روضة الطالبين وعمدة المفتين ط العلمية

روضة الطالبين - كتاب العتق
تظاهرت النصوص والاجماع على أنه قربة، ويصح من كل مالك مطلق لا يصادف إعتاقه متعلق حق لازم لغيره، فلا يصح إعتاق غير مالك إلا بوكالة أو ولاية، ولا إعتاق صبي ومجنون ومحجور عليه بسفه. وفي المحجور لفلس والراهن والعبد الجاني خلاف سبق في التفليس، والرهن والبيع والمريض مرض

(8/380)


الموت يعتبر إعتاقه من الثلث، ولا يصح إعتاق الموقوف عليه الموقوف، ويصح إعتاق الذمي والحربي. وإذا أسلم عتيق الكافر، فولاؤه ثابت عليه. ويصح العتق بالصريح والكناية أما الصريح، فالتحرير والاعتاق صريحان، فإذا قال له: أنت حر، أو محرر، أو أحررتك، أو أنت عتيق، أو معتق، أو أعتقتك، عتق. وإن لم ينو، ولا أثر للخطأ في التذكير والتأنيث، بأن يقول للعبد: أنت حرة، أو للامة: أنت حر. وفك الرقبة صريح على الاصح. والكناية كقوله: لا ملك لي عليك، أو لا سبيل، أو لا سلطان، أو لا يد، أو لا أمر، أو لا خدمة، أو أزلت ملكي عنك، أو حرمتك، أو أنت سائبة، أو أنت لله. وصرائح الطلاق وكناياته كلها كنايات في العتق. وقوله: أنت علي كظهر أمي كناية على الاصح، لاقتضائه التحريم، كقوله: حرمتك. ولو قال: وهبتك نفسك، ونوى العتق، عتق. فإن نوى التمليك، فعلى ما سنذكره إن شاء الله تعالى في قوله: بعتك نفسك. ولو كانت أمته تسمى قبل جريان الرق عليها حرة، فقال لها: يا حرة، فإن لم يخطر له النداء باسمها القديم، عتقت، وإن قصد نداءها، لم تعتق على الاصح، وقيل: تعتق، لانه صريح. ولو كان اسمها في الحال حرة، أو اسم العبد حر أو عتيق، فإن قصد النداء، لم يعتق. وكذا إن أطلق على الاصح. وفي فتاوى الغزالي: أنه لو اجتاز بالمكاس، فخاف أن يطالبه بالمكس عن عبده، فقال: إنه حر لبس بعبد، وقصد الاخبار، لم يعتق فيما بينه وبين الله تعالى، وهو كاذب في خبره. ومقتضى هذا أنه لا يقبل ظاهرا وأنه لو قال: افرغ من هذا العمل قبل العشاء، وأنت حر،

(8/381)


وقال: أردت: حر من العمل، دين، ولا يقبل ظاهرا. وأنه لو زاحمته امرأة في طريق، فقال: تأخري يا حرة، فبانت أمته، لم تعتق. ولو قال لعبد: يا مولاي، فكناية، ولو قال له: يا سيدي، فقال القاضي حسين والغزالي: هو لغو. قال الامام: الذي أراه أنه كناية. فرع قال لعبد غيره: أنت حر، فهذا إقرار بحريته، وهو باطل في الحال. فلو ملكه حكمنا بعتقه مؤاخذة له بإقراره. ولو قال لعبد الغير: قد أعتقتك، قال الغزالي: إن ذكره في معرض الانشاء، فلغو، أو في معرض الاقرار، فيؤاخذ به إن ملكه. وقال القاضي حسين: هو إقرار، لان قد يؤكد معنى المضي في الفعل الماضي. قال الامام: ومقتضى كلامه أن قوله: أعتقك بلا قد لا يكون إقرار وإن كانت الصيغة في الوضع للماضي، قال: وعندي لا فرق بينهما. والوجه أن يراجع ويحكم بموجب قوله، فإن لم يفسر، ترك، وينبغي أن لا فرق بين قوله: أنت حر، وقوله: أعتقتك. فرع يصح تعليق العتق بالصفات والاعتاق على عوض، قال: ولو قال: جعلت عتقك إليك، أو حررتك، ونوى تفويض العتق إليه، فأعتق نفسه في الحال، عتق. ولو قال: أعتقتك على كذا، فقبل في الحال، أو قال العبد: اعتقني على كذا، فأجابه، عتق، وعليه ما التزم. ولو قال: أعتقتك على كذا إلى

(8/382)


شهر، فقبل، عتق في الحال، والعوض مؤجل. ولو أعتقه على خمر أو خنزير، عتق، وعليه قيمته، وكذا لو قال: أعتقتك على أن تخدمني ولم يبين مدة، أو تخدمني أبدا. ولو قال: على أن تخدمني شهرا. أو تعمل لي كذا، وبينه، فقبل، عتق، وعليه ما التزم. ولو خدمه نصف شهر ومات، فللسيد نصف قيمته في تركته. فروع أكثرها عن ابن سريج رحمه الله. إذا قال: أول من دخل الدار من عبيدي، أو أي عبد من عبيدي دخل أولا، فهو حر، فدخل اثنان معا، ثم ثالث، لم يعتق واحد منهم. أما الثالث، فظاهر، والاثنان لا يوصف واحد منهما بأنه أول. ولو كان اللفظ والحالة هذه: أول من يدخل وحده، عتق الثالث. ولو دخل واحد لا غير، فهل يعتق ؟ وجهان في تعليق الشيخ أبي حامد: أصحهما: نعم. ولو قال: آخر من يدخل الدار من عبيدي حر، فدخل بعضهم بعد بعض، لم يحكم بعتق واحد منهم إلى أن يمو ت السيد، فيبين الاخر. ولو قال لعبده: إن لم أحج

(8/383)


العام فأنت حر، فمضى العام، واختلفا في أنه حج، فأقام العبد بينة أنه كان بالكوفة يوم النحر، عتق خلافا لابي حنيفة رحمه الله. ولو قال لعبديه: إذا جاء الغد، فأحدكما حر، فجاء الغد، عتق أحدهما، وعليه التعيين. فلو باع أحدهما أو أعتقه، أو مات قبل مجئ الغد، وجاء الغد والاخر في ملكه، لم يتعين العتق، لانه لا يملك حينئذ إعتاقهما، فلا يملك إعتاق أحدهما. ولو باعهما أو أحدهما، ثم اشترى من باع، وجاء الغد وهما ملكه، فعلى الخلاف في عود الحنث. ولو باع نصف أحدهما، وجاء الغد وفي ملكه نصفه الاخر، فإليه التعيين، فإن عين من نصفه له، وقع النظر في السراية. ولو قال: إذا جاء الغد وأحدكما في ملكي فهو حر فباع أحدهما ثم جاء الغد والاخر في ملكه، عتق. وإن باع أحدهما ونصف الاخر، وجاء الغد، لم يعتق النصف الباقي، لانه لم يبق كل واحد منهما في ملكه.
فصل في خصائص العتق التي ينفرد بها عن الطلاق، وهي خمس :
الأولى : السراية، فمن أعتق بعض مملوك، فإما أن يكون باقيه له أو لغيره. الحالة الاولى: أن يكون له، فيعتق كله كما في الطلاق، سواء الموسر والمعسر. ولو أضاف إلى عضو معين، كيد، ورجل، عتق كله، كالطلاق. وفي كيفية التكميل إذا أضاف العتق إلى الجزء الشائع وجهان: أحدهما يحصل في الجزء المسمى، ثم يسري إلى الباقي. والثاني: يقع على الجميع دفعة ويكون إعتاق البعض عبارة عن إعتاق الكل. وإن أضافه إلى جزء معين، فوجهان مرتبان، وأولى بحصوله دفعة، وقد سبق هذا الخلاف بتفاريعه في الطلاق. ولو أعتق أمته الحامل بمملوك له، عتق الحمل أيضا، لا بالسراية، فإن

(8/384)


السراية في الاشقاص، لا في الاشخاص، بل بطريق التبع كما يتبعها في البيع، إلا أن البيع يبطل باستثنائه، والعتق لا يبطل لقوته. ولهذا لو استثنى عضوا في البيع، بطل، بخلاف العتق. ولو أعتق الحمل، عتق، ولم يعتق الام على الصحيح، لانها لا تتبعه. وقال الاستاذ أبو إسحق الاسفراييني: تعتق بعتقه. ولو كانت الام لواحد، والحمل لاخر، لم يعتق واحد منهما بعتق الاخر. ولو قال لامته: إذا ولدت فولدك حر، أو كل ولد تلدينه حر، فقد ذكرنا في الطلاق أنها إن كانت حاملا عند التعليق، عتق الولد، وإن كانت حائلا، عتق أيضا على الاصح، لانه وإن لم يملك الولد حينئذ، فقد ملك الاصل المفيد لملك الولد. ولو قال لامته الحامل: إن كان أول من تلدينه ذكرا فهو حر، وإن كانت أنثى فأنت حرة، فولدت ذكرا وأنثى، فإن ولدت الذكر أولا، عتق، ورقت الام والانثى، وإن ولدت الانثى أولا، عتقت الام والذكر أيضا، لكونه في بطن عتيقه، وترق الانثى، لان عتق الام طرأ بعد مفارقتها. وإن ولدتهما معا، فلا عتق، إذ لا أول فيهما. ولو لم يعلم هل ولدتهما معا أو مرتبا، فلا عتق، للشك. وإن علم سبق أحدهما، وأشكل، فالذكر حر بكل حال، والانثى رقيقة بكل حال، والام مشكوك فيها، فيؤمر السيد بالبيان، فإن مات قبل البيان، فالاصح أنها رقيقة، عملا بالاصل. وقال ابن الحداد: يقرع عليها بسهم رق وسهم عتق، قال الشيخ أبو علي: ما ذكره ابن الحداد غلط عند عامة الاصحاب، لانا شككنا في عتقها، والقرعة لا يثبت مشكوكا فيه، وإنما يستعمل في تعيين ما تيقنا أصله. قال الشيخ أبو علي: هذا كله إذا ولدت في صحة السيد، فلو ولدت في مرض موته، نظر، إن كان الثلث يفي بالجميع، لم يختلف الجواب، وإن لم يف بأن لم يكن له إلا هذه الامة وما ولدت، أقرع بين الام والغلام، فإن خرجت على الغلام، عتق وحده إن خرج من الثلث، وإن خرجت على الام، قومت حاملا بالغلام يوم ولدت الجارية إن ولدتها أو لا، ويعتق منها ومن الغلام قدر الثلث، فإن كانت قيمة الجارية مائة وقيمة الام حاملا بالغلام مائتين، فيعتق نصفها ونصف

(8/385)


الغلام وهو مائة، ويبقى للورثة النصفان، وهو مائة، والجارية وهي مائة أخرى. الحالة الثانية: أن يكون الباقي لغيره، فيعتق نصيبه، فإن كان موسرا بقيمة باقية، لزمه قيمته للشريك، وعتق الباقي عليه وولاء جميع العبد له، وإن كان معسرا الباقي على ملك الشريك وإنما يثبت التقويم بأربعة شروط. أحدها: كون المعتق موسرا وليس معناه أن يعد غنيا، بل إذا كان له من المال ما يفي بقيمة نصيب شريكه، قوم عليه، وإن لم يملك غيره، ويصرف إلى هذه الجهة كل ما يباع في الدين، فيباع مسكنه وخادمه، وكل ما فضل عن قوت يوم، وقوت من تلزمه نفقته، ودست ثوب يلبسه، وسكنى يوم، والاعتبار في اليسار بحالة الاعتاق، فإن كان معسرا، ثم أيسر، فلا تقويم. ولو ملك قيمة الباقي، لكن عليه دين بقدره، قوم عليه على الاظهر، واختاره الاكثرون، لانه مالك لما في يده نافذ تصرفه. ولهذا لو اشترى به عبدا وأعتقه، نفذ. والثاني: لا يقوم، لانه غير موسر، بل لو أبرئ عن الدين، لم يقوم عليه أيضا، كالمعسر يوسر، فعلى الاول يضارب الشريك بقيمة نصيبه مع الغرماء، فإن أصابه بالمضاربة ما يفي بقيمة جميع نصيبه، فذاك، وإلا اقتصر على حصته، ويعتق جميع العبد إن قلنا: تحصل السراية بنفس الاعتاق، وإن قلنا: لا تحصل بنفس الاعتاق، ضارب الشريك بقيمة باقيه، إلى أن يعتق الجميع. ولو كان بين رجلين

(8/386)


عبد قيمته عشرون، فقال رجل لاحدهما: أعتق نصيبك منه عني على هذه العشرة، وهو لا يملك غيرها، فأجابه، عتق نصيبه عن المستدعي، ولا سراية، لانه زال ملكه عن العشرة بما جرى، وإن قال: علي عشرة في ذمتي، فإن قلنا: الدين يمنع التقويم، لم يقوم، وإن قلنا: لا يمنع، فإن قلنا: السراية تحصل بنفس الاعتاق، عتق جميع العبد، ويقسم العشرة بين الشريكين بالسوية، وتبقى لكل واحد خمسة في ذمته، وإن قلنا: لا يحصل بنفس الاعتاق، عتق من نصيب الشريك بالسراية حصة الخمسة، وهو ربع العبد، ويبقى الباقي على الرق، وللشريك المستدعي منه خمسة في ذمته. ولو ملك نصفين من عبدين متساويي القيمة، فأعتق نصيبه منهما وهو موسر بنصف قيمة أحدهما، نظر إن أعتقهما معا، عتق نصيبه منهما، وسرى إلى نصف نصيب الشريك من كل منهما، فيعتق من كل منهما ثلاثة أرباعه، وهذا إذا حكمنا بالسراية في الحال. وقلنا: اليسار بقيمة بعض النصيب يقتضي السراية بالقسط، وإن أعتق مرتبا، سرى إلى جميع الاول. ثم إن قلنا: الدين يمنع السراية، فلا سراية في العبد الثاني، وإلا فيسري، وما في يده يصرف إلى الشريك، والباقي في

(8/387)


ذمته. وإن كان الشقصان لشخصين، صرف إلى كل منهما نصفه. ولو ملك الشقصين، فأعتقهما معا ولا مال له غيرهما، فلا سراية، لانه معسر. وإن أعتقهما مرتبا، عتق كل الاول، لان في نصيبه في العبد الآخر وفاء بباقي الذي أعتق شقصه، ثم إذا أعتق نصيبه من الثاني نفذ العتق في نصيبه، ولا سراية، لانه معسر، وإنما نفذ إعتاقه نصيبه من الثاني، لان حق الشريك لا يتعين فيه، بل هو في الذمة. فرع أعتق شريك نصيبه في مرض موته، نظر، إن خرج جميع العبد من ثلث ماله، قوم عليه نصيب شريكه، وعتق، وإن لم يخرج منه إلا نصيبه، عتق نصيبه، ولا تقويم، وإن خرج نصيبه وبعض نصيب شريكه، قوم عليه ذلك القدر، ويجئ فيه خلاف نذكره إن شاء الله تعالى في يسار المعتق ببعض نصيب الشريك. وبالجملة المريض في الثلث كالصحيح في الكل، وفيما زاد على الثلث معسر. واحتج القاضي أبو الطيب وغيره باعتبار الثلث على أن التقويم يكون بعد موت المريض، لان الثلث يعتبر حالة الموت، حتى إذا لم يف الثلث بجميع العبد حال إعتاقه، ثم استفاد مالا، ووفى عند الموت، قوم جميعه. وفي التهذيب أنه لو ملك نصفين من عبدين متساويي القيمة، فأعتقهما في مرض الموت، نظر، إن خرجا من الثلث، عتقا، سواء أعتقهما معا أو مرتبا، وعليه قيمة نصيب شريكه، وإن لم يخرج من الثلث إلا نصيباه، فإن أعتقهما معا، عتق نصيباه، ولا سراية، وإن أعتقهما مرتبا، عتق كل الاول، ولم يعتق من الثاني شئ، لانه لزمه قيمة نصيب الشريك من الاول، وصار نصيبه من الثاني مستحق الصرف إليه، وإن خرج من الثلث نصيباه، ونصيب أحد الشريكين، فإن أعتقهما مرتبا، عتق جميع الاول، ولا يعتق من الثاني إلا نصيبه، وإن أعتقهما معا فوجهان. أحدهما وبه قال ابن الحداد: يعتق من كل واحد ثلاثة أرباعه: نصيباه، ونصف نصيب الشريك من كل واحد منهما. والثاني: يقرع، فمن خرجت قرعته، عتق كله، ولم يعتق من الآخر إلا نصيبه، لان القرعة مشروعة في العتق، ولا يصار إلى التشقيص مع إمكان التكميل. وإن لم يخرج من الثلث إلا أحد نصيبه، فإن أعتقهما معا، فوجهان،

(8/388)


أحدهما: يعتق من كل واحد نصف نصيبه، وهو ربع كل عبد، وأصحهما: يقرع، فمن خرجت قرعته، عتق منه جميع نصيبه، ولا يعتق من الآخر شئ. ولو أعتق النصيبين ولا مال له غيرهما، قال الشيخ أبو علي: إن أعتقهما مرتبا، عتق ثلثا نصيبه من الاول، وهو ثلث جميع ماله، وهو ثلث ذلك العبد، ويبقى للورثة سدس ذلك العبد، ونصف العبد الآخر. وإن أعتقهما معا ومات، أقرع بينهما، فمن خرجت قرعته، عتق منه ثلثا نصيبه، وهو ثلث ماله. فرع لو أوصى أحد الشريكين بإعتاق نصيبه بعد موته، فلا سراية وإن خرج كله من الثلث، لان المال ينتقل بالموت إلى الوارث، ويبقى الميت معسرا، بل لو كان كل العبد له فأوصى بإعتاق بعضه، فأعتق، لم يسر. وكذا لو دبر أحدهما نصيبه، فقال: إذا مت، فنصيبي منك حر، وإن قال في الوصية: أعتقوا نصيبي، وكملوا العتق كملناه، إن خرج من الثلث، وإن لم يخرج كله، نفذت الوصية في القدر الذي يخرج. وهنا فائدتان، إحداهما: قال القاضي أبو الطيب: عندي أنه إذا أوصى بالتكميل، لا يكمل إلا باختيار الشريك، لان التقويم إذا لم يكن مستحقا لا يصير مستحقا باختيار المعتق. ألا ترى أن المعتق لو كان معسرا، ثم أيسر، أو قال: قوموه علي حتى استقرض، لا يجبر الشريك، والجمهور أطلقوا، ووجهه الروياني بأنه متمكن من التصرف في الثلث. وإذا أوصى بالتكميل، فقد استبقى لنفسه قدر قيمة العبد من الثلث، فكان موسرا به. الثانية: ذكر الامام والغزالي أن لصورة الوصية بالتكميل أن يقول: اشتروا نصيب الشريك، فأعتقوه، فأما إذا قال: أعتقوه إعتاقا ساريا، فلا خير في هذه الوصية، لانه لا سراية بعد الموت، وإن أعتقنا نصيبه، فالذي أتى به وصية

(8/389)


بمحال. ولو ملك نصفي عبدين، فأوصى بإعتاق نصيبه منهما بعد موته، أعتق عنه النصيبان، ولا سراية. ولو قال مع ذلك: وكملوا عتقهما، فإن خرجا من الثلث، كمن عتقهما، وإن خرج الباقي من أحدهما، فطريقان حكاهما البغوي. أحدهما: فيه الوجهان فيمن أعتق في مرض الموت النصيبين، ولم يخرج من الثلث إلا نصيباه مع الباقي من أحدهما، ففي وجه: يعتق من كل واحد ثلاثة أرباعه، وفي آخر: يقرع، فمن خرجت قرعته، أعتق كله، وأعتق من الآخر نصيبه لا غير. الثاني: القطع بالقرعة، لانه قصد التكميل هنا حيث أوصى به، فيراعى مقصوده بقدر الامكان. فرع لو كان الشريك موسرا ببعض قيمة النصيب، فوجهان، الاصح المنصوص في الام: أنه يسري إلى القدر الذي هو موسر به. والثاني: لا يسري، لانه لا يفيده الاستقلال في ثبوت أحكام الاحرار. ولو كان بن ثلاثة عبد، فأعتق اثنان نصيبهما، وأحدهما موسر، قوم نصيب الثالث عليه بلا خلاف. الشرط الثاني: أن يحصل عتق نصيبه باختيار، فلو ملك بعض من يعتق عليه بالقرابة، نظر، إن ملكه لا باختياره بأن ورثه، لم يسر، وإن ملكه باختيار، فإن كان بطريق يقصد به اجتلاب الملك كالشراء، وقبول الهدية والوصية، سرى، وإن كان بطريق لا يقصد به التملك غالبا، لكنه يتضمنه، فإن كانت عبدا، فاشترى شقصا ممن يعتق على سيده، ثم عجزه سيده فصار الشقص له، وعتق، لم يسر على الاصح، وبه قال ابن الحداد. وإن عجز المكاتب نفسه، لم يسر، لعدم اختيار سيده. ولو باع شقصا ممن يعتق على وارثه، بأن باع ابن أخيه بثوب ومات، وراثه أخوه، فوجد بالثوب عيبا، فرده، واسترد الشقص، وعتق عليه، ففي السراية وجهان لانه تسبب في تملكه، لكن مقصوده رد الثوب. قلت: الاصح هنا السراية. والله أعلم. ولو وجد مشتري الشقص به عيبا، فرده، فلا سراية، كالارث. ولو أوصى

(8/390)


لزيد بشقص ممن يعتق على وارثه، بأن أوصى له ببعض جارية، له منها ابن، أو أوصى له ببعض ابن أخيه، ومات زيد قبل قبول الوصية، فقبلها ابنه أو أخوه، عتق عليه الشقص، ولا سراية على الاصح، لان بقبوله يدخل الشقص في ملك الوارث، ثم ينتقل إليه بالارث. فلو أوصى له بشقص ممن يعتق عليه، ولا يعتق على وارثه، بأن أوصى له بشقص من أمة، ووارثه أخوه من أبيه، فمات وقبل الوصبة أخوه، عتق ذلك الشقص على الميت، ويسري إن كان له تركة يفي ثلثها بقيمة الباقي، لان قبول وارثه كقبوله في الحياة. قال الامام: هكذا ذكره الاصحاب، وفيه وقفة، لان القبول حصل بغير اختياره. ولو باع عبدا لابنه ولاجنبي، صفقة واحدة، عتق نصيب الابن، وقوم عليه نصيب الشريك. الشرط الثالث: أن لا يتعلق بمحل السراية حق لازم، فلو أعتق نصيبه، ونصيب شريكه مرهون، سرى على الاصح، لان حق المرتهن ليس بأقوى من حق المالك، وتنتقل الوثيقة إلى القيمة. ولو كاتبا عبدا، ثم أعتقه أحدهما، فالصحيح أو المشهور أنه يسري، وهل يقوم في الحال أم بعد العجز عن أداء نصيب الشريك ؟ فيه خلاف نذكر تفاريعه إن شاء الله تعالى في الكتابة. ولو كان نصيب شريكه مدبرا، قوم أيضا على الاظهر، لان المدبر كالقن في البيع. فإن قلنا: لا يسري، فرجع عن التدبير، قال الاكثرون: لا يسري، كما لو أعتق وهو معسر، ثم أيسر. وقيل: يسري، لزوال المانع، فعلى هذا هل يحكم بالسراية عند ارتفاع التدبير، أم يتبين استنادها إلى وقت الاعتاق ؟ وجهان. ولو كان نصيب الشريك مستولدا، بأن استولدها وهو معسر، لم يسر على الاصح، لان السراية تتضمن النقل، وأم الولد لا يقبل النقل، وقيل: يسري، لان السراية كالاتلاف، وإتلاف أم الولد يوجب القيمة ولو استولدها أحدهما وهو معسر، ثم استولدها الثاني، ثم أعتقها أحدهما، ففي السراية الوجهان. الشرط الرابع: أن يوجه الاعتاق إلى ما يملكه ليعتق نصيبه، ثم يسري، وذلك بأن يقول: أعتقت نصيبي من هذا العبد، أو النصف الذي أملكه، فلو قال: أعتقت نصيب شريكي، أو نصيب شريكي من هذا العبد حر، فهو لغو، ولو

(8/391)


أطلق فقال لعبد يملك نصفه: أعتقت نصفك، فهل يحمل على النصف الذي يملكه، أم على النصف شائعا ؟ وجهان. وعلى التقديرين يعتق جميع العبد إذا كان موسرا قال الامام: ولا يكاد يظهر لهذا الخلاف فائدة إلا في تعليق طلاق أو إعتاق. ولو باع نصف عبد يملك نصفه، فإن قال: بعت النصف الذي أملكه من هذا العبد، أو نصيبي منه وهما يعلمانه، صح. وإن أطلق وقال: بعت نصفه، فهل يحمل على ما يملكه، أم على النصف شائعا ؟ وجهان، فعلى الثاني يبطل في نصيب الشريك. وفي صحته في نصف نصيبه قولا تفريق الصفقة. ولو أقر بنصفه المشترك، ففيه هذان الوجهان. وقال أبو حنيفة: يحمل في البيع على ما يملكه، لان الظاهر أنه لا يبيع ما لا يملكه. وفي الاقرار على الاشاعة أنه إخبار، واستحسن الامام والغزالي هذا، وصحح البغوي الاشاعة فيهما. قلت: الراجح قول أبي حنيفة. والله أعلم. فرع قال كل واحد منهما: إن دخلت دار زيد فأنت حر، أو فنصيبي منك حر، فدخلها، عتق على كل واحد نصيبه، ولا يقوم، لان العتق حصل دفعة، وكذا لو قال أحدهما: إن كلمت زيدا فنصيبي منك حر، وقال الآخر: إن شتمته، فنصيبي منك حر فشتمه. وكذا لو وكلا رجلا في عتقه فأعتق كله دفعة، ولا أثر لوقوع التعليقين أو التوكيلين في وقتين، وإنما العبرة بوقت الوقوع، ولهذا لو قال لغير المدخول بها: إذا دخلت الدار فأنت طالق طلقة، ثم قال بعده: إن دخلتها فأنت طالق طلقتين، فدخلت، طلقت ثلاثا، كقوله: أنت طالق ثلاثا. ولو قال أحدهما: أنت حر قبل موتي بشهر، ونجز الآخر عتقه بعد تعليق الاول بيوم مثلا، فله أحوال، أحدهما: أن يموت المعلق لدون شهر من التعليق، فيعتق العبد كله على المنجز إن كان موسرا، لانه لا يمكن والحالة هذه أن يعتق بالتعليق لئلا يتقدم العتق على التعليق، وكذا الحكم لو مات بعد مضي شهر من أول شروعه في لفظ

(8/392)


التعليق بلا زيادة، وما لم يمض شهر من تمام التعليق، لا يمكن أن يعتق بالتعليق. الثانية: أن يموت لاكثر من شهر بأيام، فيعتق جميعه على الثاني أيضا، لان العتق بالتعليق إنما يتقدم على الموت بشهر واعتاق المنجز متقدم على الشهر المتقدم على الموت، فيؤخذ قيمة نصيب المعلق من المنجز لورثة المعلق. هذا إن قلنا السراية تحصل بنفس الاعتاق، أو قلنا بالتبيين، وإن قلنا: تحصل بدفع القيمة، فإذا سبق وقت العتق بالتعليق، كان في نفوذ العتق عن المعلق خلاف، كما سنذكره في تفريع أقوال السراية إن شاء الله تعالى. الثالثة: إذا مات على رأس شهر من تمام صيغة التعليق، عتق جميع العبد على المعلق. الرابعة: إذا مات على تمام شهرين من تمام كلام المنجز، عتق على كل واحد نصيبه، ولا تقويم، لوقوع العتقين معا. فرع متى تثبت السراية إذ حكمنا بها ؟ ثلاثة أقوال، أظهرها: بنفس إعتاق الشريك، والثاني: بأداء قيمة نصيب الشريك. والثالث: موقوف، فإن رأى القيمة، تبينا حصول العتق باللفظ، وإن فات، تبينا أنه لم يعتق. ويتفرع على الاقوال مسائل. إحداها: إذا أولد أمة له نصفها، فإن كان موسرا، سرى الاستيلاد، وهل يسري بنفس العلوق أم بأداالقيمة، أم يتبين كأدائها السراية بنفس العلوق ؟ فيه الاقوال كالعتق. وعلى الاقوال تلزم المستولد نصف المهر لشريكه مع نصف قيمة الامة، ثم إن قلنا: يحصل الملك بأداء القيمة، وجب مع ذلك نصف قيمة الولد. وإن قلنا: يحصل بالعلوق، أو قلنا بالتبين، فهل يثبت بعد العتق أو قبله ؟ وجهان، إن قلنا: بعده، وجب أيضا نصف قيمة الولد، وإن قلنا: قبله، فلا، وبه أجاب البغوي. ولو وطئها الثاني قبل أداء القيمة، فإن أثبتنا السراية بنفس العلوق،

(8/393)


فعلى الثاني كمال المهر للاول، وللثاني على الاول نصفه، فيقع المهر قصاصا. وإن قلنا: يحصل بأداء القيمة، لزمه نصف المهر، وله على الاول نصفه، فيتقاصان. وإن كان الذي أولد معسرا، ثبت الاستيلاد في نصفه، ونصف الآخر يبقى قنا. وهل يكون الولد كله حرا، أم تبعض حريته ؟ وجهان أو قولان سبقا في الغنائم. الثانية: عبد بين ثلاثة، لواحد نصفه، وللآخر ثلثه، وللآخر سدسه، فأعتق أحدهم نصيبه وهو موسر، يسري العتق إلى نصيب الشريكين، وإن كان موسرا ببعض قيمة الباقي وقلنا بالصحيح، قوم عليه بنسبة المقدور عليه من نصيب كل واحد منهما، فإذا كان موسرا بثبث الباقي، قوم عليه ثلث نصيب كل واحد منهما. ولو أعتق اثنان منهم نصيبهما معا، أو علقا بشرط واحد، أو وكلا من أعتق عنهما دفعة، فإن كان أحدهما فقط موسرا، قوم عليه نصيب الثالث. وإن كانا موسرين، قوم نصيب الثالث عليهما، وكيف يقوم ؟ فيه طريقان: أحدهما على قولين: أحدهما: القيمة عليها بالسوية، الثاني على قدر الملكين، كنظيره من الشفعة والطريق الثاني: القطع بأنها على عدد الرؤوس، لان الاخذ بالشفعة من مرافق الملك كالثمرة، وهنا سبيله سبيل ضمان المتلف، فيستوي القليل والكثير، كما لو مات من جراحاتها المختلفة، وهذا الطريق هو المذهب باتفاق فرق الاصحاب، إلا الامام، فرجح طريق القولين. الثالثة: إن قلنا: تحصل السراية باللفظ أو قلنا بالتبين، اعتبرت قيمة يوم الاعتاق، وإن قلنا: بالاداء، فهل يعتبر يوم الاعتاق أم الاداء، أم أكثر القيم من يوم

(8/394)


الاعتاق إلى الاداء ؟ فيه أوجه. الصحيح عند الجمهور: الاول، ورجح الامام والغزالي الثاني، فإن اختلفا في قيمة العبد، فإن كان حاضرا والعهد قريب، راجعنا المقومين، وإن مات العبد، أو غاب، أو تقادم العهد، فأيهما يصدق بيمينه ؟ قولان. أظهرهما: المعتق، لانه غارم كالغاصب، ولو اختلفا في صنعة للعبد تزيد في قيمته، واتفقنا على قيمته لو لم تكن تلك الصنعة، فإن كان العبد حاضرا وهو يحسن الصنعة، ولم يمض بعد الاعتاق زمن يمكن تعلمه فيه، صدق الشريك، وإن مضى زمن يمكن التعلم فيه، أو مات العبد، أو غاب، فالمذهب أن المصدق المعتق. وقيل: فيه القولان، ولا يقبل قول العبد: إني أحسنها، أو لا أحسنها، بل يجرب. ولو اختلفا في عيب ينقص القيمة، نظر إن ادعى المعتق عيبا في أصل الخلقة، بأن قال: كان أكمه أو أخرس، وقال الشريك: بل بصيرا ناطقا، وقد غاب العبد أو مات، صدق المعتق بيمينه على المذهب. وقيل: في المصدق قولان، قال البغوي: الطريقان فيما إذا ادعى النقص في الاعضاء الظاهرة، أما إذا ادعاه في الباطنة، فقولان كالصورة الآتية، لتمكن الشريك من البينة على سلامة الظاهرة. وإن ادعى حدوث عيب بعد السلامة، بأن زعم ذهاب بصره أو سرقته، فالاظهر أن المصدق الشريك، لان الاصل عدمه، وخص بعضهم القولين فيما يشاهد ويطلع عليه، وقطع فيما لا يشاهد بتصديق الشريك لعسر إثباته ببينة. الرابعة: لو مات المعتق قبل أداء القيمة، أخذت من تركته. ولو أعسر بعد الاعتاق ومات معسرا، فإن أثبتنا الاعتاق بنفس اللفظ، فالقيمة في ذمته وإن قلنا بالقولين الآخرين، لم يعتق حصة الشريك. ولو مات العبد قبل أداء القيمة، فإن قلنا: السراية تحصل باللفظ، مات حرا موروثا، وأخذت من المعتق قيمة حصة الشريك، وإن قلنا بالتبيين، لزمته القيمة، فإذا أداها تبينا العتق، وإن قلنا: يحصل بالاداء، سقطت القيمة على الاصح، لان الميت لا يعتق. والثاني: تجب، لانه مال استحق في الحياة، فلا يسقط بالموت. قال الامام: وعلى هذا يجب على المعتق قيمة نصيب شريكه، ثم تبيين أن العتق حصل قبل موته. وفي التهذيب تفريعا على تأخر السراية أنه يموت نصفه رقيقا، ثم ذكر الوجهين في مطالبة الشريك

(8/395)


له بقيمة نصيبه، وهذا ضعيف. الخامسة: لو أعتق الشريك نصيبه قبل أخذ القيمة، لم ينفذ إن قلنا بالسراية في الحال، وإن قلنا بأداء القيمة، فكذلك على الاصح عند الجمهور، لئلا يفوت حقا ثبت للاول، ونفذه ابن خيران والاصطخري وابن أبي هريرة، فعلى هذا في نفوذ البيع والهبة ونحوهما وجهان: الصحيح: المنع، فإن نفذنا البيع، فهل للاول أن ينقض البيع، ويبذل القيمة كالشفيع ؟ فيه احتمال للامام. السادسة: للشريك مطالبة المعتق بالقيمة على الاقوال كلها، أما على غير التأخر، فظاهر وأما على التأخير، فلانه محجور عليه في التصرف فيه، والحيلولة من أسباب الضمان. قال الامام: ويلزم على تنفيذ البيع ونحوه أن لا يملك مطالبته، وهو ضعيف. وإذا دفع المعتق القيمة، أجبر الشريك على قبولها إن وقفنا العتق على أدائها، وإذا لم ندفع، ولم يطالبه الشريك، فللعبد طلب الدفع من هذا، والقبض من ذاك، فإن امتنع، طالبهما الحاكم، لان العتق حق لله تعالى. ولو كان الشريك غائبا، دفع القيمة إلى وكيله، فإن لم يكن، جعله القاضي عند أمين، وله أن يقرها في يد المعتق إن كان ثقة. السابعة: إذا تعذرت القيمة بإفلاس أو هرب، فقال الشيخ أبو علي والصيدلاني والروياني: يبقى نصيب الشريك رقيقا، ويرتفع الحجر عنه، إذ لا وجه لتعطيل ملكه عليه بلا بدل، وفيه احتمال للامام أنه يثبت العتق، وجعله الغزالي وجها، فقال: الصحيح أن إعسار المعتق يدفع الحجر ولو عاد اليسار، قال الشيخ أبو علي: لا يعود التقويم، لان حق العتق ارتفع بتخلل الاعسار، وفيه احتمال للامام. الثامنة: إذا قلنا: لا سراية قبل أداء القيمة، فوطئها الشريك قبل الاداء،

(8/396)


وجب نصف المهر لنصفها الحر. قال الامام: وليصور في وطئ محرم أو في مكرهة وفي النصف الآخر وجهان، أصحهما: لا يجب لانه ملكه، والثاني: يجب ويصرف إلى المعتق، لانه مستحق الانقلاب إليه. قال الامام: ويجوز أن يكون للجارية، وإن قلنا: تحصل السراية بنفس الاعتاق، وجب لها جميع المهر، ولا حد للاختلاف في ملكه. التاسعة: قال لشريكه: إذا أعتقت نصيبك فنصيبي حر، أو فجميع العبد حر، أو فنصيبي حربعد عتق نصيبك، فإذا أعتق المقول له نصيبه، نظر، إن كان معسرا، عتق على كل واحد نصيبه، وإن كان موسرا، عتق عليه نصيبه. ثم إن قلنا: السراية تحصل بنفس الاعتاق، سرى عليه، ولزمه قيمة نصيب شريكه، لان السراية قهرية تابعة لعتق نصيبه، لا مدفع لها، وموجب التعليق قابل للدفع بالبيع ونحوه. وإن قلنا بالتبين، فكذلك الحكم إذا أديت القيمة، وإن قلنا بالاداء، فنصيب المعلق عمن يعتق فيه وجهان. ولو قال: إذا أعتقت نصيبك فنصيبي حر مع عتق نصيبك، أو فحال عتق نصيبك، وقلنا: السراية بنفس الاعتاق، فوجهان. أحدهما: يعتق نصيب كل واحد عنه، ولا شئ على المعتق، وبهذا قال ابن القاص، وصاحب التقريب، واختاره القاضي أبو الطيب، وحكاه الروياني عن عامة الاصحاب، والثاني وبه قال القفال، واختاره الشيخ أبو علي: يعتق جميعه عن المقول له، ولا أثر لقوله: مع نصيبك، لان المعلق لا يهارن المعلق عليه، بل يتأخر عنه بلا شك. ولو قال: إذا أعتقت نصيبك فنصيبي حر قبل عتق نصيبك، فأعتق المقول له نصيبه، نظر، إن كانا معسرين أو المعلق معسرا، عتق نصيب المنجز، وعتق على المعلق نصيبه قبل ذلك لموجب التعليق، ولا سراية، وإن كان المعلق موسرا، وقلنا: السراية تحصل بنفس الاعتاق، فوجهان، من صحح الدور اللفظي، كابن الحداد يقول: لا ينفذ إعتاق المقول له في نصيبه، لانه لو نفذ، لعتق نصيب القائل قبله، ولو عتق لسرى، ولو سرى لبطل عتقه، فيلزم من نفوذه عدم نفوذه. وعلى هذا لو قال السيد لعبده: مهما أعتقتك فأنت حر قبله، لم

(8/397)


يتمكن من اعتاقه كما سبق نظيره في الطلاق، ولو صد هذا التعليق من الجانبين، امتنع الاعتاق عليهما. ولو قال أحدهما للآخر: متى بعت نصيبك، فنصيبي حر قبله، لم ينفذ البيع، والمستبعدون لصحة الدور وانسداد باب الطلاق ونحوه أولى بالاستبعاد هنا لتضمنه الحجر على العين، ومن لا يصحح الدور - وهو الاصح - يقول: يعتق نصيب كل واحد منهما عنه، ولا شئ لاحدهما على الآخر كما لو قال: مع نصيبك. وإن قلنا: يحصل العتق بأداء القيمة، فإن نفذنا عتق الشريك قبل أداء القيمة، عتق نصيب المنجز عليه، ونصب المعلق على المعلق. وإن لم ننفذه قال الامام: تدور المسألة أيضا، وعلى هذه الصور جميعا لو أعتق المعلق نصيبه، عتق وتثبت السراية إذا وجد شرطها. العاشرة: إذا قال الشريك الموسر: أعتقت نصيبك، فعليك قيمة نصيبي، فأنكر، فإن كان للمدعي بينة قضي بها، ومتى يعتق حصة المدعي ؟ فيه الاقوال. وإن لم يكن بينة، صدق المنكر بيمينه، فإن حلف، رق نصيبه، وإن نكل، حلف المدعي اليمين المردودة، واستحق القيمة، والصحيح أنه لا يحكم بعتق نصيب المدعى عليه، لان الدعوى إنما توجهت عليه بسبب القيمة، وإلا فلا معنى للدعوى على إنسان بأنه أعتق عبده، وإنما هذا وظيفة العبد، لكن لو شهد آخر مع هذا المدعي، ثبت العتق بشهادة الحسبة. قال الامام: وأبعد بعض من لا خبرة له، فحكم بالعتق تبعا لدعوى القيمة، وهل يحكم بعتق نصيب المدعي إذا حلف المدعى عليه، أو نكل وحلف المدعي ؟ إن قلنا بتعجيل السراية، فنعم، لاعترافه بسراية إعتاق المدعى إليه إلى نصيبه، وإن قلنا بالتأخر، لم يعتق. وإذا عتق نصيبه، لم يسر إلى نصيب المنكر، وإن كان المدعي موسرا، لانه لم ينشئ العتق، فأشبه ما لو ادعى أحد الشريكين على رجل أنك اشتريت نصيبي وأعتقته، وأنكر المدعى عليه، يعتق نصيب المدعي ولا يسري. وإن قلنا: لا يعتق إلا بعد أداء القيمة، لم يعتق نصيب المدعي. ولو صدق المدعى عليه الشريك، فلا إشكال، وإن كان المدعى عليه معسرا، وأنكر، وحلف، لم يعتق شئ من العبد، فإن اشترى المدعي نصيبه بعد ذلك، عتق ما اشتراه، لاعترافه بحريته، ولا يسري

(8/398)


إلى الباقي. ولو ادعى كل واحد من الشريكين الموسرين على صاحبه أنك أعتقت نصيبك، وطالب بالقيمة، وأنكر، صدق كل واحد بيمينه فيما أنكره، فإذا حلفا، فلا يطالب بالقيمة، ويحكم بعتق جميع العبد إن قلنا بتعجيل السراية، والولاء موقوف، لانه لا يدعيه أحد. وإن قلنا بتأخر السراية أو بالتبين، فالعبد رقيق، وإن كانا معسرين، وقال كل واحد للآخر: أعتقت نصيبك، لم يعتق منه شئ، فإن اشترى أحدهما نصيب الآخر، حكم بعتق ما اشتراه، ولا يسري، لانه لم ينشئ إعتاقا. وذكر البغوي أنه لو باع أحدهما لعمرو، والآخر لزيد، صح، ولا عتق. ولو باعاه لزيد، حكم بعتق نصفه، لانه متيقن، وهذا ليس بصحيح ولا يقين في واحد من النصفين، لجواز كونهما كاذبين. وإن كان أحدهما موسرا، والآخر معسرا، عتق نصيب المعسر على قول تعجيل السراية، وولاؤه موقوف، ولا يعتق نصيب الموسر، فإن اشتراه المعسر، عتق كله. ولو طار طائر، فقال أحدهما: إن كان غرابا، فنصيبي من هذا العبد حر، وقال الآخر: إن لم يكن غرابا، فنصيبي حر، ولم يبين الحال، فإن كانا معسرين، فلا عتق، فإن اشترى أحدهما نصيب الآخر، حكم بعتق أحد النصفين. ولو باعاه لثالث، حكم بعتق أحد النصفين أيضا، ولا رجوع على واحد منهما، لان كل واحد يزعم أن نصيبه مملوك، هذا هو الاصح، وبه قال القفال، وقطع به الغزالي، وحكى الشيخ أبو علي وجها أنه إن اشتراه عالما بالتعليقين، فلا رجوع له، وإن لم يعلم، ثم علم، فله الرد، كما لو اشترى عبدا، فبان أن نصفه حر، فعلى هذا يرد العبد، لان نصفه حر، والنصف الآخر معيب بسبب التشقيص. قال الشيخ أبو علي ولو اختلف النصيبان، لم يعتق إلا

(8/399)


أقلهما. ولو تبادلا النصيبين، فإن لم يحنث واحد منهما صاحبه، بل اعترفا بالاشكال، لم يحكم على واحد منهما بعتق شئ، والحكم بعد المبادلة كالحكم قبلها. وان حنث كل واحد الآخر، حكم بعتق الجميع، لاعتراف كل واحد بعتق ما صار إليه، ويكون الولاء موقوفا. وإن حنث أحدهما صاحبه. ولم يحنثه الآخر، حكم بعتق ما صار للمحنث، وولاؤه موقوف، ولا يحكم بعتق نصيب الآخر. وإن كانا موسرين، فإن قلنا بتعجيل السراية، عتق العبد، لانا نتحقق حنث أحدهما، وإن لم نتمكن من التعيين، فيعتق نصيبه، ويسري إلى الثاني، والولاء موقوف، ولكل واحد منهما أن يدعي قيمة نصيبه على الآخر، ويحلفه على البت أنه لم يحنث. وإن قلنا: لا تحصل السراية إلا بأداء القيمة، لم يحكم بعتق شئ منه، والحكم كما في المعسرين، قال الشيخ أبو علي: فإن ادعى كل واحد على صاحبه أنه عتق نصيبه، وأراد طلب القيمة، حلفه، كما ذكرنا على قول تعجيل السراية. وإن كان أحدهما موسرا، والآخر معسرا، فإن قلنا بتعجيل السراية، عتق نصيب المعسر بكل حال، ولا يعتق نصيب الموسر للشك فبه. وإن أخرناها إلى أدا القيمة، لم يحكم بعتق شئ في الحال، وللمعسر أن يدعي التقويم على الموسر ويحلفه. فرع قال أحدهما: أعتقناه معا، وأنكر الآخر، فإن كانا موسرين، أو كان القائل موسرا، فقد أطلق ابن الحداد أنه يحلف المنكر، وتابعه جماعة. قال الشيخ: إنما يحلف عندي إذا قال للمقر: أنت أعتقت نصيبك وأنا لم أعتق وأراد طلب القيمة فيحلفه أنه لم يعتق معه ليأخذ القيمة، لان المقر أقر بما يوجب القيمة، وادعى ما يسقطها، وهو الموافق في الاعتاق، فيدفع يمينه المسقط، فأما إذا قال: لم تعتق نصيبك، ولا أنا أعتقته، فلا مطالبة بالقيمة، ولا يمين. وهل يحكم بإعتاق جميع العبد بإقرار الموسر ؟ إن أثبتنا السراية بنفس الاعتاق، فنعم، وإن أخرناها، لم يعتق نصيب المنكر، وإذا حلف المنكر في التصوير الاول أخذ القيمة من المقر، وحكم بعتق جميع العبد، وولاء نصيب المنكر موقوف. فلو مات العتيق، ولا وارث له سوى المقر أخذ نصف ماله بالولاء. وهل له أن يأخذ من

(8/400)


النصف الآخر قدر نصف القيمة الذي غرمه للمنكر ؟ وجهان. أحدهما: نعم، لانه إن صدق، فالمنكر ظالم له، وهذا ماله بالولاء، وإن كذب، فهو مقر بإعتاق جميعه، فجميع المال له بالولاء، والثاني لاختلاف الجهة. قلت: الاول أصح. والله أعلم. وإن رجع المنكر عن إنكاره، وصدق المقر، رد ما أخذ منه. وإن رجع المقر، واعترف بأنه أعتقه كله، قبل، وكان جميع الولاء له، كما لو نفى نسبا يلحقه ثم استلحقه. فرع عبد بين ثلاثة، شهد اثنان منهم أن الثالث أعتق نصيبه، فإن كان الثالث معسرا، قبلت شهادتهما، وحكم بعتق نصيب الثالث، ورق الباقي. وإن كان موسرا، فالاصح وبه قال ابن الحداد ان شهادتهما باطلة، لانهما متهمان بإثبات القيمة، فلا يعتق نصيبه، ولا يلزمه لهما قيمة، ويعتق نصيبهما، لاعترافهما بالسراية إليه، وقيل: تقبل شهادتهما في عتق نصيبه دون القيمة، وهو ضعيف، والحكم بعتق نصيبهما مفرع على تعجيل السراية، فإن أخرناها، لم يعتق شئ من العبد، لكن لا ينفذ تصرفهما، لاعترافهما بأنه مستحق العتق على الثالث، هكذا حكاه الشيخ أبو علي عن بعض الاصحاب، وصححه، ويجوز أن يقال: قد سبق أن تعذر حصول القيمة بإعسار وغيره يرفع الحجر عن الشريك، والتعذر هنا حاصل. الحادية عشرة: إذا قلنا: السراية تحصل بنفس الاعتاق، فله حكم الاحرار في الارث والشهادة والحد والجناية وإن لم يؤد القيمة، وإن أخرناها إلى أداء القيمة، فله حكم الارقاء فيها حتى يؤدي، وإن توقفنا في هذه الاحكام. الثانية عشرة: لو أعتشركاء له في حبلى، وهو موسر، ولم يقوم عليه حتى ولدت، عتق معها ولدها، تفريعا على السراية في الحال، فأما إذا أخرناها إلى الاداء فنص أنه ينبغي أن لا يعتق الولد معها، لانه إنما يعتق بعتقها إذا كان حملا، فأما بعد الولادة فلا. قال القاضي أبو حامد: معناه أن نصيب الذي لم يعتق من الولد مملوك، فأما نصيب المعتق فيجب أن يعتق. وقال ابن الصباغ: عندي أنه أراد أن

(8/401)


نصيب الذي لم يعتق من الولد، لا يعتق بدفع نصف قيمة الام وعتقها، وإلا فقد عتق من الولد نصيب المعتق وهو موسر، فوجب أن يسري. قلت: هذا الذي قاله ابن الصباغ ضعيف. والله أعلم. الثالثة عشرة: وكل شريكه في عتق نصيبه، فقال الوكيل للعبد: نصفك حر، فإن قال: أردت نصيبي، قوم عليه نصيب شريكه، وإن قال: أردت نصيب شريكي، قوم على الشريك نصيب الوكيل، وإن أطلق، فعلى أيهما يحمل ؟ وجهان حكاهما في الشامل. قلت: لعل الاصح حمله على نصيب الوكيل. والله أعلم. الرابعة عشرة: مريض له نصفا عبدين، قيمتهما سواء لا مال له غيرهما، فقال: أعتقت نصيبي من سالم وغانم، وقلنا: السراية تعجل، عتق ثلثا نصيبه من سالم، فقال الوكيل للعبد: نصفك حر، فإن قال: أردت نصيبي من سالم ومن غانم، وقلنا: السراية تعجل، عتق ثلثا نصيبه من سالم وهو ثلث ماله، ولا يعتق من الآخر شئ. ولو قال: نصيبي من هذين حر، عتق ثلثا نصيبه من أحدهما، فيقرع، ويعتق، فمن خرجت قرعته، عتق ثلثا نصيبه، وإن نصفاهما ثلث ماله فقال: أعتقت نصيبي من سالم ومن غانم، عتق سالم بالمباشرة والسراية، ولم يعتق من غانم شئ. ولو قال: نصيبي منهما حر، عتق النصفان، ولا سراية. الخامسة عشرة: أمة حامل من زوج اشتراها زوجها وابنها الحر معها وهما موسران، فالحكم كما ذكرنا لو أوصى مالكها بهما لهما وقبلا الوصية معا، وقد ذكرناه في الوصايا، ومختصره أن الامة تعتق على الابن، والحمل يعتق عليهما، ولا يقوم. السادسة عشرة: شهد رجلان أن زيدا أعتق نصيبه من المشترك وهو موسر، وحكم القاضي بشهادتهما، ثم رجعا، فشهادتهما تثبت عتق نصيبه، ويوجب عليه قيمة نصيب شريكه، فيغرمان قيمة نصيبه قطعا، لان شهود العتق يغرمون بالرجوع. وهل يغرمان له قيمة نصيب الشريك التي غرمها ؟ قولان، لان في تغريم شهود المال قولين سبقا. هذا إذا صدق الشريك الشهود، وأخذ القيمة، وعتق جميع العبد، اما

(8/402)


بنفس الاعتاق، وإما بدفع القيمة، فأما إذا كذبهم، وقال: لم يعتق زيد نصيبه، فإن عجلنا السراية، عتق الجميع، ولا يلزمه للشريك شئ، وإن أخرناها، قال الشيخ أبو علي: يجبر على أخذ القيمة ليكمل العتق، ثم يلزمه ردها إن أصر على تكذيب الشهود، كما لو جاء المكاتب بالنجم الاخير، فقال السيد: هذا حرام غصبت من فلان، يجبر على أخذه، ثم يرده على من أقر له. ولو شهد اثنان على شريك أنه أعتق نصيبه، وآخران على الشريك الآخر أنه أعتق نصيبه، وهما موسران، فإن أرخت البينتان، عتق كله على الاول، إن عجلنا السراية، وعليه قيمة نصيب الآخر، وإن أخرناها إلى أداء القيمة، فعلى الخلاف السابق في أن إعتاق الثاني قبل أداء القيمة، هل ينفذ ؟ إن قلنا: لا وهو الاصح، أخذت قيمة نصيبه من الاول ليعتق، وإن لم يؤرخا، عتق العبد كله، ولا تقويم. فلو رجع الشاهدان على أحدهما، لم يغرما شيئا، لانا لا ندري أن العتق في النصف الذي شهدا به حصل بشهادتهما، أم بشهادة الآخرين بالسراية، فلا يوجب شيئا بالشك، وإن رجعوا جميعا، فقيل: الحكم كذلك، والاصح أنهم يغرمون قيمة العبد، لانه إذا لم يكن تاريخ، فالحكم بعتق العبد معلق بشهادة الاربعة، ويقدر كأن الاعتاقين وقعا معا، وبالله التوفيق.
الخصيصة الثانية : العتق بالقرابة، فمن ملك أباه، أو أمه، أو أحد أصوله من الاجداد والجدات من جهة الاب أو الام، أملك من أولاده، وأولاد أولاده وإن سفلوا، عتق عليه، سواء ملكه قهرا بالارث، أاختيارا بالشراء والهبة وغيرهما، ولا يعتق غير الاصول والفروع، كالاخوة والاعمام والاخوال وسائر الاقارب. وليس لولي الصبي والمجنون أن يشتري لهما من يعتق عليهما، فإن فعل، فالشراء باطل. ولو وهب للصبي قريبه، أو أوصى له به. نظر، إن كان الصبي معسرا، فلوليه قبوله، ويلزمه القبول على الاصح وظاهر النص، فإذا قبل، عتق على الصبي. وإن

(8/403)


كان موسرا، نظر، إن كان القريب بحيث يجب تعففه في الحال، لم يجز للولي القبول، وإن كان بحيث لا يجب، فعلى ما ذكرنا في المعسر، وإذا لم يقبل الولي قبل الحاكم، فإن لم يفعل، فللصبي بعد بلوغه القبول، كذا ذكره الروياني، وليكن هذا في الوصية. ولو وهب له بعض القريب، أو أوصى له به، فإن كان الصبي معسرا، قبل الولي، وإن كان موسرا، زاد النظر في غرامة السراية، وفيه قولان. أظهرهما: لا يقبل، لانه لو قبل، لعتق على الصبي، وسرى، ولزمه قيمة الشريك، وفيه ضرر. والثاني: يقبل، ويعتق عليه، ولا يسري. وقيل: ليس له القبول قطعا، وإنما القولان في صحة القبول. فرع اشترى فمرض موته قريبه، فإما أن يشتريه بثمنه أو بمحاباة، وعلى التقدير الاول، قد يكون عليه دين، وقد لا، وقد سبق بيان كل ذلك في الوصية، وذكرنا أنه إذا لم يكن دين ولا وصية، اعتبر عتقه من الثلث، فإن خرج كله من ثلثه، عتق، وإلا، عتق قدر الثلث، وإن ملكه بإرث، عتق من رأس المال على الاصح حتى يعتق كله، وإن لم يكن مال آخر. وقيل: من الثلث حتى لا يعتق إلا ثلثه، إذا لم يملك شيئا آخر. ولو ملكه بهبة أو وصية، فإن قلنا: الارث من الثلث، فهنا أولى، وإلا فوجهان، والمسألة مبسوطة في الوصايا. فرع من قواعد كتاب السير أن الحربي إذا قهر حربيا، ملكه، قال الامام: ولم يشترط الاصحاب قصد الارقاق، بل اكتفوا بصورة القهر، وعندي لا بد من القصد، فإن القهر قد يكون للاستخدام، فلا يتميز قهر الارقاق إلا بالقصد، فإذا قهر عبد سيده الحربي، عتق العبد، وصار السيد رقيقا له. ولو قهر الزوج زوجته، واسترقها، ملكها، وجاز له بيعها، وكذا لو قهرت زوجها. ولو قهر حربي أباه أو ابنه، فهل له بيعه ؟ وجهان، أحدهما: لا، وبه قال ابن الحداد: لا يعتق عليه بالملك. والثاني: نعم، لان القهر دائم، وبهذا أفتى الشيخ أبو زيد، ويشبه أن يرجح الاول، ويتجه أن يقال: لا يملكه بالقهر، لاقتران سبب العتق بسبب الملك. ويخالف الشراء فإنا صححناه لكونه ذريعة إلى تخليصه من الرق.

(8/404)


فرع قد سبق أنه لو اشترى بعض قريبه، عتق عليه، وسرى إلى الباقي، وفي معناه قبول الهبة والوصية. ولو ورث نصفه، لا يسري، وشراء الوكيل وقبوله الهبة والوصية كشرائه وقبوله لصدوره عن اختياره، وكذا قبول نائبه شرعا، حتى لو أوصى له ببعض ابنه، فمات، وقبل الاخ الوصية، عتق الشقص على الميت، وسرى إلى الباقي إن وفى به الثلث، وينزل قبول وارثه منزلة قبوله في حياته. ولو أوصى له ببعض من يعتق على وارثه، بأن أوصى له ببعض ابن أخيه، فمات، وقبل الاخ الوصية، عتق الشقص على الميت، وسرى إلى الباقي إن وفى به الثلث، وينزل قبول وارثه منزلة قبوله في حياته. ولو أوصى له ببعض من يعتق على وارثه، بأن أوصى له ببعض ابن أخيه، فمات، وقبل الاخ الوصية، عتق الشقص ولا سراية على الاصح، لان الملك حصل للميت أولا، ثم انتقل إلى الاخ إرثا، ويجري الخلاف في السراية حيث يملك بطريق اختيار يتضمن الملك، ولا يقصد به التملك، كما إذا باع ابن أخيه بثوب ومات، ووارثه الاخ، فرد الثوب بعيب، واسترد الشقص، عتق عليه. وفي السراية الخلاف. ولو وهب لعبد بعض من يعتق على سيده، فقبل، وقلنا: يصح قبوله بغير إذن سيده، عتق الموهوب على السيد، وسرى، لان قبول العبد كقبوله شرعا. قلت: هذا مشكل، وينبغي أن لا يسري، لانه دخل في ملكه قهرا كالارث. والله أعلم.

(8/405)


فرع جرح عبد أباه، فاشتراه الاب، ثم مات بالجراحة. إن قلنا: تصح الوصية للقاتل، عتق من ثلثه، وإلا لم يعتق. وعلى هذا قال البغوي: ينبغي أن تجعل صحة الشراء على وجهين، كما لو اشتراه وعليه دين.
الخصيصة الثالثة : امتناع العتق بالمرض، سبق في كتاب الوصايا أن التبرعات في مرض الموت تحسب من الثلث، وأن العتق من التبرعات وقد يندفع لوقوعه في المرض، وإنما يعتبر الثلث بعد حط قدر الدين، فلو كان الدين مستغرقا، لم يعتق شئ منه، فإن أعتق عبد لا مال له سواه، لم يعتق إلا ثلثه، وإن مات هذا العبد بعد موت السيد، مات، وثلثه حر، وإن مات قبل موت السيد، فهل يموت كله رقيقا، أم كله حرا، أم ثلثه حرا وباقيه رقيقا ؟ فيه أوجه. أصحهما عند الصيدلاني: الاول، وبه أجاب الشيخ أبو زيد في مجلس الشيخ أبي بكر المحمودي، فرضيه وحمده عليه، لان ما يعتق ينبغي أن يحصل للورثة مثلاه، ولم يحصل لهم هنا شئ، وتظهر فائدة الخلاف في شيئين: أحدهما: لو وهب في المرض عبدا لا يملك غيره، وأقبضه، ومات العبد قبل السيد، فإن قلنا في مسألة العتق، يموت رقيقا مات هنا على ملك الواهب، ويلزمه مؤونة تجهيزه. وإن قلنا: يموت حرا، مات هنا على ملك الموهوب له، فعليه تجهيزه. وإن قلنا بالثالث، وزعت المؤونة عليهما. الثاني: إذا كان لهذا العبد ولد من معتقه، كان ولاء الولد لموالي أمه، فإن قلنا: يموت حرا، انجز الولاء إلى معتق الاب، وإن قلنا: يعتق ثلثه، أنجز ولاء ثلثه. ولو أعتق في مرضه عبدا، وله مال سواه، ومات العتيق قبل موت السيد، قال الامام: قال جماهير الاصحاب: لا يجب من الثلث، ويجعل كأنه لم يكن، لان

(8/406)


الوصية إنلا تتحقق بالموت، فإذا لم تبق إلى الموت، لم يدخل في الحساب، قال: ويجئ على قولنا حكمه بعد الموت كحكمه لو عاش، أن يحسب من الثلث. ولو وهب عبدا، وأقبضه، وله مال آخر فتلف في يد المتهب قبل موت الواهب، فهو كما لو أعتقه، كما أن هبته ولا مال له سواه كإعتاقه ولا مال له سواه. ولو أتلفه المتهب، فهو كما لو كان باقيا، حتى إذا كان له مال آخر، يحسب الموهوب من الثلث، وإذا لم يخرج من الثلث، يغرم الموهوب للورثة ما زاد على الثلث، بخلاف ما إذا تلف، لان الهبة ليست مضمنة، والاتلاف مضمن على كل حال، وللامام احتمال في إلحاق التلف بالاتلاف وعكسه. فرع أعتق ثلاثة أعبد لا يملك غيرهم قيمتهم سواء، فمات أحدهم قبل موت السيد، فالذي نص عليه الشافعي رحمه الله، وأطبق عليه فرق الاصحاب: أن الميت يدخل في القرعة، قال الامام: وقياس ما ذكرنا في العبد الواحد أن يجعل الفائت كالمعدوم، ويجعل كأنه أعتق عبدين لا مال له سواهما، وجعل الغزالي هذا الاحتمال وجها، والتفريع على الاول، فإن خرجت القرعة على الميت، بان أنه مات حرا موروثا عنه، ورق الآخران، وإن خرج عليه سهم الرق، لم يحسب على الورثة، لانهم يريدون المال، ويحتسب به عن المعتق لانه يريد الثواب، وتعاد القرعة بين العبدين، كما لو لم يكن إلا عبدان، فأعتقهما، فمن خرج له سهم العتق، عتق ثلثاه، ورق ثلثه مع العبد الآخر. ولو خرج سهم العتق أولا على أحد الحيين، فكذلك يعتق ثلثاه. ولو مات أحدهم بعد موت السيد وقبل امتداد يد الوارث إلى التركة، فالحكم كما لو مات قبل موت السيد، ولفظ الصيدلاني يقتضي الاكتفاء بأن لا يكون الميت في يده لثبوت الحكم المذكور. وإن مات بعد امتداد يد الوارث إلى التركة، وقبل الاقراع، فوجهان. أصحهما: يحسب الميت على الوارث، حتى لو خرجت القرعة لاحد الحيين، عتق كله، لان الميت دخل في

(8/407)


يده وضمانه. والثاني: أنه كما لو مات قبل ثبوت يده على التركة، لانه لم يتسلط على التصرف. ولو مات اثنان منهم قبل موت السيد، قال ابن أبي هريرة: يقرع بينهم، فإن خرج سهم العتق على أحد الميتين، صح عتق نصفه، وجعل للورثة مثلاه، وهو العبد الحي. وإن خرج سهم الرق عليه، أقرعنا بين الميت الآخر والحي، فإن خرج سهم الحرية على الميت الآخر، أعتقنا نصفه، وإن خرج سهم الرق عليه، لم يحسب على الورثة، وأعتقنا ثلث الحي. ولو قتل أحد العبيد قبل موت السيد أو بعده، دخل القتيل في القرعة قطعا، لان قيمته تقوم مقامه، فإن خرج سهم العتق لاحد الحيين، عتق كله، ولورثه الآخر قيمة القتيل، وإن خرج للقتيل، بان أنقتل حرا، وعلى قاتله الدية لورثته، وأما القصاص فعن بعض الاصحاب أنه لا يجب إن كان قاتله حرا، بخلاف ما إذا قال لعبده: إن جرحك أحد، فأنت حر قبله، فجرحه حر، ومات بالجراحة، وجب القصاص، لان الحرية متعينة فيه، وهنا التعيين بالقرعة. قال البغوي: يحتمل أن يكون في المسألتين وجهان، لانه قتل من اعتقد رقه كما لو قتل من عرفه رقيقا فبان عتيقا، ففي القصاص قولان.
الخصيصة الرابعة : القرعة، وفيها طرفان: أحدهما في محلها، وهو أن يعتق في مرض موته عبيدا دفعة، ويقصر عنهم ثلث ماله، ولا يجيز الورثة عتقهم، فيقرع بينهم لتجتمع الحرية في بعضهم، فيعتق، أو يقرب من العتق. وفي الضابط قيود، أحدها: وقوع الاعتاق في مرض الموت، فإذا انتفى عتقوا كلهم. الثاني: أن يعتقهم دفعة بأن يوكل بإعتاق كل واحد وكيلا، فيعتقوا معا، أو يقول: هؤلاء أحرار، أو يقول لهم: أعتقتكم، أو أنتم أحرار، فإن أعتقهم أولا قدم الاول فالاول، إلى تمام الثلث، كقوله: سالم حر، وغانم حر، وفائق حر، فلو قال: سالم وغانم وفائق أحرار: فهو محل القرعة. ولو قال: سالم وغانم وفائق حر، فعن القاضي أبي حامد أنه يراجع، فإن قال: أردت حرية كل واحد منهم،

(8/408)


فهو كقوله: أنتم أحرار، وإن قال: أردت حرية الاخير، قبل، ولا قرعة، وإن قال: حرية غيره، لم يقبل. الثالث: أن يقصر عنهم ثلث ماله، ولم تجز الورثة، فإن وفى الثلث بهم، أو أجاالورثة، عتقوا جميعا. ولو أوصى بإعتاق عبيد، ولم يف الثلث بهم، ولم يجز الورثة، أقرع أيضا، وسواء أوصى بإعتاقهم دفعة، أو قال: أعتقوا فلانا، ثم قال: أعتقوا فلانا، لان وقت الاستحقاق واحد، وهو الموت، بخلاف ما إذا رتب الاعتاق المنجز إلا أن يقيد، فيقول: اعتقوا فلانا ثم فلانا ولو علق العتق بالموت، فقال: إذا مت فأنتم أحرار، أو أعتقتكم بعد موتي، أو رتب فقال: إذا مت، ففلان حر، أقرع أيضا. وفي الوصية والتعليق وجه: أنه لا قرعة، بل يعتق من كل واحد ثلثه، والصحيح الاول. ولو قال: أعتقت ثلث كل واحد منكم، أو أثلاث هؤلاء أحرار، فوجهان، أحدهما: لا يقرع، بل يعتق من كل واحد ثلثه لتصريحه بالتبعيض. وأصحهما: يقرع، وقد سبق في الوصايا أنه لو قال: أعتقت ثلثكم، أو ثلثكم حر، فهو كقوله: أعتقتكم أم كقوله أثلاث هؤلاء أحرار، فيه طريقان، وأنه لو أضاف إلى الموت فقال: ثلث كل واحد حر بعد موتي، أو أثلاث هؤلاء أحرار بعد موتي، عتق من كل واحد ثلثه، ولا قرعة على الصحيح. فرع يعتبر لمعرفة الثلث فيمن أعتقه منجزا في المرض قيمة يوم الاعتاق، وفيمن أوصى بعتقه قيمة يوم الموت أقل، فالزيادة حصلت في ملكهم وإن كانت يوم القبض أقل، فما نقص قبل ذلك، لم يدخل في يدهم، فلا يحسب عليهم، كالذي يغصب، أو يضيع من التركة قبل قبضهم، وإذا أنجز إعتاق عبد، وأوصى بإعتاق آخر، قومنا المنجز حال إعتاقه، والآخر حال الموت، وبقية التركة بأقل القيمتين، فإن بقي شئ من الثلث، عتقا، وإن خرج أحدهما، أعتقنا المنجز، فإن بقي شئ من الثلث، أعتقنا بقدره من الموصى بإعتاقه، وإن نقص الثلث، أعتقنا من المنجز بقدره. ولو أعتق في المرض عبدا مبهما، بأن قال أحد هؤلاء حر، أو أوصى بإعتاق واحد منهم، بأن قال: اعتقوا أحدهم، ففي جمع الجوامع للروياني أنه يكتب رقعة للعتق، وأخرى للوصية بإعتاق، ورقعتان

(8/409)


للتركة، فمن خرج له العتق، فكأنه أعتقه بعينه، ومن خرج له الوصية، فكأنه أوصى بإعتاقه، ثم يكون الحكم كما سبق. وفي الشامل أنه يميز الثلث بالقرعة أولا، ثم يميز بين المنجز والآخر. فرع كل عبد من المنجز إعتاقهم عتق بالقرعة يحكم بعتقه من يوم الاعتاق لا من يوم القرعة، ويسلم له ما كسبه من وقت الاعتاق ولا يحسب من الثلث، سواء كسبه في حياة المعتق أم بعد موته، وكل من بقي رقيقا منهم فأكسابه قبل موت المعتق، تحسب على الوارث في الثلثين، وأكسابه بعد موته وقبل القرعة لا تحسب عليه، لحصولها على ملكه. فلو أعتق في مرضه ثلاثة أعبد لا مال له غيرهم، قيمة كل واحد مائة، وكسب أحدهم مائة، وأقرعنا، فإن خرجت القرعة للكاسب، عتق وفاز بكسبه، ورق الآخران، وإن خرج لاحد الآخرين، عتق، ثم تعاد بين الكاسب والآخر، فإن خرجت للآخر، عتق ثلثه وبقي ثلثاه مع الكاسب، وكسبه للورثة، وإن خرجت للكاسب، وقع الدور، لانه يعتق بعضه، ويتوزع الكسب على ما عتق وعلى ما رق، ولا يحسب عليه حصة ما عتق، وتزيد التركة بحصة ما رق، وإذا زادت التركة، زاد ما عتق، وتزيد حصته، وإذا زادت حصته، نقصت حصة التركة. وطريق استخراجه بيناه في المسائل الدورية من الوصايا والحكم أنه يعتق منه ربعه، ويتبعه ربع كسبه، يبقى للورثة ثلاثة أرباعه، وثلاثة أرباع كسبه مع العبد الآخر، وجملتها ضعف ما عتق، ولو كسب أحدهم مائتين، وخرجت القرعة الثانية لغير الكاسب، عتق ثلثاه وبقي ثلثه، والكاسب وكسبه للورثة، وإن خرجت للكاسب، فقد عتق منه شئ، وتبعه من الكسب شيئان، لان كسبه مثلا قيمته، تبقى للورثة أربعة أعبد إلا ثلاثة أشياء تعدل ضعف ما عتق، وهو عبدان وشيئان فبعد الجبر أربعة أعبد، تعدل عبدين وخمسة أشياء، تسقط عبدين بعيدين، يبقى عبدان وشيئان في مقابلة خمسة أشياء، فالشئ خمس العبدين، وهو خمسا عبد، وذلك أربعون، فقد عتق

(8/410)


مائة وأربعون، وبقي للورثة ثلاثة أخماسه ستون، وثلاثة أخماس كسبه مائة وعشرون والعبد الآخر، وجملتها مائتان وثمانون، وقد سبقت نظائر هذا في الوصايا. هذا كله في الاكساب الحاصلة في حياة المعتق، ولو كسب أحدهم في المثال المذكور مائة بعد موته، فإن خرجت القرعة للكاسب عتق وتبعه كسبه غير محسوب كما لو كسب في الحياة وإن خرجت لغير الكاسب، عتق، ورق الآخران، ولا تعاد القرعة للكسب، بل يفوز به الوارث لحصوله في ملكه، وكسب من أوصى بإعتاقه في حياة الموصى للموصي، تزيد به التركة والثلث، وكسبه بعد موته لا تزيد به التركة ولا الثلث بلا خلاف. وهل هو للورثة أم للعبد ؟ طريقان حكاهما ابن الصباغ أحدهما: قولان كالقولين في أن كسب الموصى به بعد موت الموصي وقبل القبول للورثة أو للموصى له ؟ والمذهب القطع بأنه للورثة. والفرق أنه استحق العتق بموت الموصي استحقاقا مستقرا، والوصية غير مستقرة، بل الموصى له بالخيار بين الرد والقبول، وإذا زادت قيمة من نجز إعتاقه، كانت الزيادة كالكسب، فمن خرجت له قرعة العتق، تبعته الزيادة غير محسوبة عليه، وكذا لو كان فيمن أعتقهم جارية، فولدت قبل موت المعتق، فالولد كالكسب، فإذا خرجت القرعة لها، تبعها الولد غير محسوب من الثلث، وإن خرجت لغير من زادت قيمته، أو التي ولدت، وقع للدور. ولو أعتق ثلاثة أعبد لا مال له غيرهم، قيمة كل واحد مائة، فبلغت قيمة أحدهم مائتين، فهو كما لو كسب أحدهم مائة. ولو أعتق أمتين قيمة كل واحدة مائة، فولدت إحداهما ولدا قيمته مائة، فهو كما لو كسب أحدهم مائة، فإن خرجت القرعة للتي لم تلد، عتقت، ورقت الوالدة وولدها، وهما ضعف ما عتق، وإن خرجت للوالدة، عتق منها شئ، وتبعها من الولد مثله، يبقى مع الورثة ثلاثمائة إلا شيئين يعدل ضعف ما أعتقنا محسوبا، وهما شيئان، فبعد الجبر يعدل

(8/411)


ثلاثمائة أربعة أشياء، فالشئ ثلاثة أرباع مائة، فعرفنا أنه عتق ثلاثة أرباعها، وتبعها ثلاثة أرباع الولد، يبقى للورثة ربعهما والجارية الاخرى، وجملته مائة وخمسون، ضعف ما عتق منها. ولو قال لامته الحامل في مرض موته: أنت حرة، أو ما في بطنك، فولدت لدون ستة أشهر من يوم الاعتاق، ولم يتفق تعيين، فيقرع، فإن خرجت للولد، عتق دون الام، وإن لم يف الثلث به، عتق منه قدر الثلث، وإن خرجت الام، عتقت، وتبعها الولد إن وفى بهما الثلث، وإلا، فيعتق منها شئ، ويتبعها من الولد شئ. وطريق استخراجه ما ذكرناه في الوصايا فيمن أعتق عبدا فكسب، وتقويم الولد بما يكون يوم الولادة، هذا كله إذا ولدت قبل موت المعتق، فإن ولدت بعده، نظر إن ولدت لاكثر من ستة أشهر من يوم الموت، فالولد ككسب حصل بعد موته، إن خرجت القرعة للام،، عتقت، وتبعها، وإن خرجت لغير الوالدة، عتقت، ولا تعاد القرعة للولد، لانه حدث على ملك الورثة، وإن ولدت لاقل من ستة أشهر، فهل تحسب على الوارث حتى تعاد القرعة ؟ قال البغوي: يبنى على أن الحمل هل يعرف ؟ إن قلنا: لا، فهو كالحادث بعد الموت، فلا تعاد، وإن قلنا: نعم، فكالحادث قبل الموت، فتعاد، وأطلق الصيدلاني وجهين في أنها لو ولدت بعد الموت، هل يحسب الولد على الورثة من الثلثين ؟ ولو نقصت قيمة من نجز، عتق بعضهم قبل موت المعتق، فإن كان النقص فيمن خرجت له قرعة العتق، حسب عليه، لانه محكوم بعتقه من يوم الاعتاق، وإن كان فيمن رق، لم يحسب على الورثة إذا لم يحصل لهم إلا الناقص. فلو أعتق عبدا لا مال له غيره، قيمته مائة، ورجع إلى خمسين، فقد ذكرنا طريق استخراجه في الوصايا. وحاصله أن يعتق منه الخمس. ولو أعتق ثلاثة أعبد، قيمة كل واحد مائة، فعادت قيمة أحدهم إلى خمسين، فإن خرجت القرعة للناقص، عتق وحده، لانه كانت قيمته يوم الاعتاق مائة، فينبغي أن يبقى للورثة ضعفها، وإن خرجت لاحد الآخرين، عتق منه خمسة أسداس، وهي ثلاثة وثمانون وثلث، يبقى للورثة سدسه والعبد الآخر والناقص. وجملة ذلك مائة وستة وستون وثلثان، ضعف ما عتق، لان المحسوب على الورثة الباقي بعد النقص، وهو مائتان وخمسون. ولو أعتق عبدين قيمة كل واحد مائة، ولا مال له سواهما، فعادت قيمة أحدهما إلى خمسين، فإن خرجت القرعة للآخر، عتق نصفه، وبقي للورثة نصفه مع العبد الناقص، وهما

(8/412)


ضعف ما عتق، وإن خرجت للناقص، وقع الدور، لانا نحتاج إلى إعتاق بعضه معتبرا بيو الاعتاق، وإلى إبقاء ضعفه للورثة معتبرا بيوم الموت، وحاصله أنه يعتق ثلاثة أخماسه، يبقى خمساه مع الآخر للورثة. وإن حدث النقص بعد موت المعتق، وقبل الاقراع، فهل يحسب على الورثة ؟ قال البغوي: إن كان الوارث مقصور اليد عن التركة، لم يحسب عليه كما في حال الحياة، وإلا فوجهان، أصحهمأ: يحسب عليه. الطرف الثاني في كيفية القرعة والتجربة المترتبة عليها، وفيه فصلان: الاول: في كيفية القرعة، قد سبق في باب القسمة أن للقرعة طريقين، أحدهما: أن يكتب أسماء العبيد في رقاع، ثم يخرج على الرق والحرية. والثاني: أن يكتب في الرقاع الرق والحرية، ويخرج على أسماء العبيد، وذكرنا أن من الاصحاب من أثبت قولين في أنه يقرع بالطريق الاول أم الثاني، وأن في كون ذلك الخلاف في الجواز والاولوية خلافا، وأن الجمهور قالوا في العتق: يسلك ما شاء من الطريقين، ولفظه في المختصر يدل عليه، والطريق الاول أخصر. واستحب الشافعي رحمه الله على الطريقتين أن تكون الرقاع صغارا ليكون أخفى، وأن تكون متساوية، وأن تدرج في بنادق، وتجعل في حجر من لم يحضر هناك، كما بينا في القسمة، وأنه يغطى بثوب، ويدخل من يخرجها اليد من تحته. كل هذا ليكون أبعد من التهمة، ولا تتعين الرقاع، بل تجوز القرعة بأقلام متساوية، وبالنوى والبعر، وذكر الصيدلاني أنه لا يجوز أن يقرع بأشياء مختلفة، كدواة وقلم وحصاة، وقد يتوقف في هذا، لان المخرج إذا لم يعلم ما لكل واحد منهم لا يظهر حيفه، ولا يجوز الاعراض عن أصل القرعة، والتمييز بطريق آخر بأن يتفقوا على أنه إن طار غراب، ففلان حر، أو أن من وضع على صبي يده، فهو حر، أو أن يراجع شخص لا غرض له ونحو ذلك. قال الامام: فإن كنا نعتق عبدا، ونرق آخرين، ورأينا إثبات الرق والحرية، فقد قال الاصحاب: يثبت الرق في رقعتين، والحرية في رقعة على نسبة المطلوب في القلة والكثرة، فإن ما يكثر فهو أحرى بسبق اليد

(8/413)


إليه. وفي كلامهم ما يدل على استحقاق ذلك، ومنهم من عده احتياطا، وقال: يكفي رقعة للرق وأخرى للحرية، ثم إذا أخرجنا رقعة باسم أحدهم، فخرجت للحرية، انفصل الامر، وان خرجت للرق، احتجنا إلى إخراجها. قال الامام: إذا أثبتنا الرق والحرية، فقال المخرج: أخرج على اسم هذا، ونازعه الآخرون، وقالوا: أخرج على اسمائنا، أو أثبتنا الاسماء، وقال المخرج: أخرج على الحرية، وقالوا: أخرج على الرق، أو تنازع الورثة والعبد، فقال الورثة: أخرج على الرق، وقال العبد: على الحرية، فهذا لم يتعرض له الاصحاب، وفيه احتمالان، إن أثبت الرق والحرية، أحدهما أنه يقرع بين العبيد أولا حتى يتعين من يعرض على الرق والحرية، فإذا تعين واحد، أخرجت رقعة على اسمه، والثاني: أن تثبت الحرية على رقعة، والرق على رقعتين، ويعطي المخرج كل عبد رقعة، وقد سبق في القسمة أن تعيين من يبدأ به من الشركاء والاجراء منوط بنظر القسام، فيمكن أن يناط هنا بنظر متولي الاقراع من قاض أو وصي، فيبدأ بمن شاء، ولا يلتفت إلى مضايقاتهم. واعلم أن إعطاء كل عبد رقعة، ليس من شرط الاقراع، بل يكفي الاخراج بأسمائهم وأعيانهم. الفصل الثاني: في كيفية تجزئة العبيد، وهي تقع بحسب الحاجة، فإن أعتق عبدين لا مال له سواهما، أقرع بإثبا ت اسميهما في رقعتين، وإخراج أحدهما على الرق أو الحرية، أو بإثبات الرق والحرية في رقعتين، والاخراج على اسمهما، ثم إن استوت قيمتهما، فمن خرج له سهم الحرية، عتق ثلثاه، ورق باقيه مع الآخر، وإن اختلفت قيمتهما كمائة ومائتين، فإن خرجت الحرية لصاحب المائة، عتق، ورق الآخر، وان خرجت للآخر عتق نصفه، ورق باقيه مع الآخر. وإن أعتق عبيدا لا مال له سواهم، فإن كانوا ثلاثة، واستوت قيمتهم، فإن شاء كتب أسماءهم وقال للمخرج: أخرج رقعة على الحرية، فمن خرج اسمه، عتق، أو قال: أخرج في الرق حتى يتعين في الآخر الحرية، والاخراج على الحرية أولى، لانه أقرب إلى فصل الامر. وإن شاء كتب على الرقاع الرق في رقعتين، والحرية في رقعة، وقال: أخرج على اسم سالم، أو أشار إلى عينه وقال: على اسم هذا، فإن خرج سهم الحرية، عتق ورق الآخران، وإن خرج سهم الرق، رق، وأمرنا بإخراج رقعة

(8/414)


أخرى على اسم غانم، فإن خرج سهم الحرية، عتق، ورق الثالث، وإن خرج سهم الرق فبالعكس. وإن اختلفت قيمتهم كمائة ومائتين وثلاثمائة، فإما أن نكتب أسماءهم، فإن خرج اسم الاول، عتق وأخرج رقعة أخرى، فإن خرج اسم الثاني، عتق نصفه، وإن خرج اسم الثالث، عتق ثلثه، وإن خرج أولا اسم الثاني، عتق ورق الآخران، وإن خرج اسم الثالث، عتق ثلثاه، ورق باقيه والآخران، وإما أن نكتب الرق في رقعتين، والحرية في رقعة، ونخرج على أسمائهم وإن كانوا أكثر من ثلاثة، فإن أمكن تسوية الاجزاء عددا وقيمة، كستة أو تسعة أو اثني عشر، قيمتهم سواء جزأناهم ثلاثة أجزاء وصنعنا صنيعنا في الثلاثة المتساوين، وكذا الحكم في ستة، ثلاثة منهم قيمة كل واحد منهم مائة، وثلاثة قيمة كل واحد خمسون، فيضم إلى كل نفيس خسيسا، ونجعلهم ثلاثة أجزاء، وفي ستة اثنان منهم، قيمة كل واحد منهما ثلاثمائة، واثنان قيمة كل واحد مائتان، واثنان قيمة كل واحد مائة، فنجعل اللذين قيمتهما أربعمائة جزءا، ويضم إلى كل نفيس خسيسا، فيستوي الاجزاء عددا وقيمة. وإن لم يمكن التسوية بالعدد، وتيسرت بالقيمة، كخمسة قيمة أحدهم مائة، وقيمة اثنين مائة، وقيمة اثنين مائة، جزأناهم كذلك، وأقرعنا. وإن أمكن التسوية بالعدد دون القيمة، كستة، قيمة أحدهم مائة، وقيمة اثنين مائة، وقيمة ثلاثة مائة، فوجهان، الصحيح المنصوص: يجزؤون بالعدد، واثنين وثلاثة، ويقرع بينهم كما ذكرنا. والثاني: يجزؤون بالعدد، فيجعل اللذان قيمتهما مائة جزءا، والذي قيمته مائة مع واحد من الثلاثة الباقين جزءا، ويقرع بينهم فيعتق قدر الثلث على ما سبق. وإن لم يمكن التسوية بالعدد ولا بالقيمة، كثمانية، قيمتهم سواء، فقولان، أظهرهما: يجزؤون ثلاثة أجزاء، بحيث يقرب من التثليث، فيجعلون ثلاثة وثلاثة واثنين، ويقرع، فإن خرج سهم العتق على ثلاثة، رق غيرهم، وانحصر العتق فيهم، ثم يقرع بينهم بسهمي عتق وسهم رق، فلمن خرج له الرق، رق ثلثه، وعتق ثلثه مع الآخرين. وإن خرج سهم العتق أولا على الاثنين، عتقا، وتعاد القرعة بين الستة، ويجعل كل اثنين جزءا، فإذا خرج سهم العتق باسم اثنين، أعدنا القرعة بينهما، فمن خرج له سهم الحرية، عتق ثلثاه. هذا إذا كتبنا في الرقاع الرق والحرية، وإن كتبنا الاسماء، فإذا

(8/415)


خرج سهم اثنين وعتقا لم تعد القرعة بين الستة، بل يخرج قرعة أخرى، ثم يقرع بين الثلاثة المسمين فيها، فمن خرج له سهم العتق، عتق ثلثاه، ولا يجوز على هذا القول أن نجزئهم أربعة واثنين واثنين، لبعد هذه التجزئة على التثليث. والقول الثاني: لا يراعى التثليث، بل يراعي ما هو أقرب إلى فصل الامر، فيجوز أن تكتب أسماؤهم في ثمان رقاع، ويخرج واحدة بعد واحدة إلى أن يتم الثلث، ويجوز أن يجعلوا أرباعا، ثم إن شئنا أثبتنا اسم كل اثنين في رقعة، فإذا خرجت واحدة على الحرية، عتقا، ثم يخرج رقعة أخرى، ويقرع بين الاثنين اللذين اسمهما فيها، فمن خرجت له القرعة، عتق ثلثه، وإن شئنا أثبتنا الرق والحرية، فأثبتنا العتق في واحدة، والرق في ثلاث، فإذا خرجت رقعة العتق لاثنين، عتقا، ويعيد القرعة بين الستة، فإذا خرجت لاثنين، أقرعنا بينهما كما سبق، ولا يبعد على هذا أن يجوز إثبات العتق في رقعتين، والرق في رقعتين، ويعتق الاثنان اللذان خرجت لهما رقعة العتق أولا، ويقرع بين اللذين خرج لهما رقعتي العتق الثانية، وإن كان العبيد سبعة، فعلى القول الاول يجزئهم ثلاثة واثنين واثنين، وعلى الثاني نجزئ كيف شئنا إلى أن يتم الثلث. وإن كانوا أربعة قيمتهم سواء فعلى الاول نجزئهم اثنين وواحدا، وواحدا فإن خرج سهم العتق لاحد الفردين، عتق، ثم يعيد القرعة بين الثلاثة، فمن خرج له سهم العتق، عتق ثلثه، وإن خرج للاثنين، أقرعنا بينهما، فمن خرج له سهم العتق، عتق كله، وثلث الآخر. وهذا على تقدير إثبات الرق والحرية في الرقاع، وعلى القول الثاني: يثبت اسم كل واحد في رقعة، ويخرج باسم الحرية، فمن خرج اسمه أولا، عتق، ومن خرج اسمه ثانيا، عتق ثلثه، وإن كانوا خمسة قيمتهم سواء، فعلى الاول يجزئهم اثنين واثنين وواحدا، وعلى الثاني لنا إثبات أسمائهم في خمس رقاع، ثم القول في الايجاب أم في الاستحباب والاحتياط ؟ فيه وجهان، وبالاول قال القاضي حسين، واختاره الامام، وبالثاني قال الصيدلاني، وهو مقتضى كلام الاكثرين. ولو أعتق عبدا من عبيد على الابهام، فقد يحتاج إلى تجزئتهم أربعة أجزاء وخمسة وأكثر، فيجزؤون بحسب الحاجة، وكذا لو كان على المعتق دين كما سنذكره قريبا إن شاء الله تعالى.

(8/416)


مسائل: الاولى: إذا أعتق في مرض موته عبيدا لا مال له غيرهم ومات وعليه دين، نظر، إن استغرقهم الدين، فهو مقدم، فيباعون فيه، وإن لم يستغرقهم، أقرع بين الدين والتركة ليصرف العتق عما يتعين للدين، فإن كان الدين قدر نصفهم، جعلنا حرين، وأقرعنا بينهما بسهم دين وسهم تركة، ثم إن شئنا كتبنا أسماء كل حر في رقعة، وأخرجنا رقعة الدين أو التركة. وإن شئنا كتبنا الدين في رقعة والتركة في رقعة، وأخرجنا إحداهما على أحد الحرين، وإن كان قدر الدين ثلثهم، جزأناهم ثلاثة أجزاء، وأقرعنا بينهم بسهم دين، وسهمي تركة، وإن كان قدر الرابع، جزأناهم أربعة أجزاء، وأقرعنا بسهم دين، وثلاثة أسهم تركة وهل يجوز أن يقرع للدين والعتق والتركة، بأن يقرع والحالة هذه بسهم دين وسهم عتق وسهمي تركة، أو يجزئهم إذا كان الدين قدر نصفهم ستة أجزاء، ويقرع بثلاثة أسهم للدين وسهم للعتق وسهمين للتركة ؟ فيه وجهان، الاصح المنصوص: لا، لانه لا يمكن تنفيذ العتق قبل قضاء الدين، ولو تلف المعين للدين قبل قضائه، انعكس الدين على الباقي من التركة، وكما لا يقسم شئ على الورثة قبل قضاء الدين، لا يعتق قبله. والثاني: يجوز، لان العمل فيه أخف فلا ينقص به حق ذي حق، وعلى هذا نقل الغزالي أنا نتوقف في تنفيذ العتق إلى أن يقضى الدين. وفي التهذيب ما يقتضي الحكم بالعتق في الحال. وإذا قلنا بالمنوص، فتعين بعضهم للدين يباع ويقضى منه الدين، ثم يقرع للعتق وحق الورثة. ولو قال الوارث: أقضي الدين من موضع آخر، وأنفذ العتق في الجميع، فهل ينفذ العتق ؟ وجهان، أحدهما: نعم، لان المنع من النفوذ الدين، فإذا سقط بالقضاء، نفذ، كما لو أسقط الورثة حقهم من ثلثي التركة وأجازوا عتق الجميع. والثاني: لا، لان تعلق الدين منع النفوذ لا ينقلب نافذا بسقوطه، كما لو أعتق الراهن وقلنا: لا ينفذ فقال: أنا أقضي الدين من موضع آخر لينفذ، فإنه لا ينفذ إلا أن يبتدئ إعتاقا، وبني الوجهان على أن تصرف الورثة في التركة قبل قضاء الدين هل ينفذ ؟ قلت: ينبغي أن يكون الاصح نفوذ العتق. والله أعلم.

(8/417)


فرع لو أعتق من لا دين عليه عبيدا لا مال له غيرهم، ومات، وأعتقنا بعضهم بالقرعة، وأرققنا بعضهم، فظهر للميت مال مدفون، فإن كان بحيث يخرج جميعهم من الثلث، بأن كان المال مثلي قيمتهم، حكم بعتقهم جميعا، فندفع إليهم أكسابهم من يوم إعتقاقهم، ولا يرجع الوارث بما أنفق عليه، كمن نكح امرأة نكاحا فاسدا على ظن أنه صحيح، ثم فرق القاضي بينهما، لا يرجع بما أنفق. وإن خرج من الثلث بعض من أرققناهم، أعتقناهم بالقرعة، مثل أن أعتقنا واحدا من ثلاثة، ثم ظهر مال يخرج به آخر، يقرع بين اللذين أرققناهما، فمن خرج له سهم الحرية، عتق. ولو أعتقنا بعض العبيد، ولم يكن عليه دين ظاهر، ثم ظهر دين، فإن كان مستغرقا للتركة، فالعتق باطل، فإن قال الورثة: نحن نقضي الدين من موضع آخر، فعلى الوجهين السابقين. واستبعد الشيخ بناءهما على الخلاف في تصرف الورثة في التركة قبل الدين، وقال هناك الوارث ينشئ إعتاقا من عنده، ولا يمضي ما فعل الميت، وإنما الخلاف مبني على أن إجازة الوراث لما زاد على الثلث تنفيذ أم ابتداء عطية من الوراث ؟ فإن قلنا: تنفيذ، فله تنفيذ إعتاقه بقضاء الدين من موضع آخر، وإلا فينبغي أن يقضي الدين، ثم يبتدئ إعتاقا، وإن كان الدين الذي ظهر غير مستغرق، فهل يبطل القرعة من أصلها ؟ وجهان، ويقال: قولان. أحدهما: نعم، كما لو اقتسم شريكان، ثم ظهر ثالث، فعلى هذا يقرع الآن للدين والتركة ولا يبالى بوقوع سهم الدين على من وقعت له قرعة العتق أولا. وأظهرهما: لا، ولكن إن تبرع الوارث بأداء الدين، نفذ العتق، وإلا فيرد العتق بقدر الدين، فإن كان الدين نصف التركة، رددناه في نصف من أعتقنا، وإن كان ثلثها، رددنا ثلثهم، فإن كانت العبيد ستة، قيمتهم سواء، وأعتقنا اثنين بالقرعة، فظهر دين بقدر قيمة اثنين بعنا من الاربعة اثنين للدين كيف اتفق، ويقرع بين المعتقين القرعة أولا بسهم رق، وسهم عتق، فمن خرج له سهم الرق، رق ثلثاه، وعتق ثلثه مع الآخر. وإن ظهر الدين بقدر قيمة ثلاثة، أقرع بين اللذين كان خرج لهما الحرية، فمن خرج له الحرية عتق، ورق الآخر. المسألة الثانية: إذا قال لعبيده: أحدكم حر، أو اثنان حران، أو أعتقت أحدكم، فله حالان، أحدهما: أن ينوي معينا فيؤمر ببيانه، ويحبس عليه. فإن

(8/418)


قال: أردت هذا، عتق، ولغيره أن يدعي عليه أنك أردتني، ويحلفه، وإن نكل السيد، حلف هو وعتق. ولو عين واحدا، وقال: أردت هذا، بل هذا، أعتقا جميعا، مؤاخذة له. ولو قتل واحدا منهم، لم يكن ذلك بيانا، بل يبقى الامر بالبيان. فلو قال: أردت المقتول، لزمه القصاص. ولو جرى ذلك في إماء، أو أمتين، ثم وطئ واحدة، لم يكن الوطئ بيانا، بل لو بين العتق فيها، تعلق به الحد والمهر لجهلها بأنها معتقة. ولو مات قبل البيان، قام وارثه مقامه على المذهب، لانه خليفته، وربما علمه. وقيل: قولان، فإن أقمناه، فبين أحدهم، عتق، ولغيره تحليفه على نفي العلم، فإن لم يكن وارث، أو قال الوارث: لا أعلم، فالصحيح أو المشهور أنه يقرع بينهم. وفي وجه أو قول: لا يقرع، بل يوقف. ولو قال المعتق: نسيت من أعتقته، أمر بالتذكر. قال الاصحاب: يحبس عليه، قال الامام: وفيه احتمال. وإن مات قبل التذكر، ففي بيان الوارث والقرعة الخلاف، وهكذا الحكم لو سمى واحدا وأعتقه ثم قال نسيته. الحال الثاني: أن لا ينوي معينا، فيؤمر بالتعيين، ويوقف عنهم، إلى أن يعين، ويلزمه الانفاق عليهم، فإذا عين أحدهم، عتق، وليس لغيره أن ينازع فيه إن وافق على أنه لم ينو معينا. وإذا قال: نويت هذا، عتق الاول، ولغا قوله للثاني، لان العتق حصل في الاول، بخلاف قوله: نويت هذا، بل هذا، لانه إخبار. ثم العتق في المبهم هل يحصل عند التعيين، أم يتبين حصوله من وقت اللفظ المبهم ؟ وجهان سبق نظيرهما في الطلاق، وخرج على الخلاف أنه لو مات أحدهم فعينه، فهل يصح ؟ إن قلنا: يحصل العتق عند التعيين، فلا، لان الميت لا يقبل العتق، فعلى هذا لو كان الابهام بين عبدين، فإذا بطل التعيين في الميت، تعين الثاني للعتق، ولا حاجة إلى لفظ. وإن قلنا الابهام، صح تعيينه. ولو جرى ذلك في أمتين أو إماء، فهل يكون الوطئ تعيينا لغير الموطوءة ؟ وجهان كما في الطلاق. قال ابن الصباغ: وكونه تعيينا هو قول أكثر الاصحاب. وإذا لم نجعله تعيينا، فعين العتق في الموطوءة، فلا حد. وبنى البغوي حكم المهر على أن العتق يحصل عند التعيين، أم باللفظ المبهم ؟ إن قلنا بالاول، لم يجب، وإلا، وجب. والوطئ فيما

(8/419)


دون الفرج، والقبلة واللمسة بشهوة مرتب على الوطئ إن لم يكن تعيينا، فهذا أولى، وإلا فوجهان. والاستخدام مرتب على اللمس، والمذهب أنه ليس بتعيين، قال الامام: هذا يوجب طرد الخلاف في أن الاستخدام في زمن الخيار، هل يكون فسخا أو إجازة ؟ والعرض على البيع كالاستخدام. ولو باع بعضهم، أو وهبه وأقبضه أو أجره، قال البغوي: فيه الوجهان كالوطئ والاعتاق ليس بتعيين. ثم إن عين فيمن أعتقه، قبل، وإن عين في غيره، عتقا. وقتل السيد أحدهم ليس تعيينا، ثم إن عين في غير المقتول، لم يلزمه إلا الكفارة، وإن عين في المقتول، لم يجب القصاص، للشبهة. وأما المال، فإن قلنا: العتق يحصل عند التعيين، لم يجب، وإن قلنا: عند الابهام، لزمه الدية لورثته. وإن قتل أجنبي أحدهم، فلا قصاص إن كان القاتل حرا، ثم إن عين في غير المقتول، لزمه القيمة، وإن عين فيه وقلنا: العتق يحصل عند التعيين، فكذلك، كما لو نذر إعتاق عبد بعينه، فقتل. وإن قلنا: عند الابهام، لزمه الدية لورثة المقتول. ولو مات قبل التعيين، فهل للورثة التعيين ؟ قولان، ويقال: وجهان، أظهرها: نعم. المسألة الثالثة: قال لامته: أول ولد تلدينه حر، فولدت ميتا، ثم حيا، لم يعتق الحي، لان الصفة انحلت بولادة الميت، كما لو قال: أول عبد رأيته من عبيدي حر، فرأى أحدهم ميتا، انحلت اليمين، فإذا رأى بعده حيا لا يعتق، ووافق أبو حنيفة في هذا، وخالف الاول. قلت: إن كانت حاملا حال التعليق، صح قطعا، وكذا إن كانت حائلا في الاظهر والاصح، كما لو وصى بما ستحمل والثاني: لا، لانه تعليق قبل الملك. والله أعلم. الرابعة: قال لعبده: أنت ابني، ومثله يجوز أن يكون ابنا له، ثبت نسبه، وعتق إن كان صغيرا، أو بالغا وصدقه، وإن كذبه، عتق أيضا وإن لم يثبت النسب. وإن لم يمكن كونه ابنه، بأن كان أصغر منه على حد لا يتصور كونه ابنه، لغا قوله، ولم يعتق، لانه ذكر محالا. هذا في مجهول النسب، فإن كان معروف النسب من غيره، لم يلحقه، لكن يعتق على الاصح، لتضمنه الاقرار بحريته. ولو قال

(8/420)


لزوجته: أنت بنتي قال الامام: الحكم في حصول الفراق وثبوت النسب كما في العتق. الخامسة: قال لعبديه: أعتقت أحدكما على ألف، أو أحدكما حر على ألف، لم يعتق واحد منهما ما لم يقبلا، فإن قبل كل واحد الالف، عتق أحدهما، ولزم السيد البيان، فإن مات قبله، ولم يقم الوار ث مقامه، أو لم يكن وارث، أقرع، فمن خرجت قرعته، قرعته، عتق بعوض. وفي ذلك العوض وجهان، أصحهما وبه قال ابن الحداد: قيمته. والثاني: المسمى، قاله أبو زيد، لان المقصود العتق، لا المعاوضة، فيحتمل إبهام العوض تبعا للعتق. ولو قال لامتيه: إحداكما حرة على ألف، فقبلتا، ثم وطئ إحداهما، فهل هو اختيار لملك الموطوءة ويتعين الاخرى للعتق، وجهان حكاهما الشيخ أبو علي. السادسة: جارية مشتركة، زوجها الشريكان بابن أحدهما فأتت منه بولد، يعتق نصفه على الجد، ولا يسري إلى النصف الآخر إذا لم يعتق عليه باختياره. السابعة: سبق في النكاح إن من نكح أمة غر بحريتها، فأولدها، انعقد الولد حرا، ويلزم المغرور قيمته لمالك الامة. هذا هو الصحيح، وحكى الشيخ أبو علي وجها أنه ينعقد رقيقا، ثم يعتق على المغرور، وله ولاؤه. وأنا إذا قلنا: ينعقد حرا فلا قيمة على المغرور، وهو غريب ضعيف. قال الشيخ وفي القلب من وجوب القيمة على المغرور شئ لانه لم يتلف شيئا على مالك، وإنما منع دخول شئ في ملكه، لكن ليس فيه خلاف يعتد به، وأجمعت الصحابة رضي الله عنهم على وجوب الضمان، فلا بد من متابعتهم. وإذا عرفت هذا، فلو نكح جارية ابنه مغرورا بحريتها، فأولدها، فهيلزمه قيمة الولد ؟ وجهان، أحدهما: لا، لانه إن انعقد حرا، فينبغي أن لا يلزمه شئ، وإن انعقد رقيقا، عتق على الجد بالقرابة،

(8/421)


ولانه لم يفوت بظن الحرية على الاب رقا ينتفع به، لانه كان يعتق عليه، وأصحهما: نعم، وبه قال ابن الحداد. وإن وطئها عالما بالحال. ملكه الجد، وعتق عليه، قال الامام: ولا يبعد أن يقال: ينعقد حرا. فروع في مسائل منثورة. شهد أنه قال: أحد هذين العبدين حر، أو أنه أوصى بإعتاق أحدهما، أو أنه قال: إحدى هاتين المرأتين طالق، يقبل، ويحكم بمقتضى شهادتهما، ولو ولدت المزني بها ولدا، وملكه الزاني لم يعتق عليه، وقال أبو حنيفة: يعتق. ولو قال لعبده: أنت حر كيف شئت، قال أبو حنيفة يعتق في الحال، وقال صاحباه: لا يعتق حتى يشاء، وقال ابن الصباغ: وهو الاشبه. ولو أوصى بإعتاق عبد يخرج من الثلث، لزم الوارث إعتاقه، فإن امتنع، أعتقه السلطان. ولو كان له عبد مقيد، فحلف بعتقه أن في قيده عشرة أرطال، وحلف بعتقه لا يحله هو ولا غيره، فشهد عند القاضي شاهدا أن قيده خمسة أرطال، وحكم القاضي بعتقه، ثم حل القيد فوجد فيه عشرة أرطال، قال ابن الصباغ: لا شئ على الشاهدين، لان العتق حصل بحل القيد دون الشهادة، لتحقق كذبهما. قال ابن الحداد: ولو شهد شاهدان أنه أعتق في مرضه هذا العبد، أو أوصى بعتقه، وحكم القاضى بشهادتهما، وشهد آخران أنه أعتق عبدا آخر، وكل واحد منهما ثلث ماله، ثم رجع الاولان، لم يرد القضاء بعد نفوذه، بل يقرع بينهما، فإن خرجت القرعة للاول، عتق، وعلى الشاهدين الغرم للرجوع، ويرق الثاني، وحينئذ يحصل للورثة التركة كلها، وإن خرجت للثاني، عتق، ورق الاول، ولا شئ على الراجعين، لان من شهدا به لم يعتق، واعترض ابن الصباغ، فقال: ينبغي أن يعتق الثاني بكل حال، ويقرع بينهما لمعرفة حال الاول، فإن خرجت القرعة له، أعتق أيضا، وغرم الراجعان. فرع قال ابن الحداد: لو زوج أمته بعبد غيره، وقبض مهرها، وأتلفه، ومات ولامال غيرها، ولم يدخل الزوج بها، فأعتقها الوارث، نفذ إعتاقه. قال

(8/422)


الشيخ أبو علي: تقدم على هذا فصلين أحدهما: إذا أعتق الوارث عبد التركة، وعلى الميت دين، نظر، إن كان الوارث معسرا، لم ينفذ العتق، هكذا قطع به الشيخ. وعن الشيخ أبي محمد أنه على الخلاف في إعتاق الراهن، وضعفه الامام. وإن كان موسرا، فوجهان، أحدهما وبه قال ابن الحداد: ينفذ، وينتقل الدين إلى مال الوارث، كما لو أعتق السيد الجاني، هذا لفظ الشيخ، ونقل الامام عنه أنا إذا أنفذنا العتق، نقلنا الدين إلى ذمة الوارث إذا لم يخلف سوى العبد، قال: وكنت أرى الامر كذلك، فالدين لا يتحول إلى ذمة الوارث قط، لكنه بالاعتاق متلف للعبد، فعليه أقل الامرين من الدين، وقيمة العبد. والثاني: أنه موقوف، فإذأدى الوارث الدين من ماله، تبين نفوذ العتق، وإلا بيع العبد في الدين، وبان أن العتق لم ينفذ. ولو باع الوارث التركة بغير إذن الغرماء لم ينفذ بيعه إن كان معسرا، وإن كان موسرا، ففيه أوجه، أحدها: لا ينفذ كالمرهون، والثاني: ينفذ، والثالث: موقوف، كالعتق. قال الامام ويجئ مما حكاه الشيخ أبو محمد قول أنه يصح بيع الوارث التركة إن كان معسرا كالجاني. قال: وذكر أبو علي تفريعا على صحة البيع أن الثمن يصرف إلى الغرماء، وأن المشتري لو دفع الثمن إلى الوارث فتلف في يده، كان للغرماء تغريم المشتري. قال الامام: والوجه عندي القطع بأنهم لا يطالبون المشتري. وأنا إذا صححنا البيع، كان كالاعتاق. قال الامام: ولزوم البيع بعيد، فإن بيع الجاني وإن صححناه، لا يلزم، مع أن تعلق الارش به أضعف، فبيع الوارث أولى بأن لا يلزم. واعلم أن جميع هذا تفريع على أن الدين لا يمنع الارث، فإن قلنا: يمنعه، فالتركة باقية على ملك الميت، فلا يصح التصرف للوارث بحال. والحاصل أن المذهب نفوذ العتق من الوارث الموسر، ومنع البيع. الفصل الثاني: ذكرنا في النكاح أن الامة إذا عتقت تحت عبد، فلها الخيار،

(8/423)


فإن فسخت قبل الدخول، سقط كل المهر، وعلى السيد رده إن كان قبضه إذا تقرر الفصلان، فينفذ العتق في الحال في فرع ابن الحداد. ثم إن كان الوارث معسرا، فلا خيار لها، لانها لو فسخت، لوجب رد مهرها، وصار ذلك دينا على الميت، وذلك يمنع نفوذ العتق من الوارث المعسر، وإذا لم يعتق، فلا خيار، ففي إثبات الخيار بقية والمسألة دورية، وقد سبق طرف منها في النكاح. وإن كان موسرا، فإن قلنا: ينفذ عتقه، فلها الفسخ، وإذا فسخت صار مهرها دينا، فيطالبه به المعتق إن كانت قيمتها المهر لتفويته التركة، وإن كان مهرها أكثر، لم يطالب إلا بقيمتها، لانه لم يفوت إلا ذلك. وإن قلنا: يتوقف نفوذ العتق على أداء الدين، فلا عتق ولا خيار، حتى يرد الصداق إلى سيد العبد، هكذا ذكره الشيخ أبو علي، وفيه إشكال، لانه لا يثبت لسيد العبد دين ما لم يفسخ، فكيف يقضي الدين قبل ثبوته. فرع مات عن ابن حائز للتركة وهي ثلاثة أعبد قيمتهم سواء، فقال الابن: أعتق أبي في مرضه هذا، وأشار إلى أحدهم، ثم قال: بل هذا وهذا، يعني الاول وآخر معا، ثم قال: بل أعتق الثلاثة معا، قال ابن الحداد: الاول حر بكل حال، ويقرع بينه وبين الثاني، لاقراره الثاني، ويقرع بين الثلاثة مرة ثانية، فإذا أقرعنا في المرتين، فإن خرج سهم العتق للاول فيهما لم يعتق غيره، وإن خرج للثاني فيهما، وللاول في الاولى، وللثاني في الثانية أو بالعكس، عتقا، دون الثالث، وإن خرج للاول في الاولى، وللثالث في الثانية عتقا دون الثاني، وإن خرج للثاني في الاولى، وللثالث في الثانية، عتقوا كلهم. قال الشيخ أبو علي: ولو كانت قيمتهم مختلفة بأن كانت قيمة الاول مائة، والثاني المضوم إليه مائتين، والثالث ثلاثمائة، فالاول حر بكل حال، لاقراره الاول، وهو دون الثلاثة، فإذا أقرعنا بينة وبين الثاني، وخرج سهم العتق للاول، عتق من الثاني أيضا نصفه، وإن

(8/424)


خرج السهم للثاني، عتق كله. وإذا أقرعنا بين الثلاثة لاقراره الثالث فإن خرج سهم العتق الثالث، عتق ثلثاه، وذلك ثلث ماله، وإن خرج للثاني، لم يعتق الثالث، سواء خرجت القرعة الاولى على الثاني، أو لم تخرج، لانه ثلث ماله، وإن خرجت للاول، فهو خرجت القرعة الاولى على الثاني، أو لم تخرج، لانه ثلث ماله، وإن خرجت للاول، فهو نصف الثلث، فتعاد القرعة لاكمال الثلث بين الثاني والثالث، فإن خرجت على الثاني، رق الثالث، ولا يعتق من الثاني إلا ما عتق بالقرعة الاولى، وهو كله أو نصفه، وإن خرجت على الثالث، عتق ثلثه. ولو كانت قيمة الاول ثلاثمائة، والثاني مائتين، والثالث مائة، عتق من الاول ثلثاه، ثم يقرع بينه وبين الثاني، فإن خرج سهم العتق للاول، ثم يرد شئ، وإن خرج للثاني، عتق كله، ثم يقرع بين الثلاثة، فإن خرج للاول أو الثاني، لم يرد شئ على ما عتق، وإن خرج للثالث، عتق كله. فرع مات عن ثلاثة بنين، وله ثلاثة أعبد، قيمتهم سواء، فأقر أحد البنين أن أباه أعتق في مرضه هذا العبد، وأقر آخر أنه أعتقه مع هذا الآخر، وأقر الثالث أنه أعتق الثلاثة معا، عتق الاول، لان أحد البنين أقر بعتقه، فنفذ في حصته وهي ثلثه، ثم يقرع بينه وبين المضموم إليلاقرار الثاني، فإن خرج سهم العتق للاول، عتق ثلث آخر، وهو حصة المقر، وإن خرج للثاني، عتق ثلثه لهذا المعنى، ثم يقرع بين الثلاثة فمن خرج له سهم العتق، عتق كله. وإذا حكمنا بعتق بعض عبد، فلا سراية، لانهم لم يباشروا الاعتاق، ولا أقروا به على أنفسهم. ومن أعتقنا بعضه بإقرار أحد البنين إذا وقع القسمة في نصيب ذلك المقر، أو صار له بوجه آخر، حكم عليه بعتقه، لاقراره بأنه حر كله. فرع شهد اثنان على ميت أنه أوصى بعتق عبده سالم وهو ثلث ماله، وقال الوارث: أوصي بعتق غانم وهو ثلثه، فإن لم يكذب الوارث الشاهدين، واقتصر على أنه أوصى بعتق غانم وهو ثلثه، فإنه لم يكذب الوارث الشاهدين، واقتصر على أنه أوصى بعتق هذا، عتق الاول بموجب البينة، وأقرع بينة وبين الثاني، لاقرار الوارث، فإن خرجت القرعة للاول، لم يعتق الثاني، وإن خرجت

(8/425)


للثاني، عتق، ولم يرق الاول، لانه مستحق العتق بالبينة، فلا يتمكن الوارث من إبطاله بالاقرار، وقد تعمل القرعة في أحد الطرفين دون الاخر كما سبق. وإن أقر الوارث أنه أعتق الثاني، وكذب الشهود في الاول، عتقا جميعا، الاول بالشهادة، والثاني بالاقرار. ولو شهد أجنبيان بأنه أوصى بإعتاق عبد هو ثلث ماله، وشهد وارثان بأنه أوصى بإعتاق آخر، فإن كذب الوارثان الاجنبيين، عتقا عتقا، وإلا أقرع كما سبق. ثلاثة إخوة في أيديهم أمة وولدها، وهو مجهول النسب، قال أحدهم: هي أم ولدي، وهو ولدمنها، وقال الثاني: هي أم ولد أبينا، والولد أخونا، وقال الثالث: هي أمتي، وولدها عبدي، فالكلام في أحكام الاول نسب الولد، فلا يثبت من أبيهم. وأما ثبوته من الذي استلحقه، فإن قلنا: إن من استلحق عبدا مجهول النسب، لحقه، ثبت نسبه منه، وإلا فلا، على الاصح. الثاني القائل: هي أم ولد أبينا، لا يدعي لنفسه شيئا على الآخرين، فلا يحلفهما، لكن إن ادعت الامة ذلك، وأنها عتقت لموت الاب، حلفهما أنهما لا يعلمان الاب أولدها، وأما الآخران، فكل واحد منهما يدعي ما في يد صاحبه، هذا يقول: هي مستولدتي، وذلك يقول: ملكي، فيحلف كل واحد الآخر على نفي ما يدعبه في الثلث الذي في يده. الثالث القائل: هي أم ولد أبينا، لا غرم له، لانه لا يدعي لنفسه شيئا ولا عليه، والذي يدعي إستيلاد يلزمه الغرم للذي يدعي الملك لاعترافه بأنه فوت عليه نصيبه من الامة، والولد هكذا عللوه ومقتضاه أن يكون الصورة فيما إذا سلم أنه كان لمدعي الرق منها نصيب بالارث أو غير وإلا فلا يلزم من قوله: مستولدتي كونها مشتركة من قبل. وكم يغرم ؟ وجهان بناء على أن الجارية في يد من هي وفيه وجهان: أحدهما: لا يد عليها للقائل: مستولدة أبينا، لانها حرة بزعمه، فتكون في يد الآخرين. وأصحهما في يد الثلاثة حكما، فعلى الاول يلزمه لمدعي الرق نصف قيمتها وقيمة الولد، وعلى الاصح ثلث قيمتها، وبه أجاب ابن الحداد. الرابع: الولد حر بقول من يقول: مستولدة الاب، ومن يقول:

(8/426)


مستولدتي، قال الشيخ أبو علي: ويعتق عليه نصيب مدعي الرق ونصيبه من الجارية، هكذا ينبغي أن يكون. فرع قال لعبديه: أحدكما حر، ثم غاب أحدهما، فقال للذي لم يغب وعبد ثالث: أحدكما حر، ثم مات قبل البيان، قال الاستاذ أبو إسحق: يقرع بين الاولين، فإن خرج سهم العتق للذي غاب، عتق، وتعاد القرعة بين الآخرين، فمن خرجت له، عتق أيضا. وإن خرجت أولا للذي لم يغب، عتق، ولا تعاد، لان تعيين القرعة كتعيين المالك، ولو عين الذي لم يغب للعتق، ثم قال له وللآخر: أحدكما حر، كان صادقا، ولم يقتض ذلك عتق الآخر. وقال الماسرجسي: إن خرجت القرعة للذي لم يغب، تعاد، لانه يحتمل أنه أراد بقوله: الثاني الذي حضر أخرا، فإن خرجت القرعة الثانية للذي لم يغب أيضا، لم يعتق، وإن خرجت للآخر، عتق أيضا، مال الامام إلى هذا، ورجح الشيخ أبو علي بالاول. فرع له أربع إماء، فقال: كلما وطئت واحدة منكن، فواحدة منكن حرة، ثم وطئ إحداهن، عتقت إحداهن. وهل تدخل الموطوءة في العتق المبهم ؟ يبنى على الوجهين السابقين في أن الوطئ هل يكون تعيينا للملك في الموطوءة والعتق في غيرها ؟ إن قلنا: نعم وعليه فرع ابن الحداد، فأول الوطئ لا يتضمن التعيين، لان العتق معلق به، وما لم يوجد، لا يثبت استحقاق العتق. فلو نزع بمجرد تغييب الحشفة، دخلت الموطوءة في العتق المبهم، وإن استدام، فهل تتضمن الاستدامة التعيين وإخراج الموطوءة عن استحقاق العتق ؟ وجهان، أحدهما هو قول أبي زيد: نعم، فيقرع بين الثلاث البواقي، وأصحهما وبه قال ابن الحداد: لا، لانه وطئ واحد، ولهذا لا يستحق بالاستدامة عتق آخر فيقرع بين الاربعة، وهذا كمن قال لامته: إن وطئتك فأنت حرة، فوطئ ونزع في الحال، لا يلزمه مهر، وإن استدام، فوجهان كنظيره في الحلف بالطلاق. وإن وطئ ثلاثا منهن، واستدام، عتق بكل وطئ أمة، فإن جعلنا الوطئ تعيينا، والاستدامة متضمنة للتعيين، عتقت الاولى والثانية والرابعة بلا قرعة، ورقت الثالثة، لانه لما وطئ

(8/427)


الاولى فبتغييب الحشفة ثبت عتق واحدة، فإذا استدام، خرجت هي عن الاستحقاق، لتعينها للملك، والثانية والثالثة تعينتا للملك بوطئهما فتعينت الرابعة للعتق، الثانية ثبت حق العتق لها، لان الرابعة علقت بالوطئ الاول، فإذا استدام خرجت هي عن الاستحقاق وخرجت الثالثة أيضا بوطئها، فتعينت الاولى للعتق فإذا وطئ الثالثة، لم تبق إلا هي والثانية، واستدامة الوطئ فيها إمساك، فيعين العتق في الثانية، وإن جعلنا الوطئ تعيينا، ولم نجعل الاستدامة تعيينا، أقرع بين الاولى والرابعة، لانه أمسك الثانية والثالثة بوطئهما للملك، فإن خرجت القرعة للرابعة، عتقت، بوطئ الثانية يستحق عتق آخر، لكن لا حظ فيه للرابعة، لانها عتقت بالوطئ الاول، ولا للثالثة، لانه أمسكها بالوطئ، فهو إذا متردد بين الاولى والثانية، فيقرع بينهما، فمن خرجت لها القرعة، عتقت، وبوطئ الثالثة يستحق عتق آخر، ولا حظ فيه للرابعة، ولا لمن عتق من الاولى والثانية، فإن عتقت الاولى، أقرعنا بين الثانية والثالثة، وإن عتقت الثانية، أقرعنا بين الاولى والثالثة، وإن خرجت القرعة الاولى للاولى دون الرابعة، عتقت، وبوطئ الثانية يتردد العتق بينها وبين الرابعة، لان الاولى عتقت، والثالثة تعينت بالوطئ للامساك، فمن خرجت لها القرعة، عتقت، وبوطئ الثالثة يستحق عتق آخر لا حظ فيه للاولى، ولا لمن عتقت والثانية والرابعة، فإن عتقت الثانية، أقرعنا بين الثالثة والرابعة، وإن عتقت الرابعة، أقرعنا بين الثانية والثالثة، وإذا قلنا: الوطئ ليس بتعيين، أقرع ثلاث مرات، لاستحقاق العتق لثلاث منهن، يقرع بوطئ الاولى بين الاربع بسهم عتق وثلاثة أسهم رق، فإن خرجت الرابعة، عتقت، ولا مهر لها، لانه لم يطأها، وإن خرجت الاولى، عتقت، وهل تستحق المهر ؟ يبنى على أن استدامة الوطئ هل يوجب مهرا ؟ وإن خرجت للثانية أو الثالثة، عتقت، ولها المهر، لانا تبينا أنه وطئها بعد حصول عتقها، ثم يقرع لوطئ الثانية بي الثلاث البواقي بسهم عتق، وسهمي رق، فإن خرجت للرابعة، فلا شئ لها، وإن خرجت للثانية، ففي استحقاقها المهر الوجهان. وإن خرجت الثالثة، استحقت، وإن خرجت القرعة الحرية في

(8/428)


المرة الاولى للثانية، أقرعنا لوطئ الثانية بين الاولى والثالثة والرابعة، فإن خرج سهم العتق للاولى، فلا مهر لها بلا خلاف، لان عتقها متأخر عن وطئها، وإن خرج للرابعة، فكذلك، لانه لم يطأها. وإن خرج للثالثة، فلها المهر، لانا تبينا أنها عتقت قبل وطئها، ثم يقرع لوطئ الثالثة بين الباقيين بسهم عتق، وسهم رق، فإن بقيت الثالثة والرابعة، فلا مهر، وإن خرجت للثالثة، فهل لها المهر ؟ فيه الوجهان، وإن بقيت الاولى والثانية، فلا مهر لمن خرجت لها القرعة منهما، لتقدم وطئها على عتقها، وفيه وجه أنه يقرع بين الاربع دفعة واحدة بثلاثة أسهم عتق، وسهم رق، فتعتق ثلاث، وترق واحدة، وهذا صحيح لمعرفة الرق والعتق، ولكن لا يصرف به المهر، وموضع الخلاف فيه والوفاق. ولو وطئ الاربع، عتقن كلهن، ونحتاج للمهر إلى الاقراع ثلاث مرات بين الاربع مرة بسهم عتق، وثلاثة أسهم رق، ثم مرة بين ثلاث منهن بسهم عتق، وسهمي رق، ثم مرة بين الباقيتين بسهم عتق، وسهم رق، واستيعاب الاحتمالات يطول. وضابطه أن ينظر في كل قرعة، فمن بان أنها عتقت قبل وطئها، فلها المهر، وفيمن عتقت بوطئها الوجهان. أما إذا قال: كلما وطئت واحدة منكن، فواحدة من صواحبها حرة ووطئهن، فإن قلنا: الوطئ يعين الملك في الموطوءة، عتقت الرابعة بوطئ الاولى، والاولى بوطئ الثانية، والثانية بوطئ الثالثة، ورقت الثالثة. وإن قلنا: لا يعين، عتق ثلاث، ورقت واحدة، فيقرع لوطئ الاولى بين الثلاث البواقي، فإن خرجت القرعة للثانية، عتقت، ثم يقرع لوطئ الثانية بين الاولى والثالثة والرابعة، فإن خرجت للاولى أو للرابعة، عتقت. وإذا وطئ الثالثة، عتقت الباقية هي الاولى والثالثة والرابعة، فإن خرجت للاولى أو للرابعة، عتقت. وإذا وطئ الثالثة، عتقت الباقية والثالثة والرابعة، فإن خرجت للاولى أو للرابعة، عتقت. فإذا وطئ الثالثة، عتقت الباقية منهن وهي الاولى أو الرابعة، وإن خرجت القرعة الثانية للثالثة، عتقت، فإذا وطئ الثالثة، أقرع بين الاولى والرابعة. وأما المهر، فلا يجب لمن عتقت بعد الوطئ، ويجب لمن بان عتقها قبله. وفي هذه الصورة لا يعتق الموطوءة بوطئها بحال. واعلم أن الاقراع في جميع هذه الصورة فيما إذا مات قبل البيان، فأما في حياته، فيؤمر بالبيان.

(8/429)


فرع له أربع إماء وعبيد، فقال: كلما وطئت واحدة منكن، فعبد من عبيدي حر، وكلما وطئت اثنتين، فعبدان حران، وكلما وطئت ثلاثا، فثلاثة، وكلما وطئت أربعا، فأربعة، فوطئ الاربعة، فهو كقوله: كلما طلقت امرأة فعبد من عبيدي حر، إلى آخر التصوير، وقد سبق في الطلاق، والصحيح أنه يعتق خمسة عشر عبدا. فرع اشترى في مرض موته عبدا بأكثر من قيمته، وكانت المحابات قدر الثلث، بأن كان له ثلاثمائة، واشترى عبدا يساوي مائة بمائتين، ثم أعتقه، قال ابن الحداد: وإن لم يوفر الثمن نفذ العتق، وبطلت المحاباة، لان المحاباة كالهبة، فإذا لم يقترن بها القبض حتى جاء ما هو أقوى منها، وهو العتق، بطلت، ويمضى البيع بثمن المثل، وعلى البائع أن يقنع به. وإن وفر الثمن، نفذت المحاباة، وبطل العتق، لان المحاباة، استغرقت الثلث. قال الاصحاب: هذا غلط، ولا فرق في المحاباة بين أن يقبض أو لا يقبض، لانها تعلقت بالمعارضة، والمعارضة تلزم بنفس العقد، ولها لو حابى المريض ولم يقبض، ثم أراد إبطالها، لم يتمكن منه، بخلاف الهبة، فالجواب نفوذ المحاباة، وبطلان العتق، لتقدمها، قالوا: وقوله: يلزم البائع أن يقنع بقدر قيمة العبد، غلط أيضا، لانه لم يرض بزوال ملكه إلا بالزيادة، بل ينبغي أن يقال: له الخيار بين أن ينفذ البيع بقدر القيمة وينفذ العتق وبين أن يفسخه ويبطل العتق. فرع جارية بين شريكين حامل من زوج أو زنا، عتق أحدهما نصيبه من الحمل وهو موسر، ثم وضعته لوقت يعلم وجوده يوم الاعتاق، وهو لدون ستة أشهر، فهو حر بالمباشرة والسراية، وعلى المعتق قيمة نصيب الشريك يوم الولادة، فإن ألقته ميتا من غير جناية، فلا شئ على المعتق، وإن كان بجناية، فعلى عاقلة الجاني غرة لورثة الجنين، لانه محكوم بحريته، وعلى المعتق نصف عشر قيمة الام للشريك. هكذا أطلق ابن الحداد، فقال القفال: إنما يلزالمعتق نصف عشر قيمة الام إذا لم يزد على قيمة الغرة، فإن زاد، لم يلزم إلا نصف قيمة الغرة، ورأى الشيخ أبو علي الاخذ بالاطلاق، وأنه يجب نصف عشر قيمة الام بالغا ما بلغ، لان

(8/430)


انفصاله مضمونا كانفصاله حيا، لان الغرة تصرف إلى الوارث وقد لا يستحق المعتق منها شيئا، وإنما كان يجب رعاية المناسبة بين الغرمين، أن لو كان الواجب بالجناية للمعتق، قال الشيخ: وهذا كله جواب على أن الشراء يحصل بنفس الاعتاق، فإن قلنا: يحصل بأداء القيمة، فإذا وضعت الحمل، وقوم ووصل نصف القيمة إلى الشريك، فحينئذ يعتق الباقي. وإن ألقته ميتا بجناية، فنصفه حر، وهو يقوم الباقي على المعتق ؟ فيه الخلاف السابق فيما لو أعتق نصيبه ومات العبد قبل وصول القيمة إلى الشريك. فإن قلنا: يسقط التقويم، فنصفه حرونصفه رقيق، فعلى عاقلة الجاني نصف غرة. وإلى من تصرف ؟ فيه الخلاف المذكور في أن من بعضه حر، هل يورث، ويجب للنصف المملوك نصف عشر قيمة الام، وهل يكون في مال الجاني أم على عاقلته ؟ فيه الخلاف في أن بدل الرقيق تحمله العاقلة. فرع خلف ثلاثة أعبد، قيمة كل واحد مائة ولا مال له غيرهم، فشهد عدلان أنه عتق في مرضه هذين، فأشار الوارث إلى أحدهما، فقال: أما هذا فأعتقه، وأما الآخر، فلا، فلا يقبل قوله في إبطال حق الآخر من العتق، لكن يقرع بينهما، فإن خرج العتق لمن عينه الوارث، عتق ورق الآخر، وإن خرج للآخر، عتق بمقتضى القرعة التي اقتضتها الشهادة، ويعتق الآخر بإقرار الوارث. وإن قال الوارث: أعتق مورثي هذا، ولا أعلم حال الآخر، أقرع بينهما، فمن خرجت له القرعة، عتق، دون الآخر. ولو شهدا أنه أعتق الثلاثة دفعة وقال الوارث: أعتق هذين دون ذاك، قال ابن الحداد: يقرع بين الثلاثة، فإن خرج سهم العتق للذي أنكره الوارث، عتق، وتعاد القرعة لاقرار الوارث بين الآخرين، فمن خرجت له عتق بإقرار الوارث وإن خرجت أولا لاحد الاثنين اللذين أقر بإعتاقهما، عتق، ورق الآخران، وبالله التوفيق.
الخصيصة الخامسة : الولاء، وفيه طرفان. الاول: في سببه، وهو زوال الملك عن رقيق بالحرية، فمن أعتق عبدا تنجيزا، أو

(8/431)


بصفة، أو دبره، أو استولدها، فعتقا بموته، أو عتق عليه بأداء نجوم الكتابة، أو الابراء منها، أو التمس من مالك عبد عتقه على مال، فأجابه، أو أعتق نصيبه من مشترك، وسرى، أو ملك قريبه فعتق عليه، ثبت له عليه الولاء. ولو باع عبد نفسه، فله عليه الولاء على المذهب، وسواء اتفق دينهما أو اختلف. فلو أعتق مسلم كافرا أو عكسه، ثبت الولاء، وإن لم يتوارثا، كما تثبت علقة النكاح والنسف بينهما. ثم الولاء مختص بالاعتاق، فمن أسلم على يديه إنسان فلا ولاء له عليه، ومن أعتق عن غيره بغير إذنه، وقع العتق عن المعتق عنه، وله الولاء دون المعتق. والولاء كالنسب لا يجوز بيعه، ولا هبته، ولا يورث، لكن يورث به. ولو أعتق عبدا على أن لا ولاء له عليه، أو على أن يكون سائبة، لغا الشرط، وثبت الولاء، وكذا لو شرط أن ولاءه لفلان أو للمسلمين، لغا، ولا ينتقل الولاء عنه، كما لا ينتقل النسب، ولا يثبت الولاء بالمولاة والحلف، كما لا يثبت النسب بذلك، وكما يثبت الولاء على المعتق، يثبت على أولاده وأحفاده، وعلى عتيقه وعتيق عتيقه، وكما يثبت للمعتق يثبت لمعتق الاب وسائر الاصول، ولمعتق المعتق، وكما يثبت على ولده العتيق، يثبت على ولد العتيقة، ويستثنى من استرسال الولاء على أولاده العتيق وأحفاده موضعان أحدهما: إذا كان منهم من مسه رق وأعتق، فولاؤه لمعتقه، فإن لم يكن، فلعصبات معتقه، فإن لم يوجدوا، فالميراث لبيت المال، ولا ولاء عليه لمعتق الاصول بحال، فإنه أعتق مباشرة، وولاء المباشرة أقوى. وصورته أن تلدرقيقة رقيقا من رقيق أو حر، وأعتق الولد وأبواه أو أمه. الثاني: من أبوه حر أصلي لا ولاء عليه، وأمه معتقة، هل يثبت عليه الولاء لموالي الام ؟ فيه أوجه. الصحيح: لا، والثاني: نعم، والثالث: إن كانت حرية الاب متيقنة، بأن كان عربيا معلوم النسب، فلا، وإن كانت مبنية على ظاهر الدار،

(8/432)


وأن الاصل في الناس الحرية، فنعم، لضعف حرية الاب، ولو كان الاب معتقا، والام حرة أصلية، فالصحيح ثبوت الولاء عليه لموالي الاب، لانه ينسب إليه. وقيل: لا ولاء عليه تغليبا للحرية كعكسه. ومن له أمه حرة أصليه وأبوه رقيق لا ولاء عليه لاحد، فإن أعتق الاب، فهل يثبت عليه لموالي الاب ؟ قال الشيخ أبو علي: فيه جوابان سمعتهما من شيخي في وقتين، وهما محتملان، أحدهما: نعم، لثبوته على الاب، وإنما لم تثبت أولا لرقه. والثاني: لا، لانه لم يثبت ابتداء، فلا يثبت بعده، كما لو كان أبواه حرين. فرع من مسه رق وعتق، فلا ولاء عليه لمعتق أبيه وأمه وسائر أصوله كما سبق، سواء وجدوا في الحال أم لا، فالمباشر إعتاقه ولاؤه لمعتقه، ثم لعصبته، فأما إذا كان حر الاصل، وأبواه عتيقين، أو أبوه عتيق، فولاؤه لمولى أبيه، وإن كان الاب رقيقا، والام معتقة، فالولاء لمعتقها، فإن مات والاب رقيق بعد، ورثه معتق الام، وإن أعتق الاب في حياة الولد، الخبر الولاء من مولى الام إلى مولى الاب. ولو مات الاب رقيقا، وعتق الجد، انجر من موالي الام إلى موالي الجد ولو عتق الجد، والاب رقيق، ففي انجراره إلى مولى الجد. وجها. أصحهما: ينجر، فإن أعتق الاب بعد ذلك، انجر من مولى الجد إلى مولى الاب، والثاني: لا ينجر، فعلى هذا لو مات الاب بعد عتق الجد، ففي انجراره إلى موالي الجد وجهان. أصحهما عند الشيخ أبي علي: لا ينجر، وقطع البغوي بالانجرار. قلت: الانجرار أقوى. والله أعلم. وإذا ثبت الولاء لموالي الام لرق الاب، فاشترى الولد أباه، ثبت له الولاء عليه، وعلى إخوته وأخواته الذين هم أولاد الاب، وهل يجر ولاء نفسه من مولى الام ؟ وجهان، الاصح المنصوص: لا، لانه لا يمكن أن يكون له على نفسه ولاء، ولهذا لو اشترى العبد نفسه، عتق وكان الولاء عليه لبائعه، وكذا المكاتب إذا عتق بالاداء، وإذا تعذر الجر، بقي الولاء موضعه. والثاني: ينجر، ويسقط، ويصير كحر لا ولاء عليه. ولو خلق انسان حر من حرين، وكان في أحد أجداده رقيق. ويتصور ذلك في نكاح الغرور، وفي الوطئ بشبهة إذا أعتقت أم أمه، ثبت الولاء عليه

(8/433)


لمعتق أم الام، فإذا أعتق أبو أمه بعد ذلك، انجر الولاء إلى مولاه، فإذا أعتقت أم الاب بعد ذلك، انجر الولاء من مولى أبي الام إلى مولى أم الاب، فإذا أعتق أبو أبيه بعد ذلك، انجر إلى مولاه. ولو كانت المسألة بحالها لكن أبوه رقيق، فأعتق الاب بعد عتق هؤلاء، انجر إلى مولاه، واستقر عليه. ودليله أن جهة الابوة أقوى، وحيث أثبتنا الولاء لمولى الام، فمات الولد، أخذ ميراثه، فإن عتق بعد ذلك، لم يسترده مولاه، بل الاعتبار بحال الموت، وليس معنى الانجرار أن يحكم بأن الولاء لم يزل في جانب الاب، بل معناه أنه ينقطع من وقت عتق الاب عن مولى الام، وإذا انجر إلى موالي الاب، فلم يبق منهم أحد، لم يعد إلى موالي الام، بل يكون الميراث لبيت المال، وكذا إذا ثبت الولاء لموالي الاب فهلكوا، لم يصر لموالي الجد، حتى لو مات من انتقل ولاؤه من موالي أبيه إلى موالي جده حينئذ فميراثه لبيت المال. فرع أعتق أمته المزوجة بعتيق، فولدت لاقل من ستة أشهر من يوم الاعتاق، فولاء الولد لمعتق الام، لا لمعتق الاب، لانا تيقنا وجوده يوم الاعتاق، فمعتقه باشر إعتاقه بإعتاقها، وولاء المباشرة مقدم، وإن ولدت لستة أشهر فصاعدا، فإن كان الزوج يفترشها، فولاؤه لمعتق الاب، لانالا نعلم وجوده يوم الاعتاق، والاصل عدمه، والافتراش سبب ظاهر للحدوث، وإن كالا يفترشها، وولدت لاربع سنين من الاعتاق، فذلك. وإن ولدت لاقل من أربع سنين فقولان. أظهرهما: لمعتق الام. ولو أعتق المزوجة برقيق، فولدت لدون ستة أشهر من الاعتاق، فولاؤه لمعتق الام بالمباشرة، فإن أعتق الاب الاب، لم ينجر الولاء إلى معتق الاب من معتق الام، لانه أعتقه مباشرة. وإن ولدته لستة أشهر فصاعدا، قال البغوي: إن لم يفارقها الزوج، فولاؤه لمولى الام، فإذا أعتق الاب، انجر إلى مولاه، وإن كان فارقها، فإن ولدت لاكثر من أربع سنين من يوم الفراق، فالولد منفي عن الزوج، وولاؤه لمعتق الام أبدا، وإن ولدته لاربع سنين، لحق الزوج، وولاؤه لمعتق الام، فإذا أعتق الاب، ففي الانجرار إلى مولاه قيلان. ولو نفى

(8/434)


الزوج المعتق ولد زوجته المعتقة بلعان، فالولاء في الظاهر لمولى الام، فإن كذب الملا عن نفسه، لحقه الولد وحكمنا بأن الولاء لمولاه. فإن كان الولد قد مات بعد اللعان، ودفعنا الميراث إلى مولى الام، استرددناه منه بعد الاستلحاق، لانتبينا أنه لم يكن ولاء. ولو غر بحرية أمة فنكحها وأولدها على ظن أنها حرة، ثم علم أنها أمة، فأولدها ولدا آخر، فالولد الاول حر، والثاني رقيق. فلو أعتق السيد الامة، والولد الثاني، ثم عتق الاب، انجر ولاء الولد الاول إلى معتق الاب، ولم ينجر إليه ولاء الثاني، لانهعتق بالمباشرة. ولو نكحها عالما بأنها أمة، وأولدها، ثم عتقت، وأولدها ولدا آخر، فالثاني حر، وولاؤه لمعتق الاب، والاول مملوك، وولاؤه لمعتقه. الطرف الثاني في حكم الولاء وهو إحدى جهات العصوبة، ومن يرث به، لا يرث إلا بالعصوبة، ويتعلق به ثلاثة أحكام: الارث، وولاية التزويج، وتحمل الدية، وقد ذكرناها في مواضعها. قلت: ورابع، وهو التقدم في صلاة الجنازة، فإذا مات العتيق، ولا وارث له بنسب ولا نكاح، ورث معتقه جميع ماله. وإن كان له من يرث بالفرضية، وفضل منه شئ، أخذه المعتق، فإن لم يكن المعتق حيا، ورث بولاية أقرب عصباته، ولا يرث أصحاب فروضه، ولا من يتعصب بغيره، فإن لم نجد للمعتق عصبة بالنسب، فالميراث لمعتق المعتق، فإن لم نجده، فلعصبات معتق المعتق، فإن لم نجدهم، فلمعتق معتق المعتق، ثم لعصبته، وميراث لمعتق عصبات المعتق إلا لمعتق أبيه أو جده. وللاصحاب عبارة ضابطة لمن يرث بولاء المعتق إذا لم يكن المعتق حيا، قالوا: هو ذكر يكون عصبة المعتق لو مات المعتق يوم موت العتيق بصفة العتيق. وخرجوا عليها مسائل: منها: إذا مات العتيق، وللمعتق ابن وبنت، أو أب وأم، أو أخ وأخت، فالميراث للذكر دون الانثى، ولا يرث النساء بولاء الغير أصلا، لكن إن باشرت

(8/435)


المرأة إعتاقا، أو عتق عليها مملوك، فلها عليه الولاء، كما للرجل، لقوله - صلى الله عليه وسلم - إنما الولاء لمن أعتق كما يثبت لها الولاء على عتيقها يثبت على أولاده وأحفاده وعتيقه كالرجل. ومنها: لو أعتق عبدا، ومات عن ابنين، فولاء العتيق لهما، فمات أحدهما وخلف ابنا، فولاء العتيق لابن المعتق، دون ابن ابنه، وهذه الصورة ونحوها معنى ما روى عن عمر وعثمان رضي الله عنهما: أن الولاء للكبر، بضم الكاف، أي الكبير في الدرجة والقرب، دون السن. ولو مات المعتق عن ثلاثة بنين، ثم مات أحدهم عن ابن، وآخر عن أربعة، والآخر عن خمسة، فالولاء بين العشرة بالسوية، فإذا مات العتيق، ورثوه أعشارا، لانه لو مات المعتق يومئذ ورثوه كذلك. ولو أعتق عبدا، ومات عن أخ من أبوين وأخ من أب، فولاء عتيقه للاخ من الابوين على المذهب، كما سبق. فلو مات الاخ من الابوين، وخلف ابنا، والاخ الآخر، فولاء العتيق للاخ، لان المعتق لو مات الآن كان عصبة الاخ من الاب، دون ابن الاخ من الابوين. ومنها: أعتق مسلم عبدا كافرا، ومات عن ابنين: مسلم وكافر، ثم مات العتيق، فميراثه للابن الكافر، لانه الذي يرث المعتق بصفة الكفر. ولو أسلم العتيق، ثم مات، فميراثه للابن المسلم. ولو أسلم الابن الكافر، ثم مات العتيق مسلما، فالميراث بينهما. فرع الذين يرثون بولاء المعتق من عصباته، يترتبون ترتب عصبات النسب، إلا في مسائل سبقت في الفرائض. منها: أخ المعتق وجده، إذا اجتمعا هل يتساويان كالارث، أم يقدم الاخ ؟ قولان: أظهرهما: الثاني، فيقدم ابن الاخ أيضا، ويقدم الاخ من الابوين على الاخ من الاب على المذهب. وقيل: قولان. ولو كان له ابناء عم، أحدهما أخ لام، قدم على المذهب. فرع الانتساب في الولاء، قد يكون بمحض الاعتاق، كمعتق المعتق، ومعتق معتق المعتق، وقد يتركب من الاعتاق والنسب، كمعتق الاب وأبي المعتق ومعتق أبي المعتق، فإن تركب الانتساب، فقد يشتبه حكم الولاء ويغالط به، بأن قال: اجتمع أبو المعتق ومعتق الاب فأيهما أولى ؟ وجوابه أنه إذا كان للميت أبو

(8/436)


المعتق، كان له معتق، وحينئذ فلا ولاء لمعتق أبيه أصلا كما سبق، فلا معنى لمقابلة أحدهما بالآخر وطلب الاولوية. ولو اجتمع معتق أبي المعتق، ومعتق المعتق، فالولاء لمعتق المعتق لان ولاءه بجهة المباشرة. فرع اشترت امرأة أباها، فعتق، ثم أعتق الاب عبدا، ومات عتيقه بعد موته، نظر، إن لم يكن للاب عصبة بالنسب، فميراث العتيق للبنت، لا لكونها بنت المعتق، بل لانها معتقة المعتق، وإن كان له عصبة، كأخ وابن عم قريب أو بعيد، فميراث العتيق له، لانه عصبة المعتق بالنسب، ولا شئ للبنت، لانها معتقة المعتق، فتتأخر عن عصبة النسب. قال الشيخ أبو علي: سمعت بعض الناس يقول: أخطأ في هذه المسألة أربعمائة قاض، لانهم رأوها أقرب. ولو اشترى أخ وأخت أباهما، فعتق عليهما، ثم أعتق عبدا، ومات العتيق بعد موت الاب، وخلف الاخ والاخت، فميراثه للاخ، دون الاخت لانه عصبة المعتق بالنسب، بل لو كان الاخ قد مات قبل موت الاب، وخلف ابنا وابن ابن أو كان للاب ابن عم بعيد، فهو أولى من البنت. ولو مات هذا الاخ بعد موت الاب، ولم يخلفه إلا أخته، فلها نصف الارث بالاخوة، ونصف الباقي، لان لها نصف ولاء الاخ، لاعتاقها نصف أبيه، فلها ثلاثة أرباع المال. ولو مات الاب، ثم الابن، ثم العتيق، ولم يخلف إلا البنت فلها ثلاثة أرباع الميراث أيضا: النصف لانها معتقة نصف المعتق، ونصف الباقي لولاء السراية على نصف الاخ بإعتاقها نصف أبيه، فهي معتقة نصف أبي معتق معتقه. والربع الباقي في الصورتين لبيت المال. ولو مات الاب، ولم يخلف إلا البنت، فقال الغزالي في الوجيز: لها النصف بالبنوة، ونصف الباقي لولائها على نصف الاب ولم يذكر الصورة في الوسيط ولا في النهاية ومفهومه انحصار حقها في النصف والربع، وكلام الاصحاب منهم الشيخ أبو علي وأبو خلف السلمي، في صورة أخرى، ينازع في هذا، فإنهم قالوا: لو اشترت أختان أباهما بالسوية، فعتق عليهما، ثم مات الاب،

(8/437)


فلهما الثلثان، والباقي بالولاء. ولو ماتت إحداهما بعد موت الاب، فللاخرى النصف بالاخوة، ونصف الباقي بولائهما على نصف الاخت، بإعتاقها نصف أبيها. وأما الربع، فأطلق البغوي أنه لبيت المال، وليحمل ذلك على ما أذا كانت أمها حرة أصلية، فأما إذا كانت معتقة، فلموالي الام ولاء الاختين، فإذا أعتقنا الاب، جرت كل واحدة نصف ولاء أختها إلى نفسها، وهل تجر ولاء نفسها وتسقط، أم يبقى لموالي الام ؟ فيه خلاف سبق، فإن قلنا: تبقى هي وهو الاصح، فالربع الباقي لموالي الام، وإن قلنا: يجر ويسقط، فهو لبيت المال. ولو ماتت إحدى الاختين، ثم مات الاب، وخلفت الاخرى، فلها سبعة أثما ماله، والنصف بالبنوة، والربع لانها معتقة نصفه، ونصف الربع الباقي، لان لها نصف ولاء الاخت بإعتاقها نصف أبيها، والثمن الباقي لموالي الام إن كانت معتقة على الاصح، لان نصف ولاء الميتة يبقى لها. وإن قلنا: لا يبقى، فهو لبيت المال، وهذه الصورة كالصورة التي ذكرها الغزالي. ولو اشترتا الاب، وعتق عليهما، ثم أعتق عبدا ومات العتيق بعد موته، وخلف البنتين، فجميع المال لهما، لانهما معتقتا معتقه. فرع أختان أو أخوان ليس عليهما ولاء مباشر، اشترت إحداهما أباهما فعتق عليها، والاخرى أمهما، فعتقت عليها، وتتصور المسألة فيما لو غر عبد بحرية أمة فنكحها وأولدها ولدين، وفيما لو كانوا كفارا، فأسلم الولدان، واسترققتا الابوين، فولاء الاب للتي اشترته، فأما إذا مات عنهما، فلهما الثلثان بالبنوة، والباقي لها بالولاء، وولاء الام للتي إشتريتها، فإذا ماتت عنهما فلهما الثلثان، والباقي لها بالولاء، ولمشترية الاب الولاء على مشترية الام، فإذا ماتت مشترية الام، وخلفت مشترية الاب، فلها النصف بالاخوة، والباقي بالولاء، وهل لمشترية الام الولاء على مشترية الاب ؟ فيه الوجهان فيمن عليه ولاء لمولى أمه إذا اشترى أباه، هل يبقى الولاء لموالي أمه، أم يسقط ؟ فإن قلنا بالاصح: إنه يبقى، فلمشترية الام الولاء على مشترية الاب، فإذا ماتت، فالحكم كما في الطرف

(8/438)


الآخر، وإن قلنا: يسقط، فلا ولاء لها على مشترية الاب، وإذا ماتت، فلها النصف بالبنوة، والباقي لبيت المال. ولو اشترتا أباهما، ثم اشترت إحداهما والاب أبا الاب، وعتق عليهما، ثم مات الاب، فللبنتين الثلثان، والباقي لابيه، فإن مات الجد بعده، فللبنتين الثلثان بالبنوة والباقي نصفه للتي اشترته مع الاب، ونصفه الآخر بينهما، لاعتاقهما معتق نصفه. ولو ماتت إحداهما بعد ذلك، وخلفت الاخرى، فعلى ما سبق. ولو اشترتا أمهما، ثم الام أباهما وأعتقته، فلهما عليها الولاء، ولها عليهما، لانها معتقة أبيهما، فإن ماتت، فلهما الثلثان بالبنوة، والباقي بالولاء، فإن مات الاب بعد ذلك، فلهما الثلثان بالبنوة، والباقي بالولاء، لانهما معتقتا معتقه، فإن ماتت إحداهما بعد ذلك، فللاخرى النصف بالاخوة، ونصف الباقي لاعتاقها نصف معتق أبيها، والباقي لبيت المال. ولو اشترتا أباهما، ثم اشترت إحداهما، والاب أخاهما للاب، فعتق نصفه على الاب وهو معسر، فأعتقت المشترية باقيه، فمات الاب، ورثه أولاده الثلاثة، فإن مات الاخ بعده، فلهما الثلثان بالاخوة، والباقي نصفه للمشتري، وباقيه بين البنتين، لانهما معتقتا الاب الذي هو معتق نصف الاخ، فالقسمة من اثني عشر، لمشترية الاخ سبعة، والاخرى خمسة. ولو ماتت التي لم تشترالاخ أولا، ثم مات الاب، ثم الاخ، فمال الميتة أولا لابيها، ومال الاب لابنه وبنته أثلاثا، ومال الاخ نصفه للاخت الباقية بالنسب، ونصف باقيه لها بإعتاقها نصفه، والباقي وهو الربع لمعتقتي الاب، فلهذه نصفه ونصفه للميتة، فيكون لمواليها، وهم هذه الاخت، وموالي الام إن كانت الام معتقة، فيكون بينهما نصفين، فإن لم يكن للام مولى، فلبيت المال. فرع أختان لا ولاء عليهما، اشترتا أمهما، فعتقت، ثم اشترت الام وأجنبي أباهما وأعتقاه، فللاختين الولاء على أمهما، ولها وللاجنبي على الاب وعليهما، فإن ماتت الام، ثم الاب، ثم إحداهما، فأما الام، فمالها لهما ثلثه بالبنوة، وباقيه بالولاء، وأما الاب، فلهما ثلثا ماله بالبنوة، وباقية للاجنبي نصفه،

(8/439)


ولهما نصفه، لانهما معتقتا معتقه نصفه، وأما الاخت، فالنصف من مالها للاخرى بالاخوة، ونصف الباقي للاجنبي، لانه أعتق نصف أبيها، والربع الباقي كان للام وهي ميتة، فيكون للاختين، لانهما معتقتاها، فللاخت الباقية نصفه، وهو الثمن، ويرجع الثمن الذي هو حصة الميتة إلى من ولاؤها وهو الاجنبي والام، ونصيب الام يرجع إلى الحية والميتة، وحصة الميتة إلى الاجنبي، والام، هكذا يدور فلا ينقطع ولذلك سمي: سهم الدور. وفيما يفعل به ؟ وجهان قال ابن الحداد: يجعل في بيت المال، لانه لا يمكن صرفه بنسب ولا ولاء. والثاني: يقطع السهم الدائر وهو الثمن، ويجعل كأن لم يكن، ويقسم المال على باقي السهام، وهو سبعة، خمسة للاخت الباقية، وسهمان للاجنبي، وزيف الامام الوجهين وقال: الوجه أن يفرد النصف، ولا يدخله في حساب الولاء، وينظر في النصف المستحق بالولاء، فيحد نصفه للام، ونصفه للاجنبي، ومال الام يصير للاختين ثم نصيب إحداهما نصفه للام، ونصفه للاجنبي، ونصيب الام للاختين، فحصل أن للاجنبي ضعف ما للاخت، فيجعل المال ستة، للاخت نصفها بالنسب، ويبقى ثلاثة، للاجنبي سهمان، وللاخت سهم، فجعل له الثلث، ولها الثلثان من الجملة، وبهذا قطع الغزالي. ونقل أبو خلف الطبري عن أكثر الاصحاب أن سهم الدور لبيت المال، كما قال ابن الحداد، وإليه يميل كلام ابن اللبان. أما إذا ماتت إحدى الاختين أولا، ثم الام، فمال الاخت لابويها، ومال الام للبنت، نصفه بالبنوة، ولها نصف الباقي لاعتاقها نصف الام، ونصفه الباقي للاب، لانه عصبة معتقة النصف، قال الشيخ أبو علي: وفي مثل هذه المسائل لا يورث بالزوجية إلا أن يشترط السائل في السؤال بقاء الزوجية أما إذا مات الاب أولا، ثم إحدى الاختين، ثم الام، فمال الاب ثلثاه للبنتين بالابوة، وباقيه بين الام والاجنبي، ومال الاخت للام ثلثه وللاخت نصفه، والباقي بين الام والاجنبي، لانهما معتقتا أبيهما، ومال الام نصفه للبنت الباقية بالبنوة، ولها من النصف الباقي نصفه، لانها أعتقت نصفها، ونصفه الباقي حصة البنت الميتة، فيكون لمواليها، وهم الاجنبي والام،

(8/440)


فللاجنبي نصفه، وهو الثمن، ويبقى ثمن يرجع إلى الاختين، لاعتاقهما الام، وهو سهم دور، وفيه الخلاف السابق. أما إذا ماتت البنتان أولا، فمالهما لابويهما، فإن مات الاب بعدهما، فماله للام والاجنبي، فإن ماتت الام بعده، فنصف مالها للاجنبي، لانه معتق نصف أبي معتقها، والباقي لبيت المال. واعلم أن الفرضيين قالوا: إنما يحصل الدور في الولاء بثلاثة شروط: أن يكون للمعتق ابنان فصاعدا، وأن يكون قد مات منهم أثنان فصاعدا، وألا يكون الباقي منهم حائزا لمال الميت، فإن اختل أحد هذه الشروط، فلا دور.
فصل في مسائل منثورة تتعلق بكتاب العتق، من الولاء، وغيره شخصان كل منهما مولى صاحبه من فوق ومن أسفل، بأن أعتق عبدا، فأعتق أبا المعتق أختان لابوين، أعتقهما رجل، فاشترتا أباهما، فلكل منهما نصف ولاء أبيها، ولا ولاء لاحدهما على الاخرى، لان عليهما ولاء مباشرة. وفي فتاوى القفال: إذا اشترى مكاتب بعض أبيه، عتق نصفه، ولا يقوم عليه، لانه لم يعتق باختياره، بل عتق ضمنا، وأنه إذا قال لمن له عبد مستأجر: أعتقه عني على كذا، فأعتقه، نفذ قطعا، بخلاف البيع، لقوة العتق، وكذا يجوز في المغصوب والغائب إذا علم حياته. وفي فتاوى القاضي حسين: إذا ادعى عبد على سيده العتق عند الحاكم، فحلفه فلما أتم يمينه، قال: قم يا حر، على وجه السخرية، حكم عليه بالحرية، لقوله - صلى الله عليه وسلم - ثلاثة جدهن جد، وهزلهن جد ومنها العتاق. وأنه لو كانت جارية حاملا، والحمل مضغة، فقال: أعتقت مضغة هذه الجارية، كان لغوا، لان إعتاق ما لم ينفخ فيه الروح لغو. ولو قال: مضغة هذه الجارية حر، فهو إقرار بأن الولد انعقد حرا، وتصير الام به أم ولد. قلت: ينبغي أن لا تصير حتى يقر بوطئها، لانه يحتل أنه حر من وطئ أجنبي بشبهة. والله أعلم. وأنه لو قال لعبده: لو أخذك متغلب، فقل: أنا حر، لا يعتق، بل هو أمر بكذب، وكان القاضي يلقن عبيده بذلك. وأنه لو قال لعبده: أعتقك الله، أو الله

(8/441)


أعتقك، فقيل: يفرق بينهما، لان الاول دعاء، والثاني خبر. قال القاضي: وعندي لا يعتق فيهما. وقال العبادي: يعتق فيهما. وفي الزيادات لابي عاصم العبادي رحمه الله: أنه إذا قال: من بشرني من عبيدي بقدوم زيد، فهو حر، فبعث بعض عبيده عبدا آخر ليبشره به، فجاء وقال: عبدك فلان يبشرك بقدومه، وأرسلني لاخبرك، فالمبشر المرسل دون الرسول. وأنه لو قال: إن اشتريت عبدين في صفقة، فلله علي إعتاقهما، فاشترى ثلاثة صفقة، لزمه إعتاق اثنين، لوجود الصفة. ولو ولدت الزانية، فملك الزاني بها ذلك الولد، لم يعتق عليه، لانتفاء نسبه. وفي فروع حكاها الروياني عن والده وغيره قال لعبده: أنت حر مثل هذا العبد، وأشار إلى عبد آخر، يحتمل أن لا يعتق لعدم حرية المشبه به، ويحمل على حرية الخلق. قلت: ينبغي أن يعتق. والله أعلم. وأنه لو قال: أنت حر مثل هذا، ولم يقل: هذا العبد، يحتمل أن يعتقا، والاوضح أنهما لا يعتقان. قلت: الصواب: هنا عتقهما. والله أعلم. وأنه لو قال لغيره: أنت تعلم أن هذا العبد الذي في يدي حر، حكم بعتقه. ولو قال: تظن أنه حر، لم يحكم بعتقه، لانه لو لم يكن حرا لم يكن المقول له عالما بحريته، وقد اعترف بعلمه، والظن بخلافه. ولو قال: ترى أنه حر، احتمل أن لا يقع، وأن يقع، والرؤية بمعنى العلم. قلت: الصواب أنه لا يعتق. والله أعلم. وأنه لو وكل رجلا في عتق عبد، فأعتق الوكيل نصفه، فهل يعتق نصفه فقط، أم يعتق ويسري إلى باقيه، أم لا يعتق منه شئ لمخالفته ؟ فيه أوجه، أصحها: الاول. وفي جمع الجوامع للروياني أنه لو كان عبد بين شريكين، فقال رجل لاحدهما: اعتق نصيبك عني بكذا، فأعتقه عنه، فولاؤه للآمر، ويقوم نصيب الشريك على المعتق، دون الآمر، لانه أعتقه لغرض نفسه، وهو العوض الذي حصل له. ولو قال أحد الشريكين للآخر: أعتق نصيبك عني بكذا، فأعتقه عنه،

(8/442)


فولاؤه للآمر، ويقوم نصيب الآمر على المعتق، حكاه عن القاضي الطبري. قلت: الصواب في الصورتين أنه لا يقوم عليه، لانه لم يعتق عنه. والله أعلم.

(8/443)