال أبو إسحق: إن قال مدعي الغلط: إن القاسم الذي قسم لا يحسن القسمة والمساحة والحساب، فالاصل ما يقوله: وعلى صاحبه البينة. وإن قال: سها، فعليه البينة، والمذهب الاول. ولو اعترف القاسم بالغلط أو الحيف، فإن صدقه الشركاء، انتقضت القسمة، وإلا فلا تنتقض وعليه رد الاجرة. قال البغوي: وهو كما لو قال القاضي: غلطت في الحكم، أو تعمدت الحيف، فإن صدقه المحكوم له، استرد المال، وإلا فلا، وعلى القاضي الغرم. أما إذا جرت القسمة بالتراضي بأن نصبا قاسما، أو اقتسما بأنفسهما، ثم ادعى أحدهما غلطا، فإن لم يعتبر الرضى بعد خروج القرعة، فالحكم كما لو ادعى الغلط في قسمة الاجبار، وإن اعتبرناه وتراضيا بعد خروج القرعة، فإن قلنا: القسمة إفراز، فالافراز لا يتحقق مع التفاوت، فتنقض القسمة إن قامت به بينة، ويحلف الخصم إن لم تقم، وإن قلنا: القسمة بيع، فوجهان أحدهما الجواب كذلك، فإنهما تراضيا لاعتقادهما أنها قسمة عدل، وأصحهما أنه لا فائدة لهذه الدعوى، ولا أجر للغلط، وإن تحقق، كما لا أثر للغبن في البيع والشراء، وبهذا قطع الجمهور. كأنهم اقتصروا على الجواب الاصح.
فصل إذا قسمت التركة بين الورثة ثم ظهر دين، فإن قلنا: القسمة إفراز، فهي صحيحة، ثم تباع الانصباء في الدين إن لم يوفوه، وإن قلنا: بيع، فقد سبق في كتاب الرهن وجهان في صحة بيع الوارث التركة قبل قضاء الدين، وأنه لو تصرف ولا دين في الظاهر، ثم ظهر. فالاصح صحة التصرف ففي القسمة هذان الوجهان، وفإن صححنا البيع، فالقسمة الجارية صحيحة، فإن وفوا الدين، استمرت صحتها، وإلا نقضت وبيعت التركة في الدين، وإن لم نصححه، فالقسمة باطلة، ولو جرت قسمة، ثم استحق بعض المقسوم، نظر إن استحق جزء شائع

(8/188)


كالثلث، فمطلت القسمة في المستحق وفي الباقي طريقان، أصحهما قولان: أحدهما:. يبطل فيه، والثاني: يصح، ويثبت الخيار، وبهذا الطريق قال الاكثرون. وقال أبو إسحق: يبطل فيه قولا واحدا، لان مقصود القسمة تمييز الحقوق، وبالاستحقاق يصير المستحق شريك كل واحد، لان المستحق كان شريكا، وانفراد بعض الشركاء بالقسمة ممتنع، وإن استحق شئ معين، نظر إن اختص المستحق بنصيب أحدهما، أو كان المستحق من نصيب أحدهما أكثر، بطلت القسمة، وإن كان المستحقان من نصيبهما، سواء بقيت القسمة في الباقي على الصحيح، وقيل: تبطل بمعنى التفريق. ولو ظهرت وصية بعد قسمة التركة، فإن كانت مرسلة، فهو كظهور دين على التركة، وإن كانت بجزء شائع أو معين، فعلى ما ذكرناه في الاستحقاق، ثم ظهور الدين والاستحقاق، ودعوى الغلط لا تختص بقسمة المتشابهات، بل تعم أنواع القسمة. النوع الثاني: قسمة التعديل والمشترك الذي تعدل سهامه بالقيمة ينقسم إلى ما يعد شيئا واحدا، وإلى ما يعد شيئين فصاعدا، أما الاول، فكالارض تختلف أجزاؤها لاختلافها في قوة الانبات والقرب من الماء، وفي أن بعضها يسقى بالنهر، وبعضها بالناضح فيكون ثلثها لجودتها كثلثيها بالقيمة مثلا، فيجعل هذا سهما، وهذا سهما إن كانت بينهما نصفين. وإذا اختلفت الانصباء، كنصف وثلث وسدس، جعل ستة أسهم بالقيمة دون المساحة، وإذا طلب أحدهما هذه القسمة، فهل يجبر الممتنع ؟ قولان أظهرهما عند العراقيين وغيرهم نعم إلحاقا للتساوي في القيمة، بالتساوي في الاجزاء على هذا هل توزع أجرة القاسم بحسب الشركة في الاصل أم بحسب المأخوذ منها ؟ وجهان، أصحهما: الثاني، لان العمل في الكثير أكثر، وكما يجري القولان فيما إذا اختلفت الصفات تجري فيما إذا كان الاختلاف لاختلاف الجنس، كالبستان الواحد بعضه نخل، وبعضه عنب، والدار المبني بعضها بالآجر، وبعضها بالخشب والطين، ويشبه أن يكون الخلاف مخصوصا بما إذا لم يمكن قسمة الجيد وحده، وقسمة الردئ وحده، فإن أمكن لم يجبر كما لو كانا

(8/189)


شريكين في أرضين تمكن قسمة كل واحدة بالاجزاء، لا يجري الاجبار على التعديل. القسم الثاني: ما يعد شيئين فصاعدا وهو ضربان عقار وغيره، أما العقار، فإذا اشتركا في دارين أو حانوتين متساويتي القيمة وطلب أحدهما القسمة بأن يجعل لهذا دار ولهذا دار، أو حانوت وحانوت، لم يجبر الممتنع، سواء تجاور الحانوتان والداران، أم تباعدا، لشدة اختلاف الاغراض باختلاف المحال والابنية. ولو اشتركا في دكاكين صغار متلاصقة لا تحتمل آحادها القسمة، ويقال لها: العضايد، فطلب أحدهما أن يقسم أعيانا، فهل يجبر الممتنع ؟ وجهان: أحدهما كالمتفرقة وكالدور، وأصحهما: نعم للحاجة، وكالخان المشتمل على بيوت ومساكن، هكذا صور هذه المسألة الجمهور، وهو الصواب، وصورها صاحب المهذب فيما إذا احتملت كل واحدة منهما القسمة وحكى وجهين فيما إذا طلب أحدهما قسمتها أعيانا والآخر قسمة كل واحد منها. وأما الاقرحة، فإن كانت متفرقة، فهي كالدور. وإن كانت متجاورة، ففي الشامل أن أبا إسحق جعلها كالقراح الواحد المختلف الاجزاء، وأن غيره قال: إنما يكون كالقراح الواحد إذا اتحد الشرب والطريق، فإن تعدد، فهو كما لو تفرقت، قال: وهذا أشبه بكلام الشافعي رحمه الله. الضرب الثاني غير العقار إذا اشتركا في عبيد أو دواب، أو أشجار، أو ثياب ونحوها، فلها حالان أحدهما: أن يكون من نوع واحد، ويمكن التسوية بين الشريكين عددا وقيمة، كعبدين متساويي القيمة بين شريكين، وكثلاث دواب، أو أثواب متساوية القيمة بين ثلاثة، فالمذهب أنه يجبر على قسمتها أعيانا، لقلة اختلاف الاغراض فيها بخلاف الدور، وقال أبو علي بن خيران، وابن أبي هريرة:

(8/190)


هي كالدور، وقيل: يخير في العبيد وفي غيرها الخلاف. وإن لم تمكن التسوية في العدد كثلاثة أعبد لرجلين بالسوية إلا أن أحدهم يساوي الآخرين في القيمة، فإن قلنا بالاجبار عند استواء القيمة، فهنا قولان، وهما كالقولين في الارض المختلفة الاجزاء، وإن كانت الشركة لا ترفع إلا عن بعض الاعيان، كعبدين بين اثنين قيمة أحدهما مائة، وقيمة الآخر مائتان، فطلب أحدهما القسمة ليختص من خرجت له قرعة الخسيس بالخسيس، ويكون له مع ذلك ربع النفيس، فإن قلنا: لا إجبار في الصورة السابقة، فهنا أولى وإلا فوجهان، أو قولان، الاصح لا إجبار، لان الشركة لا ترتفع بالكلية. الحال الثاني: أن يكون الاعيان أجناسا، كعبد وثوب، وحنطة وشعير، ودابة ونحوها، أو أنواعا كعبدين تركي وهندي، وثوبين إبريسم وكتان، فطلب أحدهما أن يقسم أجناسا وأنواعا لا يجبر الآخر وإنما يقسم كذلك بالتراضي. ولو اختلطت الانواع وتعذر التمييز كتمر جيد وردئ، فلا قسمة إلا بالتراضي هذا ما قطع به الجمهور، وطرد السرخسي الخلاف في الاجبار عند اختلاف النوع، وزاد الامام والغزالي فأجرياه عند اختلاف الجنس، وليس بشئ، والمذهب الاول. فرع إذا كان بينهما عرصة وثلثها بالمساحة نصف بالقيمة، لقربه من الماء فهي قسمة تعديل، وفيها الخلاف. وقال الغزالي: يجبر عليها قطعا ولا يبالي بهذا التفاوت، والمذهب الاول، وهو المعروف عن الاصحاب. فرع اللبنات إن تساوت قوالبها، فقسمتها قسمة المتشابهات، فيجبر قطعا، وإن اختلفت قوالبها، فقسمة تعديل، وفيها الخلاف. فرع دار بين اثنين، لها علو وسفل طلب أحدهما قسمتها علوا وسفلا، أجبر الآخر عند الامكان، وإن طلب أحدهما أن يجعل العلو لواحد، والسفل لآخر لا يجبر، هكذا أطلقه الاصحاب. ويجوز أن يقال: إن لم يمكن القسمة سفلا

(8/191)


وعلوا، جعل السفل لاحدهما والعلو للآخر من جملة قسمة التعديل، ولو طلب أحدهما أن يقسم السفل، ويترك العلو مشاعا، لم يجبر الآخر، لانهما قد يقتسمان العلو بعده، فيقع ما فوق هذا لذاك. النوع الثالث: قسمة الرد، وصورتها أن يكون في أحد جانبي الارض بئر أو شجر، أو في الدار بيت لا يمكن قسمته، فيضبط قيمة ما اختص ذلك الجانب به، ويقسم الارض والدار على أن يرد من يأخذ ذلك الجانب بتلك القيمة، وهذه لا إجبار عليها قطعا وكذا لو كان بينهما عبدان قيمة أحدهما مائة، والآخر خمسمائة، واقتسما على أن يرد آخذ النفيس مائتين ليستويا وقيل في الاجبار قول مخرج حكاه السرخسي وهو غلط. ولو تراضيا بقسم الرد، جاز أن يتفقا على أن يأخذ أحدهما النفيس ويرد، ويجوز أن يحكما القرعة ليرد من خرج له النفيس.
فصل قسمة المتشابهات هل هي بيع أم إفراز حق ؟ قولان، قال البغوي وآخرون: الاظهر كونها بيعا، وقال الغزالي: الاظهر كونها إفرازا، قال صاحب العدة: وعليه الفتوى، وهذا يوافقه جواب الاصحاب في مسائل متفرقة تتفرع على القولين. قلت: أشار الرافعي في المحرر إلى اختيار الافراز، فإنه قال فيه قولان ذكر أن الفتوى على الافراز هذا كلامه، فالمختار ترجيح الافراز. والله أعلم.

(8/192)


ثم قيل القولان فيما إذا جرت القسمة إجبارا، فإن جرت بالتراضي فبيع قطعا. وقيل القولان في الحالين، قال البغوي: والاصح الطريق الاول، ثم القول بأنها بيع لا يمكن إطلاقه في كل ما حصل لكل منهما، بل النصف الذي صار في يده، كان نصفه له، ونصفه لصاحبه، فالقسمة إفراز فيما كان لصاحبه على هذا القول. وأما قسمة التعديل، فالمذهب أنها بيع، وقيل فيه القولان، وقسمة الرد بيع، كذا قاله الجمهور، وقيل: بيع فيما يقابل المردود، وفيما سواه الخلاف في قسمة التعديل. فرع إذا قلنا: القسمة بيع، فاقتسما ربويا، وجب التقابض في المجلس، ولم تجز قسمة المكيل وزنا ولا العكس، ولا يجوز قسمة الرطب والعنب، وما أثرت فيه النار بتعقيد الاجزاء، وإن قلنا: إفراز جاز كل ذلك. وتجوز قسمة الحص والنورة كيلا ووزنا على القولين، ولا تقسم الثمار على رؤوس الشجر خرصا إن قلنا: القسمة بيع، كما لا تباع خرصا، وإن قلنا: إفراز، فإن كانت رطبا وعنبا، جاز، وإن كان غيرهما، فلا، لان الخرص لا يدخل غيرهما، وإن كان بينهما أرض مزروعة، فأرادا قسمة الارض وحدها، جاز، وإن طلبها أحدهما أجبر الآخر، ويجئ على قول: القسمة بيع وجه مذكور في البيع، وإن أرادا قسمة الارض وما فيها لم يجز إن اشتد الحب. أما إن جعلناها إفرازا، فلانه قسمة مجهول ومعلوم، وأما إن جعلناها بيعا فلانه بيع طعام وأرض بطعام وأرض، وكذا لو كان بذرا بعد، وإن كان قصيلا، جاز، لانه معلوم مشاهد. وإن أرادا قسمة ما فيها وحده، فكذا الحكم إن لم ينبت، أو اشتد الحب، لم يجز، وإن كان قصيلا، جاز. وإن طلب أحدهما قسمة الارض، وما فيها أو قسمة ما فيها وحده، وامتنع الآخر والحال حال جواز القسمة بالتراضي قال الشيخ أبو حامد وصاحبا المهذب والتهذيب: لا يجبر الممتنع، ولم يوجهوه بمقنع.

(8/193)


فرع اقتسما، ثم تقابلا، إن قلنا: القسمة بيع، صحت الاقالة، وعاد الشيوع، وإلا فهي لاغية. فرع قسمة الملك عن الوقف إن قلنا: بيع، لا يجوز، وإن قلنا: إفراز، جازت، قال الروياني: وهو الاختيار. قلت: هذا الذي اختاره الروياني هو المختار، وهذا إذا لم يكن فيها رد، أو كان رد من أصحاب الوقف، فإن كان من صاحب الملك، لم يجز، لانه يأخذ بإزائه جزءا من الوقف، ذكره صاحب المهذب وغيره. والله أعلم. وأما قسمة الوقف بين الموقوف عليهم، فلا يجوز على القولين، لان فيها تغيير شرط الواقف، وقيل: يجوز على قول الافراز ليرغبوا في العمارة ولا يتواكلوا، وهذا الوجه حكاه ابن كج عن ابن القطان وحده، وخصصه بقولنا: الملك في الموقوف للموقوف عليه، قال: فلو انقرض البطن الاول، وصار الوقت للبطن الثاني، انتقضت القسمة.
فصل قسمة الإجبار لا يعتبر فيها التراضي عند إخراج القرعة ولا بعدها، وإذا تراضيا بقاسم يقسم بينهما، فهل يشترط الرضى بعد خروج القرعة أم يكفي الرضى الاول ؟ قولان، أظهرهما: الاشتراط، وإليه مال المعتبرون، وذكروا أنه المنصوص، وفي قسمة الرد يشترط الرضى بعد خروج القرعة كما في الابتداء وعن الاصطخري وجه أنه يلزم بخروج القرعة، والصحيح الاول. وإذا اشترطنا الرضى بعد خروجها، فصيغته أن يقولا: رضينا بهذه القسمة، أو بما أخرجت القرعة، أو بما جرى، ولا يشترط لفظ البيع، وإن قلنا: القسمة بيع، وقيل: إن قلنا بيع، اشترط لفظ البيع أو التمليك، وقيل: لا يكفي قولهما رضينا بهذا أو بما جرى، بل يشترط تلفظهما بالقسمة بأن يقولا: تقاسمنا أو رضينا بهذه القسمة ليؤدي معنى التمليك والتملك، والمذهب الاول، وحيث وجب الرضى، فلا بد منه في الابتداء، وإنما الخلاف في الرضى بعد خروج القرعة. فصل تقسم المنافع كما تقسم الاعيان، وطريق قسمتها المهايأة مياومة أو مشاهرة أو مسانهة، فإن كانت العين قابلة للقسمة، فلا إجبار على المهايأة

(8/194)


بحال، وكذا لو طلب أحدهما أن يزرع هذا بعض الارض وذاك بعضها، أو يسكن هذا بعض الدار وذاك بعضها من غير أن يقسم الارض، وامتنع الآخر فلا اجبار، فإن لم تكن العين قابلة للقسمة، كالقناة والعبد والبهيمة والحمام، فإن اتفقا فيها على المهايأة، فذاك، ثم قد يتفقان على من يبدأ، وقيل: يتنازعان، فيقرع، وإن طلبها أحدهما، وامتنع الآخر، فوجهان أحدهما قاله ابن سريج : يجبر الممتنع، كما في قسمة الاعيان، ولئلا يعطل على شريكه مضارة، فعلى هذا يبدأ بالقرعة، وأصحهما: لا يجبر. ولو رضيا بالمهايأة، ثم رجع المبتدئ بالانتفاع قبل استيفاء نوبته، مكن، فإن مضت مدة لمثلها أجرة، غرم نصف أجرة المثل، وإن رجع بعد استيفاء نوبته، فإن قلنا: لا إجبار على المهايأة مكن، وغرم نصف الاجرة، وإن قلنا بالاجبار لم يمكن، بل يستوفي الاجرة مدته، وإن استوفى الاول نوبته، وامتنع الآخر من أن ينتفع، ويستوفي نوبته، فإن قلنا بالاجبار، فهو مضيع حق نفسه ولا أجرة له، وإن قلنا: لاإجبار، فله ذلك، وله نصف الاجرة على الاول، وكذا لو انهدمت الدار، أو مات العبد بعد نوبة الاول، فعليه نصف أجرة المثل، وإن قلنا: لا إجبار وأصرا على النزاع في المهايأة، فهل يبيع القاضي العين عليهما قطع للنزاع ؟ وجهان أصحهما لا، وعلى هذا هل يتركان حتى يصطلحا ولا يؤجر عليهما، أم يؤجر وتوزع الاجرة بينهما ؟ وجهان أصحهما: الثاني وهو الذي ذكره ابن كج و البغوي . ولو استأجر اثنان أرض ، وطلب أحدهما المهايأة، وامتنع الآخر فينبغي أن يعود الخلاف في الاجبار، وإن أراد قسمتها ففي فتاوى القاضي حسين أنها جائزة على قول ابن سريج. ثم إذا اقتسما، وحدث بنصيب أحدهما عيب، فله الفسخ. قال القاضي : وينبغي أن يقال: لشريكه الفسخ أيض. ولو طلب أحدهما هذه القسمة، وامتنع الآخر، حكي في إجباره وجهان. فرع إذا جرت المهايأة في عبد مشترك بين مالكين، أو فيمن بعضه حر بينه وبين مالك باقيه، فالاكساب العامة، والمؤن العامة، كالنفقة تدخل في المهايأة، وفي الاكساب النادرة، كما يقبله بهبة أو وصية، وفي المؤن النادرة، كأجرة الطبيب

(8/195)


والحجام خلاف سبق في كتاب اللقطة ومواضع، والاظهر دخولها أيض. وينبغي أن ينظر في الكسوة إلى قدر النوبة حتى تبقى على الاشتراك إن جرت المهايأة مياومة.
فرع لا تجوز المهايأة في الحيوان اللبون ليحلب هذا يوم ، وهذا يوم ، ولا في الشجرة المثمرة، ليكون ثمرها لهذا عام ولهذا عام لما فيه من التفاوت الظاهر. قلت : طريقها والحالة هذه أن يبيح كل واحد نصيبه لصاحبه مدة. والله أعلم.
فصل جماعة في أيديهم دار أو أرض، طلبوا من القاضي قسمتها بينهم، فإن أقاموا بينة أنها ملكهم، أجابهم إلى القسمة، وإن لم يقيموها، فطريقان، أصحهما قولان، أحدهما: لا يجيبهم، فربما كانت في أيديهم بإجارة أو إعارة، فإذا قسمها ربما ادعوا ملكها محتجين بقسمة القاضي. والثاني: يجيبهم، لان اليد تدل على الملك، لكن يكتب أنه إنما قسم بينهم بدعواهم، لئلا يتمسكوا بقسمته. وحكى السرخسي وجه أنه لا يحتاج إلى هذا التقييد، والطريق الثاني القطع بالقول الاول، وبه قال ابن سلمة ، وإذا قلنا بالقولين، فأظهرهما عند الامام ، و ابن الصباغ ، و الغزالي : الثاني، وعند الشيخ أبي حامد وطبقته: الاول، ويدل عليه أن الشافعي رحمه الله لما ذكر القول الثاني، قال: ولا يعجبني هذا القول. قلت : المذهب أنه لا يجيبهم. والله أعلم.

(8/196)


هذا في العقار، وأما المنقول، فالمذهب أنه كالعقار أيضا ، وقيل: يقسم قطعا بلا بينة، لان العقار يتأبد ضرره، فيخص بالاحتياط، ولهذا تثبت فيه الشفعة ولو طلب بعضهم القسمة، وامتنع الآخرون، واتفقوا جميعا على الملك، فهل يقسم القاضي ؟ فيه هذا الخلاف. وإذا شرطنا البينة، قبل رجل وامرأتان، قال ابن كج : ولا يقبل شاهد ويمين، لان اليمين إنما تشرع حيث يكون خصم ترد عليه لو حصل نكول، وقال ابن أبي هريرة : تقبل.
فصل في مسائل منثورة
إذا كانت القسمة بالإجبار والقاسم على ولايته، فقوله: قسمت مقبول، كقول الحاكم: حكمت وهو في ولايته، وإن لم يكن كذلك، لم يقبل قوله وهل تسمع شهادته لاحد الشريكين ؟ وجهان الاصح المنع، والثاني - وهو قول الاصطخري - تسمع إن لم يطلب أجرة. وإذا تقاسما، ثم تنازعا في بيت أو قطعة من الارض، فقال كل واحد: هذا من نصيبي ولا بينة تحالفا، ونقضت القسمة، قال الشيخ أبو حامد : فإن اختص أحدهما باليد فيما تنازعا فيه،

(8/197)


فهو المصدق بيمينه، وإذا اطلع أحدهما على عيب بنصيبه، فله فسخ القسمة.
فرع الديون المشتركة في ذمم الناس أطلق مطلقون، منهم صاحب العدة أنه يمتنع قسمتها، وقال السرخسي : إن أذن أحد الشريكين للآخر في قبض ما على زيد على أن يختص به، فهل يختص إذا قبض ؟ قولان أظهرهما المنع، وإن تراضيا على أن يكون ما في ذمة زيد لهذا، وما في ذمة عمرو لهذا، فطريقان أحدهما على هذين القولين، والثاني وهو المذهب القطع بالمنع، لان القسمة إن جعلت بيعا فهذا بيع دين في ذمة بدين في ذمة أخرى، وإن جعلت إفرازا فإفراز ما في الذمة ممتنع لعدم قبضه، ولا يدخل الاجبار في قسمة الديون بحال، والقول في قسمة الجدار وعرضه ما سبق في كتاب الصلح. وبالله التوفيق.

(8/198)