فتاوى ابن الصلاح

@
الْقسم الأول
فِي شرح آيَات من كتاب الله تَعَالَى
1 - مَسْأَلَة فِي قَوْله تبَارك وَتَعَالَى {الله يتوفى الْأَنْفس حِين مَوتهَا وَالَّتِي لم تمت فِي منامها فَيمسك الَّتِي قضى عَلَيْهَا الْمَوْت} إِلَى آخر الْآيَة
قَالَ المستفتي يُرِيد تَفْسِيرهَا على الْوَجْه الصَّحِيح بِحَدِيث عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من الصِّحَاح أَو بِمَا أجمع أهل الْحق على صِحَّته وَقَوله تبَارك وَتَعَالَى {قَالُوا أضغاث أَحْلَام} وَمَا معنى أضغاث أَحْلَام وَمن أَيْن يفهم الْمَنَام الصَّالح من الْمَنَام الْفَاسِد
وَهل يجب على الزَّوْج أَن يعلم زَوجته فَرَائض الصَّلَاة وَجَمِيع الْوَاجِبَات الَّتِي عَلَيْهَا أم لَا وَإِذا وهب من إِنْسَان شَيْئا أَو تصدق بِهِ عَلَيْهِ فَهَل لَهُ أَن يَشْتَرِيهِ مِنْهُ أم لَا أجَاب رَضِي الله عَنهُ أما قَوْله تبَارك وَتَعَالَى {الله يتوفى الْأَنْفس}

(1/139)


@ الْآيَة فتفسيره الله يقبض الْأَنْفس حِين انْقِضَاء أجلهَا بِمَوْت أجسادها وَالَّتِي يقبضهَا أَيْضا عِنْد نومها فَيمسك الَّتِي قضى عَلَيْهَا الْمَوْت بِمَوْت أجسادها فَلَا يردهَا إِلَى أجسادها وَيُرْسل الْأُخْرَى الَّتِي لم تقبض بِمَوْت أجسادها حَتَّى تعود إِلَى أجسادها إِلَى أَن يَأْتِي أجلهَا الْمُسَمّى لموتها {إِن فِي ذَلِك لآيَات لقوم يتفكرون} لدلالات المتفكرين على عَظِيم قدرَة الله سُبْحَانَهُ وعَلى أَمر الْبَعْث فَإِن الاستيقاظ بعد النّوم شَبيه بِهِ وَدَلِيل عَلَيْهِ
نقل أَن فِي التَّوْرَاة يَا ابْن آدم كلما تنام تَمُوت وَكلما تستيقظ تبْعَث فَهَذَا وَاضح وَالَّذِي يشكل فِي ذَلِك أَن النَّفس المتوفاة فِي الْمَنَام أَهِي الرّوح المتوفاة عِنْد الْمَوْت أم هِيَ غَيرهَا فَإِن كَانَت هِيَ الرّوح فتوفيها فِي النّوم يكون بمفارقتها الْجَسَد أم لَا وَقد أعوز الحَدِيث الصَّحِيح وَالنَّص الصَّرِيح وَالْإِجْمَاع أَيْضا لوُقُوع الْخلاف فِيهِ بَين الْعلمَاء فَمنهمْ من يرى أَن للانسان نفسا تتوفى عِنْد مَنَامه غير النَّفس الَّتِي هِيَ الرّوح وَالروح لَا تفارق الْجَسَد عِنْد النّوم وَتلك النَّفس المتوفاة فِي النّوم هِيَ الَّتِي يكون بهَا التَّمْيِيز والفهم وَأما الرّوح فِيهَا تكون الْحَيَاة وَلَا تقبض إِلَّا عِنْد الْمَوْت ويروى معنى هَذَا عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا

(1/140)


@
وَمِنْهُم من ذهب إِلَى أَن النَّفس الَّتِي تتوفى عِنْد النّوم هِيَ الرّوح نَفسهَا وَاخْتلف هَؤُلَاءِ فِي توفيها فَمنهمْ من يذهب إِلَى أَن معنى وَفَاة الرّوح بِالنَّوْمِ قبضهَا عَن التَّصَرُّفَات مَعَ بَقَائِهَا فِي الْجَسَد وَهَذَا مُوَافق للْأولِ من وَجه ومخالف من وَجه وَهُوَ قَول بعض أهل النّظر وَمن الْمُعْتَزلَة وَمِنْهُم من ذهب الى أَن الرّوح تتوفى عِنْد النّوم بقبضها من الْجَسَد ومفارقتها لَهُ وَهَذَا الَّذِي نجيب بِهِ وَهُوَ الْأَشْبَه بِظَاهِر الْكتاب وَالسّنة
وَقد أخبرنَا الشَّيْخ أَبُو الْحسن بن أبي الْفرج النَّيْسَابُورِي بهَا قَالَ أَنا جدي أَبُو مُحَمَّد الْعَبَّاس بن مُحَمَّد الطوسي عَن القَاضِي أبي سعيد الفرخزاذي عَن الإِمَام أبي اسحق أَحْمد بن مُحَمَّد الثَّعْلَبِيّ رَحمَه الله تَعَالَى قَالَ قَالَ الْمُفَسِّرُونَ أَن أَرْوَاح الْأَحْيَاء والأموات تلتقي فِي الْمَنَام فتتعارف مَا شَاءَ الله فَإِذا أَرَادَت جَمِيعهَا الرُّجُوع إِلَى أجسادها أمسك الله أَرْوَاح الْأَمْوَات عِنْده وحبسها وَأرْسل أَرْوَاح الْأَحْيَاء حَتَّى ترجع إِلَى أجسادها
وَلَفظ هَذَا الإِمَام فِي هَذَا الشَّأْن يُعْطي أَن قَول أَكثر أهل الْعلم بِهَذَا الْفَنّ وَعند هَذَا فَيكون الْفرق بَين القبضتين والوفاتين أَن الرّوح فِي حَالَة النّوم تفارق الْجَسَد على أَنَّهَا تعود إِلَيْهِ فَلَا تخرج خُرُوجًا يَنْقَطِع بِهِ العلاقة بَينهَا وَبَين الْجَسَد بل يبْقى أَثَرهَا الَّذِي هُوَ حَيَاة الْجَسَد بَاقِيا فِيهِ فَأَما فِي حَالَة

(1/141)


@ الْمَوْت فالروح تخرج من الْجَسَد مُفَارقَة لَهُ بِالْكُلِّيَّةِ فَلَا تخلف فِيهِ شَيْئا من أَثَرهَا فَلذَلِك تذْهب الْحَيَاة مَعهَا عِنْد الْمَوْت دون النّوم ثمَّ إِن إِدْرَاك كَيْفيَّة ذَلِك وَالْوُقُوف على حَقِيقَته مُتَعَذر فانه من أَمر الرّوح وَقد اسْتَأْثر بِعِلْمِهِ الْجَلِيل تبَارك وَتَعَالَى فَقَالَ سُبْحَانَهُ {قل الرّوح من أَمر رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ من الْعلم إِلَّا قَلِيلا}
وَأما قَوْله تبَارك وَتَعَالَى {قَالُوا أضغاث أَحْلَام} فَإِن الأضغاث جمع ضغث وَهُوَ الحزمة الَّتِي تقبض بالكف من الْحَشِيش وَنَحْوه والأحلام جمع حلم وَهِي للرؤيا مُطلقًا وَقد تخْتَص بالرؤيا الَّتِي تكون من الشَّيْطَان وَلما روى فِي حَدِيث الرُّؤْيَا من الله والحلم من الشَّيْطَان فَمَعْنَى الْآيَة أَنهم قَالُوا للْملك إِن الَّذِي رَأَيْته أَحْلَام مختلطة وَلَا يَصح تَأْوِيلهَا
وَقد أفرد بعض أهل التَّعْبِير اصْطِلَاحا لأضغاث أَحْلَام فَذكر أَن من شَأْنهَا أَنَّهَا لَا تدل على الْأُمُور الْمُسْتَقْبلَة وَإِنَّمَا تدل على الْأُمُور الْحَاضِرَة والماضية ونجد مَعهَا أَن يكون الرَّأْي خَائفًا من شَيْء أَو راجيا لشَيْء وَفِي معنى

(1/142)


@ الْخَوْف والرجاء والحزن على شَيْء وَالسُّرُور بِشَيْء فاذا أَنَام من اتّصف بذلك لذَلِك رأى فِي نَومه ذَلِك الشَّيْء بِعَيْنِه أَن يكون خَالِيا من شَيْء هُوَ مُحْتَاج إِلَيْهِ كالجائع والعطشان يرى فِي نَومه كَأَنَّهُ يَأْكُل وَيشْرب أَو يكون ممتلئا من شَيْء فَيرى كَأَنَّهُ يتجنبه كالممتلىء من الطَّعَام يرى كَأَنَّهُ يقذف وَذكر أَن هَذِه الْأُمُور الْأَرْبَعَة مهما سلم الرَّأْي مِنْهَا فرؤياه لَا تكون من أضغاث الأحلام الَّتِي لَا تَعْبِير لَهَا وَهَذَا الَّذِي ذكره ضَابِط حسن لَو سلم فِي طَرفَيْهِ لَكِن الْحصْر شَدِيد وَمَا ذكره فَعنده من المنامات الْفَاسِدَة شاركته فِي الاندراج فِي قبيل الأضغاث
وَأما سُؤَاله من أَيْن يفهم الْمَنَام الصَّالح من الْمَنَام الْفَاسِد فَإِن للرؤيا الْفَاسِدَة أمارت يسْتَدلّ بهَا عَلَيْهَا وَمَا تقدم حكايته فِي شرح أضغاث الأحلام طرف مِنْهَا
فَمِنْهَا أَن يرى مَا لَا يكون كالمحالات وَغَيرهَا مِمَّا يعلم أَنه لَا يُوجد بِأَن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى على صفة مستحيلة عَلَيْهِ أَو يرى نَبيا يعْمل عمل الفراعنة أَو يرى قولا لَا يحل التفوه بِهِ وَمن هَذَا الْقَبِيل مَا جَاءَ فِي الحَدِيث الصَّحِيح من أَن رجلا قَالَ لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِنِّي رَأَيْت رَأْسِي قطع وَأَنا أتبعه الحَدِيث الْمَعْرُوف وَهَذِه هِيَ الرُّؤْيَا الشيطانية الَّتِي ورد الحَدِيث بِأَنَّهَا تحزين من الشَّيْطَان أَو تلعب مِنْهُ بالانسان وَمن هَذَا النَّوْع

(1/143)


@ الِاحْتِلَام فَإِنَّهُ من الشَّيْطَان وَلِهَذَا لَا تحتلم الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم السَّلَام
وَمن أَمَارَات الرُّؤْيَا الْفَاسِدَة أَن يكون مَا رَآهُ فِي النّوم قد رَآهُ فِي الْيَقَظَة وأدركه حسه بِعَهْد قريب قبل نَومه وَصورته بَاقِيَة فِي خياله فيراه بِعَينهَا فِي نَومه
وَمِنْهَا أَن يكون مَا رَآهُ مناسبا لما هُوَ عَلَيْهِ من تَغْيِير المزاج بِأَن تغلب عَلَيْهِ الْحَرَارَة من الصَّفْرَاء فَيرى فِي نَومه النيرَان وَالشَّمْس المحرقة أَو يغلب عَلَيْهِ الْبُرُودَة فَيرى الثلوج أَو يغلب عَلَيْهِ الرُّطُوبَة فَيرى الأمطار والمياه أَو يغلب عَلَيْهِ اليبوسة والسوادء فَيرى الْأَشْيَاء الْمظْلمَة والأهوال فالرؤيا السوداوية فَجَمِيع هَذِه الآنواع فَاسِدَة لَا تَعْبِير لَهَا فاذا سلم الانسان فِي رُؤْيَاهُ من هَذِه الْأُمُور وَغلب على الظَّن سَلامَة رُؤْيَاهُ من الْفساد وَوَقعت الْعِنَايَة بتعبيرها واذا انْضَمَّ الى ذَلِك كَونه من أهل الصدْق وَالصَّلَاح قوي الظَّن بِكَوْنِهَا صَادِقَة صَالِحَة وَفِي الحَدِيث الثَّابِت عَنهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أصدقهم رُؤْيا أصدقهم حَدِيثا
وَمن أَمَارَات صدقهَا من حَيْثُ الزَّمَان كَونهَا فِي الأسحار لحَدِيث أبي سعيد الْخُدْرِيّ رَضِي الله عَنهُ أصدق الرُّؤْيَا بالأسحار

(1/144)


@ وَكَونهَا عِنْد اقتراب الزَّمَان لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِيمَا صَحَّ عَنهُ إِذا اقْترب الزَّمَان لم تكد رُؤْيا الْمُسلم تكذب
واقتراب الزَّمَان قيل هُوَ اعتداله وَقت اسْتِوَاء اللَّيْل وَالنَّهَار وَيَزْعُم المعبرون أَن أصدق الرُّؤْيَا مَا كَانَ أَيَّام الرّبيع وَقيل اقتراب الزَّمَان قرب قيام السَّاعَة وَمن أَمَارَات صَلَاحهَا أَن يكون تبشير بالثواب على الطَّاعَة أَو تحذير من الْمعْصِيَة ثمَّ إِن الْقطع على الرُّؤْيَا بِكَوْنِهَا صَالِحَة لَا سَبِيل إِلَيْهِ إِنَّمَا هُوَ غَلَبَة الظَّن وَنَظِير ذَلِك من حَال الْيَقَظَة الخواطر وَمَعْلُوم أَن إِدْرَاك مَا هُوَ حق مِنْهَا فَمَا هُوَ بَاطِل وعر الطَّرِيق أَن ظن الأظنان وَالله أعلم
وَأما تَعْلِيم الزَّوْجَة مَا يجب عَلَيْهَا تعلمه من الْفَرَائِض فَهُوَ وَاجِب عَلَيْهِ وعَلى غَيره مِمَّن يتَمَكَّن من تعليمها فرضا على الْكِفَايَة فَإِذا لم يقم بِهِ غَيره وَلم يقم هُوَ بِهِ أَثم وأثموا وَيتَعَيَّن عَلَيْهِ الْوُجُوب فِي تعليمها الْوَاجِبَات الَّتِي يحْتَاج تعليمها إِلَى سَماع صَوتهَا كالفاتحة وَغَيرهَا إِذا لم يُوجد لَهَا محرم وَلَا امْرَأَة يتَمَكَّن من تعليمها فَذَلِك يَخُصُّهُ الْوُجُود مِنْهُ ذَهَابًا إِلَى أَن غير الْمحرم وَالْمَرْأَة لَا يجوز لَهَا تعليمها والوجهان فِيمَا إِذا أصدقهَا تَعْلِيم سُورَة ثمَّ طَلقهَا قبل التَّعْلِيم
وَكَذَلِكَ يتَعَيَّن عَلَيْهِ فرض تعليمها إِذا لم يعلم بحاجتها إِلَى التَّعْلِيم غَيره وَالله أعلم
وَأما ابتياعه شَيْئا وهبه أَو تصدق بِهِ من المهتب والمتصدق عَلَيْهِ فَيصح ذَلِك وَلَكِن يكره فِي الصَّدَقَة ذَلِك للْحَدِيث الصَّحِيح فِي كتاب مُسلم وَغَيره أَن عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ حمل على فرس فِي سَبِيل الله

(1/145)


@ ثمَّ وجده عِنْد صَاحبه وَقد أضاعه فَاسْتَأْذن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يَشْتَرِيهِ مِنْهُ فَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا تشتريه وَإِن أَعْطيته بدرهم فَإِن مثل الْعَائِد فِي صدقته كَمثل الْكَلْب يعود فِي قيئه
وَرَوَاهُ سُفْيَان بن عُيَيْنَة وَقَالَ لَا تشتريه وَلَا شَيْئا من نتاجه
وَقد نهى الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ على كَرَاهَة ذَلِك
وَأما الْهِبَة فَالْأَمْر فِيهَا أَهْون وَمَعَ ذَلِك فَأصل الْكَرَاهَة فِي استفادة الْمَوْهُوب بِالشِّرَاءِ ثَابت أَيْضا فِيمَا يظْهر لي بِأَن حَدِيث عمر الْمَذْكُور دلّ على كَون المُشْتَرِي عَائِدًا وَالْعود مَكْرُوه فِي الْهِبَة
وروى البُخَارِيّ فِي صَحِيحه عَن ابْن عَبَّاس أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ الْعَائِد فِي هِبته كَالْكَلْبِ يعود فِي قيئه وَالله أعلم
2 - مَسْأَلَة قَول الله عز وَجل {اتَّقوا الله حق تُقَاته} مَا هِيَ الْخِصَال الَّتِي إِذا فعلهَا الانسان كَانَ متقيا لله عز وَجل حق تُقَاته وَهل نسخت هَذِه الْآيَة بقول الله عز وَجل {فَاتَّقُوا الله مَا اسْتَطَعْتُم} أم لَا
أجَاب رَضِي الله عَنهُ لم تنسخها بل فسرتها وَحقّ تُقَاته أَن يطاع فَلَا يعْصى غير إِذا تجنب الْكَبَائِر وَلم يصر على صَغِيرَة وَإِذا عمل صَغِيرَة يعقبها بالإستغفار كَانَ من جملَة الْمُتَّقِينَ وَالله أعلم
3 - مَسْأَلَة قَوْله عز وَجل إِن تجتنبوا كَبَائِر مَا تنهون عَنهُ نكفر عَنْكُم سَيِّئَاتكُمْ

(1/146)


@ إِلَى آخر الْآيَة
مَا الْكَبَائِر وَمَا الصَّغَائِر وَكم الْمُتَّفق عَلَيْهِ من الْكَبَائِر وَمَا الْفرق بَين الصَّغَائِر والكبائر وَهل تحْتَاج الصَّغَائِر إِلَى تَوْبَة أم لَا وَهل تذْهب الصَّغَائِر بالصلوات كَمَا جَاءَ فِي الحَدِيث أم لَا بُد من ذَلِك من التَّوْبَة وَإِن احْتَاجَت إِلَى التَّوْبَة فَمَا الْفرق بَينهمَا وَبَين الْكَبَائِر وبماذا يعد الْمصر على الصَّغِيرَة مصرا بِفعل الصَّغِيرَة مرّة وَاحِدَة أم مرَارًا أم بالعزم والنيه فَإِن قُلْنَا بِالْفِعْلِ مرَارًا فَمَا عدد تِلْكَ المرات
أجَاب رَضِي الله عَنهُ قد اخْتلف النَّاس فِي الصَّغَائِر والكبائر فِي وُجُوه مِنْهُم من نفى الْفرق من الأَصْل وَجعل الذُّنُوب كلهَا كَبَائِر وَهُوَ مطرح
وَالَّذين أثبتوا الْفرق وهم جَمَاهِير اضْطَرَبَتْ أَقْوَالهم فِي تَحْدِيد الْكَبَائِر وتعديدها

(1/147)


@
وَقد قلت فِي ذَلِك قولا رَجَوْت أَنه صَوَاب وَهُوَ أَن الْكَبِيرَة ذَنْب كَبِير وَعظم عظما يَصح مَعَه أَن يُطلق عَلَيْهِ اسْم الْكَبِير وَوصف بِكَوْنِهِ عَظِيما يَصح مَعَه أَن يُطلق عَلَيْهِ اسْم الْكَبِير وَوصف يكون عَظِيما على الْإِطْلَاق فَهَذَا فاصل لَهَا عَن الصَّغِيرَة الَّتِي وان كَانَت كَبِيرَة بِالْإِضَافَة الى مَا دونهَا فَلَيْسَتْ كَبِيرَة يُطلق عَلَيْهَا الْوَصْف بِالْكبرِ والعظم اطلاقا ثمَّ إِن لكبر الْكَبِيرَة وعظمها أَمَارَات مَعْرُوفَة بهَا مِنْهَا إِيجَاب الْحَد وَمِنْهَا أَلا يُعَاد عَلَيْهَا بِالْعَذَابِ النَّار وَنَحْوهَا فِي الْكتاب أَو السّنة وَمِنْهَا وصف فاعلها بِالْفِسْقِ نصا وَمِنْهَا اللَّعْن كَمَا قي قَوْله لعن الله من غير منار الأَرْض فِي أشباه لذَلِك لَا نحصيها وَعند هَذَا يعلم أَن عدد الْكَبَائِر غير مَحْصُور وَالله أعلم
والصغائر قد تمحى من غير تَوْبَة بالصلوات وَغَيرهَا كَمَا جَاءَ بِهِ الْكتاب وَالسّنة وَذَلِكَ أَن فَاعل الصَّغِيرَة لَو أتبعهَا حَسَنَة أَو حَسَنَات وَهُوَ غافل عَن التندم والعزم على عدم الْعود المشترطين فِي صِحَة التَّوْبَة لَكَانَ ذَلِك ماحيا لصغيرة ومكفرا لَهَا كَمَا ورد بِهِ النَّص وَإِن لم تُوجد مِنْهُ التَّوْبَة لعدم ركنها لَا لتلبسه بأضدادها والمصر على الصَّغِيرَة من تلبس من أضداد التَّوْبَة باستمرار الْعَزْم على المعاودة أَو باستدامة الْفِعْل بِحَيْثُ يدْخل بِهِ ذَنبه فِي حيّز مَا يُطلق

(1/148)


@ عَلَيْهِ الْوَصْف بصيرورته كَبِيرا وعظيما وَلَيْسَ لزمان ذَلِك وعدده حصر وَالله أعلم
4 - مَسْأَلَة فِي قَوْله تَعَالَى {وَأَن لَيْسَ للْإنْسَان إِلَّا مَا سعى} وَقد ثَبت أَن أَعمال الْأَبدَان لَا تنْتَقل وَقد ورد عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا مَاتَ الْإِنْسَان انْقَطع عَنهُ عمله إِلَّا من ثَلَاثَة صَدَقَة جَارِيَة أَو علم ينْتَفع بِهِ أَو ولد صَالح يَدْعُو لَهُ
وَقد اخْتلف فِي الْقُرْآن هَل يصل إِلَى الْمَيِّت أم لَا كَيفَ يكون الدُّعَاء يصل إِلَيْهِ وَالْقُرْآن أفضل
أجَاب رَضِي الله عَنهُ هَذَا قد اخْتلف فِيهِ وَأهل الْخَيْر وجدوا الْبركَة فِي مُوَاصلَة الْأَمْوَات بِالْقُرْآنِ وَلَيْسَ الِاخْتِلَاف فِي هَذِه الْمَسْأَلَة كالاختلاف فِي الْأُصُول بل هِيَ من مسَائِل الْفُرُوع وَلَيْسَ نَص الْآيَة الْمَذْكُورَة دَالا على بطلَان قَول من قَالَ أَنه يصل فَإِن المُرَاد أَنه لَا حق لَهُ وَلَا جَزَاء إِلَّا فِيمَا سعى فَلَا يدْخل فِيمَا يتَبَرَّع عَلَيْهِ الْغَيْر من قِرَاءَة أَو دُعَاء فانه لَا حق لَهُ فِي ذَلِك وَلَا مجازاة وَإِنَّمَا أعطَاهُ إِيَّاه الْغَيْر تَبَرعا وَكَذَلِكَ الحَدِيث لَا يدل على بطلَان قَوْله فَإِنَّهُ فِي عمله وَهَذَا من عمل غَيره
5 - مَسْأَلَة قَوْله عز وَجل الذَّاكِرِينَ الله كثيرا والذكرات مَا هُوَ الذّكر

(1/149)


@ وَمَا هُوَ مِقْدَاره الَّذِي يصير بِهِ الْمُؤمن من الذَّاكِرِينَ الله كثيرا وَهل قِرَاءَة الْقُرْآن أفضل من سَائِر الْأَذْكَار من التَّسْبِيح والتهليل وَالتَّكْبِير وَمَا معنى الحَدِيث الَّذِي رُوِيَ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ من قَرَأَ الْقُرْآن فَلهُ بِكُل حرف عشر حَسَنَات مَعَ أَنا نعلم ذَلِك بقوله عز وَجل {من جَاءَ بِالْحَسَنَة فَلهُ عشر أَمْثَالهَا} فتخصيص الْخَيْر بِقِرَاءَة الْقُرْآن بِكُل حرف عشر حَسَنَات لَا بُد لَهُ من فَائِدَة وَمَا الْحِكْمَة فِي ذَلِك وَأفضل أَوْقَات الذّكر مَا هِيَ
أجَاب رَضِي الله عَنهُ إِذا واظب على الْأَذْكَار المأثورة المثبتة صباحا وَمَسَاء وَفِي الْأَوْقَات وَالْأَحْوَال الْمُخْتَلفَة فِي ليل العَبْد ونهاره وَهِي مبينَة فِي كتاب عمل الْيَوْم وَاللَّيْلَة كَانَ من الذَّاكِرِينَ الله تبَارك وَتَعَالَى كثيرا وَقِرَاءَة الْقُرْآن أفضل من سَائِر الْأَذْكَار
وَقَوله لَهُ بِكُل حرف عشر حَسَنَات فِيهِ فَائِدَة زَائِدَة وَهِي الْأَعْلَام بِأَن الْحَسَنَة هُنَا لَيست مَخْصُوصَة فِي أَن يَأْتِي بِالْكَلِمَةِ محصورة بكمالها بل تحصل بِحرف مِنْهَا وَأفضل أَوْقَات الْأَذْكَار هِيَ الْأَوْقَات الشَّرِيفَة الْمَعْرُوفَة إِذا اقترنت بالأحوال الصافية
6 - مَسْأَلَة قَوْله عز وَجل فويل للمصلين الَّذين هم عَن صلَاتهم ساهون الَّذين

(1/150)


@ هن يراؤن وَيمْنَعُونَ الماعون من الساهون والمراؤن وَالَّذين يمْنَعُونَ الماعون وَهل إِذا فعل إِحْدَى هَذِه الثَّلَاث كَانَ من أَصْحَاب الويل أم إِذا فعل الثَّلَاث
أجَاب رَضِي الله عَنهُ الساهون الغافلون عَن الصَّلَاة التاركون لَهَا والمراؤن هم من يعْمل مَا هُوَ طَاعَة لغير الله أَو لله ولغير الله وَالَّذين يمْنَعُونَ الماعون اخْتلفُوا فِيهِ وَالْأَظْهَر أَن الماعون مهمات آلَات الْبَيْت من قدر ومغرفة وفاس ومجرفة وأشباههما هَذَا لما كَانَت الْإِعَارَة وَاجِبَة وَهُوَ ظَاهر الْآيَة ثمَّ نسخ وَالْأَظْهَر أَن اسْتِحْقَاق الويل مَخْصُوص بِمن جمع بَين الثَّلَاث وَالله أعلم
7 - مَسْأَلَة قَول الله تبَارك وَتَعَالَى فَانْظُر إِلَى آثَار رَحْمَة الله كَيفَ يحيي الأَرْض بعد مَوتهَا إِن ذَلِك لمحيي الْمَوْتَى لم أَمر بِالنّظرِ

(1/151)


@ إِلَى الْأَثر وَلم يَأْمر بِالنّظرِ إِلَى الرَّحْمَة وَهل يجوز لأحد أَن يُفَسر الْقُرْآن بِمَا يخْطر فِي نفس أَو يغلب على ظَنّه من غير نقل عَن أحد الْمُفَسّرين وَمن غير علم بِالْعَرَبِيَّةِ واللغة
أجَاب رَضِي الله عَنهُ إِنَّمَا كَانَ ذَلِك كَذَلِك لِأَن الْآيَة وَارِدَة لِلْأَمْرِ بِالنّظرِ إِلَى الْمَطَر الَّذِي يحيي الأَرْض بعد مَوتهَا والمطر الَّذِي هَذَا شَأْنه وَسَائِر صنوف الْأَنْعَام آثَار للرحمة لأنفس الرَّحْمَة فَإِن الرَّحْمَة عِنْد الْمُحَقِّقين من صِفَات الذَّات نَحْو الارادة وَلَا سَبِيل إِلَى النّظر اليها وَمهما سمي الْمَطَر وَغَيره من وُجُوه الإنعام رَحْمَة فعلى سَبِيل التَّجَوُّز وَالْأَصْل هُوَ الأول
وَأما تَفْسِير الْقُرْآن مِمَّن هُوَ على الصّفة الْمَذْكُورَة فَمن كَبَائِر الْإِثْم وَرووا عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ من قَالَ فِي الْقُرْآن بِرَأْيهِ فَليَتَبَوَّأ مَقْعَده من النَّار
وَفِي رِوَايَة من قَالَ فِي الْقُرْآن بِغَيْر علمه فَليَتَبَوَّأ مَقْعَده من النَّار خرجه أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيّ فِي جَامعه وَخرج أَيْضا عَن جُنْدُب أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ من قَالَ فِي الْقُرْآن بِرَأْيهِ فَأصَاب فقد أَخطَأ
الحَدِيث الأول من حسانها وَهَذَا دونه والمفسر الْمَوْصُوف قَائِل فِي الْقُرْآن قولا لَا يسْتَند إِلَى أصل وَحجَّة تعتمد وَهَذَا هُوَ القَوْل بِالرَّأْيِ المذموم قَائِله وَقَوله فِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى من قَالَ فِي الْقُرْآن بِغَيْر علم كالمفسر لهَذَا ونسأل الله الْعِصْمَة من ذَلِك وَمن سَائِر مَا يسخطه سُبْحَانَهُ وَهُوَ سُبْحَانَهُ أعلم
8 - مَسْأَلَة فِي قَوْله الله عز وَجل كل من عَلَيْهَا فان وَيبقى وَجه رَبك ذُو

(1/152)


@ الْجلَال وَالْإِكْرَام هَل يجوز الْوَقْف على قَوْله سُبْحَانَهُ وَيبقى والابتداء بِمَا بعده وَفِي الْوَقْف على فان وفيمن قَالَ إِنَّمَا الْوَقْف على قَوْله عز وَجل وَيبقى دون قَوْله فان
أجَاب رَضِي الله عَنهُ الْوَقْف على وَيبقى مِمَّا يجب أَن يعاف ويتقى لِأَنَّهُ مَعَ أَنه مُخَالف قَول من تناهى إِلَيْنَا قَوْله من مفسري الْقرَان الْعَظِيم ومقرئيه وَالْعُلَمَاء فَإِنَّهُ يَدْفَعهُ الدَّلِيل ويأباه لِأَنَّهُ ترك للظَّاهِر الأسبق الى الْفَهم وَقد تقرر أَنه غير سَائِغ إِلَّا مُسْتَند يُقَوي قُوَّة يصير بِهِ خلاف الظَّاهِر أرجح مِنْهُ وَلَيْسَ الْوَقْف على يبْقى مُسْتَند يتنزل هَذِه الْمنزلَة وَلَا قَرِيبا مِنْهَا وقصارى الصائر إِلَيْهِ أَن يبين اتجاه معنى أَو مَجِيئه على مُتَقَدم نقلا واحتماله معنى لَا يسوغه مَعَ أَن الْأَظْهر غَيره وَنَقله غير مُتَقَدم لَو ترك فِي يَده لم يَنْفَعهُ لِأَنَّهُ لَا يجوز الْعُدُول عَن قَول الجماهير بِمُجَرَّد قَول فأرد وَهَذَا وَإِن فِيهِ إِثْبَات تَفْسِير الاية أَو نَحوه يبْعَث الشذوذ فِي الْقرَان كَمَا فِي الأَصْل والجرأة عَلَيْهِ عَظِيمَة وَإِنَّمَا يتوقاها المتقون وَالله أعلم
9 - مَسْأَلَة مَا قَول أَئِمَّة الحَدِيث وَالتَّفْسِير وَالْعُلَمَاء بِالْأَيَّامِ وَالسير

(1/153)


@ فِي الْبَقَرَة الْمَذْكُورَة فِي الْقُرْآن الْعَزِيز فِي سُورَة الْبَقَرَة هَل هِيَ أُنْثَى أَو ذكر وَفِي بغلة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم المسماه بدلدل هَل هِيَ أُنْثَى أَو ذكر بينوا ذَلِك
أجَاب رَضِي الله عَنهُ كل مِنْهُمَا أُنْثَى لَا ذكر وَلَا تستفيد ذَلِك من هَاء التَّأْنِيث فيهمَا فَإِنَّهُ يُقَال للذّكر بقرة وَبغلة أَيْضا حَتَّى صَار بعض أَئِمَّة الشافعيين إِلَى أَنه لَو أوصى ببقرة أَو بغلة جَازَ إِخْرَاج الذّكر وَالْأُنْثَى وَمن خصص بِالْأُنْثَى فلغة عرف الِاسْتِعْمَال فِيهَا لَا لِأَنَّهَا فِي اللُّغَة مَخْصُوصَة بِالْأُنْثَى وَإِنَّمَا استفدنا الْأُنُوثَة فِي المذكورتين من معارف غير ذَلِك أما الْبَقَرَة فَفِي إناثها مَا يُوضح الْأُنُوثَة فِيهَا وَذَلِكَ فِي غير مَوضِع مِمَّا ذكره الله تبَارك وَتَعَالَى فِي صفاتها فَمن ذَلِك قَوْله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى {عوان بَين ذَلِك} فان صفة الْأُنْثَى النّصْف وَفِي التَّفْسِير أَنَّهَا الْأُنْثَى الَّتِي ولدت بَطنا أَو بطنين وَمن ذَلِك قَوْله {صفراء فَاقِع لَوْنهَا} فَإِنَّهُ إِذا قيل للذّكر بقرة قيل عِنْد الْوَصْف بقرة أصفر لَا صفراء وَلذَلِك لَا يُقَال تسر بل يسر وَفِي ذَلِك غير هَذَا

(1/154)


@
وَأما بغلة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم المسماه بدلدل فَمن الدَّلِيل على أَنَّهَا كَانَت أُنْثَى مَا جَاءَ فِي خَبَرهَا عَن مُوسَى بن مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم عَن أَبِيه قَالَ كَانَت دُلْدُل بغلة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أول بغلة رؤيت فِي الْإِسْلَام أهداها لَهُ الْمُقَوْقس
قَالَ الرَّاوِي وَبقيت حَتَّى كَانَ زمن مُعَاوِيَة وروى مُحَمَّد بن سعد بِسَنَد لَهُ أَن اسْم بغلة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الدلْدل وَكَانَت شهباء وَكَانَ بينبع حتي مَاتَت ثمَّ قَالَ ابْن سعد وَهُوَ ثِقَة أخبرنَا مُحَمَّد بن عبد الله الْأَسدي وَقبيصَة بن عقبَة قَالَا حَدثنَا سُفْيَان الثَّوْريّ عَن جَعْفَر عَن أَبِيه قَالَ كَانَت بغلة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تسمى الشَّهْبَاء وَهَذَا إِسْنَاد رِجَاله أثبت وبمثل هَذَا لَا يُوصف بِهِ الذّكر وَإِن أَجَازُوا فِيهِ أَن يُقَال بغلة فَلم يخبروا فِي صفة وَفِيمَا يرجع إِلَيْهِ من الضمائر مثل هَذَا الَّذِي ترَاهُ وبابه وَلَا الْتِفَات فِي ذَلِك إِلَى تَأْنِيث اللَّفْظ كَمَا فِي قَوْلنَا طَلْحَة وَحَمْزَة فَلَا يُقَال طَلْحَة سرتني أَو كَانَت وَنَحْو ذَلِك وَلَا حَمْزَة الْبَيْضَاء بل الْأَبْيَض فَقَط وَالله أعلم

(1/155)


@ ثمَّ إِذا ضم مَا أردته من أَمر دُلْدُل إِلَى مَا رَوَاهُ البُخَارِيّ فِي صَحِيحه عَن الْحَارِث صهر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أخي جوَيْرِية بنت الْحَارِث أم الْمُؤمنِينَ وَهُوَ أحد الصَّحَابَة الَّذين تفرد البُخَارِيّ عَن مُسلم بِإِخْرَاج حَدِيثهمْ قَالَ مَا ترك رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عِنْد مَوته درهما وَلَا دِينَارا وَلَا عبدا وَلَا أمة وَلَا شَيْئا إِلَّا بغلته الْبَيْضَاء الَّتِي كَانَ يركبهَا وسلاحه وأرضا جعلهَا لِابْنِ السَّبِيل صَدَقَة
ظهر من ذَلِك أَن بغلته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم المسماه بدلدل هِيَ الَّتِي تسمى الْبَيْضَاء وَكَانَت تسمى الشَّهْبَاء ذكره السُّهيْلي صَاحب الرَّوْض الْأنف فِي شرح السِّيرَة من أَن الْمُسَمَّاة بالبيضاء غير الْمُسَمَّاة بدلدل غير مرض ومعتمد وَالله أعلم
10 - مَسْأَلَة قَوْله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ولنبلونكم حَتَّى نعلم الْمُجَاهدين مِنْكُم وَالصَّابِرِينَ ونبلوا أخباركم فَعلم الله السَّابِق وَهُوَ قَوْله

(1/156)


@ حَتَّى نعلم الْمُجَاهدين مِنْكُم أَو هُوَ علم يَأْتِي وَسمعت شخصا يَقُول فِي هَذِه الْآيَة حَتَّى نعلم يَتَجَدَّد لَهُ علم ثَان وَالْحق سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لَهُ علمَان أَو علم وَاحِد بَين لنا هَذَا على الْوَجْه الصَّحِيح الَّذِي لَا ريب فِيهِ فِي الدّين
أجَاب رَضِي الله عَنهُ الَّذِي قَالَه الشَّخْص خطأ وَلَا يَتَجَدَّد لله سُبْحَانَهُ علم وَإِنَّمَا علمه يخْتَلف مُتَعَلقَة فَتعلق قبل وجود مجاهدتهم بِأَنَّهُ يستوجد مجاهدتهم وَبعد وجودهَا بِأَنَّهَا قد وجدت فَإِذا معنى الْآيَة حَتَّى نعلم مجاهدتكم مَوْجُودَة فنجازيكم عَلَيْهَا وَالله أعلم

(1/157)