فتاوى ابن الصلاح

@
الْقسم الثَّانِي
فِي شرح أَحَادِيث وَردت عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
فَمن ذَلِك
11 - مَسْأَلَة فِي قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُؤْتى بالعالم يَوْم الْقِيَامَة فَيُقَال إِنَّمَا تعلمت الْعلم ليقال كَذَا وَكَذَا وَقد قيل الحَدِيث

(1/158)


@ مَا مَعْنَاهُ أَيحلُّ على أَنه كَانَت لَهُ حَسَنَات غير الْعلم فأحبطت نِيَّته فِي الْعلم حَسَنَاته وَهَذَا خلاف قَوْله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى إِن الْحَسَنَات يذْهبن السَّيِّئَات أَو يحمل على أَنه لم يكن لَهُ حَسَنَة سوى الْعلم وَكَذَا الْمُجَاهِد وَهَذَا خلاف الظَّاهِر أم لَهُ معنى غير هذَيْن
أجَاب رَضِي الله عَنهُ هَذَا فِي شخص كَانَ بِمَثَابَة لَو أخْلص فِيهَا فِي علمه لنجاه علمه من الْعَذَاب الَّذِي وجد مُقْتَضَاهُ فَلَمَّا لم يخلص نزل بِهِ مُوجب الْمُقْتَضى لعذاب أَو هَذَا فِيمَن ترجحت سيئاته لريائه بِالْعلمِ على حَسَنَاته فَلم تدفع عَنهُ حَسَنَاته عَذَاب ذَنْب الرِّيَاء فعذب وَالله أعلم
21 - مَسْأَلَة قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الصَّلَاة إِلَى الصَّلَاة كَفَّارَة لما بَينهمَا وَالْجُمُعَة إِلَى الْجُمُعَة كَفَّارَة لما بَينهمَا ورمضان إِلَى رَمَضَان كَفَّارَة لما بَينهمَا

(1/159)


@ وَإِذا كَانَت الصَّلَاة إِلَى الصَّلَاة كَفَّارَة لما بَينهَا فَمَا يكفر الْجُمُعَة ورمضان بَين لنا
أجَاب رَضِي الله عَنهُ هِيَ كَفَّارَات وَإِن لم تصادف شَيْئا تكفره بِمَعْنى أَنَّهَا أَسبَاب للتكفير وَقد يَنْتَفِي عَن السَّبَب مسببه لأمر من الْأُمُور فَلَا يُخرجهُ ذَلِك عَن كَونه سَببا ثمَّ جَوَاب آخر وَهُوَ أَن الصَّلَوَات الْخمس كَفَّارَة للصغائر على مَا نطق بِهِ الحَدِيث والمرجو أَن الْكَفَّارَة الثَّانِيَة إِذا لم تصادف صَغِيرَة تكفر بعض الْكَبَائِر وَالله أعلم
13 - مَسْأَلَة فِي أَن الْخَبَر إِذا ورد من جِهَة الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لَا يتَصَوَّر وجوده على خلاف الْمخبر بِهِ وَهل هُوَ كَمَا أطلق أم ثمَّ فرق بَين وعد ووعيده وَإِذا لم يَصح الْإِطْلَاق فَمَا الْفرق بَينهمَا وَهل يَكْفِي فِي الْفرق أَن يُقَال إِن إخلاف الْوَعيد لَا يَلِيق بِجَانِب الله تَعَالَى وَالْعَفو عَن الْوَعيد لَائِق بِهِ أم لَا
أجَاب رَضِي الله عَنهُ نعم هُوَ على أصح إِطْلَاقه فَلَا يَقع أصلا شَيْء من أخباره على خلاف مخبره وَمن ذَلِك الْوَعْد وَأما الْوَعيد فالعفو متطرق إِلَيْهِ وَلَيْسَ ذَلِك خلفا فِي خَبره فِيهِ فَإِن الْوَعيد مُقَيّد من حَيْثُ الْمَعْنى بِحَالَة عدم الْعَفو فَإِذا قَالَ لأعذبن الظَّالِم مثلا فتقديره إِن لم أعف عَنهُ أَو إِلَى أَن أسامحه أَو أتكرم عَلَيْهِ وَنَحْو هَذَا وَهَذَا الْقَيْد عرف من عَادَة الْعَرَب فِي إيعاداتها وَمن أَخْبَار الشَّارِع عَن ذَلِك على الْجُمْلَة والعموم فِي مثل قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِيمَا روينَاهُ عَن وعد الله على من عمل ثَوابًا فَهُوَ

(1/160)


@ منجز لَهُ وَمن وعده على عمل عقَابا فَهُوَ بِالْخِيَارِ إِن شَاءَ عذبه وَإِن شَاءَ غفر لَهُ وَالله أعلم
14 - مَسْأَلَة رُوِيَ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ يدْخل فُقَرَاء أمتِي الْجنَّة قبل أغنيائها بِنصْف يَوْم فَهَل هَذَا يُطلق على الْفَقِير الَّذِي قد جمع بَين الْعلم وَالْعَمَل أم الْفَقِير الَّذِي قد منع الدُّنْيَا وَلَا حَظّ لَهُ فِيهَا فَيكون دُخُوله الْجنَّة جبرا لِقَلْبِهِ يَوْم الْقِيَامَة حَيْثُ يتَمَنَّى شَيْئا لَا يقدر عَلَيْهِ وَإِن أطلق ذَلِك على الْفَقِير الَّذِي قد جمع بَين الْعلم وَالْعَمَل فَذَلِك هُوَ الْغَنِيّ الْأَكْبَر وَمَا هُوَ الْفَقِير والغني الَّذِي ورد فيهم بَين لنا
أجَاب رَضِي الله عَنهُ يدْخل فِي هَذَا الْفَقِير الَّذِي لَا يملك شَيْئا والمسكين الَّذِي يملك شَيْئا وَلَكِن لَا يملك تَمام كِفَايَته إِذا كَانُوا مُؤمنين غير مرتكبين شَيْئا من الْكَبَائِر وَلَا مصرين على شَيْء من الصَّغَائِر وَيشْتَرط فِي ذَلِك أَن يَكُونَا صابرين على الْفقر والمسكنة راضين بهما وَالله أعلم
15 - مَسْأَلَة قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خير الْقُرُون قَرْني الَّذِي أَنا فِيهِ ثمَّ

(1/161)


@ الَّذِي يَلُونَهُمْ الحَدِيث مَا الْفرق بَين هَذَا وَبَين قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على تَقْدِير صِحَّته أمتِي كالغيث لَا يدْرِي أَوله خير أم آخِره وَمَا معنى قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم للصَّائِم فرحتان فرحة عِنْد إفطاره وفرحة عِنْد لِقَاء ربه الفرحة عِنْد افطاره مَا هِيَ كَونه يفرح بِالْأَكْلِ وَالشرب وفرحة كَونه حصلت لَهُ عبَادَة هَذَا الْيَوْم
أجَاب رَضِي الله عَنهُ أما الحديثان الْأَوَّلَانِ فَلَا تنَاقض بَينهمَا لِأَن آخر الْأمة فِي الحَدِيث الثَّانِي المضطرب عبارَة عَن الْمهْدي وَعِيسَى بن مَرْيَم صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَمن مَعَهُمَا وَأما فرحة الصَّائِم عِنْد إفطاره فَجَائِز حملهَا على الْأَمريْنِ فرحة النَّفس بِمَا تتَنَاوَل وَلَا مَحْذُور فِيهَا وفرحة بِتمَام الْعِبَادَة الفاضلة لَهُ وَالله أعلم

(1/162)


- مَسْأَلَة قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِنَّهَا من الطوافين عَلَيْكُم على مَاذَا يحمل وَهُوَ أَنا نغفل عَن الصّبيان الصغار من الْأَوْلَاد الَّذين لَا يُمكنهُم التحرر مِنْهُم كَمَا لَا يُمكن فِي الطوافات لِلْعِلَّةِ وَلَو تيقنت النَّجَاسَة مِنْهُم فِي مَحل الْعَفو عَنْهَا فِي مثله مِنْهَا وَهل يجوز استنقاذ كتب الْمُسلمين من بِلَاد الفرنج وَالْقِرَاءَة فِيهَا بِنَاء على أَنه مَتى جَازَ بهَا دَفعهَا اليه بِلَا شَيْء وَلَا عوض
أجَاب رَضِي الله عَنهُ الطوافون الخدم والطوافات الخدامات وأفواه الْأَطْفَال الَّتِي يغلب نجاستها الظَّاهِر أَنَّهَا كأفواه السناير فِي الْعَفو وَالله أعلم واستنقاذ الْكتب الْمَذْكُورَة حسن ثمَّ لَا يجوز الْقِرَاءَة فِيهَا وَالِانْتِفَاع بهَا فِي الْحَال وَالظَّاهِر أَنه اذا قرفها سنة كَمَا فِي تَعْرِيف اللّقطَة جَازَ لَهُ تَملكهَا كَمَا يتَمَلَّك اللّقطَة

(1/163)


- مَسْأَلَة روى أَبُو عبد الله البُخَارِيّ وَأَبُو الْحسن مُسلم رحمهمَا الله تَعَالَى فِي صَحِيحَيْهِمَا من حَدِيث عبد الله بن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ قَالَ حَدثنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ الصَّادِق المصدوق أَن أحدكُم يجمع خلقه فِي بطن أمه أَرْبَعِينَ يَوْمًا ثمَّ يكون علقَة مثل ذَلِك ثمَّ يكون مُضْغَة مثل ذَلِك ثمَّ يبْعَث الله الْملك وَذكر بَاقِي الحَدِيث
وَفِي الحَدِيث الَّذِي انْفَرد مُسلم بِإِخْرَاجِهِ من حَدِيث أبي شريحة حُذَيْفَة بن أسيد الْغِفَارِيّ أَنه سمع رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول إِذا مر بالنطفة ثِنْتَانِ وَأَرْبَعُونَ لَيْلَة بعث الله إِلَيْهَا ملكا فصورها وَذكر بَاقِي الحَدِيث

(1/164)


@
فَفِي الحَدِيث الأول إِشْعَار بِأَن الله تَعَالَى يُرْسل الْملك بعد مائَة وَعشْرين لَيْلَة وَفِي الحَدِيث الثَّانِي تَصْرِيح بِأَن الْملك يبْعَث بعد أَرْبَعِينَ لَيْلَة فَكيف الْجمع بَين هذَيْن الْحَدِيثين
أجَاب رَضِي الله عَنهُ حَدِيث حُذَيْفَة بن أسيد هَذَا لم يُخرجهُ البُخَارِيّ فِي كِتَابه وَلَعَلَّ ذَلِك لكَونه لم يجده يلتئم مَعَ حَدِيث ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنْهُمَا وَوجد حَدِيث ابْن مَسْعُود أقوى وَأَصَح فارتاب بِحَدِيث حُذَيْفَة الَّذِي مَدَاره على أبي الطُّفَيْل عَامر بن وائلة عَنهُ فَأَعْرض عَنهُ وَأما مُسلم فَإِنَّهُ خرج الْحَدِيثين مَعًا فِي كِتَابه فأحوجنا إِلَى تطلب وَجه يلتئمان بِهِ وَلَا يتنافران وَقد وَجَدْنَاهُ وَللَّه الْحَمد الأتم فَأَقُول الْملك يُرْسل غير مرّة إِلَى الرَّحِم يُرْسل مرّة عقيب الْأَرْبَعين الأولى بِدلَالَة حَدِيث حُذَيْفَة بن أسيد بألفاظه فِي رواياته المتعددة فَيكْتب رزقه وأجله وَعَمله وحاله فِي السَّعَادَة والشقاء وَغير ذَلِك وَيُرْسل مرّة أُخْرَى عقيب الْأَرْبَعين الثَّانِيَة فينفخ فِيهِ الرّوح بِدلَالَة حَيْثُ ابْن مَسْعُود وَغَيره ثمَّ أَنه يشكل وَرَاء هَذَا من حَدِيث حُذَيْفَة فِي قَوْله فِي بعض رواياته عِنْد ذكر إرْسَال الْملك عقيب الْأَرْبَعين الأولى فصورها وَخلق سَمعهَا وبصرها وجلدها ولحمها وعظامها ثمَّ قَالَ يَا رب ذكر أَو أُنْثَى فَيَقْضِي رَبك مَا شَاءَ وَيكْتب إِلَى آخِره
وَمن الْمَعْلُوم أَن هَذَا التَّصْوِير لَا يكون فِي الْأَرْبَعين الثَّانِيَة فَإِنَّهُ يكون فِيهَا علقَة وَإِنَّمَا يكون هَذَا التَّصْوِير قَرِيبا من نفخ الرّوح وَهَكَذَا روينَا ذَلِك مُصَرحًا بِهِ فِي بعض رِوَايَات حَدِيث حُذَيْفَة خَارج الصَّحِيح وسبيل الْجَواب عَن هَذَا الْإِشْكَال أَن يحمل قَوْله فصورها على معنى فصورها قولا كتابا لَا فعلا أَي فَذكر تصويرها وَكتب ذَلِك وَالدَّلِيل على صِحَة هَذَا أَن جعلهَا

(1/165)


@ ذكرا أَو أُنْثَى يكون مَعَ التصاوير الْمَذْكُورَة وَقد قَالَ فِي جعله ذكرا أَو أُنْثَى فَيَقْضِي رَبك مَا شَاءَ وَيكْتب الْملك الى آخِره
وَيشكل أَيْضا من حَدِيث ابْن مَسْعُود أَن البُخَارِيّ رَوَاهُ بِهَذَا اللَّفْظ وَهُوَ أَن خلق أحدكُم يجمع فِي بطن أمه أَرْبَعِينَ يَوْمًا أَو أَرْبَعِينَ لَيْلَة ثمَّ يكون علقَة مثله ثمَّ يكون مُضْغَة مثله ثمَّ يبْعَث الله إِلَيْهِ الْملك فَيُؤذن بِأَرْبَع كَلِمَات فَيكْتب رزقه وأجله وَعَمله وشقي أم سعيد ثمَّ ينْفخ فِيهِ الرّوح فَقَوله ثمَّ يبْعَث إِلَيْهِ الْملك بِحرف ثمَّ تَقْتَضِي تَأْخِير كتب الْملك الْأُمُور الْأَرْبَعَة إِلَى مَا بعد الْأَرْبَعين الثَّالِثَة وَحَدِيث حُذَيْفَة بن أسيد قَاضِي بِتَقْدِيم كتب الْملك لذَلِك عقيب الْأَرْبَعين الأولى وسبيل الْخُرُوج عَن إِشْكَال ذَلِك أَن يَجْعَل قَوْله ثمَّ يبْعَث الله إِلَيْهِ الْملك فَيُؤذن فَيكْتب مَعْطُوفًا على قَوْله يجمع فِي بطن أمه أَرْبَعِينَ يَوْمًا ومتعلقا بِهَذَا إِلَّا بِالَّذِي يَلِيهِ قبله وَهُوَ قَوْله ثمَّ يكون مُضْغَة مثله وَيكون قَوْله ثمَّ يكون علقَة مثله ثمَّ يكون مُضْغَة مثله إعتراضا وَقع بَين الْمَعْطُوف والمعطوف عَلَيْهِ والاعتراض بأمثال ذَلِك فِي كَلَام الله تبَارك وَتَعَالَى وَكَلَام الْعَرَب غير قَلِيل
وَمن ذَلِك قَوْله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى {فسبحان الله حِين تمسون وَحين تُصبحُونَ وَله الْحَمد فِي السَّمَاوَات وَالْأَرْض وعشيا وَحين تظْهرُونَ} فَقَوله وعشيا لَيْسَ مُتَعَلقا بِالَّذِي يَلِيهِ قبله وَهُوَ قَوْله وَله الْحَمد فِي السَّمَوَات وَالْأَرْض ومعطوفا عَلَيْهِ بل مُتَعَلقا بِمَا سبق من قَوْله وَحين تُصبحُونَ وَقَوله وَله الْحَمد فِي السَّمَوَات وَالْأَرْض اعتراضا بَينهمَا

(1/166)


@ إِذا عرفت هَذَا فَقَوله ثمَّ ينْفخ فِيهِ الرّوح مُتَّصِل بقوله ثمَّ يكون مُضْغَة مثله لِأَنَّهُ فِي نِيَّة التَّأْخِير لما ذَكرْنَاهُ فَافْهَم ذَلِك واعرفه فَإِنَّهُ مُشكل عويص جدا لَا أحد نعلمهُ تقدم بحله وَقد أوضحته ايضاحا ينشرح لَهُ صدر الفاهم الآهل وَالله سُبْحَانَهُ الْمَحْمُود حَقًا
وَقد كَانَ الْحَافِظ عِيَاض بن مُوسَى القَاضِي من المغاربة قد تعرض لذَلِك مُقْتَصرا على رِوَايَة مُسلم لحَدِيث ابْن مَسْعُود وَذَلِكَ فِيهَا بِحرف الْوَاو لَا بِحرف ثمَّ ولفظها ثمَّ يُرْسل الْملك فينفخ فِيهِ الورح وَيُؤمر بِأَرْبَع كَلِمَات يكْتب رزقه إِلَى آخِره وَأجَاب بِأَن الْوَاو لَا تَقْتَضِي ترتيبا وَهَذَا الَّذِي أَتَى بِهِ سهل إلايتاء مثله فِي رِوَايَة البُخَارِيّ الَّتِي هدَانَا الله الْكَرِيم لشرح مَعْنَاهَا وَله الْحَمد كُله وَالله أعلم
18 - مَسْأَلَة قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم التائب من الذَّنب كمن لَا ذَنْب لَهُ هَل خرج فِي الصَّحِيح أم لَا وَهل يصير فِي عقيب التَّوْبَة كمن لَا

(1/167)


@ ذَنْب لَهُ ليحكم القَاضِي برشده فِي تَزْوِيج ابْنَته أَو موليته أم لَا بُد من إصْلَاح الْعَمَل بعد التَّوْبَة إِلَى مُدَّة مَعْلُومَة وَكَيف حكم الله فِي ذَلِك
أجَاب رَضِي الله عَنهُ لم يخرج فِي الصِّحَاح وَلم نجد لَهُ إِسْنَادًا يثبت بِمثلِهِ الحَدِيث والتائب يلْحق عِنْد بعض أَصْحَابنَا بالمستور من غير توقف على إصْلَاح الْعَمَل فِي الْمدَّة الْمَعْلُومَة وَلَا بَأْس بِالْعَمَلِ بِهَذَا والمستور يَلِي التَّزْوِيج وَلَا يخرج على الْخلاف فِي الْفَاسِق
19 - مَسْأَلَة رجلَانِ تشاجرا فِي قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ينزل ربكُم فِي كل لَيْلَة إِلَى سَمَاء الدُّنْيَا الحَدِيث بِتَمَامِهِ فَقَالَ أَحدهمَا ينزل وَكَذَا فِي جَمِيع الصِّفَات وَجَمِيع الْآيَات وَالْأَخْبَار لَا تتأول وكل وَاحِد يَدعِي الصِّحَّة فِي قَوْله
أجَاب رَضِي الله عَنهُ الَّذِي عَلَيْهِ الصالحون من السّلف وَالْخلف رَضِي الله عَنهُ الِاقْتِصَار فِي ذَلِك وَأَمْثَاله على الْإِيمَان الْجملِي بهَا والإعراض عَن الْخَوْض فِي مَعَانِيهَا مَعَ اعْتِقَاد التَّقْدِيس الْمُطلق وانه لَيْسَ مَعْنَاهَا مَا يفهم من مثلهَا فِي حق الْمَخْلُوق وَالله أعلم

(1/168)


- مَسْأَلَة فِي معنى قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الحَدِيث الَّذِي يرويهِ أَبُو هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ وَهُوَ قَوْله كل مَوْلُود يُولد على الْفطْرَة فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ وَيُنَصِّرَانِهِ ويمجسانه فَهَل المُرَاد بالفطرة الْمَذْكُورَة هِيَ فطْرَة الْإِسْلَام والفطرة الَّتِي هِيَ الْخلق والإبداع والاختراع أجَاب رَضِي الله عَنهُ مَعْنَاهُ وَالله أعلم أَنه يُولد غير متلبس بِحَقِيقَة الْكفْر فَإِنَّهُ بالاعتقاد وَلَا وجود قطعا فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ قبل الْبلُوغ من حَيْثُ الْأَحْكَام تبقى وَبعد الْبلُوغ بتقليده لَهما فِي حَقِيقَة الْكفْر مُبَاشرَة مِنْهُ وملابسه مِنْهُ للكفر وَأما مَا ورد من أَن الشقي من شقي فِي بطن أمه فَالْمُرَاد بِهِ أَن يكْتب الْملك عَلَيْهِ ذَلِك إِخْبَارًا عَمَّا يُوجد مِنْهُ إِذا بَاشر الْكفْر وَفِي قَوْله وَالله أعلم بِمَا كَانُوا عاملين اشعارا بِأَنَّهُ قد يكْتب عَلَيْهِ الشَّقَاء وَيحكم بِهِ عَلَيْهِ بِنَاء على مَا يُعلمهُ الله تَعَالَى مِنْهُ من أَنه لَو أَحْيَاهُ الى

(1/169)


@ حِين يسْتَقلّ بِالْإِيمَان وَالْكفْر لاختار الْكفْر وَكفر كَمَا جَاءَت الرِّوَايَة بذلك مُصَرحًا بِهِ فِي بعض الْأَحَادِيث فَيخرج من ذَلِك أَنا لَا نستلزم الحكم بِأَن من مَاتَ من أَطْفَال الْمُشْركين فَهُوَ فِي الْجنَّة وَكَذَا فِي أشباههم من المجانين وَالله أعلم
21 - مَسْأَلَة فِي معنى قِرَاءَة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على أبي {لم يكن الَّذين كفرُوا} بِأَمْر الله تَعَالَى مَا المُرَاد بذلك وَمَا وَجه تَخْصِيص هَذِه الصُّورَة بِالذكر وَمَا الحكم فِي ذَلِك
أجَاب رَضِي الله عَنهُ فِي ذَلِك فَوَائِد مِنْهَا كَونه يسن بذلك عرض الْقُرْآن على مَا يحفظه وَيعرف كَمَا هُوَ الْمَعْرُوف من قِرَاءَة القارىء على المقرىء وَمِنْهَا أَن أَبَيَا كَانَ موثوقا بِهِ فِي الْأَخْذ وَالْأَدَاء عَنهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَفعل ذَلِك ليؤدي عَنهُ وَفِيه حض لَهُ على الْقَصْد وَفِي قِرَاءَة الْقُرْآن عَلَيْهِ فَكَانَ رَضِي الله عَنهُ بعده صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رَأْسا وإماما
وَأما تَخْصِيص هَذِه السُّورَة فَمن الْمَعْنى فِيهَا أَنَّهَا مَعَ وجازتها جَامِعَة

(1/170)


@ لأصول وقواعد ومهام عَظِيمَة وَكَانَ الْوَقْت يَقْتَضِي ترك التَّطْوِيل وَالله أعلم
22 - مَسْأَلَة قَول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا تقوم السَّاعَة حَتَّى تخرج نَار من قَعْر عدن تَسوق النَّاس إِلَى الْمَحْشَر فَهَل يكون هَذَا السُّوق قبل موت الْخلق أَو بعد خُرُوجهمْ من الأجداث
أجَاب رَضِي الله عَنهُ بل قبل موت الْخلق وَقَوله لَا تقوم السَّاعَة شَاهد بذلك وَالله أعلم
23 - مَسْأَلَة فِيمَا رُوِيَ عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ لعن الله من أكْرم غَنِيا لغناه وأهان فَقِيرا لفقره
وَعنهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ لعن الله من أكْرم بالغنى وأهان بالفقر هَل يدْخل تَحت هَذَا اللَّعْن شيخ يزار يَجِيئهُ الْفَقِير والغني وَأَبْنَاء الدولة وَمن هُوَ من ذَوي الولايات والتسلط يتَكَلَّف لأبناء الدُّنْيَا ويحضر للْفَقِير مَا يَتَيَسَّر أم لَا
أَولا فان هذَيْن الْحَدِيثين لَا نعرفهما من جِهَة تصح تقوم بهَا

(1/171)


@ الْحجَّة وَقد أخرج أَبُو شُجَاع شيروية الْهَمدَانِي صَاحب الفردوس فِيهِ من حَدِيث أبي ذَر الْغِفَارِيّ رَضِي الله عَنهُ أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ قَالَ لعن الله فَقِيرا تواضع لَغَنِيّ من أجل مَاله من فعل ذَلِك مِنْهُم فقد ذهب ثلثا دينه لَكِن لَيْسَ مِمَّا يَقع عَلَيْهِ الِاعْتِمَاد فان صَاحب كتاب الفردوس جمع فِيهِ بَين الصَّحِيح والسقيم وَبلغ بِهِ الإنحلال إِلَى أَن أخرج أَشْيَاء من الْمَوْضُوع ويداني هَذَا الحَدِيث فِي مَعْنَاهُ مَا يرْوى من أَنه من تضعضع لَغَنِيّ ذهب نصف دينه
وأخبرت عَن أبي الْفتُوح الشاذ ياخي وَغَيره قَالُوا أَنبأَنَا الْأُسْتَاذ أَبُو الْقَاسِم الْقشيرِي قَالَ سَمِعت الْأُسْتَاذ أَبَا عَليّ الدقاق رَحمَه

(1/172)


@ الله تَعَالَى يَقُول فِي الْخَبَر من تواضع لَغَنِيّ لأجل غناهُ ذهب ثلثا دينه فان اعْتقد فَضله بِقَلْبِه كَمَا تواضع لَهُ بِلِسَانِهِ وَنَفسه ذهب دينه كُله هَذَا كَلَام ثمَّ أَنا نعلم أَن هَذِه الْأَحَادِيث وَإِن لم تثبت من حَيْثُ الرِّوَايَة فَمَا تَقْتَضِيه من ذمّ إكرام الْغَنِيّ لغناه وإهانة الْفَقِير ثَابت صَحِيح وَذَلِكَ إِن لم ينْتَه بفاعله إِلَى فظاعة اللَّعْن وَذَهَاب ثُلثي الدّين فَهُوَ مُنكر قَبِيح على الْجُمْلَة فَإِن فِيهِ تَعْظِيم الدُّنْيَا الَّتِي هِيَ مجمع الْآفَات وَأم الْخَبَائِث ويستلزم ذَلِك من ضعف قوى التَّقْوَى أمرا عَظِيما لَكِنَّهَا لَا تتَنَاوَل من أكْرم الْغَنِيّ مُطلقًا بل من أكْرم الْغَنِيّ من أجل غناهُ أَي كَانَ الْبَاعِث لَهُ على إكرامه مَا عِنْده من الدُّنْيَا واستعظام مَا اتّصف بِهِ من الْغنى فَلَا يدْخل فِي ذَلِك من أكْرم الْغَنِيّ لِمَعْنى آخر لَا يذمه الشَّرْع ويأباه بِأَن يقْصد بِهِ حفظ قلب الْغَنِيّ لعلمه بِأَنَّهُ إِن لم يفعل تأذى أَو ترغيبه فِي إكرام الأضياف أَو يُرِيد بِهِ دفع شَره وصيانة نَفسه وإياه عَن مَحْذُور غيبته أَو توطيئته لما يُرِيد أَن يَأْمُرهُ بِهِ من الْخَيْر فَهَذَا وَمَا أشبهه من الْمَقَاصِد الصَّحِيحَة إِذا اقْترن بِفعل ذَلِك فَهُوَ حسن غير مَذْمُوم وَالْفَاعِل لَهُ بنية التَّقَرُّب مأجور غير مأزور وتكلف هَذَا الْمَذْكُور لأبناء الدُّنْيَا إِذا كَانَ لشَيْء من هَذِه الْمَقَاصِد المستقيمة فَلَيْسَ فِي إكرام الْغَنِيّ لغناه فِي شَيْء أصلا وَكَذَلِكَ اقْتِصَاره فِي حق الْفَقِير على إِحْضَار مَا تيَسّر إِذا كَانَ ذَلِك يَكْفِي الْفَقِير ويرضيه من غير أَن يقْتَرن بِهِ استحقار مِنْهُ للْفَقِير وَفَقره لَيْسَ من إهانة الْفَقِير لفقره بسبيل وَقد أخرج أَبُو دَاوُد صَاحب السّنَن فِيهِ عَن مَيْمُون بن أبي شبيب أَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا مر بهَا سَائل فَأَعْطَتْهُ كسرة وَمر عَلَيْهَا رجل عَلَيْهِ ثِيَاب واهية فأقعدته فَأكل فَقيل لَهَا فِي ذَلِك

(1/173)


@ فَقَالَت أمرنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن ننزل النَّاس مَنَازِلهمْ فَهَذَا الحَدِيث أصل فِي هَذَا الَّذِي نَحن بصدده فليصحح الممتحن بذلك مقاصده فِيمَا يَأْتِي مِنْهُ وَمن غَيره ويذر فَفِي صِحَّتهَا صِحَة أَعماله وَفِي فَسَادهَا فَسَادهَا وَالله المسؤول توفيقنا وإياه لما يُحِبهُ ويرضاه وَمن نحبه وَالْمُسْلِمين أَجْمَعِينَ وَصلى الله على مُحَمَّد وَآله أَجْمَعِينَ
24 - مَسْأَلَة رُوِيَ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن رجلا من أهل الصّفة توفّي فَوجدَ مَعَه دِينَارَانِ فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كبتان فَمَا السِّرّ فِي ذَلِك وَمَا الْمَعْنى فِيهِ مَعَ أَن الدينارين لَا حق فيهمَا لله تَعَالَى
أجَاب رَضِي الله عَنهُ من الْأَسْبَاب فِي ذَلِك أَنه رَحمَه الله أظهر الْفقر وَقعد مَعَ الْفُقَرَاء أهل الصّفة الَّذين لَا يملكُونَ دِينَارا وَلَا درهما وَلم يخرج ديناريه على نَفسه وَلَا رفقائه وَالله أعلم
25 - مَسْأَلَة سَأَلَ سَائل الْمولى الْعَالم الْحَافِظ تَقِيّ الدّين أَبَا عَمْرو عُثْمَان الْمُعَرّف بِابْن الصّلاح أثابه الله الْجنَّة وَقَالَ ذكرت فِي كتابك الَّذِي صنفته فِي عُلُوم الحَدِيث فَوَائِد جمة إِلَّا أَن فِي أَوله أَو قَالُوا فِي حَدِيث أَنه غير صَحِيح فَلَيْسَ ذَلِك قطعا بِأَنَّهُ كذب فِي نفس الْأَمر إِذْ قد يكون صدقا فِي نفس الْأَمر وَإِنَّمَا المُرَاد بِهِ أَنه لم يَصح إِسْنَاده على الشَّرْط الْمَذْكُور وَالله أعلم

(1/174)


@
وَقد رَأينَا قد ذكر عَن الْأَئِمَّة أَنهم قَالُوا فِي الحَدِيث حَدِيث إِسْنَاده صَحِيح وَمَتنه غير صَحِيح أَو إِسْنَاده غير صَحِيح وَمَتنه صَحِيح أَو صَحِيح أَو إِسْنَاده ضَعِيف وَمَتنه ضَعِيف وَأَيْضًا لَهُم كتب الموضوعات وَيَقُولُونَ من فلَان الله أعلم من وَضعه فَهَذَا يدل على أَنه فِي نفس الْأَمر غير صَحِيح فان رأى أَن يذكر فِي شرح هَذَا مَا يشفي بِهِ غلَّة الطَّالِب فعل ذَلِك
أجَاب رَضِي الله عَنهُ الَّذِي يرد من هَذَا على ذَلِك قَوْلهم اسناده صَحِيح وَمَتنه غير صَحِيح وَجَوَابه أَن فِي كَلَامي احْتِرَاز عَنهُ وَذَلِكَ فِي قولي أَنه يَصح إِسْنَاده على الشَّرْط الْمَذْكُور وَمَتى كَانَ الْمَتْن غير صَحِيح فمحال أَن يكون لَهُ إِسْنَاد صَحِيح على الشَّرْط الْمَذْكُور لِأَنَّهُ من الشَّرْط الْمَذْكُور فَلَا يكون شاذا أَو لَا مُعَللا وَالَّذِي أوردتموه لَا بُد أَن يكون فِي إِسْنَاده شذوذ أَو عِلّة تعلله وَلأَجل ذَلِك لَا يَصح بِهِ الْمَتْن فَإِن أطلق عَلَيْهِ أَنه إِسْنَاد صَحِيح فَلَا بالتفسير الَّذِي ذكرته بل بِمَعْنى أَن رجال إِسْنَاده عدُول ثِقَات هَذَا فَحسب وَمَا بعد هَذَا لَا يمس مَا ذكرته إِلَّا قَوْلهم فِي بعض الْأَحَادِيث أَنه مَوْضُوع
وَالْجَوَاب أَنه لَيْسَ فِي الْكَلَام الَّذِي ذكرته إِنْكَار لذَلِك وَإِنَّمَا فِيهِ أَنه لَا يُسْتَفَاد وَلَا يفهم من قَوْلهم هَذَا الحَدِيث غير صَحِيح أَكثر من أَنه لم يَصح لَهُ إِسْنَاد على الشَّرْط الْمَذْكُور وَهَذَا كَذَلِك لِأَن هَذَا الْكَلَام لَا يظْهر من مَعْنَاهُ أَنه كذب فِي نفس الْأَمر وَمهما أردنَا أَن نذْكر أَنه كذب فِي نفس الْأَمر احتجنا إِلَى

(1/175)


@ زِيَادَة لفظ مثل أَن يَقُول هُوَ مَوْضُوع أَو كذب أَو نَحْو ذَلِك وَالله أعلم
قولي لم يَصح اسناده عَام أَي لم يَصح لَهُ أسناد وَالله أعلم
26 - مَسْأَلَة فِي رجل يقْرَأ الحَدِيث على الْمُحدث وَيَقُول فِي كل حَدِيث وبالاسناد حَدثنَا فلَان عَن فلَان وَلَا يَقُول قَالَ حَدثنَا فَهَل يَصح هَذَا السماع أم لَا
أجَاب رَضِي الله عَنهُ هَذَا خطأ من فَاعله وَأما بطلَان السماع بِهِ فَفِيهِ احْتِمَال وَالْأَظْهَر أَنه لايبطل من حَيْثُ أَن حذف القَوْل اختصارا مَعَ كَونه مُقَدرا فِي كثير من كتاب الله تَعَالَى وَغَيره وَالله أعلم
27 - مَسْأَلَة رُوِيَ أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَاتَ وَدِرْعه مَرْهُونَة عِنْد يَهُودِيّ على صَاع أَو صَاعَيْنِ من شعير وَأَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَاتَ وَله حصون وَأَرْض فَهَل هَذِه الْأَحَادِيث صِحَاح أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَاتَ وَهُوَ فَقير بينوا لنا أَدِلَّة مَوته على الْفقر والكلمات الَّتِي علمهَا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم للْفُقَرَاء ففضلوا على الْأَغْنِيَاء بِتِلْكَ الْكَلِمَات وَغَيرهَا من الْأَحَادِيث الصَّحِيحَة وَالَّذِي ذهب من الْعلمَاء الى أَن الْفَقِير الصابر أَعلَى من الْغَنِيّ الشاكر من هُوَ من الْعلمَاء
أجَاب رَضِي الله عَنهُ روى البُخَارِيّ فِي صَحِيحه عَن عَائِشَة

(1/176)


@ رَضِي الله عَنْهَا قَالَت توفّي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ودرعة مَرْهُونَة عِنْد يَهُودِيّ بِثَلَاثِينَ صَاعا من شعير وَكَانَ لَهُ مِمَّا أَفَاء الله تبَارك وَتَعَالَى أراض بِخَيْبَر وفدك وَغَيرهمَا وَكَانَت معدة لنوائبه وَلم تورث مِنْهُ لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِنَّا لَا نورث مَا تركنَا صَدَقَة وكل هَذَا صَحِيح وَلَا تنَاقض فِيهِ

(1/177)


@ والفقر صفته اللَّازِمَة عِنْد مَوته وَقبل ذَلِك صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلَا يقْدَح فِيهِ مَا كَانَ فِي ملكه من إعداده إِيَّاه لمصَالح الْمُسلمين وإخراجه مَا يحصل عِنْد حُصُوله
وَحَدِيث أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يدْخل الْفُقَرَاء الْجنَّة قبل الْأَغْنِيَاء بِخمْس مائَة عَام حَدِيث ثَابت وَحَدِيث

(1/178)


@ أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ أَيْضا عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن فُقَرَاء الْمُهَاجِرين أَتَوْهُ فَقَالُوا ذهب أهل الدُّثُور بالدرجات العلى وَالنَّعِيم الْمُقِيم فَقَالَ وَمَا ذَاك قَالُوا يصلونَ كَمَا نصلي وَيَصُومُونَ كَمَا نَصُوم وَيَتَصَدَّقُونَ وَلَا نتصدق ويعتقون وَلَا نعتق فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَفلا أعلمكُم شَيْئا تدركون بِهِ من سبقكم وتسبقون من بعدكم وَلَا يكون أحد أفضل من مِنْكُم الا من صنع مثل مَا صَنَعْتُم قَالُوا بل قَالَ تسبحون وتكبرون وتحمدون دبر كل صَلَاة ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ مرّة فَرجع فُقَرَاء الْمُهَاجِرين إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالُوا سمع أخواننا أهل الْأَمْوَال بِمَا فعلنَا فَفَعَلُوا مثله فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {ذَلِك فضل الله يؤتيه من يَشَاء} هَذَا لفظ الحَدِيث فِي صَحِيح مُسلم
وَأَخْبرنِي بعض الْأَشْيَاخ بخراسان قَالَ أخبرنَا أَبُو الْفتُوح عبد الْوَهَّاب بن شاه الصُّوفِي قَالَ أخبرنَا الْأُسْتَاذ أَبُو الْقَاسِم الْقشيرِي

(1/179)


@ قَالَ سَمِعت الْأُسْتَاذ أَبَا عَليّ الدقاق يَقُول تكلم النَّاس فِي الْفقر والغنى أَيهمَا أفضل وَعِنْدِي أَن الْأَفْضَل أَن يعْطى الرجل كِفَايَته ثمَّ يصان فِيهِ وَالله أعلم
28 - مَسْأَلَة صَوْم رَجَب كُله هَل على صائمه إِثْم أم لَهُ أجر وَفِي حَدِيث عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يرويهِ ابْن دحْيَة الَّذِي كَانَ بِمصْر أَنه قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن جَهَنَّم لتسعر من الْحول إِلَى الْحول لصوام رَجَب هَل صَحَّ ذَلِك أم لَا
أجَاب رَضِي الله عَنهُ لَا إِثْم عَلَيْهِ فِي ذَلِك وَلم يؤثمه بذلك أحد من عُلَمَاء الْأمة فِيمَا نعلمهُ بلَى قَالَ بعض حفاظ الحَدِيث لم يثبت فِي فضل صَوْم رَجَب حَدِيث أَي فضل خَاص وَهَذَا لَا يُوجب زهدا فِي صَوْمه فِيمَا ورد من النُّصُوص فِي فضل الصَّوْم مُطلقًا والْحَدِيث الْوَارِد فِي كتاب السّنَن لأبي دَاوُد وَغَيره فِي صَوْم الْأَشْهر الْحرم كَاف فِي التَّرْغِيب فِي صَوْمه وَأما الحَدِيث فِي تسعير جَهَنَّم لصوامه فَغير صَحِيح وَلَا تحل رِوَايَته وَالله أعلم

(1/180)


- مَسْأَلَة إِذا أخبر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن أَقوام أَنهم من أهل الْجنَّة وهم مُؤمنُونَ مصدقون بِخَبَرِهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَهَل يأمنوا الْمَكْر لما أخْبرهُم بِهِ من أَنهم من أهل الْجنَّة وَسَمعنَا عَن عمر رَضِي الله عَنهُ أَنه قَالَ لَا آمن مكره ورجلي الْوَاحِدَة فِي الْجنَّة وَالْأُخْرَى برا فَهَل هَذَا عَن عمر رَضِي الله عَنهُ صَحِيح أم لَا
أجَاب رَضِي الله عَنهُ هَذَا القَوْل عَن عمر رَضِي الله عَنهُ لسنا نصححه بل أصل كَونه لم يَأْمَن مكر الله تَعَالَى وَأَنه كَانَ شَدِيد الْخَوْف مِمَّا بَين يَدَيْهِ ثَابت عَنهُ وَذَلِكَ لَهُ وُجُوه أَحدهَا أَنه كَانَ يرى جَوَاز النّسخ فِي مثل ذَلِك وَأَنه روى عَنهُ أَنه كَانَ يَدْعُو اللَّهُمَّ إِن كنت كتبتني شقيا فامح ذَلِك واكتبني سعيدا أَو مَا مَعْنَاهُ هَذَا وَالثَّانِي أَنه وَأَمْثَاله أَن آمنُوا من كَونهم من أهل الْجنَّة فَلَا يأمنوا أهوالا تصيبهم قبل دُخُول الْجنَّة الثَّالِث وَإِن كَانُوا لَا يجوزون النّسخ فِي مثل ذَلِك فقد يجوزون أَن يكون ذَلِك مَشْرُوطًا بِشَرْط فَلَا يُوجد مِنْهُم وخفي عَلَيْهِم ذَلِك الشَّرْط عَافَانَا الله تَعَالَى
30 - مَسْأَلَة أول من يدْخل الْجنَّة قَالُوا الْأَنْبِيَاء صلوَات الله عَلَيْهِم فَيدْخل كل نَبِي مَعَ أمته أَو الْأَنْبِيَاء كلهم يدْخلُونَ الْجنَّة قبل أممهم
أجَاب رَضِي الله عَنهُ نَبينَا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يدْخل الْجنَّة قبل الْجَمِيع وَالظَّاهِر أَن كل الْأَنْبِيَاء يدْخلُونَ قبل الْأُمَم كلهَا
31 - مَسْأَلَة عِيسَى بن مَرْيَم صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وعَلى نَبينَا والنبيين وآلهم

(1/181)


@ وَسلم رأى رجلا يسرق فَقَالَ أسرقت قَالَ كلا وَالَّذِي لَا إِلَه إِلَّا هُوَ قَالَ آمَنت بِاللَّه وكذبت عَيْني وَحَدِيث آخر أَن بعض النَّاس أذْنب ذَنبا فَسئلَ عَنهُ فَقَالَ وَالله الَّذِي لَا إِلَه إِلَّا هُوَ مَا فعلته أَو كَمَا قَالَ فَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم غفر الله لَك ذَنْبك بصدقك فِي قَوْلك لَا إِلَه إِلَّا الله
أجَاب رَضِي الله عَنهُ كَأَنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لما وجد السَّارِق ربه تَعَالَى غمرته الهيبة وَالْعَظَمَة حَتَّى أنسته مَا استيقنه حَاله الابصار وَبَقِي فِي صُورَة من يرى الشَّيْء من بعد وَلَا يتحققه فَإِذا نوزع فِيهِ كذب رُؤْيَته
وَأما الحَدِيث الآخر فَفِيهِ إِشَارَة إِلَى أَن حَسَنَة الصدْق فِي التَّوْحِيد كفرت الْمعْصِيَة وَالله أعلم
32 - مَسْأَلَة الْخَبَر الَّذِي لَا يتَطَرَّق إِلَيْهِ النّسخ وَالْخَبَر الَّذِي يدْخلهُ الْأَمر فيتطرق إِلَيْهِ النّسخ مَا هُوَ وَمَا من فرق بَين الْخَبَرَيْنِ
أجَاب رَضِي الله عَنهُ من أَمْثِلَة الْخَبَر الَّذِي لَا يدْخلهُ النّسخ قَوْله تَعَالَى {إِن الْأَبْرَار لفي نعيم وَإِن الْفجار لفي جحيم} وَمن أَمْثِلَة الْخَبَر الْمُشْتَمل على قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم توضئوا مِمَّا مست النَّار

(1/182)


@
وَمن أَمْثِلَة مَا لَا يدْخلهُ النّسخ من الْخَبَر فِي أَخْبَار رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَوْله شَفَاعَتِي لأهل الْكَبَائِر من أمتِي وَالْفرق أَن مَا فِيهِ الْأَمر تَكْلِيف فَلَا مُمْتَنع إِسْقَاطه بالنسخ بِخِلَاف الْخَبَر الْمَحْض فَإِن النّسخ فِيهِ الْحلف وَكَون ذَلِك وَقع كذبا وَالله أعلم
33 - مَسْأَلَة فِي الْفَقِير الصابر والغني الشاكر أَيهمَا أعلا بينوا ذَلِك ليحصل مَعْرفَتهَا وَالَّذِي لَا يجب عَلَيْهِ التكسب بِبَيَان دَلِيله وَمَا هُوَ عَلَيْهِ
أجَاب رَضِي الله عَنهُ هَذَا بَاب وَاسع وَمِمَّا يحْتَج بِهِ من فضل الْفَقِير الصابر وإياه لخيار حَدِيث دُخُول الْفُقَرَاء الْجنَّة قبل الْأَغْنِيَاء بِخمْس مائَة عَام وَمِمَّا يحْتَج بِهِ من فضل الْغَنِيّ الشاكر قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَذَلِك فضل الله يؤتيه من يَشَاء فِي حَدِيث الذّكر الَّذِي علمه النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْفُقَرَاء فَلَمَّا بلغ ذَلِك الْأَغْنِيَاء شاركوهم فِيهِ وَمن قَالَ لَا يجب عَلَيْهِ التكسب فدليله أَنه الْآن غير وَاجِد وَلَيْسَ عَلَيْهِ وَاجِب من ذَلِك فَلَا يجب عَلَيْهِ التَّحْصِيل لتجب عَلَيْهِ النَّفَقَة كَمَا لَا يجب عَلَيْهِ تَحْصِيل المَال لتجب عَلَيْهِ الزَّكَاة وَالله أعلم
34 - مَسْأَلَة هَل ورد عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على كل قدم نَبِي من الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام ولي من أَوْلِيَاء الله تَعَالَى وَسَمعنَا أَن القطب على قدم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَسَمعنَا أَن فِي الأَرْض سَبْعَة أوتاد وابدال ونجباء ونقباء كلما مَاتَ رجل أَقَامَ الله عز وَجل عوضه رجلا وَلَا تزَال الوراثة دائمة فِي علم الْبَاطِن وَفِي علم الظَّاهِر إِلَى قيام السَّاعَة الْأَمر على مَا ذكر أم لَا

(1/183)


@
أجَاب رَضِي الله عَنهُ لَا يثبت هَذَا الحَدِيث وَأما الأبدال فأقوى مَا روينَاهُ فيهم قَول عَليّ رَضِي الله عَنهُ أَنه بِالشَّام يكون الأبدال وَأَيْضًا فإثباتهم كالمجمع عَلَيْهِ بَين عُلَمَاء الْمُسلمين وصلحائهم وَأما الْأَوْتَاد والنخباء والنقباء فقد ذكرهم بعض مَشَايِخ الطَّرِيقَة وَلَا يثبت ذَلِك وَلَا تزَال طَائِفَة من الْأمة ظَاهِرَة على الْحق إِلَى أَن تقوم السَّاعَة وهم الْعلمَاء
35 - مَسْأَلَة هَل ورد عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي عُلَمَاء الْبَاطِن الَّذين أقامهم الله تَعَالَى لتربية أَرْبَاب الْأَحْوَال والمقامات الشَّرِيفَة ويوصلوا المريد إِلَى الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بقوتهم الَّتِي أَعْطَاهُم الله وبدعوتهم المجابة كالجنيد وَأَمْثَاله من أَئِمَّة الطَّرِيق المكاشفين الَّذين لَهُم

(1/184)


@ الْكَشْف المصون الْمُوَافق للشريعة المطهرة هَل يجب عَلَيْهِم أَن يشهروا أنفسهم بذلك ويتصدوا بالقعود لِلْخلقِ كَمَا يجب على عُلَمَاء الشَّرِيعَة التصدي وَالْقعُود لِلْخلقِ لفوائد الْمُسلمين أَجْمَعِينَ مِنْهُم أم لَا وَالْخضر عَلَيْهِ السَّلَام هَل ورد أَنه حَيّ إِلَى الْوَقْت الْمَعْلُوم وَهل هُوَ نَبِي أَو ولي أم لَا
أجَاب رَضِي الله عَنهُ لَا يجب عَلَيْهِم ذَلِك وَلَا يحْتَمل حَالهم وَحَال الْخلق ذَلِك وَفِي الشَّرِيعَة كِفَايَة فِيمَا يرجع إِلَى إرشاد الْخلق
وَأما الْخضر عَلَيْهِ السَّلَام فَهُوَ من الْأَحْيَاء عِنْد جَمَاهِير الْخَاصَّة من الْعلمَاء وَالصَّالِحِينَ والعامة مَعَهم فِي ذَلِك وَإِنَّمَا شَذَّ بإنكار ذَلِك بعض

(1/185)


@ أهل الحَدِيث وَهُوَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وعَلى نَبينَا والنبيين وآلهم وَسلم نَبِي وَاخْتلفُوا فِي كَونه مُرْسلا وَالله أعلم
36 - مَسْأَلَة فِي الْأُبُوَّة هَل يجوز أَن يُطلق فِي الْكتاب الْعَزِيز والْحَدِيث الصَّحِيح على الْأَب من غير صلب وايش الْفرق بَين آدم أبي الْبشر وَبَين ابراهيم الْخَلِيل صلى الله على نَبينَا وَعَلِيهِ وعَلى النَّبِيين وَالْكل وَسلم أَب فآدم أَبُو الْبشر وَإِبْرَاهِيم أَبُو الْإِيمَان أَو لِمَعْنى آخر ونرى مَشَايِخ الطَّرِيق يسموهم آبَاء المريدين فَيجب بَيَان هَذَا من الْكتاب الْعَزِيز والْحَدِيث الصَّحِيح وَأيهمَا أعلا الْأَب أَو الْأَخ أَو الصاحب نرى الصَّحَابَة رَضِي الله عَنْهُم كَانَ إخْوَة الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من حَيْثُ الْإِسْلَام وَالْإِيمَان ونراهم خصوا باسم الصاحب بَين لنا هَذَا
أجَاب رَضِي الله عَنهُ قَالَ الله تبَارك وَتَعَالَى قَالُوا نعْبد إلهك وإله آباءك إِبْرَاهِيم وَإِسْمَاعِيل وَإِسْمَاعِيل من أَعْمَامه لَا من آبَائِهِ
وَقَالَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى {وَرفع أَبَوَيْهِ على الْعَرْش} وَأمه كَانَ قد تقدم وفاتها قَالُوا وَالْمرَاد خَالَته فَفِي هَذِه اسْتِعْمَال الْأَبَوَيْنِ من غير ولادَة حَقِيقِيَّة وَهُوَ مجَاز صَحِيح فِي اللِّسَان الْعَرَبِيّ
واجراء ذَلِك النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم والعالم وَالشَّيْخ وَالْمرَاد سَائِغ من حَيْثُ اللُّغَة وَالْمعْنَى وَأما من حَيْثُ الشَّرْع فقد قَالَ الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى مَا

(1/186)


@ كَانَ مُحَمَّد أَبَا أحد من رجالكم وَفِي الحَدِيث الثَّابِت عَنهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِنَّمَا أَنا لكم بِمَنْزِلَة الْوَالِد أعلمكُم فَذهب لهَذَا بعض عُلَمَائِنَا إِلَى أَنه لَا يُقَال فِيهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه أَب الْمُؤمنِينَ وَإِن كَانَ يُقَال فِي أَزوَاجه أُمَّهَات الْمُؤمنِينَ وحجته مَا ذكرت فعلى هَذَا يُقَال هُوَ مثل الْأَب أَو كَالْأَبِ أَو بِمَنْزِلَة أَبينَا وَلَا يُقَال هُوَ أَبونَا أَو والدنا وَمن عُلَمَائِنَا من جوز وَأطلق هَذَا أَيْضا وَفِي ذَلِك للمحقق مجَال بحث يطول والأحوط التورع والتحرز عَن ذَلِك
وَأما الْأَخ والصاحب وكل وَاحِد مِنْهُمَا أخص من الآخر وأعم فأخ لَيْسَ بِصَاحِب وَصَاحب لَيْسَ بِأَخ فاذا قابلت بَينهمَا فالأخوة أعلا وَأما فِي حق الصَّحَابَة رَضِي الله عَنْهُم فَإِنَّمَا اختير لَهُم لفظ الصُّحْبَة لِأَنَّهَا خصيصة لَهُم وإخوة الْإِسْلَام شَامِلَة لَهُم ولغيرهم أَيْضا فَلفظ الصَّحَابَة يشْعر بالأمرين أخوة الدّين والصحبة لِأَنَّهُ لَا يُطلق ذَلِك فِي الْعرف على الْكَافِر وَإِن صَاحبه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مُدَّة وَالله أعلم

(1/187)


- مَسْأَلَة شخص قَالَ من سبّ الصَّحَابَة رَضِي الله عَنْهُم لَا يغْفر لَهُ وَإِن تَابَ وَاحْتج بِالْحَدِيثِ الَّذِي رُوِيَ سبّ صَحَابَتِي ذَنْب لَا يغْفر وَقَالَ قَالَ لي الشَّيْخ عِنْدِي لَا يَتُوب الله عَلَيْهِ فَقيل لَهُ إِن تَابَ تَابَ الله عَلَيْهِ فَقَالَ لَا يَتُوب الله عَلَيْهِ فَهَل يَتُوب الله عَلَيْهِ أم لَا
أجَاب رَضِي الله عَنهُ أَخطَأ هَذَا الْقَائِل فِي قَوْله وَفِي احتجاجه خطأ فَاحش أما خَطؤُهُ فِي قَوْله فَإِنَّهُ نفى مغْفرَة الله تَعَالَى لهَذَا المذنب من غير تَوْبَة وَمَعَ التَّوْبَة وَهُوَ مخطىء مُبْتَدع فَأَخْطَأَ وابتدع فِي الْمَوْضِعَيْنِ أما اذا لم يتب فَلِأَن السَّبَب ذَنْب دون الشّرك وكل ذَنْب دون الشّرك فَيجوز أَن يغْفر الله تَعَالَى لفَاعِله وَإِن لم يتب أما مِنْهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ابْتِدَاء أَو بشفاعة الشافعين أَو بِأَن يرْزق حظا من الْحَسَنَات اللَّاتِي يذْهبن السيآت شهد بذلك دَلِيل النُّصُوص وَغَيرهَا وَمن قَالَ فِي شَيْء من الذُّنُوب الَّتِي هِيَ دون الشّرك إِن الله تَعَالَى لَا يغْفر لفَاعِله فقد تَأَول على الله تَعَالَى بذلك وَتعرض لعقابه وَأما إِذا تَابَ فَلِأَنَّهُ لَيْسَ شَيْء من الذُّنُوب لَا تَوْبَة مِنْهُ وَلَيْسَ هَذَا بأعظم من الشّرك ثمَّ لَا يُقَال الشّرك لَا تَوْبَة مِنْهُ فَإِن إِسْلَام الْكَافِر حَاصِلَة التَّوْبَة من الشّرك
وأجمعت الْأمة على أَن الله لم يَجْعَل فِيمَا خلق ذَنبا لَا تَوْبَة مِنْهُ أصلا ونصوص الْكتاب وَالسّنة متظاهرة على ذَلِك غير أَنه يَنْبَغِي أَن يعلم أَن التَّوْبَة من ذَنْب السب لَا يَكْفِي فِيهَا تَوْبَة الساب فِيمَا بَينه وَبَين الله تَعَالَى فَإِن سبّ الصَّحَابَة رَضِي الله عَنْهُم ظلم لَهُم وَالتَّوْبَة من مظالم الْعباد طريقها إِلَى

(1/188)


@ الْبَرَاءَة اليهم بإجلالهم أَو غَيره وَذَلِكَ مُتَعَذر فِيمَن مَاتَ وَمَعَ ذَلِك فطريق الْخَلَاص غير مُتَعَذر على التائب من سبّ الصَّحَابَة من وُجُوه
أَحدهَا الاسْتِغْفَار لَهُم وَالدُّعَاء لم بِالرَّحْمَةِ والرضوان وَلَا سِيمَا فِي أعقاب الصَّلَوَات
الثَّانِي أَن يكثر من الْأَعْمَال الصَّالِحَة حَتَّى تقع بعض حَسَنَاته عوضا عَن هَذِه الْمظْلمَة ويفضل لَهُ مَا يسْعد بِهِ إِن شَاءَ الله تَعَالَى
الثَّالِث أَن يلجأ الى الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فِي أَن يضمن عَنهُ تبعاته ويرضى عَنهُ من فَضله من ظلمه بالسب وَغَيره فَهُوَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى جدير بإجابة دُعَائِهِ
وَهَذِه الْوُجُوه لَهَا أصُول مِنْهَا حَدِيث حُذَيْفَة أَنه شكى إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ذرب لِسَانه على أَهله فَقَالَ أَيْن أَنْت عَن الاسْتِغْفَار أخرجه النَّسَائِيّ وَغَيره
وَحَدِيث أبي سعيد الْخُدْرِيّ الْمخْرج فِي الصَّحِيح فِي الشَّخْص الَّذِي قتل مائَة نفس ثمَّ تَابَ وعاجله الْمَوْت بَين القريتين فليتب هَذَا التائب نفسا فَإِن الرَّحْمَة وَاسِعَة فقد جعل الاسْتِغْفَار وَالتَّوْبَة من هذَيْن الْحَدِيثين مخلصا من مظالم الْعباد وَهُوَ خَارج على أحد الْوُجُوه الْمَذْكُورَة

(1/189)


@
وَأما خطأ هَذَا الرجل فِي حجَّته فَفِي موضِعين أَيْضا أَحدهمَا أَن الحَدِيث الَّذِي ذكره من أَحَادِيث الْعَوام الَّتِي لَا أصل لَهَا يعرف وَالثَّانِي أَنه احْتج بالشيخ عِنْدِي وَهَذَا من الْعَجَائِب عِنْد أهل الْمعرفَة فَإِنَّهُ لَا يخفى على مُسلم إِنَّه لَا حجَّة فِي دين الله عز وَجل إِلَّا فِيمَا جَاءَ عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى معرفَة مَا جَاءَ عَنهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَّا بِنَقْل الثِّقَات من أهل الْعلم وَالْأَخْذ عَنْهُم فَمن لم يكن من أهل ذَلِك كَانَ جَاهِلا وَإِن كَانَ زاهدا فان الزّهْد لَا يَجعله نَبيا يُوحى اليه والقلوب لَا يتعرف مِنْهَا أَحْكَام الدّين وَشَرَائِع الْإِسْلَام وَمن انتسب إِلَى الْعلم الَّذِي زعم أَنه يطلعه على الصَّوَاب ويمنعه من الْخَطَأ سألناه عَن شَيْء من أَحْكَام الْقُرْآن الْمَعْلُومَة وَالسّنَن الصَّحِيحَة وأظهرنا بِهَذَا إخلاله فانه لَو كَانَ كَمَا زعم لم يجهل ذَلِك وَإِذا جعل ذَلِك فَهُوَ لغيره أَجْهَل فليتق الله ربه هَذَا الْقَائِل وَلَا يُقَلّد دينه من لَا علم لَهُ وليستغفر الله مِمَّا جرى مِنْهُ غفر الله لنا وَله وَلِجَمِيعِ الْمُسلمين
38 - مَسْأَلَة رجل اغتاب رجلا مُسلما وَجَاء إِلَيْهِ وَقَالَ اغتبتك وَقلت عَنْك كَذَا وَكَذَا اجْعَلنِي فِي حل فَمَا فعل بجعله فِي حل هَل هُوَ مخطىء بِكَوْنِهِ لم يَجعله فِي حل وَهَذَا الَّذِي اغتابه بَقِي عَلَيْهِ تبعة أم لَا
وَهل يجوز للانسان أَن يسبح بسبحة خيطها حَرِير وَالْخَيْط تخين وَهل يجوز الدروزة للْفُقَرَاء على أوجه الإنكسار أم لَا
أجَاب رَضِي الله عَنهُ لَيْسَ عَلَيْهِ أَن يَجعله فِي حل وَلَكِن حرم

(1/190)


@ نَفسه فَائِدَة الْعَفو ومثوبة إسعاف السَّائِل والتبعة بَاقِيَة على المغتاب وَيَنْبَغِي أَن يكثر من أَن يَقُول اللَّهُمَّ اغْفِر لي وَلمن اغْتَبْته وَلمن ظلمته وَقد رُوِيَ فِي حَدِيث لَا أعلمهُ يُقَوي إِسْنَاده كَفَّارَة الْغَيْبَة إِن تستغفر لمن أغتبته وَإِن لم يثبت فَلهُ أصل
وَلَا يحرم مَا ذكره فِي السبحة الْمَذْكُورَة وَالْأولَى إِبْدَاله بخيط آخر والدروزة جَائِزَة إِن سلمت من التذلل فِي السُّؤَال أَو من الإلحاح فِي السُّؤَال وَمن أَن المسؤل وَكَانَ المسؤل لَهُ فَمن يحل لَهُ السُّؤَال لعَجزه عَن الْكسْب وَلَا مَال لَهُ فَإِذا كَانَ سُؤَاله سليما عَن الْخلَل وَمن يسْأَل لَهُ أهل يحل لَهُ الْمَسْأَلَة فَذَلِك حسن وَالله أعلم
39 - مَسْأَلَة فِيمَن اغتاب هَل الاسْتِغْفَار كَفَّارَة للغيبة والْحَدِيث عَنهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَفَّارَة الْغَيْبَة أَن تستغفر لمن أغتبته مَعَ أَن الحَدِيث غير ثَابت وان كَانَ إِسْنَاده قَوِيا لَهُ أصل فِي الْكتاب الْعَزِيز وَفِي الحَدِيث الصَّحِيح أم لَا وَهل يجوز إِذا كَانُوا جمَاعَة قد اجْتَمعُوا على الْخَيْر وَبينهمْ أَخ من الأخوان وَطَرِيقه طَرِيق دبره يجْتَمع بِبَعْض الأخوان وَيَقُول قد وجهني اليك فلَان وَيَقُول حَدثنِي بِمَا عنْدك وَمرَاده بِهَذَا أَنه يبصر مَا عِنْده وَمَا يكون ذَلِك وَجهه إِلَّا كذب من عِنْده وَيَجِيء إِلَى الْمَشَايِخ يمتحنهم وَيدخل عَلَيْهِم بِالْكَذِبِ وَيَقُول أَنْت شَيْخي وَيَقُول للْآخر أَنْت شَيْخي وَيخرج من عِنْدهم ويغتابهم ويؤذيهم بِلِسَانِهِ فَهَل يجوز أَن يحذر النَّاس الْمَشَايِخ والأخوان من هَذَا الرجل

(1/191)


@ أجَاب رَضِي الله عَنهُ الاسْتِغْفَار لمن اغْتَبْته كَفَّارَة ذَلِك والْحَدِيث وَإِن لم يعرف إِسْنَاد يُثبتهُ فَمَعْنَاه يثبت بِالْكتاب وَالسّنة الْمُعْتَمدَة أما الْكتاب فَقَوله تَعَالَى إِن الْحَسَنَات يذْهبن السَّيِّئَات وَإِن كَانَ هَذَا نزل فِي الصَّلَوَات فَهُوَ عَام فالعام لَا يخْتَص بِالسَّبَبِ وَقد بَين ذَلِك قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لِمعَاذ رَضِي الله عَنهُ أتبع السَّيئَة الْحَسَنَة تمحها وَأما السّنة فَمِنْهَا هَذَا وَمِنْهَا حَدِيث حُذَيْفَة أَنه شكا إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ذرب لِسَانه على أَهله فَقَالَ أَيْن أَنْت من الاسْتِغْفَار وذرب اللِّسَان على الْغَيْر أَخُو الْغَيْبَة فَإِن كَلَام جنايات اللِّسَان على الْغَيْر
وَأما التحذير من الرجل الْمَوْصُوف فَحسن بِشَرْط أَن يكون الْمَقْصُود نصيحة الْمَحْذُور وَمَا هُوَ من الْأَغْرَاض الدِّينِيَّة الصَّحِيحَة من غير أَن يشوبه غير ذَلِك مثل أَن يقْصد التفكه بغرضه أَو التشفي مِنْهُ وَنَحْو هَذَا وَالله أعلم
40 - مَسْأَلَة هَل يجوز للانسان أَن يقْرَأ الْقُرْآن ويهديه لوَالِديهِ ولأقاربه خَاصَّة ولأموات الْمُسلمين عَامَّة وَهل تجوز الْقِرَاءَة من الْقرب والبعد على الْقَبْر خَاصَّة وَهل يجوز للشَّخْص أَن يسمع كَلَام الْمَظْلُوم عِنْد الظَّالِم وَهُوَ أَن يَقُول لصديقه أَو لِأَخِيهِ يَا أخي ظَلَمَنِي وَأخذ من عرضي وَشَتَمَنِي ذَلِك الْفَاعِل الصَّانِع وَتكلم فِي حَقه بِمَا لَا يحل فَهَل يجوز لَهُ سَمَاعه أم لَا

(1/192)


@
أجَاب رَضِي الله عَنهُ أما قِرَاءَة الْقُرْآن فَفِيهِ خلاف بَين الْفُقَهَاء وَالَّذِي عَلَيْهِ عمل أَكثر النَّاس تَجْوِيز ذَلِك وَيَنْبَغِي أَن يَقُول إِذا أَرَادَ ذَلِك اللَّهُمَّ أوصل ثَوَاب مَا قرأته لفُلَان وَلمن يُرِيد فَيَجْعَلهُ دُعَاء وَلَا يخْتَلف فِي ذَلِك الْقَرِيب والبعيد وَأما سَماع كَلَام الْمَظْلُوم فِي ظالمه فَهُوَ قرع على كَلَام الْمَظْلُوم فَمَا جَازَ للمظلوم أَن يَقُوله فَجَائِز لغيره سَمَاعه وَمَا لَا فَلَا يجوز الإصغاء إِلَيْهِ ثمَّ الَّذِي هُوَ جَائِز للمظلوم مَا تَدعُوهُ حَاجته اليه على وَجه الشكاية أَو على وَجه الايضاح لكَونه قد ظلمه أَو على وَجه آخر من الِاحْتِجَاج لنَفسِهِ عَلَيْهِ مثل قَول أحد المتخاصمين عِنْد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لما جعل الْيَمين على خَصمه يَا رَسُول الله إِنَّه فَاجر لَا يتورع عَن شَيْء وَالله أعلم
41 - مَسْأَلَة قَول لَا إِلَه إِلَّا الله فِي رفع الوسوسة نَافِع هَل على ذَلِك دَلِيل
أجَاب رَضِي الله عَنهُ قَول لَا إِلَه إِلَّا الله لَهُ أثر فِي تنوير الْقلب وَلذَلِك اخْتَارَهُ جمَاعَة من الْمَشَايِخ لأهل الْخلْوَة وَقد علم أَن الشَّيْطَان الوسواس الخناس إِذا ذكر العَبْد الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يخنس أَي يتَأَخَّر وَيبعد وَلَا إِلَه إِلَّا الله فِي أول دَرَجَات الذّكر فَإِنَّهُ التَّوْحِيد الناصع الباهر وَالله أعلم
42 - مَسْأَلَة رجل يمدح فتفرح نَفسه ويذم فتتألم

(1/193)


@ نَفسه وَرجل إِذا مدح بِمَا فِيهِ يكره ذَلِك فَهَل هَذَا الْفَرح من النَّفس مَقْبُول فِي الشَّرْع أَو مَذْمُوم والتقبل لَهُ وَالَّذِي يكره الْمَدْح فِي نَفسه لَا يحب ان يمدح فَهَل هَذَا مُوَافق للشَّرْع أم لَا
أجَاب رَضِي الله عَنهُ هَذَا كُله يخْتَلف باخْتلَاف مُسْتَنده فِي السرُور وَالْكَرَاهَة فَإِذا سر بالمدح لما دلّ عَلَيْهِ من إنعام الله تَعَالَى عَلَيْهِ بالستر وَالْقَبُول مَعَ عدم الاعجاب وَغَيره من الْأَخْلَاق المذمومة فَلَا بَأْس وَكَذَلِكَ إِذا تأذى بالذم كَمَا يتَأَذَّى بِغَيْرِهِ من أَنْوَاع الْبلَاء مَعَ سَلَامَته من السخط وَنَحْوه فَلَا بَأْس وَإِذا كره الْمَدْح تخوفا من الْفِتْنَة وَالْعجب وَنَحْو ذَلِك فَلَا بَأْس وَالله أعلم
43 - مَسْأَلَة فِي تحميل المنن بِأَيّ شَيْء يَزُول مَعَ كَون الانسان فَقِيرا مَا لَهُ شَيْء فَإِذا جَاءَهُ شَيْء من النَّاس كَيفَ الطريف فِيهِ أَن يَأْخُذهُ وَلَا يكون عَلَيْهِ مِنْهُ من أعطَاهُ وَكم يجب على الْفَقِير الْمُعسر المتزوج فِي السّنة من النَّفَقَة وَالْكِسْوَة
وَعند موت الْمُسلم الْمُؤمن يرى ربه عِنْد الْمَوْت وَإِذا رَآهُ عرفه فِي الدَّار الْآخِرَة بِتِلْكَ الرُّؤْيَة الأولة أَو بطرِيق أُخْرَى بَين لنا هَذَا بِدَلِيل من الْكتاب وَالسّنة والاجماع
وَهل يجوز أَن يُعْطي الله تَعَالَى لوَلِيّ من أوليائه أَن يعرف أَنه من أهل الْجنَّة بإلهام يلهمه الله تَعَالَى إِيَّاه ويخبر عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَو بطرِيق آخر بَين لنا الطَّرِيق وأوضح لنا دلَالَة لَا شكّ فِيهَا وَلَا ريب والإلهام الَّذِي هُوَ من الله سُبْحَانَهُ عرفنَا ماهيته فِي الانسان كَيفَ هُوَ حَتَّى يعرف

(1/194)


@
أجَاب رَضِي الله عَنهُ يتفقد حَال الْمُعْطى فَإِذا وجده مُطيعًا لله تَعَالَى فَأَخذه من الله تَعَالَى لَا مِنْهُ فِيهِ وعده مُجَرّد سَبَب وحقق النّظر إِلَى الْمُسَبّب ذهبت الْمِنَّة وطاحت ان شَاءَ الله تَعَالَى
وعَلى الْمُعسر من النَّفَقَة كل يَوْم مد من الْقَمْح هَا هُنَا وَهُوَ ثَلَاثَة أَوَاقٍ وَنصف بِهَذَا الرطل وَعَلِيهِ مُؤنَة الْحجر وَالْخبْز وَإِن تَرَاضيا على أَخذ الْخبز لَا على وَجه الْمُفَاوضَة جَازَ وَيجب لَهَا من الْأدم قدر مَا يصلح هَذَا الْقدر من الطَّعَام وَذَلِكَ من إدام الْبَلَد وَيجب لَهَا آلَة الشطيف من مشط وَنَحْوه وَيجب لَهَا من الْكسْوَة فِي السّنة مرَّتَيْنِ من غليظ الْقطن أَو الْكَتَّان وَذَلِكَ قَمِيص وَسَرَاويل ومقنعة ويزداد فِي الشتَاء جُبَّة وَيجب لَهَا مَا يجلس عَلَيْهِ وَمَا ينَام فِيهِ من الْمنَازل من جنس ذَلِك وَلها مداس فِي رجلهَا ومنم أثاث الْبَيْت وَنَحْو ذَلِك على قِيَاسه وَالله أعلم
وَأما رُؤْيَة الْمُؤمن ربه تَعَالَى بعد مَوته فمخالف لرُؤْيَته لَهُ تبَارك وَتَعَالَى فِي الْآخِرَة فان تِلْكَ رُؤْيَة الْبَصَر من الْعين الجسدانية بِخِلَاف هَذِه الَّتِي هِيَ إِدْرَاك من الرّوح فَحسب وَالْعلم عِنْد الله تَعَالَى
وَيجوز أَن يعرف الْمُؤمن كَونه من أهل الْجنَّة بِخَبَر من الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَمَا فِي النَّفر الَّذِي شهد لَهُم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالْجنَّةِ وهم الْعشْرَة وَأهل بدر وَعَائِشَة وثابت بن قيس بن شماس وَخَدِيجَة فِي سادة آخَرين وَأما بِغَيْر ذَلِك فكلا وَإِنَّمَا يَرْجُو رَجَاء مصحوبا بخوف
وَقد اخْتلفُوا فِي أَن الْوَلِيّ هَل يجوز أَن يعرف كَونه وليا فَمنهمْ من قَالَ يجوز ذَلِك لَكِن قَالَ لَيْسَ من شَرط الْولَايَة سَلامَة الْعَاقِبَة فاذا لَا يلْزم على هَذَا من مَعْرفَته لكَونه وليا مَعْرفَته لكَونه من أهل الْجنَّة

(1/195)


@ وَأما الإلهام فَهُوَ خاطر حق من الْحق تَعَالَى فَمن علامته أَن ينشرح لَهُ الصَّدْر وَلَا يُعَارضهُ معَارض من خاطر آخر وَالله أعلم
44 - مَسْأَلَة سَأَلَ سَائل فِي كَلَام الصُّوفِيَّة فِي الْقُرْآن كالجنيد وَغَيره وَكَانَ السَّائِل عَن هَذَا يُنكر مَا سمع من ذَلِك وَكَانَ يُجَالس شَيخا من الْمُفْتِينَ فَجرى ذَلِك فِي مَجْلِسه بابتدأ الشَّيْخ وَقَالَ كالمستحسن لكَلَام الصُّوفِيَّة وَقَالَ أَيْضا هم لَا يُرِيدُونَ بِهِ تَفْسِير الْقُرْآن وَإِنَّمَا هِيَ مَعَاني يجدونها عِنْد التِّلَاوَة وَقَالَ أَيْضا يَقُولُونَ {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا قَاتلُوا الَّذين يلونكم من الْكفَّار} قَالُوا هِيَ النَّفس وَكَانَ الشَّيْخ الْمُفْتِي يشْرَح ذَلِك وَيَقُول أمرنَا بِقِتَال من يلينا لأَنهم أقرب شرا إِلَيْنَا وَأقرب شرا إِلَى الانسان نَفسه وَقَالَ الشَّيْخ أَيْضا يَقُولُونَ {إِنَّا أرسلنَا نوحًا إِلَى قومه} يَقُول نوح الْعقل وَالْغَرَض أَنهم يلقِي الله عِنْدهم فِي كَلَامه مَا يَنْتَفِعُونَ بِهِ وَهَذَا قد صدر عَن أكابرهم والجم الْغَفِير وَأَنْتُم بذلك أعلم والسائل لهَذَا لَيْسَ بجاهل وَلَيْسَ غَرَضه إِلَّا الاعتضاد بِمَا يسمع من الشَّيْخ تَقِيّ الدّين رَضِي الله عَنهُ وَاحِد لَا يجهل أَن قَوْله تَعَالَى قَاتلُوا الَّذين يلونكم من الْكفَّار لَيْسَ المُرَاد بِهِ النَّفس وَإِن المُرَاد ظَاهر وَمن قَالَ غير ذَاك فَهُوَ مخطىء
أجَاب رَضِي الله عَنهُ وجدت عَن الإِمَام أبي الْحسن

(1/196)


@ الواحدي الْمُفَسّر رَحمَه الله أَنه قَالَ صنف أَبُو عبد الرَّحْمَن السّلمِيّ حقائق التَّفْسِير فَإِن كَانَ قد اعْتقد أَن ذَلِك تَفْسِير فقد كفر وَأَنا أَقُول الظَّن بِمن يوثق بِهِ مِنْهُم أَنه اذا قَالَ شَيْئا من أَمْثَال ذَلِك أَنه لم يذكر تَفْسِيرا وَلَا ذهب بِهِ مَذْهَب الشَّرْح للكلمة الْمَذْكُورَة فِي الْقُرْآن الْعَظِيم فَإِنَّهُ لَو كَانَ كَذَلِك كَانُوا قد سلكوا مسالك الباطنية وَإِنَّمَا ذَلِك ذكر مِنْهُم لنظير مَا ورد بِهِ الْقُرْآن فان النظير يذكر بالنظير فَمن ذكر قتال النَّفس فِي الْآيَة الْمَذْكُورَة فَكَأَنَّهُ قَالَ أمرنَا بِقِتَال النَّفس وَمن يلينا من الْكفَّار وَمَعَ ذَلِك فيا ليتهم لم يتساهلوا بِمثل ذَلِك لما فِيهِ من الْإِيهَام والإلتباس وَالله أعلم
45 - مَسْأَلَة رجل طلب الْعلم وَهَاجَر اليه من وَطنه فَسمع دَاعيا الى الزّهْد فِي الدُّنْيَا وَله نفس جموح وَخَافَ أَن لَا ينجو من آفَات الدُّنْيَا مَعَ النَّفس الأمارة بالسوء فَمَا الْحِيلَة فِي نجاته وَبِمَ يكون علاج النَّفس الجموح وماذا يقربهُ من الله الزّهْد أم الْعلم أَو السياحة أَو الْعُزْلَة
أجَاب رَضِي الله عَنهُ سَبيله وَالله الْمُوفق الْهَادِي أَن يزهد فِي الدُّنْيَا وَلَكِن زهد الرَّاشِدين الْعَالمين لَا زهد الْجَاهِلين فيطلب الْعلم مخلصا لله تَعَالَى متقربا بِهِ إِلَيْهِ وَلَا يتْرك التَّسَبُّب الَّذِي يُغْنِيه عَن الْحَاجة إِلَى النَّاس وَلَا يعتزل النَّاس بل يُقيم بَينهم صَابِرًا عَلَيْهِم مصححا نِيَّته فِي ذَلِك فان هَذِه طَريقَة

(1/197)


@ الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم السَّلَام وَالْخُلَفَاء وأئمة الْمُتَّقِينَ ويجاهد نَفسه بِالْعلمِ وآدابه وتسديده وتقويمه وَلَيْسَ الطَّرِيق إِلَى السَّلامَة من الْآفَات الْهَرَب من النَّاس وَلَا مُتَابعَة الْقَوْم الَّذين تظاهروا بالفقر والزهد غير ملتفتين إِلَى الشَّرِيعَة وآدابها معرضين عَن ذَلِك وَعَن مَا شرحناه معتمدين على خواطرهم مُتَمَسِّكِينَ برسوم لَا أصل لَهَا فِي الشَّرِيعَة معتضدين بأحوال لم يَأْتِ بهَا كتاب وَلَا سنة زاعمين أَنهم مَعَ الْحَقِيقَة وَلَيْسَ عَلَيْهِم الْوُقُوف مَعَ الشَّرِيعَة فَإِن هَذَا سَبِيل المغرورين المفتونين وَطَرِيق المضلين الدجالين والسالك لسبيلهم قارع بَاب الْإِلْحَاد وَهُوَ والج فِيهِ عَن قريب شهد بِمَا ذكرته أَعْلَام الْعُلُوم والمعارف وبراهينها وَالله أعلم
46 - مَسْأَلَة رجل قَالَ إِن الله لَا يسمع دُعَاء ملحونا قيل وَمَا الدُّعَاء الملحون قَالَ أَن يَدْعُو الانسان بِالْجَزْمِ وَيَقُول بِالرَّفْع قَالَ الآخر بل هُوَ أَن يَقُول الانسان يَا رب قصر عمر فلَان أَو قتر رزق فلَان أَو خُذْهُ فَهَذَا من جملَة الدُّعَاء الملحون
أجَاب رَضِي الله عَنهُ لَيْسَ مَا ذكره الثَّانِي من الدُّعَاء الملحون نعم هُوَ من الاعتداء فِي الدُّعَاء الَّذِي ورد النَّهْي عَنهُ اذا كَانَ قَصده بِالدُّعَاءِ على فلَان غير صَحِيح فان كَانَ صَحِيحا بِأَن كَانَ فِي قصر عمره صَلَاح للْمُسلمين لظلمه أَو نَحْو ذَلِك فَلَيْسَ اعتداء ثمَّ إِن الدُّعَاء الملحون مِمَّن لَا يَسْتَطِيع غير الملحون لَا يقْدَح فِي الدُّعَاء ويعذر فِيهِ وَالله أعلم

(1/198)


- مَسْأَلَة قِرَاءَة الْقُرْآن بعد صَلَاة الصُّبْح أفضل أَو بعد صَلَاة الْمغرب أَي الْوَقْتَيْنِ أفضل
أجَاب رَضِي الله عَنهُ فِي كل وَاحِد من الْوَقْتَيْنِ فضل وَفِي ادراك الْأَفْضَل عسر وَيظْهر أَنه بعد صَلَاة الصُّبْح أفضل لما يُرْجَى من أَن يلْحقهُ من بركَة عَاصِمَة لَهُ فِي نَهَاره الَّذِي هُوَ مَظَنَّة تَصَرُّفَاته وتقلباته وَالله أعلم
48 - مَسْأَلَة رجل لَهُ وَالِد وَالْوَالِد غير مفتقر إِلَيْهِ فِي الْقيام بأموره من إِنْفَاق عَلَيْهِ أَو مُبَاشرَة لخدمته بل لَا يُمكن وَلَده من ذَلِك فَأحب الْوَلَد الِانْقِطَاع إِلَى الله تَعَالَى والتفرغ لعبادته فِي قَرْيَة لعلمه أَن مقَامه فِي بَلَده لَا يسلم فِيهِ من المآثم لمخالطة النَّاس إِلَّا بمشاق يضعف عزمه عَن تجشمها ووالده يكره مُفَارقَته ويتألم لَهَا مَعَ أَن لَهُ أَوْلَادًا يأنس بهم غير هَذَا الْوَلَد فَهَل يحل لَهُ مُخَالفَة الْوَالِد والانتقال الى الْقرْيَة بنية طلب سَلامَة دينه والتفرغ لِلْعِبَادَةِ أم لَا يحل مُخَالفَته فِي ذَلِك
وسيتبع هَذِه الْمَسْأَلَة ثَلَاث مسَائِل
أحداها لَو كَانَ دينه فِي الْمقَام سالما لكنه فِي الِانْتِقَال أَكثر توفرا على الْعِبَادَة هَل الأولى الِانْتِقَال أَو الْمقَام مَعَ مُخَالفَة الْوَالِد
الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة لَو كَانَ الِانْتِقَال لطلب الرَّاحَة والتنزه هَل لَهُ مُخَالفَته فِي ذَلِك أم لَا هَذَا كُله مَعَ تعهده لوَالِديهِ بالزيارة

(1/199)


@
فِي الْمسَائِل الْمَذْكُورَة كلهَا وَالسُّؤَال فِي ذَلِك عَن تَعْرِيف الْمُبَاح وَالْأولَى مفصلا
الْمَسْأَلَة الثَّالِثَة تعرف حق العقوق مَا هُوَ
أجَاب رَضِي الله عَنهُ لَا يحل لَهُ ذَلِك وَمُخَالفَة الْوَالِد فِي ذَلِك مَعَ تألمه بهَا مُحرمَة وَعَلِيهِ الطواعية لَهُ فِي الْإِقَامَة وَالْحَالة هَذِه ثمَّ ليجاهد نَفسه فِي التصون مِمَّا يحرم دينه بِسَبَب مُخَالطَة النَّاس فَلَا يخالط من جَانب الطَّرِيق المحمودة وَلَا يُجَالس من من شَأْنه الْغَيْبَة وَليكن مَعَ النَّاس بَين المنقبض والمنبسط
بلغنَا عَن الإِمَام الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ وأرضاه أَنه قَالَ الانقباض عَن النَّاس مكسبة للعداوة والانبساط مجلبة لقرناء السوء فَكُن بَين المنقبض والمنبسط وليصحح نِيَّته فِي مواتاه وَالِده وطاعته فَإِنَّهَا من أكبر أَسبَاب السَّعَادَة فِي الدَّاريْنِ وَثَبت فِي الحَدِيث الصَّحِيح أَن بر الْوَالِدين يقدم على الْجِهَاد فَكيف لَا يقدم على مَا ذكر هَذَا مَعَ أَن مَا يرجوه فِي الْقرْيَة يَنَالهُ فِي الْبَلدة بِحَضْرَة وَالِده إِن استمسك وَإِنَّمَا هَذَا خاطر فَاسد من عمل الشَّيْطَان وتسويله وَقد جَاءَ أَن أويسا الْقَرنِي فَوت صُحْبَة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم والمسير إِلَيْهِ من الْيمن بِسَبَب بره بِأُمِّهِ وَحمد على ذَلِك وَفِي هَذَا جَوَاب الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة وإيضاح لكَون الْمقَام أولى

(1/200)


@
وَكَذَلِكَ الْمَسْأَلَة الثَّالِثَة فَلَا يحل مُخَالفَته مَعَ تألمه بهَا بِسَبَب التَّنَزُّه أصلا وَأما أَن العقوق مَا هُوَ فَإنَّا قَائِلُونَ فِيهِ العقوق الْمحرم كل فعل يتَأَذَّى بِهِ الْوَالِد أَو نَحوه تأذيا لَيْسَ بالهين مَعَ كَونه لَيْسَ من الْأَفْعَال الْوَاجِبَة وَرُبمَا قيل طَاعَة الْوَالِدين وَاجِبَة فِي كل مَا لَيْسَ بِمَعْصِيَة وَمُخَالفَة أَمرهمَا فِي كل ذَلِك عقوق وَقد أوجب كثير من الْعلمَاء طاعتهما فِي الشُّبُهَات وَلَيْسَ قَول من قَالَ من عُلَمَائِنَا يجوز لَهُ السّفر فِي طلب الْعلم وَفِي التِّجَارَة بِغَيْر اذنهما مُخَالف لما ذكرت فَإِن هَذَا كَلَام مُطلق وَفِيمَا ذكرته بَيَان لتقييد ذَلِك الْمُطلق وَالله أعلم
49 - مَسْأَلَة رجل تصدق بِصَدقَة التَّطَوُّع على صلحاء الْأمة وَسبق إِلَى الْأَخْذ الْآخِذ من الله لَا من معطي الصَّدَقَة فَأَيّهمَا أفضل يَد الْمُعْطِي أَو يَد الْآخِذ
أجَاب رَضِي الله عَنهُ الْمُعْطِي عَطاء بعده من الله خير من الْآخِذ أحذا يعده من الله وَإِن غفل عَن الْمُسَبّب ولحظ السَّبَب فِي الْجَانِبَيْنِ فالمعطي أَيْضا أفضل وان وجد شُهُود جَانب المسسبب فِي أحد الْجَانِبَيْنِ دون الآخر وَالْأَفْضَل هُوَ الَّذِي وجد فِيهِ ذَلِك وَالله أعلم

(1/201)