فتاوى ابن الصلاح

@
الْقسم الرَّابِع
فِي الْفِقْه على ترتيبه
فَمن ذَلِك
63 - مَسْأَلَة جوخ حُكيَ أَن الأفرنج يعلمُونَ فِيهَا شَحم الْخِنْزِير وَقد اشْتهر ذَلِك لَا عَن تَحْقِيق مُشَاهدَة هَل يحكم بنجاستها أَو نَجَاسَة مَا يُصِيبهُ فِي حَال رطوبتها فِي الطرقات وَغَيرهَا مَعَ عُمُوم الإبتلاء
أجَاب رَضِي الله عَنهُ إِذا لم يتَحَقَّق فِي نفس مَا بِيَدِهِ مِنْهُ النَّجَاسَة لم يحكم عَلَيْهِ بِحكم النَّجَاسَة وَهَذَا الْتِفَات إِلَى أَن ثِيَاب من يتدين من الْمُشْركين بِاسْتِعْمَال النَّجَاسَة لَا يحكم بنجاستها وَالْقَوْل بذلك هُوَ الصَّحِيح وَالله أعلم
64 - مَسْأَلَة بقل فِي أَرض نَجِسَة أَخذه البقالون وغسلوه غسلا لَا يعْتَمد عَلَيْهِ فِي التَّطْهِير هَل يحكم بِنَجَاسَة مَا يُصِيبهُ فِي حَالَة رطوبته من غير مُشَاهدَة عين النَّجَاسَة على الْموضع الَّذِي أَصَابَهُ أَو لم يعلم هَل غسل أم لَا
أجَاب رَضِي الله عَنهُ إِذا لم يتَحَقَّق نَجَاسَة مَا أَصَابَهُ من البقل

(1/221)


@ أصلا بِأَن احْتمل أَنه مِمَّا ارْتَفع عَن منبته النَّجس فَإنَّا لَا نحكم بِنَجَاسَة مَا أَصَابَهُ ذَلِك لتظاهر أصلين على ذَلِك وَالله أعلم
65 - مَسْأَلَة فِي قناة مُتَّصِلَة بنهر وفيهَا أجباب عدَّة فِي دور جمَاعَة فَمَاتَ فِي أحد الْجبَاب ميت وَتغَير بعض الْجبَاب من الرَّائِحَة وشيل من المَاء الْمَيِّت بعد أَرْبَعَة أَيَّام فَهَل يجب نزف الْجبَاب جَمِيعهَا أَو ينزف من الْبِئْر الَّذِي تغير طعمه
أجَاب رَضِي الله عَنهُ الْمَيِّت الْآدَمِيّ لَا ينجس قلت فان صَحبه نَجَاسَة أَو كَانَ الْمَيِّت غير آدَمِيّ تنجست الْجبَاب المتغيرة وَأما بَقِيَّة الْجبَاب الَّتِي لم تَتَغَيَّر فَإِن كَانَت مُتَّصِلَة بالمتغيرة وَهِي دون الْقلَّتَيْنِ تنجست بالملاقاة وَإِلَّا قدر لم تتصل بِأَن كَانَ بَينهَا وَبَين المتغيرة حَائِل أَو كَانَت قُلَّتَيْنِ فطاهرة
66 - مَسْأَلَة الأوراق الَّتِي تعْمل وتبسط وَهِي رطبَة على الْحِيطَان المعمولة بالرماد النَّجس والكلس أَي الْمُتَنَجس وينسخ فِيهَا ويصيب الثَّوْب من المداد الَّذِي يكْتب بِهِ فِيهَا مَعَ عُمُوم الِابْتِلَاء بذلك وَتعذر الِاحْتِرَاز مِنْهُ هَل يُعْفَى عَنهُ أَو لَا يُعْفَى أَو لَا ينجس

(1/222)


@ أجَاب رَضِي الله عَنهُ لَا يحكم بِنَجَاسَة ذَلِك وَالله أعلم
67 - مَسْأَلَة قَلِيل قَمح بَقِي فِي سفل هري وَعُمُوم الِابْتِلَاء بالفار ويتغير الفار مِمَّا لَا يخفى لَا سِيمَا فِي الأهراء خُصُوصا أسافلها فَهَل يحكم بِنَجَاسَة ذَلِك الْقَمْح بِنَاء على مَا ذكر أَو بِنَاء على الأَصْل فان حكم بِنَجَاسَتِهِ فَهَل يحكم بِنَجَاسَتِهِ الْخبز الَّذِي خبر فِي الفرن الَّذِي خبر فِيهِ خبز هَذَا الْقَمْح
أجَاب رَضِي الله عَنهُ قد أفتى بعض أَئِمَّتنَا بِأَنَّهُ لَا يجب على كل مَا اشتبهت عَلَيْهِ الأكياس المديسة بالبعر الْمَعْلُوم بولها فِيهَا غسل ذَلِك وَهَذَا مثل ذَلِك وَنحن نَخْتَار ذَلِك مستخيرين الله تبَارك وَتَعَالَى ثمَّ هَذَا مَخْصُوص بِمَا لم يتَغَيَّر من الْحبّ مَعْلُوما فِيهِ أَنه قد ماش الْبَوْل مَعَ الرُّطُوبَة من أحد الْجَانِبَيْنِ أما مَا تغير وَعلم فِيهِ ذَلِك فَوَاجِب تَطْهِيره وَالله أعلم
68 - مَسْأَلَة مَا الْفرق بَين بَوْل الصَّبِي وَبَوْل الصبية فِي أَنه ينضح من أَحدهمَا وَيغسل من الآخر
أجَاب رَضِي الله عَنهُ أوضح مَا يذكر فِيهِ كَثْرَة الْبلوى بِالصَّبِيِّ فِي حمله وَذَلِكَ فِيهِ أَكثر من الصبية وَأَيْضًا فبول الصبية أعلق بِالْمحل من بَوْل الصَّبِي من حَيْثُ الطبيعتين على مَا ذكره بعض الْأَطِبَّاء

(1/223)


- مَسْأَلَة بَوْل الصَّبِي الْمَوْلُود وقيئه هَل ينجس أم لَا وَهل يكون الْمَوْلُود إِذا وضع على الأَرْض نجسا أم لَا
أجَاب رَضِي الله عَنهُ نعم هُوَ نجس وَلَا نحكم بِنَجَاسَة الْمَوْلُود عِنْد وِلَادَته على الصَّحِيح الظَّاهِر من أَحْوَال السّلف رَضِي الله عَنْهُم
70 - مَسْأَلَة ويجزىء فِي بَوْل الْغُلَام الَّذِي لَا يطعم النَّضْح مَا حد إطعامه وَهل يقدر بسن أم بِصفة مَخْصُوصَة من الصَّبِي أم مُطلق مَا يحصل فِي بَطْنه وَلَو ابْن يَوْم مثلا
أجَاب رَضِي الله عَنهُ أما الطَّعَام الْمَذْكُور فِي الصَّبِي فَالْمُرَاد بِهِ على الصَّحِيح مَا سوى اللَّبن من وجور وَغَيره لَا بَأْس بِمَا يحنك بِهِ من التمرة المستحبة فِي ذَلِك وَمهما كَانَ ذَلِك مِقْدَار يظْهر أَثَره فِي التغذية فَهُوَ مَانع من الإكتفاء بالنضح وَالله أعلم
71 - مَسْأَلَة صهريج فِيهِ مَاء وَالْمَاء فِيهِ قامة أَو أَكثر من ذَلِك وَقعت فِيهِ فَأْرَة وتمعط شعرهَا فِي المَاء فَهَل يجوز اسْتِعْمَال المَاء أم لَا وَهل يكون المَاء طَاهِرا أم نجسا وَلَا يُمكن نزح الصهريج
أجَاب رَضِي الله عَنهُ لَا يجوز اسْتِعْمَال شَيْء من مَائه وَيجب نزحه أجمع وتطهير حَافَّاته الَّتِي وصل إِلَيْهَا المَاء المنزوح وَالله أعلم

(1/224)


- مَسْأَلَة سَأَلَ سَائل عَن كمية الْأَقْوَال الْقَدِيمَة الَّتِي يُفْتِي بهَا وتبيينها
أجَاب رَضِي الله عَنهُ بِأَن الامام أَبَا الْمَعَالِي بن الْجُوَيْنِيّ رَحمَه الله كَانَ يذكر عَن أئمته أَنهم قَالُوا كل قَوْلَيْنِ أَحدهمَا جَدِيد فَهُوَ أصح من الْقَدِيم إِلَّا فِي ثَلَاث مسَائِل وَصرح الإِمَام فِي الْمَذْهَب الْكَبِير على مَسْأَلَتَيْنِ مِنْهَا
احداهما مَسْأَلَة التباعد وَالْقَدِيم فِيهَا أَنه لَا يجب
وَالثَّانيَِة مَسْأَلَة التثويب وَالْقَدِيم فِيهَا أَنه يسْتَحبّ
وَأما الثَّالِثَة وَهِي مَسْأَلَة قِرَاءَة السُّورَة فِيمَا سوى الرَّكْعَتَيْنِ الأولتين وَالْقَدِيم أَنَّهَا لَا تسن قَالَ وَعَلِيهِ الْعَمَل وَكُنَّا نظن أَن هَذِه هِيَ الثَّالِثَة حَتَّى وجدته قد قَالَ فِي الْمُخْتَصر الْمُنْتَخب من النِّهَايَة أَن الثَّالِثَة تَأتي فِي كتاب زَكَاة التِّجَارَة وَذكر بعض من تَأَخّر أَن الْمسَائِل الَّتِي يُفْتى فِيهَا على الْقَدِيم دون الْجَدِيد أَربع عشرَة مَسْأَلَة وَمَا سواهَا فَلَا يجوز الْفتيا فِيهَا بالْقَوْل الْقَدِيم فَذكر الْمسَائِل الثَّلَاث الَّتِي قدمناها على الإِمَام وَمَسْأَلَة الِاسْتِنْجَاء بِالْحجرِ فِيمَا جَاوز الْمخْرج الْقَدِيم أَنه يجوز اذا لم ينتشر أَكثر مِمَّا ينتشر فِي حق مُعظم النَّاس بِأَن لَا تزيد على مَا حول الْمخْرج قَرِيبا مِنْهُ

(1/225)


@
وَمَسْأَلَة لمس الْمَحَارِم قَالَ قَالَ ابْن مَسْعُود يَعْنِي صَاحب التَّهْذِيب الْقَدِيم أَنه لَا ينْتَقض وَصَححهُ الْجُوَيْنِيّ وَمَسْأَلَة المَاء الْجَارِي وَالْقَدِيم أَنه لَا ينجس إِلَّا بالتغير وَمَسْأَلَة تَعْجِيل الْعشَاء وَالْقَدِيم أَنه أفضل وَوقت الْمغرب وَالْقَدِيم أَنه يَمْتَد إِلَى مغيب الشَّفق وَالْمُنْفَرد إِذا نوى الِاقْتِدَاء فِي أثْنَاء صلَاته وَالْقَدِيم جَوَازه وَأكل جلد الْميتَة المدبوغ وَالْقَدِيم أَنه لَا يُؤْكَل وَإِذا ملك محرما من نسب أَو رضَاع وَوَطئهَا مَعَ الْعلم بتحريمها وَالْقَدِيم أَنه لَا يلْزمه الْحَد وَمَسْأَلَة قلم أظفار الْمَيِّت وَالْقَدِيم انه يكره وَشرط التَّحَلُّل فِي الْحَج عِنْد الْمَرَض وَنَحْوه وَالْقَدِيم أَنه يجوز الشَّرْط ويتحلل بِهِ وَمَسْأَلَة نِصَاب الرِّكَاز وَالْقَدِيم أَنه لَا يعْتَبر وَالله أعلم
أَن شَيْئا من هَذَا لَا يعزى عَن خلاف بَين الْأَصْحَاب فِيهِ وَلَا شَيْء من هَذِه الْمسَائِل اتّفق الْأَصْحَاب على أَنَّهَا مَسْأَلَة خلاف بَين الْجَدِيد وَالْقَدِيم والفتيا فِيهَا على الْقَدِيم وَلَا مُوَافقَة أَيْضا على أَنه لَيْسَ غَيرهَا يتْرك فِيهِ الْجَدِيد ويفتي بِهِ على الْقَدِيم فَلم يسلم إِذا كل وَاحِد من هذَيْن الحصرين عَن الْخلاف فِي طَرفَيْهِ اثباتا ونفيا
اثباتا من أَن الْأَمر فِيمَا ذكر من الْمسَائِل على مَا ذكر فِيهَا
ونفيا فِي أَنه لَيْسَ غَيرهَا بالمثابة الْمَذْكُورَة أما فِي طرف النَّفْي هَذَا فَإِن لهَذِهِ الْمسَائِل اغيارا ذهب فِيهَا من يعْتَمد إِلَى الْفَتْوَى على الْقَدِيم دون الْجَدِيد
مِنْهَا اسْتِحْبَاب الْخط بَين يَدي الْمُصَلِّي رَآهُ الشَّافِعِي رَضِي الله

(1/226)


@ عَنهُ فِي الْقَدِيم وَرجع عَنهُ فِي الْجَدِيد وَضرب عَلَيْهِ بعد مَا كتبه وَإِلَى القَوْل باستحبابه ذهب صَاحب الْمُهَذّب وَغَيره من غير ذكر خلاف
وَمِنْهَا من مَاتَ وَعَلِيهِ صِيَام فعلى الْقَدِيم يَصُوم عَنهُ وليه وَهُوَ الصَّحِيح للأحاديث الصِّحَاح فِي كتاب مُسلم وَغَيره أَن من مَاتَ وَعَلِيهِ صِيَام صَامَ عَنهُ وليه وَلَا تَأْوِيل لَهُ يفرح بِهِ
وَمِنْهَا أَنه إِذا أَبى أحد الشَّرِيكَيْنِ من الْعِمَارَة الحافظة للوجود فالجديد أَنه لَا يجْبر وَالْقَدِيم أَنه يجْبر وَهُوَ صَحِيح عِنْد صَاحب الشَّامِل وَبِه أفتى صَاحبه الشَّاشِي وَبِه نفتي
وَمِنْهَا الصَدَاق مَضْمُون يَد الزَّوْج ضَمَان الْيَد على الْقَدِيم قَالَ الشَّيْخ أَبُو حَامِد الإسفرائيني وَالشَّيْخ أَبُو نصر بن الصّباغ رَضِي الله عَنْهُمَا هُوَ الصَّحِيح وَأما انْتِفَاء الموافقه على ذَلِك فِي طرف الاثبات فان فِيهَا مَا صَحَّ فِيهِ عَن الْجَدِيد قَول مُوَافق للقديم فَلَا يكون الْإِفْتَاء بِمَا صَار إِلَيْهِ الْقَدِيم إِفْتَاء بالقديم دون الْجَدِيد بل بهما مَعًا
وَمِنْهَا مَا ذهب فِيهِ بعض الْأَئِمَّة إِلَى أَن الصَّحِيح هُوَ الْجَدِيد لَا الْقَدِيم

(1/227)


@
وَمِنْهَا مَا قطع فِيهِ بعض الْأَئِمَّة بالْقَوْل الْوَاحِد وَلم يَجْعَل خلافًا بَين الْجَدِيد وَالْقَدِيم
وَمِنْهَا مَا يَجعله بعض الْأَئِمَّة مَسْأَلَة وَجْهَيْن لَا مَسْأَلَة قَوْلَيْنِ وَالله أعلم
73 - مَسْأَلَة رجل اغْتسل من الْجَنَابَة ثمَّ أغفل لمْعَة من بدنه لم يصل المَاء إِلَيْهَا ثمَّ بعد أَن جف المَاء عَن الْبدن علم فَهَل يَبْنِي هَذَا على الْخلاف فِي وجوب التَّتَابُع فِي الْوضُوء فعلى الْقَدِيم غسل ذَلِك الْمَوْضُوع الْمَتْرُوك إِن لم يمض زمَان يجِف فِي مثله المَاء عَن الْعُضْو ويستأنف إِن مضى وعَلى الْجَدِيد لَا يجب التَّتَابُع مُطلقًا بل يبْنى
أجَاب رَضِي الله عَنهُ هَذَا فِيهِ طَرِيقَانِ مِنْهُم من قَالَ إِذا ترك التَّتَابُع لعذر كَهَذا الْمَذْكُور لم يقْدَح قولا وَاحِدًا والجديد لَا حد فِيهِ للتفريق بل لَا يضر مُطلقًا وَإِن طَال الْوَقْت وَالله أعلم
وَمن كتاب الصَّلَاة
74 - مَسْأَلَة خطر لي أَن من دخل عَلَيْهِ وَقت الصَّلَاة وَتمكن من فعلهَا فَأخر بِنَاء على مَا يسوغ لَهُ من التَّأْخِير نَام وَاسْتمرّ بِهِ النّوم حَتَّى خرج الْوَقْت فَهَل يقْض
قلت لَا يَنْبَغِي أَن يخرج على الْخلاف الْمَعْرُوف فِيمَا لَو أخر

(1/228)


@ وَمَات قبل الْفِعْل على أحد الْوَجْهَيْنِ أَنه لَا يقْض وَإِلَيْهِ الْميل فِي أصُول الْفِقْه لِأَن التَّأْخِير جَائِز وَهُوَ فِي حَال التَّأْخِير مَعْذُور غير مقصر كَمَا تقرر وَعرف وَلَا كَذَلِك الَّذِي نَام وَاسْتمرّ بِهِ النّوم حَتَّى فَاتَ الْوَقْت لِأَنَّهُ بنومه متعرض للتفويت إِذْ لَيْسَ فِي يَده الانتباه وَلِهَذَا جَاءَ فِي الحَدِيث فِي الْعشَاء أَنه نهى عَن النّوم قبلهَا والْحَدِيث بعْدهَا وَهَذَا النَّهْي يشْتَمل النّوم عَن كل صَلَاة بعد وَقتهَا فَإِن غَلَبَة النّوم كَانَ كالموت وَالله أعلم
75 - مَسْأَلَة تَكْبِيرَة الْإِحْرَام إِذا وصل قَوْله مَأْمُوما أَو إِمَامًا بقوله الله أكبر فَذَهَبت الْهمزَة فِي الدرج هَل يجْزِيه ذَلِك أم لَا فان لم يجْزِيه فَمَا الْعلَّة فِي عدم الْإِجْزَاء وَمَا الْفرق بَين هَذَا وَبَين الْهمزَة من قَوْلنَا الرَّحْمَن الرَّحِيم إِذا سَقَطت الْهمزَة مِنْهَا فِي الدرج مَعَ كَونه حرف من الْفَاتِحَة ركنا وَقد أَجْزَأَ وَإِذا لم يكن بُد من الْإِتْيَان بهَا فَكيف يفعل عِنْد الْإِحْرَام يقف على قَوْله مَأْمُوما أَو إِمَامًا بِالسُّكُونِ ثمَّ يَبْتَدِئ بقوله الله أكبر ويفصل بتسكينة أم كَيفَ يصنع

(1/229)


@
أجَاب رَضِي الله عَنهُ يجْزِيه ذَلِك وَلَيْسَ تَارِكًا حرفا مُبْطلًا لِأَن ذَلِك إِنَّمَا هُوَ فِيمَا إِذا ترك حرفا ثَابتا من وَاجِب والهمزة هَذِه لَيست حرفا ثَابتا فِي حَالَة الدرج إِذْ ثُبُوتهَا مَخْصُوص بِغَيْر حَالَة الدرج فَليعلم ذَلِك وَمَعَ ذَلِك فوصل ذَلِك بِالتَّكْبِيرِ بِدعَة فَالْأولى الْفَصْل وَإِنَّمَا الْمُعْتَبر إقران النِّيَّة واستدامتها إِذا حصل باعانة التَّلَفُّظ وَالله أعلم
76 - مَسْأَلَة رجل حضر الصَّلَاة فِي مَسْجِد فأقيمت الصَّلَاة وَقَامَ النَّاس اليها فَأخذ يحدث رجلا آخر بجانبه ويمد مَعَه الحَدِيث فِي أُمُور دنيوية فَلَمَّا علم أَن الإِمَام أَرَادَ أَن يرْكَع أحرم وَركع مَعَه من غير قِرَاءَة الْفَاتِحَة فَهَل يَجْعَل هَذَا كالمسبوق الَّذِي دخل الْمَسْجِد وَالْإِمَام رَاكِع فَرَكَعَ مَعَه فِي حط الْفَاتِحَة عَنهُ أم لَا يعْذر لِأَنَّهُ مسيء فِي تَأْخِيره وَحَدِيثه فِي مَكَان الْجد بِالْهَزْلِ
أجَاب رَضِي الله عَنهُ هُوَ فِي الحكم كالمسبوق فِيمَا يرجع الى صِحَة الصَّلَاة من غير قِرَاءَة الْفَاتِحَة وَهُوَ محروم ومسيء وَالله أعلم
77 - مَسْأَلَة هَل يسوغ لقارئ أَن يقْرَأ كل اية من أَي عشر وَاحِد بِقِرَاءَة أُخْرَى أم اللَّازِم أَو الأولى أَن يتم الْعشْر بِالْقِرَاءَةِ الأولى الْمُبْتَدَأ بهَا أول آيَة فِيهِ

(1/230)


@
هَذِه أسئلة عَن حالات اجترأ عَلَيْهَا قَارِئ مَال للمزخرف الدنيوي ولأجله على كل خطز من خطأ آخر طَارِئ فلتجيبوا عَنْهَا
أجَاب رَضِي الله عَنهُ الأولى أَن يتم الْعشْر بِمَا ابْتَدَأَ بِهِ من الْقِرَاءَة بل يَنْبَغِي أَن لَا يزَال فِي الْقِرَاءَة الَّتِي ابْتَدَأَ بهَا مَا بَقِي للْكَلَام تعلق بِمَا ابْتَدَأَ بِهِ وَلَيْسَ ذَلِك مَنُوطًا بالعشر وأشباهه وَلَا الْجَوَاز وَالْمَنْع منوطين فِيهِ بذلك وَلَوْلَا قيد الْمَرَض الْمَانِع مَعَ الزِّيَادَة لَكَانَ هَا هُنَا زِيَادَة فعاذرون وَالله أعلم
78 - مَسْأَلَة هَل يجوز لقارئ يقْرَأ كتاب الله بالقراءات الشاذة الَّتِي لم يَصح نقلهَا من أَئِمَّة هَذَا الْفَنّ وَلَا سِيمَا لمن لَيْسَ يعرف مصَادر أَلْفَاظ الْعَرَب وَلَا مبانيها وَلَا يقدر التَّصَرُّف وَلَا تطلع مَعَانِيهَا وَلَئِن جَازَ أقراءتها أولي أم السُّكُوت عَنْهَا وَهل تكره قرَاءَتهَا فِي الصَّلَاة أم لَا
أجَاب رَضِي الله عَنهُ الْأَمر فِي ذَلِك أبلغ من ذَلِك وَهُوَ أَنه لَا يجوز الْقِرَاءَة من ذَلِك إِلَّا بِمَا تَوَاتر نَقله واستفاض وَتَلَقَّتْهُ الْأمة بِالْقبُولِ كهذه السَّبع فَإِن الشَّرْط فِي ذَلِك الْيَقِين وَالْقطع على مَا تقرر فِي الْأُصُول فَمَا لم يُوجد فِيهِ ذَلِك فَمَمْنُوع مِنْهُ منع كَرَاهَة وممنوع مِنْهُ فِي الصَّلَاة وخارج الصَّلَاة وممنوع مِنْهُ من عرف المصادر والمعاني وَمن لم يعرف ذَلِك وعَلى

(1/231)


@ كل من قدر على الْأَمر بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَن الْمُنكر فِي ذَلِك الْقيام بواجبه وَالله أعلم
79 - مَسْأَلَة لَو لم تجز الْقِرَاءَة بالشواذ وارتكب قَارِئ عَلَيْهَا وأصر هَل يجب مَنعه عَنْهَا منع مرتكب خَطِيئَة أَو إِثْمًا
أجَاب رَضِي الله عَنهُ يجب مَنعه وتأثيمه بعد تَعْرِيفه ثمَّ هُوَ مستوجب تعزيره وَالله أعلم
80 - مَسْأَلَة أَنه لَو لم يجز ذَلِك واجترأ عَلَيْهِ قَارِئ وأصر عَلَيْهِ وَلم يمْتَنع فَمَاذَا يستوجبه
أجَاب رَضِي الله عَنهُ يمْنَع بِالْحَبْسِ والإهانة وَنَحْو ذَلِك وعَلى المتمكن من ذَلِك أَن لَا يهمله وَالله أعلم
81 - مَسْأَلَة إِذا استفتى عَن أَمر الشواذ اجمالا وَلَكِن لزمنا الاستفتاء عَنهُ تَفْصِيلًا اطمئنانا للقلب المستنير وردعا للمجترئ على كتاب الله عز وَجل الْمصر وَهُوَ هَذِه أَيجوزُ لقارئ أَن يقْرَأ فِي كتاب الله تَعَالَى مَكَان أَتَيْنَا أعطينا وفتجسسوا فتخبروا وسولت زَيْنَب وَأَن يسْتَبْدل تَاء الْقسم بواوه أَو بائه وَأَن يقْرَأ مَكَان مُوسَى موشى منقوطا على أصل العبرانية وَأَن يُحَرك الدَّال فِي قَوْله تَعَالَى المص وكهيعص باحدى الحركات الثَّلَاث أَو بهَا جَمِيعًا منونا غير منون وَإِن يتَعَرَّض لقَوْله تَعَالَى هَيْهَات الْمَبْنِيّ على الْفَتْح بقوله تَعَالَى هيها هُوَ مشبع

(1/232)


@ وَغير مشبع وهيهات بِالتَّاءِ تَارَة وبالهاء أُخْرَى مِمَّا لَا فيهمَا وهيهاها وَهَيَّأْت بِالْهَمْزَةِ مَكَان الْهَاء الثَّانِيَة وهيهان على وزن فيعان وَمَا يجْرِي هَذَا المجرى وَيُوجد فِيهَا رجلَانِ على الْمَبْنِيّ للْمَفْعُول وَأَن يقْرَأ الْقُرْآن عَليّ الْمَعْنى أَعنِي يسْتَبْدل كل كلمة شَاءَ بِلَفْظ اخر يُفِيد مَعْنَاهَا كَمَا صرح فِي استبدال أَتَيْنَا بأعطينا وَبَعض حُرُوف الْقسم بِبَعْضِهَا
أجَاب رَضِي الله عَنهُ هَذَا كَلَام من خَفِي عَلَيْهِ معنى الشواذ فالشواذ عبارَة عَمَّا لم ينْقل نقلا موصلا برَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مُسْتَيْقنًا لَا ريب فِيهِ وَنَقله فِي الْقُرْآن مَعَ ذَلِك شخص مَذْكُور كهذه الَّتِي اشْتَمَل عَلَيْهَا الْمُحْتَسب لِابْنِ جني وَغَيره وَأما الْقِرَاءَة بِمُجَرَّد الْمَعْنى من غير تَقْيِيد بِنَقْل من ذاكره عَن من تقدمه فَذَلِك إفراط فِي الزيغ زَائِد وَكَانَ وَقع ابْن شنبوذ وَابْن مقسم ووثب عَلَيْهِمَا بمر الْإِنْكَار أهل الْعلم بِالْقُرْآنِ واستتيبا وَكفى فليتق الله الْجَلِيل عظم جَلَاله وَلَا يستجرئ على كِتَابه فقد علم مَا علم على المحرف لَهُ وَالله أعلم
82 - مَسْأَلَة رجل يَقُول الشَّيْطَان يقْرَأ الْقُرْآن وَيُصلي هُوَ وَجُنُوده وَيُرِيد إغواء الْعلم والزاهد وَيَأْخُذهُ من الطَّرِيق الَّتِي يسلكها ليضله وَإِن كَانَ يقدر على ذَلِك فَكيف معرفَة الْخَلَاص مِنْهُ

(1/233)


@
أجَاب رَضِي الله عَنهُ ظَاهر الْمَنْقُول يَنْفِي قراءتهم الْقُرْآن وقوعا وَيلْزم من ذَلِك انْتِفَاء الصَّلَاة مِنْهُم إِذْ مِنْهَا قِرَاءَة الْقُرْآن وَقد ورد الْمَلَائِكَة لم يُعْطوا فَضِيلَة قِرَاءَة الْقُرْآن وَهِي حريصة لذَلِك على استماعه من الْإِنْس فَإِذا قِرَاءَة الْقُرْآن كَرَامَة أكْرم الله بهَا الْإِنْس غير أَن الْمُؤمنِينَ من الْجِنّ بلغنَا أَنهم يقروونه وَالله أعلم
83 - مَسْأَلَة إِمَام جَامع يُصَلِّي جمَاعَة خَلفه كَثِيرُونَ وَفِيهِمْ رجل وَاحِد يضعف عَن الْقيام خَلفه فِي صَلَاة الصُّبْح إِذا قَرَأَ بطوال الْمفصل هَل الأولى للْإِمَام أَن يتْرك طوال الْمفصل لأجل هَذَا الْوَاحِد الضَّعِيف وَيقْرَأ بأواسط الْمفصل أم لَا وَفِي جمَاعَة يصلونَ خلف إِمَام وَفِيهِمْ صبيان وَفِي الصَّفّ الأول خلو فَهَل يسن للصبيان أَن يصلوا خلف الرِّجَال أم يدْخلُونَ فِي ذَلِك الْخُلُو
أجَاب رَضِي الله عَنهُ لَا وَلَيْسَ للْإِمَام أَن يفوت على الْأَكْثَرين حظهم فِي إتْمَام الصَّلَاة بِتمَام الْقِرَاءَة الْمَشْرُوعَة المستحبة فِيهَا من أجل وَاحِد أَو اثْنَيْنِ أَو نَحْو ذَلِك وَهَذَا إِذا كثر حُضُور الَّذِي يضعف عَن ذَلِك أما إِذا طَرَأَ ذَلِك غير اسْتِمْرَار فَلَا بَأْس برعاية جَانِبه وَهُوَ قريب مِمَّا روى سيدنَا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ إِنِّي لأسْمع بكاء الصَّبِي فأخفف لمَكَان أمه وَأما الصّبيان فيصلون خلف الرِّجَال وَلَا يدْخلُونَ فِي فُرْجَة صفهم إِلَّا

(1/234)


@ أَن يكون صبي وَحده فانه لَا يقف وَحده بل يقف مَعَ الرِّجَال وَالله أعلم
84 - مَسْأَلَة إِمَام يُصَلِّي بِالنَّاسِ صَلَاة التَّسْبِيح المروية عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ليَالِي الْجمع وَغَيرهَا فَهَل يُثَاب ويثابون على ذَلِك أم لَا وَهل هِيَ من السّنة أم من الْبِدْعَة وَهل صحت عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من طَرِيق أم لَا وَهل من أنكر على مصليها مُصِيب أم مُخطئ وعَلى تَقْدِير تخصيصها بليلة الْجُمُعَة هَل هِيَ صَحِيحَة فِي نَفسهَا أم لَا وعَلى تَقْدِير صِحَّتهَا فَهَل يُثَاب ويثابون عَلَيْهَا
أجَاب رَضِي الله عَنهُ نعم يُثَاب ويثابون اذا أَخْلصُوا وَهِي سنة غير بِدعَة وَهِي مروية عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وحديثها حَدِيث حسن مُعْتَمد مَعْمُول بِمثلِهِ لَا سِيمَا فِي الْعِبَادَات والفضائل وَقد أخرجه جمَاعَة من أَئِمَّة الحَدِيث فِي كتبهمْ الْمُعْتَمدَة أَبُو دَاوُد السجسْتانِي وَأَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيّ وَأَبُو عبد الله بن مَاجَه وَالنَّسَائِيّ وَغَيرهم وَأوردهُ الْحَاكِم أَبُو عبد الله الْحَافِظ

(1/235)


@ فِي صَحِيحه الْمُسْتَدْرك وَله طرق يعضد بَعْضهَا بَعْضًا وَذكرهَا صَاحب التَّتِمَّة وَالْمُنكر لَهَا غير مُصِيب وَلَا يخْتَص بليلة الْجُمُعَة كَمَا جَاءَ فِي الحَدِيث وَالله أعلم
85 - مَسْأَلَة رجل يَنْوِي فِي صَلَاة التَّرَاوِيح قَضَاء الْفَوَائِت الَّتِي عَلَيْهِ فَهَل يحصل لَهُ فَضِيلَة قيام رَمَضَان لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من قَامَ رَمَضَان إِيمَانًا واحتسابا غفر لَهُ مَا تقدم من ذَنبه أم لَا وَهل الأولى أَن يُصَلِّي التَّرَاوِيح ثمَّ يقْضِي فِي وَقت آخر أَولا
أجَاب رَضِي الله عَنهُ لَا يحصل لَهُ فَضِيلَة قيام رَمَضَان وَإِنَّمَا يحصل لَهُ فَضِيلَة أَدَاء الْفَرَائِض وَالْأولَى أَن يُصَلِّي التَّرَاوِيح وَيَقْضِي عقيبها مَا أَرَادَ أَن يَجعله من الْقَضَاء بدل التَّرَاوِيح وَالله أعلم
86 - مَسْأَلَة النِّيَّة فِي التَّرَاوِيح وَالْوتر هَل يَنْوِي بنيته التَّرَاوِيح أَو

(1/236)


@ صَلَاة التَّرَاوِيح المسنونة وَيَنْوِي سنة الْوتر أَو الْوتر الْمسنون وَهل يَنْوِي الشفع وَالْوتر أَو يَنْوِي فِي الْجَمِيع الْوتر
أجَاب رَضِي الله عَنهُ لَا بَأْس بِأَن يَنْوِي صَلَاة التَّرَاوِيح المسنونة وَالْوتر الْمسنون وَلَا بَأْس أَيْضا بِأَن يَنْوِي سنة التَّرَاوِيح وَلَا يكون مُرَاده مثل مَا يُرَاد بقولنَا سنة الظّهْر فانه يُوجب مُغَايرَة وتعددا بل يكون مُرَاده وصف التَّرَاوِيح بِأَنَّهَا سنة ثمَّ لَا اشكال فِيهِ من حَيْثُ تضمن النِّيَّة فَإِنَّهَا عبارَة عَن الْقَصْد بِالْقَلْبِ وَلَا يخْتَلف حَال الْقَصْد باخْتلَاف حَال الْأَلْفَاظ صِحَة وَفَسَادًا وَأما فِيمَا يرجع إِلَى اللَّفْظ فَفِيهِ أشكال وَله مَعَ ذَلِك مساغ من حَيْثُ اللُّغَة قَرّرته فِي مَسْأَلَة عملتها فِي نِيَّة الْوتر وعبارتها وَهَكَذَا إِذا نوى سنة الْوتر فَهَذَا فِي ذَلِك ويزداد فِيهِ قبل الرَّكْعَة الْأَخِيرَة أَنه إِذا أَرَادَ الْإِضَافَة على معنى أَن للوتر الْحَقِيقِيّ سنة وَأَنه لَا امْتنَاع فِي أَن يكون للسّنة سنة وَيكون اضافة احدى السنتين الى الْأُخْرَى لتأكيد مَا هُوَ الْمُضَاف اليه فَهَذَا اذا أَرَادَهُ الناوي فنيته غير فَاسِدَة فَإِن غَايَة مَا فِيهِ أَن لَا يكون قطعهَا اكْتِفَاء بِمَا سبق فِي غَيرهَا وَيَنْبَغِي أَن يُرَاد فِي ذَلِك التعرف بِأَن فِي قَوْله تَعَالَى {وَالشَّفْع وَالْوتر} أَكثر من عشْرين قولا لَيْسَ مِنْهَا هذَيْن هما المُرَاد بالشفع وَالْوتر وَلم أجد لأحد من أَصْحَابنَا هَذِه التَّسْمِيَة لهذين لَكِن قد وَجدتهَا لغير أَصْحَابنَا هِيَ فِي كتاب الْخلاف فِي مَذْهَب مَالك رَضِي الله عَنهُ وأظنها فِي مَذْهَب أَحْمد رَضِي الله عَنهُ

(1/237)


- مَسْأَلَة سنة الْوتر من أحب أَن يُصليهَا إِحْدَى عشر رَكْعَة وَهُوَ يقْصد بهَا التَّنَفُّل والتهجد فَإِن صلى مِنْهَا فِي أول اللَّيْل ثَلَاث رَكْعَات خوفًا من النّوم ثمَّ انتبه فصلى بَاقِيهَا وَهِي تَمام إِحْدَى عشر رَكْعَة ثمَّ فِي كل صَلَاة مِنْهَا يَنْوِي صَلَاة الْوتر هَل يجوز وَهل إِذا قَامَ من النّوم يُصليهَا بنية الْوتر أَو بنية التَّهَجُّد أَو بالمجموع
أجَاب رَضِي الله عَنهُ لَا بَأْس عَلَيْهِ بذلك وَالسّنة أَن لَا ينَام إِلَّا على وتر فَإِذا نَام على الْوتر بِالثلَاثِ ثمَّ انتبه فَلهُ أَن يُصَلِّي مَا بدا لَهُ وَلَا ينْقض الْوتر على مَذْهَبنَا وَمذهب بعض الصَّحَابَة رَضِي الله عَنْهُم وَعند بَعضهم ينْقضه وَيُصلي عِنْد انتباهه للتهجد رَكْعَة وَاحِدَة تشفع لَهُ الثَّلَاث الأولى حَتَّى يخرج عَن كَونهَا وترا مرّة أُخْرَى أما بإحدي عشرَة رَكْعَة أَو بِأَقَلّ وَالْمذهب الأول هُوَ الْمُخْتَار وَيكون مَا يَأْتِي بِهِ بعد الانتباه تهجدا غير الْوتر لَا يَنْوِي بِهِ الْوتر بل مُطلق التَّطَوُّع وَالصَّلَاة الله أعلم
88 - مَسْأَلَة فِي القَوْل فِي فَضِيلَة الصَّلَاة بَين العشاءين مَا معنى العشاءين وَإِذا حضر الْعشَاء وَالْعشَاء فابدؤا بالعشاء وَمَا الْعشَاء
أجَاب رَضِي الله عَنهُ يُقَال الْعشَاء بِالْفَتْح خلاف الْغذَاء وَهُوَ مَا يُؤْكَل آخر النَّهَار أَو أول اللَّيْل وَأما الْعشَاء بِالْكَسْرِ فمخصوص فِي لِسَان الشَّرْع من بَين الصَّلَوَات بِالصَّلَاةِ المنوطة بغيبوبة الشَّفق وَتَسْمِيَة الْمغرب عشَاء لَيْسَ إِلَّا من حَيْثُ اللُّغَة وَقد آباه الشَّارِع صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ حكم من أَحْكَام

(1/238)


@ الْفِقْه ذكره الشَّيْخ أَبُو إِسْحَق وَغَيره وَالدَّلِيل عَلَيْهِ مَا رَوَاهُ البُخَارِيّ رَضِي الله عَنهُ فِي صَحِيحه عَن عبد لله بن مُغفل أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَا يغلبنكم الْأَعْرَاب عَن اسْم صَلَاتكُمْ الْمغرب قَالَ وَتقول الاعراب هِيَ الْعشَاء وروى بِلَفْظ آخر أنص مِنْهُ وَعند هَذَا فَقَوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا حضر الْعشَاء وَالْعشَاء خَارج على وَجْهَيْن
أَحدهمَا إِن المُرَاد بالعشاء فِيهِ صَلَاة الْعشَاء دون الْمغرب إِذْ الْمَأْكُول عِنْدهَا أَيْضا عشَاء على مَا نَقله أَولا فِي عوائد الْعَرَب فِي أكله الْعشَاء مَا يَقْتَضِي حمل الْعشَاء فِيهِ على الْمغرب وَلَو كَانَ فَالْحَدِيث الصَّحِيح الَّذِي ذَكرْنَاهُ مَانع من أَن يكون مُرَاد الشَّارِع صلى الله عَلَيْهِ وَسلم

(1/239)


@
الثَّانِي أَنه أَن أُرِيد بِهِ الْمغرب فَذَلِك من لفظ بعض الروَاة فَإِنَّهُ يغلب على الْمُتَقَدِّمين مِنْهُم الرِّوَايَة بِالْمَعْنَى فَأطلق اسْم الْعشَاء على الْمغرب جَريا على تعارف الْعَرَب وغفلة عَمَّا رسمه الشَّارِع وَأما كلمة العشاءين الجائية فِي بعض الْأَحَادِيث مُطلقَة على الْمغرب وَالْعشَاء فلهَا أَيْضا وَجْهَان نَحْو هذَيْن الْوَجْهَيْنِ أَحدهمَا أَن هَذِه التَّثْنِيَة لَيست لكَون الْمغرب عشَاء فِي تَسْمِيَة الشَّرْع وعرفه حَتَّى يكون من قبيل تَسْمِيَة الإسمين المتفقين لفظا بل هِيَ من قبيل تنثنية الْمُخْتَلِفين لفظا بتغليب أَحدهمَا نَحْو قَوْلهم فِي الْأَب وَالأُم الأبوان وَهَذَا قَول الْأَصْمَعِي رَحمَه الل الثَّانِي أَن يكون ذَلِك من رِوَايَة جَيِّدَة عَن لفظ الشَّارِع صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تعبيرا عَن الْمَعْنى بِمَا كَانَت الْعَرَب تتناطق بِهِ من تَسْمِيَة الْمغرب وَالْعشَاء العشاءين وَأما قَوْلهم الْعشَاء

(1/240)


@ الْآخِرَة فَهَذِهِ القوله وَأَن وجدت فِي كَلَام أبي دَاوُد السجسْتانِي وَغَيره من الجلة فنزاع إِلَى اللُّغَة الَّتِي محاها الشَّارِع سيدنَا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على مَا تقدم تَوْضِيحه عَليّ أَن الْأَصْمَعِي رَضِي الله عَنهُ قَالَ وَمن الْمحَال قَول الْعَوام الْعشَاء الْآخِرَة إِنَّمَا يُقَال صَلَاة الْعشَاء لَا غير وَصَلَاة الْمغرب وَلَا يُقَال لهَذِهِ الْعشَاء هَذَا نَص مَا نقل عَنهُ وَقد وجدته لغيره وَالْحق أَن هَذَا مصير إِلَى الْعرف الشَّرْعِيّ فَقَط وَلَا يتَجَاوَز إِلَى نفي تَسْمِيَة الْمغرب عشَاء من حَيْثُ اللُّغَة فانه لَا سَبِيل إِلَيْهِ فالعشاء عِنْد ابْن السّكيت وَغَيره من أهل اللُّغَة من الْغُرُوب إِلَى صَلَاة الْعشَاء وَعند قوم من زَوَال الشَّمْس إِلَيّ طُلُوع الْفجْر وَقَالَ الْخَلِيل الْعشَاء عِنْد الْعَامَّة من غرُوب الشَّمْس إِلَى أَن يولي صدر اللَّيْل وَالله أعلم
ثمَّ ليعلم أَن صَلَاة العشاءين المذكورتين فِي الحَدِيث الصَّحِيح ليستا المسمين بالعشاءين فقد روى أَبُو هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ صلى بِنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِحْدَى صَلَاتي الْعشَاء إِمَّا الظّهْر وَأما الْعَصْر وَقد قَالَ الْأَزْهَرِي الْعشَاء عِنْد الْعَرَب مَا بَين أَن تَزُول الشَّمْس إِلَى أَن تغرب وَالله سُبْحَانَهُ أعلم
89 - مَسْأَلَة من أَرَادَ الاحرام بالوتر وفصله بتسليمتين فَنوى بالركعتين الْأَوليين سنة الشفع وبالأخيرة سنة الْوتر فَهَل يكون فِي ذَلِك مخطئا أم لَا وَهل الثَّلَاث مجموعها وتر أم الرَّكْعَة الْأَخِيرَة على انفرادها وَهل لنا صَلَاة تسمى شفعا حَتَّى تكون الركعتان الأوليان سنة لذَلِك الشفع أم

(1/241)


@ تكون الرَّكْعَة الْأَخِيرَة هِيَ صَلَاة الْوتر والركعتان الأوليان قبلهَا سنة لَهَا كسنن بَاقِي الصَّلَوَات
أجَاب رَضِي الله عَنهُ لَا يكون مخطئا فِي ذَلِك وَهُوَ منزل منزلَة مَا لَو نوى الْأَوليين الشفع وبالأخري الْوتر مجردين عَن ضميمة السّنة لِأَن المعني بِالسنةِ مُضَافَة إِلَى الشفع نفس الشفع وَبهَا مُضَافَة إِلَى الْوتر نفس الْوتر وَهُوَ سَائِغ كَمَا سَاغَ قَوْلنَا صَلَاة الْوتر وَإِن كَانَت الصَّلَاة هُنَا نفس الْوتر وَلَا يفْسد هَذَا بِأَن يُقَال أَن الشئ لَا يُضَاف إِلَى نَفسه والموصوف لَا يُضَاف إِلَى صفته وَلَا الصّفة إِلَيّ موصوفيها وَعنهُ اعْتقد النحويون فِي قَوْلهم مَسْجِد الْجَامِع وَصَلَاة الأولى محذوفا تقديرة مَسْجِد الْوَقْت الْجَامِع وَصَلَاة السَّاعَة الأولى لِأَن لَهُ مساغا رحبا أما على مَذْهَب الْكُوفِيّين فَظَاهر لتسويفهم إِضَافَة الشَّيْء إِلَى نَفسه كَمَا حكى عَنْهُم فِي قَوْله تبَارك وَتَعَالَى {وَحب الحصيد} وَغَيره وَأما على مَذْهَب الْبَصرِيين فَلِأَن الَّذِي نفوه من ذَلِك أَن كل وَاحِد من الْمُضَاف والمضاف إِلَيْهِ يدل على مَا يدل عَلَيْهِ الآخر قبل الاضافة كزيد وكنيته فَأَما مَا لم يكن كَذَلِك فلاامتناع فِيهِ بِإِجْمَاع كَقَوْلِنَا نفس الشَّيْء وكل الْقَوْم وَمَا ضاهاهما وَقد جَاءَ عَنْهُم سحق عِمَامَة وَخلق ثوب ومغربة خبز كَمَا جَاءَ عَنْهُم مائَة الدِّرْهَم وَخَاتم فضَّة وَنَحْو ذَلِك وَبعد هَذَا فَلَا خَفَاء فِي التحاق مَا نَحن بصدده بِهَذَا الْقَبِيل فَبِهَذَا يتَوَجَّه ذَلِك لِأَن هُنَاكَ شفعا آخر يصلح لِأَن تنْسب إِلَيْهِ هَاتَانِ الركعتان والركعتان منسوبتان إِلَيْهِ وَهَذَا من الْوَاضِح الْجَلِيّ فِي قَوْله سنة الْوتر إِذْ لَا وتر آخر غير هَذِه الرَّكْعَة منسوبة إِلَيْهِ إِذا علم هَذَا فالناوي سنة الشفع وَسنة الْوتر أَن قصد الْمَعْنى الأول

(1/242)


@ لَا إِشْكَال فِي صِحَة نِيَّته وَصلَاته وَإِن قصد الثَّانِي الَّذِي نفيناه فَصلَاته صَحِيحَة لِأَنَّهُ نَوَاهَا بِعَينهَا وَإِن أَخطَأ فِي وصفهَا بِمَا لَيْسَ من صفتهَا فليلغ الْوَصْف وَلَا يُوتر مُجَردا من مزِيد السّنة
وَالَّذِي ظَفرت بِهِ جيدا قَدِيما وحديثا من أقاويل أَئِمَّة مَذْهَب الْفضل أوجه
أَحدهَا أَن يَنْوِي بالركعتين الْأَوليين مُقَدّمَة الْوتر وبالأخيرة الْوتر قَالَه الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد الْجُوَيْنِيّ وَالِد إِمَام الْحَرَمَيْنِ أَبُو الْمَعَالِي فِي كِتَابه كتاب الْمُحِيط بِمذهب الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ
الثَّانِي ان يَنْوِي بِمَا قبل الرَّكْعَة سنة الْوتر حَكَاهُ صَاحب كتاب بَحر الْمَذْهَب القَاضِي أَبُو المحاسن الرَّوْيَانِيّ وجدته بالموصل فِي كِتَابه حلية الْمُؤمن وَفِي هذَيْن الْوَجْهَيْنِ تَخْصِيص للوتر بالركعة الْأَخِيرَة وَإِخْرَاج لما قبلهَا من مُسَمّى الْوتر من إِثْبَات يشبه بَينهمَا وارتباط وَالثَّانِي مِنْهُمَا يستبعد بِأَن الْوتر على مَذْهَب الْفَصْل سنة وَلَا عهد لنا بِسنة هِيَ صَلَاة

(1/243)


@ الثَّالِث أَن يَنْوِي بِمَا قبل الرَّكْعَة الْأَخِيرَة التَّهَجُّد أَو صَلَاة اللَّيْل حَكَاهُ ابْن مَسْعُود الْفراء صَاحب التَّهْذِيب فِيهِ وَهُوَ يداني مَا قَالَه الْغَزالِيّ فانه قَالَ يَنْوِي بِهِ السّنة وَفِي هَذَا الْوَجْه قطع لذَلِك عَن الْوتر من غير إِثْبَات تعلق وَمَا اتّفقت عَلَيْهِ هَذِه الْوُجُوه من تَخْصِيص الْوتر بالركعة المفردة وَاقع على وفْق قَول الشَّافِعِي فِي رِوَايَة الْبُوَيْطِيّ رَضِي الله عَنْهُمَا الْوتر رَكْعَة وَاحِدَة
وَهَذَا صَاحب الْحَاوِي يَقُول فِيهِ لَا يخْتَلف مَذْهَب الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ فِي أَن الْوتر رَكْعَة وَاحِدَة تشهد بِصِحَّتِهِ الْأَحَادِيث الصِّحَاح الَّتِي مِنْهَا حَدِيث مُسلم فِي صَحِيحه يسلم بَين كل رَكْعَتَيْنِ ويوتر بِوَاحِدَة

(1/244)


@ وَيشْهد للْوَجْه الثَّالِث فِي أَنه يَنْوِي بِمَا قبلهَا صَلَاة اللَّيْل أَو نَحْو ذَلِك الحَدِيث الثَّابِت عَن ابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ صَلَاة اللَّيْل مثنى مثنى فَإِذا رَأَيْت أَن الصُّبْح يدركك فأوتر بِوَاحِدَة
وَفِي ذَلِك وَجه رَابِع وَهُوَ أَنه يَنْوِي الْوتر فِي كلهَا فِي الرَّكْعَة الْأَخِيرَة وَمَا قبلهَا اخْتَارَهُ القَاضِي الرَّوْيَانِيّ وَقَالَهُ قبله القَاضِي أَبُو الطّيب الطَّبَرِيّ فِي منهاج النّظر من تأليفه وَهُوَ على وفَاق مَا تنطق بِهِ تصانيف الشَّيْخ أبي إِسْحَق وَغَيره من قَوْلهم أقل الْوتر رَكْعَة وَاحِدَة وَأَكْثَره اُحْدُ عشرَة رَكْعَة وَفِي بعض كَلَام الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ إِشَارَة إِلَيْهِ
وَفِي حَدِيث خرجه أَبُو دَاوُد السجْزِي فِي السّنَن عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا مَا يدل عَلَيْهِ وَمَا رَوَاهُ مَالك أَن ابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا كَانَ يسلم بَين الرَّكْعَة والركعتين من الْوتر شاهدة لَهُ وَلَا يمْنَع أَن يكون صَلَاة وَاحِدَة يفصل بَعْضهَا عَن بعض بسلامة فَإِن ذَلِك مَوْجُود من النَّوَافِل فِي التَّرَاوِيح وَلَا أَن يكون من الْوتر مَا هُوَ شفع فَإِنَّهُ بانضمام الشفع إِلَى الْوتر يصير الْمَجْمُوع وترا نظرا إِلَى الْجُمْلَة فيسوغ لذَلِك أَن يُقَال أُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ من الْوتر لِكَوْنِهِمَا من جملَة الْوتر وَيدل عَلَيْهِ مَا رَوَاهُ الشَّافِعِي

(1/245)


@ رَضِي الله عَنهُ عَن مَالك رَضِي الله عَنهُ من حَدِيث ابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ صَلَاة اللَّيْل مثنى مثنى فاذا خشِي أحدكُم الصُّبْح صلى رَكْعَة وَاحِدَة توتر لَهُ ماقد صلى
وكوضع الدّلَالَة قَوْله توتر لَهُ مَا قد صلى وَالْمُخْتَار من هَذِه الْوُجُوه هَذَا الْوَجْه لِأَن فِيهِ جمعا بَين هَذِه الْأَحَادِيث كلهَا إِذْ الْوَاحِدَة الأَصْل فِي الايتار وَبهَا يصير مَا قبلهَا وترا فَمن أجل هَذَا اقْتصر فِي الْوَصْف بالوتر بِهِ عَلَيْهَا فِيمَا احتججت بِهِ للْوَجْه الأول
وَعند هَذَا فَقَوْل مُسلم بِوَاحِدَة مَحْذُوف فِيهِ مفعول أوتر وَالْمرَاد أوتر بِوَاحِدَة مَا مضى كَمَا صرح بِهِ الحَدِيث الآخر ويلي هَذَا الْوَجْه فِي الْقُوَّة الْوَجْهَانِ الْأَوَّلَانِ وأبعدها الثَّالِث وَلَا نزاع أصلا فِي أَنه يَنْوِي بالركعة الْأَخِيرَة الْوتر لاستحقاقها حَقِيقَته بِمَا نصصناه الإفصاح بأجوبة الأسئلة كلهَا وجملتها أَنه لَا يكون فِي ذَلِك مخطئا وَالْمَجْمُوع بأسره وتر وَلَا صَلَاة شفع هُنَاكَ تكون الركعتان سنة لَهَا إِذْ لَيْسَ ثمَّ الا الْفَرْض وركعتا سنته وَبعد أَن ثَبت كَون الرَّكْعَتَيْنِ المذكورتين من الْوتر وَلَا سَبِيل إِلَى اعْتِقَاد كَونهَا سنة لأحد ذَيْنك لِأَن الْوتر صَلَاة تنفل اخر اللَّيْل حَيْثُ يكره تَأْخِير الْعشَاء وسنتها إِلَيْهِ أَو تمنع لغير هَذَا من الْأَدِلَّة وليستا أَيْضا سنة للوتر لما سبق من أَنه لَا سنة ذَات سنة وَقد تقدم إِيضَاح ذَلِك وتبيينه وأسأل الله رَبِّي الْعِصْمَة والمثوبة وَالله أعلم
90 - مَسْأَلَة فِي قَول الإِمَام فِي النِّهَايَة فِي الْفجْر الأول حَتَّى

(1/246)


@ للمحق بِمَاذَا ينمحق بِالْفَجْرِ الثَّانِي أم بِغَيْر ذَلِك وَإِن رَأَوْا أَن يذكرُوا مَا عِنْدهم فِي الْفجْر الأول وَالْفَجْر الثَّانِي وَالْفرق بَينهمَا ليهتدي بذلك مهتد أَو يَقْتَدِي بِهِ مقتد وَهل تجوز صَلَاة الْفجْر إِذا أَخذ الْفجْر الأول فِي الانتشار أَو فِي الامتداد والانحطاط
أجَاب رَضِي الله عَنهُ لَيْسَ انمحاقه بِالْفَجْرِ الثَّانِي فان بَينهمَا فصلا وَإِنَّمَا ينمحق بسواد يعقبه وَالْفَجْر الأول يَبْدُو طَويلا دَقِيقًا صاعدا فِي الجو متعقبا سوادا واظلاما وَلذَلِك سمي الْخَيط الْأسود وذنب السرحان وَهُوَ الذَّنب وَأما الْفجْر الثَّانِي فَهُوَ يَبْدُو منتشرا مُعْتَرضًا فِي الْأُفق مزدادا ضِيَاء بعد ضِيَاء وَلَا تجوز صَلَاة الْفجْر بِنَاء على الْفجْر الأول وَمَا ذكر فِي السُّؤَال فمحال فَإِنَّهُ لَا يَأْخُذ فِي الانتشار بل فِي الانحطاط على مَا تقدم من وَصفه وَالله أعلم
91 - مَسْأَلَة صبي حر وَعبد اجْتمعَا أَيهمَا أولى بِالْإِمَامَةِ وَقد قَالَ الشَّيْخ أَبُو إِسْحَاق فِي التَّنْبِيه الْحر أولى من العَبْد والبالغ أولى من الصَّبِي
أجَاب رَضِي الله عَنهُ إِذا اسْتَوَى حظهما من الدّين وَالْفِقْه وَالْقِرَاءَة وَسَائِر الْخِصَال الْمُعْتَبرَة فِي التَّقْدِيم فَالظَّاهِر أَنَّهُمَا يتساويان فَإِنَّهُمَا تَسَاويا فِي عدم أهليتهما للتقديم فِي المناصب الشَّرْعِيَّة وسلامة الصَّبِي من الْمعاصِي يقابلها أَن الْبَالِغ أَكثر تحرجا من مفسدات الصَّلَاة لِأَن الْحَرج يلْحقهُ وَلَا يلْحق الصَّبِي وَالله أعلم
كنت قد ذهبت فِي هَذَا إِلَى مثل مَا هُوَ الْأَظْهر فِي أَمْثَال هَذِه الْمَسْأَلَة من الْمسَائِل المسطورة وَهُوَ كَمَا لَو اجْتمع بَصِير وأعمى أَو اجْتمع عبد فَقِيه وحر

(1/247)


@ غير فَقِيه فَفِيهَا ثَلَاثَة أوجه مِنْهَا القَوْل بترجيح كل وَاحِد مِنْهُمَا وَالْأَظْهَر التَّسْوِيَة بَينهمَا ثمَّ أُعِيدَت الْفتيا فَرَأَيْت تَرْجِيح القَوْل بِتَقْدِيم العَبْد من حَيْثُ إِن فِيهِ الْخُرُوج من خلاف لَهُ وَقع وَهُوَ خلاف أبي حنيفَة وَمَالك وَأحمد وَغَيرهم على اخْتِلَاف بَعضهم فِي جَوَاز إِمَامَة الصَّبِي وَالله أعلم
92 - مَسْأَلَة رجل أدْرك الإِمَام فِي التَّشَهُّد الْأَخير فَهَل لَهُ أَن يَأْتِي بِدُعَاء الاستفتاح فِي مَوضِع التَّشَهُّد أم يتَشَهَّد مَعَ الإِمَام وَإِذا سلم الإِمَام قَامَ وأتى بِدُعَاء الاستفتاح أَو يسْقط
أجَاب رَضِي الله عَنهُ لَا يَأْتِي بِدُعَاء الاستفتاح أصلا لَا فِي الْحَال وَلَا بعد قِيَامه وَالله أعلم
93 - مَسْأَلَة الَّذِي تَفْعَلهُ الْأَئِمَّة فِي هَذَا الزَّمَان من قِرَاءَة سُورَة الْأَنْعَام فِي قيام رَمَضَان جملَة وَاحِدَة بِنَاء مِنْهُم على أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ أنزلت عَليّ سُورَة الآنعام جملَة وَاحِدَة مَعهَا سَبْعُونَ ألف ملك إِلَى آخر الحَدِيث فَهَل لهَذَا صِحَة أَو لَا وَهل نقل عَن أحد من الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ وَالْعُلَمَاء المعتبرين رَضِي الله عَنْهُم أَجْمَعِينَ ذَلِك
أجَاب رَضِي الله عَنهُ فعلهم هَذَا بِدعَة وَلَا أصل صَحِيح لذَلِك فِيمَا علمناه الابتداع انما هُوَ فِي تَخْصِيص الإنعام بذلك على الْوَجْه

(1/248)


@ الَّذِي يتعارفونه لَا فِي مُطلق قِرَاءَة سُورَة كَامِلَة بالأنعام أَو غَيرهَا فِي رَكْعَة وَاحِدَة وَالْخَبَر الْمَذْكُور فِي ذَلِك قد روينَاهُ من حَدِيث أبي بن كَعْب عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَفِي إِسْنَاده ضعف وَلم نر لَهُ إِسْنَادًا صَحِيحا وَقد روى مَا يُخَالِفهُ فروى أَنَّهَا لم تزل جملَة وَاحِدَة بل نزلت آيَات مِنْهَا بِالْمَدِينَةِ اخْتلفُوا فِي عَددهَا فَقيل ثَلَاث آيَات هِيَ قَوْله تَعَالَى {قل تَعَالَوْا} إِلَى آخر الْآيَات وَقيل سِتّ وَقيل غير ذَلِك وسائرها نزل بِمَكَّة وَلَو ثَبت الحَدِيث فَلَا يثبت بِمُجَرَّدِهِ اسْتِحْبَاب قرَاءَتهَا جملَة وَاحِدَة كَمَا يَفْعَلُونَهُ وَفِي الحَدِيث الْمَذْكُور نَفسه فِيمَن قَرَأَ سُورَة الْأَنْعَام صلى عَلَيْهِ أُولَئِكَ السبعون ألف ملك بِعَدَد كل آيَة أَو قَالَ بِعَدَد كل حرف يَوْمًا وَلَيْلَة فعلق هَذَا على ذَلِك بِمُطلق قرَاءَتهَا من غير تَقْيِيد بِأَن تكون الْقِرَاءَة جملَة وَاحِدَة وَإِثْبَات الْأَحْكَام بالأحاديث أَو غَيرهَا مفوض إِلَى الْعلمَاء الْأَئِمَّة العارفين بِوُجُوه الدلالات وشروط الْأَدِلَّة وَلم ينْقل فِيمَا علمناه عَن أحد مِنْهُم وَلَا عَن أحد من الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ رَضِي الله عَنْهُم أَنه اسْتحبَّ مَا يَفْعَله هَؤُلَاءِ وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق
94 - مَسْأَلَة رجلَانِ صلى أَحدهمَا التَّرَاوِيح فِي جَمِيع شهر رَمَضَان بِالْفَاتِحَةِ وَسورَة الْإِخْلَاص ثَلَاث مَرَّات فِي كل رَكْعَة وَالْآخر صلى التَّرَاوِيح فِي جَمِيع الشَّهْر بِجَمِيعِ الْقُرْآن الْعَظِيم فَأَيّهمَا أفضل صَلَاة
أجَاب رَضِي الله عَنهُ صَلَاة الثَّانِي أفضل فَإِنَّهَا أشبه بِالسنةِ وبفعل أَئِمَّة التَّرَاوِيح فِي عهد الْقدْوَة فِي التَّرَاوِيح عمر بن الْخطاب رَضِي الله

(1/249)


@ عَنهُ وَمن بعده من أَئِمَّة السّلف وَالْخلف رَضِي الله عَنهُ وَقِرَاءَة سُورَة قل هُوَ أحد فِي كل رَكْعَة ثَلَاثًا قد كرهها بعض السّلف لمخالفتها الْمَعْهُود عَن من تقدم وَلِأَنَّهَا فِي الْمُصحف مرّة فلتكن فِي التِّلَاوَة مرّة وَالله أعلم
95 - مَسْأَلَة رجل يقْرَأ الْقُرْآن ويلحن فِيهِ لحنا فَاحِشا يُغير مَعَانِيه تغييرا فَاحِشا وَيطْلب بقرَاءَته الْأجر وَينْهى عَن ذَلِك فَلَا يَنْتَهِي عَن ذَلِك يزْعم أَن ناهيه آثم فَهَل لَهُ الْأجر فِي التِّلَاوَة وَهل يَأْثَم ناهيه وَهل يجب على من يقدر على مَنعه أَن يمنعهُ من ذَلِك أم لَا
أجَاب رَضِي الله عَنهُ يَأْثَم بذلك وَلَا يَأْثَم ناهيه وَيجب على الْقَادِر مَنعه من ذَلِك وَطَرِيقه أَن يصحح مِنْهُ الْقدر الَّذِي يقدر على تَصْحِيحه ويكرره وَالله أعلم
96 - مَسْأَلَة الحروز الَّتِي تكْتب وَتعلق على الدَّوَابّ وَغَيرهَا وفيهَا آيَات من الْقُرْآن فَهَل يَأْثَم من يكْتب وَيسْتَعْمل أم لَا

(1/250)


@
أجَاب رَضِي الله عَنهُ ذَلِك مَكْرُوه وَترك تَعْلِيق الحروز هُوَ الْمُخْتَار وَالله أعلم
97 - مَسْأَلَة هَل يجوز كِتَابَة الحروز للصغار وَتعلق فِي أَعْنَاقهم وَمَا يخلوا عَن اسْم الله تبَارك وَتَعَالَى وآيات من الْقُرْآن وَالصغَار مَا يحترزون من دُخُول الْخَلَاء وَكَذَلِكَ النسوان وَالرِّجَال أَيْضا واحترازهم فِيهَا قَلِيل فَهَل يجوز لَهُم ذَلِك
أجَاب رَضِي الله عَنهُ يجوز ذَلِك وَيجْعَل لَهَا حجاب كثيف من شمع وَجلد ثمَّ يستوثق من النِّسَاء وأشباههن وبالتحذير من دُخُول الْخَلَاء بهَا وَالله أعلم
كتاب الْجُمُعَة
98 - مَسْأَلَة وجوابها كَانَ فِي النَّفس شَيْء فِي رجل يجب عَلَيْهِ الْجُمُعَة من أهل قَرْيَة يجب على أَهلهَا إِقَامَة الْجُمُعَة خرج عِنْد صَلَاة الْجُمُعَة من قريته إِلَيّ قَرْيَة أُخْرَى لَا يبلغ قريته النداء مِنْهَا فَأَقَامَ جمعته هَل يجوز لَهُ ذَلِك فَظهر أَن ذَلِك جَائِز وتبرأ ذمَّته من الْجُمُعَة بذلك وَكَلَام الشَّيْخ فِي التَّنْبِيه يشْعر بِهِ حَيْثُ يَقُول اذا

(1/251)


@ سَافر سفرا لَا يُصَلِّي فِيهِ الْجُمُعَة لَكِن هَل يتم بِهِ الْعدَد فِي تِلْكَ الْقرْيَة حَتَّى لَو غَابَ وَاحِد من الْأَرْبَعين وَحضر هَذَا مَعَ البَاقِينَ تَنْعَقِد جمعتهم فَفِيهِ وَجْهَان حَكَاهُمَا الشَّيْخ أَبُو عبد الله الخياطي من أَئِمَّة طبرستان فِي كِتَابه الْمُجَرّد أَحدهمَا وَهُوَ قَول أبي اسحق وَهُوَ الْأَصَح وَالْأَشْهر أَنَّهَا لَا تَنْعَقِد وَيشْتَرط أَن يكون الْعدَد من أهل الْقرْيَة الَّتِي تُقَام فِيهَا الْجُمُعَة وَالثَّانِي وَهُوَ قَول أبي عَليّ بن أبي هُرَيْرَة وَمَا وَجهه وَدَلِيله
99 - مَسْأَلَة فِيمَا تكَرر مِنْهُ ترك الْجُمُعَة مرَارًا من غير عذر يجوز تَركهَا فَأفْتى مفتي شَافِعِيّ الْمَذْهَب بِأَنَّهُ يجب قَتله ويستتاب فَأطلق وَلم يُقيد فَهَل مَا أفتى بِهِ هَكَذَا صَحِيح فِي مَذْهَب الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ وَمَا وَجهه وَدَلِيله
أجَاب رَضِي الله عَنهُ نعم هُوَ صَحِيح على مَذْهَب الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ من حَيْثُ النَّقْل على عزة وجوده فِي كتب الْمَذْهَب وَالدَّلِيل يعضده أما النَّقْل فقد ذكر ذَلِك الإِمَام أَبُو بكر الشَّاشِي رَضِي الله عَنهُ من غير أَن يشبب فِيهِ بِخِلَاف وَكَانَ رَحمَه الله قد استفتى فَأفْتى بِوُجُوب قَتله وَإِن كَانَ يُصليهَا ظهرا وَذَلِكَ فِي فَتَاوِيهِ مَوْجُود هَا هُنَا وكما أَنه لَا يتَوَقَّف اسْتِحْقَاق قَتله على امْتِنَاعه من فعل الظّهْر فَكَذَلِك أصل اسْتِحْقَاق قَتله لَا يتَوَقَّف على الْإِصْرَار وَترك الْإِنَابَة وَالتَّوْبَة وَهُوَ هَذَا كَتَرْكِ سَائِر الصَّلَوَات الْمَكْتُوبَة يُوجب الْقَتْل غير مُتَوَقف فِيهِ أصل وجوب الْقَتْل على الِامْتِنَاع من الْقَضَاء وَالتَّوْبَة بل يتَوَقَّف اسْتِيفَاؤهُ على الاستتابة والإصرار نَص على هَذَا غير وَاحِد من الْعِرَاقِيّين والخراسانيين وَسبب توقف اسْتِيفَائه على ذَلِك كَونه حدا يسْقط بِالتَّوْبَةِ مَعَ كَون الْحُدُود يتشوف إِلَى إِسْقَاطهَا وَمن نَظَائِر ذَلِك الْقَتْل فِي الرِّدَّة فَإِنَّهُ كَذَلِك من غير اشْتِبَاه وَقَول إِمَام الْحَرَمَيْنِ رَحمَه الله

(1/252)


@ فِي أَنه يسْتَوْجب الْقَتْل إِذا امْتنع من الْقَضَاء لَيْسَ مُخَالفا لهَذَا فَإِنَّمَا نَاظر بذلك اسْتِقْرَار وجوب الْقَتْل لَا أصل وُجُوبه يدل عَلَيْهِ أَنه قَالَ بعد قَوْله هَذَا قَضَاؤُهُ كعود الْمُرْتَد إِلَى الْإِسْلَام ثمَّ إِن هَذَا تكلم مِنْهُ فِي سَائِر الصَّلَوَات دون الْجُمُعَة فَإِن سِيَاق كَلَامه متقيد بِمَا يقْضِي وَالْجُمُعَة لَا تقضي على مَا عرف وَقد قَالَ صَاحب التَّتِمَّة فِي سَائِر الصَّلَوَات مَا هُوَ أبلغ فَإِنَّهُ ذكر أَنه لَو قَالَ تَعَمّدت ترك الصَّلَاة بِلَا حذر وَلم يقل وَلَا أُرِيد أَن أَفعَلهَا فِي الْمُسْتَقْبل أَنه يقتل لِأَن جِنَايَته قد تحققت بالتفويت وَإِذا بَانَتْ صِحَّته فِي نقل الْمَذْهَب فبيان صِحَّته من حَيْثُ الدَّلِيل إِن تَارِك الصَّلَاة المستوجب للْقَتْل بالأدلة الْمَعْرُوفَة من الْكِتَابَة وَالسّنة والمعقول لَا يسْقط قَتله إِلَّا بِالْقضَاءِ فِيمَا يقْضِي وبالإقلاع فِيمَا لَا يقْضِي لِأَن الْمُوجب للْقَتْل مُسْتَمر بِدُونِهَا والتارك للْجُمُعَة الْفَاعِل لِلظهْرِ تَارِك لَهَا بِغَيْر قَضَاء لِأَن فعل الظّهْر لَا يَقع قَضَاء للْجُمُعَة لانْتِفَاء حَقِيقَة الْقَضَاء فِيهِ قطعا فَلَا يسْقط قَتله من غير إقلاع عملا بِالْمُوجبِ ولتقدير هَذَا مجَال فسيح وَهُوَ أوضح أَن قُلْنَا ان كل وَاحِد من الْجُمُعَة وَالظّهْر أصل بِرَأْسِهِ وَهُوَ أحد آراء ثَلَاثَة مَحْفُوظَة فِي الْمَذْهَب وَلَا يُقَال أَن كل وَاحِد مِنْهُمَا وَظِيفَة هَذَا الْوَقْت فيأتيهما أت فقد أدّى وَظِيفَة الْوَقْت فَوَجَبَ أَن يسْقط عَنهُ الْقَتْل فَلَيْسَ هَذَا بِشَيْء لوَجْهَيْنِ
أَحدهمَا أَن الظّهْر لَا يسوغ فِي حق من الْكَلَام فِيهِ حِين تسوغ الْجُمُعَة لِأَنَّهَا لَا تسوغ لَهُ إِلَّا بعد فَوَات الْجُمُعَة بإقامتها فَحَيْثُمَا الْجُمُعَة وَظِيفَة لَيست الظّهْر وَظِيفَة وَكَذَا بِالْعَكْسِ غَايَة مَا فِيهِ أَنه مَا من وَقت تسوغ فِيهِ إِحْدَاهمَا فِي حَالَة إِلَّا وتشرع فِيهِ الْأُخْرَى فِي حَالَة أُخْرَى فَكل حِين من الْوَقْت المبدوء بالزوال وَقت لَهما على الْجُمْلَة من هَذَا

(1/253)


@ الْوَجْه لَكِن هَذَا لَا يُوجب أَن يكون فعل إِحْدَاهمَا يسْقط الْمُوجب ترك الْأُخْرَى لِأَن وَقت الصَّلَاة الثَّانِيَة من الظّهْر وَالْعصر أَو الْمغرب وَالْعشَاء بِهَذِهِ المثابة بِالنِّسْبَةِ إِلَى كل وَاحِدَة من الصَّلَاتَيْنِ ثمَّ لَا يسْقط الْقَتْل عَن تَارِك إِحْدَاهمَا بِفعل الْأُخْرَى
الثَّانِي أَنَّهُمَا إِذا كَانَا على هَذَا القَوْل من أصلين مُخْتَلفين فَلَا تَأْثِير لِكَوْنِهِمَا فِي وَقت مُتحد فِيمَا الْكَلَام فِيهِ وَإِن قُلْنَا بِالرَّأْيِ الثَّانِي وَأَن الْجُمُعَة أصل وَالظّهْر بدل فَكَذَلِك أَيْضا لوَجْهَيْنِ أَحدهمَا أَن ذَلِك لَا يَنْفِي كَونه ترك الْجُمُعَة من غير قَضَاء لِأَن فعل الْبَدَل لَيْسَ بِقَضَاء على مَا مضى وَلَا سَبِيل إِلَى إِلْحَاق الْبَدَل بِالْقضَاءِ فِي ذَلِك لِأَن الْقَضَاء يُؤَدِّي حكمه الْمقْضِي أَو معظمها وَالْبدل لَيْسَ كَذَلِك وَإِنَّمَا يودي مثل بعض حكمه الأَصْل لَا مُخَيّرا إِذْ الْكَلَام فِي الْبَدَل الَّذِي يُقَابل بِأَصْل مُتَعَيّن فَكَذَلِك يُوجب الْأَمريْنِ التغاير والتفاوت لما وضوحه يُغني عَن التَّطْوِيل بِذكرِهِ لَا كالبدل فِي خِصَال الْكَفَّارَة المخيرة فانها إِبْدَال لَا مُتَعَيّن فِيهَا للأصالة وَعند هَذَا فَمثل هَذَا التَّفَاوُت مَانع من التَّسْوِيَة بَينهمَا لما لَا يخفى
الثَّانِي أَنه بدل مُرَتّب وَالْبدل الْمُرَتّب تتَحَقَّق بدليته بِمُجَرَّد ترتيبه فِي الشَّرْعِيَّة على شَرْعِيَّة الْمُبدل وَإِن تباعدا فِي الْمَقْصُود كَالصَّوْمِ فِي الْكَفَّارَة هُوَ بدل من الْعتْق مَعَ كَونهمَا فِي غَايَة التباين فِي حكمتيهما فان اكْتفى مكتف بالاشتراك فِي الْوَصْف الْعَام فَيلْزمهُ أَن يَقُول إِذا ترك صَلَاة وأتى بِصَلَاة أُخْرَى من نوع آخر سقط عَنهُ بهَا الْقَتْل وَلَا صائر اليه وَلَا يُقَال إِن الصَّوْم لم يحِق بِالصَّلَاةِ فِي الْقَتْل لِأَنَّهُ أخف حَالا لِأَنَّهُ قد سقط بِعُذْر يتَطَرَّق إِلَيْهِ بدل فَكَذَلِك الَّتِي تسْقط بِعُذْر وتبدل الظّهْر لَا يلْحق

(1/254)


@ بِسَائِر الصَّلَوَات الْمَكْتُوبَة الَّتِي لَا تسْقط وَلَا تبدل فَهَذَا غير مُتَّجه لِأَن الْمَعْنى فِي الصَّوْم أَنه يَتَيَسَّر الْحمل عَلَيْهِ بطرِيق أسهل من الْقَتْل وَهُوَ الْحَبْس وَالْمَنْع من الطَّعَام وَالشرَاب فَإِن الظَّاهِر من حَال الْعَاقِل الْمُسلم الْمَمْنُوع من ذَلِك أَنه يَنْوِي الصَّوْم لِأَنَّهُ لَا يمنعهُ مِنْهُ إِلَّا الرَّغْبَة فِي الطَّعَام وَالشرَاب فاذا منعهما فَهَذَا لَا محَالة يَنْوِي الصَّوْم كي لَا يجمع على نَفسه المحذورين من غير فَائِدَة فلأجل هَذَا لَا يقتل بترك الصَّوْم وَأما السُّقُوط بالعذر والاكتفاء بِالْبَدَلِ فَلَا يدل هَذَا وأشباهه على نُقْصَان الدرجَة فان ذَلِك فِي الْوَاجِب كَمَا قد يكون لانحطاط مرتبته فقد تكون الزِّيَادَة الْمَشَقَّة فِيهِ وان كَانَ متأكدا محتلا فِي أَعلَى الرتب وَهَذَا هُوَ الْوَاقِع فِي الْجُمُعَة لِأَنَّهَا لَا محَالة آكِد من سَائِر الصَّلَوَات على مَا تنطق بِهِ النُّصُوص وتدل عَلَيْهِ الْأَحْكَام الَّتِي مِنْهَا اختصاصها بالتبكير وَجمع الْجَمَاعَات لَهَا وَغير ذَلِك حَتَّى حمل ذَلِك من أمرهَا بعض الْعلمَاء على ان جعلهَا الصَّلَاة الْوُسْطَى
أما الرَّأْي الثَّالِث وَهُوَ القَوْل بِأَن الظّهْر أصل وَالْجُمُعَة بدل ويعبر عَنهُ بِأَنَّهَا ظهر مَقْصُورَة وَهُوَ قَول ضَعِيف فَالْكَلَام مبتنيا عَلَيْهِ كَالْكَلَامِ على عَكسه وَهُوَ القَوْل الثَّانِي وَقد سبق ذَلِك مقررا وَهَذَا لِأَن الظّهْر وَإِن جعلت أصلا على هَذَا القَوْل فَلَا يجوز فعلهَا مَعَ تيَسّر الْجُمُعَة الَّتِي هِيَ الْبَدَل وَإِنَّمَا يجوز عِنْد عدمهَا لَا كَسَائِر الْأُصُول وَلَا كَسَائِر مَا يقصر فقد استتب هَذَا الافتاء على الآراء الثَّلَاثَة وَهِي كل الْأَقْسَام المحتملة فِي هَذَا

(1/255)


@ الموطن مَعَ أَنه يَكْفِي فِي الانتهاض فِي تَقْرِيره الْبناء على أَحدهَا وترجيحه
وَفِي الْمَسْأَلَة نَص خَاص بهَا يدل على حكمهَا وَهُوَ الحَدِيث الْمَرْوِيّ عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ من ترك الْجُمُعَة من غير ضَرُورَة كتب منافقا فِي كتاب لَا يمحى وَلَا يُبدل
وَذكر الشَّافِعِي أَن فِي بعض رواياته من ترك الْجُمُعَة ثَلَاثًا
فَمن الْوَجْه الَّذِي قرر فِي النَّص الشَّامِل للْجُمُعَة وَغَيرهَا من المكتوبات وَهُوَ قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَمن تَركهَا فقد كفر إِن أَرَادَ أَنه قد اسْتوْجبَ مَا يستوجبه الْكَافِر من الْقَتْل يَتَقَرَّر فِي هَذَا النَّص إِن المُرَاد بِهِ أَنه الْمُنَافِق فِي استجابة الْقَتْل إِذا باح بنفاقه وَالْعلم عِنْد الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى رَبنَا آتنا من لَدُنْك رَحْمَة وهيء لنا من أمرنَا رشدا وَالله أعلم
100 - مَسْأَلَة طَائِفَة من الْفُقَرَاء يَسْجُدُونَ بَعضهم لبَعض ويزعمون أَن ذَلِك تواضع لله وتذلل للنَّفس ويستشهدون بقوله تَعَالَى وَرفع أَبَوَيْهِ على الْعَرْش وخروا لَهُ سجدا فَهَل يجوز أَو يحرم وَهل يخْتَلف

(1/256)


@ بِمَا إِذا كَانَ يسْجد مُسْتَقْبل الْقبْلَة أم لَا وَهل الْآيَة فِي ذَلِك مَنْسُوخَة فِي مثل ذَلِك أم لَا
أجَاب رَضِي الله عَنهُ لَا يجوز ذَلِك وَهُوَ من عظائم الذُّنُوب ويخشى أَن يكون كفرا وَالسُّجُود فِي الْآيَة مَنْسُوخ أَو يتَأَوَّل وَالله أعلم
101 - مَسْأَلَة رجل لازمته الوسوسة فِي نِيَّة الصَّلَاة إِذا أَرَادَ التَّكْبِير اجْتهد فِي إِحْضَار النِّيَّة ثمَّ لَا يتَمَكَّن من التَّكْبِير إِلَّا بعد أَن يرى أَنه لم يبْق مَا أحضرهُ من النِّيَّة أَو شكّ فِي بَقَائِهَا ويتسارع الشَّك إِلَيْهِ كرفع الطّرف وَيصير كالآيس من التَّمَكُّن من ذَلِك وَمَضَت لَهُ على هَذَا مُدَّة مديدة وَلَا يزْدَاد إِلَّا شدَّة فَهَل لَهُ رخصَة فِي التَّكْبِير بعد تَمام النِّيَّة وَمَا يجده من الدهشة أم لَا
أجَاب رَضِي الله عَنهُ لَهُ من الرُّخْصَة فِي هَذَا مَا صَار إِلَيْهِ الْغَزالِيّ رَحمَه الله فِي حق الْعَوام من أَن موافاتهم حَقِيقَة العقد وَالتَّكْبِير لَا يكلفون بهَا فَإِنَّهُ شطط لم يعْهَد اشْتِرَاطه من الْأَوَّلين بل الْوَاجِب فِي حَقهم أصل الْقَصْد إِلَى الصَّلَاة الْمعينَة بأوصافها الْمَذْكُورَة الْمُعْتَبر احضارها فِي النِّيَّة بِحَيْثُ لَا يكون غافلا عَن ذَلِك فِي حَالَة إِرَادَته التَّكْبِير وبحيث يعد قَصده فِي الْعرف مقترنا بِالتَّكْبِيرِ وَإِن لم يكن مقترنا على الْحَقِيقَة فَهَذَا الموسوس منسلك فِي هَذَا الْقَبِيل فَعَلَيهِ الاجتزاء بذلك والإعراض عَن الوسوسة أصلا فَإِنَّهُ إِن شَاءَ الله تَعَالَى سيخزى بعد ذَلِك شَيْطَانه وتزايله وسوسته وَتصْلح فِي النِّيَّة حَالَته وَإِن لم

(1/257)


@ يفعل فَإِنَّمَا هُوَ مُتَحَقق بِمَا قَالَه إِمَام الْحَرَمَيْنِ إِذْ يَقُول الوسوسة مصدرها الْجَهْل بمسالك الشَّرِيعَة أَو نُقْصَان فِي غريزة الْعقل ونسأل الله الْعَظِيم لنا وَله الْعَافِيَة
ثمَّ إِن اقتران النِّيَّة على الْحَقِيقَة لَيْسَ بصعب المرام عِنْد من أخلى قلبه من الأفكار الدُّنْيَوِيَّة وجانب الْغَفْلَة فَإِن الْإِنْسَان مهما عرف أَن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أوجب عَلَيْهِ صَلَاة الصُّبْح مثلا فَكبر امتثالا لأَمره كَفاهُ ذَلِك فِي ذَلِك فانه يشْتَمل على جَمِيع مَا ذَكرُوهُ من كَونهَا صبحا فرضا أَدَاؤُهَا لله تَعَالَى وَمَا وَرَاء هَذَا فتشديد وَنَوع خارجيه وَمن شدد شدد عَلَيْهِ وكما لَا يحْتَاج من يقوم لمحترم تَعْظِيمًا لَهُ فِي تَحْقِيق قَصده ذَلِك إِلَى أَن يَقُول بِلِسَانِهِ أَو فِي قلبه نَوَيْت إِذْ الْقيام لفُلَان تَعْظِيمًا لَهُ بل يحصل ذَلِك بِمُجَرَّد مَعْرفَته بِأَنَّهُ فلَان ونهوض لتعظيمه فَكَذَلِك مَا نَحن بصدده فَلَيْسَتْ من هَذَا الموسوس بِاللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وليحفظ هَذَا مكتفيا بِهِ فَإِنَّهُ كَانَ عِنْدهم فَإِن تَمَادى بِهِ الشَّرّ وأبى إِلَّا التشكك الْمَوْصُوف فليستخر الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وليركن إِلَى الْمَذْكُور أَولا وَالله سُبْحَانَهُ الْمَسْئُول للهداية والتسديد وَالله أعلم
وَمن كتاب الْجَنَائِز
102 - مَسْأَلَة رجل عِنْده قماش يكريه لجنائز الْأَمْوَات وَغَيره مثل ثِيَاب بيض وحمر وخضر وأقبية وشرابيش وَثيَاب أطلس حمر وخضر وَثيَاب مذهبَة فَهَل يجوز لَهُ كراؤها بطرِيق الْحل

(1/258)


@ أجَاب رَضِي الله عَنهُ لَا يجوز ذَلِك فِي الأطلس وَالْحَرِير وَكلما الْمَقْصُود مِنْهُ الزِّينَة وَلَا بَأْس فِيمَا الْمَقْصُود مِنْهُ ستر الْمَيِّت وصيانته وَالله أعلم
103 - مَسْأَلَة وقف على من احْتِيجَ إِلَى سُؤال كفن لَهُ بِالْمَدِينَةِ الْفُلَانِيَّة هَل يتَعَيَّن الْكَفَن الْوَاجِب أَو يجوز الْكَفَن الْمُسْتَحبّ وَهل يعْطى الْقطن مَعَ الْكَفَن وَهل يشْتَرط أَن يكون من طلب لَهُ الْكَفَن فَقِيرا
أجَاب رَضِي الله عَنهُ يقْتَصر على ثوب وَاحِد وَيكون سابغا وَلَا يعْطى الْقطن والحنوط فَإِنَّهُ من قبيل الأثواب المستحسنة الَّتِي لَا يعْطى على الْأَظْهر الْمَحْفُوظ فِي نَظِيره وَيشْتَرط أَن يكون ذُو الْكَفَن فَقِيرا فَإِن قَوْله من احْتِيجَ إِلَى سُؤال كفن لَهُ مَحْمُول على السُّؤَال الْجَائِز وَالسُّؤَال الْجَائِز مَخْصُوص بالفقير وَالله أعلم
104 - مَسْأَلَة رجل دفن من مُدَّة سِنِين فِي قبر مَمْلُوك مَعْقُود على مَا جرت بِهِ عَادَة أهل دمشق ثمَّ أذن وَارثه فِي أَن وضعت فِيهِ امْرَأَة أجنبيه فِي تابوتها فَهَل يجوز لَهُ ذَلِك أم يكره وَإِذا كره مَا وَجه كَرَاهَته وَهل يجوز للْوَارِث اسْتِدْرَاك ذَلِك بنقلها وَهل يفرق بَين أَن يكون من عِظَامه بارز دَاخل الْقَبْر أم لَا
أجَاب رَضِي الله عَنهُ وَالله الْمُوفق بعد الْمُرَاجَعَة وَالنَّظَر أَن فِي دَفنهَا الْمَذْكُور ارْتِكَاب الْمنْهِي عَنهُ من وُجُوه

(1/259)


@
أَحدهَا الدّفن فِي التابوت وَهُوَ مُبْتَدع مَنْهِيّ عَنهُ وَفِي النِّسَاء أَيْضا
وَالثَّانِي الدّفن الْمَعْهُود فِي الْقَبْر الْمَعْقُود فَإِنَّهُ مَنْهِيّ عَنهُ من حَيْثُ إِن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نهى أَن يبْنى الْقَبْر وَفِي رِوَايَة وَأَن يبْنى عَلَيْهِ وكلتا الرِّوَايَتَيْنِ صحيحتين
إِن الْكَيْفِيَّة الَّتِي يتعاطاها أهل دمشق فِي ذَلِك قريبَة من فعل الْكفَّار وَفِي نواويسهم
وَالثَّالِث الْجمع بَين الرجل وَالْمَرْأَة الْأَجْنَبِيَّة فِي قبر وَاحِد وَفِيه أَن الْجمع بَين الْإِثْنَيْنِ فِي قبر وَاحِد لَا يسوغ إِلَّا فِي حَالَة الْعسر والضرورة وَمن الْمَعْنى فِيهِ أَنه بِجَانِب الْحُرْمَة وَالْمَيِّت مُحْتَرم وَأَنه لَا يدْرِي حَالهمَا فَيَتَأَذَّى الصَّالح بالطالح ثمَّ إِن الْجمع بَين الرجل وَالْمَرْأَة الْأَجْنَبِيَّة يخْتَص بِزِيَادَة منع لِأَن الْمَشْرُوع الثَّابِت من المجانية بَينهمَا لم تزل بِالْمَوْتِ من آثَار ذَلِك أَنه لَا يجوز لأَحَدهمَا غسل الآخر وَغير هَذَا من الْأَحْكَام ثمَّ بِالنّظرِ إِلَى هَذَا الْوَجْه وَمعنى التَّشَبُّه بأصحاب النواويس يزْدَاد الْمَحْذُور فِيمَا إِذا لم تكن عِظَام الرجل كلهَا مطمورة بِالتُّرَابِ وَعند هَذَا فعلى ولي الْمَرْأَة وَولي الرجل المقبور اسْتِدْرَاك الْأَمر من جَمِيع الْوُجُوه الْمَذْكُورَة فليتخذ

(1/260)


@ للْمَرْأَة حفيرة تدفن فِيهَا من غير تَابُوت على الْوَجْه الْمَشْرُوع وَلَو فِي مَكَانهَا وَلَكِن لَا مَعَ بَقَاء هَذَا الْقَبْر المبنى وَلَيْسَ فِي إخْرَاجهَا مِنْهُ مَحْذُور وَنقل الْمَيِّت الَّذِي يَصْحَبهُ النبش وليزل وَارِث المقبور مَحْذُور الْبناء وَغَيره فَإِن تدارك ذَلِك لم يفت وَالله أعلم
105 - مَسْأَلَة تلقين الْمَوْتَى بعد الدّفن هَل هُوَ مَشْرُوع وَإِذا شرع ذَلِك فَهَل يشرع تلقين الطِّفْل الرَّضِيع وَمَا الدَّلِيل على ذَلِك وَعلة تلقين الطِّفْل مَطْلُوب
أجَاب رَضِي الله عَنهُ أما تلقين الْبَالِغ فَهُوَ الَّذِي نختاره ونعمل بِهِ وَذكره جمَاعَة من أَصْحَابنَا الخراسانيين وَقد روينَا حَدِيثا من حَدِيث أبي أُمَامَة لَيْسَ بالقائم إِسْنَاده وَلَكِن اعتضد بشواهد وبعمل أهل الشَّام بِهِ قَدِيما وَهُوَ مُخْتَصر وَأبي وَلَيْسَ فِيهِ غبه مَا يذكرهُ الْعَامَّة الملقنون من التَّطْوِيل
قَالَ الْجَامِع لهَذِهِ الْفَتَاوَى رَضِي الله عَنهُ وَقد أَمرنِي رَضِي الله عَنهُ بِأَن أنقله لصَاحب الْفَتْوَى الْوَاقِعَة فِي ذَلِك وَقد نقلته من التَّتِمَّة وَصورته أَن يَقُول يَا فلَان ابْن أمة الله أويقول يَا فلَان ابْن حَوَّاء اذكر مَا خرجت عَلَيْهِ من الدُّنْيَا شَهَادَة أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأَن مُحَمَّدًا رَسُول الله وَأَنَّك رضيت بِاللَّه رَبًّا وَبِالْإِسْلَامِ دينا وَبِمُحَمَّدٍ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نَبيا وَبِالْقُرْآنِ إِمَامًا وَبِالْكَعْبَةِ قبْلَة وَبِالْمُؤْمِنِينَ إخْوَانًا وَأما تلقين الرَّضِيع فَمَا لَهُ مُسْتَند يعْتَمد وَلَا نرَاهُ
106 - مَسْأَلَة قَول صَاحب التَّنْبِيه فِيمَا إِذا مَاتَت الْحَامِل وَفِي جوفها جَنِين لَا ترجى حَيَاته أَنه يوضع على بَطنهَا مَا يموته

(1/261)


@ أجَاب رَضِي الله عَنهُ هَذَا فِي نِهَايَة الْفساد بل الصَّوَاب أَن يتْرك حَتَّى يَمُوت من غير ذَلِك وَالله أعلم
107 - مَسْأَلَة فِي الْكَفَن هَل يجوز أَن يكْتب عَلَيْهِ سور من الْقُرْآن يس والكهف وَأي سُورَة أَرَادَ أَو لَا يحل هَذَا خوفًا من صديد الْمَيِّت وسيلان مَا فِيهِ على الْآيَات وَأَسْمَاء الله تَعَالَى الْمُبَارَكَة المحترمة الشَّرِيفَة وَهل يجوز أَن يَصْحَبهُ فِي الْقَبْر شَيْء من الثِّيَاب المخيطة
أجَاب رَضِي الله عَنهُ لَا يجوز ذَلِك وَأما المخيطة فَيجوز أَن يُكفن فِي قَمِيص وَالله أعلم
مَسْأَلَة رجل يزْعم أَنه يرى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي النّوم وَهُوَ يَقُول لَهُ قولا يتَضَمَّن حكما شَرْعِيًّا فَهَل يجوز لَهُ الْعَمَل بِهِ
أجَاب رَضِي الله عَنهُ لَا يجوز الِاعْتِمَاد فِي ذَلِك على مَا يرَاهُ فِي النّوم ويسمعه من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلَيْسَ ذَلِك من أجل عدم الوثوق بِأَن من رَآهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فقد رَآهُ حَقًا فان ذَلِك موثوق بِهِ بل ذَلِك من أجل عدم الوثوق بضبط الرَّأْي لذَلِك فَإِن حَالَة النّوم حَالَة غيبَة وَبطلَان للقوة الحافظة لما يجْرِي فِي النّوم على التَّفْصِيل وَنَحْو هَذَا وعَلى هَذَا درج أهل الْعلم وَأهل الْمعرفَة الماضون وَإِنَّمَا يعْتَمد فِي الْأَحْكَام الشَّرْعِيَّة وَنَحْوهَا على الدَّلَائِل الشَّرْعِيَّة الْمَعْلُومَة وَالله أعلم

(1/262)


@
وَمن كتاب الزَّكَاة
108 - مَسْأَلَة الْخَمْسَة الأوسق هِيَ خَمْسَة أوسق وَهِي ألف وسِتمِائَة رَطْل بالبغدادي كم تَجِيء بالرطل الشَّامي
أجَاب رَضِي الله عَنهُ هِيَ برطل دمشق ثلثمِائة رَطْل وَثَلَاثَة وَأَرْبَعُونَ رطلا أَو قَرِيبا من ذَلِك وَالله أعلم
109 - مَسْأَلَة رجل ملك حليا معدا لاستعمال النِّسَاء فَهَل تجب الزَّكَاة أم تسْقط بِحكم إعداده لاستعمال النِّسَاء مَعَ بَقَائِهِ على ملك الرجل أم لَا
أجَاب رَضِي الله عَنهُ إِذا كَانَ مَعَ ذَلِك مُسْتَعْملا استعملا مُبَاحا لم تجب زَكَاته وَالله أعلم
110 - مَسْأَلَة امْرَأَة ملكت حليا معدا للباسها فاذا حَال الْحول فَهَل تجب الزَّكَاة أم لَا
أجَاب رَضِي الله عَنهُ الْأَظْهر أَنه لَا تجب والأحوط إخْرَاجهَا وَالله أعلم
111 - مَسْأَلَة هَل يجوز لِابْنِ السَّبِيل وَالْمكَاتب والغارم صرف مَا يُعْطون من الزَّكَاة إِلَى حوائجهم من نَفَقَة زَوْجَات وَغير ذَلِك ويكتسب هَذَا الْأَدَاء النُّجُوم ويشحذ الْمُسَافِر

(1/263)


@
فِي طَريقَة أَو يعْمل صَنْعَة توصله وَيَقْضِي الْغَارِم من غير هَذَا المَال أم يحجز عَلَيْهِم فِي الْمَدْفُوع وَيُقَال لَا يجوز لكم صرفه إِلَّا فِيمَا أَنْتُم بصدده
أجَاب رَضِي الله عَنهُ لَا حجز عَلَيْهِم فِي ذَلِك لأَنهم ملكوا ذَلِك وَمن ملك شَيْئا تمكن من صرفه فِيمَا شَاءَ وَهَذَا الحكم مَنْقُول فِي الْمكَاتب والغارم وَابْن السَّبِيل ملتحقان بِهِ وَلَا يَنْبَغِي أَن يخرج هَذَا على الْخلاف فِيمَا إِذا حصل الِاسْتِغْنَاء عَن الْمَأْخُوذ بابراء وَنَحْوه لقِيَام الْفرق وَالله أعلم
112 - مَسْأَلَة رجل مُقيم بِبَلَد وَقد وَجَبت عَلَيْهِ زَكَاة وَله قريب مُقيم بِبَلَد آخر فَهَل لَهُ أَن ينْقل بعض مَا وَجب عَلَيْهِ من الزَّكَاة ويدفعها لقريبه الْمَذْكُور أَو يفرقها فِي الْموضع الَّذِي وَجَبت عَلَيْهِ فِيهِ
أجَاب رَضِي الله عَنهُ الْأَظْهر أَن ذَلِك جَائِز بِشَرْطِهِ وَالله أعلم
113 - مَسْأَلَة فلاح يستقرض من الدُّيُون مَا يبذره فِي أَرض بَيت المَال فَإِذا حصل حَاصله أدّى الْقَرْض وناصفه السُّلْطَان فِي الْبَاقِي فَأخذ نصفه فَهَل يجب على الْفَلاح وَحده عشر الْجَمِيع إِذْ بلغ نِصَابا أَو لَا
أجَاب رَضِي الله عَنهُ وَقَالَ عشر الْجَمِيع على الْفَلاح الْمَالِك المبذر فَإِنَّهُ الْمَالِك لجَمِيع الزَّرْع وَالَّذِي يَأْخُذهُ نَائِب بَيت المَال إِنَّمَا يَدْفَعهُ الْفَلاح عوضا عَن مَنْفَعَة الأَرْض رَاضِيا بذلك كالأجرة وَالدّين لَا يمْنَع وجوب الزَّكَاة وَفَسَاد هَذِه الْمُعَامَلَة لَا يَجْعَل الَّذِي دَفعه مَعَ رِضَاهُ على سَبِيل الْعِوَض دَاخِلا فِي قبيل الْمَغْصُوب وَلَا يَنْبَغِي أَن يثقل ذَلِك على الْفَلاح فَإِنَّهُ يحصل لَهُ

(1/264)


@ إِن شَاءَ الله تَعَالَى بِإِخْرَاجِهِ من الْبركَة أَضْعَاف مَا أخرجه وَمَا نقص مَال من صَدَقَة
114 - مَسْأَلَة الْفطْرَة هَل يجوز إخْرَاجهَا على أحد الْأَصْنَاف الثَّمَانِية فَإِن الثَّمَانِية يعجز طَلَبهمْ وَهل لزكاة الْفطر حكم زَكَاة المَال فِي التَّقْسِيم أم لَا
أجَاب رَضِي الله عَنهُ يجوز عِنْد بعض أَئِمَّتنَا قسمتهَا على ثَلَاثَة من الْفُقَرَاء وَيجوز تَقْلِيده فِي ذَلِك وَالله أعلم
115 - مَسْأَلَة فِي الْحبّ الْمخْرج فِي الْكَفَّارَات الشَّرْعِيَّة وَزَكَاة الْفطر وَنَفَقَة الزَّوْجَات هَل يجب إِخْرَاجه مغربلا نقيا من الغلث أم يجوز أَن يكون مِمَّا جرت الْعَادة بِبيعِهِ فِي الْأَسْوَاق وَهل يخْتَلف الْحَال عِنْد من يعْتَبر الْمكيل مَوْزُونا
أجَاب رَضِي الله عَنهُ أَن أخرجه بِالْوَزْنِ فَيشْتَرط نقاؤه مِمَّا يظْهر فِي الْوَزْن من ذَلِك وَأَن أخرجه كَيْلا فَلَا بَأْس بِمَا يحصل من التُّرَاب وَنَحْوه فِي شقوق الْحبّ وَلَا ينقص بِهِ نفس الْحبّ عَن كَونه صَاعا مثلا وعَلى الْجُمْلَة

(1/265)


@ يَنْبَغِي أَن يُزَاد على مَا قدر بِهِ وزنا مِقْدَارًا يَقع مَعَه الثِّقَة بِالْوَفَاءِ بِالْأَصْلِ الَّذِي كَانَ يخرج كَيْلا فَإِن فِي الضَّبْط بِالْوَزْنِ اضطرابا وَالله أعلم
116 - مَسْأَلَة قوم تزيوا بزِي الْفقر وهم قادرون على الْكسْب فَهَل يحل لَهُم الْأَخْذ من الزَّكَاة وَهل إِذا أَعْطَاهُم الانسان من الزَّكَاة تَبرأ ذمَّته وَهل على ولي الْأَمر الزامهم الْكسْب
أجَاب رَضِي الله عَنهُ لَا يحل لَهُم ذَلِك وهم فِي ذَلِك خارجون عَن طَريقَة الأخيار لابتزاز ذمَّة من دفع إِلَيْهِم وَلَا تَبرأ ذمَّة من دفع إِلَيْهِم الزَّكَاة بِسَبَب الْفقر والمسكنة مَعَ قدرتهم على كسب يَلِيق بأمثالهم وعَلى ولي الْأَمر مَنعهم وإلزامهم الْكسْب إِذا قدرُوا على كسب لَائِق بأمثالهم وَالله أعلم
117 - مَسْأَلَة أَصْنَاف الزَّكَاة فِي هَذَا الْعَصْر غير خَافَ أَن بَعضهم قد عدم وَقد عمي خبر من بَقِي مَا خلا الْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِين هَل على رب المَال الزَّكَاة أَن يتمهل فِي كشف حَال الغارمين وَابْن السَّبِيل والرقاب أم يجوز لَهُ أَن يقْتَصر على أحد الصِّنْفَيْنِ بسهولة

(1/266)


@ ذَلِك وعسر البَاقِينَ وَهل الْمِسْكِين من عِنْده بعض قوت يَوْمه أم هُوَ من عِنْده بعض قوت سنة
أجَاب رَضِي الله عَنهُ يفرقها على الْمَوْجُودين من الْأَصْنَاف وهم أَرْبَعَة الْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِين والغارمون وَأَبْنَاء السَّبِيل وَإِن وجد فِي بلد السَّائِل المكاتبون صرف إِلَيْهِم سهمهم وأخره حَتَّى يكْشف عَنهُ
والمسكين هُوَ الَّذِي لَا يملك تَمام كِفَايَة سنة فَالْعِبْرَة فِي ذَلِك بِالسنةِ على الْأَصَح سهم وَالله أعلم
أجَاب رَضِي الله عَنهُ مِنْهُم من أَبى ذَلِك وَيتَوَجَّهُ بِأَنَّهُ يَأْخُذ ذَلِك صَدَقَة وَكَونه عَاملا وصف نيط بِهِ الِاسْتِحْقَاق كَسَائِر الْأَوْصَاف من الْفقر والمسكنة وَغَيرهمَا وَلَيْسَ ذَلِك أُجْرَة على منهاج الْأُخَر فَإِنَّهُ لَا يعْتَبر فِيهِ عقد إِجَارَة وَلَا ان يكون الْمِقْدَار مَعْلُوما عِنْد عمله وَمِنْهُم من سوغ ذَلِك وَيتَوَجَّهُ بِأَن ذَلِك فِي الْمَعْنى أُجْرَة فانه مجعول لَهُ على عمل يعمله يُقَابل مثله بِالْأُجْرَةِ وَيدل على أَنه سهم الْعَامِل لَا يُزَاد على أُجْرَة الْمثل وَإِذا فضل من ثمن الصَّدَقَة على ذَلِك فَاضل رد على بَاقِي الْأَصْنَاف وَإِنَّمَا لم يعْتَبر فِيهَا العقد وَشَرطه لِأَنَّهَا ثبتَتْ بِجعْل الشَّارِع بِخِلَاف الْأجر فِي الأجارات الَّتِي هِيَ منوطة بِجعْل الْمُكَلف وَالله أعلم

(1/267)


@
وَمن كتاب الصَّوْم
119 - مَسْأَلَة قَول الشَّيْخ فِي الْوَسِيط فِي الصَّوْم فِي المجامع إِذا نزع مَعَ طلع الْفجْر يَصح صَوْمه ثمَّ أجَاب عَن سُؤال مُقَدّر فَإِن قيل كَيفَ يُمكن اتِّصَال النزع بالصبح قُلْنَا مَا قيل إِن كَانَ الإحساس لَا يتَعَلَّق بِهِ حكم هَل يُرِيد أَنه لَا يتَعَلَّق بِهِ حكم الصَّوْم حَتَّى أَنه لَو أولج فِيهِ وَنزع قبل إِمْكَان الاحساس لَا يفْطر أم لَا
أجَاب رَضِي الله عَنهُ وَأما قَوْله لَا يتَعَلَّق بِهِ حكم مَعْنَاهُ لَا يتَعَلَّق بِهِ حكم الْإِفْسَاد وَنَحْوه مِمَّا يتَعَلَّق بالإيلاج لَو تَعَمّده بعد فِي الْمعرفَة بِطُلُوع الْفجْر وَالله أعلم
120 - مَسْأَلَة امْرَأَة ظهر لَهَا انْقِطَاع الْحيض بِاللَّيْلِ فِي شهر رَمَضَان ثمَّ انها تحملت قطنة احْتِيَاطًا ونوت الصَّوْم وأخرجت القطنة بعد طُلُوع الْفجْر وَلم تَرَ أثرا فَهَل يضر هَذَا الاستخراج فِي الصَّوْم وَكَذَا اذا أدخلت أصبعها الى بَاطِن الْفرج عِنْد الِاسْتِنْجَاء هَل يكون ذَلِك كوصول شَيْء من الإحليل أم لَا
أجَاب رَضِي الله عَنهُ يَنْبَغِي أَن يكون مخرجا على الْخلاف فِي أَن اقتلاع النخامة من الْبَاطِن هَل يلْتَحق بالقيء والإفطار وَالْأولَى أَن لَا يفْطر وَإِدْخَال إصبعها الى بَاطِن الْفرج مفطر كَمَا فِي مثله فِي المقعدة وَالله أعلم

(1/268)


@
وَمن كتاب البيع
قَالَ شَيخنَا الإِمَام الْعَالم الْعَامِل تَقِيّ الدّين بن الصّلاح غفر الله لَهُ للغزالي رَحمَه الله تصرف فِي اسْتِعْمَال لفظ الرُّكْن كَرَّرَه فِي تصانيفه وأشكل على الْأَكْثَرين تَحْقِيقه وتنقيحه وَمَعَ كَثْرَة تداوله فِي كتبه لم أجد أحدا من أهل الْعِنَايَة بِكَلَامِهِ تقدم بكشفه وَقد من الله الْكَرِيم بكشفه وَوجه الْإِشْكَال أَن ركن الشَّيْء عِنْد الْغَزالِيّ وَعند غَيره مَا تركبت حَقِيقَة الشَّيْء مِنْهُ وَمن غَيره ثمَّ أَنه لَا يزَال فِي أَمْثَال هَذَا يسْتَعْمل الرُّكْن فِيمَا لَيْسَ جُزْءا من الْحَقِيقَة كَمَا فعله هَاهُنَا فَإِنَّهُ عد الْعَاقِد والمعقود عَلَيْهِ من أَرْكَان عقد البيع وليسا داخلين فِي حَقِيقَة الشَّيْء قطعا وَلَيْسَ يَسْتَقِيم أَن يُقَال أَنه يجوز فَأَرَادَ مَا لَا بُد مِنْهُ فِي البيع مثلا لِأَنَّهُ يبطل بِالزَّمَانِ وَالْمَكَان وَيبْطل بالمشروط فَإِنَّهَا لَا بُد مِنْهَا وَهُوَ يَجْعَلهَا غير الْأَركان فَأَقُول وَالله الْمُوفق إِن ركن الشَّيْء فِيمَا نَحن بصدده عبارَة عَمَّا لَا بُد لذَلِك الشَّيْء مِنْهُ فِي وجود صورته عقلا أما لكَونه دَاخِلا فِي حَقِيقَته أَو لكَونه لَازِما لَهُ بِهِ اخْتِصَاص فَنَقُول لَا بُد لذَلِك الشَّيْء فِي وجود صورته فِيهِ احْتِرَاز عَن الشَّرْط فَإِنَّهُ لَا بُد مِنْهُ فِي وجود صِحَّته شرعا لَا فِي وجود صورته حسا وَذَلِكَ فِيمَا نَحن فِيهِ لكَون الْمَبِيع مَعْلُوما ومنتفعا بِهِ وَسَائِر مَا يذكر فِي قسم الشُّرُوط فان صُورَة العقد مَوْجُودَة بِدُونِ كل ذَلِك لَكِن لَا تُوجد صِحَّته شرعا بِدُونِهَا فَهَذَا ضبط الْفرق بَين الرُّكْن وَالشّرط وَمن أجل هَذَا اعتذر فِي كتاب النِّكَاح عَن عد الشَّهَادَة من الْأَركان فَقَالَ هِيَ شَرط لَكِن تساهلنا بتسميتها ركنا وَقُلْنَا لكَونه دَاخِلا فِي حَقِيقَته أَو لَازِما لَهُ بِهِ اخْتِصَاص احترازنا بِهِ عَن الزَّمَان وَالْمَكَان وَنَحْوهَا من الْأُمُور الْعَامَّة الَّتِي لَا بُد مِنْهَا وَقد حوينا بذلك الْعَاقِد والمعقود عَلَيْهِ وَصِيغَة العقد فَإِنَّهَا لَا تخرج عَن ذَلِك وَيَنْبَغِي أَن يَقُول وَصِيغَة العقد أَو مَا فِي معنى الصِّيغَة كَمَا قَالَ قَالَه فِي الْبَسِيط لِأَن تَغْيِير الصِّيغَة من قبيل الشُّرُوط وَالله أعلم

(1/269)


@ مَسْأَلَة رجل اشْترى جَارِيَة بِثمن مَعْلُوم دَفعه الى البَائِع وَدفع أُجْرَة الدلالين ثمَّ ظهر بهَا عيب فَردهَا على البَائِع بِأَمْر الْحَاكِم واسترجع الثّمن فَهَل لَهُ أَن يسترجع الدّلَالَة أَيْضا أم لَا
أجَاب رَضِي الله عَنهُ أُجْرَة الدَّلال على البَائِع لَا على المُشْتَرِي فَإِذا وَزنهَا المُشْتَرِي نظر فَإِن تبرع بهَا لم يكن لَهُ الرُّجُوع بعد التَّسْلِيم وَكَذَا إِن أَدَّاهَا عَن البَائِع بِغَيْر إِذْنه لم يكن لَهُ الرُّجُوع على أحد وَإِن أَدَّاهَا عَن البَائِع بِإِذْنِهِ فَلهُ الرُّجُوع على البَائِع وَإِن أَدَّاهَا عَن نَفسه على ظن أَنَّهَا وَاجِبَة عَلَيْهِ فَلهُ الرُّجُوع على الدَّلال الَّذِي أجرهَا وَالله أعلم
122 - مَسْأَلَة جَارِيَة اشترتها مغنية وحملتها على الْفساد فامتنعت وَطلبت البيع
أجَاب رَضِي الله عَنهُ بانها تبَاع عَلَيْهَا مِمَّن لَيْسَ مبتلى بِهَذَا الْبلَاء وَرَأَيْت الْحَال يَقْتَضِي أَن ذَلِك تعين طَرِيقا فِي خلاصها من الْفساد واستروحت إِلَى فَتَاوَى القَاضِي حُسَيْن فِيمَا رَأَيْته بِخَط بعض أَصْحَابه عَنهُ أَن السَّيِّد إِذا كلف مَمْلُوكه مَا لَا يُطيق يُبَاع عَلَيْهِ وَلَيْسَ مَا قَالَه بَعيدا عَن قَاعِدَة

(1/270)


@ الْمَذْهَب فقد علم أَن العَبْد الْمُسلم يُبَاع على الْكَافِر صِيَانة لَهُ من الذل وَقد قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من لَا يلائمكم فبيعوه وَالله أعلم
123 - مَسْأَلَة رجل اشْترى جَارِيَة وَبعد أَيَّام يسيرَة ذكرت أَنَّهَا طهرت عَن الْحيض فَوَطِئَهَا وَبعد ثَمَانِيَة أَيَّام ظهر أَنَّهَا حَامِل حملا شهد جمَاعَة من القوابل أَنه من مُدَّة تزيد على الشَّهْر وباستحالة كَونه من ذَلِك الوطىء عَادَة مَعَ أَن الْعَادة أَيْضا تحيل ظُهُور الْحمل بعد المعلوق بِثمَانِيَة أَيَّام ثمَّ وضعت الْحمل بعد ثَمَانِيَة أشهر وَخَمْسَة أَيَّام وَالْمُشْتَرِي يقطع بِأَن الْوَلَد لَيْسَ مِنْهُ فَهَل يحل لَهُ بيعهَا بَاطِنا وَإِن لم يحل لَهُ ظَاهرا بوضعها الْوَلَد على فرَاشه بعد مُدَّة هِيَ مُدَّة الْإِمْكَان وَهِي ثَمَانِيَة أشهر وَخَمْسَة أَيَّام
أجَاب رَضِي الله عَنهُ هَذَا الْوَلَد لَاحق بالمشتري حكما وقطعه بِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْهُ اعْتِمَاد على مَا ذكر لَيْسَ فِي مَحَله فَإِن إمارات الْحمل لَا توجب

(1/271)


@ أَكثر من الظَّن لكَونه قد تخلف فَإِذا يكون مَا ظهر أَولا بِهَذِهِ الْجَارِيَة من أَمَارَات الْحمل كَاذِبَة ثمَّ حملت من وطىء المُشْتَرِي واتصلت أَمَارَات الْحمل الصادقة بالأمارات الكاذبة وَعند هَذَا فَلَا يحصل بذلك أَكثر من ظن يجْرِي فِي جَوَاز اعْتِمَاده فِي نفي الْوَلَد من الْخلاف مَا جرى فِي الظَّن الْحَاصِل من الِاسْتِبْرَاء بعد الوطىء والأحوط للْمُشْتَرِي وَالْحَالة هَذِه أَن لَا يَنْتَفِي من الْوَلَد ويلتزم لأمة حكم أُميَّة الْوَلَد وعَلى تَقْدِير حُصُول تحقق الْقطع بَاطِنا يكون هَذَا الْوَلَد لَيْسَ مِنْهُ فَينْظر فَإِن سبق من مَالك قبله الْإِقْرَار بوطىء تَقْتَضِي أَن يكون هَذَا الْوَلَد مِنْهُ فَلَا يجوز وَالْحَالة هَذِه لهَذَا المُشْتَرِي بيع الْجَارِيَة لكَونهَا أم ولد لذَلِك الواطىء وَحكمهَا الرَّد عَلَيْهِ وَإِن لم يكن كَذَلِك وَالْحَال هَذَا للْمُشْتَرِي بيعهَا وَبيع وَلَدهَا فان أُميَّة الْوَالِد تثبيت مَعَ مثل هَذَا الشَّك مَعَ كَرَاهِيَة شَدِيدَة لاحْتِمَال أَن يكون الْوَلَد من مَالك أَو شبهه وَثُبُوت الِاسْتِيلَاء لأمة وَالله أعلم
124 - مَسْأَلَة شخص بَاعَ من آخر كرما وَبَقِي فِي يَده سنتَيْن واستغله ثمَّ أنكر المُشْتَرِي العقد وَحلف على نَفْيه فَهَل للْبَائِع تغريمه مَا استغل وَأنكر الاستغلال فَقَامَتْ الْبَيِّنَة عَلَيْهِ بِهِ
أجَاب رَضِي الله عَنهُ للْبَائِع تغريمه مَا اسْتعْمل لكَونه فِي زَعمه أَنما استغل ملكه وَهُوَ إِنَّمَا يَدعِي عَلَيْهِ الثّمن لَا غير وَقد تعذر عَلَيْهِ بِيَمِين المُشْتَرِي فسبيله أَن يفْسخ البيع لأجل تعذر الثّمن حَتَّى يحل لَهُ التَّصَرُّف فِي الْكَرم الْمَبِيع هَذَا هُوَ الْأَظْهر فِي ذَلِك من الْوَجْهَيْنِ
الْمَسْأَلَة بِحَالِهَا كَانَ على صَاحب الْكَرم دين للْمُشْتَرِي فَبَاعَهُ إِيَّاه بِهِ أَو بِمثلِهِ حَتَّى وَقع التَّقَاصّ ثمَّ أنكر المُشْتَرِي على حسب مَا تقدم

(1/272)


@
أجَاب رَضِي الله عَنهُ إِن هَا هُنَا يتَعَيَّن الْوَجْه الآخر من الْوَجْهَيْنِ وَهُوَ أَن البَائِع يَبِيع الْكَرم ليستوفي من ثمنه مَا أَخذه المُشْتَرِي الدَّائِن على جِهَة اسْتِيفَاء الدّين وَلَا يكون لَهُ ذَلِك إِلَّا بعد أَن يَأْخُذهُ مِنْهُ الدَّائِن وَقَبله لَا يجوز أصلا وَالْفَسْخ الَّذِي هُوَ الْأَظْهر فِيهَا إِذا تعذر الثّمن بإنكار المُشْتَرِي لَا يجْرِي هَا هُنَا لِأَن الثّمن قد صَار مُسْتَوفى بِوَاسِطَة سُقُوط الدّين عَن ذمَّة البَائِع أما لكَونه ملكه بِالْبيعِ حَيْثُ وَقع البيع على الْمَدِين نَفسه أَو بطرِيق التَّقَاصّ إِن وَقع العقد على مثله وَسقط بالتقاص وَالدّين الَّذِي يَسْتَوْفِيه بعد ذَلِك ظلم فان استوفى جَازَ للْبَائِع اسْتِيفَاؤهُ مِمَّا ظفر بِهِ من الْكَرم الَّذِي هُوَ ملكه وَإِلَّا فَلَا وَالله أعلم
125 - مَسْأَلَة اشْترى رجلا قطعتين من أَرض وَبَينهمَا نهر عَام وهما لمَالِك وَاحِد هَل يدْخل كَتفًا النَّهر فِي الْمَبِيع وَهل للْمُشْتَرِي إِن يركب على النَّهر ركوبا أم لَا
أجَاب رَضِي الله عَنهُ نعم يدْخل الكتفان لِكَوْنِهِمَا من القطعتين وَلَا يجوز لَهُ الرّكُوب على النَّهر فانه غير لَا حق بِالطَّرِيقِ الْعَام وَيحْتَمل وَجها أَنه يجوز
126 - مَسْأَلَة رجل اشْترى من زَوجته سهاما فِي أَمَاكِن مُتعَدِّدَة بِثمن مَعْلُوم ثمَّ خرج بعض الْمَبِيع مُسْتَحقّا فَهَل يبطل البيع مَعَ رضَا المُشْتَرِي بِأَن يَأْخُذ الْبَاقِي بعد الْمُسْتَحق بِجَمِيعِ الثّمن
أجَاب رَضِي الله عَنهُ إِذا كَانَ الْجَمِيع فِي صَفْقَة وَاحِدَة وَكَانَ الِاسْتِحْقَاق فِي بعض الْأَمَاكِن دون الْبَعْض فَالْبيع بَاطِل فِي الْجَمِيع وَإِن كَانَ

(1/273)


@ الْمُسْتَحق جُزْءا شَائِعا فِي الْجَمِيع صَحَّ البيع فِيمَا لَيْسَ مُسْتَحقّا بسقطه من الثّمن الْمُسَمّى وَالله أعلم
127 - مَسْأَلَة رجل اشْترى من رجل ثَمَرَة مشمش أَخْضَر بِشَرْط الْقطع بِثمن مَعْلُوم قَبضه البَائِع من المُشْتَرِي وساقاه على بَقِيَّة الْأَشْجَار المثمرة الْقَائِمَة فِي أَرض الْبُسْتَان الَّذِي اشْترى مشمشه الْأَخْضَر الْمَذْكُور مُسَاقَاة شَرْعِيَّة بشرطها مُدَّة مَعْلُومَة وَشرط البَائِع أَن للبستان مَاء مَعْلُوما من نهر مَعْلُوم فَقل ذَلِك المَاء من أَصله ثمَّ إِن ملاك الْبُسْتَان باعوا المَاء وتصرفوا فِيهِ فَلم يصل المَاء إِلَى الْبُسْتَان الَّذِي بيع ثمره الْمَذْكُور فَتلف على المُشْتَرِي مَا بَقِي من ثَمَرَة الشَّجَرَة وَبَقِي لَهُ من مُدَّة الْمُسَاقَاة شَهْرَان فَهَل وَالْحَالة هَذِه للْمُشْتَرِي قيمَة مَا تلف لَهُ من الثَّمر الَّذِي تلف بِسَبَب انْقِطَاع المَاء عَنْهَا
أجَاب رَضِي الله عَنهُ لَا وَإِنَّمَا يلْزم الْمَالِك للمساقي أجره عمله على الشَّجَرَة الَّذِي تلف ثَمَرهَا بِانْقِطَاع المَاء مَعَ تمكن الْمَالِك من أَن لَا يقطعهُ هَكَذَا قَالُوا وَالله أعلم
128 - مَسْأَلَة رجل اشْترى من رجل حلاوة بِشَرْط أَنَّهَا بسكر وَقَبضهَا وَتصرف فِيهَا وفوتها جَمِيعًا ثمَّ ظهر أَنَّهَا ممزوجة بِعَسَل فَهَل يَنْفَسِخ العقد أم لَا وَهل يحل للْبَائِع أَخذ الثّمن أم لَا وَهل للْمُشْتَرِي أَن يُعْطِيهِ قيمَة مَا أَخذه من البَائِع
أجَاب رَضِي الله عَنهُ إِذا ظهر فِيهِ من الْعَسَل أَكثر من الْقدر الْمُعْتَاد فِي السكرية وَجب للْمُشْتَرِي بعد فَوَاتهَا الرُّجُوع بِقدر التَّفَاوُت من الْأَمريْنِ أَو يسْقط ذَلِك عَنهُ إِن لم يكن أدّى الثّمن وَوَجَب عَلَيْهِ بَاقِي الثّمن وَالله أعلم
129 - مَسْأَلَة رجلَانِ بَينهمَا دَار مشاعة فَهَل يجوز لأَحَدهمَا أَن يَبِيع نصفه من صَاحبه بِنصفِهِ شَائِعا أم لَا

(1/274)


@
أجَاب رَضِي الله عَنهُ الْأَظْهر أَنه يجوز وإقدام الْعَاقِل على ذَلِك دَلِيل على فَائِدَة لَهُ فِيهِ على الْجَمَاعَة ثمَّ فِي اشْتِرَاط الْفَائِدَة فِي صِحَة البيع نزاع رحب المجال وَالله أعلم
130 - مَسْأَلَة رجل بَاعَ عبدا ثمَّ ادّعى البَائِع أَنه كَانَ مَمْلُوكا حَالَة البيع فَهَل تصح دَعْوَاهُ وَهل إِذا قَامَت الْبَيِّنَة بِصدق مَا ادَّعَاهُ لَهُ استرجاع العَبْد أم لَا
أجَاب رَضِي الله عَنهُ إِذا ادّعى أَنه كَانَ مَمْلُوكا وَأَن سَيّده الْمَالِك للْمَبِيع لم يَأْذَن وحرر دَعْوَاهُ بِشَرْط فان عرف أَن البَائِع كَانَ مَمْلُوكا فَالْقَوْل قَوْله مَعَ يَمِينه إِذا لم يقم بَيِّنَة على خِلَافه وَإِن لم يعرف لَهُ حَال عبودية لم يقبل دَعْوَاهُ الْمَذْكُورَة بِغَيْر بَيِّنَة وَالله أعلم
131 - مَسْأَلَة رجل بَاعَ لرجل جَارِيَة وأقامت عِنْده مُدَّة شَهْرَيْن وَنصف ثمَّ بعد ذَلِك جَاءَ وَقَالَ إِنَّهَا مَجْنُونَة وَادّعى عَلَيْهِ عِنْد الْحَاكِم بالجنون فَلم يثبت لَهُ عِنْده شَيْء فَادّعى عَلَيْهِ بِعَيْب ثَان فَإِذا ثَبت لَهُ الْعَيْب الثَّانِي يجب الثَّانِي عَلَيْهِ الرَّد أم الْأَرْش لأجل أَنه أَخذ الْجَارِيَة عَاقِلَة فَردهَا عَلَيْهِ مَجْنُونَة لأجل الْعَيْب الثَّانِي وَكَانَت نِيَّته عِنْد الْحَاكِم أَنه يثبت الْعَيْب إِلَى ثَلَاثَة أَيَّام وَله عشرُون يَوْمًا مَا ثَبت لَهُ شَيْء وَلَا جَاءَ إِلَى الْحَاكِم
أجَاب رَضِي الله عَنهُ إِذا ثَبت الْعَيْب الثَّانِي مُتَقَدما على الْقَبْض فَلهُ الرَّد لَا الْأَرْش إِذا لم يكن قد حدث فِي يَده جُنُون وَلَا عيب آخر وَلَا يمْنَع من ذَلِك مَا ادَّعَاهُ من جُنُون مُتَقَدم يتجرد ذَلِك وَلَا تَأَخّر اثباته إِذا كَانَ لعَجزه عَنهُ

(1/275)


@ واذا كَانَ البَائِع قد حلف على نفي الْجُنُون الْمُتَقَدّم فيمينه لدفع الرَّد لذَلِك لَا لإِثْبَات عيب حَادث يمْنَع من الرَّد بِعَيْب آخر وَالله أعلم
132 - مَسْأَلَة رجل جَاءَ إِلَى خباز مثلا فَأعْطَاهُ درهما ليَبِيعهُ بِنصفِهِ خبْزًا فَأعْطَاهُ خبْزًا بِنصفِهِ ثمَّ أعطَاهُ نصفا من الْفضة من عِنْده عوضا عَن نصف الدِّرْهَم الَّذِي لَهُ فَهَل يَصح هَذِه وَالْحَالة هَذِه وَمَا معنى قَول الشَّيْخ أبي إِسْحَق فِي التَّنْبِيه وَلَا يُبَاع الْجِنْس الْوَاحِد بعضه بِبَعْض وَمَعَ أحد الْعِوَضَيْنِ جنس آخر يُخَالِفهُ فِي الْقيمَة فمفهوم هَذَا يدل على أَنه إِذا وَافقه فِي الْقيمَة جَازَ وَكَيف صُورَة الْمُخَالفَة وَصُورَة الْمُوَافقَة وَهل الحكم مُتحد فيهمَا أم مُخْتَلف
أجَاب رَضِي الله عَنهُ يجوز إِذا كَانَ ذَلِك فِي عقدين وَلم يكن أَحدهمَا مغشوشا غشا مؤثرا وَلَا يَصح ذَلِك فِي عقد وَاحِد وَقَول الشَّيْخ يُخَالِفهُ فِي الْقيمَة وصف لَازم لاخْتِلَاف الْجِنْس فان اخْتِلَاف الْجِنْس مَظَنَّة اخْتِلَاف الْقيمَة فمهما وجد اخْتِلَاف الْجِنْس منعنَا وَإِن قضى المقومون بِاتِّفَاق الْقيمَة لِأَن التَّقْوِيم أَمر مظنون فَبَقيَ الِاحْتِمَال والمظنة مهما احْتمل اشتمالها على حكمهَا إِذا عرف هَذَا فالوصف اللَّازِم غير الْفَارِق والاحتراز فِيهِ يطْلب بَيَانه وَإِنَّمَا يذكر لغَرَض آخر وَهُوَ هَا هُنَا مَذْكُور لغَرَض التَّنْبِيه على عِلّة الابطال وَالله أعلم
133 - مَسْأَلَة رجل اشْترى من بُسْتَان مَعْلُوم ترابه مساحة ثَلَاثَة أَذْرع عمقها وَهُوَ غير محتفر والحفر يَتَوَلَّاهُ المُشْتَرِي فَهَل يَصح
أجَاب رَضِي الله عَنهُ لَا يَصح هَذَا البيع لِأَن الأذرع المباعة لَا يُمكن استيعابها الا باحتفار مَا لَيْسَ بمباع وَلَا ضَابِط اذا لم يستوعب وَالله أعلم

(1/276)


- مَسْأَلَة رجل بَاعَ دَارا من رجل ثمَّ إِنَّه اسْتَأْجرهَا من المُشْتَرِي ثمَّ مَاتَ وَهِي فِي يَد وَرَثَة بَيت المَال فَوضع عَلَيْهَا نَائِب بَيت المَال يَده بِنَاء على أَنَّهَا موروثة عَنهُ فَأثْبت المُشْتَرِي الشِّرَاء والاستئجار فَطلب بَيت المَال بِإِثْبَات أَنه لما بَاعهَا مِنْهُ كَانَ مَالِكًا لَهَا فَهَل عَلَيْهِ ذَلِك
أجَاب رَضِي الله عَنهُ لَيْسَ عَلَيْهِ ذَلِك وَالله أعلم وَالْحجّة فِي هَذَا أَن الْوَارِث يتنزل منزلَة الْمَوْرُوث فِي ذَلِك لِأَنَّهُ عَنهُ يتلَقَّى ذَلِك وَمن الْمَعْلُوم أَن البَائِع الْمُورث الْمَذْكُور لَو أنكر فِي حَيَاته فَأَقَامَ المُشْتَرِي عَلَيْهِ الْبَيِّنَة بِالْبيعِ لم يكن لَهُ مُطَالبَته بِإِثْبَات أَنه كَانَ مَالِكًا حَالَة البيع وَلم يسمع مِنْهُ إِنْكَاره لكَونه مَالِكًا عِنْد البيع فَكَذَلِك من قَامَ مقَامه متلقيا عَنهُ وَالله أعلم
135 - مَسْأَلَة رجل بَاعَ على غَائِب ملكا بطرِيق الْوكَالَة ثمَّ ادّعى شخص على الْغَائِب دينا وَطَلَبه من الْوَكِيل فَأنْكر الْوكَالَة فَهَل يَصح بَيْعه الْمُتَقَدّم مَعَ إِنْكَاره الْوكَالَة
أجَاب رَضِي الله عَنهُ لَا يقبل إِقْرَاره فِي حق المُشْتَرِي وَهُوَ مؤاخذ بِمُوجب مَا بَاشرهُ من العقد لَا يُؤثر فِيهِ مُجَرّد إِنْكَاره ورجوعه وَالله أعلم ثمَّ وجدته مسطورا وَزِيَادَة أَنه لَو صدقه المُشْتَرِي على نفي الْوكَالَة لم يقبل قَوْلهمَا ظَاهرا على الْمُوكل وَالله أعلم
136 - مَسْأَلَة اشْترى جَارِيَة فَوجدَ عسرا فَهَل هَذَا عيب
أجَاب رَضِي الله عَنهُ أَن كَانَت من قبيل الأعسر الْيُسْر تعْمل بيسارها

(1/277)


@ ويمينها مَعًا فَلَيْسَ ذَلِك يثبت الْخِيَار لكَونه زِيَادَة بِلَا نقص وَإِن كَانَت تعْمل بيسارها بَدَلا عَن يَمِينهَا فَهَذَا عيب يثبت الْخِيَار وَالنَّقْص فِي الْيَمين لَا يجْبر بِالزِّيَادَةِ فِي الْيَسَار هَذَا هُوَ الظَّاهِر
ثمَّ وجدت فِي الإشراف لأبي سعد الْهَرَوِيّ الْعسر معدودا من جملَة الْعُيُوب من غير تعرض لم ذكرته من التَّفْصِيل وَهُوَ مُتَعَيّن وَالله أعلم
137 - مَسْأَلَة فِي عبد اشْترى وبوجهه نمش فَأَرَادَ المُشْتَرِي رده فَقيل كَيفَ خَفِي عَلَيْك وَهُوَ بِوَجْهِهِ فَقَالَ كَانَ عَلَيْهِ دَوَاء فَالْقَوْل قَول من
قَالَ رَضِي الله عَنهُ أفتى بَعضهم بِأَن القَوْل قَول البَائِع والفتيا أَن القَوْل قَول المُشْتَرِي فِي عدم إطلاعه عَلَيْهِ لِأَن مورد النزاع الِاطِّلَاع وَالْأَصْل عدم الإطلاع وَلَيْسَ مورد النزاع وجود الدَّوَاء حَتَّى يمسك بِأَن الأَصْل عَدمه وَإِنَّمَا هُوَ من المُشْتَرِي تعرض للمستند فَيَقَع فَضله زَائِدَة لَا عِبْرَة بهَا حَتَّى لَو اقتصرت على دَعْوَى عدم الِاطِّلَاع مُطلقًا لَكَانَ القَوْل قَوْله لِأَن مَعَه الأَصْل وخفاؤه عَلَيْهِ يُمكن بِأَسْبَاب وَالله أعلم
138 - مَسْأَلَة رجل أعْطى اللحام درهما وَقَالَ أَعْطِنِي بِنصْف دِرْهَم لَحْمًا وَالنّصف الآخر نصف دِرْهَم فَأعْطَاهُ كَمَا قَالَ فَهَل يحل ذَلِك وَلَو اشْترى مِنْهُ نصف رَطْل لحم بِنصْف دِرْهَم فِي الذِّمَّة ثمَّ أعطَاهُ درهما

(1/278)


@ وَقَالَ خُذ هَذَا نصفه عَن الثّمن الَّذِي فِي ذِمَّتِي وَأَعْطِنِي نصف دِرْهَم عَن النّصْف الثَّانِي فَهَل يحل ذَلِك أم لَا
أجَاب رَضِي الله عَنهُ يجوز هَذَا الثَّانِي وَكَذَلِكَ يجوز الأول إِذا جعلهَا عقدين وَالله أعلم
139 - مَسْأَلَة شريكان فِي سلْعَة باعاها بِثمن وَاحِد فِي الذِّمَّة ثمَّ مَاتَ أَحدهمَا فَقبض الآخر نصِيبه من الثّمن فَهَل يُشَارِكهُ فِيمَا قَبضه وَرَثَة الْمَيِّت
أجَاب رَضِي الله عَنهُ لَا بل يخْتَص بِهِ لِأَن الإشتراك إِنَّمَا حصل فِي الدّين والمقبوض إِنَّمَا يحصل الْملك فِيهِ بِالْقَبْضِ وَالْقَبْض اخْتصَّ بِهِ الْقَابِض لاحظ للْآخر فِيهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ وَكيلا عَنهُ فِيهِ وَلَو كَانَ وَكيلا لانفسخت الْوكَالَة بِالْمَوْتِ وَمذهب الْمُزنِيّ فِي مَسْأَلَة الشّركَة الطَّوِيلَة ذَات الشّعب بعيد خَالفه فِيهِ عَامَّة الْأَصْحَاب وَقَالُوا يخْتَص البَائِع الْقَابِض للخمس مائَة بهَا لانعزاله بِدَعْوَاهُ عَن وكَالَة الَّذِي لم يبع وَوجه آخر الصَّفْقَة مُتعَدِّدَة لتَعَدد البَائِع قطعا فقد نفرد كل وَاحِد مِنْهُمَا بِالسَّبَبِ فَلَا يجْرِي الِاشْتِرَاك كَمَا فِي سَائِر صور تعدد السَّبَب وَلَيْسَ هَذَا على خلاف مَا قطع بِهِ صَاحب الْمُهَذّب قَرِيبا من آخر بَاب الدَّعَاوَى والبنيات فِيمَا إِذا ابْتَاعَ عينا بصفقة وَاحِدَة من إِثْبَات الشّركَة فِيمَا يصير بِيَدِهِ أَحدهمَا أما أَولا فَلِأَن ذَلِك فِي عين مَا ذكرته أَو لَا فرق بَين الْعين وَالدّين وَأما ثَانِيًا فَإِن الصَّفْقَة لَا تَتَعَدَّد بِتَعَدُّد المُشْتَرِي على قَول ثمَّ إِن الشَّيْخ أَبَا حَامِد الإسفرائيني رَحمَه الله قطع فِي التَّعْلِيق بِعَدَمِ الشّركَة وأباه اخْتَار شيخ أبي اسحق القَاضِي أَبُو الطّيب الطَّبَرِيّ اعْتِمَادًا على تعدد الصَّفْقَة بِتَعَدُّد الْمُبْتَاع وَالله أعلم

(1/279)


- مَسْأَلَة أَتَى بهَا ابْن أبي عمرَان الْيَهُودِيّ المتطبب وفيهَا خطوط خلق من الْقُضَاة والمفتين مِمَّن تقدم وَتَأَخر مِنْهُم الدولعي شيخ الْفتيا هَل يجوز تمْلِيك الذِّمِّيّ مَمْلُوكا كَافِرًا بِالْبيعِ وَغَيره وَهل يُمكن من التَّصَرُّف فِيهِ بالاستخدام وَغَيره وَهل يمْنَع مِنْهُ وَنَحْو هَذَا فَأَجَابُوا لَهُ ذَلِك وَلَا يمْنَع وَجرى مِنْهُم تساهل فامتنعت من الْمُوَافقَة
وَجَوَابه وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق أَن نفس تملكه للْكَافِرِ لَا يمْتَنع وَلَا يمْنَع مِنْهُ فَإِنَّهُ كَافِر مثله بِخِلَاف العبد المسلم حَيْثُ قُلْنَا فِي قَوْله إِن إِثْبَات مثل هَذَا الْملك للْكَافِرِ عَلَيْهِ إذلال للْمُسلمِ غير أَنه يمْنَع من تهويده أَو تنصيره إِن لم يكن كفر العَبْد من قبيل مَا يقر أَهله عَلَيْهِ كَمَا فِي حق التّرْك فَإِن هَذَا شَأْنه من الْكفَّار إِذا انْتقل إِلَى غير دين الْإِسْلَام لم يقر عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يُرِيد ان يستحدث عصمه بدين بَاطِل وَهَذَا مَعْرُوف مَقْطُوع بِهِ من غير اخْتِلَاف قَول وَإِن كَانَ كفره مِمَّن يقر عَلَيْهِ أَهله كَمَا لَو كَانَ نَصْرَانِيّا وَأَرَادَ المُشْتَرِي أَن يهوده أَو بِالْعَكْسِ فَهَذَا فِيهِ قَولَانِ وَالصَّحِيح أَنه يمْنَع مِنْهُ نَص عَلَيْهِ الشَّيْخ أَبُو سهل الأبيوردي فِي تَعْلِيقه على أَن الصَّحِيح انه لَا تَقْرِير فِي هَذَا أَيْضا فَلَا يبْقى تَمْكِينه من استتباع الْمَمْلُوك على دينه إِلَّا فِيمَا اذا كَانَ من أهل دينه يَهُودِيّ تملك يَهُودِيّا أَو نَصْرَانِيّ اشْترى نَصْرَانِيّا وَنَحْو هَذَا وَيَنْبَغِي أَن يمْنَع مِمَّا يظْهر من استخدامه لَهُ إِذا كَانَ مَمْلُوكا فارها من تركي أَو غَيره كَمَا يمْنَع من ركُوب الْخَيل والسروج فَإِن الْمَعْنى يجمع ذَلِك فِي قرن وَالله أعلم

(1/280)


- مَسْأَلَة قَول الْغَزالِيّ رَحمَه الله فِي كتاب البيع فِي الْوَسِيط أَن قطعُوا بِأَن البَائِع هُوَ الَّذِي يفْسخ بإفلاس المُشْتَرِي وَالْمَرْأَة تفسخ بإعسار الزَّوْج بِالنَّفَقَةِ مَا هَذَا الْقطع
أجَاب رَضِي الله عَنهُ قَوْله وَقَالُوا القَاضِي هُوَ الَّذِي يفْسخ بِعُذْر الْعنَّة هَكَذَا نَقله أَمَامِي هَذَا النَّقْل فِي نَفسه غير صَحِيح ونسبته إِلَى إِمَام الْحَرَمَيْنِ أَيْضا غير صَحِيح وَالله أعلم أما أَنه فِي نَفسه غير صَحِيح فَلِأَن الثَّابِت عَنْهُم خلاف ذَلِك وَهَذَا صَاحب التَّتِمَّة من الخراسانيين فقد حكى فِي الأعسار والعنة كليهمَا خلافًا فِي أَن الَّذِي يتَوَلَّى الْفَسْخ هُوَ القَاضِي أَو الْمَرْأَة وَزَاد وَقَالَ فِي الْعنَّة الْمَذْهَب أَن الْمَرْأَة تتولى الْفَسْخ وَذَلِكَ بعد ثُبُوت الْعنَّة عِنْد الْحَاكِم وَهَذَا صَاحب الْمُهَذّب من الْعِرَاقِيّين قد سوى بَين الْإِعْسَار والتعنين فِي أَن الْفَسْخ إِلَى الْحَاكِم بل المُصَنّف نَفسه قد حكى مَا ينْقض مَا ذكره فِي كتاب النِّكَاح من هَذَا الْكتاب فَذكر أَن القَاضِي إِذا قضى بالعنة فسخت كَمَا فِي سَائِر الْعُيُوب ثمَّ قَالَ وَفِيه وَجه أَن القَاضِي هُوَ الَّذِي يتعاطى الْفَسْخ وَجعل الْمُعْتَمد أَن القَاضِي لَا يفْسخ بل الْمَرْأَة وَهَذَا الَّذِي ذكره هُنَاكَ فِي الْإِعْسَار وَلَيْسَ فِي شَيْء من هَذَا الْمَنْقُول الْفرق بَين الْإِعْسَار والعنة فَيبْطل قطعا مَا ذكره من أَنهم قطعُوا بذلك وَيلْزم أَيْضا أَن الْفرق بَينهمَا لَيْسَ وَجها صَحِيحا مُعْتَمدًا بل غَايَته أَنه وَجه لبَعض الْأَصْحَاب بعيد ضَعِيف فَلَا يسوغ لَهُ الِاقْتِصَار على ذكره من غير تعرض لما هُوَ الصَّحِيح وَالله أعلم
وَأما أَنه غير صَحِيح نسبته إِلَى إِمَام الْحَرَمَيْنِ فَإِن لَفظه فِي

(1/281)


@ النِّهَايَة لَا يشْعر بِهِ وَقد عرف أَن نَقله مِنْهَا وَالله أعلم
وَذَلِكَ أَنه قَالَ فِيهَا قَالَ بعض الْأَصْحَاب القَاضِي هُوَ الَّذِي يفْسخ النِّكَاح عِنْد تحقق الْعنَّة وَجها وَاحِدًا وَالزَّوْجَة تتعاطى الْفَسْخ بالإعسار بِالنَّفَقَةِ قَالَ وَلست أرى بَين الْعنَّة والإعسار فرقا وَذكر ان الْوَجْه أَن يَجْعَل فِيهَا وَجْهَان كَمَا فِي التَّحَالُف هَذَا كَلَامه وَهُوَ لَا يُعْطي الْأَصَح إِلَّا أَن بعض الْأَصْحَاب قطع بذلك فَلَيْسَ فِيهِ تعرض أصلا لحكاية ذَلِك عَن الْأَصْحَاب لِأَنَّهُ لَا فرق بَين أَن يَقُول الْقَائِل قَالَ بعض الْأَصْحَاب القَاضِي يفْسخ قطعا وَبَين أَن يَقُول قَالَ بعض الْأَصْحَاب القَاضِي يفْسخ وَجها وَاحِدًا فِي أَن كل وَاحِد مِنْهُمَا أَخْبَار عَن أَنه جزم وَلم يتَرَدَّد لَا أَنه حِكَايَة لذَلِك عَن الْأَصْحَاب ثمَّ لَو صَحَّ لَهُ أَن ذَلِك مَعْنَاهُ أَن بعض الْأَصْحَاب حكى ذَلِك عَن جملَة الْأَصْحَاب فَلَا يجوز أَن ينْسب إِلَى الإِمَام أَنه نقل أَن الْأَصْحَاب قطعُوا بذلك وَإِنَّمَا يَصح ذَلِك أَنه لَو لم يضفه إِلَى غَيره فَإِنَّهُ فرق بَين أَن يَقُول الْقَائِل قطع الْأَصْحَاب بِكَذَا وَبَين أَن يَقُول قَالَ فلَان قطع الْأَصْحَاب بِكَذَا فَالْأول حكم مِنْهُ بقطعهم وَالثَّانِي حِكَايَة عَن غَيره وَالله أعلم
142 - مَسْأَلَة أَقوام جرت عَادَتهم أَنهم يكتالون الْقَمْح من الْملاك ثمَّ بعد ذَلِك يجبى مِنْهُم ثمنه وَلم يجر سوى هَذَا فَهَل يَصح هَذَا البيع أم لَا وَإِذا لم يَصح وطلع الْمَبِيع معيبا وَتصرف فِيهِ الدقاق وَتعذر وجود مثله فَهَل يسْتَحق صَاحب الْقَمْح الثّمن الْمُسَمّى أَو قيمَة الْمثل وَإِذا دفع آخذ الْقَمْح إِلَى صَاحب الْقَمْح أَكثر من قيمَة الْمثل لذَلِك الْقَمْح وطالبه صَاحب الْقَمْح بباقي الْمُسَمّى فَأنْكر فَهَل يجوز لَهُ أَن يحلف إِذا طلب مِنْهُ الثّمن أم لَا
أجَاب رَضِي الله عَنهُ لَا يَصح البيع إِذا لم يُوجد عقد وَلَا معطاة بِثمن

(1/282)


@ معِين عِنْد البيع والمعيب لَيْسَ بمثلى فَيجب فِيهِ قيمَة مثله لَا غير وَالْحَالة هَذَا وَإِذا سمى بِثمن من غير بيع صَحِيح وَدفع الْآخِذ قِيمَته بِمثل الْحبّ فَلهُ أَن يحلف على نفي الزَّائِد وَالله أعلم
وَمن كتاب السّلم
143 - مَسْأَلَة رجل اسْتَلم فِي نخالة مَعْلُومَة الْكَيْل وَالْجِنْس مَوْصُوفَة عِنْد أَرْبَاب الْخِبْرَة غير مَجْهُولَة عِنْدهم بِثمن مَعْلُوم وأقبضه فِي الْمجْلس ثمن الْمُسلم فَقَبضهُ مِنْهُ جَمِيعه فَهَل يَصح العقد وَالْحَالة هَذِه
أجَاب رَضِي الله عَنهُ نعم يَصح ذَلِك أَن انضبط بِالْكَيْلِ وَلَا يكثر تفاوته فِيهِ بالأنكباس وضده وَالله أعلم
144 - مَسْأَلَة رجل يصْبغ بالزنجار ويجبله بِالْمَاءِ على مَا تَقْتَضِيه الصَّنْعَة ثمَّ يخففه فَإِن كَانَ فِي الصَّيف جففه بالشمس وَإِن كَانَ فِي الشتَاء جففه بالنَّار فَهَل يَصح السّلم فِيهِ أم لَا
أجَاب رَضِي الله عَنهُ إِن أمكن ضَبطه بِالصِّفَاتِ الَّتِي يخْتَلف بهَا الْغَرَض جَازَ السّلم فِيهِ بِشُرُوطِهِ وَإِلَّا فَلَا وَالله أعلم
145 - مَسْأَلَة السّلم هَل يجوز بِلَفْظ البيع وَهل يجوز فِي الاثمان فعلى هَذَا اذا قَالَ بِعْتُك هَذِه الغرارة الْقَمْح بِعشْرين درهما فِي ذِمَّتك إِلَى أجل مَعْلُوم مثلا يكون هَذَا سلما فِي الثّمن وَلَا يجوز التَّصَرُّف فِيهِ أَعنِي الثّمن الْمُسلم فِيهِ قبل الْقَبْض فَمَا الْفرق بَين هَذَا وَبَين البيع بِثمن فِي الذِّمَّة أَنه يجوز التَّصَرُّف فِي الثّمن قبل الْقَبْض على أحد الْقَوْلَيْنِ وَصِيغَة العقد وَاحِدَة فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ وَمَا الْفرق بَين السّلم بِلَفْظ البيع فِي الْأَثْمَان وَبَين البيع بِثمن فِي الذِّمَّة

(1/283)


@
أجَاب رَضِي الله عَنهُ لَيْسَ ذَلِك سلما فِي الثّمن وَإِنَّمَا صُورَة السّلم فِي الثّمن أَن يَقُول أسلمت إِلَيْك هَذَا الثَّوْب فِي عشرَة دَرَاهِم وَلَا يذكر أَََجَلًا أَو يذكرهُ فَلَيْسَتْ الدَّرَاهِم هُنَا ثمنا لِأَنَّهُ مَا اقْترن بهَا صِيغَة الثّمن والتفريع عَن أَن الثّمن يتَمَيَّز بالصيغة لَا بِكَوْنِهِ دَرَاهِم أَو دَنَانِير فَهَذَا وَنَحْوه صُورَة السّلم فِي الْأَثْمَان وَالْمرَاد بالأثمان هَا هُنَا جنس الْأَثْمَان أَي مَا جنسه جنس الثّمن يجوز أَن يخرج عَن كَونه ثمنا بِأَن لَا يَجْعَل مُسلما فِيهِ الْخلاف فِي صُورَة التَّصَرُّف فِي الثّمن مَخْصُوص بِمَا اجْتمع فِيهِ كَونه ثمنا جِنْسا وَكَونه ثمنا صِيغَة
وَأما الْفرق فِي جَوَاز التَّصَرُّف فَهُوَ رَاجع إِلَى كَون الْمُسلم فِيهِ ثُبُوته فِي الذِّمَّة على خلاف الأَصْل لما يتَمَيَّز بِهِ من زِيَادَة التَّفَاوُت فِي الْأَوْصَاف وَكَون الْحَاجة إِلَى إثْبَاته فِي الذِّمَّة فِيهِ أقل من الْحَاجة إِلَى إِثْبَات الثّمن فِي الذِّمَّة وَفِي صُورَة السّلم فِي الدَّرَاهِم وَالدَّنَانِير روعيت المظنة وَالله أعلم
146 - مَسْأَلَة رهن شخص عينا يملكهَا عَن دين غَيره من غير أَن يُعِيدهُ إِيَّاهَا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ليرهنها فَهَل يَصح وَإِذا صَحَّ وَكَانَ الدّين مُؤَجّلا فَمَاتَ الرَّاهِن فَهَل يحل الدّين
أجَاب رَضِي الله عَنهُ إِن الرَّهْن يَصح وَذَلِكَ لِأَنَّهُ كالضامن فَكَمَا يَصح أَن يضمن دين غَيره بِإِذْنِهِ وَبِغير إِذْنه فَكَذَلِك يَصح أَن يرْهن على دين غَيره بِإِذْنِهِ وَبِغير إِذْنه فَالصَّحِيح فِي الْمَسْأَلَة الْمَعْرُوفَة وَهِي مَا إِذا أَعَارَهُ

(1/284)


@ الْعين ليرهنها أَن ذَلِك ضَمَان مِنْهُ فِي عين وَوجدت الْمَسْأَلَة قد ذكرهَا صَاحب التَّتِمَّة فِي سِيَاق كَلَامه فِي تفاريع مَسْأَلَة الْإِعَارَة فَإِذا علم فَإِنَّهُ لَا يحل الدّين بِمَوْت الرَّاهِن لِأَن هَذَا ضَمَان دين فِي عين مُعينَة لَا فِي الذِّمَّة وَإِنَّمَا حل الدّين فِي الذِّمَّة لتبرئة ذمَّته وَالله أعلم
147 - مَسْأَلَة امْتنع الْمُرْتَهن من الْإِذْن للرَّاهِن فِي أَن يَبِيع الْمَرْهُون فِي إِيفَاء دينه فَهَل للرَّاهِن وَالْحَالة هَذِه بيع الْمَرْهُون بِغَيْر إِذن الْمُرْتَهن
أجَاب رَضِي الله عَنهُ لَهُ أَن يَبِيعهُ فِي ذَلِك من غير إِذْنه بِإِذن الْحَاكِم فيرفع الْأَمر إِلَى الْحَاكِم حَتَّى يساعده على البيع فِي ذَلِك وَلَا يسْتَقلّ وَوجه ذَلِك ظَاهر وَارِد وجدته مسطورا
148 - مَسْأَلَة رجل لَهُ دين بِهِ رهن وأفضى الْأَمر إِلَى الْحَاكِم بِبيع الرَّهْن وَثمن بعضه يَفِي بِالدّينِ لَكِن لم يرغب رَاغِب إِلَّا فِي الرَّهْن كُله فَهَل يَبِيع الْحَاكِم الرَّهْن كُله ويوفي مِنْهُ دين رب الدّين أم يعطل الدّين ويؤجره رَجَاء أَن يرغب رَاغِب فِي شِرَاء الْبَعْض
أجَاب رَضِي الله عَنهُ بل يَبِيعهُ كُله إِذا طلب صَاحب الدّين ذَلِك وَالله أعلم
149 - مَسْأَلَة شخص أقرّ بدين لبَعض أَوْلَاده فِي حَال صِحَّته وَرَهنه بِهِ رهنا ثمَّ أقرّ فِي مرض مَوته لآخر من أَوْلَاده وَرَهنه بِهِ هُنَا فَهَل يَصح الرَّهْن الثَّانِي
أجَاب رَضِي الله عَنهُ يَصح الرَّهْن وَإِن كَانَ الرَّهْن بِمَنْزِلَة التَّبَرُّع فِي أَنه يمْتَنع من ولي الطِّفْل وَغَيره من غير غِبْطَة لِأَنَّهُ لَو قضى فِي مرض الْمَوْت دين الْوَارِث كَمَا لَو كَانَ قضى دين غَيره من الْغُرَمَاء وَله على الْمَذْهَب

(1/285)


@ الْمَشْهُور أَن يخصص بِالْقضَاءِ دين بعض الْغُرَمَاء دون بعض فَإِذا جَازَ تَخْصِيصه بإيفاء أصل الدّين فتخصيصه بتعلق دينه بِبَعْض أَعْيَان مَاله بطرِيق الرَّهْن أجوز وَأَيْضًا فَإِنَّمَا يمْتَنع فِي حق الْوَارِث تبرع من شَأْنه أَن يعْتَبر من الثُّلُث وَالرَّهْن لَيْسَ كَذَلِك فحده فِي الْوَسِيط إِزَالَة ملك بِغَيْر عرض فِي مرض الْمَوْت هَذَا هُوَ الظَّاهِر وَالْعلم عِنْد الله تَعَالَى
وَمن كتاب التَّفْلِيس
150 - مَسْأَلَة من علم يسَار شخص فِي زمَان متقادم هَل لَهُ أَن يشْهد الْآن بيساره وَهل يسْأَله الْحَاكِم عَن كَونه مُوسِرًا حَال أَدَاء الشَّهَادَة وَعَلِيهِ الشَّهَادَة كَذَلِك
أجَاب رَضِي الله عَنهُ أَن لَهُ أَن يشْهد الْآن بيساره مُعْتَمدًا على الِاسْتِصْحَاب إِلَّا أَن يكون قد طَرَأَ مَا أوجب الْآن اعْتِقَاده لزواله أَو جعله فِي صُورَة المتشكك فِي بَقَائِهِ وزواله والاعتماد فِي هَذَا على الِاسْتِصْحَاب السَّالِم عَن طارىء يخدشه كالاعتماد على مثله فِي الْملك وَلَا يشْتَرط فِيهِ الْخِبْرَة الْبَاطِنَة كَمَا هُنَالك وَمَا علل بِهِ ذَلِك من أَنه لَا طَرِيق لَهُ إِلَّا الِاسْتِصْحَاب فِي الْبَاطِن لَا بُد لَهُ من الِاسْتِصْحَاب موجودها هُنَا وَمِمَّا يدلل من كَلَامهم على جَرَيَانه فِي نَظَائِره قَوْلهم فِي الْبَيِّنَة الناقلة فِي الدّين فِي مَسْأَلَة الِابْنَيْنِ الْمُسلم وَالنَّصْرَانِيّ وَفِي غَيرهَا أَنَّهَا ترجع على المنفية لِأَنَّهَا اعتمدت على زِيَادَة علم وَالْأُخْرَى رُبمَا اعتمدت على الِاسْتِصْحَاب وَهَذَا تَجْوِيز مِنْهُم لذَلِك وَإِلَّا لَكَانَ ذَلِك قدحا فِيهَا لَا من قبيل التَّرْجِيح

(1/286)


@ ثمَّ يَكْتَفِي الْحَاكِم بِشَهَادَتِهِ أَنه مُوسر فَإِنَّهُ يتَنَاوَل الْحَال فَإِن أحوجه إِلَى ذكر الْحَالة الراهنة فَلهُ أَن يشْهد كَذَلِك مُعْتَمدًا على الِاسْتِصْحَاب الْمَذْكُور بل لَا يَنْبَغِي أَن يفصح بذلك فِي الشَّهَادَة فَإِنَّهُ لَا بُد من الْبَتّ بِمَا يشْتَمل الْحَال الْحَاضِرَة وَالله أعلم
151 - مَسْأَلَة من شهد بِالرشد مَا الَّذِي يجب عَلَيْهِ فِي شَهَادَته وَهل يجب أَن يعرف عَدَالَته بَاطِنا وظاهرا أم يَكْتَفِي بِالْعَدَالَةِ الظَّاهِرَة وَهل يَكْتَفِي فِي اخْتِيَاره بالاستفاضة أم لَا بُد من مُبَاشرَة أَحْوَاله
أجَاب رَضِي الله عَنهُ الظَّاهِر أَنه يَكْتَفِي فِي ذَلِك بِالْعَدَالَةِ الظَّاهِرَة وَمن شَرطهَا أَن لَا يكون غَرِيبا عِنْد الشَّاهِد بل يكون مُتَقَدم الْمعرفَة بِهِ ويكتفي فِي اختباره بالاستفاضة والشهرة وَالله أعلم
152 - مَسْأَلَة بينتي إعسار وملأه تكررتا كلما شهِدت احداهما جَاءَت الْأُخْرَى فَشَهِدت أَنه فِي الْحَال على ضد مَا شهِدت بِهِ الأولى فَهَل يقبل ذَلِك أبدا وَيعْمل بالمتأخر أم لَا
أجَاب رَضِي الله عَنهُ يعْمل بالمتأخر مِنْهُمَا وَإِن تَكَرَّرت إِن لم ينشأ من تكررهما بَيِّنَة وَلَا تكَاد بَيِّنَة الْإِعْسَار تَخْلُو عَن الرِّيبَة إِذا تَكَرَّرت لِأَن قبُولهَا منحصر الْجِهَة فِي تَقْدِير إِثْبَاتهَا طرآن الْإِعْسَار بعد الملأة لِأَنَّهُ على تَقْدِير معارضتها بِبَيِّنَة الملأة المناقضة فِي وَقت وَاحِد لَا يقبل لترجيح بَيِّنَة الملأة حِينَئِذٍ وَلَيْسَ هَكَذَا بَيِّنَة ملأة فَإِنَّهَا مَقْبُولَة على التَّقْدِيرَيْنِ ومعمول بهَا وَإِن كَانَ مَا تشهد بِهِ ملأة مستمرة من غير تجدّد وطرآن وَعند هَذَا فَإِذا تَكَرَّرت بَيِّنَة الْإِعْسَار فقد أَثْبَتَت تعاقب ملآة وإعسارات وَذَلِكَ بعيد لَا يكَاد يَنْفَكّ عَن الرِّيبَة وَالله أعلم

(1/287)


- مَسْأَلَة رجل عِنْده صبي يَتِيم وَلَيْسَ بولِي من جِهَة الشررع وَلَا وَصِيّ ولليتم مَال فَلَو سلمه إِلَى ولي الْأَمر خَافَ على ضياغ المَال فَهَل يجوز لَهُ التَّصَرُّف فِي المَال أم لَا وَهل يجوز لَهُ المؤاكلة مَعَ الصَّبِي واختلاط مَاله بِمَالِه وَهل يجوز لَهُ اسْتِخْدَام الصَّبِي على مَا جرت بِهِ الْعَادة وَإِذا استخدمه مَاذَا يجب عَلَيْهِ
أجَاب رَضِي الله عَنهُ يجوز لَهُ وَالْحَالة هَذِه الضرورية النّظر فِي أمره وَالتَّصَرُّف فِي مَاله وَيجوز لَهُ مخالطته فِي الْأكل وَغَيره على مَا هُوَ الْأَصْلَح لَهُ وَيجوز لَهُ من استخدامه مَا هُوَ فِيهِ تَخْرِيج لَهُ وتدريب قَاصِدا مصْلحَته وَيجوز من غير ذَلِك مَا لَا يعد لمثله أُجْرَة وَمَا سوى ذَلِك وَنَحْوه لَا يجوز إِلَّا بِأُجْرَة مثله وَالله أعلم
154 - مَسْأَلَة شخص كَانَ تَحت حجر أَبِيه وَبلغ وَلم يثبت عِنْد أحد من الْحُكَّام رشده وَلَا فك الْحجر عَنهُ فتصرف فِي مَاله توكيلا وبيعا وَشِرَاء وَثَبت تِلْكَ التَّصَرُّفَات بِشَهَادَة الْعُدُول على إِقْرَاره بهَا عِنْد جمَاعَة من الْحُكَّام من غير أَن يتَعَرَّضُوا للْحكم بِصِحَّة تِلْكَ التَّصَرُّفَات ثمَّ إِن الشَّخْص الْمَذْكُور أقرّ فِي مرض مَوته لبَعض ورثته بأعيان وأبرأه من دُيُون وَثَبت ذَلِك الْإِقْرَار وَالْإِبْرَاء عِنْد حَاكم من الْحُكَّام وَنقل بِهِ وَكتب الْمقر لَهُ كتابا حكميا إِلَى بَلْدَة حَاكم آخر وَشهد عِنْد الْحَاكِم الثَّانِي عَدْلَانِ أَنه ثَبت مَضْمُون الْكتاب الْحكمِي عِنْد الْحَاكِم الأول وَكَانَ مَضْمُون الْكتاب الْحكمِي يتَضَمَّن مَا جرت بِهِ عَادَة الْكتاب من أَن الْإِقْرَار وَالْإِبْرَاء الْمَذْكُورين فِي صِحَة وَجَوَاز أمره فَهَل تصح تَصَرُّفَات الشَّخْص الْمَذْكُور من غير ثُبُوت رشده عِنْد حَاكم مَا أم لَا
وَإِن لم تصح تَصَرُّفَاته من غير ثُبُوت رشده فَهَل يكون ثُبُوت تَصَرُّفَاته عِنْد

(1/288)


@ الْحُكَّام الْمَذْكُورين بِشَهَادَة الْعُدُول على إِقْرَاره بذلك من غير حكمهم بِصِحَّة ذَلِك الْإِقْرَار دَلِيلا على ثُبُوت رشده أم لَا

وَهل للْمُدَّعِي عَلَيْهِ مُطَالبَة الْمُدَّعِي بِثُبُوت أَهْلِيَّة الْمقر للإقرار واستجماع شَرَائِط صِحَة الْإِقْرَار أَو لَا
وَإِن لم يكن لَهُ ذَلِك فَهَل يسوغ للْحَاكِم الاستفصال عَن استجماع تِلْكَ الشَّرَائِط أَو لَا
وَإِن سَاغَ لَهُ ذَلِك فَهَل يكون ثُبُوت الْإِقْرَار عِنْد الْحَاكِم الأول على الْوَجْه المشروح دَلِيلا على استجماع تِلْكَ الشَّرَائِط وَكَانَ الْمقر بِهِ مَرْهُونا حَالَة الْإِقْرَار من جِهَة الْمقر فَهَل يَصح إِقْرَاره بِهِ وَهُوَ مَرْهُون أَو لَا
وَإِن صَحَّ إِقْرَاره بِهِ وَهُوَ مَرْهُون وَكَانَ فِي الْقرْيَة شَيْء لَيْسَ فِي يَد الْمقر فَهَل يَصح إِقْرَاره بهَا بِمَا فِي يَده مَعَ اشتماله للإقرار بِمَا لَيْسَ فِي يَده أَو لَا وَإِن صَحَّ فَهَل يتَعَيَّن جَمِيع مَا يبْقى من الْمقر بِهِ مِمَّا هُوَ فِي يَده لذَلِك الْإِقْرَار وَإِن لم يتَعَيَّن فَهَل يتَضَمَّن ذَلِك جَهَالَة بالمقر بِهِ حَتَّى يحْتَاج الى تَفْسِير الْمقر أَو لَا
وَإِن احْتَاجَ الى التَّفْسِير وَمَات الْمقر فَهَل يقوم الْوَارِث مقَامه فِي التَّفْسِير أَو لَا
وَإِن قَامَ الْوَارِث مقَامه وَكَانُوا جمَاعَة من جُمْلَتهمْ الْمقر لَهُ فَهَل يتَعَيَّن الْمقر لَهُ الْوَارِث للتفسير أم يتساوى جَمِيع الْوَرَثَة فِي ذَلِك
وَإِن أثبت الْمقر لَهُ رشد الْمقر حَالَة الْإِقْرَار وَأثبت الْخصم لَهُ اسْتِمْرَار الْحجر عَلَيْهِ أَو سفهه حَالَة الْإِقْرَار فَأَيّهمَا يقدم على الآخر

(1/289)


@ وَإِذا علم الْحَاكِم الثَّانِي اسْتِمْرَار الْحجر على الْمقر إِلَى حَالَة الْإِقْرَار فَهَل يحكم يُعلمهُ فِي ذَلِك أَو لَا
وَإِن لم يحكم بِعِلْمِهِ فِي ذَلِك فَهَل تجب الْيَمين المتوجبة على من أثبت حَقًا على غَائِب أَو يثبت على مدعي ذَلِك الْإِقْرَار وَالْإِبْرَاء أَو لَا
وَإِن لم تجب عَلَيْهِ هَذَا الْيَمين فَهَل تجب عَلَيْهِ الْيَمين بِنَفْي علمه بفسق الْمَشْهُود لَهُ بِالْإِقْرَارِ وَالْإِبْرَاء الْمَذْكُورين أَو لَا
وَمَتى وَجَبت عَلَيْهِ يَمِين وَكَانَت المحاكمة بَين وَرَثَة الْمقر ووكيل الْمقر لَهُ الْغَائِب عَن مجْلِس الحكم فَهَل يتَوَقَّف فصل الْخُصُومَة على الْمقر لَهُ أَو لَا
أجَاب رَضِي الله عَنهُ تصح تَصَرُّفَاته وأقاريره مهما كَانَ متصرف تصرف المطلقين مبذول الْيَد مُمكنا على الِاسْتِمْرَار فَيحكم بِصِحَّة تَصَرُّفَاته اعْتِمَادًا على الظَّاهِر ومدعي الْحجر الشَّرْعِيّ عَلَيْهِ مطَالب بإثباته بِالْبَيِّنَةِ وَالْحَالة هَذِه وَلَوْلَا هَذَا لأحوج أَكثر النَّاس من الْمَشَايِخ فَمن دونهم عِنْد التَّنَازُع فِي مثل ذَلِك إِلَى إِثْبَات الرشد وَفك الْحجر بِالْبَيِّنَةِ وَذَلِكَ خلاف إِجْمَاع إِجْمَاع الماضين وَالدَّلِيل يأباه ثمَّ إِن مَضْمُون الْكتاب الْحكمِي الْمَذْكُور إِذا ثَبت أَن الْحَاكِم الْمَذْكُور أثْبته فَذَلِك هُوَ مُوجب الْكتاب الْحكمِي الْمَذْكُور إِذا ثَبت أَن الْحَاكِم الْمَذْكُور أثْبته فَذَلِك هُوَ مُوجب ثُبُوت فك الْحجر عَن الْمقر الْمَذْكُور وَإِن كَانَ الْمقر بِهِ مَرْهُونا عِنْد الْإِقْرَار لم يَصح إِقْرَاره بِهِ فِي حق الْمُرْتَهن إِذا لم يصدقهُ وَيصِح فِي حق الرَّاهِن الْمقر بِهِ مَرْهُونا عِنْد الْإِقْرَار لم يَصح إِقْرَاره بِهِ فِي حق الْمُرْتَهن إِذا لم يصدقهُ وَيصِح فِي حق الرَّاهِن الْمقر عِنْد فكاك الرَّهْن وَأما كَون بعض المقربة لَيْسَ فِي يَده وَقد فرضناه مَرْهُونا لَهُ

(1/290)


@ والمرهون الْمَقْبُوض بيد راهنة ثَابِتَة عَلَيْهِ كَمَا كَانَ فِي يَده أَو فِي يَد الْمُرْتَهن أَو فِي يَد عدل نَائِب عَنْهُمَا فقد أعلت الْمَسْأَلَة فان المُرَاد أَن ذَلِك الْبَعْض غير مَرْهُون لَهُ حِينَئِذٍ وَلَيْسَ فِي يَده أصلا حَالَة الْإِقْرَار فَإِقْرَاره بِهِ غير صَحِيح فَإِذا وَقع الْإِيهَام بَينه وَبَين بَاقِي الْمقر بِهِ الثَّابِتَة يَده عَلَيْهِ حَالَة الْإِقْرَار فصحة الْإِقْرَار بِالْبَاقِي يتَوَقَّف على تَفْسِير الْمقر أَو وَارثه بعده وَيحْتَاج فِي ذَلِك إِلَى تَفْسِير جَمِيع ورثته وَالْمقر لَهُ مِنْهُم وَإِذا تصادق هُوَ وَالْبَاقُونَ على تعْيين شَيْء اعْتبر ذَلِك فَإِن الْحق لَا يعد وهم وَإِذا أثبت الْمقر لَهُ رشد الْمقر حَالَة الْإِقْرَار فَإِن كَانَ الَّذِي أثْبته الْخصم اسْتِمْرَار الْحجر عَلَيْهِ فَإِن كَانَ ببنية الرشد الشاهدة بِهِ حَالَة الْإِقْرَار وَإِن كَانَ الَّذِي أثْبته الْخصم هُوَ سفهه حَالَة الْإِقْرَار فَبَيِّنَة السَّفه مُقَدّمَة وَلَيْسَ للْحَاكِم أَن يحكم بِعِلْمِهِ فِي ذَلِك وتتوجه الْيَمين على الْمقر لَهُ إِذا كَانَ الْمقر مَيتا وَإِذا ادّعى الْخصم عَلَيْهِ علمه بفسق شُهُوده فَالْأَظْهر أَنه يتَوَجَّه تَحْلِيفه ثمَّ لَا يتَوَقَّف فصل الْخُصُومَة وَالْحكم بِالْبَيِّنَةِ بعد تَمامهَا على مثل هَذِه الْيَمين من الْمقر لَهُ إِذا كَانَ غَائِبا بل يحكم بِالْبَيِّنَةِ وتؤخر الْيَمين إِلَى حِين حُضُوره
وَمَا ترك جَوَابه من الْمسَائِل فلسقوط مَا علق عَلَيْهِ من شُرُوط وَالله أعلم
155 - مَسْأَلَة أقرّ بعد ثُبُوت عسره فِي كتاب دين استدانه بِأَنَّهُ مَلِيء فَهَل يبطل إِعْسَاره

(1/291)


@
وَقد أجَاب الحصيري مِنْهُم وَغَيره من أَصْحَابنَا أَنه يبطل ويؤاخذ بِالدّينِ الْمُسْتَأْجر وَكَانَ جوابي كَذَلِك من أجل أَنه إِذا ثَبت ملأته بِقدر من المَال فَلَا يتَعَيَّن الدّين لصرفه فِيهِ وَهُوَ يتَمَكَّن بِهِ من إِيفَاء كل دين مِنْهُ أَو بَعْضهَا على الِاجْتِمَاع أَو على الْبَدَل وَلِهَذَا قَالُوا إِذا عرف لَهُ مَال لم يثبت من الِابْتِدَاء إِعْسَاره إِلَّا بِبَيِّنَة وَالله أعلم
156 - مَسْأَلَة فِي ولي الْيَتِيم إِذا احْتَاجَ إِلَى الْأكل مِنْهُ مَا قدر مَا يتَنَاوَلهُ مِنْهُ وَهل يحْتَاج الى تَقْدِير حَاكم
أجَاب رَضِي الله عَنهُ يتَنَاوَل أقل الْأَمريْنِ من كِفَايَته بِالْمَعْرُوفِ أَو أُجْرَة عمله وَلَا يحْتَاج إِلَى تَقْدِير حَاكم هَذَا هُوَ الْأَظْهر وَلَيْسَ يتْرك بِمَا ذكر فِي الْوَسِيط وَالله أعلم
157 - مَسْأَلَة حكام من حَاكم الْمُسلمين تَحت يَده مَال لأيتام مُتعَدِّدَة فَمَاتَ الْحَاكِم وَلم يوص وَلم يعين لأحد مَالا فَطلب الْأَيْتَام مَالهم من وَرَثَة القَاضِي فأنكروا فأقاموا الْبَيِّنَة أَن لَهُم فِي جِهَة الْحَاكِم كَذَا وَكَذَا فَطلب وَرَثَة القَاضِي يَمِين الْأَيْتَام أَنهم يسْتَحقُّونَ فِي جِهَة والدهم هَذَا الْمبلغ فَهَل يلْزم الْأَيْتَام يَمِين أم لَا وَهل إِذا فعل الْحَاكِم ذَلِك فِي أَمْوَال الْيَتَامَى يفسق وَيلْزمهُ الضَّمَان
أجَاب رَضِي الله عَنهُ نعم يتَوَجَّه عَلَيْهِم الْيَمين الْمَذْكُور بعد بلوغهم وَإِنَّمَا يجب الضَّمَان عِنْد ثُبُوت تفريطه وَلَا يجب بِمُجَرَّد عدم وجدانها فِي تركته وَلَا يفسق بِمُجَرَّد ذَلِك وَالله أعلم
158 - مَسْأَلَة حَاكم من حكام الْمُسلمين تَحت يَده مَال لأيتام

(1/292)


@ فعامل بِهِ معاملات ثمَّ مَاتَ الْحَاكِم فطلبوا الْأَيْتَام من بعض الْخُصُوم مَا عَلَيْهِ بِمُوجب الشَّرْع فَادّعى تَسْلِيم ذَلِك الْقدر إِلَى القَاضِي الْمُتَوفَّى وَلم يحضر بَينه وَطلب يَمِين الْأَيْتَام الْمُسْتَحقّين إِن هَذَا الْقدر مَا وصل إِلَى القَاضِي الْمُتَوفَّى فَهَل يلْزم الْأَيْتَام يَمِين أم لَا
أجَاب رَضِي الله عَنهُ يتَوَجَّه ذَلِك بعد بلوغهم وَيكون الْيَمين على نفي الْعلم وَلَا يقبل قَول الْمُدَّعِي إِذا كَانَ دينا فِي ذمَّته إِلَّا بِبَيِّنَة
159 - مَسْأَلَة لَو اشْتهر فِي بلد من الْبلدَانِ أَن الْمَدْيُون مَتى طَالبه رب المَال أقرّ بِجَمِيعِ مَا فِي يَده وَمَا هُوَ مَنْسُوب إِلَيْهِ من عين وَدين لوَلَده الطِّفْل أَو لغيره وشاع فِيهِ هَذَا وَفعله أَرْبَاب الْأَمْوَال الأكابر حَتَّى فعلوا فِي الدّين الْيَسِير بِالنِّسْبَةِ إِلَى أَمْوَالهم فَلَو أَن رب المَال إِذا أثبت دينه عِنْد الْحَاكِم وَخَافَ من الْمَدْيُون أَن ينْقل مَاله الى وَالِده أَو الى غَيره وَطلب من الْحَاكِم الْحجر عَلَيْهِ فِي سَائِر أَمْوَاله إِلَى أَن يقْضِي دينه فَهَل يجوز هَذَا للْحَاكِم وَهل يكون هَذَا كَمَا قَالَه الشَّافِعِي أَن المُشْتَرِي يحْجر عَلَيْهِ فِي الْمَبِيع وَفِي سَائِر أَمْوَاله وَهُوَ الْحجر الْغَرِيب الْمَشْهُور بَين الْفُقَهَاء فَإِن لم يجز للْحَاكِم ذَلِك فَفعله حَاكم بِاجْتِهَادِهِ لمصْلحَة رَآهَا فَهَل يَقع الْموقع وَهل لأحد من الْحُكَّام نقضه وَهل إِذا سَاغَ ذَلِك يفْتَرق الْحَال بَين أَن يشْتَهر ذَلِك بَين أهل بَلَده أَو لَا يشْتَهر
أجَاب رَضِي الله عَنهُ بعد الاستخارة والتثبت أَيَّامًا إِن هَذَا من قبيل مَا إِذا ظهر أَمَارَات الْفلس على الْمَدْيُون الَّذِي مَاله واف بِدِينِهِ فَإِنَّهُ إِذا ظهر وَغلب على الظَّن مُسْتَند يعْتَمد على مثله فِي الظنون الْمُعْتَبرَة من حَال هَؤُلَاءِ الموصوفين أَنهم مَتى صَارُوا بصدد أَن يطالبوا بِمَا عَلَيْهِم من الدُّيُون انخلعوا عَن أَمْوَالهم بِالْإِقْرَارِ بهَا لغَيرهم وَلَكِن يسْتَلْزم لَا محَالة ظُهُور إمارات الْفلس

(1/293)


@ عَلَيْهِم عِنْد صيرورتهم بِتِلْكَ الْحَالة وَمَعْلُوم أَنه يحْجر إِذا ظَهرت أَمَارَات فلسه بِأَن يكون خرجه أَكثر من دخله فَإِنَّهُ يحْجر عَلَيْهِ وَإِن كَانَ مَاله أَكثر من دينه على وَجه صَحِيح ادّعى بَعضهم أَنه مَذْهَب الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ وَهُوَ الْقيَاس وَهُوَ الْمُخْتَار فَكَذَلِك إِذا ظَهرت أَمارَة فلسه بِسَبَب آخر فَإِنَّهُ لَا اثر للِاخْتِلَاف الْمَبْنِيّ على الِاتِّفَاق فِي الْعلَّة وَعند هَذَا فَيَنْبَغِي إِذا ثَبت الدّين عِنْد الْحَاكِم وَغلب على ظَنّه أَن الْمَدْيُون ينخلع من مَاله بِوَاسِطَة الْإِقْرَار بِهِ لغيره وَسَأَلَهُ الْغَرِيم الْحجر عَلَيْهِ لذَلِك فَلهُ الْحجر عَلَيْهِ وَلَا فرق فِي ذَلِك بَين أَن يشهر ذَلِك فِي أهل بَلَده أَو لَا يشهر إِلَّا فِيمَا يرجع إِلَى ثوران الظَّن وَظُهُور هَذِه الأمارة وَعدم ظُهُورهَا فَإِذا ظهر اشتهار فِي الْبَلَد عَن الْحَاكِم من مديون أَنه بصدد أَن يفلس نَفسه بِوَاسِطَة الْإِقْرَار وَغلب على ظَنّه ذَلِك فَالْأَمْر فِي الْجمع عَلَيْهِ على مَا تقدم
وَالَّذِي حكى الإِمَام أَبُو الْمَعَالِي وتلميذه الْغَزالِيّ فِي كتاب الشَّهَادَات عَن القَاضِي أَنه رأى الْحجر عَلَيْهِ إِذا كَانَ ذَا مجَال وحيلة إِذا فرض ذَلِك فِيمَا إِذا كَانَ احتياله بِإِخْرَاج مَاله عَن ملكه فرأيه رَأْي صَحِيح لالتحاقه بالقبيل الَّذِي ذَكرْنَاهُ وَإِن كَانَ مُجَرّد المطال وَنَحْوه فَلَيْسَ كَذَلِك وَلَيْسَ هَذَا من قبيل الْحجر على المُشْتَرِي فَإِن التَّوَصُّل إِلَى إِيصَال البَائِع الى الْعِوَض كَمَا وَجب وصل المُشْتَرِي إِلَى الْعِوَض الآخر نظرا لما تَقْتَضِيه الْمُعَاوضَة من التَّسْوِيَة بَين المتعاوضين فِي مثل ذَلِك وَلذَلِك ثَبت الْحجر وَإِن لم يكن الْمَدْيُون مُفلسًا وَلَا ظَهرت عَلَيْهِ أَمارَة الْفلس وَلَا هُوَ ذَا حِيلَة ومطال وَإِذا حكم الْحَاكِم بذلك نفذ حكمه لم يكن لأحد نقضه بِشَرْط أَن يصدر ذَلِك مِنْهُ بِنَاء على اجْتِهَاد إِن كَانَ من أهل الِاجْتِهَاد وَإِن لم يكن فمقلد الْمُجْتَهد يرى ذَلِك مِمَّن يجوز لَهُ تَقْلِيده وَالله أعلم

(1/294)


- مَسْأَلَة رجل تولى يَتِيما ولَايَة شَرْعِيَّة وَاحْتَاجَ الْوَلِيّ أَن يَأْكُل من مَال الْيَتِيم شَيْئا فَمَا شَرط الْحَاجة وَمَا مِقْدَار مَا يَأْخُذ من مَال الْيَتِيم وَهل يجوز لَهُ أَن ينْفَرد باستباحته بِمَا يَأْخُذهُ أم لَا بُد من إِذن الْحَاكِم وَلَو عجز من اثبات كَونه نَاظرا فَهَل يجوز لَهُ ذَلِك بِغَيْر اذن الْحَاكِم أم لَا وَهل اذا عمل سنة مُتَبَرعا بِالْعَمَلِ وَلم يَأْخُذ شَيْئا واستدان فِي تِلْكَ السّنة مَا أنفقهُ على نَفسه يجوز لَهُ أَن يَأْخُذ مَا يقْضِي بِهِ دين السّنة الْمَاضِيَة وَهل مَا يَأْخُذهُ يكون مِنْهُ بَرِيء الذِّمَّة مُطلقًا أم يجب رد مثله إِذا اسْتغنى
وَلَعَلَّ النَّاظر فِي هَذِه الْفتيا يصرف عنايته إِلَى تدبر ذَلِك مفصلا فمعتما لِلْأجرِ معينا للمستفتي على بَرَاءَة ذمَّته إِن شَاءَ الله تَعَالَى
وَهل يجوز للْوَلِيّ إِذا كَانَ عَلَيْهِ دين أَن يقترض من مَال الْيَتِيم شَيْئا ويوفي بِهِ دينه إِذا اضْطر ثمَّ يُعِيدهُ إِن شَاءَ الله تَعَالَى وَهل إِذا كَانَ الْوَلِيّ من ذَوي اليهآت يجوز لَهُ مَا لَا يجوز لمن دونه فِي الزِّيَادَة فِي الْجعل على الْعَمَل وَهل حكم الْمُتَوَلِي لوقف على جِهَة الأسرى حكم الْمُتَوَلِي على يَتِيم معِين فِيمَا ذكر وَوصف وَهل اذا كَانَ المتوكي مُتَوَلِّيًا على جِهَات مُتعَدِّدَة وأيتام متعددين وَجَاز لَهُ الْأكل من ذَلِك يقسط على كل بِحِصَّتِهِ أم يَأْكُل مِمَّن أَرَادَ من أَكثر الْمَوْقُوف فعلا أَو مَالا حَاضرا وَالْمُتوَلِّيّ عَلَيْهِ دُيُون كَثِيرَة لَا قدرَة لَهُ على وفائها وَيحْتَاج إِلَى نَفَقَة فَمَا الَّذِي يجوز لَهَا من ذَلِك وَمَا الَّذِي يحرم وَمَا الَّذِي يكره
أجَاب رَضِي الله عَنهُ الْمُخْتَار أَنه يجوز لَهُ مَعَ فقره أَن يَأْخُذ من مَال موليه أقل الْأَمريْنِ من كِفَايَته وكفاية من تلْزمهُ نَفَقَته وَمن أجره مثل عمله ويستقل بِهَذَا من غير إِذن الْحَاكِم ثمَّ لَا يجب عَلَيْهِ رد بدله وَلَا يجوز للغني مثل ذَلِك اسْتِقْلَالا وَإِذا قدر لَهُ الْحَاكِم أُجْرَة مثل عمله جَازَ ذَلِك لَهُ وَإِن كَانَ غَنِيا وَهَذَا الَّذِي لَا يسْتَقلّ بِهِ من غير حَاكم وَلَا يشْتَرط فِيهِ فقر وَلَا يتَقَيَّد

(1/295)


@ بالكفاية فَإِذا لم يُوجد ذَلِك وَمضى زمَان واستدان فِيهِ مَا أنفقهُ لم يكن لَهُ قَضَاء دينه من مَال وليه لَا بِالِاعْتِبَارِ الأول وَلَا يُغَيِّرهُ وَلَا يجوز لَهُ الِاقْتِرَاض من مَال الْيَتِيم لحَاجَة نَفسه من غير حَاجَة للْيَتِيم إِلَى الِاقْتِرَاض
وَلَيْسَ لمتولي وقف الأسرى الْقسم الأول وَله الْقسم الثَّانِي وَهُوَ أَخذ أُجْرَة مثله بِتَقْدِير الْحَاكِم وَفِيمَا أصلته من اعْتِبَار أُجْرَة الْمثل جَوَاب عَمَّا فِي الْمسَائِل فَإِذا كَانَت كِفَايَته أقل من أُجْرَة عمله بالنسبه إِلَى عمله لكل يَتِيم فَالظَّاهِر أَن لَهُ أَخذهَا من مَال أَيهمْ شَاءَ وَالله أعلم
161 - مَسْأَلَة حَاكم من حكام الْمُسلمين تَحت يَده مَال الْأَيْتَام فطلبوا الْأَيْتَام أَمْوَالهم وأثبتوا أَصْلهَا فَهَل يرجع بهَا على تَرِكَة القَاضِي أم لَا وَهل إِذا أَقَامُوا وَرَثَة القَاضِي الْبَيِّنَة فِي حَال حَيَاته أَنه أقرّ أَنه صرف الى الْأَيْتَام كَذَا وَكَذَا زَائِدا على نَفَقَة الْمثل فَهَل يقبل قَوْله أم لَا
أجَاب رَضِي الله عَنهُ يجب ضَمَانهَا فِي تَرِكَة القَاضِي إِذا لم تُوجد وَوجد مِنْهُ تَفْرِيط بِأَن أقرّ ببقائها فِي مَرضه وَلم يبينها وَنَحْو ذَلِك أما إِذا كَانَ الْوَاقِع مُجَرّد عدم وجدانها بعده فَلَا ضَمَان لجَوَاز تلفهَا من غير تَفْرِيط مِنْهُ وَإِذا كَانَ قد أقرّ أَنه أنفقها على الْأَيْتَام ومقدارها زَائِد على مَا يَنْبَغِي من النَّفَقَة لأمثالهم فَعَلَيهِ ضَمَان الزَّائِد وَإِنَّمَا يعرف كَونه زَائِدا إِذا بَين جِهَة النَّفَقَة فَإِن قَالَ أنفقت ذَلِك فِي طعامهم وكسوتهم وَنَحْو هَذَا أما إِذا قَالَ أنفقتها عَلَيْهِم وَأطلق فَتعذر معرفَة كَونه زَائِدا على الْمَعْرُوف إِذا قد يكون قد عرض عَارض غير مُعْتَاد أوجب الانفاق من غير تَفْرِيط وَالله أعلم
162 - مَسْأَلَة حَاكم من حكام الْمُسلمين شَافِعِيّ الْمَذْهَب فِي يَده أَمْوَال لأيتام فعامل بهَا معاملات إِلَى آجال مُخْتَلفَة وغرماء مُخْتَلفَة مِنْهُم

(1/296)


@ الْفَلاح النازح والبدوي الراحل وَغَيرهم وَلم يستوثق بِالرَّهْنِ فَهَل يكون ذَلِك تفريطا مُوجبا للضَّمَان عَلَيْهِ أم لَا
أجَاب رَضِي الله عَنهُ نعم ذَلِك تَفْرِيط مِنْهُ مُوجب لضمان ذَلِك عَلَيْهِ وَالله أعلم
163 - مَسْأَلَة حَاكم من حكام الْمُسلمين تَحت يَده أَمْوَال أَيْتَام مُتعَدِّدَة فعامل لبَعْضهِم معاملات وَكتب بهَا وثائق وَلم يبين أَصْحَابهَا وَلَا مستحقيها بل فِيهَا أقرّ فلَان ابْن فلَان أَن عَلَيْهِ وَفِي ذمَّته للأيتام كَذَا وَكَذَا فَهَل يكون ذَلِك تفريطا مِنْهُ أم لَا وَهل يجب الضَّمَان أم لَا
أجَاب رَضِي الله عَنهُ إِذا لم يشْهد على المعامل بذلك الا هَكَذَا فَذَلِك تَفْرِيط مِنْهُ مضمن لَهُ وَالله أعلم
164 - مَسْأَلَة هَل يجوز للْحَاكِم أَن يَأْمر القوام على أَمْوَال الْيَتَامَى أَن يعاملوا بِأَمْوَالِهِمْ ويعملوا مَسْأَلَة الْعينَة كَمَا جرت الْعَادة الْيَوْم أَو يجب عَلَيْهِ أَن يَشْتَرِي لَهُ عقارا أَو عرُوضا للتِّجَارَة
أجَاب رَضِي الله عَنهُ أما الْعينَة فَلَا نأمر بهَا لكَونهَا مَكْرُوهَة وَأما استنماء أَمْوَالهم فَعَلَيهِ الْأَمر بذلك وَالسَّعْي فِيهِ ثمَّ يعين جِهَته من شِرَاء عقار أَو مَال تِجَارَة موكول إِلَى رَأْيه ورأي من ينصبه لذَلِك متتبعا مَا هُوَ الْأَصْلَح لَهُم وَالله أعلم
165 - مَسْأَلَة إِذا نصب الْحَاكِم أَمينا أَو حاضنة وَأذن لَهَا فِي الْإِنْفَاق على الطِّفْل كَذَا وَكَذَا درهما من مَالهمَا أَو مِمَّا يقترضانه ثمَّ جَاءَ

(1/297)


@ الْقيم وَادّعى نفقه ذَلِك الْقدر الْمَأْذُون عَلَيْهِ فِي الْمدَّة فَهَل يجب أَن يحلفهُ أت يسْتَحبّ
أجَاب رَضِي الله عَنهُ بل يجب تَحْلِيفه وَالله أعلم
166 - مَسْأَلَة فرض لصغير قدرا مَعْلُوما لنفقته وَكسوته كل شهر كَذَا وَكَذَا فِي مَاله وَأذن لحاضنه أما أَبوهُ أَو أمه أَو وَصِيّه أَو من أَقَامَهُ الْحَاكِم منفقا عَلَيْهِ أَن يستدين ذَلِك وَيصرف عَلَيْهِ أَو يُنْفِقهُ عَلَيْهِ من مَاله ثمَّ يرجع بِهِ على مَال الصَّغِير وَأشْهد الْحَاكِم على نَفسه بِهَذَا الْإِذْن وَمَضَت مُدَّة سنة مثلا فَحَضَرَ الْمَأْذُون لَهُ فِي الْإِنْفَاق وَطلب من هَذَا الْحَاكِم الْإِذْن لَهُ أَن يعوض عَمَّا أنفقهُ من مَال الصَّغِير بِقدر مَا أنفقهُ أما من مَاله أَو مِمَّا استدانه وَذكر أَنه صرف ذَلِك من مَاله واستدانه فَهَل للْحَاكِم أَن يحلفهُ الْيَمين الشَّرْعِيَّة أَنه مُسْتَحقّ الرُّجُوع فِي مَال الصَّبِي بذلك بمتقضى مَا صرفه فِي نَفَقَته وَأَنه صرف ذَلِك أم لَا وَهل تكون الْيَمين مُسْتَحبَّة أَو وَاجِبَة أَو لَا يجب وَلَا يسْتَحبّ وَالْحَالة هَذِه
أجَاب رَضِي الله عَنهُ يحلفهُ وجوابا على مَا ذكره من مُوجب اسْتِحْقَاقه الرُّجُوع واستحقاقه فانه حكم على الصَّغِير وَالله أعلم
167 - مَسْأَلَة رجل أثبت دينا على غَائِب وَبَاعَ الْحَاكِم دَاره فِي وَفَاء الدّين ثمَّ حضر الْغَائِب وأبطل اسْتِحْقَاق الدّين عَلَيْهِ بفسق الشُّهُود أَو بابقاء الدّين والبراءة مِنْهُ هَل يبطل بيع الْحَاكِم للدَّار أم لَا
وَإِذا مَاتَ رجل وَله أَطْفَال فأنفق عَلَيْهِم الْحَاكِم أَو الْوَصِيّ مَا خَلفه مُورثهم ثمَّ ظهر على الْمُورث دين بعد نَفاذ المَال النَّفَقَة هَل يرجع بِهِ

(1/298)


@ الْغَرِيم على الْمُنفق أم على الْأَطْفَال وينتظر بِهِ حُصُول مَالهم أم لَا يرجع
أجَاب رَضِي الله عَنهُ نعم يبطل الْمَذْكُور وللغريم الْمَذْكُور تضمين الْمُنفق وَأما الْأَطْفَال فان كَانُوا قد أتلفوا شَيْئا من عين التَّرِكَة أكلا وَغَيره فللغريم تضمينهم وَإِذا ضمنه الْوَلِيّ كَانَ لَهُ الرُّجُوع بِهِ عَلَيْهِم وَأما مَا اشْتَرَاهُ لَهُم فِي الذِّمَّة ثمَّ نفذ فِيهِ من عين التَّرِكَة كَمَا هُوَ الْمُعْتَاد فَلَا ضَمَان فِيهِ على الْأَطْفَال وَالله أعلم
168 - مَسْأَلَة وَردت من بعض الْقُضَاة أَمْوَال أَيْتَام أهل الذِّمَّة إِذا كَانَت بِأَيْدِيهِم وَلم يترفعوا فِيهَا إِلَيْنَا فَهَل على الْحَاكِم الْكَشْف عَنْهَا وَذكر السَّائِل أَنه لم يجد فِيهَا نقلا عَن أَصْحَابنَا
أجَاب رَضِي الله عَنهُ أَن الْحَاكِم لَيْسَ لَهُ التَّعَرُّض فِيهَا بالكشف وَغَيره مهما لم يترافعوا فِيهَا اليه وَلم يتَعَلَّق بهَا حق لمُسلم فَإِن الْقَاعِدَة المقعدة فِيمَا يجْرِي من أحكامنا عَلَيْهِم وَمَا لَا يجْرِي إِنَّمَا هُوَ إِذا تعلق لمُسلم من الحكومات أَو كَانَ مَحْظُورًا فِي ديننَا وَدينهمْ من مُوجبَات الْعُقُوبَات كَالزِّنَا وَغَيره وأحكامنا فِيهِ جَارِيَة عَلَيْهِم شَاءُوا أَو أَبَوا وَلَا يجْرِي عَلَيْهِم فِيمَا سوى ذَلِك إِلَّا إِذا رَضوا بحكمنا
ثمَّ ورد من قَاض آخر هَل للْحَاكِم النّظر فِي وقف الْكَنَائِس فتأملت واستخرت الله تَعَالَى وأجب بِمثل مَا تقدم وَأَنه لَيْسَ لَهُ ذَلِك إِلَّا برضاهم وَالله أعلم
169 - مَسْأَلَة ذمِّي لَهُ حَائِط فِي ملكه ولشخص مُسلم عَلَيْهِ طرح

(1/299)


@ خشب والحائط مستهدم وَقد امْتنع الْمُسلم من الْعِمَارَة فِيهِ مَعَ الذِّمِّيّ فَهَل يلْزمه الشَّرْع بِأَن يعمر مَعَه أم لَا وَإِن عمره الذِّمِّيّ دونه من مَاله فَهَل يلْزمه الْعِمَارَة بِقدر مَا يُوجب عَلَيْهِ وَهل للذِّمِّيّ إِذا عمر الْحَائِط بِآلَة مستجدة أَن يمْنَع الْمُسلم من الرّكُوب على الْحَائِط إِلَى أَن يُوصل اليه قِيمَته مَعَ الغرامة
أجَاب رَضِي الله عَنهُ لَا يلْزم الْمُسلم أَن يعمر مَعَه إِذا كَانَ نفس الْحَائِط كُله لَهُ وَلَيْسَ للْمُسلمِ فِيهِ إِلَّا حق الرّكُوب وَلَا يلْزم الْمُسلم وَالْحَالة هَذِه شَيْء من غَرَامَة ذَلِك إِذا بناه بِآلَة جَدِيدَة عِنْد تعذر بنائِهِ على الْآلَة الْقَدِيمَة فَذَلِك جَائِز وَله منع صَاحب الرّكُوب حَتَّى يبْذل حق الرّكُوب
170 - مَسْأَلَة رجل لَهُ دَار ملك لَهُ وحيطان الدَّار خَاص لَهُ ولرجل آخر حمل خشب على بعض حيطان هَذِه الدَّار بِحَق وَاجِب لَهُ ثمَّ إِن الْحَائِط الَّذِي لَهُ عَلَيْهِ حمل الْخشب استهدم فَطلب صَاحب حمل الْخشب من صَاحب الدَّار أَن يصلح الْحَائِط فَهَل يجب على رب الدَّار إصْلَاح حَائِطه يضع عَلَيْهَا خشبه
أجَاب رَضِي الله عَنهُ وَاخْتَارَ هَذَا الْجَواب نعم يلْزمه وَالله أعلم
171 - مَسْأَلَة قَالَ رَضِي الله عَنهُ يمْنَع أهل الذِّمَّة من إشراع الأجنحة إِلَى طَرِيق الْمُسلمين وَمن أجَازه فقد غلط وَإِن جَازَ لَهُم الطروق لِأَنَّهُ كإعلائهم الْبناء على بِنَاء الْمُسلمين بل أبلغ وَهِي مَسْأَلَة ذَات وَجْهَيْن قد ذكرهَا الشَّاشِي وَأَيْضًا فهم تبع للْمُسلمِ

(1/300)


@ فِي الطَّرِيق ويضطرون مِنْهَا الى أضيقها وَالله أعلم
172 - مَسْأَلَة رجل لَهُ مَاء مُسْتَحقّ يجْرِي من قناة إِلَى ملكه وَطَرِيق المَاء فِي ملكه وَغير ملكه فتهدم طَرِيق المَاء فِي غير ملكه بِفعل ملاك الأَرْض وَبِغير فعلهم فَهَل على ملاك الأَرْض إصْلَاح مَا تهدم من طَرِيق المَاء فِي أَرضهم إِذا كَانَ مجْرَاه برسم قديم وَعَادَة مُسْتَقِرَّة
أجَاب رَضِي الله عَنهُ نعم يجب عَلَيْهِم إصْلَاح ذَلِك إِذا كَانَ عَلَيْهِم إِجْرَاء المَاء فِي أَرضهم حَقًا لَازِما هَذَا هُوَ الْأَصَح
173 - مَسْأَلَة رجل لَهُ دَار وَإِلَى جَانبهَا عَرصَة ميزاب الدَّار يَرْمِي إِلَى الْعَرَصَة ثمَّ بَاعَ الْعَرَصَة فَهَل لمشتريها الْمَنْع من ذَلِك
أجَاب رَضِي الله عَنهُ إِن كَانَ ذَلِك مُسْتَندا إِلَى اجْتِمَاع المكانين فِي ملك مَالك وَاحِد وَكَونه مَالِكًا للتَّصَرُّف فِيهَا بِهَذَا النَّوْع من التَّصَرُّف وَغَيره فَلَا يبْقى ذَلِك لَهُ بعد خُرُوج الْعَرَصَة من ملكه لزوَال ذَلِك الْمَعْنى الَّذِي كَانَ هُوَ المبنى وَإِن كَانَ ذَلِك مَبْنِيا على سَبَب سَابق على اجْتِمَاعهمَا فِي ملكه أوجب جعل هَذَا حَقًا من حُقُوق الْملك الَّذِي فِيهِ الْمِيزَاب لَازِما فَذَلِك مُسْتَمر بعد بَيْعه الْعَرَصَة فَلَا يجوز لمشتريها الْمَنْع من ذَلِك وَالله أعلم
174 - مَسْأَلَة فِي قناة تَحت جِدَار شخص احْتَاجَ صَاحبهَا الى كشفها فَمَنعه صَاحب الْجِدَار فَهَل يلْزم بذلك
أجَاب رَضِي الله عَنهُ نعم إِذا كَانَ بِحَق ثَابت لَازم وَتعذر مَا هُوَ الْمُسْتَحق من جَرَيَان المَاء فِيهَا إِلَّا بالكشف عَنْهَا والحفر عَلَيْهَا وعَلى الْحَافِر أَن يغرم أرش النَّقْص وَمِمَّا نستشهد بِهِ فِي مثل هَذَا من المسطور أَن من

(1/301)


@ لَهُ حق المَاء فِي ملك الْغَيْر لَهُ الدُّخُول إِلَيْهِ لاصلاح المجرى فِي الْبَسِيط وَغَيره فَإِذا وَقع دِينَار فِي محبرة من غير تَفْرِيط من صَاحبهَا فَلصَاحِب الدَّار الدِّينَار كسرهَا وَإِخْرَاج الدِّينَار مَعَ غرامته أرش الْكسر لأَنا لَو منعنَا لضاع حَقه من غير بدل وَإِذا جَوَّزنَا لَهُ الْكسر فَلَا يضيع حق صَاحب المحبرة لما ثَبت لَهُ من أَرض النَّقْص
175 - مَسْأَلَة رجل ملك قِطْعَة أَرض وَكَانَ قد أخرج من بعض حُدُودهَا من قديم طَرِيق رجل لَهُم فِيهَا التطرق إِلَى أملاكهم لَيْسَ لَهُم سوى التطرق وَقد بنى مَالك الأَرْض الْيَوْم فِيهَا إِلَى جَانب الطَّرِيق الْمَذْكُور مسكنا فَهَل لَهُ أَن يفتح بَابا إِلَى الطَّرِيق وَهل لمن لَا يملك فِي الطَّرِيق سوى التطرق مَنعه من ذَلِك أم لَا
أجَاب رَضِي الله عَنهُ نعم للْمَالِك ذَلِك إِذا لم يقْتَرن بذلك إِضْرَار لحق من لَهُ التطرق فِيهَا وَلَيْسَ لَهُم مَنعه من ذَلِك وَالله أعلم
مَسْأَلَة رجل لَهُ على رجل دين وعَلى رب الدّين دين لرجل آخر فأحال صَاحب الدّين الأول صَاحب الدّين الثَّانِي على غَرِيمه والدينان متساويان قدرا وجنسا وَلم يرض الْمحَال عَلَيْهِ وَلَا حضر وَقُلْنَا بِالصَّحِيحِ وَأَنه لَا يفْتَقر إِلَى رِضَاهُ فأحضر الْمحَال الْمحَال عَلَيْهِ وَادّعى عَلَيْهِ بِالدّينِ بِسَبَب الْحِوَالَة فاعترف أَنه كَانَ عَلَيْهِ الدّين واعترف أَنه أحَال الْمُدَّعِي بذلك وَلكنه ادّعى أَن الْمُحِيل أَبرَأَهُ من الدّين الَّذِي كَانَ لَهُ عَلَيْهِ قبل وجود الْحِوَالَة وَأَرَادَ إِقَامَة الْبَيِّنَة بِالْإِبْرَاءِ فَهَل تسمع دَعْوَاهُ بذلك وَإِقَامَة الْبَيِّنَة مَعَ حُضُور الْمُحِيل فِي الْبَلَد وغيبته عَن مجْلِس الحكم وَإِمْكَان إِحْضَاره إِذْ الْغَرَض دفع الْمحَال عَن دَعْوَاهُ أم لَا تسع إِلَّا بِحُضُور الْمُحِيل والتفريغ على أَن الدَّعْوَى على الْحَاضِر فِي الْبَلَد لَا تسمع إِلَّا بِحُضُورِهِ

(1/302)


@
أجَاب رَضِي الله عَنهُ يجوز ذَلِك من غير حُضُور الْمُحِيل الْحُضُور الْمُعْتَبر وَيَكْفِي حُضُور الْمُحْتَال الْمُدَّعِي مصير ذَلِك لَهُ وَإِلَيْهِ وَالله أعلم
وَمن كتاب الْوكَالَة
771 - مَسْأَلَة رجل وكل وَكيلا وكَالَة مُطلقَة يتَصَرَّف فِي أَمْوَاله كَيفَ شَاءَ بِالْبيعِ وَالشِّرَاء وَالْأَخْذ وَالعطَاء وَأذن لَهُ فِي الْأكل وَمَا أَرَادَ على طَرِيق الْإِبَاحَة فَهَل إِذا أَخذ من أَمْوَاله مثلا مائَة دِرْهَم هَل يحل بِالْإِبَاحَةِ الْمُطلقَة وَهل إِذا أَبرَأَهُ الْمُوكل وَقَالَ أَنْت فِي حل من كل حق يبرأ وَالْحَالة هَذِه
أجَاب رَضِي الله عَنهُ إِذا كَانَ لفظ الْإِبَاحَة شَامِلًا لذَلِك أخذا أَو صرفا فِيمَا يُرِيد أَن يَفْعَله بهَا جَازَ لَهُ ذَلِك وَإِذا أَبرَأَهُ من كل حق لَهُ عَلَيْهِ برِئ من الْجَمِيع وَإِن لم يعين وَالله أعلم
178 - مَسْأَلَة رجل وكلته زَوجته وكَالَة مُطلقَة فِي تَخْلِيص حُقُوقهَا فأحضر الزَّوْج الْوَكِيل رجلا إِلَى مجْلِس حَاكم من حكام الْمُسلمين وَادّعى عَلَيْهِ لزوجته ولأختها دَعْوَى شَرْعِيَّة فَأنْكر الْمُدَّعِي عَلَيْهِ تِلْكَ الدَّعْوَى فأحضر الزَّوْج الَّذِي هُوَ وَكيل زَوجته وَأُخْتهَا لِأَبِيهِ فَشهد أَبُو الْوَكِيل عِنْد الْحَاكِم على الْمُدَّعِي عَلَيْهِ الْمُنكر بِتِلْكَ الدَّعْوَى فَهَل تقبل شَهَادَته أم لَا
أجَاب رَضِي الله عَنهُ الظَّاهِر أَنه تقبل شَهَادَة وَالِد الْوَكِيل لمُوكلِه وَإِن كَانَ الْمُوكل زَوجته وَإِن كَانَ فِيهَا تَصْدِيق لِابْنِهِ فِي شَهَادَته كَمَا يقبل شَهَادَة الْأَب وَالِابْن مَعًا فِي قَضِيَّة وَاحِدَة وَالله أعلم
179 - مَسْأَلَة كَانَ ورد من زمَان فِي شخص وَكله آخر فِي

(1/303)


@ مخاصمة شخص فطولب الْوَكِيل باثبات أَهْلِيَّة الْوكَالَة بِإِثْبَات كَونه مُطلق التَّصَرُّف فَهَل عَلَيْهِ إِثْبَات ذَلِك
أجَاب رَضِي الله عَنهُ إِذا ثَبت تَوْكِيل الْمُوكل لَهُ مُقيما إِيَّاه فِي ذَلِك مقَام نَفسه كَانَ كنفسه لَو ادّعى وكسائر المدعين فِي أَنهم لَا يطالبون فِي سَماع دعاويهم باثبات هَذَا أما لِأَن قصاراه أَن يَجْعَل ذَلِك جملَة وَالدَّعْوَى بطرِيق الضَّمَان حَتَّى كَأَنَّهُ ادّعى صَرِيحًا أَنه مُطلق التَّصَرُّف وَأَنه يسْتَحق تَسْلِيم مَا يَدعِيهِ إِلَيْهِ ودعواه بِكَذَا مسموعة لَا محَالة وَأما أَنه يَكْتَفِي فِي ذَلِك بِظَاهِر الْحَال كَمَا اكْتفى بِهِ فِي الشَّهَادَة على الْإِقْرَار فِي أَنه لَا يجب التَّعَرُّض لكَون الْمقر طَائِعا عَاقِلا بَالغا صَحِيحا وَاشْتِرَاط التَّعَرُّض لذَلِك وَجه بعيد فِي الْبَسِيط وَغَيره أَنه على خلاف الْمَذْهَب الْمَشْهُور وَلَا جَوَاب لهَذَا الْوَجْه فِي توقف صِحَة الدَّعْوَى على مَا تقدم ذكره فانه يشبه أَن يكون خرقا للْإِجْمَاع وَالله أعلم
ثمَّ حدث بعد ذَلِك نظيرة لَهَا وَهِي شخص أثبت دينا على ميت وَأقَام الْبَيِّنَة على ورثته بِأَنَّهُم قبضوا من تركته من مُدَّة مَا يُوفي ذَلِك الدّين فَهَل على الْمُدَّعِي إِثْبَات رشد من كَانَ مِنْهُم تَحت الْحجر عَن موت الْمَدِين فِي صِحَة دَعْوَاهُ عَلَيْهِم أم لَا
أجَاب رَضِي الله عَنهُ يجوز ذَلِك وَإِن صِحَة الدَّعْوَى وَإِقَامَة الْبَيِّنَة لَا يتوقفان على إِثْبَات الرشد لمثل مَا تقدم وَأَيْضًا فَمَا ادَّعَاهُ من التَّصَرُّف فِي التَّرِكَة على وَجه يلْزم بإيفاء الدّين لَا يتَوَقَّف حُصُوله على الرشد لتصوره من غير الرشد أَيْضا بل يُمكن الْمُدَّعِي عَلَيْهِ أَن يتَّخذ دَعْوَاهُ عدم الرشد دافعا للمطالبة عَنهُ إِلَى وليه فاذا ادّعى كَونه بعد غير رشيد فَالْقَوْل قَوْله مَعَ يَمِينه وَالْمُدَّعِي محوج فِي تَوْجِيه الْمُطَالبَة نَحوه إِلَى إِثْبَات رشده بِالْبَيِّنَةِ وَإِلَّا فليوجه

(1/304)


@ الْمُطَالبَة على وليه ليَقَع الْإِلْزَام فِي مَاله وَالله أعلم
وَأما الدَّعْوَى نَفسهَا وَإِقَامَة الْبَيِّنَة بِإِثْبَات مضمونها فَلَا يتَصَرَّف بذلك عَنهُ وَلَيْسَ دون الْمَيِّت وَالله أعلم ثمَّ وجدته مسطورا أَن الدَّعْوَى عَلَيْهِ تسمع إِلَّا إِذا لم يكن للْمُدَّعِي بَيِّنَة فينبني على أَن الْيَمين مَعَ النّكُول كَالْإِقْرَارِ أَو الْبَيِّنَة وَالله أعلم
180 - مَسْأَلَة الْوَكِيل فِي الْخُصُومَة إِذا صدقه الْمُدَّعِي عَلَيْهِ فِي كَونه وَكيلا فَهَل تسمع دَعْوَاهُ لإِثْبَات الْحق وَذكر أَن كَلَام ابْن الصّباغ يدل على أَنَّهَا لَا تسمع وَإِن صدقه يَعْنِي قَول صَاحب الشَّامِل أَن الَّذِي يَجِيء على أصلنَا أَنه لَا يسمع دَعْوَاهُ لِأَن الْوَكِيل فِي الْخُصُومَة لَا يَصح أَن يَدعِي قبل ثُبُوت وكَالَته قَالَ السَّائِل مَا مَعْنَاهُ لكنه لم يتَعَرَّض لِأَن ذَلِك كَذَلِك فَإِن كَانَ مَقْصُوده إِثْبَات الْحق دون الْقَبْض وَقد ذكر الْأَصْحَاب وَجْهَيْن فِي سَماع الدَّعْوَى الَّتِي يقْصد بهَا إِثْبَات الْحق دون الْمُطَالبَة وَيظْهر أَن هَذَا مثله ويتصل بِهَذَا أَن الْوَكِيل لَو أَقَامَ الْبَيِّنَة على الْوكَالَة وَالْحَالة هَذِه فَهَل تسمع مَعَ صدق الْمُدَّعِي عَلَيْهِ
أجَاب رَضِي الله عَنهُ أَنه تسمع وَالْحَالة هَذِه دَعْوَى الْوَكِيل على الْمُدَّعِي عَلَيْهِ لأصل الْحق وَمَا لإثباته عَلَيْهِ وَعَلِيهِ محاكمة الْوَكِيل فِي ذَلِك ومخاصمته لتسليم الْحق اليه واستحقاقه أَخذه مِنْهُ حَتَّى تثبت وكَالَته وتصديقه

(1/305)


@ لَهُ فِي كَونه وَكيلا لَا يسْتَلْزم سَماع لهَذَا لِأَنَّهُ وَإِن ثَبت الْحق عَلَيْهِ فَلَا يلْزم تَسْلِيمه إِلَّا على وَجه يُبرئهُ مِنْهُ وتسليمه إِلَى الْوَكِيل الَّذِي لم يثبت على الْمُوكل بوكيله لَا يُبرئهُ مِنْهُ فَإِنَّهُ إِذا أنكر تَوْكِيله إِيَّاه فَالْقَوْل قَوْله مَعَ يَمِينه وَإِذا حلف بقيت مُطَالبَته لمن عَلَيْهِ الْحق بِحَالهِ وَالله أعلم
181 - مَسْأَلَة رجل وكل رجلَيْنِ فِي الْمُطَالبَة بحقوقه هَل يَسْتَفِيد بِهَذِهِ الْوكَالَة الْمُطَالبَة بِحَق تجدّد بعْدهَا ثُبُوته للْمُوكل أم لَا
أجَاب رَضِي الله عَنهُ مُجَرّد كَونه ثَبت بعد الْوكَالَة لَا يمْنَع من تنَاولهَا لَهُ كَمَا لَو وَكله فِي بيع ثَمَرَة شَجَرَة لَهُ قبل إثمارها وَأَنه صَحِيح وَذَلِكَ مسطور وَالْفرق بِكَوْنِهِ مَالِكًا لأصلها لَا يَصح فِي هَذَا فَإِذا كَانَت هَذِه الْوكَالَة الْمُطلقَة جَارِيَة على وَجه الصِّحَّة اسْتَفَادَ بهَا ذَلِك وَالْوكَالَة بالمطالبة بِجَمِيعِ حُقُوقه صَحِيحَة وَمِمَّنْ قطع بِصِحَّتِهَا من المصنفين الشَّيْخ أَبُو حَامِد فِي التَّعْلِيق وَصَاحب الشَّامِل وَفرق بَين هَذَا وَبَين مَا إِذا قَالَ وَكلتك فِيمَا الي من التَّصَرُّفَات فَفِيهِ وَجْهَان لكَونه هَذَا خص نوعا وميزه وَذَلِكَ ينتشر فِي الْأَنْوَاع وَالله أعلم لَكِن فِي الْوَسِيط أَنه لَا يَصح التَّوْكِيل فِي طَلَاق زَوْجَة سينكحها أَو بيع عبد سيملكه غير أَنه يجوز أَن يسْتَثْنى مَا ينْدَرج فِي ضمن الْعُمُوم وَالْوكَالَة الْمُطلقَة فِي تَعْلِيق الشَّيْخ أبي حَامِد فِي مَسْأَلَة تَوْرِيث ذَوي الْأَرْحَام أَنه لَو جَازَ ذَلِك فِيمَا ملكه الْآن وَفِيمَا ملكه يعد صَحَّ وَالله أعلم
وَمن كتاب الشّركَة
182 - مَسْأَلَة رجلَانِ اتفقَا على عمَارَة فرن فِي أَرض مُسْتَحقَّة

(1/306)


@ لأَحَدهمَا وَعقد الشّركَة على أَن يكون جَمِيع مَا يَنُوب الْعِمَارَة على مُسْتَحقّ الأَرْض وعَلى الشَّرِيك الآخر عمل يَده وَأَن يكون مَا يحصل من الْمغل سنة بَينهمَا لمستحق الأَرْض ثلثه وللشريك الآخر الثُّلُثَانِ على أَن يخبز بِيَدِهِ وَيكون مَا يلْزم الْخبز من الْمُؤَن بَينهمَا على قدر أنصبتهما فَمَا حكم هَذِه الشّركَة وَمَا حكم الشَّرِيكَيْنِ فِيهَا وَإِذا ادّعى الشَّرِيك الخباز أَنه دفع لشَرِيكه شَيْئا مِمَّا حصل من الْمغل وَأنكر الْمُدَّعِي عَلَيْهِ فَهَل يكون القَوْل قَول الْمُدَّعِي أم لَا
أجَاب هَذِه الشّركَة بَاطِلَة وَمَا حصل من أجور الْخبز فِيهِ إِذا جرى الْأَمر فِيهِ على مَا شرطناه يقسم بَينهمَا بِاعْتِبَار أحرة الْمثل فتقوم لمَالِك نفس الفرن أُجْرَة الفرن محميا ثلث الْحمى الْمَوْجُودَة فِي كل مرّة فَيُقَال كم أجرته وَهُوَ كَذَا على هَذِه الْحَالة وَيقوم لِلْعَامِلِ بيدَيْهِ أُجْرَة مثل عمله فِي الْخبز وَنَحْوه وَيُقَال أَيْضا كم يُسَاوِي ثلثا احمى الْحَاصِل فِي الفرن الَّذِي هُوَ بدل ثُلثي مُؤْنَته ثمَّ أضم هَذَا الى أُجْرَة عمل يَدَيْهِ ثمَّ يُقَابل بَين مَا حسبناه لِلْعَامِلِ وَمَا حسبناه لمَالِك الفرن وَيجمع بَينهمَا وَيَأْخُذ كل وَاحِد مِنْهُمَا من الْحَاصِل من أجور الْخبز على قدر نِسْبَة المحسوب لَهُ من أُجْرَة الْمثل إِلَى الْجُمْلَة المجتمعة من الْجَانِبَيْنِ وَالْعلم عِنْد الله تَعَالَى
وَإِذا تعذر عَلَيْهِمَا الْوُقُوف على تَحْقِيق ذَلِك فطريقهما أَن يصطلحا ويتراضيا بقسمة يتفقان عَلَيْهَا وَالله أعلم
هَذَا بَيَان الحكم فِي قسْمَة الْمثل ثمَّ أَنه يجب للْمَالِك على الْعَامِل أُجْرَة ثُلثي انتفاعه بالفرن بالخبز وَمَا يتبعهُ الَّذِي أَخذ هُوَ مغلها وَيجب لِلْعَامِلِ على الْمَالِك أُجْرَة الثُّلُث الثَّانِي من عمله الَّذِي أَخذ الْمَالِك مغلة وَإِن كَانَ

(1/307)


@ قد عمل فِي بِنَاء الفرن وعمارته وَجب أَيْضا عَلَيْهِ أُجْرَة ذَلِك وَإِذا ادّعى الخباز دفع شَيْء من الْمغل إِلَى الْمَالِك وَأنكر فَالْقَوْل قَول الْمُدعى عَلَيْهِ مَعَ يَمِينه إِذا لم يكن لَهُ بَيِّنَة وَالله أعلم
183 - مَسْأَلَة أَرْبَعَة اشْتَركُوا فِي حَانُوت ولأحدهم دَابَّة فَجَعلهَا بالتماسهم تعْمل فِي حمل حوائج الْحَانُوت عَارِية فَمَاتَتْ وَهِي تعْمل فِي الْحَانُوت
أجَاب رَضِي الله عَنهُ إِن مَاتَت وَهِي فِي أَيْديهم جَمِيعًا وَجب على الثَّلَاثَة المستعيرين ثَلَاثَة أَربَاع قيمتهَا وَقت التّلف وَهَكَذَا إِن مَاتَت فِي يَد مَالِكهَا وَلَكِن يجب حمل لحملة وَعمل تعمله للْجَمِيع على الْأَشْهر وَإِن كَانَت قد مَاتَت وَهِي فِي يَد مَالِكهَا خَاصَّة إِلَّا فِي عمل الْجَمِيع فَلَا يثبت عَلَيْهِم ضَمَان بِسَبَب مَا جرى من الْعَارِية وَالله أعلم
وَفِي التَّهْذِيب إِذا قَالَ لصَاحب الدَّابَّة احْمِلْ متاعي فَحَمله وَتَلفت الدَّابَّة كَانَ على صَاحب الْمَتَاع ضَمَانهَا
184 - مَسْأَلَة شخصان تشاركا فِي مَتَاع فَمَاتَ أَحدهمَا فِي نَاحيَة الْمغرب وَخلف بَيْتا فَحمل الشَّرِيك بَاقِي الْمَتَاع الْمُشْتَرك وسافر بِهِ إِلَى الْيمن فَبَاعَ هُنَاكَ الْجَمِيع على نَفسه وعَلى الْيَتِيم بِثمن فِي الذِّمَّة ثمَّ اشْترى مِمَّن بَاعه مَتَاعا آخر بِثمن فِي الذِّمَّة لنَفسِهِ ولليتيم بِنَاء على أَن يكون لَهُ حَظّ فِي حِصَّة الْيَتِيم من الرِّبْح وتقاصا أحد الثمنين بِالْآخرِ وَحمل هَذَا الْمَتَاع الى دمشق فَبَاعَهُ فِيهَا وكل ذَلِك من غير أَن يَأْذَن لَهُ فِي تَصَرُّفَاته فِي مَال الْيَتِيم مِمَّن يعْتَبر إِذْنه فِي ذَلِك فَهَل تقع تَصَرُّفَاته هَذِه عَن الْيَتِيم وَيصِح لَهُ غير مَوْقُوفَة على إجَازَة وليه ملحوظا فِي ذَلِك دفع الْعسر الناشيء فِي بيع الْأَمْتِعَة

(1/308)


@ الَّتِي تداولها الْأَيْدِي الْمُخْتَلفَة أَو مَوْقُوفَة على إجَازَة الْوَلِيّ فِيمَا تعسر تتبعه من تَصَرُّفَات الْفُضُولِيّ ثمَّ إِذا صَحَّ كل ذَلِك للْيَتِيم وَحصل الرِّبْح مُشْتَركا بَينه وَبَين الْيَتِيم على حسب اشتراكها فِي أصل المَال فَهَل يسلم لَهُ من حِصَّة الْيَتِيم من الرِّبْح الْقدر الَّذِي كَانَ طمع فِي حُصُوله لَهُ ويحسب لَهُ عَلَيْهِ مَا الْتزم فِيهِ من مُؤَن التِّجَارَة وَالسّفر وَإِن لم يسلم لَهُ ذَلِك فَهَل يجب لَهُ أُجْرَة الْمثل عَن عمله فِي نصِيبه وَلَا يَصح هَذِه التَّصَرُّفَات للْيَتِيم وَلَا تقع عَنهُ وَيكون بَيْعه لما بَاعَ من الْأَعْيَان الَّتِي ورث نصفهَا الْيَتِيم بَاطِلا فِي نصِيبه وينصرف الثّمن فِي الْأَمْتِعَة الَّتِي اشْتَرَاهَا على الِاشْتِرَاك إِلَيْهِ خَاصَّة لكَون الشِّرَاء فِي الذِّمَّة وَتَكون الْأَثْمَان وأرباحها كلهَا لَهُ لاحظ فِيهِ للْيَتِيم وَإِن كَانَ هَذَا حكمه فَكيف السَّبِيل إِلَى خلاصه من تبعات تَصَرُّفَاته الْمَذْكُورَة وَكَيف الْحِيلَة فِي أَن تَبرأ ذمَّته مِمَّا ثَبت عَلَيْهِ من ثمن الْأَمْتِعَة ان اشْتَرَاهَا مِنْهُ بِبِلَاد الْيمن مِمَّا قاصهم عَنهُ بِمَال الْيَتِيم وَهل إِذا غرم هَا هُنَا للْيَتِيم قيمَة مَا حصل من نصِيبه فِي أَيدي أُولَئِكَ المشترين يكون ذَلِك سَببا لخلاصه عَن مثل ذَلِك الْقدر مِمَّا استحقوه عَلَيْهِ من أَثمَان سلعهم نظرا إِلَى أَن يثبت لَهُ الرُّجُوع عَلَيْهِم بِمَا غرم من ذَلِك لكَون قَرَار الضَّمَان عَلَيْهِم
أجَاب رَضِي الله عَنهُ بَيْعه لمَال الْمُضَاربَة بعد موت رب المَال صَحِيح وَإِن لم يحل الْإِذْن لَهُ فِيهِ وَله ثمنه حِصَّته الْمَشْرُوطَة مِمَّا حصل فِيهِ من الرِّبْح ثمَّ تصرفه وَالْحَالة هَذِه بعد ذَلِك فِيمَا يخْتَص بالوارث تصرف فَاسد يدْخل بِهِ فِي ضَمَانه فَعَلَيهِ بدل مَا بَاعه للْمَيت من أَثمَان الْمَتَاع يُؤَدِّيه إِلَى ورثته وَمَا اشْتَرَاهُ بِثمن غير معِين أوفاه من مَال الْمَيِّت فَهُوَ يخْتَص بِهِ بربحه كُله لَا حق للْوَرَثَة فِيهِ وَالله أعلم
وَمن كتاب الْإِقْرَار
185 - مَسْأَلَة اذا أقرّ رجل بدين ثمَّ طلب من الْمقر لَهُ الْيَمين على

(1/309)


@ أَنه لم يكن مُضَارَبَة أقرّ بهَا دينا على عَادَة بعض النَّاس أَو على أَنه لم يكن مكْرها فَهَل لَهُ تَحْلِيفه
أجَاب رَضِي الله عَنهُ لَهُ أَن يحلفهُ على ذَلِك ويكفيه أَن يحلف على الِاسْتِحْقَاق فَلَا يُكَلف أَن يحلف على نفي الْمُضَاربَة وَالْإِكْرَاه على الْوَجْه الَّذِي طلب يَمِينه عَلَيْهِ فقد يكون ذَلِك الدّين ثَابت لَهُ بِسَبَب آخر
وَوجدت من مُدَّة من زمن الْفَتْوَى فِي تَعْلِيق القَاضِي الْحُسَيْن رَحمَه الله فِي مَسْأَلَة إقباض الرهون والمعروفة أَن مَا جرت بِهِ الْعَادة بكتابته فِي القبالات من قَوْله بِعْت واستوفيت الثّمن إِذا ادّعى فِيهِ أَنه مَا اسْتَوْفَاهُ وَكتب وَأقر على الْعَادة قبل جَرَيَانه فدعواه فِيهِ مسموعة وَلَكِن الْمقر لَهُ يحلف بِاللَّه بِأَنَّهُ دفع إِلَيْهِ الثّمن فَلَو قَالَ إِنِّي اسْتحق عَلَيْهِ الْألف يقبل وَيسمع لاحْتِمَال أَنه أتلف عَلَيْهِ شَيْئا من مَاله قيمَة ألف دِرْهَم كَأَنَّهُ مَفْرُوض فِيمَا لَو زَالَ البيع بَينهمَا وَأَرَادَ المُشْتَرِي الرُّجُوع عَن البَائِع بِالثّمن مؤاخذه لَهُ بِإِقْرَارِهِ الْمَذْكُور وَالله أعلم
186 - مَسْأَلَة شخص أقرّ أَنه قبض من فلَان كَذَا درهما وَسلمهُ إِلَى فلَان قَضَاء عَن دين على الْمَقْبُوض مِنْهُ وَمَات الْمقر والمقبوض مِنْهُ فَهَل لوَارث الْمَقْبُوض مِنْهُ الرُّجُوع فِي تَرِكَة الْمقر أم لَا
أجَاب رَضِي الله عَنهُ لَهُ الرُّجُوع هُنَا لِأَنَّهُ قد اعْترف لَهُ فِيهَا بِالْيَدِ وَبِأَن يَده فِيهَا مثبتة على يَده فَلَا يَزُول حكم الْيَد ومقتضاها من الْملك بقول القَاضِي عَليّ تجرده وَيبقى ذَلِك إِلَى أَن يثبت بِحجَّة

(1/310)


@ وَنَظِيره فِي الْمَنْقُول مَا ذكره صَاحب الرَّوْضَة وَصَاحب الإشراف من أَنه لَو قَالَ أخذت من فلَان ألفا كَانَ لي عِنْده قرضا فَإِنَّهُ يُؤمر برده عَلَيْهِ كإقراره بِكَوْنِهِ أَخذه من ملكه وَهُوَ قَول أبي يُوسُف وَمُحَمّد وَحَاصِله يرجع إِلَى أَنه أقرّ لَهُ بِالْملكِ فِيهِ وَادّعى انْتِقَاله وَلَا يقبل إِلَّا بِبَيِّنَة وَالله أعلم
187 - مَسْأَلَة رجل قَالَ فِي مرض مَوته أشهدوا عَليّ أَن جَمِيع مَالِي بعد موتِي لأخي فلَان وَله بنُون يحجبونه فَمَا حكم هَذَا القَوْل
أجَاب رَضِي الله عَنهُ لَا يَجْعَل هَذَا إِقْرَارا صَحِيحا لِأَخِيهِ

(1/311)


@ بالمالية فَإِن فِيهِ مَا يمْنَع ذَلِك من جِهَات إِحْدَاهَا كَمَا تقرر من أَن قَوْله اشْهَدُوا عَليّ لَيْسَ بِإِقْرَار بِخِلَاف قَوْله أشهدكم وَقب سبق وَالثَّانيَِة قَوْله مَالِي مُضَافا إِلَى نَفسه فَإِنَّهُ يُنَافِي صِحَة الاقرار وَالثَّالِثَة تَعْلِيقه على بعد الْمَوْت ثمَّ هُوَ كِنَايَة فِي الْوَصِيَّة فَإِن ثَبت أَنه أرادها نفذت فِي ثلث المَال بشرطها وَالله أعلم
188 - مَسْأَلَة رجل أقرّ لبيت المَال بأَرْبعَة أسْهم من بُسْتَان

(1/313)


@ وَأَرْبَعَة أسْهم من بُسْتَان آخر وهما إِذْ ذَاك ملك غَيره حكما وَفِي يَده ثمَّ أقرّ صَاحب الْيَد لهَذَا الْمقر من أحد البستانين بِثمَانِيَة أسْهم وتصادقا على كَون السِّتَّة عشر سَهْما لصَاحب الْيَد وَأقر لَهُ من الْبُسْتَان الآخر بسبعة أسْهم وتصادقا على أَرْبَعَة عشر سَهْما لصَاحب الْيَد لكَون ثَلَاثَة أسْهم وَقفا على جِهَة خَارِجَة فَهَل تصح هَذِه الأقارير أم لَا
أجَاب تصح هَذِه الأقارير إِذا كَانَ المقرين أَهلا للأقارير واستجمعت سَائِر شُرُوطهَا وَمِنْهَا أَن لَا يَجْعَل نفس الْإِقْرَار تَمْلِيكًا بل يكون إِقْرَاره إِخْبَارًا عَن ملك مُتَقَدم الثُّبُوت عَلَيْهِ وَكَانَ مَعَ ذَلِك صَادِقا ظَاهرا اخباره بذلك كباطنه ومطلقة فِي ظَاهر الحكم يحمل على الصدْق ويؤاخذ بِهِ وَالْمقر الْخَارِج يُؤَاخذ بعد إِقْرَار صَاحب الْيَد بِمَا أقرّ وَإِنَّمَا كَانَ ذَلِك لِأَن من أقرّ لغيره بِمَا هُوَ فِي يَد غَيره يُؤَاخذ بِهِ إِذا صَار بِإِقْرَار وَفِي صِحَة شِرَاءَهُ كَلَام ويراعى فِي إِقْرَاره هَذَا الشُّيُوع وَهَذَا فِيهِ خلاف وَفِي البيع أَيْضا إِذا قَالَ الشَّرِيك فِي النّصْف مثلا بِعْت النّصْف والشيوع فِي الْإِقْرَار لِأَنَّهُ قد يقر بِمَا فِي يَد غَيره وَله وَلغيره وَهُوَ مَذْهَب أبي حنيفَة رَضِي الله عَنهُ فِي الْإِقْرَار ايضا فقد غلب على الظَّن فَسَاد أصل الْإِقْرَار لبيت المَال هَا هُنَا فقصدت تقليل مَا يُؤْخَذ بِهِ مِنْهُ فيؤاخذ إِذا ظَاهر الْبَيْت المَال من الْبُسْتَان الَّذِي سلم لَهُ مِنْهُ بِالْإِقْرَارِ ثَمَانِيَة أسْهم بقيراط وَثلث قِيرَاط وَذَلِكَ حِصَّة الثَّمَانِية أسْهم من الأسهم الْأَرْبَعَة الْمقر بهَا ويؤاخذ من الْبُسْتَان الآخر بقيراط وَسدس وَالله أعلم
189 - مَسْأَلَة رجل أقرّ أَن أَوْلَاده قد ملكوا عَلَيْهِ كَذَا وَكَذَا ملكا صَحِيحا وانتقل إِلَيْهِم انتقالا مَاضِيا ثمَّ أَرَادَ الرُّجُوع فِي ذَلِك فَهَل لَهُ ذَلِك
أجَاب رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ إِن كَانَ قد أسْند الْملك فِي إِقْرَاره إِلَى البيع أَو غَيره من الْأَسْبَاب الَّتِي لَا يجوز الرُّجُوع مَعهَا فَلَيْسَ لَهُ الرُّجُوع وَإِن كَانَ مُطلقًا وَأَرَادَ الرُّجُوع فَلَيْسَ لَهُ الرُّجُوع أَيْضا إِلَّا أَن يَدعِي أَنه كَانَ بطرِيق

(1/314)


@ الْهِبَة وَيُرِيد الرُّجُوع فِيهَا فَالْقَوْل فِي ذَلِك قَوْله مَعَ يَمِينه على الْأَظْهر فَإِذا حلف كَانَ لَهُ الرُّجُوع إِلَّا أَن يكون قد وجد من الْوَلَد مَا يبطل رُجُوع الْوَاهِب من رهن أَو كِتَابَة أَو غَيرهمَا فَيمْتَنع حِينَئِذٍ الرُّجُوع من هَذِه الْجِهَة
وَهَذَا الَّذِي أَفْتيت بِهِ هُوَ الَّذِي أفتى بِهِ القَاضِي أَبُو سعد بن أبي يُوسُف الْهَرَوِيّ صَاحب الإشراف على غوامض الحكومات وَذكر أَن أَبَا الْحسن الْعَبَّادِيّ أفتى بِمَنْع الرُّجُوع متمسكا بِأَن الأَصْل بَقَاء الْملك وَتمسك بِأَن الْإِقْرَار الْمُطلق ينزل على أول الْبَنِينَ وأضعفهما كَمَا ينزل على أقل المقدارين استصحابا للْأَصْل الْقَدِيم وَهَذَا الأَصْل مُتَقَدم على الأَصْل الَّذِي تمسك بِهِ فَكَانَ أولى
قلت فَإِن أورد على هَذَا مَا إِذا أقرّ مُطلقًا ثمَّ فسر بِثمن مَبِيع لم يقبضهُ أَو بدين مُؤَجل لَا يقبل مُنْفَصِلا فَالْجَوَاب أَن ذَلِك يمْنَع الْمُطَالبَة والإلزام فِي الْحَال فَهُوَ مُنَاقض لموجب قَوْله عَليّ وَالله أعلم
190 - مَسْأَلَة شخصان بَينهمَا ملك مشَاع لكل وَاحِد مِنْهُم اثْنَي عشر سَهْما فَأقر أَحدهمَا لأَجْنَبِيّ بأَرْبعَة أسْهم من حِصَّته ثمَّ تقار الشريكان فِي مَكْتُوب كتباه بَينهمَا بِأَن جَمِيع هَذَا الْملك الثُّلُث مِنْهُ هُوَ ثَمَانِيَة أسْهم الَّذِي أقرّ للْأَجْنَبِيّ وَالْبَاقِي وَهُوَ الثُّلُثَانِ وَهُوَ سِتَّة عشر سَهْما للشَّرِيك الآخر وَبعد تقارهما بذلك مَعًا نَاقض الشَّرِيك الْمقر لَهُ بالثلثين شَرِيكه الآخر فِي جملَة الثَّمَانِية أسْهم الَّتِي هِيَ الثُّلُث بِملك كَانَ لَهُ ثمَّ بعد ذَلِك ادّعى الْمقر لَهُ بالثلثين أَن الْأَرْبَعَة الَّتِي سبق الْإِقْرَار بهَا للْأَجْنَبِيّ دَاخِلَة فِي الثَّمَانِية الأسهم فَمَا الحكم فِي ذَلِك

(1/315)


@
أجَاب رَضِي الله عَنهُ إِذا خرجت الأسهم الْأَرْبَعَة من الْبَيِّنَة فتقارهما على وصف الْمَعِيَّة يتَضَمَّن رد كل وَاحِد مِنْهُمَا أَرْبَعَة أسْهم من إِقْرَار شَرِيكه لَهُ من حَيْثُ أَن إِثْبَاتهَا لأَحَدهمَا أَيهمَا كَانَ لَا يجيئ مَعَ إِثْبَاتهَا لصَاحبه الآخر فالمقر لَهُ بالثمانية قد رد مِنْهَا أَرْبَعَة بِإِقْرَارِهِ لشَرِيكه بالستة عشر وَالْمقر لَهُ بالستة عشر قد رد مِنْهَا أَيْضا أَرْبَعَة باقراره لشَرِيكه بالثمانية فَعِنْدَ هَذَا فلولا مَا تعقب هَذَا من المناقلة لَكَانَ هَذَا يخرج أَرْبَعَة أسْهم من يَد كل وَاحِد مِنْهُمَا لِأَن إِن قُلْنَا أَن الْمَرْدُود لَا يقر فِي يَد كل وَاحِد من الْمقر وَالْمقر لَهُ فَظَاهر وَإِن قُلْنَا أَنه يقر فِي يَد الْمقر فمساقه هَا هُنَا بعيد التمانع الْوَاقِع أَولا لِأَن ارتداد أَرْبَعَة على هَذَا لَا يجيئ مَعَ ارتدادهما على ذَلِك وَكَذَا بِالْعَكْسِ كَمَا سبق وَلَا سَبِيل الي تَخْصِيص أَحدهمَا مَعَ التَّسَاوِي فَيتَعَيَّن التَّسْوِيَة بَينهمَا فِي النَّفْي لَكِن لما وجدت المناقلة بعد ذَلِك مَعَ اشتمالها على توافقهما على ملكه للثمانية كَانَ ذَلِك إِقْرَارا ثَابتا من الآخر لَهُ بِملكه الثَّمَانِية من غير رد مِنْهُ وَبعد هَذَا فَلَا تسمع دَعْوَى الشَّرِيك الآخر بِأَن أَرْبَعَة للْأَجْنَبِيّ دَاخِلَة فِي الثَّمَانِية لِأَنَّهَا على مناقضة إِقْرَاره السَّابِق ضمن المناقلة وَالله أعلم
191 - مَسْأَلَة رجل أقرّ أَن جَمِيع مَا فِي يَده فَالثُّلُث مِنْهُ لفُلَان وَملكه ثمَّ أقرّ بعد ذَلِك أَن الَّذِي كَانَ فِي يَده حَالَة الْإِقْرَار ثَلَاثَة آلَاف دِرْهَم وَأَنه أنفقها كلهَا ثمَّ مَاتَ الْمقر فَهَل يجوز للشَّاهِد أَن يشْهد بِأَن الْمقر لَهُ عَلَيْهِ ألف دِرْهَم من غير تَفْصِيل ليَأْخُذ ذَلِك من تركته
أجَاب رَضِي الله عَنهُ بِأَنَّهُ لَا يجوز للشَّاهِد ذَلِك بل يشْهد على الْمقر بالإقرارين عَليّ وجهيهما ثمَّ إِذا حلف الْمقر لَهُ مَعَ الشَّاهِد حكم لَهُ بِضَمَان ألف دِرْهَم فِي تركته وَالله أعلم ثمَّ قَالَ بعد ذَلِك وَهَذَا القَوْل إِذا سمع الشَّاهِد إِقْرَار شخص بِأَن لفُلَان عَلَيْهِ ألف دِرْهَم فَلهُ أَن يَقُول أشهد أَنه أقرّ بِأَن لَهُ عَلَيْهِ ألف دِرْهَم وَلَيْسَ لَهُ بِأَن يَقُول أشهد أَن لَهُ عَلَيْهِ ألف دِرْهَم لما بَينهمَا من التَّفَاوُت على مَالا يخفى وَالله أعلم

(1/316)


- مَسْأَلَة شخص أقرّ فِي ملك هُوَ فِي يَده وتصرفه أَنه وقف عَلَيْهِ ثمَّ على جِهَات بعده هَل يثبت هَذَا الْوَقْف بِإِقْرَارِهِ
أجَاب رَضِي الله عَنهُ وَقَالَ بَلغنِي عَن جمَاعَة من المفتيين قبلنَا أَنهم أفتوا بِثُبُوتِهِ وَقد ذكر صَاحب رَوْضَة الْحُكَّام فِيمَا لَو أَقَامَ الْخَارِج بَيِّنَة بِالْوَقْفِ وَأقَام صَاحب الْيَد بَيِّنَة بِالْوَقْفِ أَنه هَل ترجح بَينته فعلى وَجْهَيْن أَحدهمَا ترجح وَالثَّانِي لَا ترجح لِأَن الْيَد تدل على الْملك لَا على الْوَقْف فعلى هَذَا وَلَا ينْتَفع فِي هَذَا بِمَا هُوَ فِي الإشراف على غوامض الحكومات من أَنه إِذا أقرّ صَاحب الْيَد أَنه وقف على فلَان وَلم يذكر واقفه وَلم يعرف القَاضِي واقفه سمع ذَلِك مِنْهُ وألزمه حكم إِقْرَاره وَذَلِكَ لِأَن هَذَا لَيْسَ إِثْبَاتًا للْوَقْف فِي نَفسه بِإِقْرَارِهِ بل مؤاخذه لَهُ فِي حق نَفسه باقراره وَالله تَعَالَى أعلم
193 - مَسْأَلَة رجلَانِ أقرا لزيد بِمِائَة دِرْهَم عَلَيْهِمَا بِالسَّوِيَّةِ وَأشْهد عَلَيْهِمَا بذلك فِي مَكْتُوب ثمَّ أشهد أحد المقرين عَليّ نَفسه بِأَن قَالَ جَمِيع الدّين الْمكتب فِي هَذِه الْحجَّة انْتقل إِلَى ذِمَّتِي انتقالا صَحِيحا شَرْعِيًّا دون الْمقر للْآخر ثمَّ طالبهما الْمقر لَهُ وَأخذ من كل وَاحِد خمسين درهما فَأَرَادَ

(1/317)


@ الْمقر الَّذِي لم يصدر مِنْهُ شَيْء سوى إِقْرَاره الأول لرب الدّين أَن يرجع على صَاحبه الَّذِي أقرّ بانتقال جَمِيع الدّين إِلَى ذمَّته بِمَا غرمه لرب الدّين هَل لَهُ ذَلِك
أجَاب رَضِي الله عَنهُ لَهُ ذَلِك كَمَا لَو كَانَ لزيد على عَمْرو دين ولعمر على خَالِد دين والمديون الأول مُمْتَنع فلزيد أَخذ حَقه من مديون مديونه وَكَذَا لَو أقرّ خَالِد بدين لعَمْرو وَجحد ذَلِك عَمْرو كَانَ لزيد الْأَخْذ من خَالِد إِذا صدقه وَهَذَا فِي الْبَاطِن أما فِي ظَاهر الحكم فَيتَوَقَّف على ثُبُوت ظلم الْمقر لَهُ بذلك وَمَا يُوجب رُجُوعه وَالله أعلم
194 - مَسْأَلَة رجل أقرّ أَن جَمِيع مَا تَشْمَل عَلَيْهِ الدَّار الْفُلَانِيَّة الْمَعْلُومَة من قماش وَغَيره ملك زَوجته فُلَانَة ثمَّ مَاتَ بعد مُدَّة فِي الدَّار الْمَذْكُورَة والزوجان ساكنان فأقامت الْبَيِّنَة بِالْإِقْرَارِ الْمَذْكُور فَأنْكر الْوَارِث كَون الْأَعْيَان الْمَوْجُودَة فِيهَا عِنْد الْمَوْت مَوْجُودَة عِنْد الْإِقْرَار وَأَن الْإِقْرَار تنَاوله وَتوجه عَلَيْهَا إِقَامَة الْبَيِّنَة على ذَلِك فطلبت يَمِينه بِأَن تِلْكَ الْأَعْيَان لم تكن مَوْجُودَة حِينَئِذٍ وَأَنَّهَا غير دَاخِلَة فِي الْإِقْرَار فَهَل يحلف على نفي الْعلم أم الْبَتّ فَإِن قَالَ الْوَارِث إحلف إِنَّك لَا تستحقين مِمَّا فِي الدَّار إِلَّا حِصَّة الْمِيرَاث وَهُوَ الرّبع يقنع مِنْهُ بذلك
أجَاب رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ يحلف أَنه لَا يعلم هَذِه الْأَعْيَان وَلَا شَيْئا مِنْهَا مَوْجُودَة فِي الدَّار الْمَذْكُورَة وَقت الْإِقْرَار الْمَذْكُور وَأَنه لَا يُعلمهُ وَلَا شَيْئا مِنْهَا دَاخِلا فِيمَا أقرّ بِهِ لَهَا وَمَا قَامَ مقَام هَذَا من الْأَلْفَاظ فَإِن ذَلِك يَمِين على نفي مَا يتَعَلَّق بِهِ وَالْقَاعِدَة فِيهِ مَعْرُوفَة وَلَا يقنع مِنْهُ بِيَمِينِهِ بِأَنَّهَا لَا تسْتَحقّ مَا فِي الدَّار سوى حصَّتهَا من الْمِيرَاث وَهُوَ الرّبع فَإِن المدعية قد أَقَامَت حجَّة على مَا تدعيه ولوقف عَلَيْهِ وتأثيرها على هَذِه الْمُقدمَة الَّتِي

(1/318)


@ طلبت من الْخصم تَحْلِيفه عَلَيْهَا فَعَلَيهِ أَن يحلف على نَفيهَا إِن كَانَ صَادِقا نَفيهَا وَإِن لم يكن صَادِقا فقد علم تَمام الْحجَّة عَلَيْهِ فِي نفس الْأَمر فَلَيْسَ لَهُ دَفعهَا بِأَن يحلف على نفي الْحق وَإِن زعم أَنه صَادِق فِي نَفْيه كَمَا لَو اعْترف ظَاهرا بالمقدمة المتممة للحجة وَأَرَادَ أَن تحلف على نفي الِاسْتِحْقَاق زاعما أَنه صَادِق فِيهِ بِخِلَاف النَّظَائِر الْمَعْرُوفَة الَّتِي فِيهَا أَن يَدعِي عَلَيْهِ الْمُدَّعِي قرضا فَلَا يحلف على نفي الْقَرْض وَيُرِيد أَن يحلف على نفي الِاسْتِحْقَاق فَإِنَّهُ يقنع مِنْهُ بذلك لِأَن الْمُدَّعِي لم يقم حجَّة أصلا لَا تَامَّة وَلَا نَاقِصَة وَلم يُوجد مِنْهُ سوى الدَّعْوَى الَّتِي لَا حجَّة فِيهَا فتقنع مِنْهُ بِالْيَمِينِ على نفي الِاسْتِحْقَاق فَلَنْ يلْحق بِهِ مَا بعد إِقَامَة الْحجَّة لما فِيهِ من إِلْغَاء أثر ذَلِك فِي ذَاك وَصَارَ هَذَا كَمَا إِذا أَقَامَ الْمُدَّعِي الْحجَّة على الْمُدعى عَلَيْهِ بِكِتَاب قَاض أورد فِيهِ الحكم على معِين متميز بِالِاسْمِ وَالنّسب فَأنْكر الْمُدعى عَلَيْهِ كَونه مُسَمّى بذلك الإسم مَعَ النّسَب فَطلب يَمِينه بِأَنَّهُ لَيْسَ مُسَمّى بذلك فحاد عَن الْيَمين على نفي ذَلِك إِلَى الْيَمين على نفي اسْتِحْقَاق مَا يَدعِيهِ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ لَا يقنع مِنْهُ بذلك عَليّ الصَّحِيح خلافًا للصيدلاني فَهَذَا من ذَلِك الْقَبِيل ثمَّ هَهُنَا جِهَة أُخْرَى تمنع من أَنا نقنع من الْوَارِث بِيَمِينِهِ أَنَّهَا لَا تسْتَحقّ من ذَلِك سوى

(1/319)


@ حصَّتهَا بِالْإِرْثِ وَذَلِكَ أَن لَهَا الْيَد فِي نصف مَا فِي الدَّار الْمَذْكُورَة لكَون الزَّوْجَيْنِ كَانَا يسكنانها على مَا عرف من الْقَاعِدَة فِي مثل ذَلِك فَإِذا لَهَا أَن تحلف على اسْتِحْقَاق نصف هَذِه الْأَعْيَان نظرا إِلَى الْيَد وَإِن قَطعنَا النّظر عَن الْإِقْرَار ثمَّ لَهَا بعد ذَلِك الرّبع من الآخر إِذا لم تتمّ لَهَا فِيهِ حجتها من جِهَة الْإِقْرَار وَالله أعلم
195 - مَسْأَلَة إمرأة أقرَّت أَنَّهَا لَا تسْتَحقّ مَعَ وارثها فلَان شَيْئا فِي الْحصَّة الْفُلَانِيَّة ثمَّ مَاتَت فَادّعى عَلَيْهِ بَاقِي الْوَرَثَة مشاركته بطرِيق الْإِرْث عَن المقرة فَهَل تسمع دَعوَاهُم وَمَا الحكم إِذا أثبتوا كَونه محلفا عَنْهَا
أجَاب رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ إِذا كَانَت قد اعْترفت لَهُ بِأَنَّهُ مَالك للحصة لَا تسْتَحقّ مَعَه فِيهَا شَيْئا فَلَا تسمع دَعْوَى سَائِر الْوَرَثَة لميراثهم فِيهَا عَن المقرة حِين يدعوا أَنَّهَا تلقت عَن الْمقر لَهُ الْملك فِي الْحصَّة الْمَذْكُورَة بعد إِقْرَارهَا وَالسَّبَب فِيهِ أَن الانسان مؤاخذ بِإِقْرَار نَفسه فِي الْمُسْتَقْبل وَلَوْلَا ذَلِك لم يكن فِي أقاريرهم حجَّة وَفَائِدَة وَإِن كَانَت اقتصرت فِي اعترافها على انها لَا تسْتَحقّ فِي الْحصَّة شَيْئا من غير أَن تعترف لَهُ بملكها فَلَا تقبل دَعوَاهُم حَتَّى يدعوا تجدّد الْملك لَهَا فِيهَا بعد إِقْرَارهَا الْمَذْكُور بِمثل مَا سبق على مَا تقدم وَالله أعلم
196 - مَسْأَلَة رجل أقرّ بِمَا صورته الْأَمْلَاك الَّتِي اشْتَرَيْتهَا لوَلَدي فلَان وسماها هَل هَذَا إِقْرَار صَحِيح أم لَا فَإِذا كَانَ صَحِيحا فَهَل يعم جَمِيع الْأَمْلَاك الَّتِي اشْتَرَاهَا بِدِمَشْق وحمص وحماة وَغير ذَلِك أَو لَا يعم حَتَّى لَو قَالَ أردْت بذلك الْأَمْلَاك الَّتِي اشْتَرَيْتهَا فِي سنة عشْرين فَقَط دون سنة إِحْدَى

(1/320)


@ وَعشْرين هَل يقبل قَوْله وَتَفْسِيره بذلك أم لَا فَإِن قبل مِنْهُ هَذَا التَّفْسِير فَلَو مَاتَ وَلم يُفَسر بِشَيْء هَل للْوَرَثَة البَاقِينَ أَن يفسروه بذلك أم لَا
أجَاب رَضِي الله عَنهُ إِقْرَاره بِأَن الْأَمْلَاك الَّتِي اشْتَرَاهَا هِيَ لوَلَده الَّذِي سَمَّاهُ إِقْرَار صَحِيح مَحْمُول على الْعُمُوم وَلَا يقبل قَوْله فِي الحكم تَفْسِيره بِخُصُوص الْأَمْلَاك الَّتِي اشْتَرَاهَا بِدِمَشْق مثلا أَو بِخُصُوص الْأَمْلَاك الَّتِي اشْتَرَاهَا فِي سنة مُعينَة وَالله أعلم
197 - مَسْأَلَة رجل مَاتَ وَوجد لَهُ تَرِكَة من جُمْلَتهَا حصان أَشهب وَعَلِيهِ دُيُون تستغرق تركته فأحضرت زَوجته كتابا صورته أَنه أقرّ فِي صِحَة عقله وجسمه قبل مَوته بِمدَّة طَوِيلَة قدرهَا سنة أَو دونهَا بِقَلِيل أَن زَوجته تسْتَحقّ فِي ذمَّته ألف دِرْهَم وَأَنه عوضهَا الحصان الْأَشْهب وَسلمهُ إِلَيْهَا وَلم يذكر فِي الْكتاب لفظا أَكثر من هَذَا وَلَا شهد عَلَيْهِ أحد بِغَيْر هَذَا اللَّفْظ وَلَا أشهدت الْمَرْأَة عَلَيْهَا فِي ذَلِك الْوَقْت وَإِلَى أَن مَاتَ زَوجهَا بالتعويض وَلَا بقبوله وَلَا بِقَبض شَيْء وَإِنَّمَا وَقع الْإِشْهَاد على الزَّوْج فَقَط فَلَمَّا مَاتَ وَوجد حصان أَشهب فِي تركته قَالَت الزَّوْجَة هَذَا هُوَ الحصان الْأَشْهب الَّذِي عوضني هُوَ وقبلته وَقَالَ الْغُرَمَاء هَذَا حصان آخر فَعَلَيْك الْبَيِّنَة أَنه هُوَ ذَلِك الحصان الأول فَالْقَوْل قَول من وَالْحَالة هَذِه
أجَاب رَضِي الله عَنهُ إِذا حَلَفت حكم لَهَا بِهِ لِأَن ذَلِك الحصان بَاقٍ عملا بِالْأَصْلِ وَلَا مَوْجُود غَيره هَذَا وَيلْزم من هَاتين المقدمتين أَن يكون هَذَا ذَاك وَنَظِيره من المسطور مَا إِذا قَالَ المدع عِنْدِي لفُلَان ثوب وَدِيعَة وَلم يصفه ثمَّ مَاتَ وَلم يُوجد فِي تركته غير ثوب وَاحِد فَإِنَّهُ ينزل عَلَيْهِ قَوْله وَقَوله عوضتها كَقَوْلِه بعتها يحمل على الصَّحِيح الْقَابِل للْملك مُطلقَة وَالله أعلم

(1/321)


- مَسْأَلَة رجل لَهُ عشر دَار شَائِع فَأقر أَن فلَانا ملك عَلَيْهِ سَهْما شَائِعا من عشرَة أسْهم من جَمِيع الدَّار وَذكرهَا وَقَالَ بِعْت فلَانا سَهْما شَائِعا من عشرَة أسْهم من جَمِيع الدَّار وَذكرهَا أَو قَالَ وهبت لَهُ وسلمت إِلَى الْمقر جَمِيع السهْم الْمَذْكُور أَو قَالَ سلمت إِلَى البَائِع السهْم الْمَذْكُور أَو الْمَوْهُوب لَهُ فَهَل ينزل ذَلِك على مَا يخْتَص بِهِ دون مَا هُوَ مشَاع
أجَاب رَضِي الله عَنهُ ينزل ذَلِك على مَا اخْتصَّ بِهِ على الْأَصَح فِي الصُّورَتَيْنِ الْأَخِيرَتَيْنِ وَأما فِي الصُّورَة الأولى فقطعا من غير خلاف من أجل قَوْله ملك عَلَيْهِ وَالله تَعَالَى أعلم
199 - مَسْأَلَة إمرأة أقرَّت وأشهدت عَلَيْهَا أَن كل مَكْتُوب يظْهر فِيهِ إِقْرَار أَبِيهَا لَهَا بدين أَو بِعَين فَهُوَ بَاطِل وزور وَأَنَّهَا لَا تسْتَحقّ فِي ذَلِك الْمَكْتُوب شَيْئا ثمَّ أَنَّهَا ادَّعَت بعد ذَلِك على تَرِكَة أَبِيهَا بأَرْبعَة آلَاف دِرْهَم وأظهرت مَكْتُوبًا صورته هَذَا مَا أصدق فلَان فُلَانَة وَأَن أَبَا المقرة قبض من مهر المقرة أَرْبَعَة آلَاف دِرْهَم فضَّة وَأشْهد عَلَيْهِ بِقَبض هَذَا المَال الَّذِي هُوَ مهرهَا فَقَالَ الْحَاكِم الَّذِي ثَبت عِنْده إِقْرَار المقرة بِمَا تقدم قد بَطل هَذَا بإقرارك أَن كل مَكْتُوب أقرّ لَك أَبوك فِيهِ بدين أَو عبن فَهُوَ بَاطِل فَهَل يدْخل كتاب الصَدَاق وَقبض أَبِيهَا مهرهَا فِي إبِْطَال مَا أبطلت
أجَاب رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ لَا يبطل بذلك مَا تشهد بِهِ الْبَيِّنَة عَلَيْهِ من أَنه قبض ذَلِك وَإِنَّمَا يقْدَح ذَلِك فِي إِقْرَاره بِالْقَبْضِ وَالْأول يجزيها عَن الثَّانِي وَلَيْسَ فِي مَكْتُوب الصَدَاق الْمَذْكُور إِقْرَار بِالْقَبْضِ فَإِن قَوْله وَأشْهد عَلَيْهِ بِالْقَبْضِ من شَاهد الْقَبْض من غير أَن ينْطق بِإِقْرَار وَالله أعلم

(1/322)


@
وَمن كتاب الْعَارِية
200 - مَسْأَلَة رجل أعَار رجلا جدارا يضع عَلَيْهِ ستْرَة لَيْسَ عَلَيْهَا حمل ثمَّ أَرَادَ الْمُعير اسْتِرْدَاد عاريته فَهَل لَهُ إِزَالَتهَا مجَّانا
أجَاب رَضِي الله عَنهُ لَيْسَ لَهُ إِزَالَتهَا مجَّانا وَله ذَلِك إِذا عزم أرش النَّقْص
201 - مَسْأَلَة فِي شُرَكَاء فِي ملك شاع يحْتَمل الْقِسْمَة بَاعَ وَاحِد مِنْهُم حِصَّته لأَجْنَبِيّ فَحَضَرَ بعض الشُّرَكَاء وَطلب أَخذ الْمَبِيع بِالشُّفْعَة وَحِصَّة هَذَا الطَّالِب قَليلَة إِذا قسمت لَا ينْتَفع بهَا وَلَو طلب قسمتهَا لَا يُجَاب إِلَى ذَلِك على الْمُخْتَار وَالشُّفْعَة إِنَّمَا تثبت لدفع الضَّرَر الْحَاصِل للْقِسْمَة وَهَذَا الْإِيجَاب إِلَى الْقِسْمَة على الْمُخْتَار فَهَل لَهُ أَن يَأْخُذ بِالشُّفْعَة أم لَا وَهل إِذا اجْتمع مَعَ بَقِيَّة الشُّرَكَاء يحاصصهم أم ينْفَرد بِالْأَخْذِ من إِذا طلب الْقِسْمَة أُجِيب إِلَيْهَا
أجَاب رَضِي الله عَنهُ بل لَهُ الشُّفْعَة على الصَّحِيح وَالْمَذْكُور فِي الاستفتاء إِنَّمَا هُوَ على الْعَكْس فَإِنَّمَا يعْتَبر الْإِجْبَار على الْقِسْمَة فِي جَانب المُشْتَرِي لَا فِي جَانب الشَّفِيع فَإِذا كَانَ المُشْتَرِي لَو طلب الْقِسْمَة أجبر لَهُ الْمُمْتَنع عَلَيْهَا وَالشُّفْعَة تثبت للشَّرِيك الآخر الْقَدِيم وَإِن لم يكن لقلَّة حِصَّة المُشْتَرِي فَلَا شُفْعَة للشَّرِيك الْقَدِيم
202 - مَسْأَلَة هَل يحْتَاج الشَّفِيع فِي مِقْدَار اسشفاعه وَفِي وَقت إِقَامَة الْبَيِّنَة الَّتِي تبين مِقْدَار سَهْمه
أجَاب رَضِي الله عَنهُ إِذا أَقَامَ الْبَيِّنَة على كَونه شَرِيكا كفى ذَلِك فِي

(1/323)


@ ذَلِك وَاسْتحق الشُّفْعَة بشرطها ثمَّ وجدت مسطورا مَا يدل عَلَيْهِ وَللَّه الْحَمد
203 - مَسْأَلَة وجوابها قَالَ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ إِذا تسلم الْعَامِل مَالا للقراض ثمَّ مَاتَ وَفِي يَده أَعْيَان تصلح لِأَن تكون أعواضا لمَال الْقَرَاض حكم بِبَقَاء مَال الْقَرْض إِذا لم يقم بَيِّنَة توجب خلاف ذَلِك لِأَن الأَصْل بَقَاء مَال الْقَرَاض وشأن مَال الْقَرَاض التّلف فِي الْأَعْيَان فَلَا يحكم بِعَدَمِهِ بِعَدَمِ الْعين الْمَعْقُود عَلَيْهَا ويلتحق ذَلِك بِمَا اذا قَالَ الْمُودع عِنْدِي لفُلَان ثوب وَلم يُوجد فِي تركته إِلَّا ثوب وَاحِد فَإِنَّهُ يحمل عَلَيْهِ وَيدْفَع إِلَى الْمقر لَهُ قطع بِهِ صَاحب التَّهْذِيب ثمَّ يَنْبَغِي أَن يُوفي مِنْهَا رَأس المَال نَقْدا من غير زِيَادَة لِأَن نشك فِينَا زَاد على ذَلِك وَالْحَالة هَذِه وَالله أعلم
204 - مَسْأَلَة رجل أَخذ من آخر مَالا قراضا فَأكل بعض المَال ثمَّ نوى أَن يعْمل فِي الْبَاقِي ليرد رَأس المَال فَإِذا عَاد رَأس المَال فَهَل يكون مَا كسبا بَينهمَا على مَا شرطاه وَيكون مَا خَان فِيهِ فِي ذمَّته أم يكون الْكسْب كُله لِلْعَامِلِ
أجَاب رَضِي الله عَنهُ بل مَا أَخذه على وَجه الْخِيَانَة وأتلفه ثَابت فِي ذمَّته لَا يبرأ مِنْهُ بِالْكَسْبِ وَالْكَسْب الْحَاصِل من الْبَاقِي لَا شَيْء لِلْعَامِلِ فِيهِ حَتَّى يجْبر رَأس المَال فَإِذا أدّى إِلَى رب المَال مَا أكله بَرِئت ذمَّته ويحسب مَا أَدَّاهُ من رَأس المَال وَحِينَئِذٍ يكون مَا ربحه فِي المَال الْبَاقِي إِذا فضل عَن رَأس المَال مقسوما حِينَئِذٍ بَينهمَا وَالله أعلم

(1/324)


- مَسْأَلَة سلم شخص إِلَى شخص دَرَاهِم ثمَّ اخْتلفَا فَقَالَ الدَّافِع أقرضتك إِيَّاهَا وَقَالَ الْقَابِض إِنَّمَا قارضتني عَلَيْهَا وَكَانَ قد خسر فطالبه الدَّافِع بِالْجَمِيعِ
أجَاب ضي الله عَنهُ بِأَن القَوْل الْقَابِض مَعَ يَمِينه عِنْد عدم الْبَيِّنَة فِي نفي الضَّمَان فِي الْقدر الذَّاهِب لِأَنَّهُمَا اتفقَا على الْإِذْن فِي التَّصَرُّف وَاخْتلفَا فِي شغل الذِّمَّة وَالْأَصْل بَرَاءَة الذِّمَّة قَالَ وَهَذَا أولى وَيَنْبَغِي الضَّمَان مِمَّا إِذا قَالَ الْمَالِك غصبتني وَقَالَ الْقَابِض أودعتني فَفِي هَذِه الْمَسْأَلَة وَجْهَان حَكَاهُمَا صَاحب التَّتِمَّة أَحدهمَا وجوب الضَّمَان وَلِأَن الأَصْل عدم الْإِذْن فَهَذَا منتفي فِي مَسْأَلَتنَا واختلافهما فِي الْجِهَة لَا يقْدَح على أحد الْوَجْهَيْنِ على مَا عرف فِي مَوْضِعه وَالله أعلم
206 - مَسْأَلَة رجل عَلَيْهِ حجَّة ثَابِتَة بمبلغ من الدَّرَاهِم بَعْضهَا فِي الذِّمَّة وَبَعضهَا إقراض ثمَّ توفّي وَوجد فِي تركته مَال وَلم يثبت أَنه عين مَال الْمُضَاربَة فَهَل يقدم بِبَقَاء مَال الْمُضَاربَة أَو الَّذِي فِي الذِّمَّة أَو يقسم بَينهمَا على قدر الْمَالَيْنِ
أجَاب رَضِي الله عَنهُ إِذا أثبت أَنه كَانَ فِي يَده رَأس مَال لنَفسِهِ يجوز أَن تكون التَّرِكَة مِنْهُ وَمَال الْمُضَاربَة وَيجوز أَن تكون التَّرِكَة مِنْهُ لكَونه من جنس مَا أذن لَهُ فِي التِّجَارَة فِيهِ وَلم تقم بَيِّنَة مَانِعَة من أحد الجائزين الْمَذْكُورين فَالظَّاهِر أَن التَّرِكَة تقسم بَينهمَا على قدر رَأس الْمَالَيْنِ وَإِن لم يثبت اشْتِمَال يَده على غير مَال الْمُضَاربَة تعيّنت التَّرِكَة لجِهَة الْمُضَاربَة الَّتِي ثَبت اشْتِمَال يَده على مَالهَا وَالله أعلم

(1/325)


- مَسْأَلَة رجل أقرّ أَنه قبض مَالا نَقْدا على جِهَة الْمُضَاربَة ثمَّ مَاتَ وَترك أَوْلَادًا صغَارًا فَحَضَرَ وَكيل رب المَال وَهُوَ غَائِب فِي بلد آخر وَأثبت ذَلِك وَلم يُوجد فِي تركته شَيْء من جنس المَال الْمَقْبُوض فَهَل يفْتَقر الحكم بِهِ إِلَى إِثْبَات تَفْرِيط الْعَامِل وَهل يتَوَقَّف الحكم بعد ذَلِك على يَمِين رب المَال الْغَائِب والمحكوم عَلَيْهِم أَيْتَام أم لَا
أجَاب رَضِي الله عَنهُ مهما وجد فِي تَرِكَة الْعَامِل مَا يصلح أَن يكون للقراض وَيجوز اشتراؤه بِمَال الْقَرَاض فَلَا يتَوَقَّف الحكم على إِثْبَات تَفْرِيط الْعَامِل بترك الْإِيضَاح مَعَ تمكنه مِنْهُ فِي مخيف مَرضه وَلَا بِغَيْرِهِ من أَسبَاب التَّفْرِيط بل يستصحب بَقَاؤُهُ فِي ضمن مَا خلف من الْأَعْيَان الَّتِي بِهَذِهِ الصّفة من حَيْثُ أَن وضع مَال الْقَرَاض التقلب وَالنَّقْل فِي الْأَعْيَان فَلَيْسَ يلْزم من عدم رَأس المَال بِعَيْنِه عَدمه
هَذَا الِاسْتِصْحَاب مُقْتَضى ظَاهر الْمَذْهَب فِي نَظِير لَهَا وَهِي مَا إِذا ثَبت بِإِقْرَارِهِ أَن عِنْده ثوبا وَلم يجد فِي تركته غير ثوب فَإِنَّهُ يتْرك الْوَدِيعَة عَلَيْهِ ذكر صَاحب التَّهْذِيب وَفِي التَّتِمَّة اشارة اليه غير أَنه بترتب التَّضْمِين على هَذَا من وَجه آخر وَهُوَ عدم التَّمْيِيز فَإِنَّهُ لَا يدْرِي كم مَال الْقَرَاض من ذَلِك وَالله أعلم فَيضمن اذا رَأس المَال وَلَا حَاجَة إِلَى تَفْرِيط غير أَنه إِذا كَانَ الْمُخْتَار أَنه لَا يضمن إِذا لم يُوجد فِي تركته مَا يصلح أَن يكون رَأس مَال الْقَرَاض فَيَنْبَغِي إِذا قصر مَا وجد من تركته مِمَّا يصلح أَن يكون للقراض عَن الْوَفَاء بِرَأْس المَال أَن لَا يضمن مَا يبْقى فِي سَائِر تركته وَالله أعلم فَإِذا لَا يزِيد على مِقْدَار رَأس المَال وَلَا يُجَاوز مَا يصلح أَن يكون هَذَا وَمن عوضه وَالله أعلم
وَأما أَن لم يُوجد فِي تركته مَا يصلح أَن يكون من مَال الْقَرَاض وَكَانَ

(1/326)


@ الْمَوْجُود مِمَّا يَنْفِي الْحَال احْتِمَال كَونه من مَال الْقَرَاض فَالْأَظْهر أَنه لَا ضَمَان وان الايضاح لاحْتِمَال تَقْدِير التّلف من غير تَفْرِيط وَالْأَصْل بَرَاءَة الذِّمَّة وَيتْرك الْإِيضَاح عَليّ تَقْدِير التّلف الْمَوْصُوف لَا يصير مفرطا ضَامِنا قطعا لما لَا يخفى وَالله أعلم
وَالْحكم هَا هُنَا يتَوَقَّف على يَمِين الْمُوكل الْغَائِب وَهُوَ مفارق فِي ذَلِك لمثله فِي الحكم على الْحَاضِر غير الْمَحْجُور عَلَيْهِ للمسألة العدالية وَالْعلم عِنْد الله تَعَالَى تِلْكَ الْعلَّة منتفية فِي هَذَا وَأَيْضًا فاليمين هَا هُنَا من متممات الْحجَّة وَالله أعلم
وَهُوَ أَيْضا حكم الْغَائِب على غَائِب أَو شبهه فيضعف لضعف أصل الحكم على الْغَائِب غير أَنِّي بعد ذَلِك رَأَيْتنِي أجد وَقْفَة عَن هَذَا وَفِي الْوَسِيط هَذَا إِذا ادّعى بِنَفسِهِ فَإِن كَانَ ادّعى وَكيله وَهُوَ غَائِب فَلَا بُد من تسلم الْحق بل لَو حضر الْمُدَّعِي عَلَيْهِ بِإِزَاءِ وَكيل الْمُدَّعِي وأقيمت الْبَيِّنَة عَلَيْهِ فَقَالَ إِن موكلك أبرأني فَارْتَد يَمِينه فَذكر مَسْأَلَة الْقفال وَهَذَا يُوجب أَن وَكيل الْغَائِب الْمُدَّعِي على الْغَائِب لَا يحلف فَإِن سِيَاق كَلَامه يُعْطي ذَلِك وَلَو كَانَ الْمُدَّعِي نَاظرا على جِهَة وقف عَام أَو نَحوه فَلَا يُمكن هَا هُنَا تَوْقِيف الحكم أصلا وَالله أعلم
208 - مَسْأَلَة بُسْتَان ليتيم أجر وليه بَيَاض أرضه بِأُجْرَة بَالِغَة مِقْدَار مَنْفَعَة الأَرْض وَقِيمَة الثَّمر ثمَّ ساقى على الشّجر على سهم من ألف

(1/327)


@ سهم للْيَتِيم وَالْبَاقِي للْمُسْتَأْجر كَمَا جرت الْعَادة هَا هُنَا فِي دمشق فَهَل تصح الْمُسَاقَاة
أجَاب رَضِي الله عَنهُ إِذا كَانَ ذَلِك لَا يعد فِي الْعرف غنى فَاحِشا فِي عقد الْمُسَاقَاة بِسَبَب انضمامه إِلَى عقد الْإِجَارَة الْمَذْكُور وَكَونه نقصا مجبورا بِزِيَادَة الْأجر موثوقا بِهِ من حَيْثُ الْعَادة فَالظَّاهِر صِحَّتهَا وَالله أعلم
وَمن كتاب الاجارة
209 - رجل أجر أَرضًا من رجل للغراس مُدَّة مَعْلُومَة ثمَّ عِنْد انْقِضَاء الْمدَّة يكون لَهُ مَا بِحكم الشَّرْع المطهر فِيهَا فَلَمَّا انْقَضتْ الْمدَّة حضر الْمُؤَجّر وَالْمُسْتَأْجر عِنْد حَاكم من حكام الْمُسلمين وَطلب الْمُؤَجّر اخلاء أرضه من الْغِرَاس فَأبى الْمُسْتَأْجر فَخير الْحَاكِم حِينَئِذٍ الْمُؤَجّر بَين تمْلِيك الْغِرَاس بِقِيمَتِهَا وَبَين أَن يبيقها بِأُجْرَة الْمثل فَلَمَّا علم الْمُسْتَأْجر ذَلِك اخْتَار الْقلع وإخلاء الأَرْض من الْغِرَاس من غير أرش نقص فَأُجِيب الى ذَلِك وَأمره الْحَاكِم بِهِ فبادر قبل الْقلع وَقبل تمْلِيك الْمُؤَجّر الْغِرَاس وقف الْغِرَاس وَقفا شَرْعِيًّا فَهَل يَصح هَذَا الْوَقْف وَإِذا صَحَّ هَذَا الْوَقْف فَهَل للمؤجر قلعه من أرضه أم لَا وَإِذا قلعه فَهَل عَلَيْهِ أرش نَقصه أم لَا وَإِذا أبقاه بأجره فَهَل تكون الْأُجْرَة فِي فعل الشّجر أَو على الْمَوْقُوف عَلَيْهِ فَإِن كَانَت الْأُجْرَة أَكثر من فعل الْغِرَاس فَمِمَّنْ يَأْخُذ مَا يفضل لَهُ من الْأُجْرَة وَأَن كَانَ وَقفه على مَسَاكِين لَا مَال لَهُم وَكَانَ الْغِرَاس لَا فعل لَهُ فَمِمَّنْ يَأْخُذ أُجْرَة أرضه
أجَاب رَضِي الله عَنهُ نعم يَصح وَقفه على الْأَظْهر كَمَا يَصح

(1/328)


@ وقف الْمَشْفُوع ثمَّ يبْقى الْمُؤَجّر على خيرته بَين الْأُمُور الْمَعْرُوفَة فَإِن اخْتَار قلعه بِأَرْش نَقصه وَإِن اخْتَار أبقاه بأجره فالأجرة فِي فعله كمونة الْعِمَارَة فِي غَيره وَمَا لَا يَفِي بِهِ فعله من ذَلِك فَالْأَصَحّ أَنه على بَيت المَال وَالله أعلم
210 - مَسْأَلَة رجل اسْتَأْجر أَرض قَرْيَة للزِّرَاعَة وللمستأجر الِانْتِفَاع بزرع ذَلِك كَيفَ شَاءَ والأراضي المأجورة مَا زرع مِنْهَا فِي سنة براح من الزَّرْع فِي سنة أُخْرَى على عَادَة الضّيَاع والقرى والأراضي المأجورة فزرع الْجَمِيع فَاعْترضَ عَلَيْهِ معترض من أُمَنَاء الْوَقْف وَقَالَ زرعت جَمِيع الْأَرَاضِي فِي سنة وَاحِدَة فَقَالَ لَهُ الْمُسْتَأْجر الْجَمِيع على مَا أرَاهُ وَالْبَعْض على مَا أرَاهُ من اسْتِيفَاء جَمِيع حَقي أَو بعضه
أجَاب رَضِي الله عَنهُ لَيْسَ لَهُ الِانْتِفَاع بذلك إِلَّا على وَجه الْمُعْتَاد وَعَلِيهِ أَن يرِيح الْمَأْجُور على مَا جرت بِهِ الْعَادة كَمَا فِي الدَّابَّة المأجورة فِي السّفر فَإِنَّهُ يتبع عَادَة إِلَّا رَاحَة فِيهَا سيرا وسرا وَيجب النُّزُول عَنهُ عِنْد الْعقَاب هَذَا هُوَ الظَّاهِر وَالله أعلم
211 - مَسْأَلَة رجلَانِ أجرا أَرضًا لرجل يغْرس فِيهَا غرسا مُدَّة مَعْلُومَة فَلَمَّا انْقَضتْ مُدَّة الْإِجَارَة خيرهما بَين أَمريْن أَحدهمَا أَن يبقياه بِأُجْرَة الْمثل وَالثَّانِي أَن يتملكا الْغِرَاس بِقِيمَة مثله ثمَّ أَن أحد الشَّرِيكَيْنِ أجر حِصَّته مرّة ثَانِيَة فَهَل للشَّرِيك الثَّانِي أَن يمتلك بِبَدَل أَو يبْقى بِأُجْرَة الْمثل
أجَاب رَضِي الله عَنهُ إِذا كَانَ الْأَمر فِيهِ على مَا ذكر من كَون أحد المؤجرين حدد أجارة نصِيبه من الأَرْض المغروسة صَحِيحَة فَإِنَّهُ يسْقط خصْلَة التَّمَلُّك وَيتَعَيَّن خصْلَة الْإِبْقَاء بِأُجْرَة الْمثل وَالله أعلم
212 - مَسْأَلَة رجل اسْتَأْجر أَرضًا مَوْقُوفَة للْبِنَاء أَو الْغِرَاس مُدَّة

(1/329)


@ مَعْلُومَة وَبنى وَانْقَضَت مُدَّة الأجارة فَهَل يكون حكمهَا حكم الْمُطلق فِي تَملكهَا بِالْقيمَةِ أَو فِي الْقلع وَغرم أرش النَّقْص أَو تبقيتها بِأُجْرَة الْمثل
أجَاب رَضِي الله عَنهُ يَجْزِي فِي الْوَقْت من ذَلِك الْإِبْقَاء بِأُجْرَة الْمثل وَلَا يَجْزِي الْقلع مَعَ غَرَامَة أرش النَّقْص إِلَّا إِذا كَانَ ذَلِك أصلح للْوَقْف من الْإِبْقَاء وَكَذَلِكَ لَو غرم غَارِم الْأَرْش من عِنْده وَلَا يجزىء التَّمْلِيك بِالْقيمَةِ إِلَّا إِذا فَإِن فِي شَرط الْوَقْف جَوَاز تَحْصِيل مثل ذَلِك الْغِرَاس وَالْبناء لجِهَة الْموقف وَالله أعلم
213 - مَسْأَلَة رجل اسْتَأْجر مَكَانا إِجَارَة صَحِيحَة وَاجْتمعَ عَلَيْهِ من الْأُجْرَة فطالبه الْمُؤَجّر بِمَا اجْتمع عِنْده فَادّعى الْإِعْسَار إِن ثَبت إِعْسَاره عِنْد الْحَاكِم هَل للْآخر الْفَسْخ بِهَذَا أم لَا
أجَاب رَضِي الله عَنهُ هَذِه الْإِجَارَات الَّتِي تسْقط أجورها فِي عقودها على انسلاخ الشُّهُور وَنَحْوهَا لَا يثبت فِيهَا الْفَسْخ بالإعسار إِذْ لَا فسخ لَهُ بِأُجْرَة مَا لم تحل بعد لِأَنَّهُ لَا مُطَالبَة لَهُ بِهِ الْآن وَلَا فسخ لَهُ بِمَا حل وَانْقَضَت مدَّته لِأَن الْمَعْقُود عَلَيْهِ فِيهِ هُوَ الْمَنْفَعَة وَقد تلفت بِمُضِيِّ زَمَانه وَإِنَّمَا يجوز بالفلس عِنْد بَقَاء الْمَعْقُود عَلَيْهِ ليرْجع إِلَى عين مَاله بِالْفَسْخِ وَالله أعلم
214 - مَسْأَلَة رجل اسْتَأْجر حِصَّة من نَاظر إِجَارَة صَحِيحَة شَرْعِيَّة ثمَّ ادّعى النَّاظر أَنه كَانَ مكْرها أَو كَانَ بِدُونِ أُجْرَة الْمثل فَهَل تسمع

(1/330)


@ دَعْوَاهُ أم لَا وَإِذا سَمِعت فَهَل يجب عَلَيْهِ تَفْصِيل الْإِكْرَاه أم لَا
أجَاب رَضِي الله عَنهُ نعم تسمع دَعْوَاهُ وَعَلِيهِ تَفْصِيل الْإِكْرَاه
215 - مَسْأَلَة رجل قَالَ لرجل خُذ هذة الدَّابَّة والقمح الَّذِي لي واطحنه وأحمل لَك عَلَيْهَا كيلين من الْغلَّة فَأَخذهَا وَحمل عَلَيْهَا قمحه وقمح صَاحب الدَّابَّة فسرقت الدَّابَّة مِنْهُ فِي الطَّرِيق فَهَل يلْزمه الضَّمَان
أجَاب رَضِي الله عَنهُ إِن فرط وَجب عَلَيْهِ الضَّمَان وَإِن لم يفرط وَكَانَ قد جعل حمل الكيلين أُجْرَة فَلَا ضَمَان عَلَيْهِ وَإِن كَانَ ذَلِك على جِهَة الْعَارِية فَعَلَيهِ ضَمَان نصفهَا لَا غير
216 - مَسْأَلَة رجل لَهُ أحمال حناء فِي قيسارية وَوضع آخر إِلَى جَانب تِلْكَ الْأَحْمَال فَرده وَلم يعلم بهَا صَاحب الْأَحْمَال فَبَاعَهَا صَاحب الاحمال وَهُوَ يعْتَقد أَنَّهَا مَاله فقبضها المُشْتَرِي من الْوَضع الَّذِي وَضعهَا مَالِكهَا فِيهِ وَلم يستول عَلَيْهَا البَائِع وَلَا مَسهَا بِيَدِهِ فَهَل لمَالِكهَا أَن يُطَالب البَائِع بهَا أَو ببدلها أَو يُطَالب المُشْتَرِي وَلَا ضَمَان لَهُ على البَائِع أصلا أم لَهُ أَن يطالبهما جَمِيعًا وَلَو عدمت فِي يَد المُشْتَرِي وَلم يعْتَرف المُشْتَرِي أَنَّهَا ملك مَالِكهَا وَقَالَ لَا أَدْرِي إِلَّا الثّمن فَقَط وَلم يكن لصَاحِبهَا بَيِّنَة وَقيمتهَا أَكثر من الثّمن وَمثله فَهَل يجب على البَائِع مَا زَاد على الثّمن
أجَاب رَضِي الله عَنهُ مُقْتَضى الْمَذْهَب أَنه يُطَالب المُشْتَرِي الْقَابِض وَلَا ضَمَان على البَائِع أصلا وَإِذا اعْترف البَائِع بِأَن ذَلِك للْمَالِك الْمَذْكُور فعلى المُشْتَرِي عِنْد عَدمه تَسْلِيم الثّمن إِلَى من اعْترف لَهُ البَائِع

(1/331)


@ بِاسْتِحْقَاق عوض ذَلِك وَلَا يلْزم البَائِع وَالْمُشْتَرِي مَا زَاد على الثّمن وَالله أعلم
217 - مَسْأَلَة رجل أعْطى دَابَّة إِلَى خاني يحفظها فِي الخان فانفلتت على هَذِه الدَّابَّة دَابَّة أُخْرَى فقتلتها وَلم يقدر الخاني على تَخْلِيصهَا وَلم يحضر ذك إِلَّا الخاني فَهَل يجب ضَمَانهَا على الخاني أَو على مَالك الدَّابَّة
أجَاب رَضِي الله عَنهُ لَا ضَمَان على الخاني إِذا غلبته وَلم يفرط لِأَنَّهُ وَالْحَالة هَذِه لَا ينْسب إِلَيْهِ مَا جرى وَأما الْمَالِك فان كَانَت مُعْتَادَة للوصول على الدَّوَابّ وَلم يعرف بذلك من ترك الدَّابَّة المقتولة هُنَاكَ فَعَلَيهِ ضَمَانهَا وَإِن لم تكن مُعْتَادَة لذَلِك وَلم يكن مَعهَا حِينَئِذٍ فَلَا ضَمَان عَلَيْهِ وَفِي الْإِبَانَة مَا يدل على ذَلِك وَالله أعلم وَمَسْأَلَة اصطدام السفينتين إِذا غلبتهما لَا ضَمَان عَلَيْهَا يدل على أَن من فِي يَده الدَّابَّة إِذا غلبته لَا ضَمَان عَلَيْهِ وَالله أعلم
218 - مَسْأَلَة رجل أجر أَرضًا مُدَّة مَعْلُومَة بِأُجْرَة مَعْلُومَة ثمَّ بَاعهَا من رجل آخر قبل انْقِضَاء الأجارة فَهَل يَصح البيع أم لَا
أجَاب رَضِي الله عَنهُ نعم يَصح بِشَرْطِهِ وَلَا تفْسد الأجارة وَالله أعلم
219 - مَسْأَلَة رجل اسْتَأْجر دَابَّة ليرْكبَهَا إِلَى قَرْيَة مَعْلُومَة فركبها إِلَى بعض الطَّرِيق ثمَّ رَجَعَ رَاكِبًا لَهَا من غير إِذن الْمُؤَجّر فَهَل يجب عَلَيْهِ الْأُجْرَة الْمُسَمَّاة أَو يجب قسط مِنْهَا وقسط آخر من أُجْرَة الْمثل لرجوعه

(1/332)


@ أجَاب رَضِي الله عَنهُ وَقَالَ إِن حَبسهَا فِي يَده مُدَّة يُمكنهُ الْمسير فِيهَا إِلَى الْقرْيَة الْمعينَة لزمَه الْأُجْرَة الْمُسَمَّاة بكمالها وَإِن ردهَا قبل ذَلِك لم يلْزمه قسط مَا بَقِي من المسيرة وَالله أعلم ثمَّ قَالَ بعد ذَلِك هَذَا يستمد من أصلين أَحدهمَا أَن الْمُكْتَرِي للدابة للرُّكُوب أَو غَيره اذا تسلمها وأمسكها فِي يَده مُدَّة يُمكنهُ فِيهَا اسْتِيفَاء الْمَنْفَعَة الْمَعْقُود عَلَيْهَا وَلم يستوفها تَسْتَقِر عَلَيْهَا الْأُجْرَة وَالثَّانِي أَنه إِذا اكتراها ليرْكبَهَا الى قَرْيَة مُعينَة فركبها الى قَرْيَة أُخْرَى فِي مثل تِلْكَ الْمسَافَة جَازَ ذَلِك واستقرت عَلَيْهِ الْأُجْرَة الْمُسَمَّاة نظرا إِلَى الْقَاعِدَة المقررة فِي أَنه يجوز ابدال الْمُسْتَوْفى بِهِ كَمَا أَنه اذا اسْتَأْجر لخياطة ثوب معِين فأبدله بِثَوْب مثله أَو اسْتَأْجر امْرَأَة لإرضاع صبي فأبدله بصبي آخر وَفِي ذَلِك قَولَانِ وَالْمُخْتَار جَوَاز الْإِبْدَال وَهَذَا بَين أصلين أَحدهمَا جَوَاز الْإِبْدَال فِي الْمُسْتَوْفى بِهِ كالراكب وَالثَّانِي جَوَاز الْإِبْدَال فِي الْمُسْتَوْفى مِنْهُ كالدابة وَالله أعلم
220 - مَسْأَلَة رجل اسْتَأْجر أَرضًا للزِّرَاعَة بِحَقِّهَا من المَاء فزرع ثمَّ يبس الزَّرْع فَهَل يلْزمه الْأُجْرَة
أجَاب رَضِي الله عَنهُ يلْزمه أُجْرَة مُدَّة الحرق والزراعة واشتغال الأَرْض بنبات الزَّرْع وَلَا يلْزمه أُجْرَة مُدَّة تعذر اسْتِعْمَاله وانتفاعه بِالْأَرْضِ هَذَا إِذا لم يفْسخ وَله الْفَسْخ بِسَبَب انْقِطَاع حق الْمَأْجُور من المَاء وَالله أعلم
221 - مَسْأَلَة رجل اسْتَأْجر رجلا على أَن يقْعد مَكَانَهُ فِي الْحَبْس فَقعدَ مَكَانَهُ مُدَّة فَهَل يسْتَحق الْأُجْرَة على ذَلِك
أجَاب رَضِي الله عَنهُ أَنه يسْتَحق الْأُجْرَة وَوَجهه أَن الْمَنَافِع كأعيان الْأَمْوَال وَهَذَا استدعاء لإتلاف مَنَافِعه بعوض لغَرَض صَحِيح فَيسْتَحق

(1/333)


@ الْعِوَض كَمَا لَو قَالَ ألق متاعك فِي الْبَحْر وَعلي ضَمَانه وكما لَو قَالَ طلق زَوجتك وَعلي ألف وَالله أعلم
222 - مَسْأَلَة شخص اسْتَأْجر طاحونة سنة ثمَّ أَنَّهَا احْتَاجَت إِلَى الْعِمَارَة فاستقال الْمُسْتَأْجر الْمُؤَجّر ليعمرها الْمَالِك فَلَمَّا عمرها اخْتلفَا فَقَالَ الْمُسْتَأْجر لم تكن الْإِقَالَة إِلَّا فِي مُدَّة الْعِمَارَة فَحسب وَقَالَ الآخر بل كَانَت فِي العقد مُطلقًا فِي العقد مُطلقًا فِي جَمِيع مدَّته فَالْقَوْل قَول من مِنْهُمَا وَإِذا كَانَ القَوْل قَول الْمُسْتَأْجر فِي بَقَاء العقد فَهَل للْمَالِك مُطَالبَته بِأَجْر أَيَّام الْعِمَارَة أم لَا
أجَاب رَضِي الله عَنهُ أَن القَوْل قَول الْمُسْتَأْجر مَعَ يَمِينه لِأَن فِيمَا يَدعِيهِ نفيا لصِحَّة الْإِقَالَة وإثباتا لاستمرار العقد فهذان أصلان فِي جِهَتَيْنِ يعضد أَحدهمَا الآخر وَلَيْسَ مَعَ الْمُؤَجّر إِلَّا أَن الظَّاهِر صِحَة الاقالة وَفِي هَذَا مَا يُفَارق بِهِ هَذِه الْمَسْأَلَة مسَائِل الْوَجْهَيْنِ فِيمَا إِذا تعَارض الأَصْل وَالظَّاهِر حَيْثُ يدعى أَحدهمَا فَسَاد العقد وَيَدعِي الآخر صِحَّته وَفِيه أَيْضا مَا يمْنَع من إِثْبَات التخالف بَينهمَا لاختلافهما فِي مِقْدَار مَا وَقعت فِيهِ الْإِقَالَة ثمَّ لَيْسَ للْمَالِك مُطَالبَة بِأُجْرَة أَمَام الْعِمَارَة لتضمن دَعْوَاهُ نفى اسْتِحْقَاقه لَهَا وَمَا يَدْفَعهُ الْمُسْتَأْجر من الْأُجْرَة للْمَالِك أَن يَأْخُذ مِنْهُ مِقْدَار أُجْرَة الْمثل وَمَا زَاد عَلَيْهَا فَهُوَ غير مُسْتَحقّ لَهُ بِزَعْمِهِ وَإِن كَانَ صَادِقا فِي دَعْوَاهُ فَلَا يحل لَهُ أَخذ مَا زَاد على أُجْرَة الْمثل وَالله أعلم
223 - مَسْأَلَة إِنْسَان أَخذ بيد مَمْلُوك لغيره وخوفه بِسَبَب تُهْمَة فهرب من سَاعَته فَهَل عَلَيْهِ ضمانة

(1/334)


@
أجَاب رَضِي الله عَنهُ لَا يضمنهُ مهما لم يكن قد نَقله من مَكَان إِلَى مَكَان وَمن هَذَا الْقَبِيل إِذا انْتقل العَبْد مَعَه مُسْتقِلّا بِاخْتِيَارِهِ وَهَكَذَا إِذا كَانَ قد نَقله من مَكَان إِلَى مَكَان وَلَكِن لَا على قصد الِاسْتِيلَاء عَلَيْهِ وخوفه فهرب فَلَا يضمنهُ بذلك وَالله أعلم
نقل أَن الْمَذْهَب فِيمَا إِذا أَخذ كتابا من بَين يَدي صَاحبه بِغَيْر إِذْنه لَا يكون عوضا حَتَّى يكون قَاصِدا للاستيلاء عَلَيْهِ وَكَأَنَّهُ إِذا لم يقْصد الِاسْتِيلَاء لَا يكون مثبتا لَدَيْهِ وَالله أعلم
224 - مَسْأَلَة فلاح فلح أَرضًا سلطانية ثمَّ جَاءَ آخر فانتزعها مِنْهُ وزرعها بِغَيْر إِذن مِنْهُ لَهُ فَمَا الَّذِي يجب عَلَيْهِ للفلاح ثمَّ جَاءَت أُخْرَى فِي مُسْتَأْجر انْقَضتْ أجارته وَله فِي الأَرْض فلاحة وأجرها من غَيرهَا
فَكَانَ الْجَواب فِي هَذِه أَنه إِذا لم يكن قد زرع على هَذِه الفلاحة وَلَا انْتفع بهَا فَلهُ على مَالك الأَرْض لَا على الْمُسْتَأْجر الثَّانِي قيمَة فلاحته وَهِي مَا زَاد فِي قيمَة الأَرْض بِسَبَب الفلاحة وَهِي اخْتِيَار القَوْل الَّذِي نقُول فِيهِ إِذا زَالَ عقد المُشْتَرِي بِالْفَسْخِ بالفلس وَله فِي الْمَبِيع مثل هَذَا الْأَثر فَإِنَّهُ يبْقى للْمُشْتَرِي حَتَّى أَنه بذل لَهُ البَائِع قِيمَته وَهُوَ مَا زَاد بِسَبَبِهِ فِي الْمَبِيع وَإِلَّا بيع واختص المُشْتَرِي بِمَا يخص ذَلِك من الثّمن وَهَذَا القَوْل هُوَ الصَّحِيح هُنَاكَ وَهُوَ جَار هَا هُنَا فَإِنَّهُ أثبت فِي الأَرْض فلاحة مُحْتَرمَة لكَونه يملك ذَلِك بِعقد صَحِيح وَأما الْمَسْأَلَة الأولى فَهِيَ مُخَالفَة لهَذِهِ فَإِن الْمُعَامَلَة فِيهَا فَاسِدَة وَيَد الْفَلاح عَلَيْهَا ضامنة وَاجِبَة الْإِزَالَة فقد قَالَ لَا يجب لَهُ مَا أحدثه فِي الأَرْض وَمن أَمْثَال هَذَا الْأَثر كَمَا فِي الْغَاصِب وَلَيْسَ من قبيل الْمُسْتَأْجر على هَذِه الفلاحة إِجَارَة فَاسِدَة حَتَّى يسْتَحق أُجْرَة الْمثل فَإِن هَذِه الْمُزَارعَة لَيْسَ موضوعها ذَلِك وَإِنَّمَا الْفَلاح فِيهَا هُوَ الْمُسْتَأْجر اسْتَأْجر الأَرْض بِبَعْض مَا

(1/335)


@ يزرع فيفلح وَيعْمل نَفسه لصَاحب الأَرْض وَلَيْسَ لصَاحب الأَرْض عَلَيْهِ سوى الْجُزْء من الزَّرْع الْمَشْرُوط لَيْسَ لَهُ عمل فلاحته وَلَا غَيرهَا وَالله أعلم
وَلَكِن الَّذِي اسْتَقر عَلَيْهِ الرَّأْي بعد زمَان وَتوقف مُسْتَمر فِيمَا يُرِيد من الاستفتاءات فِيمَا يبْقى للفلاحين من الفلاحة فِي الْأَرَاضِي الَّتِي زارعوا عَلَيْهَا ثمَّ فلحوها وفارقوا قبل زرعهم لَهَا أَن للفلاح عوض فلاحته حَتَّى لَا يتَمَكَّن الْمَالِك من الِانْتِفَاع بِمَا فلح إِلَّا بعوض الفلاحة لِأَنَّهُ وَإِن عمل لنَفسِهِ فالمفلس أَيْضا عمل لنَفسِهِ وَإِن كَانَت الْمُعَامَلَة فَاسِدَة فَإِذا غرس بِإِجَارَة فَاسِدَة لم يكن للْمَالِك قلع غراسه مجَّانا نظرا إِلَى وجود الْأذن ثمَّ عوض الفلاحة قد سبق كنيتي وَلَا طرفا من التَّعَرُّض لكيفية مَعْرفَته وَالله أعلم
وَكَذَلِكَ فِي الْفلس وَبَينهمَا فرق من حَيْثُ أَن ذَلِك عمل فِي ملكه وَهَذَا عمل فِي ملك غَيره وَلَكِن هِيَ كعين قَائِمَة لَهُ فَيَنْبَغِي أَن تجب قيمتهَا وَهُوَ مَا زَاد فِي الأَرْض بِسَبَبِهَا على الْمُتْلف لَهَا بِالِانْتِفَاعِ فِي الْمَسْأَلَة الْمَذْكُورَة أَولا وَوَقعت بعد أُخْرَى فِيهَا أَن الأَرْض السُّلْطَانِيَّة بِيعَتْ فَقلت للفالح أَن يمْنَع المُشْتَرِي من الِانْتِفَاع بهَا إِلَّا بعوض الفلاحة وَهُوَ مَا زَاد فِي قيمَة الأَرْض بهَا وَالله أعلم
225 - مَسْأَلَة الجابي إِذا ادّعى تَسْلِيم مَا جباه إِلَى الَّذِي اسْتَأْجرهُ على الجباية وَأنكر فَالْقَوْل قَول من
أجَاب القَوْل قَول الجابي مَعَ يَمِينه لكَونه أَمينا فِي ذَلِك فَهُوَ كَالْمُودعِ وَهَذَا اخْتِيَار لمَذْهَب المؤازرة وَفِي طَريقَة الْعرَاق وَجْهَان وَقد قَالَ الشَّاشِي الْأَخير الْمَذْهَب أَنه لَا يقبل قَوْله وَالْآخرُونَ يخالفون فِي هَذَا وَهُوَ أقوى وَهَذَا الْخلاف قد ذكر فِي الْوكَالَة فِي البيع يَجْعَل إِذا ادّعى أَنه سلم

(1/336)


@ الثّمن الى الْمُوكل وَأنكر وَهَذِه الصُّورَة مؤاخية لهَذِهِ الْحَادِثَة وَالله أعلم
226 - مَسْأَلَة من حوران الْعَادة أَن يَأْخُذ أحدهم من صَاحبه ثوره يضمه إِلَى ثَوْر نَفسه يحرث عَلَيْهِمَا يَوْمًا وَيَأْخُذ الآخر يَوْمًا آخر ثَوْر هَذَا لمثل ذَلِك فورد مَا صورته رجل أَخذ من رجل رَأس بقر ليحرث عَلَيْهِ بِشَرْط أَن يُعْطِيهِ الآخر رَأس بقر ليحرث عَلَيْهِ مثل مَا حرث على الَّذِي لَهُ فَهَلَك الرَّأْس الأول قبل رده إِلَى مَالِكه فَهَل يجب الضَّمَان أم لَا
أجَاب رَضِي الله عَنهُ لَا يثبت فِي هَذَا الضَّمَان الْعَارِية بل حكمه حكم الأجارة الْفَاسِدَة وَحكمهَا الْأَمَانَة وَعند هَذَا فَلَا ضَمَان عَلَيْهِ إِن تلف بِغَيْر تَفْرِيط وَعَلِيهِ الضَّمَان إِن تلف بتفريط أَو لم يتْلف بتفريط لَكِن فرط قبل تلفه تفريطا دخل بِهِ فِي ضَمَانه ثمَّ لم يبرأ من ضَمَانه حَتَّى تلف وَالله أعلم
227 - مَسْأَلَة رجل اسْتَأْجر مَكَانا وَسلم أجرته إِلَى الْآجر ثمَّ أقرّ أَنه لَا حق لَهُ عِنْد الآخر إِقْرَارا نافيا لكل حق على الْإِطْلَاق ثمَّ بَان فَسَاد تِلْكَ الاجارة فَهَل لَهُ الرُّجُوع بِتِلْكَ الْأُجْرَة الَّتِي أقبضها إِيَّاه
أجَاب رَضِي الله عَنهُ لَهُ الرُّجُوع لِأَن الْإِقْرَار الْمَذْكُور بناه على الظَّاهِر من الصِّحَّة الَّذِي انْكَشَفَ خِلَافه فَكَأَنَّهُ تجدّد لَهُ بعد الْإِقْرَار حق بِسَبَب متجدد وَهَذَا أوضح مِمَّا جَاءَ مَنْقُولًا فِي نَحوه مثل مَا هُوَ مَحْفُوظ فِي أَن المُشْتَرِي إِذا أقرّ بِأَن مَا اشْتَرَاهُ ملك للْبَائِع ثمَّ قَامَت الْبَيِّنَة بِكَوْنِهِ مُسْتَحقّا فَرجع الْمقر عَن إِقْرَاره وَأَرَادَ الرُّجُوع على البَائِع بِالثّمن فَالَّذِي قطع بِهِ كَثِيرُونَ أَو الْأَكْثَرُونَ والقفال مِنْهُم وَهُوَ الصَّحِيح قَالَ الإِمَام فِي الدَّعَاوَى وَإِلَيْهِ ميل الْمُفْتِينَ أَن لَهُ ذَلِك لِأَنَّهُ بنى إِقْرَاره على ظَاهر الْحَال وَقد انْكَشَفَ بِالْبَيِّنَةِ خِلَافه فَكَأَنَّهُ أخبر عَن الْوَاقِع وَهُوَ ثُبُوت الْملك حكما وظاهرا فَإِذا زَالَ ذَلِك زَالَ إِقْرَاره وَأَنه لم يقر بسواه وَهَذَا إِذا كَانَ إِقْرَاره فِي

(1/337)


@ ضمن محكامة الْمُسْتَحق على مَا أشعر بِهِ كَلَام الْغَزالِيّ فِي الدَّعَاوَى من الْوَسِيط فَإِن تقدم الْإِقْرَار ثمَّ جرت الْخُصُومَة فَكَذَلِك الْعلَّة الْمَذْكُورَة وَفِي نِهَايَة الْمطلب فِي الضَّمَان بَيَان هَذَا
غير أَن هَذَا مطرد فِي الْإِقْرَار على نَفسه الَّذِي يستعقب شَيْئا يثبت بِسَبَبِهِ وللمقر لَهُ على الْمقر كَمَا إِذا أقرّ لغيره بدين أَو عين ثمَّ رَجَعَ وَقَالَ بنيته على حَال انْكَشَفَ أما لِأَنَّهُ يلْزم مِنْهُ إِبْطَاله حَقًا أثْبته لغيره وَأما لِأَنَّهُ لَا بَيِّنَة تقوم بِخِلَاف ذَلِك لِأَنَّهُ لَا يتَمَكَّن هُوَ من إِقَامَتهَا لما فِيهِ من تَكْذِيب قَوْله السَّابِق بِخِلَاف مَسْأَلَة الِاسْتِحْقَاق فَإِن الْبَيِّنَة فِيهَا يقيمها غَيره
ثمَّ وجدت الْغَزالِيّ رَحمَه الله قد أَتَى فِي الْوَسِيط بضابط لم أره لشيخه فِي النِّهَايَة وَأرَاهُ الْمُعْتَمد فِيمَا ذكرته فَذكر أَن الرُّجُوع يقبل على ذَلِك الْمَذْهَب الْمُخْتَار عَن كل إِقْرَار يسْتَند إِلَى الظَّن وَلَا يتَصَوَّر فِي الْعَادة إِسْنَاده إِلَى الْقطع أما مَا يتَصَوَّر إِسْنَاده إِلَى الْيَقِين فَلَا يقبل فِيهِ الرُّجُوع وَلَا يلْتَفت إِلَى قَوْله بنيته على ظن انْكَشَفَ بِالْحجَّةِ يعد أَنه بَاطِل بل إِن أَرَادَ التَّحْلِيف بعد ذكره عذرا مُحْتملا فَهَذَا فِيهِ الْخلاف الْمَعْرُوف فِي الْإِقْرَار بِالْقَبْضِ فِي الرَّهْن ثمَّ لَا بُد من ذكره مُسْتَند رُجُوعه فِي قبُوله دَعْوَاهُ بذلك وَالله أعلم
228 - مَسْأَلَة رجل اسْتَأْجر مَكَانا مَعْلُوما مَوْصُوفا مُدَّة مَعْلُومَة بِأُجْرَة مُسَمَّاة وَأَبْرَأ الْمُؤَجّر الْمُسْتَأْجر من الْأُجْرَة الْمَذْكُورَة بَرَاءَة اسقاط لَا بَرَاءَة قبض ثمَّ تَقَايلا عقد الْإِيجَار وتلفظا بالتقايل وتشاهدا عَلَيْهِ وَبعد ذَلِك طلب الْمُسْتَأْجر من الْمُؤَجّر الْأُجْرَة الْمُسَمَّاة وَقَالَ قد تقايلنا فِي

(1/338)


@ الْمَكَان وَأَنت أبرأتني من الْأُجْرَة وَأَنا مَا أَبْرَأتك بل أطالبك بِالْأُجْرَةِ الَّتِي وَقع العقد عَلَيْهَا وأبرأتني مِنْهَا وَلم يكن الْمُؤَجّر قبض من الْمُسْتَأْجر شَيْئا فَهَل يلْزم الْمُؤَجّر فِي هَذِه الصُّورَة شَيْء أم لَا
أجَاب رَضِي الله عَنهُ لَا يلْزمه من ذَلِك شَيْء ومطالبته بذلك عجب وَالله أعلم
229 - مَسْأَلَة رجل ضمن بستانا من رجل فِيهِ أَشجَار مُخْتَلفَة الثِّمَار وَلم يكن لَهُ فِي أَرض زريعة وَانْقطع المَاء فيبست الْأَشْجَار وَتَلفت الثِّمَار وَنهب مَا سلم وَلم يستغل الضَّامِن من هَذَا الْمَوْضُوع الْمَذْكُور شَيْئا فَهَل يلْزمه الضَّمَان لرب الْملك مَعَ أَنه لم يَأْخُذ مِنْهُ شَيْئا وَكَانَ الْمَكَان مَعَه عقدا فَقطع بعض الشّجر فَهَل يَنْفَسِخ العقد بِقطع بعض الشّجر أم لَا
أجَاب رَضِي الله عَنهُ لَا يسْقط عَنهُ الْأُجْرَة وَلَا شَيْء مِنْهَا بِمُجَرَّد مَا ذكر وَإِذا لم يكن قد فسخ فِي حَالَة انْقِطَاع المَاء فَلَا تَنْفَسِخ الْإِجَارَة لما ذكر من تجرده وَالله أعلم
230 - مَسْأَلَة فِي امْرَأَة تبصر بِالشَّعِيرِ وَرجل يضْرب بالرمل ويطلع قَوْلهمَا حق وَآخر يبصر بالحصى ويطلع قَوْله حق هَل يجوز ذَلِك أَو يحرم أم لَا
أجَاب رَضِي الله عَنهُ لَا يجوز هَذَا من الْفَاعِل وَالْمَفْعُول وَالله أعلم

(1/339)


- مَسْأَلَة فِيمَن اسْتَأْجر أَرضًا مَوْقُوفَة على الْجَامِع لَيْسَ فها أجارة صَحِيحَة فَلَمَّا انْقَضتْ اسْتَأْجرهَا شخص آخر فَهَل يَصح أجارة هَذَا الْمُسْتَأْجر وَمَا حكم هَذَا الْبناء هَل يتَخَيَّر فِيهِ بَين الْأُمُور الثَّلَاثَة الْمُسْتَأْجر أَو النَّاظر أَو لَا
أجَاب رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ اسْتِئْجَار هَذَا الْمُسْتَأْجر هَذِه الأَرْض مَعَ شغلها بَاطِل وَلَا علاقَة لَهُ مَعَ ذَلِك فِي الْبناء وَحكم هَذَا الْبناء الْإِبْقَاء بِأُجْرَة الْمثل وَلَيْسَ هَذَا من المواطن الَّتِي يُطلق فِيهَا ثُبُوت التَّخْيِير بَين ذَلِك وَبَين النَّقْص بِأَرْش النَّقْص والتملك بِالْقيمَةِ فَإِن ذَلِك لَو كَانَ لَكَانَ للنَّاظِر فِي الْوَقْف للْوَقْف وَمن أَجله وَلَا سَبِيل إِلَى النَّقْص بِبَدَل أرش النَّقْص من الْوَقْف فَإِنَّهُ تعاطى إتلافا مِنْهُ على الْعين على أَن يغرم لَهُ من مَال الْوَقْف وَهُوَ تَخْيِير لَا يجْهد بِجَوَاز مثله وَلَا ضَرُورَة تلجىء الْوَقْف إِلَيْهِ وَهَكَذَا لَا سَبِيل لَهُ إِلَى تملك الْبناء للْوَقْف بِالْقيمَةِ فِيمَا إِذا وقفت الأَرْض عرضة فَإِنَّهُ يُخرجهَا بذلك عَن الَّذِي وقفت عَلَيْهِ ويجعلها مَبْنِيَّة للْوَقْف وَهِي مَوْقُوفَة قَضَاء وَهِي تعْتَبر للْوَقْف لَا يجوز للنَّاظِر مثله حَتَّى لَا يجوز لَهُ اتِّخَاذ الْبُسْتَان أَو الْحمام دَارا أَو بِالْعَكْسِ وَهَكَذَا لَا سَبِيل لَهُ إِلَى ذَلِك حَيْثُ لَا يجوز صرف شَيْء من الْمَوْقُوف إِلَى تَحْدِيد بِنَاء للْوَقْف لكَونه خَارِجا عَن تصرفه عَن الْجِهَات الْمعينَة لريعه فَإِن انْتَفَت هَذِه الْأُمُور بِأَن بدل النَّاظر أرش النَّقْص من مَاله لينقص أَو كَانَ فِي ذَلِك رد للْوَقْف الى حَاله كَانَ عَلَيْهَا عِنْد الْوَقْف قبل

(1/340)


@ صَيْرُورَته عرض وَلم يكن فِي ذَلِك فخالفة للصفة الَّتِي وقفت الأَرْض عَلَيْهَا فَلَا مَانع من ذَلِك حِينَئِذٍ لم ينْحَصر الْجَائِز فِي الْإِبْقَاء بِالْأُجْرَةِ وَالله تَعَالَى أعلم
232 - مَسْأَلَة رجل اكترى دَابَّة إِلَى مَكَان فسافر بهَا إِلَى غير ذَلِك الْمَكَان وَكَانَ شَرط أَن لَا يحملهَا إِلَّا فِي الرُّجُوع فَحمل عَلَيْهَا فِي الرواح وَالرُّجُوع وَحمل أَكثر من الْمِقْدَار الْمَشْرُوط ثمَّ سلم الدَّابَّة إِلَى صَاحبهَا فَتلفت فَمَا الَّذِي يلْزمه
أجَاب رَضِي الله عَنهُ ينظر فَإِن كَانَ الطَّرِيق الَّذِي خَالفه إِلَيْهِ أوعر من الطَّرِيق الْمَشْرُوط وأصعب فَعَلَيهِ أُجْرَة الْمثل للدابة لَا الْأُجْرَة الْمُسَمَّاة وَيلْزمهُ ضَمَان الدَّابَّة إِذا كَانَ تلفهَا فِي يَد مَالِكهَا بالتعب الناشيء من اسْتِعْمَالهَا الْمَذْكُور الْخَارِج عَن مَحل الاذن وَإِن لم يكن الطَّرِيق الَّذِي سلكه أصعب من الْمَشْرُوط فَعَلَيهِ الْمُسَمّى من الْمِقْدَار الْمسَاوِي للمشروط وَأُجْرَة الْمثل للمقدار الزَّائِد عَلَيْهِ مَسَافَة ومحمولا وَعَلِيهِ من ضَمَانهَا إِذا تلفت من ذَلِك قسط مَا زَاد على الْمَشْرُوط إِن كَانَ نصفا فَنصف فنصفها وَإِن كَانَ ثلثين فثلثي قيمتهَا وَهَكَذَا هَذَا على الْأَصَح فِي ذَلِك وَالله أعلم
233 - مَسْأَلَة رجل اسْتَأْجر بَيت فرن مُدَّة مَعْلُومَة أجارة صَحِيحَة ثمَّ بعد الْإِشْهَاد عَلَيْهِ ذكر فِي قفا الْمَكْتُوب أَنه الْتزم لمَالِك الفرن خبز سَبْعَة أرغفة كل يَوْم إِلَى آخر الْمدَّة التزاما شَرْعِيًّا من وَجه صَحِيح شَرْعِي فَهَل يُؤَاخذ بِهَذَا الإلتزام أم لَا وَهل إِذا كَانَ يُؤَاخذ بِهَذَا الِالْتِزَام وَلم يخبز لمَالِك الفرن شَيْئا يكون عَلَيْهِ قيمَة ذَلِك أم لَا
أجَاب رَضِي الله عَنهُ لَا يُؤَاخذ بِهِ فان الْتِزَام خبز سَبْعَة أرغفة مَجْهُولَة

(1/341)


@ الْمِقْدَار والكيفية لَا طَرِيق شَرْعِيًّا يَصح بِهِ الْتِزَامه مَفْعُولا فِي حَيَاته وَالله أعلم

234 - مَسْأَلَة رجل اسْتَأْجر أَرضًا من قَرْيَة وَقَالَ فِي كتاب الأجارة وَفِي هَذِه الضَّيْعَة عُيُون مَاء نبع برسم سقِِي مَا تركبه المَاء من أرْضهَا وَلم يعلمَا مِقْدَار ذَلِك فَهَل تفْسد الأجارة بذلك وَإِذا قَالَ بِكَذَا غرارة حِنْطَة جَيِّدَة حَمْرَاء حورانية بعلى ممتلئة الْحبّ سَالِمَة من كل عيب فَهَل يجْبر على غربلتها اذا أحضرها على مَا جرت بِهِ الْعَادة من إِحْضَار الغلات من الْقرى وَهل يلْزمه تَسْلِيمهَا بالقرية الْمُسْتَأْجرَة أم يجْبر على إحضارها الى الْبَلدة من غير أَن يتَّفقَا على شَرط فِي كتاب الأجارة وَإِذا اخْتلفَا فِي هَذَا الشَّرْط فَمَا الحكم
أجَاب رَضِي الله عَنهُ إِذا كَانَ المَاء الْمَذْكُور دَاخِلا فِي الأجارة كفى رُؤْيَة الْعُيُون وَمَا يَنْبع مِنْهَا وَيظْهر إِلَى خَارِجهَا وَلَا يشْتَرط معرفَة مَا يركبه مَاؤُهَا من الْأَرَاضِي وَإِذا لم يذكر فِي الْقَمْح صغَار الْحبّ أَو كباره أَو وسط لم يَصح العقد وَإِذا استوفيا الْأَوْصَاف كفى أَن تحضر نقيه على الْعَادة وَلَا يشْتَرط فِيهَا غربلتها مِمَّا لَا يعد عَيْبا فِيهَا وَيجب تَسْلِيمهَا فِي مَوضِع العقد وَإِذا وجد فِي ذَلِك شَرط وَاخْتلفُوا فِي الْمَشْرُوط يشرع التخالف بأحكامه وتفاصيله وَالله أعلم
235 - مَسْأَلَة رجل اسْتَأْجر طاحونة يديرها المَاء وتسلمها وَهِي دَائِرَة فَادّعى فِي أثْنَاء الْمدَّة انْقِطَاع دورانها وَأنكر الْأجر فَالْقَوْل قَول من مِنْهُمَا وعَلى من الْبَيِّنَة

(1/342)


@ أجَاب رَضِي الله عَنهُ القَوْل قَول الْآجر مَعَ يَمِينه إِذا لم يقم الْمُسْتَأْجر الْبَيِّنَة هَذَا مُقْتَضى الْقَوَاعِد إِذْ الأَصْل عدم الِانْقِطَاع وَالظَّاهِر السَّلامَة من الْعَيْب وَالْأَصْل بَقَاء العقد ولزومه وَقد قبض الْعين سليمَة وَقَبضهَا فِي الحكم يتنزل منزلَة قبض الْمَنَافِع فِي جَوَاز التَّصَرُّف فِيهَا بالأجارة وَغير ذَلِك حَتَّى لَا يُقَال الأَصْل عدم اسْتِيفَائه الْمَنْفَعَة وَالله أعلم
236 - مَسْأَلَة رجل جَاءَ بفرس إِلَى خَان فربطها وَقَالَ لصبي لم يبلغ وَأَشَارَ إِلَى تبن عِنْدهَا خدمته وعلق عَلَيْهَا فِي المخلاة وَلم يحذر مِنْهَا فَلَمَّا دنا مِنْهَا الصَّبِي رفسته وَهُوَ حَاضر فَمَا الَّذِي يجب وَقد أنكر أَنَّهَا رموح
أجَاب رَضِي الله عَنهُ يجب دِيَة الصَّبِي على عَاقِلَة الْمَذْكُورَة فَإِن لم يكن لَهُ عَاقِلَة فَعَلَيهِ فِي مَاله وَهَذَا لَهُ نَظَائِر مسطورة فِي الْمُهَذّب وَغَيره وَقد علم أَنَّهَا اذا أتلفت شَيْئا وَجب على من هُوَ مَعهَا وَإِن لم يكن على مَالِكهَا ضمانة وَلَا تَنْحَصِر فِي أَن يكون سائقها أَو قائدها أَو راكبها وَفِي الْمُهَذّب أَنه لَو أرسل كَلْبه الْعَقُور وَجب عَلَيْهِ ضَمَان مَا يتلفه وَهَذَا مُعْتَمد هَا هُنَا فِيمَا إِذا ثَبت أَنَّهَا رموح مَعَ أَنه لم يوثق رجلهَا بِقَيْد وَلَا إِشْكَال وَنَحْوهمَا وَالله أعلم
237 - مَسْأَلَة وجوابها استفتى فِي فسخ الأجارة بالإفلاس مَا مَعْنَاهُ لَا يثبت الْفَسْخ فِي هَذِه الأجارات الَّتِي لَا يسْتَحق فِيهَا أُجْرَة كل شهر إِلَّا عِنْد انقضائه لِأَن الْفَسْخ بالإفلاس من شَرطه أَن يكون الْعِوَض حَالا وَأَن يكون المعوض قَائِما بَاقِيا فَلَا يجوز فِيهَا الْفَسْخ إِذا قبل انْقِضَاء الشَّهْر لِأَنَّهُ بعد لم يسْتَحق الْأُجْرَة وَلَا بعد انْقِضَاء الشَّهْر لِأَن الْمَنْفَعَة الَّتِي هِيَ المعوض قد فَاتَت فَهِيَ كَالْبيع إِذا تلف وَهَكَذَا فِي كل شهر الْأَمر بِهَذِهِ المثابة فَيلْزم امْتنَاع الْفَسْخ بالفلس فِي هَذِه الأجارات أصلا

(1/343)


- مَسْأَلَة مَكَان مَوْقُوف شَرط واقفه أَنه لَا يُؤجر أَكثر من ثَلَاث سِنِين فَأَجره النَّاظر فِيهِ إِحْدَى وَعشْرين سنة فِي سَبْعَة عُقُود مُتَّصِلَة فِي مجْلِس وَاحِد عقد أَولا على ثَلَاث سِنِين ثمَّ عقد عقدا ثَانِيًا على ثَلَاث مُتَّصِلَة بِانْقِضَاء الأول وَهَكَذَا فَهَل تصح هَذِه الأجارات
أجَاب رَضِي الله عَنهُ يَصح العقد الأول وَلَا يَصح فِيمَا سواهُ وَهَذَا مَعَ أَن الْأَصَح عِنْد جمَاعَة من الْأَئِمَّة وَالَّذِي أفتى بِهِ أَنه تصح الأجارة من الْمُسْتَأْجر قبل انْقِضَاء أجارته لمُدَّة مُسْتَقْبلَة مُتَّصِلَة بِهَذِهِ الأجارة الأولى وَإِنَّمَا أَفْتيت بالإبطال هَا هُنَا بِنَاء عَليّ أَن الْأَصَح اتِّبَاع شُرُوط الْوَاقِف فِي الْمَنْع من الزِّيَادَة على الْمدَّة الَّتِي منع من الزِّيَادَة عَلَيْهَا وَذَلِكَ لأَنا إِنَّمَا صححنا العقد المستأنف مَعَ أَن مَذْهَبنَا أَنه لَا تجوز الأجارة على مُدَّة مُسْتَقْبلَة لِأَن المدتين المتصلتين فِي الْعقْدَيْنِ فِي معنى الْمدَّة الْوَاحِدَة فِي العقد الْوَاحِد وَهَذَا بِعَيْنِه يَقْتَضِي الْمَنْع فِي هَذِه الصُّورَة فَإِنَّهُ يَجْعَل ذَلِك بِمَثَابَة مَا إِذا عقد على المدتين فِي عقد وَاحِد فَيَقَع زَائِدا على الْمدَّة الَّتِي شَرطهَا الْوَاقِف وَمنع من الزياذة عَلَيْهَا والآن فمقصود الْوَاقِف الْمَنْع من مُطلق كل هَذِه الأجارة من غير مدتين أَن يَقع ذَلِك بعقود متواصلة أَو بِعقد وَاحِد وَالله أعلم
239 - مَسْأَلَة أجارة فِي مكتوبها أَنَّهَا أجارة صَحِيحَة جَامِعَة لشرائط الصِّحَّة عَارِية عَن الشَّرَائِط الْفَاسِدَة بِأُجْرَة هِيَ كَذَا وَكَذَا من الدَّرَاهِم وَالْغلَّة وَكَذَا وَكَذَا من التِّبْن أحمالا من أحمال الْجمال وَلم يُوصف التِّبْن بِأَكْثَرَ من هَذَا
أجَاب رَضِي الله عَنهُ يحكم بِفساد هَذِه الأجارة وَلَا يمْنَع من هَذَا

(1/344)


@ قَوْله أجارة صَحِيحَة جَامِعَة لشرائط الصِّحَّة فَإِنَّهَا صِفَات يَأْتِي بهَا الْكَاتِب لما ذكره لَا لما لم يذكرهُ مِمَّا لَيْسَ من شَأْنه أَن لَا يذكر اسْتغْنَاء بشهرته أَو نَحْوهَا عَن ذكره وَوصف مَا ذكره بذلك وصف بَاطِل لَا يُؤَاخذ بِمثلِهِ على مَا لَا يخفي هَذَا هُوَ الظَّاهِر ظهورا متلقى من الْعرف وَغَيره وَالله أعلم
240 - مَسْأَلَة اسْتَأْجر رجل دَارا من رجل شهرا معينا مثلا بِمِائَة قرطاس فَهَل تصح هَذِه الأجارة أم لَا من حَيْثُ أَن الْفُلُوس تخْتَلف بِالْكبرِ والصغر
أجَاب رَضِي الله عَنهُ قد كنت أَقُول أَن الْفُلُوس لَا يجوز العقد عَلَيْهَا فِي الذِّمَّة لِأَن مقدارها لَا يَنْضَبِط لِأَنَّهَا إِن انضبطت بِالْعدَدِ فوزنها يخْتَلف وَهُوَ مَقْصُود لِأَن نفس النّحاس مَقْصُود وَإِن ضبطت بِالْوَزْنِ فعددها يخْتَلف وعَلى هَذَا مَا يَفْعَله النَّاس مثل أَن يَشْتَرِي أحدهم من الفامي أَو غَيره شَيْئا بقرطاسين فِي ذمَّته غير مُعينَة لَا يجوز ثمَّ رَأَيْت بعد ذَلِك أَن ذَلِك جَائِز إِذا ضبطت بِالْعدَدِ وَلَا يضر اخْتِلَافهمَا فِي الصغر وَالْكبر والخفة والثقل لِأَن جَمِيع ذَلِك يروج رواجا وَاحِدًا وَهُوَ الْمَقْصُود مِنْهَا وَهِي فِي حَالَة كَونهَا مَضْرُوبَة لَا الْتِفَات فِيهَا إِلَى مِقْدَار الجرم لِأَنَّهُ لَا يقْصد مِنْهَا غير عرض النقدية والرواج وَمن نَظَائِر هَذِه الْأَصْنَام والملاهي إِذا كَانَ رصاصها مَقْصُودا حَيْثُ أفسدنا بيعهَا نظرا إِلَى مَنْفَعَتهَا الْحَاضِرَة الْمَقْصُودَة وإعراضا عَمَّا لَيْسَ بمقصود فِي الْحَال وَالله أعلم
241 - مَسْأَلَة رجل سلم إِلَى رجل دَرَاهِم وَأذن لَهُ أَن يُسَلِّمهَا الى فلاحين لَهُ على سَبِيل التقوية لَهُم على الْعَادة الْجَارِيَة فسلمها إِلَيْهِم وَكتب عَلَيْهِم بهَا حجَّة وَأشْهد عَلَيْهِم بِهِ فِيهَا ثمَّ بعد مُدَّة وَقع النزاع فَأنْكر

(1/345)


@ الفلاحين وَكَانَت الْحجَّة قد صاعت من حرز الْوَكِيل وَهُوَ بِغَيْر جعل فَادّعى الْوَكِيل التَّسْلِيم وَالْإِشْهَاد وضياع الْوَثِيقَة فَالْقَوْل من
أجَاب رَضِي الله عَنهُ لَا يقبل قَول الْوَكِيل بِالنِّسْبَةِ إِلَى الفلاحين من غير بَيِّنَة وَالْقَوْل قَوْلهم مَعَ أَيْمَانهم وَيقبل قَوْله بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْمُوكل فِي أَنه سلم وَأشْهد وضاعت الْوَثِيقَة فَإِنَّهُ أَمِين لَهُ فِي التَّسْلِيم إِلَيْهِم فَقبل قَوْله على من ائتمنه فِيهِ كَمَا يقبل قَوْله فِي التَّسْلِيم إِلَى الْمُوكل نَفسه وَهَذَا قوي يُوجب اخْتِيَار القَوْل بِقبُول قَول الْوَكِيل فِي التَّسْلِيم إِلَى ثَالِث فِي الْمسَائِل الَّتِي ظهر الْخلاف فِيهَا وَمن قَالَ بِالْفرقِ فِي ذَلِك بَين التَّسْلِيم الْمُتَعَلّق بالموكل وَبَين التَّسْلِيم الْمُتَعَلّق بثالث فَلَا يقوى مَا يذكرهُ من الْفرق ثمَّ إِذا قبلنَا قَوْله فِي التَّسْلِيم فَلَا يُوجب الضَّمَان عَلَيْهِ كَمَا إِذا قصر بترك الْإِشْهَاد وَيقبل قَوْله فِي أَنه أشهد وضاعت الْوَثِيقَة وَإِن كَانَ الأَصْل عدم الْإِشْهَاد فَإِن الأَصْل وَالظَّاهِر عدم التَّقْصِير وَهَذَا هَا هُنَا أظهر مِنْهُ فِي مَسْأَلَة الْوَجْهَيْنِ فِي الضَّامِن إِذا قضى أَو أَرَادَ الرُّجُوع مَعَ إذكار رب الدّين الْقَضَاء إِذا ادّعى أَنه أشهد عَلَيْهِ وَلَكِن مَاتَ شُهُوده وَالله أعلم
242 - مَسْأَلَة نَائِب على أهل قَرْيَة لصَاحِبهَا فَهَل لَهُ أَن يَأْكُل طَعَام الفلاحين
أجَاب رَضِي الله عَنهُ وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق أَنه لَا يحل لَهُ ذَلِك مهما كَانَ فِي صُورَة الْمُتَوَلِي عَلَيْهِم وحملوا ذَلِك إِلَيْهِ على سَبِيل الْهَدِيَّة وَكَونه وَكيلا مستنابا فِي قبض مَا عَلَيْهِم من الْحُقُوق لَا يقْدَح فِي هَذَا الحكم كعامل الصَّدقَات فَإِن المسطور والْحَدِيث ناطقان فِيهِ بِالْمَنْعِ كَمَا فِي القَاضِي وَإِن كَانَ

(1/346)


@ حَاصِلَة أَنه وَكيل فِي اسْتِيفَاء الصَّدقَات أما إِذا أحضروه بَين يَدَيْهِ على سَبِيل الضِّيَافَة فَلَا بَأْس بِهِ عَلَيْهِ كَمَا فِي الضِّيَافَة للْقَاضِي وَالله أعلم هَذَا هُوَ الْجَواب لَا الْجَواب بالتفصيل بَين أَن يكون بِطيب نفس من الْفَلاح أَو لَا يكون
243 - مَسْأَلَة رجل اسْتَأْجر أَرضًا ليبني فِيهَا ويسكن فَبنى فِيهَا مسكنا ثمَّ أَنه حيل بَينه وَبَين السُّكْنَى فِيهِ مُدَّة فَهَل تسْقط عَنهُ أُجْرَة تِلْكَ الْمدَّة
أجَاب رَضِي الله عَنهُ لَا يسْقط بِمُجَرَّد ذَلِك شَيْء من الْأُجْرَة لِأَن الأَصْل الِانْتِفَاع مِنْهُ بِالْمَكَانِ مَوْجُود فِي ذَلِك الْمدَّة بِوَاسِطَة بنائِهِ الْقَائِم فِيهِ وَالْمَنْع من السُّكْنَى لَيْسَ لَهُ فِيهِ أَكثر من نُقْصَان حصل فِي الْمَنْفَعَة الْمَعْقُود عَلَيْهَا وَذَلِكَ لَا يُوجب سُقُوط قسط من الْأُجْرَة فَلَا نَظِير فِي هَذَا إِلَى تنوع الْمَنْفَعَة وَله نَظِير وَالله أعلم
244 - مَسْأَلَة رجل اسْتَأْجر طاحونا وفيهَا أَحْجَار دَائِرَة ثمَّ نقص المَاء فِي أثْنَاء الْمدَّة فتعطل بَعْضهَا وَالْعَادَة جَارِيَة بِمثل ذَلِك وَالْمُسْتَأْجر يعلم ذَلِك عِنْد العقد وَلم يزدْ النَّقْص عَن الْمُعْتَاد الْمَعْلُوم فَهَل لَهُ الْفَسْخ بذلك
أجَاب رَضِي الله عَنهُ لينْظر فَإِن اسْتَأْجر الطاحون وَالْحِجَارَة غير دَاخِلَة فِي الاجارة بِأَن كَانَت من عِنْد الْمُسْتَأْجر كَمَا يجْرِي فِي بعض الْعَادة فَلَا

(1/347)


@ فسخ لَهُ وَالْحَالة هَذِه وَكَذَلِكَ إِن كَانَت الْحِجَارَة من عِنْد الْمُؤَجّر هِيَ دَاخِلَة فِي الأجارة لَكِن مَا أورد العقد عَلَيْهَا بطرِيق الْأَصَالَة فِيهَا بل أورد العقد على الطاحون وَذكر الْحِجَارَة ذكر الْوَصْف فِي الطاحون فَلَا يثبت للْمُسْتَأْجر الْفَسْخ بِهَذَا النَّقْص والتعطيل المعتادين وَأما إِذا أورد العقد على الْحِجَارَة متأصلة مَقْصُودَة لَا بطرِيق الْوَصْف والضمن فَقَالَ مثلا اسْتَأْجَرت مِنْك هَذِه الْحِجَارَة للطحن بهَا سنة فَيثبت الْفَسْخ لَهُ وَالْحَالة هَذِه بِمَا جرى من النَّقْص والتعطيل المعتادين كَمَا فِي نَظَائِره وَالله أعلم
245 - مَسْأَلَة رجل أجر أجارة ثمَّ ادّعى أَنه كَانَ عِنْد العقد سَفِيها فَهَل تسمع دَعْوَاهُ وَإِذا قَامَت بَيِّنَة بِالسنةِ ة وَبَيِّنَة بِالرشد أَيهمَا تقدم
أجَاب بَعضهم أَنَّهَا لَا تسمع دَعْوَاهُ
وَأجَاب رَضِي الله عَنهُ تسمع دَعْوَاهُ وَهُوَ من قبيل الْمسَائِل الْمَعْرُوفَة الَّتِي مِنْهَا من ضمن ثمَّ أدعى أَنه كَانَ حِينَئِذٍ مَجْنُونا
ضمن ثمَّ ادّعى أَنه كَانَ صَبيا فانه تسمع دَعْوَاهُ على مَا عرف
قلت الْآن وَهَذَا بِخِلَاف مَا إِذا عقد عقدا ثمَّ ادّعى أَنه لم يكن يملك العقد على ذَلِك الْمَعْقُود عَلَيْهِ ثمَّ ادّعى بِبيعِهِ كَانَ مَغْصُوبًا أَو أَن مطلقته لم تكن زَوْجَة فانه لَا تسمع دَعْوَاهُ لِأَنَّهَا متناقضة لما تضمنه إقدامه على العقد من الْإِقْرَار بِكَوْنِهِ مِمَّا يملك العقد عَلَيْهِ وَلَيْسَ يدعى عدم أَهْلِيَّته للإقرار حِينَئِذٍ فَيكون أَهلا للإقرار حَالَة العقد وَقد أقرّ حَالَة العقد وَقد أقرّ ضمنا فَلَا يسمع مِنْهُ مَا يُنَاقض إِقْرَاره وَأما هَهُنَا فَنَقُول الَّذِي وجد مني من الْإِقْرَار ضمنا لتصرفي صَادِق عدم أهليتي فَلَا أواخذ بِهِ قلت ويستغرق من طرف آخر

(1/348)


@ بَين هَذَا وَبَين مَا إِذا ادّعى فَسَاد العقد بِوُجُود شَرط أَو عدم شَرط فَإِنَّهُ تسمع دَعْوَاهُ وَيَقَع الْخلاف الْمَعْرُوف فِي أَن القَوْل قَول من وَذَلِكَ أَن إقدامه على العقد لَا يتَضَمَّن اعترافه بِاسْتِيفَاء شُرُوطه وتجنب مفسداته فَإِن إخلال الْعَاقِدين بذلك كثير والعاقد لَا يعْقد إِلَّا على مَحل قَابل للْعقد وَأما تعَارض بَيِّنَة الرشد وَبَيِّنَة السَّفه فَإِن الناقلة مِنْهَا مُقَدّمَة على المستصحبة وَيخْتَلف ذَلِك بِحَسب اخْتِلَاف صُورَة مَا تقع بِهِ الشَّهَادَة فَإِذا شهِدت بَيِّنَة السَّفه بتبذير أَو فسق مُقَارن للبلوغ مُسْتَمر الى حِين العقد فب هَذِه تقدم على بَيِّنَة الرشد على تَقْدِيم الْبَيِّنَة الْخَارِجَة على المعدلة وَهَكَذَا مَا يجْرِي هَذَا المجرى وَإِن شهِدت بَيِّنَة بِأَنَّهُ غير رشيد وَبَيِّنَة بِأَنَّهُ كَانَ عِنْد العقد رشيدا فَبَيِّنَة الرشد أولى وَكَذَا مَا جرى فِي هَذَا المجرى وَالله أعلم
246 - مَسْأَلَة فِيمَن كَانَ سُلْطَان بَلْدَة وَكَانَ من أمره تخريب مَسَاجِد ورباطات وَغَيرهَا من الْأَمَاكِن الْمَوْقُوفَة والمملوكة بِغَيْر إِذن مَالِكهَا فَهَل يكون مُوجبا لضمان ذَلِك لكَونه أمرا صادرا من سُلْطَان لمأمور من شَأْنه الاسترسال فِيمَا يَأْمُرهُ بِهِ السُّلْطَان والجري على الْمُوَافقَة والامتثال من غير تَمْيِيز وَمثل ذَلِك أَيْضا إِكْرَاه وَهل إِذا أَمر ذَلِك شخص مِمَّن ينْسب إِلَى السُّلْطَان من أَمِير أَو شبه أَمِير يجب على هَذَا الْأَمر الضَّمَان لكَون الْمَأْمُور من طباعه أَيْضا الاسترسال إِلَى الْمُوَافقَة والامتثال من غير تَمْيِيز ويخشى مِنْهُ أَيْضا السطوة عِنْد الْمُخَالفَة
أجَاب رَضِي الله عَنهُ نعم يجب عَلَيْهِ ضَمَان ذَلِك أجمع وَيجب الضَّمَان أَيْضا على من أَمر بذلك مِمَّن انتسب إِلَى ذَلِك السُّلْطَان من أَمِير أَو شبه أَمِير وَولي الْأَمر وَفقه الله تَعَالَى مؤاخذ أَشد مُؤَاخذَة ومطالب أوجب مُطَالبَة بِرَفْع هَذَا الضَّرَر وَيجْبر هَذَا الْكسر وَهَذِه حُقُوق محققها

(1/349)


@ الْإِيمَان وحارسها السُّلْطَان فَكيف يسمح بِأَن تضيع ويدع الضَّعِيف وَالَّذِي لَا جِهَة لَهُ غبرها أَن يعرى وَإِن ضيعت الْآن وَالْعِيَاذ بِاللَّه تَعَالَى فَسَوف يُؤَدِّيهَا الْجَانِي عَلَيْهَا يَوْم فقره أفلس مَا يكون وأيأس مَا يكون حَيْثُ الْأَهْوَال تحتوشه وأنياب البلايا تنهشه ونسأل الله الْعَافِيَة وَالْعَفو وَهُوَ أعلم
247 - مَسْأَلَة فِي أجارة حمام لسنة كَامِلَة كتب فِي كتابها تَفْصِيل الْأُجْرَة كل يَوْم أَرْبَعَة دَرَاهِم وَالْجُمْلَة فِي السّنة ألف وَأَرْبَعمِائَة وَأَرْبَعُونَ بِزِيَادَة أَرْبَعَة وَعشْرين درهما على مَا أوجه التَّفْصِيل فَأَيّهمَا هُوَ اللَّازِم
أجَاب رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ لينْظر فِي كَيْفيَّة الْمَكْتُوب فَإِن كَانَت الْجُمْلَة الْمَذْكُورَة قد جعلت فِيهِ احْتِمَالا للتفصيل الْمَذْكُور مياومة وَلَفظه تَقْتَضِي كَون تِلْكَ الْجُمْلَة إِنَّمَا ذكرت جمعا لذَلِك المفرق فَإِن قيل فَذَلِك أَو فمجموع ذَلِك ألف وَأَرْبع مائَة وَأَرْبَعُونَ أَو نَحْو هَذَا من اللَّفْظ فَيلْزمهُ وَالْحَالة هَذِه الْمفصل على جِهَة المياومة لَا غير وَلَا يلْزمه زِيَادَة الْأَرْبَعَة وَعشْرين فَإِن غلط أَحدهمَا فَيكون الْوَاجِب أَحدهمَا فَلَا يحكم إِلَّا بألأقل المستيقن كَمَا لَو قَالَ لَهُ عَليّ أحد هذَيْن المقدارين فَلَا يلْزم إِلَّا بِالْأَقَلِّ وَإِن لم تكن الْجُمْلَة الْمَذْكُورَة موردة فِيهِ بِلَفْظ الْجمع والإجمال لذَلِك الَّذِي فصل مياومة بِأَن قيل اسْتَأْجرهَا بِأُجْرَة مبلغها كل يَوْم أَرْبَعَة دَرَاهِم وَفِي السّنة ألف وَأَرْبَعمِائَة وَأَرْبَعُونَ وَمَا أشبه هَذَا من الْأَلْفَاظ فنحكم عَلَيْهِ فِي الظَّاهِر بِالْجُمْلَةِ مَعَ مَا فِيهَا من الزِّيَادَة فَإِنَّهُ لَا مُنَافَاة بَين الْمَذْكُورين فالجمع بَينهمَا مُمكن أَو يكون ذَلِك تقسيطا لبَعض الْأُجْرَة دون بعض وَالله أعلم
248 - مَسْأَلَة رجل نزل عِنْد قَرْيَة عَن بغل لَهُ فجَاء حَافظ الزَّرْع فطرد الْبَغْل ونفره فَذهب وهجم اللَّيْل فَلم يقدر عَلَيْهِ فَلَمَّا

(1/350)


@ أَصْبحُوا وجدوه قد افترسه السَّبع فَهَل على الطارد المنفر ضَمَانه
أجَاب رَضِي الله عَنهُ نعم فَإِن كَانَ السَّبع مُخْتَارًا بِحَيْثُ يُحَال عَلَيْهِ مثل هَذَا الْإِتْلَاف حَتَّى لَا يجب عِنْد صَاحب الشَّامِل والتهذيب والأكثرين فِيمَا علمنَا الضَّمَان فِيمَا لَو شدّ يَدَيْهِ وَرجلَيْهِ وَطَرحه فِي أَرض وَاسِعَة مسبعَة وافترسه السَّبع تَرْجِيحا لمباشرته السَّبع على سَببه لَكِن وَهَذَا وأشباهه لَا يقْدَح فِي التَّضْمِين فِيمَا نَحن بصدده لَان الب 3 غل الْمَذْكُور مَال بثبت الْيَد عَلَيْهِ وَالنَّقْل وَالطَّرِيق فِي إِثْبَات الْيَد على الدَّابَّة والسوق نقل فِيهَا والطرد والتنفير من قبيل ذَلِك فَيصير كَمَا لَو كَانَ المشدود الْمَطْرُوح فِي مسبعَة عبدا فَإِن ضَمَانه يجب لَا محَالة لكَونه يكون غَاصبا حصل تلف الْمَغْصُوب فِي يَده باتلاف أَجْنَبِي أَو حَيَوَان ثمَّ إِن صَاحب الْمُهَذّب قد ذهب من غير خلاف ذكره فِي مَسْأَلَة المشدود إِلَيّ أَن الضَّمَان يجب دِيَة مُغَلّظَة أَن كَانَ الْمَكَان مسبعَة ومخففة إِن لم يكن مسبعَة وَالله أعلم
249 - مَسْأَلَة رجل اسْتَأْجر أَرضًا لَهَا مَاء مَعْلُوم مُدَّة مُعينَة فانقضت وَبَقِي بعض الأَرْض مَشْغُولَة بزرع الْمُسْتَأْجر مُدَّة شَهْرَيْن فَهَل لصَاحب الأَرْض مُطَالبَة الْمُسْتَأْجر بعوض المَاء الَّذِي سقى بِهِ وَأُجْرَة الأَرْض كل وَاحِد مِنْهُمَا
أجَاب رَضِي الله عَنهُ يُطَالِبهُ بِأُجْرَة الْمثل بانتفاعه بأرضه بطرِيق السَّقْي بمائه ذَلِك وَيجْعَل المَاء فِي أُجْرَة الْمثل تبعا اعْتِبَارا بِحَالهِ فِي الأجارة الصَّحِيحَة وأجرتها الْمُسَمَّاة هَذَا الَّذِي ظهر وَالله أعلم
250 - مَسْأَلَة إِذا اسْتَأْجر أَرضًا بِحَقِّهَا من المَاء ونقصت الْمَنْفَعَة فَهَل لَهُ الْفَسْخ وَإِذا لم يفْسخ فَهَل يلْزمه جَمِيع الْأُجْرَة
أجَاب رَضِي الله عَنهُ لَهُ الْفَسْخ وَيلْزمهُ الْأُجْرَة إِلَى حِين الْفَسْخ

(1/351)


@ وَالْأَظْهَر أَنه يسْقط عَنهُ مِنْهَا مَا يخص الْغَائِب من الْمَنْفَعَة وَالله أعلم
251 - مَسْأَلَة رجل اسْتَأْجر أَرضًا لزراعة الشتوي والصيفي مُدَّة مَعْلُومَة بِأُجْرَة مَعْلُومَة قبل رُؤْيَة الأَرْض فَهَل تصح هَذِه الأجارة أم لَا وَإِن كَانَ قد رَآهَا وَعقد العقد ثمَّ قَالَ مَاؤُهَا على خلاف الْعَادة واستضر الْمُسْتَأْجر بذلك ضَرَرا بَينا فَهَل لَهُ خِيَار الْفَسْخ بذلك وَإِن لم يكن لَهُ الْفَسْخ فَهَل يسْقط من الْأُجْرَة شَيْء ينقصان المَاء بِقسْطِهِ أم لَا
أجَاب رَضِي الله عَنهُ لَهُ الْفَسْخ لعدم الرُّؤْيَة وَله الْفَسْخ بِنُقْصَان المَاء إِذا كَانَ دَاخِلا فِي الأجارة وَإِذا لم يفْسخ بِهَذَا السَّبَب فَلهُ على الْأَظْهر أرش مَا نقص من الْمَنْفَعَة من الْأُجْرَة الْمُسَمَّاة فتوزع على مَا فَاتَ مِنْهَا وَمَا بَقِي مِنْهَا وَالله أعلم
252 - مَسْأَلَة رجل اسْتَأْجر بَيْتا فِي قيسارية وبجنبه مستراح لَهُم فتفجر على مَا فِي الْبَيْت الْمُسْتَأْجر مِنْهُم فَأهْلك مَا فِيهِ فَهَل يلْزم أَصْحَاب الْبَيْت قيمَة مَا أتلف المستراح
أجَاب رَضِي الله عَنهُ إِذا كَانَ ذَلِك بتفريط من صَاحب المستراح وَجب عَلَيْهِ ضَمَان مَا تلف بذلك وَالله أعلم
253 - مَسْأَلَة قَول صَاحب الْمُهَذّب وَلَا تصح أجارة الأَرْض حَتَّى يذكر مَا تكتري لَهُ فِي الزِّرَاعَة وَالْغِرَاس وَالْبناء وَقَالَ فِيمَا تقدم وَإِن اسْتَأْجر أَرضًا لَا مَاء لَهَا وَلم يذكر أَنه يكتريها للزِّرَاعَة فَهَل تصح فِيهِ وَجْهَان فَلم لَا يكون فِي الأول وَجْهَان أَو فِي هَذِه وَجه وَاحِد لَا يَصح
أجَاب رَضِي الله عَنهُ لَيْسَ الْأَمر فِي ذَلِك على مَا توهم بل الْكَلَام

(1/352)


@ الأول مُقْتَضَاهُ أَنه لَا يَصح حَتَّى يعرف مَا نكتري الأَرْض لَهُ وَهَذَا صَحِيح وَلَكِن لَا يشْتَرط فِي التَّعْرِيف بِكَوْنِهَا للزِّرَاعَة التَّصْرِيح لفظا بل يَكْفِي فِي التَّعْرِيف قرينَة الْحَال واكتراؤها مُطلقًا قرينَة مُعينَة للزِّرَاعَة لِأَنَّهَا فِي الْعرف إِنَّمَا تكترى للغراس أَو الْبناء بالتصريح بذلك وَإِذا أطلق فالغالب إرادتهم الزِّرَاعَة ثمَّ هَل يشْتَرط فِي دلَالَة الاطلاق على الزِّرَاعَة كَونهَا مُسْتَقلَّة فِيهَا الْوَجْهَانِ الْمَذْكُورَان ثمَّ أثر حمل ذَلِك على الزِّرَاعَة فِي الْمَسْأَلَة الْمَذْكُورَة الحكم بِالْبُطْلَانِ على مَا شرح وَالله أعلم
254 - مَسْأَلَة تقرر فِي الْإِفْتَاء بِالصِّحَّةِ فِيمَا لَو أجر الْمُسْتَأْجر قبل انْقِضَاء مدَّته لمُدَّة مُسْتَقْبلَة وَإِن كَانَ الْأَصَح فِي الْوَسِيط أَنه لَا يَصح وَيجْعَل كَأَجر الْمدَّة فِي الأجارة الْوَاحِدَة وَإِن العقد صَحَّ فِيهَا مَعَ أَنَّهَا مُسْتَقْبلَة وَهَذَا هُوَ الَّذِي نَص عَلَيْهِ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ وَهُوَ مَذْهَب أبي حنيفَة وَأحمد وَهُوَ الْأَصَح عِنْد صَاحب التَّهْذِيب وَالْأَظْهَر فِي التَّنْبِيه
255 - مَسْأَلَة رجل اسْتَأْجر حِصَّة من نَاظر أجارة صَحِيحَة شَرْعِيَّة ثمَّ ادّعى النَّاظر أَنه كَانَ مكْرها أَو كَانَ بِدُونِ أُجْرَة الْمثل فَهَل تسمع دَعْوَاهُ أم لَا وَإِذا سَمِعت فَهَل يجب عَلَيْهِ تَفْصِيل الْإِكْرَاه أم لَا
أجَاب رَضِي الله عَنهُ نعم تسمع دَعْوَاهُ وَعَلِيهِ تَفْصِيل الْإِكْرَاه وَالله أعلم
256 - مَسْأَلَة رجل اسْتَأْجر مَكَانا ثمَّ بَاعَ الْمُؤَجّر الْمَكَان ثمَّ مَاتَ الْمُسْتَأْجر فتقابل ورثته وَالْمُشْتَرِي فِي عقد الأجارة فَهَل تصح هَذِه الْإِقَالَة
أجَاب رَضِي الله عَنهُ بِأَنَّهُ لَا تصح هَذِه الْإِقَالَة لِأَنَّهَا لم تجر بَين الْمُتَعَاقدين وَلَو كَانَت بَين الْوَرَثَة والمؤجر صحت وَإِن كَانَ قد زَالَ ملك

(1/353)


@ الْمُؤَجّر لِأَن الْإِجَارَة بَاقِيَة وورثة الْمُسْتَأْجر قائمون مقَامه وَالله أعلم
257 - مَسْأَلَة فِيمَا فعله السُّلْطَان فِي سنة تسع وستمائه إِذْ استخان الفلاحين فَبعث من أَخذ أَكثر غلاتهم من غير أَن يقسم الْقِسْمَة الْمَعْهُودَة وَوضعت فِي الأهراء فَلَمَّا كَانَ الْعَام الْمقبل فتحت الأهراء وَأَعْطَاهُمْ مِنْهَا غلالا كَثِيرَة تَقْوِيَة لَهُم فزرعوا مِنْهَا وَلما أدْركْت الزروع وحصلت اسْتردَّ مِنْهُم قرض التقوية وَبَقِي الْبَاقِي فِي أَيْديهم مِنْهُ يَأْكُلُون وَمِنْه يزرعون وَهُوَ أصل غلاتهم فَهَل هِيَ حلام أم حرَام
أجَاب رَضِي الله عَنهُ من كَانَ مِنْهُم أَخذ من الهري الَّذِي وضعت فِيهِ غَلَّته الَّتِي كَانَت أخذت مِنْهُ وَلم يزدْ قدر مَا أَخذه من الْمَخْلُوط فِيهِ بغلة غَيره على قدر مَا كَانَ أَخذ مِنْهُ فَذَلِك الَّذِي أَخذه وَمَا تفرع مِنْهُ حَلَال إِن كَانَ أصل مَا كَانُوا أَخَذُوهُ مِنْهُ حَلَالا وَتَكون هَذِه قسْمَة مقررة لحقه من ذَلِك الْمَخْلُوط إِن قيل بِثُبُوت الِاشْتِرَاك فِي مثله على مَا حفظ فِي مسَائِل الْغَصْب وَإِن قيل إِن ذَلِك اسْتِهْلَاك من الْغَاصِب الْمَخْلُوط فَذَلِك يَجعله ملكا للْغَاصِب على مَا نَص عَلَيْهِ على هَذَا القَوْل فَإِذا قضى مِنْهُ مَا ثَبت فِي ذمَّته للْمَغْصُوب مِنْهُ جَازَ وَمن لم يكن مِنْهُم فِي أَخذه كَذَلِك فقد أَخذ من مَال كُله أَو أَكْثَره حرَام وَإِن كَانَ معظمه الْقسم الْمَعْهُود بَينهم لجِهَة السُّلْطَان الَّذِي رَضِي الفلاحون بِهِ فِي الْمُزَارعَة المتواطىء عَلَيْهَا وَذَلِكَ لِأَن الْمُزَارعَة الَّتِي تكون فِيهَا الْبذر من الْعَامِل فَاسِدَة فِي مَذْهَبنَا وَبَاقِي الْمذَاهب الْأَرْبَعَة وَإِن كَانَ بعض أَصْحَاب أَحْمد أجازها فَالظَّاهِر من مذْهبه تَحْرِيمهَا وَحكمهَا عِنْد هَذَا أَن يكون الْبذر كُله لِلْعَامِلِ وَلِصَاحِب الأَرْض أُجْرَة مثلهَا وَلَا تقع الْغلَّة الْمَأْخُوذَة أُجْرَة إِلَّا بمعاوضة وَمُصَالَحَة لم يُوجد شَرطهَا فِي هَذِه الْحَادِثَة وَإِذا كَانَ أَكثر ذَلِك حَرَامًا فَعِنْدَ صَاحب الْإِحْيَاء فِيهِ أَن الْأَصَح فِي مثله تَحْرِيم التَّنَاوُل مِنْهُ

(1/354)


@ وَالْمذهب الْمَشْهُور أَنه مَكْرُوه وَالْأول أصح وأحوط وَالله أعلم
258 - مَسْأَلَة فَوت كتاب ملك فَمَا الَّذِي يلْزمه من الْغرم
أجَاب رَضِي الله عَنهُ لَا يلْزمه ضَمَان قيمَة مَا فِيهِ بل يضمن قيمَة نفس الْكتاب لَكِن لَا قيمَة ورقه سادجة بل قيمَة ورقة فِيهَا إِثْبَات ذَلِك الْملك فَيُقَال كم قيمَة ورقة يتَوَصَّل بهَا إِلَى إِثْبَات مثل هَذَا الْملك ثمَّ يُوجب مَا يَنْتَهِي إِلَيْهِ التَّقْوِيم أَيْضا من أَهله وَالله أعلم
259 - مَسْأَلَة رجل اسْتَأْجر أَرض بُسْتَان وساقا على شَجَرهَا بِحَق ذَلِك من الشّرْب والري من النَّهر الْفُلَانِيّ ثمَّ أَرَادَ الْآجر بيع حَقه من المَاء من النَّهر الْمَذْكُور فَهَل لَهُ ذَلِك وَإِن جَازَ فَهَل للْمُسْتَأْجر إِلْزَامه بتحصيل الشّرْب أم لَيْسَ لَهُ إِلَّا الْفَسْخ
أجَاب رَضِي الله عَنهُ بيع المَاء على والجه الْمَذْكُور بَاطِل للْجَهَالَة وَلعدم الْملك فَإِن أَرَادَ بيع مَا يملك من مجْرى المَاء من الأَرْض فَينْظر فَإِن وَقع عقد الأجارة على مَا هُوَ حَقه من ذَلِك حِينَئِذٍ وَعين فِي العقد مَا يسْتَحقّهُ من الشّرْب فَذَلِك كَبيع الْمُسْتَأْجر يجوز على الْأَصَح وَلَكِن لَا يبطل حق الْمُسْتَأْجر وَهَكَذَا إِن لم يكن حَقه ملك نفس مجْرى المَاء من الأَرْض بل حق الآخر فَذَلِك يثبت حق الْمُسْتَأْجر فِيمَا يُرِيد بَيْعه من الْحق فَأَما أَن لَا يجوز لَهُ بَيْعه كإجارة مَا أجره أَو يلْحق لدوامه بِنَفس المجرى فَيجوز بَيْعه عَليّ الْأَصَح وعَلى كل حَال فَلَا يبطل حق الْمُسْتَأْجر وَإِن كَانَ عقد الأجارة وَقع على مُطلق الشّرْب من غير تعْيين لَهُ فِيمَا يسْتَحقّهُ فَلهُ بيع حَقه من ذَلِك وَلَكِن للْمُسْتَأْجر إِلْزَامه على وَجه مُتَّجه بتحصيل الشّرْب لما ساقى عَلَيْهِ تمكينا لَهُ من الْخُرُوج عَمَّا الْتَزمهُ من الْعَمَل كتسليم الثَّوْب الْمُسْتَأْجر على قصارته

(1/355)


@ وَنَحْو ذَلِك وَهَذَا مَعَ خِيَار الْفَسْخ فِيمَا يمْتَنع من تَحْصِيل شربه من الْمَأْجُور وَالله أعلم
وَمن كتاب إحْيَاء الْموَات
260 - مَسْأَلَة إِذا فرعنا على الْمَذْهَب فِي أَن المَاء يملكهُ من أحرزه فِي أَثْنَائِهِ اذا أَخذه من الْمِيَاه الْمُبَاحَة فَإِن كَانَ لشخص دولاب على نهر عَظِيم غير مَمْلُوك يديره المَاء بِنَفسِهِ وترتفع فِي جِسْمه الْمِيَاه فِي مَوَاضِع مهيأة لَهُ فَهَل يدْخل المَاء الَّذِي يصير فِي الدولاب فِي ملك مَالك الدولاب بِمُجَرَّد صَيْرُورَته فِي كيزان الدولاب كَمَا يملكهُ لَو استقاه بِنَفسِهِ فِي إِنَاء وَلَو كَانَ هَذَا المَاء ينصب من الدولاب الْمَذْكُور فِي ساقية مُخْتَصَّة بِملك صَاحب الدولاب فجَاء جَار لَهُ فخرق الساقية حَتَّى انصب المَاء إِلَى أَرض الْجَار وَسَقَى بِهِ أرضه فَمَا الَّذِي يجب على الْجَار مثل المَاء أَو ثمن مثله أَو يجب عَلَيْهِ أُجْرَة مثل الدولاب للمدة الَّتِي انْتفع بهَا الْغَاصِب بِالْمَاءِ وَأُجْرَة مَا يجْرِي مجْرَاه من السكر والبسوس الَّذِي الناعور رَاكب عَلَيْهِ والساقية أم يجب عَلَيْهِ مثل المَاء وَالْأُجْرَة جَمِيعًا
أجَاب رَضِي الله عَنهُ نعم يملكهُ بِمُجَرَّد حُصُول فِي كيزان الدولاب وَيجب على الْجَار الَّذِي سَاق المَاء من ساقيته إِلَى أَرض نَفسه من غير إِبَاحَة من صَاحب الدولاب مثل ذَلِك المَاء محصلا فِي الْموضع الَّذِي كَانَ المَاء الْمَأْخُوذ معدا لسقيه بِهِ فَإِن تَرَاضيا على أَخذ قِيمَته جَازَ ذَلِك وَهَذَا بِخِلَاف

(1/356)


@ مَا إِذا أَخذ فِي الْبَادِيَة مَاء أخذا يُوجب الضَّمَان حَيْثُ قُلْنَا يضمنهُ فِي الْحَضَر بِقِيمَتِه لَا بمكانه لِأَن الْمُقدر تَقْدِيره فِي الْحَضَر لَيْسَ مثلا لَهُ لما بَينهمَا من التَّفَاوُت الْعَظِيم فِي الْمَالِيَّة وَهَذَا على الْوَجْه الْمَذْكُور وَلَا مفاوتة فِيهِ وَالْمَاء مثل وَالله أعلم
261 - مَسْأَلَة أَرَادَ رجل أَن يبتني عمَارَة سكر فِي النَّهر الْكَبِير الَّذِي لَيْسَ بمملوك ثمَّ يبْنى عَلَيْهِ طاحونة وناعورة وَلَا يضر بِمن هُوَ فَوْقه وَلَا بِمن هُوَ أَسْفَل مِنْهُ هَل لَهُ ذَلِك وَيكون ذَلِك إحْيَاء لَهُ وَيكون بِمَنْزِلَة الْموَات الَّذِي يملك بِالْإِحْيَاءِ حَتَّى يملك قَرَار النَّهر الَّذِي يبتني فِيهِ العمارات وَيملك جربه أم لَا وَلَو فعل هَذَا وَكَانَت الأَرْض الَّتِي على شاطىء النَّهر من الْجَانِبَيْنِ أَو من أَحدهمَا مَمْلُوكَة لملاك مُعينين فَهَل لمن يُرِيد عمَارَة السكر والرحى أَن يبتني ذَلِك فَإِن كَانَ لَهُ أَن ينشئه فَهَل يلْزمه أَن يبْقى بَين الأَرْض الَّتِي هِيَ السَّاحِل وَبَين طرف عمَارَة السكر موضعا يجْرِي مِنْهُ المَاء لضيق السَّاحِل حَتَّى لايمنع منع مَالك الأَرْض من الِانْتِفَاع بِالْمَاءِ لضيق أَرض أم لَا
أجَاب رَضِي الله عَنهُ لَيْسَ لَهُ ذَلِك فَإِنَّهُ لَا يَخْلُو من ضَرَر فَإِنَّهُ يمْنَع من أَن ينحدر من مَكَانَهُ منحدر لسباحة أَو سفينة أَو نَحْو ذَلِك وَطَرِيق المَاء الْعَام كطريق السلوك الْعَام وَلَو أَرَادَ مُرِيد أَن يضع صَخْرَة فِي طَرِيق شَارِع وَاسع منع مِنْهُ وَهَذَا أشر من ذَلِك من وَجه وَلَو قدر خلو ذَلِك عَن الضَّرَر وأجيز لما ملك ذَلِك الْموضع كَمَا لَا يملك شَيْء من الطَّرِيق الواسعة بِشَيْء من الاختصاصات الْجَائِزَة وَلَو جَازَ ذَلِك على الْجُمْلَة لما جَازَ فِيمَا هُوَ مشرعه إِلَى المَاء لغيره من الْملاك وَالله أعلم
262 - مَسْأَلَة رجلَانِ لَهما داران متقابلان ملكا لَهما بِالْإِحْيَاءِ

(1/357)


@ وشارع الطَّرِيق فِي الْوسط وَكَانَ لوَاحِد مِنْهُمَا عِنْد حَائِطه على الطَّرِيق تل تُرَاب يتَعَلَّق بِهِ وَجَاء الآخر وَحط مُقَابِله فِي جَانب حَائِطه على الطَّرِيق فِي الْموضع بَين الدَّاريْنِ وَجَاء السَّيْل على وسط الطَّرِيق واختنق الْموضع الْمَذْكُور بِالْمَاءِ وتشرب حيطان وَاحِد مِنْهُمَا وَهُوَ صَاحب التُّرَاب الأول وَوَقع بعض حيطانه فجَاء صَاحب الْحَائِط وطالب صَاحب الدَّار الْأُخْرَى وَقَالَ عَلَيْك عمَارَة هَذِه أَيْضا لِأَنَّهُ بِسَبَب ترابك قد اختنق المَاء وَوَقع فَهَلَك أَيكُون لَهُ فِي الشَّرْع هَذِه الْمُطَالبَة بالعمارة على الْأُخْرَى
أجَاب رَضِي الله عَنهُ إِذا كَانَ صَاحب الْحَائِط قد علم بوقوف المَاء عِنْده وَيُمكن إِزَالَته فَلم يفعل حَتَّى انْهَدم فَلَا شَيْء لَهُ على الآخر هَذَا هُوَ الظَّاهِر وَلَو لم يعلم ذَلِك فاختناق المَاء حَاصِل بالترابين فَلَا يلْزمه إِلَّا نصف أرش النُّقْصَان الدَّاخِل على الْقدر المنهدم بذلك وَأما نفس الْعِمَارَة فَلَا يلْزم وَالله أعلم
263 - مَسْأَلَة بلد فِي ظَاهره أَربع عُيُون جَارِيَة وَعَلَيْهَا بساتين وكروم ومزروعات وَفِي دَاخل الْبَلَد ثَلَاثُونَ بِئْرا برسم الشّرْب وَمَا لأهل الْبَلَد شرب إِلَّا مِنْهَا فَقَامَ بعض ملاك الْعُيُون فتق فتقا تَحت الأَرْض فَنزل جَمِيع مياه الْعُيُون والآبار إِلَى الْعين الَّتِي تخْتَص بِهِ ونشفت جَمِيع الْعُيُون والآبار وانضروا ويبست بساتينهم وَهَلَكت زُرُوعهمْ فَمَاذَا يجب عَلَيْهِ شرعا فَهَل يلْزمه قيمَة الْأَشْجَار الَّتِي تلفت بِسَبَب سوق المَاء وَمَا نقص مِنْهَا من الثِّمَار أَو يلْزمه أرش مَا نقص
أجَاب رَضِي الله عَنهُ يجب عَلَيْهِ إِزَالَة الْمَانِع بِحَيْثُ تعود الْمِيَاه إِلَى مقرها الْمُسْتَحق لَهُم وَيجب عَلَيْهِ ضَمَان مَا تلف وَنقص من الْأَشْجَار وَالثِّمَار فَليعلم ذَلِك وَالله أعلم

(1/358)


- مَسْأَلَة رجل لَهُ أَرض وَإِلَى جَانِبه أَرض شخص آخر فِيهَا أَشجَار جوز قد فيأت على وأضربه بِهِ فَهَل لَهُ قطعهَا أم لَا وَهل لَهُ مصالحة صَاحبهَا على شَيْء من مغلها أم لَا
أجَاب رَضِي الله عَنهُ إِذا كَانَت أَغْصَانهَا قد حصلت فِي هَوَاء ملكه فَلهُ إِزَالَتهَا عَن ملكه ثمَّ ينظر فَمَا أمكن إِزَالَته بِأَن يلويه لَيْسَ لَهُ قِطْعَة وَمَا لَا يُمكن إِزَالَته إِلَّا بِالْقطعِ فَلهُ قطعه وَلَا سَبِيل إِلَى مصالحته على بعض فعلهَا وَلَا عوض غَيره وَمهما كَانَت الْأَشْجَار غير يابسة كَانَت الْمُصَالحَة على مُجَرّد الْهَوَاء من غير أَن تكون مُعْتَمدَة على حَائِط لَهُ أَو غَيره مِمَّا لَهُ قَرَار وَإِن فيأت على ملكه من غير أَن يحصل شَيْء مِنْهَا فِي هَوَاء ملكه فَلهُ إِزَالَة فَيْئهَا عَنهُ على وَجه صَحِيح وَالله أعلم
265 - مَسْأَلَة لَو كَانَ لرجل حمام وَله مداخن يرْتَفع مِنْهَا الدُّخان وَمن شرقيها بجوارها دَار لرجل آخر فَإِذا هبت الرّيح من جِهَة الغرب حملت الدُّخان أَو بعضه إِلَى دَار الْجَار فَدخل فِي شباك لَهُ إِلَيْهِ فتأذى برائحة الدُّخان إِلَّا أَن الدُّخان لَا يُؤْذِي الدَّار نَفسهَا وَلَا شَيْئا مِنْهَا بتسويد وَلَا غَيره وَكَذَلِكَ لَيْسَ هبوب الرّيح ووصول الدُّخان إِلَى تِلْكَ الدَّار دَائِما إِنَّمَا يَقع ذَلِك إِذا هبت الرّيح من جِهَة الغرب وَلَا يتَأَذَّى بِهِ إِلَّا سَاكن الدَّار فَقَط برائحته فَقَط وَلَا يعلم تقدم عمَارَة الدَّار على عمَارَة الْحمام أَو بِالْعَكْسِ فَهَل لصَاحب الدَّار منع ارْتِفَاع الدُّخان إِلَيْهِ وعَلى مَالك الْحمام إِزَالَته وَلَو بتبطيل الْحمام إِذا لم يكن إِزَالَته بِغَيْرِهِ وَقد ذكر الْأَصْحَاب فِي دُخان الْخبز ثَلَاثَة أوجه الثَّالِث مِنْهَا أَنه لَا يمْنَع لأَذى الْمَالِك وَيمْنَع لأَذى الْملك فَمَا الْمُخْتَار الْأَصْلَح من هَذِه الثَّلَاثَة وَالَّذِي ذكر الْعِرَاقِيُّونَ وَغَيرهم من اتِّخَاذ دكانه مقصرة أَو مدبغة بَين جيران يؤذيهم بالدق أَو بالدباغة مَعْرُوف فَهَذِهِ الْمَسْأَلَة فِي الحكم كالمقصرة والمدبغة أم لَا
أجَاب رَضِي الله عَنهُ أما وَالْوَاقِع أَنه لَا يعرف مَا الحاديث مِنْهُمَا فَلَا

(1/359)


@ يمْنَع صَاحب الْحمام وَمهما علم تقدم الدَّار على الْحمام فَالْخِلَاف فِيهِ وَفِي أَمْثَاله بَين أَصْحَابنَا وَأَصْحَاب أَحْمد وَأبي حنيفَة رَضِي الله عَنْهُم مَحْفُوظ مَعْرُوف ومختارنا الْآن أَنه يمْنَع المريد لإحداث مَا يُؤْذِي الْجَار من ذَلِك من إحداثه وَسَوَاء لحق ملكه مِنْهُ نقص أَو لم يلْحق بل كَانَ الْأَذَى مُخْتَصًّا بالمالك لِأَن سيدنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم منع من إِيذَاء الْجَار وَقَالَ من كَانَ يُؤمن بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر فَلَا يُؤْذِي جَاره وَأما الأضرار بِالْملكِ فَكَمَا يمْتَنع الْمَالِك من إِحْدَاث مثل ذَلِك على دَار نَفسه ويهون ذَلِك عَلَيْهِ لما فِيهِ من الْأَذَى فَلذَلِك يَنْبَغِي أَن يكون بِالنِّسْبَةِ إِلَى جَاره وبل أولى وَالله أعلم
266 - مَسْأَلَة جمَاعَة منزلون فِي مدرسة بصدد الِاشْتِغَال والبحث على المعيد وَشرط الْوَاقِف على المعيد أَن يجلس لَهُم فِي وَقت مَخْصُوص وَالْعَادَة جَارِيَة بِأَن يقدم السَّابِق مِنْهُم بالبحث عَلَيْهِ فَحَضَرَ بَينهم مترددون وطلبوا التَّقَدُّم بسبقهم والتساوي فِي الدرجَة بِأَن يقدم الأول فَالْأول فَهَل لَهُم ذَلِك أم لَا وَلَو قُلْنَا ذَلِك وضاق الْوَقْت وَلم يُمكن الْجمع بَين الْفَرِيقَيْنِ إِلَّا بتضيق درس من قد وَجب عَلَيْهِ الِاشْتِغَال فِي الْموضع والتزام الْبَحْث عَلَيْهِ وتعطيل بعضه فَهَل يمْنَعُونَ من التَّقَدُّم لِاسْتِيفَاء حق المنزلين واستيعاب دروسهم
أجَاب رَضِي الله عَنهُ إِذا كَانَ شغل المنزلين بهَا مَشْرُوطًا على المعيد فِي الْوَقْف فَلَيْسَ لوَاحِد أَخذ مَا جعل لَهُ بالاستيعاب جَمِيعهم فِي الشّغل وَعَلِيهِ تَقْدِيم المنزلين على السَّابِقين من غَيرهم وتنزيلهم منزلَة الباعة وعرصات الْأَسْوَاق الْمُبَاحَة إِذا اختصوا بِموضع مِنْهَا سبعا فَإِنَّهُم إِذا قَامَ أحدهم من مَوْضِعه بِاللَّيْلِ أَو ذهب فِي حَاجته فَفِي الْيَوْم الثَّانِي إِذا تَأَخّر سبقه إِلَيْهِ سَابق قدم على السَّابِق وَالله أعلم

(1/360)


- مَسْأَلَة مَا مِقْدَار عرض الطَّرِيق كم ذِرَاعا تكون إِذا وَقع النزاع فِيهِ أجَاب رَضِي الله عَنهُ حَسبنَا فِي هَذَا قَضَاء رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقد روى أَبُو هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قضى عِنْد الِاخْتِلَاف فِي الطَّرِيق أَن يَجْعَل عرضه سَبْعَة أَذْرع روياه فِي صَحِيحهمَا
ثمَّ هَذَا مَحْمُول على طَرِيق تكون بَين أَرَاضِي محياة وَاخْتلف أَصْحَابهَا فِي مِقْدَار مَا يتركونه طَرِيقا أم طَرِيق الَّتِي جعلت فِي الْأَرَاضِي الْمَمْلُوكَة فَهِيَ على قدر مَا جعله من هُوَ مَالك لساحتها وَالله أعلم وَإِذا كَانَ الطَّرِيق متسعا وحواليها أَرَاضِي محياه هَل يجوز لبَعض الْمُسلمين أَن يعمرها وَينْتَفع بهَا إِذا لم يضر بالمارة وَلم تضيق الطَّرِيق
أجَاب رَضِي الله عَنهُ يجوز عمَارَة الأَرْض الْموَات إِلَى حول الطَّرِيق بِشَرْط أَن لَا يدْخل فِي عِمَارَته شَيْئا من الطَّرِيق وَالله أعلم

268 - مَسْأَلَة هَل يجوز استنفاذ كتب الْمُسلمين من بِلَاد الافرنج وَالْقِرَاءَة فِيهَا على أَنه مَتى حاربها دَفعهَا إِلَيْهِ بِلَا عوض
أجَاب رَضِي الله عَنهُ استنقاذ الْكتب الْمَذْكُورَة حسن ثمَّ لَا يجوز الْقِرَاءَة فِيهَا وَالِانْتِفَاع بهَا فِي الْحَال وَالظَّاهِر أَنه إِذا عرفهَا سنة كَمَا فِي تَعْرِيف اللّقطَة جَازَ لَهُ تَملكهَا كَمَا يتَمَلَّك اللّقطَة وَالله أعلم
269 - مَسْأَلَة رجل لَقِي طاسة على نهر بَين قرى وَطَرِيق النَّاس فَأَخذهَا والموضع الَّذِي أَخذهَا مِنْهُ مَا حواليه قرى والقرى بعيدَة مِنْهُ قَلِيلا فَأَيْنَ يجب تَعْرِيفهَا

(1/361)


@ أجَاب رَضِي الله عَنهُ الطاسة يجب عَلَيْهِ تَعْرِيفهَا فِي أقرب الْقرى إِلَى ذَلِك الْموضع فَإِن كَانَت قيمتهَا ربع دِينَار عرفهَا سنة وَإِن كَانَت أقل عرفهَا زَمَانا يغلب على الظَّن أَن مثلهَا يَنْقَطِع السُّؤَال عَنهُ فِي مثله وَالله تَعَالَى أعلم
وَمن كتاب الْوَقْف
270 - مَسْأَلَة وقف مَا لم يره فَهَل يَصح
أجَاب رَضِي الله عَنهُ يَصح على الْأَصَح من غير خِيَار يثبت لَهُ عِنْد الرُّؤْيَة وَالله أعلم أما إِن الْأَصَح الصِّحَّة فلخلوا الْوَقْف على الْعِوَض ومشابهته التَّحَرِّي حَتَّى قَالَ بعض الْأَصْحَاب وَإِن كَانَ غير مُخْتَار يَصح وقف أحد الْعَبْدَيْنِ كَمَا فِي الْعتْق وَأما عدم ثُبُوت خِيَار الرُّؤْيَة كَمَا لَا يثبت فِي النِّكَاح لذَلِك وَأَيْضًا فقد ذكر صَاحب التَّتِمَّة أَن الْهِبَة وَالرَّهْن إِذا صححناهما فِي الْغَائِب فَلَا يثبت فيهمَا خِيَار الرُّؤْيَة لِكَوْنِهِمَا ليسَا عقدي مُعَاينَة فَإِنَّهُمَا بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْوَاهِب والراهن عين وبالنسبة إِلَى الْمَوْهُوب لَهُ وَالْمُرْتَهن نفع مَحْض فَلَا حَاجَة إِلَى اثبات الْخِيَار الَّذِي يثب دفعا للعين وَالْوَقْف فِي هَذَا الْمَعْنى وَالله أعلم
271 - مَسْأَلَة رجل وقف مدرسة وَقفا صَحِيحا شَرْعِيًّا وَدفع إِلَى النَّاظر فِي ذَلِك دَرَاهِم وَأذن لَهُ أَن يَشْتَرِي بهَا عقارا ويوقفه على الْمدرسَة الْمَذْكُورَة ثمَّ أَن النَّاظر وكل وَكيلا فَابْتَاعَ مَكَانا وَلم يذكر فِي كتاب الابتياع بِمَال الْوَقْف للْوَقْف بل قَالَ مِمَّا هُوَ مرصد للْوَقْف فَهَل يصير وَقفا بِمُجَرَّد

(1/362)


@ هَذَا اللَّفْظ أم لَا وَهل إِذا قَالَ فِي كتاب الابتياع بِمَال الْوَقْف للْوَقْف هَل يصير وَقفا أم لَا وَهل إِذا انْعَزل النَّاظر وَولي غَيره وَرَأى حظا وغيطة ومصلحة فِي بيع هَذَا الْمَكَان وَالْحَالة هَذِه هَل يجوز بَيْعه
أجَاب رَضِي الله عَنهُ لَا يصير وَقفا بِمُجَرَّد هَذَا اللَّفْظ وَكَذَا إِذا قَالَ بِمَال الْوَقْف فَإِن مَا يَشْتَرِي بِمَال الْوَقْف مَمْلُوك وضرورة كَونه مَبِيعًا وَالْوُقُوف لَا يسري إِلَيْهِ وعَلى هَذَا إِذا لم يُوقف جَازَ بَيْعه للْوَقْف فِي مصْلحَته الراجحة وَالله أعلم
272 - مَسْأَلَة ادّعى أبنية فِي أَرض مَوْقُوفَة على طَائِفَة الْفُقَهَاء الشَّافِعِيَّة وَزعم أَنَّهَا كَانَت مَمْلُوكَة لمورثه ثمَّ انْتَقَلت إِلَيْهِ بِمَوْتِهِ فاثبتها القَاضِي لَهُ بِبَيِّنَة شهِدت لَهُ بذلك ثمَّ أَن الْمُدعى عَلَيْهِ سَأَلَ القَاضِي مُطَالبَة الْمُدَّعِي الْمَذْكُور بِأُجْرَة الأَرْض فِي مُدَّة شغلها بِهَذِهِ الْأَبْنِيَة فألزمه بهَا فَهَل يلْزمه ذَلِك أم لَا
أجَاب رَضِي الله عَنهُ يلْزمه ذَلِك عِنْد قيام الْبَيِّنَة بأَدَاء أجرتهَا من حِين ملك الْأَبْنِيَة وَيتَعَلَّق أُجْرَة مَا كَانَ من ذَلِك فِي ملك مُوَرِثه لَهَا بِتركَتِهِ وَالله أعلم
273 - مَسْأَلَة رجل وقف كتبا على جَمِيع الْمُسلمين وَشرط أَن ينْتَفع بهَا مُدَّة حَيَاته فَهَل يجوز لَهُ أَن ينْتَفع بهَا بِالْقِرَاءَةِ وَهُوَ لَا يمْنَعهَا مِمَّن طلبَهَا وَهل يكون هَذَا كَمَا لَو وقف مَسْجِدا فان لَهُ أَن ينْتَفع بِهِ أم لَا
أجَاب رَضِي الله عَنهُ الْأَظْهر أَن لَهُ ذَلِك وَلَو لم يشْتَرط انْتِفَاع نَفسه وَالله أعلم
274 - مَسْأَلَة شخص وقف وَقفا مُؤَبَّدًا على جِهَة من جِهَات الْبر

(1/363)


@ وَشرط النّظر لنَفسِهِ مُدَّة حَيَاته وَجعل لَهُ على النّظر جُزْءا مَعْلُوما من ريع ذَلِك الْوَقْف فَهَل يَصح ذَلِك أم لَا
أجَاب رَضِي الله عَنهُ هَذَا مَبْنِيّ على أَن وقف الْإِنْسَان على نَفسه هَل يَصح وَنقل تَصْحِيحه عَن أبي عبد الله الزبيرِي وَابْن شُرَيْح وَهُوَ مَذْهَب أَحْمد وَظَاهر الْمَذْهَب مَنعه فَإِن قُلْنَا بتصحيح وَقفه على نَفسه صَحَّ هَذَا قطعا وَإِن قُلْنَا بِالْمَنْعِ فَفِي جَوَاز هَذَا وَجْهَان ينبنيان على الْخلاف فِي أَن الْهَاشِمِي إِذا كَانَ عَاملا على الصَّدقَات هَل لَهُ أَن يَأْخُذ سهم الْعَامِل مِنْهُم فَمِنْهَا من أَبَاحَ ذَلِك وَيتَوَجَّهُ بِأَنَّهُ يَأْخُذ ذَلِك صَدَقَة وَكَونه عَاملا وصف ينط بِهِ الإستحقاق كَسَائِر الْأَوْصَاف من الْفقر والمسكنة وَغَيرهَا وَلَيْسَ ذَلِك أجره على منهاج الْأجر فَإِنَّهُ لَا يعْتَبر فِيهِ عقد إِجَارَة وَلَا أَن يكون الْمِقْدَار مَعْلُوما عِنْد عمله وَمِنْهُم من سوغ ذَلِك وَيتَوَجَّهُ بِأَن ذَلِك فِي الْمَعْنى أجره فانه مجعول لَهُ على عمل يعمله مُقَابل مثله بِالْأُجْرَةِ وَيدل على أَنه سهم الْعَامِل الا انه لَا يُزَاد على أُجْرَة الْمثل وَإِذا فضل من ثمن الصَّدَقَة على ذَلِك فأفضل رد على بَاقِي الْأَصْنَاف وَإِنَّمَا لم يعْتَبر فِيهَا العقد وَشَرطه لِأَنَّهَا ثبتَتْ بِجعْل الشَّارِع بِخِلَاف الْأجر فِي الأجارات الَّتِي هِيَ منوطة بِجعْل الْمُكَلف
إِذا عرف هَذَا فَهَذَا ينساق مثله فِي مَسْأَلَتنَا فِي الْوَقْف ثمَّ إِن جعلنَا الْأَصَح من الرأيين فِي ذَلِك القَوْل بالجوار وإياه وَاخْتَارَ صَاحب نِهَايَة الْمطلب فِيمَا وَجَدْنَاهُ لَهُ كَانَ الْأَصَح هَا هُنَا القَوْل بِالْجَوَازِ وَإِن جعلنَا الْأَصَح هُنَاكَ الْمَنْع كَانَ الْأَصَح هَا هُنَا الْإِفْسَاد وَهَذَا هُوَ اخْتِيَار صَاحب

(1/364)


@ التَّهْذِيب فِيمَا وَجَدْنَاهُ عَنهُ وَالْأول أولى وَالْعلم عِنْد الله تبَارك وَتَعَالَى ويتقيد ذَلِك بِقدر أُجْرَة الْمثل وَمَا زَاد عَلَيْهَا فَلَا يسوغه إِلَّا من أجَاز الْوَقْف على نَفسه وَالله أعلم
275 - مَسْأَلَة رجل وقف وَقفا على طَائِفَة مُعينَة ثمَّ اسْتثْنى مغل الْوَقْف لنَفسِهِ مُدَّة حَيَاته وَحكم بنفوذ هَذَا الْوَقْف حَاكم حَنَفِيّ وأنفذ حكمه حَاكم شَافِعِيّ فَهَل يجوز للْوَاقِف نقض هَذَا الْوَقْف وإبطاله على مَذْهَب الإِمَام الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ وَإِن لم يجز لَهُ ذَلِك ظَاهرا فَهَل يَأْثَم فِيمَا بَينه وَبَين الله تَعَالَى أَن أعدم كتاب الْوَقْف
أجَاب رَضِي الله عَنهُ لَهُ نقضه إِذا لم يكن ذَلِك هُوَ الصَّحِيح فِي مَذْهَب أبي حنيفَة رَحمَه الله وان كَانَ الصَّحِيح من مَذْهَب أبي حنيفَة فَلَيْسَ لَهُ نقضه فِي الظَّاهِر وَيجوز فِيمَا بَينه وَبَين الله تَعَالَى أَن يُخرجهُ عَن حكم الْوَقْف ويتصرف فِيهِ تصرف الْملاك وَالله أعلم
276 - مَسْأَلَة فِي وَاقِف وقف وَقفا صَحِيحا على أَخَوَيْنِ صغيرين ثمَّ من بعدهمَا على أولادهما ثمَّ من بعدهمْ على الْفُقَرَاء وَقفا صَحِيحا مُتَّصِل الِابْتِدَاء والإنتهاء فَقبل الْوَاقِف النَّاظر فِي مَالهمَا من الْوَاقِف وتسلمه لَهما فَلَمَّا بلغا ردا الْوَقْف هَل يرْتَد بردهما أم لَا وَمَا الْمُخْتَار فِي مَذْهَب الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ والمعمول بِهِ وَالَّذِي الْفَتْوَى عَلَيْهِ فِي الْقبُول فِي الْوَقْف الْخَاص على معِين هَل من شَرط فِي صِحَة الْوَقْف عَلَيْهِ أم لَا وَهل يتَفَرَّع رد الصَّبِيَّيْنِ بعدلين بلغا للْوَقْف عَلَيْهِمَا على اشْتِرَاط الْقبُول أم لَا وَلَو أَن رجلا وقف وَقفا صَحِيحا شَرْعِيًّا خَاصّا أَو عَاما وَجعل النّظر فِيهِ

(1/365)


@ الى رجل أَجْنَبِي عدل ثمَّ أَرَادَ أَن يعزله ويستبدل بِهِ غَيره هَل لَهُ ذَلِك وَينفذ عَزله
أجَاب رَضِي الله عَنهُ لَا يرْتَد بردهما وَالْحَالة هَذِه وَلَو قُلْنَا بِاشْتِرَاط الْقبُول لوُجُود مَا يعْتَبر من الْقبُول هَا هُنَا بِقبُول الْوَلِيّ ثمَّ أَن بَين المصنفين اخْتِلَافا فِي أَن الْأَصَح من الرأيين فِي اشْتِرَاط الْقبُول فِي الْوَقْف لمُعين مَا إِذا الْأَصَح عدم اشْتِرَاط الْقبُول فَإِن الْأَصَح أَن الْملك فِي الْوَقْف يَزُول إِلَى الله تَعَالَى وَإِن ألزمنا أَنه يرْتَد برده فَمن الْجَواب عَنهُ أَن صَاحب التَّهْذِيب طرد قِيَاسه فِي ذَلِك أَيْضا وَاخْتَارَ أَنه لَا يرْتَد برده وَهُوَ مُتَّجه جيد وَأما صِحَة الْعَزْل فِيمَا ذكر فالمختار فِيهِ التَّفْصِيل وَأَنه إِن جعل النّظر إِلَيْهِ فِي نفس الْوَقْف عِنْد انشائه لم يَصح عَزله وَإِن ولاه بعد الْوَقْف لكَون النّظر لَهُ فِي ذَلِك صَحَّ عَزله وَمن المصنفين من نقل فِي جَوَاز عَزله وَجْهَيْن مُطلقًا أَحدهمَا أَنه يجوز وَنسبه إِلَى الاصطخري وَأبي الطّيب وَالثَّانِي لَا يجوز وَمَا تقدم أظهر وَالْعلم عِنْد الله تبَارك وَتَعَالَى
277 - مَسْأَلَة رجل نَاظر على رِبَاط وقف وَله من المَاء ربع أصْبع وَيَجِيء المَاء من بعيد مَعَ مياه النَّاس فَبَاعَ النَّاس ماؤهم وَبَقِي مَاء الرِّبَاط لم يصل إِلَى الرِّبَاط فَهَل يجوز للنَّاظِر حكر المَاء الْمَذْكُور لمن يصل إِلَيْهِ المَاء واذا حصل لَهُ حكر مَاء يصل إِلَى الرِّبَاط احتكره
أجَاب رَضِي الله عَنهُ الظَّاهِر أَنه يجوز لَهُ أجارة مجْرَاه بِحقِّهِ من المَاء وَالْحَالة هَذِه كَمَا فِي بيع مَا تعذر الِانْتِفَاع بِهِ من الْمَوْقُوف وَأولى بِالْجَوَازِ وَأما احتكار مجْرى مَاء آخر وَاصل إِلَى الرِّبَاط فَجَائِز من أجره مجْرى مَائه الْمَذْكُور بل يجب صرف ذَلِك فِي ذَلِك وَيجوز أَن يُضَاف إِلَى ذَلِك من فعل سَائِر الْوَقْف إِن كَانَ فِي شَرطه مَا يسوغ ذَلِك

(1/366)


- مَسْأَلَة فِي مديون أجر الدَّائِن وَقفا عَلَيْهِ بِالدّينِ الَّذِي لَهُ عَلَيْهِ وَضمن ضَامِن من الدَّرك ثمَّ بَان بطلَان الأجارة لمخالفتها شُرُوط الْوَاقِف فَهَل يلْزم الضَّامِن شَيْء
أجَاب رَضِي الله عَنهُ لَا يلْزم لضامن الدَّرك شَيْء لكَون الْمُسْتَأْجر لم يفت عَلَيْهِ شَيْء من الْأُجْرَة وَلَيْسَ بَقَاء الدّين الَّذِي هُوَ الْأُجْرَة بِحَالهِ وَالله أعلم
279 - مَسْأَلَة رجل كَانَ بِيَدِهِ قيراطان من قَرْيَة مُعينَة وَقفا من السُّلْطَان صَلَاح الدّين رَحمَه الله لم يزل متصرفا فِيهَا مُدَّة حَيَاته ثمَّ إِن الشُّرَكَاء تغلبُوا على الْأَيْتَام وَوَضَعُوا أَيْديهم على الْقرْيَة فَلَمَّا كبر الْأَيْتَام كتبُوا محضرا بِأَن صَلَاح الدّين رَحمَه الله وقف القيراطين الْمَذْكُورين على الْمَذْكُور وعَلى عقبه من بعده وَحكم بِهِ الْحَاكِم واتصل بِهِ حكمه فَادّعى الشُّرَكَاء أَن هَذَا الْوَقْف مُنْقَطع وَأَنه لَا يَصح فَهَل ينْقض ذَلِك بعد اتِّصَال حكم الْحَاكِم بِهِ أم لَا
أجَاب رَضِي الله عَنهُ لَا يفْسد الْوَقْف بِانْقِطَاع آخِره على الْأَصَح وَلَا ينْقض حكم الْحَاكِم الَّذِي حكم بِهِ وَذَلِكَ الصَّحِيح عِنْده وَالله أعلم
280 - مَسْأَلَة رِبَاط مَوْقُوف على الصُّوفِيَّة اقْتَضَت مصلحَة أَهله أَن يفتح فِيهِ بَاب جَدِيد مُضَافا إِلَى بَابه الْقَدِيم فَهَل يجوز للنَّاظِر ذَلِك وَلَيْسَ فِي شَرط الْوَاقِف تعرض لذَلِك بِمَنْع وَلَا إِطْلَاق
أجَاب رَضِي الله عَنهُ إِن استلزم ذَلِك تَغْيِير شَيْء من الْمَوْقُوف عَن هَيْئَة كَانَ عَلَيْهَا عِنْد الْوَقْف إِلَى هَيْئَة أُخْرَى غير مجانسة لَهَا مثل أَن يفتح الْبَاب إِلَى أَرض وقفت بستانا مثلا فيستلزم تَغْيِير مَحل الاستطراق مِنْهُ وَجعل ذَلِك الْقدر طَرِيقا بعد أَن كَانَ أَرض غرس وزراعة فَهَذَا أَو شبهه غير جَائِز وَإِن لم يسْتَلْزم شَيْئا من ذَلِك وَلم يكن إِلَّا مُجَرّد فتح بَاب جَدِيد فَهَذَا لَا بَأْس بِهِ عِنْد

(1/367)


@ اقْتِضَاء الْمصلحَة لَهُ وَفِي الحَدِيث والأثر الصَّحِيحَيْنِ مَا يدل على تسويغه وَالله أعلم
الحَدِيث قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه لَوْلَا حدثان عهد قَوْمك بالْكفْر لجعلت للكعبة بَابَيْنِ وَلَا فرق والأثر فعل عُثْمَان بن عَفَّان رَضِي الله عَنهُ فِي مَسْجِد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ إِجْمَاع ثمَّ وَقع قريب مِنْهَا وَكَانَ من الْجَواب فِيهِ لَا بُد أَن يصان ذَلِك عَن هدم شَيْء لأجل الْفَتْح على وَجه لَا

(1/368)


@ يسْتَعْمل فِي مَوضِع آخر من الْمَكَان الْمَوْقُوف فَإِن ذَلِك من الْمَوْقُوف فَلَا يجوز إبِْطَال الْوَقْف فِيهِ بِبيع وَغَيره فَإِذا كَانَ الْفَتْح بانتزاع حجارته بِأَن يَجْعَل فِي طرف آخر من الْمَكَان فَلَا بَأْس وَالله أعلم
281 - مَسْأَلَة وقف صورته مَا فضل من عِمَارَته وإصلاحه كَانَ أجائزا على ستهم وعَلى محَاسِن وفضلية بَينهمَا بالسواء نِصْفَيْنِ وعَلى فَاطِمَة بَينهم بالسواء أَثلَاثًا ثمَّ على أَوْلَادهم وَأَوْلَاد أَوْلَادهم ثمَّ على نسلهم وعقبهم من بدعهم أبدا مَا تَنَاسَلُوا ودائما مَا وجدوا وَإِذا انقرض كل فريق مِنْهُم عَاد مَا كَانَ جَارِيا عَلَيْهِم على البَاقِينَ من هَؤُلَاءِ الْمَذْكُورين ثمَّ على أَوْلَادهم وَأَوْلَاد أَوْلَادهم فَإِذا انقرضوا بأجمعهم كَانَ جَارِيا على جِهَة مُتَّصِلَة فَمَاتَتْ ستهم من غير عقب ثمَّ مَاتَت محَاسِن عَن ولد ثمَّ أُخْته فَضِيلَة عَن ثَلَاثَة ثمَّ مَاتَ ابْن محَاسِن من غير عقب ثمَّ مَاتَت فَاطِمَة عَن ولد فَإلَى من ينْتَقل نصيب ستهم ثمَّ إِلَى من ينْتَقل نصيب ابْن محَاسِن إِلَى ابْن فَاطِمَة فَقَط أم اليه والى أَوْلَاد بنت فَضِيلَة أم اليهم دونه
أجَاب رَضِي الله عَنهُ لما مَاتَت ستهم انْتقل نصِيبهَا إِلَى محَاسِن وفضيلة وَفَاطِمَة ثمَّ لما مَاتَت محَاسِن انْتقل نصِيبهَا إِلَى فَضِيلَة خَاصَّة هَذَا هُوَ الظَّاهِر وَلما مَاتَت فَضِيلَة انْتقل جَمِيع مَالهَا إِلَى فَاطِمَة ثمَّ لما مَاتَت فَاطِمَة انْتقل الْجَمِيع إِلَى وَلَدهَا وَمن هُوَ فِي طبقته من أَوْلَاد فَضِيلَة وَالله أعلم
282 - مَسْأَلَة الْمدَارِس الْمَوْقُوفَة على الْفُقَهَاء هَل يجوز لغَيرهم دُخُول بيُوت الْخَلَاء فِيهَا وَالْجُلُوس فِي مجالسها وَالشرب من مياهها وَمَا أشبه ذَلِك

(1/369)


@ أجَاب رَضِي الله عَنهُ يجوز هَذَا وأشباهه مَا جرت بِهِ الْعَادة وَاسْتمرّ بِهِ الْعرف فِي الْمدَارِس وَينزل الْعرف فِي ذَلِك منزلَة اشْتِرَاط الْوَاقِف لَهُ فِي وَقفه تَصْرِيحًا لما تقرر من تَأْثِير الْعرف فِي أَلْفَاظ الْعُقُود مطلقات الْأَقْوَال
وَمن أَمْثِلَة ذَلِك تَنْزِيل الْعرف فِي تبقية الثِّمَار إِلَى أَوَان القطاف ومنزلته اشْتِرَاط التبقية فِيمَا إِذا اشْتريت أَو استبقيت
وَأفْتى الْغَزالِيّ رَحمَه الله تَعَالَى بنظير هَذَا وَنقل الْفتيا إِلَى الْإِحْيَاء فِي آخر الْحَلَال وَالْحرَام فِيمَا إِذا وقف وَقفا على رِبَاط للصوفية وسكانه فَذكر أَنه يجوز لغير الصُّوفِي أَن يَأْكُل مَعَهم برضاهم مرّة أَو مرَّتَيْنِ فَإِن الْوَاقِف لَا يقف إِلَّا مُعْتَقدًا فِيهِ مَا جرت بِهِ عَادَة الصُّوفِيَّة فَينزل على عَادَتهم وعرفهم وَالله أعلم
283 - مَسْأَلَة فِي وقف على الصُّوفِيَّة صرف مِنْهُ ناظره إِلَى قوم زَعَمُوا أَنهم لبسوا خرقَة التصوف من شيخ وَلَيْسوا على هَيْئَة الصُّوفِيَّة المتعارفين فَهَل يجوز الصّرْف اليهم بِمُجَرَّد لبس الْخِرْقَة وَمن الصُّوفِيَّة وَمَا صفتهمْ
أجَاب رَضِي الله عَنهُ مَا كَانَ مَوْقُوفا على الصُّوفِيَّة لَا يجوز صرفه إِلَّا إِلَى من يعد فِي الْعرف من الصُّوفِيَّة وَيعرف ذَلِك بِأَن يكون بِحَيْثُ إِذا نزل بالرباط الْمَخْصُوص بالصوفية لم يستنكروا نُزُوله فِيهِ ومقامه بَينهم استنكارهم ذَلِك مِمَّن لَيْسَ من جنسهم وقبيلتهم وَلَا بُد فِيهِ من وجود صِفَات مِنْهَا الصّلاح ومجانيه الْأَسْبَاب المفسقة وَمِنْهَا زِيّ الصُّوفِيَّة وَأَن يكون سَاكِنا

(1/370)


@ بَينهم فِي الرِّبَاط مخالطا لَهُم وَإِن لم يكن على زيهم إِذا كَانَ فِيهِ بَقِيَّة الصِّفَات وَمِنْهَا أَن يكون ذَا ثروة ظَاهِرَة وَمِنْه أَن لَا يكون صَاحب حِرْفَة واكتساب يباين حَال الصُّوفِيَّة مثل التِّجَارَة وكل صناعَة يقْتَرن بهَا الْعُقُود فِي الْحَانُوت وَنَحْوه وَلَا يقْدَح فِي ذَلِك النّسخ والخياطة الَّتِي يعتادها كثير من الصُّوفِيَّة وَلَا كَونه فَقِيها وَمن أهل الْعلم إِذا وجد فِيهِ الصِّفَات الْمَذْكُورَة فَإِن الْجَهْل لَيْسَ من شَرط الصُّوفِيَّة وَأما لبس خرقَة التصوف على تجرده فَلَيْسَ كَافِيا فِي اسْتِحْقَاق ذَلِك وَلَيْسَ عَدمه قادحا فِي الِاسْتِحْقَاق وَالِاعْتِبَار فِي الصِّفَات الْمَذْكُورَة دونه فقد نقل عَن الشَّيْخ أبي مُحَمَّد أَنه أبطل الْوَقْف على الصُّوفِيَّة وَلِأَنَّهُ لَا حق لَهُم يُوقف عَلَيْهِ وَصحح الْوَقْف صَاحب التَّتِمَّة وَلَكِن ذاكرته يصرف الى الْمُعَرّف عَن الدُّنْيَا المشتغل بِالْعبَادَة فِي أَكثر أوقاته وَالصَّحِيح وَالله أعلم مَا أَفْتيت بِهِ وبمثله أفتى الْغَزالِيّ وَهُوَ مَوْجُود فِي فَتَاوِيهِ وَنَقله إِلَى كِتَابه الْإِحْيَاء فِي آخر كتاب الْحَلَال وَالْحرَام مِنْهُ

(1/371)


@ وَالله أعلم
284 - مَسْأَلَة فِي مدرسة مَوْقُوفَة على الْفُقَهَاء والمتفقهة ووقف لَهَا على فُقَهَاء بهَا ومتفقهتها هَل يسْتَحق مِنْهُ من يشْتَغل بهَا وَلَا يحضر درس الْمدرس أَو يحضر الدُّرُوس وَلَا يحفظ شَيْئا وَلَا يطالع أَو يشْتَغل بالمطالعة وَحدهَا أم لَا وَهل يسْتَحق مِنْهُ من يَفِي بِشَرْط الْوَاقِف فِي بعض الْأَيَّام دون بعض وَهل يسْتَحق مِنْهُ من يشْتَغل بِغَيْر الْفِقْه وَإِذا شَرط الْوَاقِف قِرَاءَة جُزْء من الْقُرْآن العزير فِي كل يَوْم ففاته أَيَّامًا ثمَّ قَضَاهُ فَهَل يجْزِيه ذَلِك فِي ذَلِك وَهَذِه البطالة المتعارفة فِي رَجَب وَشَعْبَان ورمضان هَل يسْتَحقُّونَ فِيهَا أم لَا
أجَاب رَضِي الله عَنهُ يلحظ فِي هَذِه الْأَحْوَال وَغَيرهَا شُرُوط الْوَاقِف فَمَا كَانَ مِنْهَا مخلا بِمَا نَص الْوَاقِف على جعله شرطا فِي الِاسْتِحْقَاق فَهُوَ قَادِح فِي الِاسْتِحْقَاق وَمَا لم يكن فِيهِ إخلال بِشَيْء ذكر الْوَاقِف اشْتِرَاطه فِي الِاسْتِحْقَاق لَكِن فِيهِ إخلال بِمَا غلب بِهِ الْعرف واقتضته الْعَادة فالاستحقاق

(1/372)


@ يَنْتَفِي بِهَذَا الْإِخْلَال أَيْضا وَإِن لم يتَعَرَّض الْوَاقِف لَا شتراط ذَلِك لفظا بِنَفْي وَلَا إِثْبَات لتنزل الْعرف فِي مثل هَذَا بِمَنْزِلَة الِاشْتِرَاط لفظا على مَا تقدم إِلَّا بِمَا إِلَى بَيَانه فِي الْفتيا الَّتِي قبل هَذِه وَيَعْنِي بهَا الْعرف الَّذِي قَارن الْوَقْف وَكَانَ الْوَاقِف من أَهله وَمَا لم يكن فِيهِ إخلال بِمَا ظهر اشْتِرَاطه لفظا وَعرفا وَلَا تردد فِي كَونه من الْمَشْرُوط فَلَا يقْدَح فِي الِاسْتِحْقَاق وَمَا وَقع التَّرَدُّد فِي كَونه من الْمَشْرُوط فَلَا يَجْعَل شرطا فِي الِاسْتِحْقَاق مَعَ الشَّك وَلَا يمنعنا من الحكم بِالِاسْتِحْقَاقِ كوننا ترددنا وَالْأَصْل عَدمه لِأَن سَببه قد تحقق وشككنا فِي تَقْيِيده بِشَرْط وَالْأَصْل عدم الْقَيْد وَالشّرط وَالْحكم لهَذَا على ذَلِك
وَله فِي بَاب الْوَقْف نَفسه شَاهد مسطور وَهُوَ مَا ذكره غير وَاحِد فِيمَا لَو ندرس شَرط الْوَاقِف فَلم يعلم أَنه على تَرْتِيب أَو تشريك وتنازع أَرْبَاب الْوَقْف فِي ذَلِك وَلَا بَيِّنَة قَالُوا يَجْعَل بَينهم بِالسَّوِيَّةِ هَذَا مَعَ أَن الشَّك فِي التَّرْتِيب يُوجب شكا فِي اسْتِحْقَاقه الْآن وَكَذَا الشَّك فِي التَّفْصِيل يُوجب شكا فِي اسْتِحْقَاق بعض مَا حكم لَهُ بتناوله وَالْأَصْل عدم الِاسْتِحْقَاق لَكِن أصل الْوَقْف عَلَيْهِ سَبَب مُتَحَقق فَالْأَصْل عدم الْقَيْد وَمَعَ هَذَا فَالْأولى فِي مثل هَذِه الْحَالة أَن لَا يتَنَاوَل وَمن صورها أَن يذكر فِي كتاب الْوَقْف أمورا غير مقرونة بِصِيغَة الِاشْتِرَاط فَلم يقل فِيهَا وقف على أَنهم يَفْعَلُونَ كَذَا أَو يشْتَرط أَنهم يَفْعَلُونَ كَذَا وَمَا أشبه هَذَا وَإِنَّمَا قيل فِيهَا ليفعلون كَيْت وَكَيْت أَو يَفْعَلُوا كَذَا وَكَذَا فَمثل هَذَا مُتَرَدّد بَين أَن يكون توصية وَبَين أَن يكون اشتراطا
وَبعد هَذِه الْجُمْلَة فَمن كَانَ من المتفقهة يشْتَغل بِالْمَدْرَسَةِ الْمَذْكُورَة وَلَا يحضر الدَّرْس لَا يثبت لَهُ اسْتِحْقَاق وَحَيْثُ أَن حُضُور المتفقهة بِالْمَدْرَسَةِ درس مدرسها هُوَ الْعرف الْغَالِب وَلم يُوجد من الْوَاقِف التَّعَرُّض بإسقاطه فَينزل مُطلق وَقفه عَلَيْهِ وَإِذا لم يشْتَرط الْوَاقِف الْحِفْظ فَمن يحضر الدَّرْس وَلَا

(1/373)


@ يحفظ وَلَا يطالع يسْتَحق إِن كَانَ فَقِيها منتهيا أَو كَانَ مِمَّن يتفقه بِمَا يسمعهُ فِي الدَّرْس يفهم ويعلق بذهنه وَلَا يسْتَحق إِذا لم يكن كَذَلِك فَإِنَّهُ لَيْسَ من الْفُقَهَاء وَلَا من المتفقهة وَإِنَّمَا وقف عَلَيْهِم فَحسب وعَلى هَذَا فَمن يحضر الدَّرْس وَإِنَّمَا اشْتِغَاله بالمطالعة وَحدهَا يسْتَحق إِذا كَانَ منتهيا أَو كَانَ مِمَّن يتفقه بذلك وَلَا يسْتَحق إِذا لم يكن بِوَاحِد مِنْهَا
وَأما من أخل بِشَرْط الْوَاقِف فِي بعض الْأَيَّام دون بعض فَينْظر فِي كبفية اشْتِرَاط ذَلِك الشَّرْط الَّذِي أخل بِهِ ومنستنذه فَإِن كَانَ مقتضيا اشْتِرَاط فِي الزَّمَان الَّذِي تَركه فِيهِ ويتقيد الِاسْتِحْقَاق فِي تِلْكَ الْأَيَّام بِالْقيامِ بِهِ فِيهَا فَيسْقط اسْتِحْقَاقه فِيهَا وَالْحَالة هَذِه وَإِن لم يكن مُقْتَضَاهُ ذَلِك وَكَانَ مَشْرُوطًا على وَجه لَا يكون تَركه فِي تِلْكَ الْأَيَّام اخلالا بِمَا هُوَ الْمَشْرُوط مِنْهُ فَلَا يسْقط حِينَئِذٍ اسْتِحْقَاقه فِي تِلْكَ الْأَيَّام
وَمن هَذَا الْقَبِيل إخلال المتفقهة بالاشتغال فِي بعض الْأَيَّام حَيْثُ لَا يكون الْوَاقِف قد نَص على اشْتِرَاط وجوده كل يَوْم فَإِنَّمَا هُوَ الْمُسْتَند فِي اشْتِرَاطه يَقْتَضِي اشْتِرَاطه على الْجُمْلَة لَا فِي كل يَوْم فيلتحق بِهَذَا الْإِخْلَال بِحُضُور الدَّرْس فِي بعض الْأَيَّام وعَلى وَجه لَا يكون خَارِجا عَن الْمُتَعَارف حَيْثُ لم ينص على اشْتِرَاطه كل يَوْم وَمن الْقَبِيل الأول مَا ذكر من اشْتِرَاطه قِرَاءَة جُزْء من الْقُرْآن الْكَرِيم كل يَوْم فَأَي يَوْم أخل بذلك سقط اسْتِحْقَاقه فِيهِ وَلَا يتَوَهَّم تعدِي سُقُوط الِاسْتِحْقَاق الى سَائِر الْأَيَّام الَّتِي لم يَقع فِيهَا اخلال فَإِن إخلاله بِالشّرطِ ذِي بعض الْأَيَّام بِمَنْزِلَة عدم وجود هَذَا الْمُسْتَحق فِي بعض الْأَيَّام كالأيام الَّتِي تقدمته وقضاؤه لما فَاتَهُ من ذَلِك لَا يثبت اسْتِحْقَاقه فِي تِلْكَ الْأَيَّام فَإِن الْمُقَيد بِوَقْت لَا يتَنَاوَل مَا فعل فِي غَيره
واما من يشْتَغل بِغَيْر الْفِقْه فَلَا يسْتَحق إِلَّا أَن يكون قد صَار فَقِيها فَيسْتَحق بِاعْتِبَار كَونه من الْفُقَهَاء دون المتفقهة

(1/374)


@
وَأما هَذِه البطالة الْوَاقِعَة فِي رَجَب وَشَعْبَان ورمضان فَمَا وَقع مِنْهَا فِي رَمَضَان وَنصف شعْبَان لَا يمْنَع من الِاسْتِحْقَاق حَيْثُ لَا نَص من الْوَاقِف على اشْتِرَاط الِاشْتِغَال فِي الْمدَّة الْمَذْكُورَة وَمَا يَقع مِنْهَا قبلهَا يمْنَع لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهَا عرف مُسْتَمر وَلَا وجود لَهَا فِي أَكثر الْمدَارِس والأماكن فَإِن اتسق بهَا عرف فِي بعض الْبِلَاد واشتهر وَظهر مُضْطَرب فَيجْرِي فِيهَا فِي ذَلِك الْبَلَد الْخلاف الْمَحْفُوظ فِي ان الْعرف الْخَاص هَل ينزل فِي التَّأْثِير منزلَة الْعرف الْعَام وَالظَّاهِر تنزله فِي أَهله بِتِلْكَ الْمنزلَة وَلَا يخفى وَجه الِاحْتِيَاط فِي ذَلِك وَالله أعلم
285 - مَسْأَلَة امْرَأَة وقفت وَقفا بعد عينهَا على من يقْرَأ على قبرها بعد مَوتهَا ثمَّ أَنَّهَا مَاتَت وَلم يعرف لَهَا قبر فَهَل يَصح هَذَا الْوَقْف أم لَا وَهل يصرف إِلَى من يقْرَأ وَيهْدِي ثَوَاب الْقُرْآن إِلَيْهَا أَو يصرف إِلَى ورثتها وَالْمَوْقُوف لَا يخرج من ثلثهَا وَالْوَارِث لم يخرج مَا زَاد على الثُّلُث
أجَاب رَضِي الله عَنهُ لَا يَصح هَذَا الْوَقْف لِأَنَّهُ مَخْصُوص بِجِهَة خَاصَّة فاذا تَعَذَّرَتْ ألغي وَلَا يَكْتَفِي بِعُمُوم تضمنه الْخُصُوص كَمَا لَو أوصى قَائِلا اشْتَروا عبد فلَان واعتقوه عني فَتعذر شِرَاء عبد فلَان فَلَا يَشْتَرِي مُطلقًا عبد آخر وَيعتق عَنهُ وَلَيْسَ فَسَاد هَذَا من جِهَة كَونه وَقفا بعد الْمَوْت فان ذَلِك لَيْسَ مُفْسِدا على مَا أفتى بِهِ غير وَاحِد من الْأَئِمَّة وَهُوَ نوع وَصيته وَالله أعلم
286 - مَسْأَلَة فِيمَن وقف وَقفا صَحِيحا مُتَّصِلا أَوله وَآخره ووسطه على زيد بن فلَان بن فلَان ثمَّ على أَوْلَاده بَطنا بعد بطن ثمَّ على الْفُقَرَاء

(1/375)


@ وَجعل الْوَاقِف النّظر فِيهِ إِلَى رجل عدل أَجْنَبِي ثمَّ أَرَادَ الْوَاقِف أَن يعْزل النَّاظر ويستبدل بِهِ غَيره هَل لَهُ ذَلِك أم لَا
أجَاب رَضِي الله عَنهُ لَهُ ذَلِك إِن ولاه بعد تَمام الْوَقْف حَيْثُ يملك تَوْلِيَة غَيره لكَونه شَرط النّظر لنَفسِهِ عِنْد إنْشَاء الْوَقْف أَو فِيمَا إِذا أطلق وحكمنا يكون النّظر للْوَاقِف وَأما إِذا كَانَ قد شَرط النّظر للْأَجْنَبِيّ الْمَذْكُور فِي نفس عقد الْوَقْف فَلَا يَنْعَزِل بعزله على الرَّأْي الْأَقْوَى وَكَانَ كَسَائِر مَا يشْتَرط فِي الْوَقْف فَلَا يجوز تَغْيِيره وَالله أعلم
287 - مَسْأَلَة رجل وقف أملاكا لَهُ وَقفا وَصفه بالاتصال والتأييد على أَوْلَاده وَسَمَّاهُمْ وعينهم ثمَّ قَالَ على أَوْلَادهم وَأَوْلَاد أَوْلَادهم وعقبهم ونسلهم أبدا مَا تَنَاسَلُوا وتوالدوا واتصلت أنسابهم بآبائهم وأمهاتهم بالواقف ثمَّ أعَاد ذكر أَوْلَاده بِأَسْمَائِهِمْ وَقَالَ وَأَوْلَاد أَوْلَادهم ونسلهم وعقبهم مَا اعقبوا وأنسلوا فَإِذا انقرضوا وَلم يبْق مِنْهُم عقب وَلَا نسل كَانَ ذَلِك لأَوْلَاد أخي الْوَاقِف وَسَمَّاهُمْ للذّكر مثل حَظّ الْأُنْثَيَيْنِ جَارِيا على ذَلِك أبدا مَا أعقبوا وتناسلوا فَإِذا انقرضوا وَلم يبْق لَهُم عقب وَلَا نسل كَانَ ذَلِك لأَوْلَاد فَاطِمَة الزهراء رَضِي الله عَنْهَا يكون ذَلِك كَذَلِك جَارِيا أبدا وَقد بَقِي الْآن من نسل الْوَاقِف من ينْسب إِلَيْهِ بِأحد أَبَوَيْهِ وَمن ينتسب إِلَيْهِ بأبويه مَعًا وَلَكِن فِي أجداده أَو جداته من لَيْسَ من نسل الْوَاقِف فاستولى على الْوَقْف من ينتسب بِأَبِيهِ إِلَى أخي الْوَاقِف وَادّعى أَنه مُسْتَحقّه دون الْمَذْكُورين من نسل الْوَاقِف وَاحْتج بِأَن قَوْله واتصلت أنسابهم بالواقف بآبائهم وأمهاتهم تَقْتَضِي أَن لَا يسْتَحق مِنْهُم إِلَّا من يكون أَبَوَاهُ وَجَمِيع أجداده وجداته من نسل الْوَاقِف فَهَل الْأَمر على مَا ذكره وَإِذا لم يكن ذَلِك كَذَلِك وَقد حكم لَهُ حَاكم فَهَل يمْتَنع نقض حكمه مَعَ أَن الْمَسْأَلَة غير منقولة وَهُوَ لَيْسَ من أهل الِاجْتِهَاد وَلَا أَهلا لاستنباط حكم مثلهَا يُخرجهُ من منصوصات مذْهبه

(1/376)


@ وقواعده أم لَا
أجَاب رَضِي الله عَنهُ لَيْسَ الْأَمر فِي ذَلِك على مَا ادَّعَاهُ وَالَّذِي يُوجِبهُ التَّحْقِيق وَلَا محيد لمسدد عَنهُ إِن من كَانَ أَبَوَاهُ متصلي النّسَب بالواقف فَلَا يمْنَع بِسَبَب أَن يتوسط جدة لَيست من نسل الْوَاقِف وَكَذَا لَو توَسط جد لَيْسَ من نَسْله كل من كَانَ من نسل الْوَاقِف واتصل نسبه بِهِ بِأَبِيهِ أَو أمه فَلَا يحرم بِسَبَب عدم اتِّصَاله بأبويه جَمِيعًا أما الأول وَأَنه لَا يشْتَرط فِي أحد مِنْهُم أَن يكون جَمِيع أجداده وجداته من نسل الْوَاقِف فَلِأَن قَوْله واتصلت أنسابهم بآبائهم وأمهاتهم لَا يَقْتَضِي اشْتِرَاط ذَلِك فِي الأجداد والجدات لقُصُور لفظ الْآبَاء والأمهات عَن الأجداد والجدات من حَيْثُ الْحَقِيقَة لما عرف من الْقَاعِدَة المقررة فِي ذَلِك بواضح دليلها وَإِنَّمَا يتناولهم مجازها بضميمة قرينَة كَمَا إِذا اسْتعْمل ذَلِك فِي شخص وَاحِد فَقيل أَبَا فلَان وأمهاته فيدرج فِي ذَلِك أجداده وجداته ضَرُورَة لفظ الْجمع وَإنَّهُ لَا يحصل الْوَفَاء بحقيته فِي الْوَاحِد دون إدراج الأجداد والجدات بِخِلَاف مَا إِذا اضيف ذَلِك إِلَى أشخاص فَقيل أباؤهم وأمهاتهم على مَا يخفى فَمن أدرجهم فِي هَذَا مُعْتَبرا بِظُهُور أدراجهم فِي ذَلِك فقد وَقع بَعيدا وَبِالْجُمْلَةِ فَإِن انتساب كل وَاحِد مِنْهُم بأبويه الِاثْنَيْنِ كَاف فِي استحقاقهم إِطْلَاق هَذَا الْوَصْف عَلَيْهِم وَأَن يُقَال اتَّصَلت أنسابهم بآبائهم وأمهاتهم والمقيد بِصفة إِذا وجد فِيهَا أَصْلهَا وَمَا يُطلق عَلَيْهِ لَفظهَا لم تشْتَرط الزِّيَادَة على مَا عرف وسيزداد ذَلِك إيضاحا فِيمَا يَأْتِي ذكره إِن شَاءَ الله تَعَالَى
وَأما أَن الِاسْتِحْقَاق يثبت أَيْضا لكل من كَانَ من نسل الْوَاقِف وَلَا يشْتَرط مِنْهُم الانتساب إِلَيْهِ بالأبوين مَعًا بل يَكْفِي الانتساب إِلَيْهِ بِأحد الْأَبَوَيْنِ فَلِأَنَّهُ اذا كَانَ بَعضهم منتسبا إِلَى الْوَاقِف بِأَبِيهِ فَحسب وَبَعْضهمْ منتسبا إِلَيْهِ بِأُمِّهِ فَحسب صَحَّ أَن يُقَال قد اتَّصَلت أنسابهم بِهِ بآبائهم وأمهاتهم فَإِن من جمع بَين أَشْيَاء فِي الذّكر فَكل وَاحِد مِنْهَا ينْفَرد بِوَصْف لَا يُوجد فِي الآخر فَلهُ كف أوصافها فِي إرسالها جملَة مَعَ أَنَّهَا مُتَفَرِّقَة فِيهَا غير مجتمعة فِي كل وَاحِد مِنْهَا

(1/377)


@ يَقُول ذَلِك أهل الْعلم بِاللِّسَانِ ويستعمله أهل الْعرف أَيْضا فَيَقُولُونَ مثلا فِي بني أَب أحدهم شُجَاع غير كريم وَلَا عَالم وَالْآخر مِنْهُم كريم وَآخر عَالم قد أعز الله فلَانا بِالْعلمِ أَوْلَاده وكرمهم وشجاعتهم وَتقدم بَنو فلَان لشجاعتهم وعلمهم وكرمهم ثمَّ أَنه لَا يتَوَقَّف الحكم بِاسْتِحْقَاق الْمَذْكُورين على رُجْحَان هَذَا الْمُجْمل على مَا يُعَارضهُ بل يثبت ذَلِك وَإِن كَانَ مُحْتملا مُسَاوِيا فَإِنَّهُ قد تقدم على ذَلِك ذكره لفظ النَّسْل والعقب فيجرى على ذَلِك اطلاقه مَا لم يظْهر تَقْيِيده وَلَا يجوز تَقْيِيده لمحتمل كَذَلِك على أَن ذَلِك مُرْتَفع عَن منزلَة الْمُسَاوَاة إِلَى دَرَجَة الرجحان والظهور بِمَا دلّ عَلَيْهِ من الْوَاقِف قرينَة لَفظه وقرينة حَاله أما من حَيْثُ اللَّفْظ فَإِنَّهُ ذكر أَوْلَاد أَوْلَاده فِي جملَة من وَصفهم باتصال أنسابهم بِهِ بآبائهم وأمهاتهم وَهَذَا الْمحمل لَا محَالة هُوَ المُرَاد الْأَوْلَاد فَإِنَّهُ لَا يظنّ بِهِ اشْتِرَاط انتساب أَوْلَاد أَوْلَاده إِلَيْهِ بآبائهم وأمهاتهم مَعًا لتعذر ذَلِك بِخِلَاف وَإِذا كَانَ مُرَاده فِي بعض الموصوفين كَانَ هُوَ المُرَاد فِي البَاقِينَ فَإِنَّهُ كَلَام وَاحِد وَلَا يخفى هَذَا وَأَيْضًا فاقتصاره أَجْزَأَ عَن النَّسْل والعقب مُطلقًا حِين اشْتِرَاط أقرانهم فِي اسْتِحْقَاق الْبَطن الآخر يشْعر بِأَن ذَلِك مُرَاده من قبل وَإِلَّا لَكَانَ انْقِطَاعًا وَقد نفى الِانْقِطَاع فِي وَقفه أَولا حِين وَصفه بالاتصال وَلَا يجْرِي فِي هَذَا الْخلاف الْمَحْفُوظ فِيمَا إِذا قَالَ وقفت على أَوْلَادِي فَإِذا انقرض أَوْلَاد أَوْلَادِي فعلى الْفُقَرَاء فِي أَنه يكون اشْتِرَاط النقراضي أَوْلَاد الْأَوْلَاد فِي اسْتِحْقَاق من بعدهمْ مثبتا استحقاقهم بل هَذَا الَّذِي نَحن بصدده يرْتَفع بِمَا أَشَرنَا اليه عَن ذَلِك إِلَى دَرَجَة من الوضوح لأجل دَفعهَا فِيهِ الْخلاف الْوَاقِع فِي ذَلِك وَلَا يخفى على المتأمل وَأما قرينَة حَالَة فَكيف يشْتَرط فِي اسْتِحْقَاق نَسْله الانتساب بِالْآبَاءِ والأمهات على الِاجْتِمَاع وَلَا يشْتَرط ذَلِك فِيمَن أَخّرهُ عَنْهُم من نسل أَخِيه فَيحرم من كَانَ من نسل نَفسه لكَونه لم يجمع انتسابا اليه

(1/378)


@ بِأَبِيهِ وَأمه وَيُعْطِي من كَانَ من نسل أَخِيه مَعَ أَنه لَا يجمع انتسابا بأبويه إِلَى أَخِيه هَذَا مِمَّا يأباه ظَاهر الْحَال جدا وَبعد هَذَا فَحكم الْحَاكِم الْمَذْكُور على الْوَجْه الْمَذْكُور لَا يخفى وجوب نقضه إِن كَانَ قد حكم بِاسْتِحْقَاق المنتسب إِلَى الْأَخ فَإِن اسْتِحْقَاق نسل الْأَخ مَشْرُوط بانقراض نسل الْوَاقِف على الْإِطْلَاق فَسَوَاء اسْتحق من بَقِي مِنْهُم أَو لم يسْتَحق فَلَا حق جزما مَعَ وجودهم لأحد من نسل الْأَخ وَهَذَا ملزوم بِهِ على وَجه لَا ينفذ حكمه بِخِلَافِهِ وَإِن كَانَ حكمه يَنْفِي اسْتِحْقَاق من بَقِي من نسل الْوَاقِف غير متعرض لاسْتِحْقَاق نسل الْأَخ فَحكمه منقوض أَيْضا نظرا إِلَى الْحَاكِم وَانْتِفَاء أَهْلِيَّته لذَلِك أَنه لم يظْهر ذَلِك بِالنّظرِ إِلَى نفس الحكم وَالله أعلم
288 - مَسْأَلَة رجل وقف وَقفا وَشرط النّظر فِيهِ إِلَى الأرشد من أَوْلَاد أَوْلَاده فَمَاتَ الْوَاقِف وَخلف أَوْلَادًا بَنِينَ وَأَوْلَاد بَنَات فَعدم الأرشد من أَوْلَاد الْبَنِينَ وَوجد الأرشد من أَوْلَاد الْبَنَات فَهَل يثبت النّظر للأرشد من أَوْلَاد الْبَنَات أم لَا
أجَاب رَضِي الله عَنهُ نعم يثبت النّظر للأرشد من أَوْلَاد الْبَنَات وَالْحَالة هَذِه وَالله أعلم

289 - مَسْأَلَة وقف مَوْقُوف على الْأَيْتَام والأرامل من أَوْلَاد الْإِمَامَيْنِ الْحسن وَالْحُسَيْن رَضِي الله عَنْهُمَا فَهَل إِذا بلغ أحد مِنْهُم من الذُّكُور وَالْإِنَاث يصرف اليه من ذَلِك وَهل تكون الْبِنْت الْبكر الْبَالِغ من قبيل الأرامل أم لَا وَمَا حد الأرملة
أجَاب رَضِي الله عَنهُ لَا حق فِي ذَلِك لكل بَالغ وبالغة والأرملة كل امْرَأَة كَانَ لَهَا زوج فَبَانَت عَنهُ بِمَوْت أَو بِسَبَب آخر هَذَا نَص الإِمَام الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ وَيدخل فِي ذَلِك الْبكر الَّتِي فَارَقت زَوجهَا

(1/379)


@ وَالظَّاهِر من حَيْثُ الْعرف أَنه لَا يدْخل فِي ذَلِك الغنية لقَرِينَة لفظ الْوَقْف الْعَام وَإِن كَانَ لفظ الأرملة بِمُجَرَّدِهِ يَشْمَل الغنية من حَيْثُ الْعرف واللغة أَيْضا فَليعلم ذَلِك وَالله أعلم
290 - مَسْأَلَة طاحونة مَوْقُوفَة على جِهَة بر أجرهَا النَّاظر مُدَّة سنة أَو نَحْوهَا بِأُجْرَة مَعْلُومَة وَشهد شَاهِدَانِ أَنَّهَا أُجْرَة الْمثل حَالَة العقد ثمَّ تَغَيَّرت الْأَحْوَال وطرأت أَسبَاب توجب زِيَادَة أُجْرَة الْمثل فَهَل يتَبَيَّن بطلَان العقد وَبطلَان الشَّهَادَة بِأُجْرَة الْمثل حَالَة العقد
أجَاب رَضِي الله عَنهُ نعم يتَبَيَّن بطلَان العقد ويتبين أَن الشَّاهِد بِأُجْرَة الْمثل لم يثب فِي شَهَادَته وَذَلِكَ أَن تَقْوِيم الْمَنَافِع فِي مُدَّة ممتدة وَإِنَّمَا يَصح إِذا اسْتمرّ الْحَال الْمَوْجُود حَالَة التَّقْوِيم الَّتِي هِيَ حَالَة العقد أما اذا لم يسْتَمر تِلْكَ الْحَال وطرأت فِي أثْنَاء الْمدَّة أَحْوَال تخْتَلف بهَا قيمَة الْمَنْفَعَة فَإنَّا نتبن أَن الْمُقَوّم لَهَا أَولا لم يُطَابق تقويمه الْمُقَوّم وَلَيْسَ هَذَا كتقويم السّلع الْحَاضِرَة بإجرائها على مَا لَا يخفى وَإِذا ضممنا مَا ذَكرْنَاهُ إِلَى قَول من قَالَ من أَصْحَابنَا أَن النَّاظر إِذا أجر الْمَوْقُوف بِأُجْرَة ثمَّ زَاد فِي الْأُجْرَة زَائِدَة فِي أَثْنَائِهَا أَن الأجارة تَنْفَسِخ أَو تفسخ كَانَ قَاطعا باستبعاد من لم ينشرح صَدره لما ذَكرْنَاهُ فَليعلم ذَلِك فَإِنَّهُ من نفائس النكت وَالله أعلم
291 - مَسْأَلَة رجل أجر وَقفا عَلَيْهِ ثمَّ على أَوْلَاده بِحكم نظره فِي الْوَقْت لَا بِحكم اسْتِحْقَاقه للمنافع من وَلَده مُدَّة وَقبض أجرتهَا ثمَّ توفّي الْمُؤَجّر وورثته وَخلف الْمُسْتَأْجر قبل انْقِضَاء الْمدَّة فَهَل تَنْفَسِخ الأجارة أم لَا وَإِذ انْفَسَخت فَهَل يثبت الرُّجُوع فِي تَرِكَة الْمُؤَجّر
أجَاب رَضِي الله عَنهُ نعم يَنْفَسِخ عقد الإيجارة وَالْحَالة هَذِه على

(1/380)


@ الْأَصَح إِن كَانَ الْمُسْتَأْجر قد انْتقل إِلَيْهِ بِمَوْت الْمُؤَجّر جَمِيع المضجر وَإِن زوحم ثَبت الِانْفِسَاخ فِي نصِيبه وَلَا يثبت فِي نصيب غَيره على الْأَصَح وَيثبت الرُّجُوع بِحِصَّتِهِ مَا بَقِي من الْمدَّة بعد موت الْمُؤَجّر فِي تركته على كل حَال إِلَّا أَنه إِذا لم يكن وَارِث سوى الْمُسْتَأْجر فَلَا فَائِدَة لَهُ فِيهِ دينا وَالله أعلم
ليعلم أَن إِجَارَة هَذَا لَيْسَ من قبيل إِجَارَة النَّاظر بل من قبيل إِجَارَة الْمَوْقُوف عَلَيْهِ فَإِن الْمَعْنى بالناظر فِي هَذَا ان يكون غير الْمَوْقُوف عَلَيْهِ وَحَيْثُ يُؤجر الْمَوْقُوف عَلَيْهِ فَلَا يُؤجر إِلَّا بِالنّظرِ المجعول لَهُ فَإِن مُجَرّد اسْتِحْقَاقه لَا يفِيدهُ الْولَايَة فِي ذَلِك على الْأَصَح وَمَعَ هَذَا فنظره لَا يلْحقهُ بالناظر الْأَجْنَبِيّ حَتَّى يقطع بِعَدَمِ الِانْفِسَاخ بِالْمَوْتِ على الْأَشْهر فَإِن نظره لَا يتَعَدَّى إِلَى غَيره من أهل الْوَقْف بِخِلَاف النَّاظر غير الْمُسْتَحق وَبعد هَذَا فَيَقَع الِاخْتِلَاف فِي نصيب غير الْمُسْتَأْجر على الْأَصَح من الْوَجْهَيْنِ مَا هُوَ فالشيخ أَبُو اسحق يرى الْأَصَح أَنه لَا يَنْفَسِخ وَجَمَاعَة رَأَوْا الْأَصَح ثُبُوت الِانْفِسَاخ وَأَنا الْآن أميل اليه وأسأل الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى رِضَاهُ وتسديده آمين
292 - مَسْأَلَة رجل مُتَوَلِّي وَقفا اجره من غير إشهار هَل تصح إِجَارَته
أجَاب رَضِي الله عَنهُ لَا تصح من غير إشهار الا اذا أجره بِمَا يغلب على ظَنّه أَنه لَا يزْدَاد عَلَيْهِ بالإشهار شَيْء يؤبه لَهُ وَهَذَا مثل مَا ينظر فِي بيع مَال الْمُفلس فِي أَنه يُبَاع كل شَيْء فِي سوقه فَإِن بَاعه فِي غير سوقة بِثمنِهِ فِي سوقه صَحَّ وَالْأَمر بالإشهار مسطورا أَيْضا فِي مَال الْمُفلس وَالله أعلم

(1/381)


- مَسْأَلَة وقف على الْفُقَهَاء أَو المتفقهة المالكيين المقيمين بِدِمَشْق من أَهلهَا والواردين إِلَيْهَا من أهل الشَّام دون غَيرهم فَهَل يعْتَبر أَن يكون أحدهم قد ولد بهَا أَو نَشأ أَولا وَمَا الَّذِي يعْتَبر
أجَاب رَضِي الله عَنهُ الظَّاهِر أَنه لَا يشْتَرط الْولادَة والنشوء فِي وَاحِد من الْمَوْضِعَيْنِ ويكتفي بِأَن يُوجد فِي أحدهم من الْإِقَامَة بِدِمَشْق أَو بِالْمَكَانِ الَّذِي يرد مِنْهُ اليها واردهم من سَائِر الشَّام مَا لَا يعد مَعَه من الغرباء بهَا وَفِي الْإِقَامَة مَعَ الاستيطان مَا يتَحَقَّق مَعَه هَذَا وَإِن تجرد عَن الْولادَة والنشأة ثمَّ رَأَيْت استفتاء مُتَقَدما فِي هَذَا فِيهِ فَتْوَى جمَاعَة من المالكيين وَالْحَنَفِيَّة وَالشَّافِعِيَّة وَنجم بن الْحَنْبَلِيّ مِنْهُم ابْن حمويه ومسعود الْحَنَفِيّ وَابْن علوش بِأَنَّهُ يَكْفِي الاستيطان بِدِمَشْق وَإِن يعد من سكانها وَالله أعلم
294 - مَسْأَلَة وقف على ثَلَاثَة إخْوَة على أَن من مَاتَ مِنْهُم من غير ولد وَلَا نسل وَلَا عقب كَانَ مَا كَانَ جَارِيا عَلَيْهِ على أَخَوَيْهِ الآخرين ثمَّ إِذا انقرضوا على جِهَات مُتَّصِلَة فأجر أحد الْأُخوة الثَّلَاثَة نصِيبه من الْوَقْف مُدَّة مَعْلُومَة لرجل ثمَّ مَاتَ الآخر وَالْمُسْتَأْجر قبل انْقِضَاء مُدَّة الأجارة فَهَل تَنْفَسِخ الأجارة من حِين مَوْتهمَا وتنتقل الْحصَّة المأجورة إِلَى الْأَخَوَيْنِ الْمَذْكُورين
أجَاب رَضِي الله عَنهُ لم تبْق الأجارة بعد موت الْآجر وانتقل ذَلِك إِلَى أخوية وَالله أعلم
295 - مَسْأَلَة فِي دَار وقف شَرط واقفها أَنَّهَا لَا تؤجر أَكثر من سنة ثمَّ انْهَدَمت وَلَيْسَ لَهَا جِهَة عمَارَة إِلَّا الأجارة مُدَّة سنتَيْن فَإِن لم تؤجر كَذَلِك دثرت فَهَل تجوز هَذِه الأجارة وَالْحَالة هَذِه

(1/382)


@
أجَاب رَضِي الله عَنهُ بِأَنَّهُ يجوز أَن يعْقد أَولا على سنة ثمَّ يسْتَأْنف عقدا ثَانِيًا على سنة ثَانِيه ثمَّ هَكَذَا إِلَى أَن يَسْتَوْفِي المُرَاد فان كَانَ فِي شَرط الْوَاقِف أَنه لَا يسْتَأْنف عقدا قبل انْقِضَاء الأول فَهَذَا الشَّرْط وَالْحَالة هَذِه لَا ينفذ وَلَا يَصح من أَصله فِي مثل هَذِه الْحَالة الَّتِي يقْضِي الْعَمَل بِالشّرطِ فِيهَا إِلَى دثور الْمَوْقُوف وتعطله لِأَنَّهُ شَرط يُخَالف مصلحَة الْوَقْف وَالله أعلم
296 - مَسْأَلَة شخص وقف وَقفا صورته أَقُول وَأَنا فلَان وَذكر نسبه أنني وقفت كَذَا أَو كَذَا مَوَاضِع ووصفها وحددها على فلَان وعينه ثمَّ من بعده على الْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِين الْمُسلمين وَالنَّظَر فِي هَذَا الْوَقْف إِلَى فلَان رجل عينه ثمَّ رأى الْوَاقِف الْمصلحَة للْوَقْف فِي أَن يَجْعَل النَّاظر غَيره وَأَن يَجْعَل مَعَه نَاظرا فَهَل لَهُ ذَلِك أم لَا وَهل إِذا جعل النَّاظر لذَلِك الشَّخْص فِي الْوَقْف بعد انْتِقَاله إِلَى الْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِين لَا فِي حَال حَيَاة الْمَوْقُوف عَلَيْهِ وَقد يملك النَّاظر عزل نَفسه عَن النّظر وَينفذ عَزله أم لَا وَهل للْوَاقِف عَزله قبل مصير النّظر إِلَيْهِ بِمَوْت الْمَوْقُوف عَلَيْهِ أم لَا واذا كَانَ الْوَاقِف قد جعل للنَّاظِر أَن يسند النّظر إِلَى غَيره هَل للنَّاظِر أَن يسند النّظر الى غَيره قبل انْتِقَاله إِلَى الْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِين
أجَاب رَضِي الله عَنهُ لَيْسَ للْوَاقِف ذَلِك وَلَا حكم لَهُ فِي ذَلِك وَأَمْثَاله بعد تَمام الْوَقْف بِشَرْطِهِ وَإِذا عزل النَّاظر الْمعِين حَالَة انشاء الْوَقْف نَفسه فَلَيْسَ للْوَاقِف نصب غَيره فانه لَا نظر لَهُ بعد أَن جعل النّظر فِي حَالَة الْوَقْف لغيره دون نَفسه بل ينصب الْحَاكِم من يتَوَلَّى أَمر الْوَقْف وَإِذا لم يَجْعَل النّظر لذَلِك الْمعِين إِلَّا بعد الْمَوْقُوف عَلَيْهِ الْمعِين فَلَا يملك عزل نَفسه قبل ذَلِك وَأما الْوَاقِف فَلَا يَصح عَزله فِي الْحَال وَلَا فِي ثَانِي الْحَال كَمَا تقدم وَلَيْسَ للنَّاظِر أَن يسند مَا جعل لَهُ من الْإِسْنَاد إِلَى أحد قبل مصير النّظر إِلَيْهِ وَالله أعلم

(1/383)


- مَسْأَلَة فِي مَوْقُوف أُجْرَة النَّاظر ثمَّ بذلت فِيهِ زِيَادَة فَأَرَادَ إِجَارَته من باذل الزِّيَادَة لكَونه لم يثبت عِنْده وَلَا عِنْد الْحَاكِم أَن العقد وَقع بِأُجْرَة الْمثل هَل لَهُ ذَلِك
أجَاب رَضِي الله عَنهُ لَا يجوز ذَلِك بِنَاء على مُجَرّد كَونه لم يثبت وُقُوعه بِأُجْرَة الْمثل بل لَا بُد فِي ذَلِك أَن يثبت كَونه بِغَيْر أُجْرَة الْمثل بطرِيق من الطّرق المثبتة لذَلِك بِحَسب اخْتِلَاف الْأَحْوَال وَلما قُلْنَا إِذا ادّعى الْمُسْتَأْجر إِجَارَة مَوْقُوف وَنَحْوه فَعَلَيهِ إِقَامَة الْبَيِّنَة على كَونهَا بِأُجْرَة الْمثل وَقُلْنَا إِذا اخْتلف المتعاقدان فِي صِحَة العقد وفساده فَالْقَوْل قَول من يَدعِي الْفساد فَلم يسمع فِي ذَلِك كُله بالتعويل على عدم الثُّبُوت بِمُجَرَّد بل لَا بُد من يَمِين أَو بَيِّنَة يثبت بهَا ذَلِك وَالله أعلم
298 - مَسْأَلَة رجل أجر ملكه مُدَّة مَعْلُومَة ثمَّ وَقفه وَلم يذكر فِيهِ أَنه مُسْتَأْجر وَلَا أَنه سَاقِط الْمَنْفَعَة فَهَل يَصح ذَلِك ثمَّ رَجَعَ بعد وَقفه اسْتَأْجرهُ من الْمُسْتَأْجر
أجَاب رَضِي الله عَنهُ يَصح وَقفه فَإِذا انْتَهَت مُدَّة الأجارة صرفت منفعَته إِلَى جِهَة الْوَقْف وَالله أعلم
299 - مَسْأَلَة رجل مَالك لربع أَرض مشَاعا فَقَالَ وقفت ملكي هَذَا مَسْجِدا لله تَعَالَى هَل يَصح هَذَا الْوَقْف أم لَا وَكَذَا يتنجز وَهل إِن صَحَّ مُنجزا يحرم على كل جنب أَن يدْخل إِلَى الأَرْض أَو الى بعض أَجْزَائِهَا وَيمْكث فِيهَا وَهل يَصح القَوْل بِأَن هَذَا الْوَقْف لَا يصير مَسْجِدا يحرم مكث الْجنب فِيهِ بعد الْقِسْمَة وتمييز الرّبع الْمَوْقُوف أم لَا
أجَاب رَضِي الله عَنهُ نعم يَصح وَقفه ذَلِك مَسْجِدا ويتنجز وقفيته وَيثبت فِي الْحَال تَحْرِيم الْمكْث فِي جَمِيع الأَرْض على الْجنب تَغْلِيبًا للْمَنْع

(1/384)


@ وَلَا يَصح القَوْل بتأخر ذَلِك إِلَى مَا بعد الْقِسْمَة ثمَّ أَنه يجب الْقِسْمَة هَا هُنَا لتعيينها طَرِيقا إِلَى الِانْتِفَاع بالموقوف وَالله أعلم
300 - مَسْأَلَة رجل وقف عقارا على وَلَده زيد وَأَوْلَاده وَأَوْلَاد أَوْلَاده الذُّكُور دون الْإِنَاث الَّذين يرجعُونَ بنسبتهم إِلَيْهِ بَينهم على فَرَائض الله تَعَالَى ثمَّ مَاتَ الْمَوْقُوف عَلَيْهِ وَخلف ابْنا ثمَّ مَاتَ الابْن وَخلف ثَلَاث بَنِينَ ثمَّ مَاتَ أحد الْبَنِينَ وَخلف ابْنَيْنِ فَهَل يخْتَص بِالْوَقْفِ الْبَطن الأول وهما العمان عملا بقول الْوَاقِف بَينهم على فِيهِ ثمَّ إِذا رأى الْحَاكِم ذَلِك وَحكم للعمين بِالْوَقْفِ دون أَوْلَاد أخيهما فَهَل يجوز لَهُ أَن يرجع عَن الحكم بِفُتْيَا من يُفْتِي باشتراكهما الْوَقْف أم لَا وَهل يجوز لَهُ الرُّجُوع بتغيير اعْتِقَاده بعد الحكم أم لَا
أجَاب رَضِي الله عَنهُ لَا يخْتَص بذلك الْبَطن الاعلى وَقَول الْوَاقِف على فَرَائض الله تَعَالَى لَا يتقضي الْأَقْرَب فَالْأَقْرَب فَإِنَّهُ دائر بَين أَن يكون ظَاهرا فِي مِقْدَار مَا يأخذونه غير ظَاهر فِي التَّرْتِيب فَإِنَّهُ من قبيل الْحجب الَّذِي لَا يُطلق عَلَيْهِ اسْم الْقَرْض وَبَين أَن يكون ذَلِك مترددا مُحْتملا لَا يصلح أَن يتْرك مُقْتَضى مَا ذكره قبله من التَّعْمِيم بِهِ وَالْحَاكِم إِذا حكم بالترتيب بِنَاء على ذَلِك وَلَيْسَ من أهل الِاجْتِهَاد لَا الِاجْتِهَاد الْمَطْلُوب وَلَا الِاجْتِهَاد الْمُقَيد الْمُخْتَص بِمذهب معِين فَلهُ الرُّجُوع من ذَلِك والنقض فَإِنَّهُ وَأَمْثَاله لَيْسَ من قبيل الْأُمُور الظَّاهِرَة الَّتِي يجوز لمن لَيْسَ من أهل الِاجْتِهَاد من الحكم فِيهِ وَالله أعلم
310 - مَسْأَلَة وقف صورته هَذَا مَا وقف فلَان على أَوْلَاده وَأَوْلَاد أَوْلَاده ونسله وعقبه الراجعين بآبائهم وأمهاتهم إِلَى الْوَاقِف أَو بآبائهم فَقَط فَهَل ينْصَرف قَوْله الراجعين بآبائهم وأمهاتهم الى الْوَاقِف أَو بآبائهم

(1/385)


@ فَقَط إِلَيّ قَوْله ونسله وعقبه حَتَّى يسْتَحق على مُوجب ذَلِك ابْن بنت الْوَاقِف أَو ينْصَرف إِلَى ولد الْوَلَد أَيْضا فَلَا يسْتَحق مَا الحكم فِي ذَلِك
أجَاب رَضِي الله عَنهُ بل يرجع ذَلِك إِلَى قَوْله ونسله وعقبه خَاصَّة وَمن ذَا الَّذِي يشْتَرط ذَلِك فِي ولد وَلَده مَعَ استحالته فِي الْأَنْكِحَة الْمَشْرُوعَة وَإِنَّمَا يتَصَوَّر فِي أنكحة الْمَجُوس وَمَا أشبه وَقَوله بآبائهم قرينَة لذَلِك فتختص كاختصاصه وَالله أعلم
302 - مَسْأَلَة الْوَقْف الْمُرَتّب على الْمُسْتَحقّين لَو كَانَ مَوْقُوفا على زيد ثمَّ من بعد انقراضه على عَمْرو ثمَّ من بعده على خَالِد فَلَو كَانَ خَالِد قَاضِيا وَعَمْرو بَاقٍ فَوَقع بَين عَمْرو والمستحق الْمَوْقُوف الْآن وَبَين رجل أَجْنَبِي مُنَازعَة فِي الْمَوْقُوف أَو فِي بعضه وَاسْتولى الْأَجْنَبِيّ على جُزْء من الْمَوْقُوف فَأَرَادَ عَمْرو محاكمته إِلَى خَالِد الْمُسْتَحق للْوَقْف بعده هَل لخَالِد أَن يحكم بغضب الْأَجْنَبِيّ لذَلِك وعداوته وَأَن ذَلِك ملك الْوَاقِف إِلَى أَن وَقفه وَأَن عمرا الْآن مُسْتَحقّ لَهُ بِالْوَقْفِ الْمشَار إِلَيْهِ هَل لَهُ ذَلِك مَعَ أَن مصيره إِلَيْهِ مَتى مَاتَ عَمْرو أم لَا
أجَاب رَضِي الله عَنهُ نعم لَهُ ذَلِك فَإِن كل ذَلِك حكم للْغَيْر وَلَا الْتِفَات إِلَى أَن مصير ذَلِك اليه كَمَا أَنه يحكم بِمثل ذَلِك لمن لَا وَارِث لَهُ سواهُ مَعَ أَنه يصير إِلَيْهِ بعد مَوته ظَاهرا وكما يحْتَمل هَذَا أَن لَا يصير اليه كَذَلِك يحْتَمل أَن لَا يصير إِلَيْهِ بِأَن يَمُوت قبل عَمْرو وَالله أعلم
303 - مَسْأَلَة وقف على قراء السَّبع بِدِمَشْق هَل يجوز حرمَان بَعضهم
أجَاب رَضِي الله عَنهُ لَا بل يجب استيعابهم لانحصارهم بِخِلَاف

(1/386)


@ الْوَقْف على الْفُقَرَاء أَو شبههم بل هَذَا كَمَا لَو وقف على فُقَرَاء بَلْدَة مُعينَة فَإِنَّهُ يجب استيعابهم عَن صَاحب التَّهْذِيب وَغَيره غير أَن فِي التَّنْبِيه خِلَافه وَالله أعلم
304 - مَسْأَلَة نَاظر فِي وقُوف أثبت أَهْلِيَّة نظره فِي مَكَان مِنْهَا بِمَدِينَة فَهَل يعم مَا كَانَ فِي غَيرهَا أم لَا
أجَاب ضي الله عَنهُ يثبت بذلك بِالنِّسْبَةِ إِلَى غَيرهَا من أَوْصَاف الْأَهْلِيَّة جَمِيعهَا الْعَدَالَة وَالْعقل وَالْبُلُوغ وَالْإِسْلَام وَالْحريَّة إِلَّا الْكِفَايَة الَّتِي هِيَ أَن لَا يعجز عَن الْحِفْظ وَالتَّصَرُّف فِي المنظور فِيهِ فَإِذا أثبت مَعَ ذَلِك كِفَايَته فِي النّظر فِي سَائِر الْوُقُوف ثبتَتْ أَهْلِيَّته فِيهَا وَالله أعلم
305 - مَسْأَلَة رجل وقف دَارا مرخمة الْأَرَاضِي والحيطان مدرسة وَالْمرَاد من الرخام الزِّينَة فَقَط فَأَشْرَف على التّلف فَهَل يجوز للْوَاقِف وَله النّظر بيع الرخام وَشِرَاء ملك للمدرسة بِثمنِهِ تعود غَلَّته على الْمدرسَة ومصالحها
أجَاب رَضِي الله عَنهُ حكم هَذَا الرخام حكم الْجذع من الْمَكَان الْمَوْقُوف اذا أشرف على الإنكسار وَفِيه بعد بَقِيَّة الْمَنْفَعَة وَفِي بَيْعه عِنْد ذَلِك وَجه مَشْهُور عَن أَئِمَّة الشافعيين مُتَّجه فَإِن رأى النَّاظر الْعَمَل بذلك فليستخر الله تَعَالَى قبل اقدامه عَلَيْهِ ثمَّ صرف ثمنه إِلَى مَا يعود من صَالح الْمدرسَة الأحق بِثمن نحاته خشب الْوَاقِف المصروف فِي مَصَالِحه لَا بِثمن الْجذع المصروف فِي شَيْء مثله من حَيْثُ أَن غَرَض الزِّينَة لَا سِيمَا بِثمن الرخام الْمُرْتَفع لَا يُصَار إِلَى انشأه مُتَّصِلا فِي مثل هَذَا الْوَقْف

(1/387)


@ وَنَحْوه وَإِذا لم يتَّجه صرف ثمنه فِي إِعَادَة مثله تعين صرفه إِلَى مصَالح الْمَكَان وَشِرَاء ملك لَهُ من الطّرف فِي ذَلِك وَمِمَّا قد أُجِيز الْمصير إِلَيْهِ فِي الْوُقُوف ونسأل الله الْعِصْمَة والتوفيق
306 - مَسْأَلَة وقف على مقرىء يقرىء النَّاس كتاب الله تَعَالَى بِموضع كَذَا كل يَوْم فَهَل يجوز للمقرىء الِاقْتِصَار على ثَلَاثَة لِأَنَّهُ أقل النَّاس أَو يجب عَلَيْهِ إقراء كل من يحضرهُ وَيُرِيد الْقِرَاءَة
أجَاب رَضِي الله عَنهُ إِن كَانَ من يحضر فِي ذَلِك الْموضع مرِيدا للْقِرَاءَة عددا محصورا فعلى المقرىء فِي شَرط اسْتِحْقَاقه إقراؤهم اجمعين وَإِن كَانُوا غير مَحْصُورين فَلهُ الِاقْتِصَار على ثَلَاثَة مِنْهُم لِأَنَّهُ لَو قَالَ وقفت على الَّذين يحْضرُون مريدين للْقِرَاءَة فصلنا هَذَا التَّفْصِيل فَكَذَلِك لَو قَالَ وقفت على من يقرىء النَّاس على هَذَا الْوَصْف وَالله أعلم
307 - مَسْأَلَة قد جرت الْعَادة بترك الإقراء يَوْم الْجُمُعَة فِي تِلْكَ الْبَلَد فَهَل لَهُ ترك الإقراء فِي يَوْم الْجُمُعَة
أجَاب رَضِي الله عَنهُ قَوْله فِي كل يَوْم تَصْرِيح مِنْهُ بِالْعُمُومِ فَلَا يتْرك مثله من مثله بعرف خَاص فَإِذا يكون تَركه الإقراء يَوْم الْجُمُعَة بِمَنْزِلَة تَركه الإقراء فِي يَوْم آخر وَالله أعلم
308 - مَسْأَلَة فِي وقف اسْتَأْجرهُ لإِصْلَاح الطرقات فِي الْمَدِينَة الْفُلَانِيَّة فَهَل إِذا لَقِي انسان فِي الطَّرِيق تُرَابا يعسر بِسَبَبِهِ على النَّاس العبور فِي تِلْكَ الطَّرِيق فَهَل للنَّاظِر الِاسْتِئْجَار من ذَلِك لرفعه
أجَاب رَضِي الله عَنهُ أَن رَفعه وَاجِب على ملقيه فَلَا يسْتَأْجر من هَذَا

(1/388)


@ الْوَقْف على رفْعَة مَا لم يتَعَذَّر رَفعه من جِهَة من أَلْقَاهُ فَإِذا تعذر ذَلِك بتعذر مِنْهُ أَو غير ذَلِك اُسْتُؤْجِرَ حِينَئِذٍ من هَذَا الْوَقْف لرفعه وَالله أعلم
309 - مَسْأَلَة وقف وقف على أَن يصرف مغلة فِي قوت من يبيت بِموضع كَذَا من الغرباء الْفُقَرَاء المحتاجين بِمَدِينَة كَذَا لَا يُزَاد أحد مِنْهُم فِي ذَلِك على ثَلَاث لَيَال مُتَوَالِيَة فَهَل يجب على الْفَقِير الْمبيت فِي ذَلِك الْموضع إِذا أكل من الْوَقْف وَهل إِذا أوجب وَلم يبت يضمن النَّاظر ذَلِك وَهل يجب مبيت اللَّيْل كُله أَو أَكْثَره وَهل يجوز أَن يدْفع إِلَى الْفَقِير مَا يَشْتَرِي بِهِ قوتا أَو يتَعَيَّن الْقُوت فِي الدّفع وَهل إِذا بَات أول لَيْلَة فضيفه ثمَّ بَات اللَّيْلَة الثَّانِيَة فِي مَوضِع آخر ثمَّ عَاد اللَّيْلَة الثَّالِثَة يجوز الدّفع اليه أَو لَا يجوز لقَوْله ثَلَاث لَيَال مُتَوَالِيَة وَهل يجب على النَّاظر الْكَشْف عَمَّن يبيت فِي ذَلِك مَعَ كَثْرَة الواردين إِلَيْهِ وَالْتِبَاس الْمُسْتَحق بِغَيْرِهِ وَهل يجوز للنَّاظِر أَن يستجر من خباز لَهُم ثمَّ إِذا اجْتمع لَهُ جملَة حاسبة وَدفع إِلَيْهِ وَهل كَانَ النَّاظر فِي حمام أَو نَحوه وَطلب مِنْهُ شَيْء لبَعض جِهَات الْوَقْف فَيكون لَهُ أَن يقترض ثمَّ يُوفي من الْوَقْف
أجَاب رَضِي الله عَنهُ لَا يجب عَلَيْهِ الْمبيت وَلَكِن إِذا لم يبت غرم مَا أكل وَنَظِيره ابْن السَّبِيل الْأَخْذ على عزم السّفر إِذا أَخذ لم يصر السّفر بذلك وَاجِبا عَلَيْهِ وَلَكِن إِن لم يُسَافر وَجب عَلَيْهِ رد مَا أَخذه وَيحرم على الْفَقِير أَن يَأْكُل وَهُوَ عازم على ترك الْمبيت وَلَا يضمن النَّاظر إِذا لم يبيت الْفَقِير الْأكل وَنَظِيره إِذا بَات مَعَ دفع إِلَيْهِ الإِمَام الزَّكَاة غير مُسْتَحقّ بِأَن بَان غَنِيا لِأَنَّهُ أَمِين غير مفرط وَالله أعلم
وَشرط الِاسْتِحْقَاق يحصل بمبيت مُعظم اللَّيْل وَمن نَظَائِره الْحَالِف

(1/389)


@ ليبيتن هَذِه اللَّيْلَة فِي مَوضِع كَذَا وَالله أعلم وَيظْهر أَنه يجوز أَن يدْفع ثمن الْقُوت إِلَى الْفَقِير غير مُمكن من صرفه إِلَّا فِي الْقُوت وَيجوز أَن يصرف إِلَيْهِ الْقُوت نَفسه وَمن نَظَائِره مَا يصرف من سلَاح الْغَازِي من الزَّكَاة فمذكور فِيهِ جَوَاز الْأَمريْنِ وَالله أعلم
وَمن لم يبت فِي اللَّيْلَة ثمَّ بَات فِي اللَّيْلَة الثَّالِثَة فَجَائِز الدّفع إِلَيْهِ وَقَوله الْوَاقِف لَا يُزَاد على ثَلَاث لَيَال مُتَوَالِيَة لَيْسَ اشتراطا للتوالي فِي اللَّيَالِي الثَّلَاث وَإِنَّمَا هُوَ منع من الزِّيَادَة على ثَلَاث لَيَال إِذا وَقعت بِصفة التوالي وَعند هَذَا فَلَا يَقْتَضِي هَذَا الْكَلَام بتجرده الْمَنْع من أَن يُزَاد على الثَّلَاث من بَات ثَلَاثًا مُتَفَرِّقَة وَالله أعلم وعَلى النَّاظر الْكَشْف عَن الْمُسْتَحق ويكفيه فِي ذَلِك أَن يَقُول أَنا بائت اللَّيْلَة هَا هُنَا فَإِذا قَالَ ذَلِك جَازَ لَهُ إطعامه من غير يَمِين وَلم يجب عَلَيْهِ الْكَشْف ثَانِيًا هَل حلف فَلم يبت أَو لم يحلف وَنَظِيره ابْن السَّبِيل فِي الزَّكَاة وَالله أعلم
وَجَائِز للنَّاظِر أَن يسْتَأْجر من خباز على مَا وصف وَلَكِن ليحذر مَا اُعْتِيدَ فِي بعض الْمدَارِس وَغَيرهَا من أَنهم يَأْخُذُونَ من الخباز من غير أَن يعين ثمن مَا يُؤْخَذ كل يَوْم ويؤخرون تَقْدِير الثّمن وَبَيَان كيفيته إِلَى وَقت المحاسبة فيطعمون عِنْد ذَلِك الْفُقَهَاء والصوفية وَالْمَسَاكِين حَرَامًا من السهل أَن يُوكل النَّاظر من يَجِيء بالخبز فِي أَن يعين ثمَّ مَا يَأْخُذهُ كل مرّة فِي يَوْمه ويعقد عَلَيْهِ مَعَ الخباز ثمَّ لَا بَأْس أَن يُؤَخر المحاسبة إِلَى آخر الشَّهْر أَو نَحوه وَالله أعلم
وَيجوز للنَّاظِر الِاقْتِرَاض على جِهَة الْوَقْف عِنْد الْعذر والمصلحة فَإِن ذَلِك ولَايَة يُسْتَفَاد بهَا أَمْثَال ذَلِك كَمَا فِي الْوَصِيّ وَغَيره هَذَا مَا ظهر وَأَعُوذ بِاللَّه من الْخَطَأ والخطل وَهُوَ أعلم

(1/390)


- مَسْأَلَة فِي امْرَأَة وقفت وَقفا مُتَّصِلا غير مُنْقَطع على جوَار لَهَا قد اعتقتهن ثمَّ بعدهن على أَوْلَاد نَفسهَا ثمَّ على جِهَة مُعينَة فِي كتاب الْوَقْف وَلم يثبت أَن المدعيات بِالْوَقْفِ من الْمَوْقُوف عَلَيْهِنَّ فَهَل يعود الْوَقْف على الَّذين عينوا من أَوْلَاد الواقفة أم لَا
أجَاب رَضِي الله عَنهُ إِذا جهلن فَلَا يُؤثر ذَلِك فِي بطلَان الْوَقْف وَيجْرِي الْمغل مجْرى مَال ضائع يحفظ إِلَى أَن يظْهر مُسْتَحقّه فان تعذر صرف فِي مصَالح بَيت المَال وَلَا يصرف إِلَى أَوْلَاد الواقفة شَيْء من ذَلِك حَتَّى يثبت انْقِرَاض الْجَوَارِي الْمَذْكُورَات
311 - مَسْأَلَة وقف وَقفا على أَوْلَاده وَجعل النّظر للأرشد فالأرشد من أهل الْوَقْف فَإِن لم يكن فيهم رشيد فَإلَى حَاكم الْمُسلمين فَأثْبت كل وَاحِد من أَوْلَاده بَيِّنَة أَنه الأرشد فَمَا الحكم
أجَاب رَضِي الله عَنهُ يشتركون فِي النّظر من غير اسْتِقْلَال إِذا وجدت الْأَهْلِيَّة أوصافها فِي جَمِيعهم وَإِن وجدت فِي بَعضهم اخْتصَّ بذلك وَذَلِكَ أَن بيناتهم تَعَارَضَت وتساقطت فِي صفة الأرشد فَلم تثبت صفة الأرشد لوَاحِد مِنْهُم وَلَا تعَارض بَينهمَا فِي أصل صفة الأرشد فَثَبت اشتراكهم فِي الرشد من غير أَن يثبت تَرْجِيح فَيصير كَمَا لَو قَامَت الْبَيِّنَة برشد الْجَمِيع على التَّسَاوِي والاشتراك من غير تَفْضِيل وَالْحكم فِي ذَلِك التَّشْرِيك بَينهم فِي النّظر لعدم مزية بعض على بعض ثمَّ يكون من غير اسْتِقْلَال كَمَا لَو أوصى إِلَى شَخْصَيْنِ وَأطلق فَإِنَّهُ يحمل على عدم الِاسْتِقْلَال وَالله أعلم
312 - مَسْأَلَة مدرس بمدرسة نقض أبنيتها المحكمة من غير

(1/391)


@ خلل تطرق إِلَيْهَا وَعمد إِلَى مَسْجِد معد فِيهَا لصَلَاة الْجَمَاعَة من حِين وقفت فَجعله دهليزا يدْخل مِنْهُ إِلَى الْمدرسَة وَنقل بألها لأصلي إِلَى مَكَان آخر وَجعل الدهليز الْأَصْلِيّ مخزنا وَجعل الْمجْلس الَّذِي جعله الْوَاقِف مجمعا للفقهاء عِنْد الدَّرْس إيوانا وَغير بركَة فِيهَا من أَمَام الْوَاقِف عَن هيآتها وَأنْفق مُعظم أَمْوَال الْوَقْف فِي هَذِه العمائر بِحَيْثُ منع الْفُقَهَاء مَعَ قيامهم بالوظائف عَن معلومهم الْمُقدر لَهُم فَهَل يحل ذَلِك وَهل يجب عَلَيْهِ ضَمَان مَا أتْلفه من أبنيتها وأنفقه من أموالها فِي الْعِمَارَة وَهل يجب رفع يَده عَنْهَا وَهل لَهُ أَن ينْفَرد عَن الْفُقَهَاء بِأخذ جامكيتة ومعلومه وَهل يصير فَاسِقًا بِهَذِهِ الْأُمُور
أجَاب رَضِي الله عَنهُ لَا يحل لَهُ ذَلِك وَعَلِيهِ أَيْضا ضَمَان مَا أتْلفه من أبنيتها وَمَا بَقِي قَائِما من نقضهَا فَعَلَيهِ أرش مَا نقص مِنْهُ بِالنَّقْصِ ثمَّ إِن حكم الْوَقْف بَاقٍ فِي بَاقِي النَّقْص فَوَاجِب صيانته عَن أَن يصرف بِبيع أَو غَيره إِلَى غير الْجِهَة الَّتِي وقف لَهَا ثمَّ أَنه يفسق بذلك إِذا لم يكن جَاهِلا بِتَحْرِيمِهِ جهلا يعْذر بِهِ أَمْثَاله وعَلى ولي الْأَمر وَفقه الله تَعَالَى رفع يَده عَنْهَا وَالْحَالة هَذِه وَعَلِيهِ أَيْضا ضَمَان مَا أتْلفه من مَال الْوَقْف فِيمَا استجده من الْعِمَارَة فانه لَا ولَايَة لَهُ فِي ذَلِك يحلك بهَا ذَلِك وَالْحَالة هَذِه الْمَذْكُورَة وَأما مَا أنشأه من العمارات فَغير ثَابت بهَا إِلَى الْآن حكم الوقفية وَإِذا كَانَ اشْتَرَاهُ لآلاتها وَاقِفًا كَمَا هُوَ الْمُعْتَاد بِثمن مُطلق فِي الذِّمَّة أَدَّاهُ من مَال الْوَقْف فَهِيَ مَمْلُوكَة لَهُ وَعَلِيهِ ضَمَان مَا أَدَّاهُ من الْوَقْف ثمَّ ينظر فِيمَا وَقع مِنْهَا فِي مَكَان الْمَسْجِد مَانِعا من اسْتِمْرَار أَحْكَام الْمَسَاجِد فِيهِ أزيل وَنقض وَهَذَا لأَنا نحكم لذَلِك بِحكم الْمَسْجِد وَإِن لم يقم بَيِّنَة بِأَن الْوَاقِف كَانَ قد وَقفه مَسْجِدا اسْتِشْهَادًا بِمَا شَاهَدْنَاهُ من وضع الْمَسَاجِد وَتصرف الْمُسلمين فِيهِ كتصرفهم فِي الْمَسَاجِد على كَونه مَسْجِدا فِي نفس الْأَمر وعَلى هَذَا اعْتِمَاد الْمُسلمين فِيمَا بَينهم من الْمَسَاجِد يجرونَ عَلَيْهَا أَحْكَام الْمَسَاجِد معتمدين على مُجَرّد ذَلِك

(1/392)


@ وَهَذَا بمعزل عَن مَسْأَلَة الْخلاف الْمَعْرُوفَة فِي أَن الْمَكَان هَل يصيره مَسْجِدا فِي نفس الْأَمر بِمثل ذَلِك وَلِأَن لَو لم نكتف بذلك فَهَذَا الْمَكَان الْمَذْكُور قد كَانَ الْوَاقِف وَقْفَة مهيئا لمَنْفَعَة مَخْصُوصَة فَلَا يجوز تَغْيِيره إِلَى هَيْئَة معدة لمَنْفَعَة أُخْرَى مَخْصُوصَة إِذا لم يكن فِي شَرط الوافق تسويغ ذَلِك وتفويضه إِلَى رَأْي النَّاظر وَهَذِه قَاعِدَة مقررة حَتَّى إِذا وقف دَارا فَلَا يجوز أَن يَجْعَل بستانا أَو حَماما وَإِذا فعل ذَلِك نقض وأعيد إِلَى الْهَيْئَة الأولى وَكَون هَذَا التَّغْيِير الْمَوْصُوف وَاقعا فِي بعض الْمَكَان الْمَوْقُوف وَلَيْسَ مفارقا فِي ذَلِك على مَا فهم من كَلَام بعض الْأَئِمَّة وَهُوَ التَّحْقِيق عِنْد هَذَا يجب إِعَادَة الدهليز الَّذِي جعله مخزنا إِلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ وَهَذَا الحكم فِي كل مَا جرى فِيهِ نَحْو ذَلِك وَمَا سوى ذَلِك من الْعِمَارَة الَّتِي لَيْسَ فِيهَا مثل هَذَا التَّغْيِير الْمَوْصُوف وكل مَا لم يبلغ التَّغْيِير فِيهِ إِلَى حد يمْتَنع من النَّاظر لَو أَرَادَ أَن يُعِيد الْعِمَارَة بعد الانهدام وكل ذَلِك قَائِم فِي هَذَا الْمَكَان لَا للْوَقْف بل للعامر الْمُتَعَدِّي وجهة الْوَقْف مفتقرة إِلَى إِعَادَة مثله مَوْقُوفا فَإِذا لم يُبَادر الْمُتَعَدِّي الْمَذْكُور بِفِعْلِهِ وَرَضي بِأخذ قِيمَته فَيَنْبَغِي للنَّاظِر الْآن أَن يمتلكه بِقِيمَتِه للْوَقْف فَإِن عَلَيْهِ رِعَايَة مصَالح الْوَقْف ومقتضياته وَهَذَا أقوم بذلك من نقض ذَلِك ثمَّ إنْشَاء عمَارَة أُخْرَى لما فِي ذَلِك من تَعْطِيل كثير من مقتضيات الْوَقْف فِي مُدَّة الْعِمَارَة مَعَ تيَسّر التحرر مِنْهُ وَلَيْسَ يحْتَمل مقَام الْفَتْوَى أَكثر من هَذَا وَرَآهُ لتمهيده مجالا رحب وَلَيْسَ لَهُ أَن ينْفَرد بِأخذ جامكيته عَن الْفُقَهَاء مَعَ مشاركتهم لَهُ فِي سَبَب الِاسْتِحْقَاق وَالله أعلم
313 - مَسْأَلَة وقف مَوْقُوف على الْفُقَهَاء والمتفعة المالكيين المقيمين بِدِمَشْق من أَهلهَا والواردين إِلَيْهَا من أهل الشَّام دون غَيرهم حصل مِنْهُ حَاصِل وَتَأَخر قسمته بَينهم حَتَّى ورد وَارِد من الموصوفين فَهَل يساهمهم أم لَا

(1/393)


@ أجَاب رَضِي الله عَنهُ أَنه لَا يساهمهم فِي الْحَاصِل الْمَذْكُور فَإِنَّهُم محصورون والحصر يُوجب اسْتِحْقَاق من كَانَ مَوْجُودا مِنْهُم بِدِمَشْق عِنْد حُصُول الْحَاصِل الْمَذْكُور لجميعه فَمن طَرَأَ عَلَيْهِم فَإِنَّمَا طَرَأَ بعد أَن صَار ذَلِك حَقًا وملكا لغيره فَلَا يثبت لَهُ فِيهِ حق مَعَهم وَهَذَا لأَنهم مَتى كَانُوا مَحْصُورين فَلَا يجوز حرمَان أحد مِنْهُم بل يجب استيعابهم وَمَعَ هَذَا لَا يتَأَخَّر تملكهم إِلَى الْقِسْمَة حَتَّى يشاركهم الطارئون قبلهَا بل يحصل الْملك لَهُم مَعَ الْحُصُول وَيَكُونُونَ فِي ذَلِك كَسَائِر المتعينين فِي هَذَا الْبَاب مثل مرتزقة الدِّيوَان وَغَيرهم وَمثل فُقَرَاء إِذا كَانُوا مَحْصُورين فِي بَلْدَة المَال على الْأَصَح الَّذِي لَا يجوز فِيهِ نقل الصَّدَقَة فَلَو كَانَ هَؤُلَاءِ الْمَوْقُوف عَلَيْهِم غير مَحْصُورين فَيجوز حِينَئِذٍ للوارد الطارىء مُشَاركَة المقيمين قبله فِي الْحَاصِل الْمَذْكُور ولايجب استيعابهم بل يجوز الاقتصاد على ثَلَاثَة مِنْهُم وَلَا يجب التَّسْوِيَة وَهَذَا مِثَاله من المسطور الْمَنْقُول إِذا أوصى لأقاربه أَو لفقراء بَلْدَة مُعينَة أَو ليتاماها فقد نَص غير وَاحِد من المصنفين على الْفرق بَين الانحصار وَعَدَمه فِي وجوب الِاسْتِيعَاب والتسوية وَنَصّ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ على مَا نَقله غير وَاحِد من المصنفين على الْفرْقَة فِي الزَّكَاة بَين الْحَالَتَيْنِ على مَا تقدم ذكره وَالله أعلم غير أَنه يظْهر هَا هُنَا عدم التَّسْوِيَة وتنزيل الْمُطلق فِيهِ على الْعرف وَالْعرْف بَين الْفُقَهَاء التَّفْضِيل بَينهم على مقادير مَرَاتِبهمْ فِي الفقة وَالله اعْلَم
314 - مَسْأَلَة فتيا وَردت من منافارقين حماها الله تَعَالَى فِي وقف وقف على عَمْرو ثمَّ على حَظّ الانثيين وَمن مَاتَ من الْمَذْكُورين وَله ولد أَو ولد ولد فَنصِيبه لوَلَده أَو ولد وَلَده فَإِن عدموا فلإخواته وأخوته وَمن مَاتَ من أَوْلَاد الْمَوْقُوف عَلَيْهِ من الْبَنَات فنصيبها

(1/394)


@ رَاجع إِلَى إخوتها وَأَخَوَاتهَا لَيْسَ لأولادهما فِيهِ نصيب مَا دَامَ لَهَا إخْوَة وأخوات وَإِن لم يكن لَهَا إخْوَة وأخوات فنصيبها من بعْدهَا لأولادها ثمَّ لأولادهم ثمَّ هَكَذَا أبدا مَا تَنَاسَلُوا قرنا بعد قرن وَمن مَاتَ مِنْهُم وَله ولد فَنصِيبه لوَلَده وَولد وَلَده للذّكر مثل حَظّ الانثيين وَإِن لم يكن لَهُ إِلَّا ولد وَاحِد فَلهُ جَمِيع نصِيبه وَإِن عدم فلإخوته ولأخواته الْأَقْرَب فَالْأَقْرَب ثمَّ ذكر بعد هَذَا جِهَات فَمَاتَ عَمْرو الْمَوْقُوف عَلَيْهِ وَلم يخلف ذكرا لَا ولد وَلَا ولد ولد بل خلف أَربع بَنَات كَرِيمَة وعايدة وَأم الْكَرم وَأم الْعِزّ ثمَّ مَاتَت كَرِيمَة وخلفت أَوْلَادًا ذُكُورا وأناثا وَأَخَوَاتهَا الثَّلَاث فَهَل يصرف نصِيبهَا إِلَى أَوْلَادهَا لكَونه شَرط فِي مَنعهم وجود الْإِخْوَة وَالْأَخَوَات وَلم يُوجد الْإِخْوَة أَو يصرف الى أخواتها ويكتفي بوجودهن فِي ذَلِك فَإِنَّهُ لَا يُنكر أَن الْأَخَوَات يقمن مقَام الْإِخْوَة وجوده فِي كتاب الله تَعَالَى فِي حجب الْأُم من الثُّلُث إِلَى السُّدس لكَي يحْتَمل هَا هُنَا أَن يكون تَخْصِيص الْإِخْوَة بِالذكر مُقَيّدا اعْتِبَار وجودهم حملا للْكَلَام على الْحَقِيقَة ثمَّ مَاتَت عايدة وخلفت وَلدين وَحكمهَا فِي ذَلِك حكم أُخْتهَا الْمُتَقَدّمَة ثمَّ مَاتَت أم الْكَرم وَلم تخلف ولدا أصلا بل خلفت اختها الرَّابِعَة فَلَا إخْوَة لَهَا عِنْد مَوتهَا وَلَا أَخَوَات وَلها أَوْلَاد اختها كَرِيمَة المتوفاة وَأَوْلَاد أَوْلَاد أَوْلَادهَا وَولد عايدة فَهَل إِذا حكم حَاكم وَأفْتى فَفِيهِ بِأَن ذَلِك مُسْتَحقّه أَوْلَاد أَوْلَاد الْمَوْقُوف عَلَيْهِ وَأَوْلَادهمْ وَكَذَا قَالَ عملا بِمُقْتَضى قَول الواقفين من مَاتَ من بَنَات الْمَوْقُوف عَلَيْهِ وَلم يكن لَهَا إخْوَة وأخوات فنصيبها لأولادها ثمَّ لأولادهم ثمَّ لأَوْلَاد أَوْلَادهم أبدا مَا تَنَاسَلُوا وَعَملا بقوله وَمن مَاتَ مِنْهُم وَله ولد فَنصِيبه لوَلَده ولولد وَلَده للذّكر مثل حَظّ الانثيين فقد انْتَفَى وجود الْإِخْوَة وَالْأَخَوَات الَّذِي جعله شرطا فِي حرمَان أَوْلَاد الْبَنَات وَقَوله وَمن مَاتَ مِنْهُم وَله ولد فَنصِيبه لوَلَده وَولد وَلَده رَاجع إِلَى أَوْلَاد الْأَوْلَاد وَأَوْلَاده فانه مَذْكُور عقيب ذكرهم فَهُوَ صَرِيح فِي أَن من مَاتَ من أَوْلَاد الْأَوْلَاد فَنصِيبه لوَلَده وَولد وَلَده فَهَل صَرِيح فِي أَن من مَاتَ من أَوْلَاد الْأَوْلَاد فَنصِيبه وَولده وَلَده فَهَل هَل صَحِيح أم لَا هَذَا محصول الاستفتاء وَفِيه تَطْوِيل وَاعْتذر السَّائِل أخرة وَهُوَ

(1/395)


@ قاضيها عَن تعرضة لطرف من المباحثه
أجَاب رَضِي الله عَنهُ بعد التمهل والاستخارة لَا حق فِي ذَلِك لأَوْلَاد أَوْلَاد الْمَوْقُوف عَلَيْهِ وَلَا لأولادهم مَا بقيت من بَنَاته الْمَذْكُورَات بَاقِيَة بل من مَاتَ مِنْهُنَّ فنصيبها لمن بَقِي من أخواتها وَإِن كَانَت وَاحِدَة حَتَّى يثبت نصيب المتوفاة مِنْهُنَّ ثَالِثَة مَعَ سَائِر أنصابهن للرابعة الْبَاقِيَة وَإِن انْفَرَدت وَهَذَا لِأَن قَوْلهَا فنصيبها رَاجع إِلَى إخوتها وَأَخَوَاتهَا آخِرَة يَقْتَضِي تَقْيِيد اسْتِحْقَاق ذَلِك بِوُجُود النَّوْعَيْنِ الذُّكُور والأناث وَلَا اشْتِرَاط وجود جمع مِنْهُم فِي ذَلِك وَإِن مثل هَذَا يذكر وَالْمرَاد بِهِ النَّوْع وَمن ينتسب إِلَى الْجِهَة الْمعينَة قل أَو كثر وَيذكر صنفا الذّكر وَالْأُنْثَى جَمِيعًا لِئَلَّا يقْتَصر على أَحدهمَا دون الآخر إِذا وجد أَلا يحرم أَحدهمَا إِذا وجد الآخر وَيذكر لفظ الْجمع لَا ليمنع من دون عدد الْجمع عِنْد انْفِرَاده بل ليستوفي عدد الْجَمِيع عِنْد وجودهم أما مَعَ الِاسْتِيعَاب وَذَلِكَ عِنْد الانحصار أَو مَعَ الاتفاء بِثَلَاثَة وَذَلِكَ عِنْد عدم الانحصار وَمن شَوَاهِد هَذَا أَنه لَو قَالَ وقفت على أَوْلَادِي الْبَنِينَ وَالْبَنَات ثمَّ على أَوْلَادهم بَطنا بعد بطن إِلَى آخر مَا يذكر فِي أَمْثَال ذَلِك فَإِنَّهُ لَو لم يكن لَهُ أَو لم يبْق إِلَّا الذُّكُور فَحسب اَوْ الْإِنَاث فَحسب استحقوا الْجَمِيع وَلَو لم يبْق من الْجَمِيع إِلَّا وَاحِدًا اسْتحق الْجَمِيع وَلَا حق فِيهِ لأحد من أَوْلَاد الْأَوْلَاد مَا بَقِي من الْأَوْلَاد بَاقٍ وَهَذَا من الْمَشْهُور عَن الْجُمْهُور وَأمر الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ على أَنه لَو أوصى لأقرباء فلَان فَسَوَاء كَانَ لَهُ قريب وَاحِد أَو اثْنَان أَو ثَلَاثَة فَالْوَصِيَّة لمن وجد مِنْهُم وَإِن خَالف فِي ذَلِك من أَصْحَابنَا مُخَالف فمطرح خِلَافه غير مُعْتَد بِهِ فَإِن الْقَاعِدَة الْمَذْكُورَة متأصلة وَهِي فِي الْعرف واللغة متقررة وَكَثِيرًا مَا يَأْتِي الْكَلَام مَحْمُولا على الْمَعْنى وَهَذَا نوع ذَلِك هَذَا حكم هَذَا الْوَقْف فَإِذا مَاتَت الرَّابِعَة اخْتلف الحكم بَين أَن تَمُوت

(1/396)


@ عَن ولد أَو لَا عَن ولد وَفِي ذَلِك بحث وَنظر لما يقدر تَقْدِيم التصدي لتقصيه قبل حُدُوث حَادث فليتأخر حَادث فليتأخر إِلَى أَن يَقع وَالله أعلم
315 - مَسْأَلَة شخص توفّي فَترك لوَلَده ملكا فَأَقَامَ الْوَلَد يستغله مُدَّة ثمَّ أقرّ بِأَن هَذَا الْملك وَقفه عَلَيْهِ مَالك جَائِز التَّصَرُّف إِلَى حِين وَقفه عَلَيْهِ مَالك جَائِز التَّصَرُّف إِلَى حِين وَقفه على هَذَا الْمقر وَقفا مُتَّصِلا وأثبته على حَاكم من الْحُكَّام وَلم يكن أحد وَقفه عَلَيْهِ وَإِنَّمَا هُوَ ملكه وَقصد بذلك وَقفه على نَفسه حَتَّى لَا يُبَاع وَلَا يخرج من تَحت يَده ثمَّ بَاعه وَبَطل الْوَقْف فَهَل يَصح بَيْعه بعد إِقْرَاره بِالْوَقْفِ وَحكم الْحَاكِم
أجَاب رَضِي الله عَنهُ لَا يَصح بَيْعه فِي ظَاهر الحكم وَأما فِي الْبَاطِن فَإِن لم يُوجد سوى إِقْرَار الْمَالِك وَلم يقف ذَلِك مَالك آخر فَهُوَ بَاطِل لَا يمْنَع من صِحَة بَيْعه
316 - مَسْأَلَة رجل لَهُ ملك يُرِيد أَن يقفه وَينْتَفع بِهِ مُدَّة حَيَاته فَهَل يجوز أَن يؤجره من شخص مُدَّة مَعْلُومَة ثمَّ يقف بعد ذَلِك على مَا يخْتَار ثمَّ يسْتَأْجر من المستأجرتلك الْمدَّة وَهل يَكْفِي فِي الأجارة مُجَرّد العقد أم يحْتَاج إِلَى مَكْتُوب بالأجارة وَهل يجوز أَن يكون العقدان فِي مجْلِس وَاحِد أم لَا وَهل إِذا وَقفه يحْتَاج أَن يذكر فِي كتاب الْوَقْف بِأَنَّهُ مَشْغُول بالأجارة أم لَا وَفِي هَذَا الْملك خشب حور لَهُ قيمَة إِذا أدْرك فَهَل يجوز اذا وقف هَذَا الْمَذْكُور أَن يصرفهُ الى غير جِهَة الْمَوْقُوف عَلَيْهَا بل إِلَى جِهَة بِعَينهَا الْوَاقِف مثل فك أَسِير أَو عتق رَقَبَة على التَّأْبِيد مَا دَامَ ينْبت فِيهِ مثل ذَلِك الْخشب كلما قطع وَلَا يكون دَاخِلا فِي سهم الْمَوْقُوف عَلَيْهِم
أجَاب رَضِي الله عَنهُ يجوز ذَلِك على الْأَصَح وَيَكْفِي فِيهِ مُجَرّد العقد والمكتوب استيثاق وَالْأولَى أَن لَا يَقع العقدان فِي مجْلِس وَاحِد وَإِن وَقعا فِي مجْلِس وَاحِد صَحَّ ذَلِك أَن تخَلّل بَينهمَا قبض الْمُسْتَأْجر للمأجور والأحوط ذكر الإيجارة فِي كتاب الْوَقْف هُوَ أحوط بِالنِّسْبَةِ إِلَى الأجارة لَا إِلَى

(1/397)


@ الْوَقْف وَيجوز أَن يقف قرامي الْخشب الْمَذْكُور على جِهَة أُخْرَى وَيكون مَا ينْبت بعد الْوَقْف كالثمر يصرفهُ فِي مصرف الْوَقْف وَأما الْحَاصِل الظَّاهِر الْآن فَلَا يَتَأَتَّى فِيهِ ذَلِك
317 - مَسْأَلَة ساحة مَوْقُوفَة على سُكْنى الْفُقَهَاء الْحَنَفِيَّة المتأهلين فعمر بعض من لَهُ السُّكْنَى فِيهَا عمَارَة ثمَّ مَاتَ عَن وَرَثَة بَعضهم لَيْسَ من أهل السُّكْنَى فَهَل لَهُ أَن يَشْتَرِي بَاقِي الحصص ليبيعها مِمَّن لَهُ السُّكْنَى أَو يؤجره إِيَّاهَا
أجَاب رَضِي الله عَنهُ لَيْسَ لمن هُوَ غير أهل أَن يتَمَلَّك الْعِمَارَة الَّتِي فِيهَا لِأَنَّهَا تصير بذلك مقرا لبِنَاء من لَيْسَ أَهلا وَتلك جِهَة أُخْرَى غير الْجِهَة الْمعينَة فِي الْوَقْف وعَلى هَذَا يلْزم الْوَارِث غير الْأَهْل أَن يَبِيع مِمَّن هُوَ أهل أَو نَحْو ذَلِك وَالله أعلم
318 - مَسْأَلَة اذا وهب شخص شخصا أَو تصدق عَلَيْهِ هَل للْوَاهِب والمتصدق أَن يَشْتَرِيهِ من الْمَوْهُوب لَهُ والمتصدق عَلَيْهِ أم لَا
أجَاب رَضِي الله عَنهُ يَصح ذَلِك وَلَكِن يكره فِي الصَّدَقَة للْحَدِيث الصَّحِيح فِي كتاب مُسلم وَغَيره أَن عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ حمل على فرس فِي سَبِيل الله تَعَالَى ثمَّ وجده عِنْد صَاحبه وَقد أضاعه فَاسْتَأْذن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي أَن يَشْتَرِيهِ مِنْهُ فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا تشتريه وَإِن أَعْطيته بدرهم فَإِن مثل الْعَائِد فِي صدقته كَمثل الْكَلْب يعود فِي قيئه وَرَوَاهُ سُفْيَان بن عُيَيْنَة رَحمَه الله وَقَالَ لَا تشتره وَلَا شَيْئا من نتاجه

(1/398)


@
وَقد نَص الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ على كَرَاهَة ذَلِك
أما الْهِبَة فَالْأَمْر فِيهَا أَهْون وَمَعَ ذَلِك فَأصل الْكَرَاهَة فِي استعادة الْمَوْهُوب بِالشِّرَاءِ ثَابت أَيْضا فِيمَا ظهر لي فَإِن حَدِيث عمر رَضِي الله عَنهُ الْمَوْهُوب الْمَذْكُور دلّ على كَون المُشْتَرِي عَائِد أَو الْعود فِي الْهِبَة مَكْرُوه
وروى البُخَارِيّ رَضِي الله عَنهُ فِي صَحِيحه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ الْعَائِد فِي هِبته كَالْكَلْبِ يعود فِي قيئه
319 - مَسْأَلَة فِي حد صلَة الرَّحِم وَمَا ورد فِي الحَدِيث الْمَشْهُور الْمَذْكُور وَهل يجب على من لَهُ صلَة الرَّحِم أَن يكْتب كتابا مَعَ عَجزه من السَّعْي إِلَيْهِم أم لَا
أجَاب رَضِي الله عَنهُ صلَة الرَّحِم هِيَ أَن تكون مَعَ نسيبه وقريبه بِحَيْثُ يعد واصلا لَهُ متجنبا لما يُوجب المنافرة بَين قلبيهما والمقاطعة وَإِذا حصل ذَلِك بمكاتبة الْغَائِب كفى فِي ذَلِك وَالله أعلم
321 - مَسْأَلَة مَشَايِخ لَهُم تلاميذ وَبَعض النَّاس يعْتَقد فيهم الْخَيْر وَلَهُم

(1/399)


@ راتب على أوقاف الْجَامِع كل شهر شَيْء مَعْلُوم فَهَل يحل لَهُم ذَلِك أَو يأثمون بِأَخْذِهِ
أجَاب رَضِي الله عَنهُ لَا يحل لَهُم ذَلِك وَهُوَ قَادِح فيهم وَيخرجُونَ بِسَبَبِهِ عَن حيّز الشيوخية وتزل بِهِ أَحْوَالهم وأقدامهم عَن قدم التَّقْوَى زلَّة عَافَانَا الله وإياهم
321 - مَسْأَلَة يجوز للْإنْسَان أَن يسبح بسبحة خيطها حَرِير وَالْخَيْط ثخين وَهل الدروزة للْفُقَرَاء على وَجه الانكسار
أجَاب رَضِي الله عَنهُ لَا يحرم مَا ذكره فِي السبحة الْمَذْكُورَة وَالْأولَى إِبْدَاله بخيط آخر والدروزة جَائِزَة إِن سلمت من التذلل فِي السُّؤَال وَمن الإلحاح فِي السُّؤَال وَمن إِيذَاء المسؤول وَجَاز السُّؤَال لمن يحل لَهُ السُّؤَال لعَجزه عَن الْكسْب وَلَا مَال لَهُ فَإِذا كَانَ سُؤَاله سليما عَن الْخلَل وَمن يسْأَل لَهُ أهل تحل لَهُ الْمَسْأَلَة فَذَلِك حسن وَالله أعلم
322 - مَسْأَلَة رجل وهب وأقبض وَمرض وَمَات وَادّعى الْوَارِث أَن ذَلِك كَانَ فِي الْمَرَض وَادّعى الْمَوْهُوب لَهُ أَن ذَلِك فِي الصِّحَّة
أجَاب رَضِي الله عَنهُ قلت هَذَا مِمَّا فِي أَمْثَاله خلاف مَحْفُوظ وَظهر إِذا لم يكن بَيِّنَة أَن القَوْل قَول الْمَوْهُوب لَهُ لِأَن جَانِبه بعد تقَابل الْأَصْلَيْنِ أَو أصُول تترجح بِأَصْل وَظَاهر من حَيْثُ أَنَّهُمَا اتفقَا على صِحَة الْهِبَة وَالْوَارِث يدعى مُعَارضا بِمَنْع من يرتب حكمهَا عَلَيْهَا بِكَمَالِهِ وَالْأَصْل وَالظَّاهِر ينفيانه
323 - مَسْأَلَة فِي جمَاعَة مُسلمين تصدق عَلَيْهِم السُّلْطَان صَلَاح الدّين رَحمَه الله تَعَالَى بسهام من قَرْيَة مُعينَة وَلم يذكر فِي كتاب الصَّدَقَة أَوْلَادهم وَلَا عقبهم من بعدهمْ فَهَل ينْتَقل ذَلِك إِلَى الْأَوْلَاد والعقب بالوفاة بِمُقْتَضى هَذَا الشَّرْط أم لَا وَهل إِذا لم ينْتَقل وتناولوا مِنْهُ شَيْئا يلْزمهُم إِعَادَة مَا أَخَذُوهُ

(1/400)


@ لبيت المَال وَهل يجب على أولي الْأَمر استعادة مَا أَخَذُوهُ والمطالبة بِهِ أم لَا
أجَاب رَضِي الله عَنهُ لَا ينْتَقل إِلَيْهِم ذَلِك بِمُجَرَّد ذَلِك وَإِذا تناولوا مِنْهُ شَيْئا بِمُجَرَّد ذَلِك وَجب اسْتِرْدَاده مِنْهُم للجهة الْمُسْتَحقَّة لَهُ بِالشّرطِ فِيهِ وَالله أعلم
324 - مَسْأَلَة رجل اكْتسب مَالا من حرَام وَعِنْده من المَال جملَة كَبِيرَة وَلم يكن لَهُ وَلَا لِعِيَالِهِ شَيْء فَكيف يعْمل بِهَذَا المَال حَتَّى يخلص من الْحَرَام وَكَذَلِكَ عِنْده قماش وَهُوَ حرَام فَكيف يعْمل بِهِ
أجَاب رَضِي الله عَنهُ إِذا لم يعرف صَاحب المَال الْحَرَام وَلَا يَرْجُو أَن يعرفهُ فليتصدق بِهِ عَن أَصْحَابه وَإِذا لم يكن لِعِيَالِهِ شَيْء جَازَ أَن يتَصَدَّق عَلَيْهِم لكفايتهم من ذَلِك المَال الْحَرَام وَمَا اشْتَرَاهُ فِي ذمَّته وَوزن ثمنه من المَال الْحَرَام فَلَيْسَ المُشْتَرِي بِحرَام وَإِنَّمَا ذمَّته مَشْغُولَة بِثمنِهِ وَإِذا حضر أحد من الإفرنج وَمَعَهُ سلْعَة يُرِيد بيعهَا فَقَالَ لَهُ هبني هَذِه السّلْعَة من غير شَرط وَأَنا أكافئك بِأَكْثَرَ من ثمنهَا من هَذَا المَال فَكَانَ ذَلِك طَرِيقا فالإفرنجي لَعَلَّه لَا يمْتَنع من ذَلِك

325 - مَسْأَلَة رجل لَهُ أَوْلَاد وهب أكبرهم من ملكه قدر مَا يَخُصُّهُ من مِيرَاثه مِنْهُ وأزيد ثمَّ كتب كتابا مضمونه أَنه وهب وَلَده الْأَكْبَر الْمَذْكُور بَقِيَّة الْملك الَّذِي يخص بَقِيَّة الْإِخْوَة وَأَن وَلَده الاكبر وَقفه على أَبِيه الْوَاهِب ثمَّ من بعده على بَقِيَّة الْإِخْوَة الَّذين هم أَوْلَاد الْوَاهِب وإخوة الْمَوْهُوب لَهُ الْوَاقِف وَالإِخْوَة إِذْ ذَاك أَطْفَال ثمَّ من بعدهمْ على فُقَرَاء الْمُسلمين فَلَمَّا كبر بعض الْمَوْقُوف عَلَيْهِم أخبرهُ الْوَلَد الاكبر الْوَاقِف أَن وَالِده لم يَهبهُ شَيْئا وَلم

(1/401)


@ يقبضهُ وَلم يتَلَفَّظ بوقف بل أحضر كتابا صورته الْهِبَة الصَّحِيحَة وَالْقَبْض وَالْوَقْف الصَّحِيح من الْمَوْهُوب لَهُ وَقَالَ أشهد عَلَيْك بمضمونه فامتثلت أمره وأشهدت عَليّ بِهِ وَكَانَ هَذَا الْوَلَد الْأَكْبَر الْمخبر رجلا صَالحا موثوقا بقوله فَهَل يجوز لبَعض الْمَوْقُوف عَلَيْهِم إِذا وقر فِي نَفسه صدق خَبره أَن يتَصَرَّف فِي هَذَا الْعقار فِيمَا يَخُصُّهُ بأجارة تزيد على مُدَّة عمره يبطل بهَا حق الثَّانِي بعده أم لَا وَهل يكون ذَلِك بَينهمَا فِي ذَلِك بِمُقْتَضى أَن الْوَقْف لَو بَطل لأخذ نصِيبه مِنْهُ مَعَ أَنا لَا نعلم هَل يُطَالب بِنَصِيبِهِ لَو بَطل الْوَقْف أم لَا وَقد كَانَ هَذَا الْوَاقِف فِي حَال طفولة أخوته سعى فِي إِثْبَات هَذَا الْكتاب بعد موت وَالِده وَدفع بِهِ وَارِثا اسقطهم بِشَرْط الْوَقْف فَهَل يكون ذَلِك قادحا فِي قَوْله أَو يحمل ذَلِك مِنْهُ على الْجَهْل إِذا لم يكن ذَاك فَقِيها وَكَانَ فِي شَرط الْوَقْف أَن لَا يُؤجر أَكثر من سنتَيْن فَأَجره بعض الْمَوْقُوف عَلَيْهِم مِائَتي سنة فِي مائَة عقد كل عقد سنتَيْن فَهَل يجوز ذَلِك أم لَا وَالْغَرَض أَنه إِذا وقر فِي نفس بعض الْمَوْقُوف عَلَيْهِم صدق خبر الْوَاقِف الْمَذْكُورَة وسكنت نَفسه إِلَى قَوْله فَهَل يحل لَهُ فِيمَا بَينه وَبَين الله تَعَالَى أجارة بعض مَا يَخُصُّهُ من الْوَقْف أجارة يبطل بهَا حق الْبَطن الثَّانِي أم لَا وَلَو كَانَ على هَذَا الْمَوْقُوف عَلَيْهِ دُيُون لَيْسَ يقدر على وفائها إِلَّا من إِجَارَة هَذَا الْوَقْف بِهَذَا التَّأْوِيل الَّذِي سكنت نَفسه إِلَيْهِ فَأَي الخطرين أعظم الْبناء على تَصْدِيق من يعرف صدقه وصلاحه أَو أَن يَمُوت وَعَلِيهِ دُيُون لَا يُرْجَى قَضَاهَا
أجَاب رَضِي الله عَنهُ لم يبطل الْوَقْف من أَصله والأجارة الْمَذْكُورَة لَا يبطل بهَا حق الْبَطن الثَّانِي فَإِنَّهَا لَو صحت تبْق بعد موت الْمُؤَجّر الْمَوْقُوف عَلَيْهِ وَلَا يَنْبَغِي أَن يعْتَمد قَول الْوَاقِف الْمَذْكُور فَإِنَّهُ قد نَاقض إِقْرَاره من قبل وسعيه مَعَ كَونه مُتَّهمًا والأجارة الْمَذْكُورَة لَا تصح فِيمَا زَاد على العقد الأول على الْأَصَح فِي أَمْثَال هَذِه الصُّورَة وخطر بَقَاء الدّين فِي ذمَّته

(1/402)


@ أقل من خطر الأجارة الْمَذْكُورَة لَو صحت فِي ظَاهر الحكم وَالله تَعَالَى أعلم
326 - مَسْأَلَة رجل رأى رجلا يفرق فُلُوسًا فِي الْجَامِع وَهُوَ يتَجَنَّب إِعْطَاء الْأَغْنِيَاء وَيُعْطِي الْفُقَرَاء فَدفع مِنْهَا شَيْئا إل شخص مشتبه الْحَال وَهُوَ فِي نفس الْأَمر غَنِي فَهَل يجوز لَهُ التَّصَرُّف لنَفسِهِ أَو يجب عَلَيْهِ رده إِلَى الدَّافِع أَو يجوز لَهُ صرفه إِلَى فَقير أَو لَا
أجَاب رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ أما من حَيْثُ الحكم ظَاهرا فَهُوَ غير مَمْنُوع من تصرفه فِيهِ لنَفسِهِ وَلَا يُوجب عَلَيْهِ رده إِلَى الدَّافِع لِأَنَّهُ قد يدْفع إِلَى غَنِي وَيكون مَقْصُوده مُرَاعَاة من كَانَ فِي الْمَسْجِد غَنِيا كَانَ أَو فَقِيرا ظَاهر الْقَبْض ثُبُوت الْمَالِك وَمن مساطير الْمَذْهَب المنتهضة أصلا بِهَذَا لَو دفع الْمَالِك الزَّكَاة إِلَى من ظَنّه فَقِيرا فَبَان كَونه غَنِيا وَلم يكن قد ذكر عِنْد الدَّافِع إِنَّهَا زَكَاة فَلَيْسَ لَهُ الإسترداد وَلَا يجب على الْأَخْذ الرَّد نظرا إِلَى الْمَعْنى الْمَذْكُور وَأما فِي الْبَاطِن بَينه وَبَين الله تَعَالَى فَإِن قَامَ فِي نَفسه أَن الدَّافِع أَرَادَ الصَّدَقَة فَيرد الْمَأْخُوذ على الدَّافِع وَلَا يصرفهُ إِلَى فَقير إِلَّا إِذا تعذر عَلَيْهِ الدَّافِع وَإِن شكّ فالورع أَن يسْلك هَذَا السَّبِيل وَالله تَعَالَى أعلم
وَمَا يحْكى عَن عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ فِي السَّائِل صَاحب المخلاة واعتمادا مِنْهُ على الْقَرِينَة وَهُوَ يبْعَث على الإحتراز من غير تملك هَذَا وَالله تَعَالَى أعلم

(1/403)


@
وَمن كتاب الْفَرَائِض
327 - مَسْأَلَة رجل توفّي وَترك خَالَة وَابْن خَال وَلَا عصبَة وَلَا أحد يَرِثهُ إِلَّا بَيت المَال فَهَل للخالة وَابْني الْخَال شَيْء أم لَا
أجَاب رَضِي الله عَنهُ يصرف مِيرَاثه إِلَى من يورثه المورثون لِذَوي الْأَرْحَام عِنْد أكَابِر الْمُتَأَخِّرين من الْمُفْتِينَ الشافعيين وَذَلِكَ مَذْهَب أَكثر الْعلمَاء وَالله أعلم
328 - مَسْأَلَة مَاتَ رجل وَخلف أُخْتا لأَب وأخا لأم لَا غير
أجَاب رَضِي الله عَنهُ للْأُخْت النّصْف وللأخ وَللْأُمّ السُّدس ثمَّ ينظر فَإِن كَانَ ذَلِك فِي مَوضِع تصرف فِيهِ أَمْوَال بَيت المَال إِلَى غير وَجههَا فَيرد الْبَاقِي على الْأَخ وَالْأُخْت أَن كَانَا من الْفُقَرَاء أَو غَيرهم مِمَّن يسْتَحق مثل هَذَا الْقدر فِي بَيت المَال فَيقسم المَال كُله على أَرْبَعَة للْأُخْت ثَلَاثَة وللأخ سهم وَإِن لم يَكُونَا بِهَذِهِ الصّفة فَيصْرف بعض ثِقَات ذَلِك الْمَكَان الْبَاقِي إِلَى بعض وُجُوه الْمصَالح وَإِن كَانَ هُنَاكَ بَيت مَال على الْوَضع الْمَشْرُوع حمل إِلَيْهِ هَذَا فِيهِ جمع بَين الطَّرفَيْنِ فِي أَن يُفْتى بِمثلِهِ فِي ذَوي الْأَرْحَام وَإِن كَانَ ذَلِك عِنْد فَسَاد بَيت المَال فِي حَالَة لَا يتَمَكَّن أحد من ثِقَات الْمَكَان من صرفه إِلَى شَيْء من وُجُوه الْمصَالح فلتقع الْفَتْوَى بِالرَّدِّ وبتوريث ذَوي الْأَرْحَام وَإِن لم يكن هُنَاكَ صفة يسْتَحق بهَا فِي بَيت المَال جَريا على مَا اسْتَقَرَّتْ عَلَيْهِ فَتْوَى أكَابِر الْمُتَأَخِّرين من الْأَئِمَّة الشافعيين وَحكى الْفَتْوَى بِهِ عَن أَكثر أَصْحَابنَا فِي مثل زَمَاننَا غير وَاحِد من الْأَئِمَّة مِنْهُم أَبُو الْمَعَالِي ووالده الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد الْجُوَيْنِيّ وَأَبُو حَكِيم الخبري الفرضي وَغَيرهم
329 - مَسْأَلَة ثمَّ وَقع زوج عَمه وابنتا أَخ لأَب وَأم فقيرات فَنظر

(2/404)


@ فَإِذا مَذَاهِب المورثين فِي ذَلِك مُخْتَلفَة وَرَأَيْت بعد استخارة الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى الْفَتْوَى بِأَن للزَّوْج النّصْف وَالْبَاقِي بَين الثَّلَاث أَثلَاثًا إِلَّا أَن تكون الْعمة للْأُم فَحسب فَيكون الْبَاقِي بَين ابْنَتي الْأَخ وَذَلِكَ أَنِّي وجدت الْعمة تترجح بِأَن أَكثر أهل التَّنْزِيل نزلوها أَبَا وَقَالُوا بتقديمها على ابْنة الْأَخ الَّتِي هِيَ منزلَة بِمَنْزِلَة الْأَخ عِنْد أهل التَّنْزِيل أَجْمَعِينَ مَعَ أَن القَوْل بالتنزيل بِهِ قَالَه أَكثر من أفتى من أَصْحَابنَا بتوريث ذَوي الْأَرْحَام وَمَعَ أَنه مَذْهَب أَكثر من أفتى من أَصْحَابنَا بتوريث ذَوي الْأَرْحَام وَمَعَ أَنه مَذْهَب أَكثر المورثين من الصَّحَابَة وَمن بعدهمْ وَوجدت ابْنة الْأَخ تترجح أَيْضا من جِهَة أَن كل أهل الْقَرَابَة
أَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه قَالُوا بِتَقْدِيم بنت الْأَخ وَوَافَقَهُمْ بعض أهل التَّنْزِيل وَمِنْهُم من ينزل الْعمة عَمَّا وَمِنْهُم الشّعبِيّ رَوَوْهُ عَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ فقدموا ابْنة الْأَخ عَلَيْهَا كَمَا يقدم الْأَخ على الْعم مَعَ أَن مَذْهَب المقربين أَخذ بِهِ من أَصْحَابنَا الْبَغَوِيّ وَالْمُتوَلِّيّ فِي كِتَابَيْهِمَا فَرَأَيْت أَن أسقط أحدى الْجِهَتَيْنِ بِالْأُخْرَى ووجدتهما متعادلتين فسويت بَين الثَّلَاث وَهُوَ مَذْهَب بعض أهل التَّنْزِيل وَمِنْهُم مِنْهُم من نزل الْعمة بِمَنْزِلَة الْجد إِذا لم تكن للْأُم فَقَط وَمذهب من أفتى من أَصْحَابنَا بتوريث ذَوي الْأَرْحَام على سَبِيل الْمصلحَة لَا على سَبِيل الْإِرْث وَمِنْهُم الْأُسْتَاذ أَبُو إِسْحَق الإسفرائيني قَالَ قَرِيبا من هَذَا أَنه على سَبِيل الطعمة لَا على سَبِيل

(2/405)


@ الْإِرْث يرد على هَذَا أَنه ترك لكل وَاحِد من المذهبين الْأَوَّلين اللَّذين ذهب اليهما الْأَكْثَرُونَ فَرَأَيْت وَالْحَال على مَا وصفت الافتاء بِالْجمعِ والتسوية بَينهمَا أقرب الْوُجُوه وَأَعْدل الْمذَاهب وأرعاها للجهات فاستخرت الله تَعَالَى فِي الْمصير إِلَيْهِ وَهُوَ سُبْحَانَهُ أعلم وَوَقعت ابنتا اخت وَابْن بنت فاجتهدت أَيَّامًا وأفتيت على مَذْهَب أهل التَّنْزِيل لِابْنِ الْبِنْت النّصْف ولابنتي الْأُخْت النّصْف بَينهمَا وَرَأَيْت الْميل إِلَى التَّنْزِيل فِي الْبَاب لِأَنَّهُ مَذْهَب الْأَكْثَر وَأقوى وَالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أعلم
330 - مَسْأَلَة امْرَأَة توفيت عَن أَب وَزوج وَابْن وَثَلَاث بَنَات وَلها تَرِكَة من جُمْلَتهَا نصف جَارِيَة وَنِصْفهَا الآخر ملك الابْن فاعترف الابْن واحدى الْبَنَات أَن أمّهم اعتقت نصِيبهَا من الْجَارِيَة فِي حَال صِحَّتهَا وَهِي حِينَئِذٍ موسرة بِقِيمَة النّصْف الْأَخير وَأنكر بَاقِي الْوَرَثَة الْعتْق فَمَا الحكم فِي عتق الْجَارِيَة
أجَاب رَضِي الله عَنهُ يعْتق مِنْهَا النّصْف الَّذِي اخْتصَّ بِملكه الابْن قَضِيَّة لإِقْرَاره فَإِن الْأَصَح حُصُول السَّرَايَة بِمُجَرَّد اللَّفْظ من غير توقف على أَدَاء الْقيمَة وَيعتق من النّصْف الَّذِي كَانَ للمتوفاة مَا يخص الابْن بطرِيق الْإِرْث وَمَا يخص الْبِنْت المقرة أَيْضا فجملة مَا يعْتق مِنْهَا الثُّلُثَانِ وَنصف سدس الْعشْر ومقداره بالقراريط سِتَّة عشر قيراطا وَخمْس قِيرَاط وَيجب للِابْن على الْبِنْت المقرة من قيمَة النصفا الَّذِي عتق بِالسّرَايَةِ بِحَسب نِسْبَة نصِيبهَا من الْمِيرَاث وَهُوَ الْعشْر وَسدس الْعشْر سَبْعَة أسْهم من سِتِّينَ سَهْما إِلَّا أَن يزِيد مِقْدَار ذَلِك على مَا حصل لَهَا من الْمِيرَاث فَلَا يلْزمهَا الزَّائِد وَمهما صَار الْبَاقِي من الْجَارِيَة على الرّقّ لمن أقرّ بِعتْقِهَا عتقعليه وكمل عتقهَا وَالله أعلم
331 - مَسْأَلَة رجل توفّي وَخلف زَوْجَة وابنا وبنتين ثمَّ مَاتَت

(2/406)


@ إِحْدَاهمَا خلفت من خلف ثمَّ مَاتَت الزَّوْجَة وخلفت أما وابنا آخر وَمن خلفت ثمَّ وهب أم الزَّوْجَة مَا حصل لَهَا للِابْن وَالْبِنْت الَّذين للِابْن الأول على قدر ميراثهما فَكيف الْقِسْمَة وَكم يحصل لكل وَاحِد من البَاقِينَ رد الشَّيْخ الْمُوفق إِمَام الحنبليين فَقَالَ للِابْن الْأَخير قيراطا وَسدس وَثمن قِيرَاط وَالْبَاقِي للْآخر وَأُخْته اثْنَان وَعِشْرُونَ قيراطا وَثلث وَربع وَثمن وللابن خَمْسَة عشر قيراطا وَثمن وتسع ثمن ولأخته سَبْعَة قراريط وَنصف ثمن وَنصف تسع ثمن وَالله أعلم
أجَاب رَضِي الله عَنهُ وَقَالَ الْجَواب صَحِيح فرضا وحسابا وَهُوَ مَشْرُوط بِشَرْط صِحَة هبة أم الزَّوْجَة نصِيبهَا للِابْن وَالْبِنْت وَلَا يَصح إِذا كَانَت تجْهَل مِقْدَاره وَهُوَ ثلث قِيرَاط وَربع وَنصف ثمن فلتعرف ذَلِك ثمَّ لتهبه مِنْهُمَا على مَا اخْتَارَتْ للذّكر مثلان وللأنثى مثل وَالله أعلم
332 - مَسْأَلَة رجل مَاتَ وَخلف ولد عَم الْأَب خُنْثَى وَابْن عَم لأَب لِأَبِيهِ وَترك مَمْلُوكا والمملوك ابْن ابْن الْعم الْمَذْكُور وَهُوَ مُوسر ثمَّ اصطلحا على أَن يكون الْمَمْلُوك الْمَتْرُوك بَينهمَا فَهَل يعْتق كُله لِأَنَّهُ إِن كَانَ الْوَارِث هُوَ ابْن الْعم فقد عتق عَلَيْهِ وَإِن لم يكن فقد تملك نصفه بالإصطلاح الْمَذْكُور وَهُوَ مُوسر فسرى عَلَيْهِ ثمَّ إِذا اعْتِقْ كُله فَهَل يغرم للخنثى شَيْء أَولا من حَيْثُ يحْتَمل حُصُول عتق الْكل عَلَيْهِ بالأرث فَلم تشتغل ذمَّته بِيَقِين هَذَا معنى مَا كتبه واختصاره
أجَاب رَضِي الله عَنهُ يعْتق كل الْمَمْلُوك الْمَذْكُور على أَبِيه الْمَذْكُور ثمَّ يغرم الْخُنْثَى قيمَة النّصْف فَإِنَّهُ ملك بالإصطلاح جُزْءا أما أَنه يحْتَمل عدم ثُبُوته لَهُ نظرا إِلَى احْتِمَال ثُبُوت الْكل لِابْنِ الْعم بطرِيق الأرث على تَقْدِير أنوثة الْخُنْثَى فَلَا وجود لوَاحِد من هذَيْن الِاحْتِمَالَيْنِ فَإِنَّهُ لَا يلْزم من احْتِمَال

(2/407)


@ كَون الْخُنْثَى أُنْثَى فِي نفس الْأَمر أَن يكون ابْن عَم الْأَب هُوَ الْوَارِث الْكل حِينَئِذٍ فِي نفس الْأَمر فان اقتران الْإِشْكَال ظَاهر بذلك منع من التوريث بِنِسْبَة ذَلِك فَإِن الْإِشْكَال مَعْدُود فِي مَوَانِع الْإِرْث النافية لَهُ مَعَ قيام عين السَّبَب وَوُجُود نفس السَّبَب وَإِنَّمَا الإصطلاح هُوَ السَّبَب الَّذِي أَفَادَ بهَا ثُبُوت الْملك وَهُوَ أَمر مُحَقّق مُوجبه تَخْصِيص كل وَاحِد مِنْهُمَا بِالنِّصْفِ الَّذِي صَار إِلَيْهِ ونفيه عَن صَاحبه الآخر وَهَذَا كَذَلِك فِي نفس الْأَمر وظاهرا وَبَاطنا هَذَا مَا ظهر فِي ذَلِك وَالْعلم عِنْد الله تَعَالَى
333 - مَسْأَلَة رجل توفّي وَخلف زَوْجَة وابنين وبنتا مِنْهَا للزَّوْجَة الثّمن ثَلَاثَة قراريط وَالْبَاقِي على خَمْسَة للْبِنْت أَربع قراريط وَخمْس قِيرَاط وَلكُل وَاحِد من الِابْنَيْنِ ثَمَانِيَة قراريط وخمسا قِيرَاط مَاتَ أَحدهمَا عَنْهُمَا وَخلف أما وأخا لِأَبَوَيْهِ فللأم السُّدس وَهُوَ قِيرَاط وخمسا صَار لَهَا أَرْبَعَة قراريط وخمسا قِيرَاط وَالْبَاقِي وَهُوَ سَبْعَة قراريط بَين الْأَخ وَالْأُخْت للِابْن أَرْبَعَة قراريط وَثلثا قِيرَاط فَصَارَ لَهُ ثَلَاثَة عشر قيراطا وَثلث خمس قِيرَاط وَالله أعلم وَمن كتاب الْوَصِيَّة
334 - مَسْأَلَة رجل أوصى لَهُ بتسعين درهما فَصَالحه من هُوَ وَصِيّ على التَّرِكَة على خمسين درهما ثمَّ عزل نَفسه فَأَرَادَ استرجاع الْخمسين وَزعم أَنَّهَا كَانَت من مَاله فَهَل لَهُ ذَلِك وَهل للْمُوصي لَهُ الْمُطَالبَة بالتسعين أم لَا
أجَاب رَضِي الله عَنهُ شرحا لما كتب إِن لم يكن قد قبل الْوَصِيَّة فِي

(2/408)


@ الْأَرْبَعين الَّتِي تَركهَا ورد الْوَصِيَّة فِيهَا فَالَّذِي جرى نَافِذ صَحِيح وَلَيْسَ للْوَصِيّ الاسترجاع وَلَا للْمُوصي لَهُ الْمُطَالبَة بِتمَام التسعين وَإِن كَانَ قد قبل الْوَصِيَّة بكمالها فِي جملَة التسعين ثمَّ صَالحه على الْخمسين فَهَذَا صلح حطيطه وابراء عَن دين لِأَن هَذِه الدَّرَاهِم قد صَارَت دينا فِي التَّرِكَة ثَابتا لِأَنَّهَا دَرَاهِم مُطلقَة غير مُعينَة وَهَذَا حَقِيقَة الدّين وَإِذا كَانَ كَذَلِك فَينْظر فَإِن قَالَ أدفَع إِلَيْك الْخمسين بِشَرْط أَن تسْقط الْأَرْبَعين أَو أَتَى بِغَيْر هَذَا اللَّفْظ من الْأَلْفَاظ الَّتِي تَقْتَضِي جعل الأسقاط مُعَلّقا على الدّفع بِأَن يَقُول اسقطت بِشَرْط أَن تدفع الْآن خمسين درهما فَلَا تسْقط الْأَرْبَعُونَ عِنْد هَذَا وَله الْمُطَالبَة بهَا وَوَقعت الْخَمْسُونَ موقعها لِأَنَّهُ يَسْتَحِقهَا وَإِن لم يَجْعَل أَحدهمَا شرطا فِي الآخر بِأَن يَقُول إدفع إِلَى الْخمسين وَأَنا أسقط الْبَاقِي أَو مَا أشبهه نَقْدا فَهَذَا صَحِيح وَلَيْسَ للْمُوصي لَهُ الْمُطَالبَة بالأربعين وَهُوَ منزل منزلَة إِسْقَاط الدّين بعد ثُبُوته وَلَا يخرج على الْخلاف فِيمَا لَو رد الْوَصِيَّة بعد الْقبُول فَإِن هَذَا لَيْسَ برد لَهَا بل إِسْقَاط يتَضَمَّن الثُّبُوت يُنَافِيهِ الرَّد هَكَذَا لَو جرى ذَلِك بِلَفْظ الْمُصَالحَة فَينزل على الْمحمل الثَّانِي تَرْجِيحا لمحمل الصِّحَّة هَذَا هُوَ الْأَظْهر
وَأما استرجاع الْوَصِيّ مَا سلم فَلَيْسَ لَهُ ذَلِك لِأَنَّهُ إِن كَانَ مَا صَالح بِهِ من التَّرِكَة فقد سبق بَيَان أَن الْخمسين وَاقعَة موقعها على التقارير كلهَا وَإِن كَانَ من كَسبه فَهُوَ صلح من الْوَصِيّ عَن دين ثَابت فِي التَّرِكَة وَصلح الْأَجْنَبِيّ عَن دين غَيره نَافِذ فِي الظَّاهِر وَأما فِي الْبَاطِن فَإِن كَانَ بطرِيق الْوكَالَة أَو على سَبِيل قَضَاء دين الْغَيْر فَهُوَ صَحِيح فِي الْبَاطِن أَيْضا وَإِن قصد الْمُعَاوضَة فَهُوَ بيع الدّين من غير من عَلَيْهِ وَلَو صَحَّ على أحد الْوَجْهَيْنِ لم يَصح هَا هُنَا لانْتِفَاء البقبض فَإِنَّهُ لَا يَصح قَبضه من نَفسه لنَفسِهِ فَيكون الصُّلْح على هَذَا التَّقْدِير فَاسِدا لَكِن لَا تسمع مِنْهُ دَعْوَى فَسَاد التَّصَرُّف فِي مثل هَذَا بعد مُبَاشَرَته لَهُ لَا سِيمَا وَهُوَ هَا هُنَا دَعْوَى عقد مُعَاوضَة وَالْأَصْل عَدمه وَالله أعلم

(2/409)


- مَسْأَلَة رجل أوصى لزيد مُدَّة حَيَاته بمنافع مَعْلُومَة من عقار عينه ثمَّ لنسل زيد وعقبه بعد مَوته فَمَاتَ وَترك زَوْجَة وأولادا فَهَل تسْتَحقّ الزَّوْجَة شَيْئا وَهل يسْتَحق أَوْلَاد الْأَوْلَاد مَعَ آبَائِهِم أم لَا
أجَاب رَضِي الله عَنهُ لَا تسْتَحقّ الزَّوْجَة شَيْئا وَيسْتَحق أَوْلَاد الْأَوْلَاد مَعَ أصولهم فيستوي فِيهَا الذُّكُور وَالْإِنَاث وَأَوْلَاد الْبَنِينَ وَالْبَنَات قربوا أَو بعدوا لتساويهم فِي الاندراج فِي كلمتي النَّسْل والعقب وتندرج كَذَلِك أَيْضا فَمَتَى ظهر لأَحَدهم حمل وقف نصِيبه حَتَّى ينْفَصل حَيا فَيسْتَحق النَّصِيب من حِين يثبت وجوده وصححنا هَذِه الْوَصِيَّة مَعَ غرابة وَضعهَا واشتمالها على قصر التَّمْلِيك فِيهَا على موصى لَهُ دون جَرَيَان التوريث من الْمُوصى لَهُ فِي الْمُوصى بِهِ واشتمالها أَيْضا على انتسابه للْمُوصى لَهُ الْوَصِيَّة للنسل حِين لَا ومصي وَبعد موت الْمُوصي بِحِين ثمَّ لم يُفْسِدهَا بِوَاحِد من الْأَمريْنِ
أما الأول فَيكون الْمُوصى بِهِ مَنَافِع يَتَجَدَّد شَيْئا فَشَيْئًا فَهِيَ كأعيان مُتعَدِّدَة أوصى بِبَعْضِهَا لمن سمي أَولا وببعضها لنسله لَيْسَ فِيهِ أَنه أوصى لَهُ بِشَيْء وَأوصى بذلك الشَّيْء بِعَيْنِه لنسله حَتَّى يكون توقيتا للْملك فِي الْمُوصى بِهِ وقصرا لَهُ على زمَان حَيَاته كَمَا فِي الْعمرَة الْفَاسِدَة
وَأما الثَّانِي فَلِأَن هَذِه الْوَصِيَّة كالايصاء الشَّائِع فِيهِ أَن يوصى إِلَى زيد حَيَاته وَبعده إِلَى عَمْرو وَالله أعلم
ثمَّ وجدت بعد الافتاء بِهَذَا عَن ابْن الْحداد فِي فروعه من غير أَن أرى لَهُ مُخَالفا فِي الصِّحَّة أَنه لَو أوصى لَهُ بِدِينَار كل شهر من غلَّة من دَاره أَو كسب عَبده ثمَّ بعده للْفُقَرَاء صَحَّ
336 - مَسْأَلَة رجل توفّي وَخلف ابْنَيْنِ صغيرين وَزَوْجَة هِيَ أمهما

(2/410)


@ وَذَلِكَ فِي بلد يخَاف على مَالهمَا من القَاضِي وَمن تولى على الْأَيْتَام إِن عرفُوا بِهِ فَهَل يجوز لِأُمِّهِمَا أَن تدفع مَالهمَا إِلَى أَخ لَهَا من أهل الْخَيْر وَالصَّلَاح يتَصَرَّف فِيهِ ويتجر لَهما كَيْلا تَأْكُله النَّفَقَة مَعَ أَنه لَا وَصِيَّة عَلَيْهِمَا لوَاحِد مِنْهُمَا وَلَا لغَيْرِهِمَا وَلَا أحد لَهما
أجَاب رَضِي الله عَنهُ يجوز ذَلِك للْأَخ الْمَوْصُوف وَالْحَالة هَذِه ضَرُورَة لفقدان الْحَاكِم الْأَهْل وَعدم من لَهُ الْولَايَة شرعا وَإِذا ضَاقَ الْأَمر اتَّسع
وَمن نَظَائِر ذَلِك مَا ذكره غير وَاحِد من أَصْحَابنَا من أَن وقُوف الْمَسَاجِد فِي الْقرى يصرفهَا صلحا أهل الْقرْيَة فِي عمَارَة الْمَسْجِد ومصالحه لعدم من إِلَيْهِ النّظر
وَيَنْبَغِي إِذا كَانَت الْأُم أَهلا غير فاسقة أَن تَأذن لأَخِيهَا فِي ذَلِك ليحصل بِهِ الْعَمَل أَيْضا يَقُول الْإِصْطَخْرِي أَنَّهَا لَهَا ولَايَة وَالله أعلم
337 - مَسْأَلَة شخص أوصى بِخمْس مائَة دِينَار لِأَن يستفك بهَا أسرى فَهَل يجوز أَن يصرف شَيْء مِنْهَا فِي الْإِعَانَة فِي فك أَسِير حَتَّى يكون الفك بِهِ وَبِغَيْرِهِ
أجَاب رَضِي الله عَنهُ نعم يجوز ذَلِك سَوَاء أمكن الصّرْف فِي فك جمع أسرى أَو لم يكن لِأَن الْمَفْهُوم من قَوْلنَا أَنه فك بِهِ أَنه اتَّخذهُ آلَة فِي الفك وَذَلِكَ مَوْجُود فِيمَا إِذا اسْتَقل بالفك وَفِيمَا إِذا كَانَ مَعَ غَيره
وَقد ورد بعض الحَدِيث بذلك عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من حَدِيث الْبَراء بن عَازِب رَضِي الله عَنهُ قَالَ جَاءَ أَعْرَابِي إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ عَلمنِي عملا يدخلني الْجنَّة فَقَالَ إِن كنت قصرت الْخطْبَة لقد أَعرَضت

(2/411)


@ الْمَسْأَلَة أعتق النَّسمَة وَفك الرَّقَبَة فَقَالَ أَو ليستا بِوَاحِدَة قَالَ لَا إِن عتق النَّسمَة أَن تنفرد بِعتْقِهَا وَفك الرَّقَبَة أَن تعين فِي ثمنهَا نعم إِن اقْترن بذلك مِنْهُ قرينَة تدل على أَنه أَرَادَ الْحصْر فِي فك مَا هُوَ جَمِيع فَلَا يجوز حِينَئِذٍ إِلَّا ذَلِك وَالله أعلم
ولعلنا نجد الْمَسْأَلَة مسطورة لِأَصْحَابِنَا
338 - مَسْأَلَة رجل أوصى على أَوْلَاد لَهُ ثَلَاثَة صغَار وأقرانه لَا وَارِث لَهُ سواهُم وَسوى زَوجته وَأثبت الْوَصِيّ ذَلِك عِنْد الْحَاكِم فطالب بِإِثْبَات عدَّة الْوَرَثَة بِالْبَيِّنَةِ
أجَاب رَضِي الله عَنهُ لَا يحْتَاج إِلَى ذَلِك وَيَكْفِي إِقْرَار الْمَيِّت بِأَنَّهُ لَا وَارِث لَهُ سواهُم فَإِنَّهُ كَمَا يعْتَمد إِقْرَاره فِي أصل الْإِرْث يعْتَمد فِي الْحصْر فَإِنَّهُ من قبيل الْوَصْل لَهُ هَذَا هُوَ الظَّاهِر وَالله أعلم وَفِي فَتَاوَى القَاضِي حُسَيْن فِي الْإِقْرَار مَسْأَلَة فِي هَذَا الْجِنْس غير هَذِه وَرُبمَا دلّت بعض الدّلَالَة وَالله أعلم
339 - مَسْأَلَة هَل يجوز للْوَصِيّ عزل نَفسه بعد موت الْمُوصي

(2/412)


@
أجَاب رَضِي الله عَنهُ يجوز إِلَّا أَن يلْزم من عَزله نَفسه ضيَاع مَا أوصى إِلَيْهِ فِيهِ فَلَا يجوز حِينَئِذٍ هَذَا الاستفتاء
اسْتِدْرَاك حسن لَا بُد مِنْهُ فَإِن الِالْتِقَاط والاستيداع يجبان فِي مثل هَذِه الْحَالة وَلَا فرق وَالله أعلم
340 - مَسْأَلَة رجل كَانَ لَهُ على رجل دين فَقَالَ لصَاحب الدّين مَتى أَنا مت فَأَنت فِي حل وَقد مَاتَ صَاحب الدّين وَعَلِيهِ دين لناس آخَرين أَكثر مِمَّا خلف فَهَل تَبرأ ذمَّة الْمَدْيُون الَّذِي فِي الْحَيَاة
أجَاب رَضِي الله عَنهُ لَا تَبرأ ذمتة بِمُجَرَّد ذَلِك ويتوقف ذَلِك على رضى أَصْحَاب الدُّيُون وَإِذا فصل دينه عَن الدُّيُون الَّتِي على صَاحب الدّين اعْتبر ذَلِك من الثُّلُث وَالله أعلم
341 - مَسْأَلَة رجل أوصى أَن يُوقف من مَاله كَيْت وَكَيْت أَو كَذَا وَكَذَا على الْقُرَّاء بِموضع كَذَا وَلم يذكر جِهَة أُخْرَى بعد ذَلِك يتم بهَا الِاتِّصَال فَهَل تصح هَذِه الْوَصِيَّة بشرطها وَيُوقف ذَلِك على الْجِهَة الْمعينَة وَيجْعَل لَهَا مَال مُتَّصِل
أجَاب رَضِي الله عَنهُ نعم تصح وَيفْعل ذَلِك كَذَلِك فَإِن الْوَقْف الْمُنْقَطع الِانْتِهَاء إِن فسد مَا صَححهُ صَاحب الْوَسِيط فَهَذَا الْإِيصَاء مُطلق وَمن شَأْن مَا يُؤذن فِيهِ أَن يوصى بِهِ على الاطلاق إِن يحمل على الصَّحِيح مِنْهُ دون الْفَاسِد على مَا تقرر وَعرف فَينزل هَذَا منزلَة مَا لَو قَالَ لَهُ قف على هَذِه الْجِهَة وَقفا صَحِيحا وَلَو قَالَ كَذَلِك لتغير القَوْل بِصِحَّتِهِ وَإِيجَاب إنْشَاء الْوَقْف على هَذِه الْجِهَة وعَلى جِهَة أَو على جِهَات بِعَينهَا مَالا مُتَّصِلا وَلم يبال بِعَدَمِ تنصيصه على جِهَة فَإِنَّهُ لَو أوصى إِلَيْهِ وَقَالَ لَهُ قف

(2/413)


@ على جِهَة من جِهَات الْبر على مَا ترى لصَحَّ ذَلِك ولتخير الْوَصِيّ فِي الْجِهَات وَلَكِن مَعَ تَقْيِيده بِمَا هُوَ الْأَصْلَح للْوَاقِف والأصلح لَهُ هَا هُنَا أهم جِهَات الْخَيْر فَلم يكن عدم التَّعْيِين مُفْسِدا للْوَصِيَّة فَكَذَلِك فِي هَذِه الْوَاقِعَة وَإِن كَانَ الْوَقْف الْمُنْقَطع الِانْتِهَاء صَحِيحا على مَا صَححهُ القَاضِي أَبُو حَامِد وَأَبُو الطّيب الطَّبَرِيّ وَالرُّويَانِيّ فقد برح الخفاء وَمَا عَلَيْهِ بَأْس من إهمال المَال وَلَكِن الأولى على هَذَا القَوْل أَيْضا أَن ينص عِنْد الْوَقْف على المَال الَّذِي يُعينهُ مصحح هَذَا الْوَقْف وَلَهُم فِيهِ خلاف وأهم جِهَات الْخَيْر من أحسن مَا قيل فِي ذَلِك وَالله أعلم
342 - مَسْأَلَة مَرِيض أنْفق جَمِيع مَاله على الْفُقَرَاء وَالْجِيرَان والأصدقاء وَلم يبْق للْوَرَثَة شَيْئا أَو لبيت المَال وَلم يكن لَهُ وَارِث معِين فَهَل يَأْثَم بِهَذَا فِيمَا بَينه وَبَين الله تَعَالَى
أجَاب رَضِي الله عَنهُ لَا يجوز ذَلِك فِيمَا زَاد على الثُّلُث إِذا كَانَ فِي مرض مخوف وَكَانَ لَهُ وَرَثَة معينون فَإِن كَانَ وَارثه بَيت المَال فَيَنْبَغِي أَن لَا يصرف ذَلِك إِلَّا فِي مصارف بَيت المَال وَيجوز ذَلِك وَالْحَالة هَذِه فِي جَمِيع مَاله وَالله أعلم
343 - مَسْأَلَة رجل وَصِيّ على يتيمين عمرهما دون سبع سِنِين والصغيران محتاجان إِلَى من يقوم بخدمتهما لمصلحتهما فَأبى الْوَلِيّ أَن يَشْتَرِي لَهما جَارِيَة من مَالهمَا فَهَل يجْبر الْوَلِيّ على شِرَاء جَارِيَة من مَالهمَا لقِيَام الْمصلحَة الْمُتَعَلّقَة بذلك أم لَا
أجَاب رَضِي الله عَنهُ يلْزمه ذَلِك إِذا لم تنْدَفع حاجتهما بأسهل من ذَلِك

(2/414)


- مَسْأَلَة رجل مَاتَ وَقد وَجب عَلَيْهِ حجَّة الْإِسْلَام وَخلف تَرِكَة فتبرع الْوَرَثَة واستأجروا أَجِيرا ليحج حجَّة الْإِسْلَام عَن مُورثهم الْمَيِّت وَلم يوص الْمَيِّت بِإِخْرَاج ذَلِك وَلَا بتحصيل الْحَج عَنهُ أصلا ثمَّ بعد صِحَة عقد الأجارة أَرَادَ الْوَرَثَة أَن يقبلُوا الْأَخير الْمُسْتَأْجر على تَحْصِيل ماعين وَاتَّفَقُوا على الْإِقَالَة هَل تصح الْإِقَالَة فِي هَذَا العقد أم لَا
أجَاب رَضِي الله عَنهُ لَا تصح هَذِه الْإِقَالَة فان الْمَعْقُود عَلَيْهِ وَاقع للْمَيت فَلَا يملكُونَ إبِْطَال مَا ثَبت لَهُ من الْحق لَهُ فِيهِ بإقالتهم الْمَذْكُورَة وَالله أعلم
345 - مَسْأَلَة امْرَأَة أحضرت عِنْدهَا شُهُودًا وأشهدتهم عَلَيْهَا أَن مَكَانا معينا من ملكهَا يُبَاع وَيصرف الثّمن فِي حجَّة وفكاك أَسِير فَهَل يخرج الثّمن مُنَاصَفَة بَين الْأَسير وَالْحجّة أَو يسْتَأْجر حجَّة ميقاتية وَيصرف الْبَاقِي فِي فكاك أَسِير فَإِن الثّمن مَا يقوم بِنصفِهِ بفكاك أَسِير وَإِذا أخرج حجَّة ميقاتية كفى الْجَمِيع
وَالْمَكَان الْمُوصى بِهِ مشَاع فَإِذا قسم كَانَ ثمن أَكثر مِمَّا يكون وَهُوَ على الإشاعة فَهَل يجوز للْحَاكِم قسمته لهَذِهِ الْغِبْطَة
أجَاب رَضِي الله عَنهُ بل يحمل مُطلق ذَلِك على المناصفة وَإِذا لم يَفِ النّصْف بفكاك أَسِير صرف فِي بعض الفكاك بمشاركة آخر وللناظر فِي الْوَصِيَّة من حَاكم أَو وَصِيّ الْمُقَاسَمَة الْمَذْكُورَة بشروطها
346 - مَسْأَلَة إِذا أوصى بِمِقْدَار يحجّ بِهِ عَنهُ وَهُوَ أَكثر من أُجْرَة

(2/415)


@ الْمثل ظهر لي أَن الْأَصَح نُفُوذه وَإِن لم يعين الَّذِي يحجّ إِذا كَانَ يخرج من الثُّلُث لِأَنَّهُ إِذا نفذ المُشْتَرِي بِأَكْثَرَ من ثمن الْمثل فِي مرض الْمَوْت وَجعلت الْمُحَابَاة وَصِيَّة فَكَذَا هَا هُنَا يَجْعَل ذَلِك مِنْهُ وَصِيَّة بالمحاباة وَالله أعلم وَهِي كالصدقة وَالْهِبَة فِي هَذَا الْبَاب فَسَوَاء عين محلهَا أَو لم يعين كالصدقة وَالله أعلم
وَوجدت بعد فتواي أَي ذَلِك عَن الْقفال حِكَايَة وَجْهَيْن فِيمَا إِذا لم يعين أَحدهمَا مَا ذكرته وَالْآخر يحجّ بِأُجْرَة الْمثل وَالزِّيَادَة للْوَارِث
347 - مَسْأَلَة رجل أوصى أَن يتَصَدَّق عَنهُ بعد مَوته كل شهر من ثلث أجور أملاكه بِدِينَار فَهَل تصح هَذِه الْوَصِيَّة أم لَا وَهل يَصح بيع الْوَرَثَة للأملاك وَهل يبْقى الْملك على ذَلِك الْمَيِّت حَتَّى تكون الصَّدَقَة مِنْهُ وَهل إِذا صرف الْوَصِيّ الدِّينَار وَهُوَ يزِيد على ثلث الأجور يكون ضَامِنا أم لَا
أجَاب رَضِي الله عَنهُ تصح الْوَصِيَّة بذلك إِذا خرج من ثلث مَا للْمُوصي وَإِن لم يحْتَمل الثُّلُث جَمِيعه وَلم تجزه الْوَرَثَة فَفِي مِقْدَار مَا يحملهُ وَطَرِيق اعْتِبَاره من الثُّلُث أَن تقوم الْأَمْلَاك الْمَذْكُورَة مسلوبا من أجورها هَذَا الدِّينَار الْمَذْكُور وَتقوم سَالِمَة عَن ذَلِك وَينظر فِي التَّفَاوُت الْحَاصِل بَين الْقِيمَتَيْنِ هَل يخرج من الثُّلُث أم لَا على مَا تقدم ذكره وَبيع الْوَرَثَة للأملاك صَحِيح وَتبقى الْوَصِيَّة حَالهَا وَيبقى الْملك على الْمَيِّت فِيمَا أوصى بِهِ حكما كَمَا فِي الْوَصَايَا والصارف للزايد على ثلث الأجور ضَامِن لَهُ وَالله أعلم
شرح فِي فروع ابْن الْحداد وَشَرحه للسنجي وَالْقَاضِي

(2/416)


@ حُسَيْن أَنه إِذا أوصى بِدِينَار كل شهر من غلَّة دَاره فَهَل للْوَرَثَة بيع شَيْء مِنْهَا لِأَنَّهَا قد لَا تغل غير دِينَار وَهَذِه الْمَسْأَلَة بِخِلَافِهَا لانحصار الدِّينَار فِي الثُّلُث فقصاراه ان يكون كَمَا لَو أوصى بِثلث أجورها وَفِي ذَلِك لَا إِشْكَال فِي صِحَة بيع الثُّلثَيْنِ مشَاعا وَأما بيع الثُّلُث الآخر فَمُقْتَضى الْمُمكن عَن الْفُرُوع أَنه لَا يجوز بَيْعه وَقد قيل أَن ذَلِك مُصَور فِيمَا إِذا أَرَادوا بَيْعه على أَن تكون الْغلَّة للْمُشْتَرِي فَأَما بيع مُجَرّد الرَّقَبَة فعلى الْخلاف فِي بيع الْمُوصى بمنفعته
قَالَ رَضِي الله عَنهُ وَيكون الْأَصَح هَا هُنَا صِحَة البيع لِأَن هَذَا غير مسلوب الْمَنْفَعَة جزما لِأَنَّهُ قد يستوعب هَذَا الْقدر الْمُوصى بِهِ جَمِيع الْغلَّة وَقد لَا يستوعب وَالله أعلم
348 - مَسْأَلَة رجل أوصى أَن يصرف من مغل أملاكه فِي كل سنة إِلَى أَقوام عينهم ثَلَاث غَرَائِر حِنْطَة وَخلف من الْوَرَثَة بنتين وأخا وَجعل لَهُ وصبيا أوصى إِلَيْهِ فِي قَضَاء دُيُونه وتنفيذ وَصَايَاهُ فَبَاعَ الْأَخ جَمِيع مَا وَرثهُ من الْمُوصي وَاشْترى الْوَصِيّ بعض الْملك من الْأَخ وَكَانَ الْأَخ قد وقف حِصَّة يسيرَة من الْملك يَفِي مغلها بِقدر يسير من الْحِنْطَة الْمُوصى بهَا فَهَل يكون الْوَقْف عوضا عَنْهَا أم لَا
أجَاب رَضِي الله عَنهُ لَا يكون ذَلِك عوضا عَنْهَا وَإِذا كَانَت الْوَصِيَّة خَارِجَة من ثلث مَاله أَو زَائِدَة عَلَيْهِ وَردت الْوَرَثَة مَا زَاد فَإِنَّهُ يقسم التَّرِكَة وَيسلم ثلثاها إِلَى الْوَرَثَة وَالثلث يرصد للْوَصِيَّة ثمَّ يصرف من مغله قدر الْوَصِيَّة كل سنة إِلَى الْمُوصى لَهُم والفاضل يكون للْوَرَثَة
ثمَّ يَصح تصرف الْوَرَثَة فِي الثُّلثَيْنِ وَلَا يَصح بيعهم الثُّلُث المرصد

(2/417)


@ للْوَصِيَّة وَلَا لشَيْء مِنْهُ مَعَ دُخُول مغل الْمَبِيع فِي البيع فَإِنَّهُ قد لَا يَفِي المتبقى من الثُّلُث بِمِقْدَار الْوَصِيَّة فِي كل سنة وَلَا يبْقى بهَا إِلَّا مغل جَمِيع الثُّلُث وَلَا يَصح تصرف أحد من الْوَرَثَة بِالْبيعِ وَنَحْوه فِي شَيْء من التَّرِكَة قبل إِقْرَار الثُّلُث لجِهَة الْوَصِيَّة بِالْقِسْمَةِ وَالْعلم عِنْد الله تَعَالَى
349 - مَسْأَلَة رجل أوصى إِلَى شخص على وَلَده فلَان وَلم يَجْعَل عَلَيْهِ فِي ذَلِك نَاظرا وَلَا مشرفا ثمَّ بعد ذَلِك أوصى إِلَى شخص آخر على وَلَده هَذَا وعَلى ولد آخر لَهُ وَذكر فِي الْوَصِيَّة وَلم يَجْعَل عَلَيْهِ فِي ذَلِك نَاظرا وَلَا مشرفا أَيْضا وَلم يذكر عزل الْوَصِيّ الأول وَترك عِنْد رجل مَالا وَقَالَ لَهُ إِذا أَنا مت فادفع المَال إِلَى فلَان يَعْنِي عَن الْوَصِيّ الأول فَهُوَ لوَلَدي فلَان الَّذِي أوصى إِلَيْهِ أَولا فَهَل يَنْعَزِل الأول أم يبْقى على حَاله وللوصي الثَّانِي مشاركته فِي الْوَصِيَّة أم كَيفَ الحكم فِي ذَلِك
أجَاب رَضِي الله عَنهُ لَا يَنْعَزِل الأول بِمُجَرَّد مَا ذكر وَيكون الثَّانِي مشاركا للْأولِ فِي الْإِيصَاء على الْوَلَد الْمَذْكُور يَجْتَمِعَانِ فِي التَّصَرُّف وَلَا ينْفَرد أَحدهمَا إِلَّا فِي قبض الدَّرَاهِم الْمَذْكُورَة فَإِنَّهُ يخْتَص بقبضها الثَّانِي إِذا كَانَ قد قَالَ ذَلِك بعد إيصائه الى الثَّانِي ثمَّ يَشْتَرِكَانِ فِي سَائِر التَّصَرُّفَات فِيهَا هَذَا هُوَ الظَّاهِر فِي ذَلِك فان لفظتي النَّاظر والمشرف ليستا من حَيْثُ الْعرف ظاهرتين فِي أحد الشَّرِيكَيْنِ فِي الْوَصِيَّة التَّشْرِيك هُوَ مُقْتَضى إِطْلَاق الْوَصِيَّة إِلَى شَخْصَيْنِ على التَّعَاقُب فَلَا يتْرك ذَلِك بِمثل اللَّفْظ الْمَذْكُور
ثمَّ قَالَ رَضِي الله عَنهُ لنا بعد ذَلِك وعَلى هَذَا الْمُخْتَار فِي أَنه لَو أوصى إِلَى زيد ثمَّ أوصى الى عَمْرو وَلم يذكر عزل الأول فهما يَشْتَرِكَانِ فِي الْإِيصَاء وَلَا ينْفَرد أَحدهمَا عَن الآخر بِالتَّصَرُّفِ وَبِهَذَا قطع صَاحب

(2/418)


@ التَّتِمَّة وَأما صَاحب التَّهْذِيب فَإِنَّهُ قطع بِأَن لكل وَاحِد مِنْهُمَا الِانْفِرَاد بِالتَّصَرُّفِ وَالْأول أحوط وَأولى وَالله أعلم
350 - مَسْأَلَة رجل ظلمَة النَّاس فِي مَاله فواحد يحْبسهُ وَوَاحِد سَرقه وَوَاحِد يُنكره وَوَاحِد يُنكره وَوَاحِد عجز عَن رده وَوَاحِد أَخذه بِغَيْر حق فَإِذا مَاتَ هَذَا الْمَظْلُوم فِي مَاله هَل لَهُ أَن يطْلب حَقه فِي الْآخِرَة أم يبْقى الْحق لوَارِثه
أجَاب رَضِي الله عَنهُ الْأَظْهر أَن للمظلوم الْمُطَالبَة فِي الْآخِرَة فَأَما الْوَارِث فَهُوَ خَلِيفَته فِي حُقُوقه كَمَا قيل إِن الوراثة خلَافَة فَإِذا لم يسْتَوْف الْوَارِث الْحق بَقِي للموروث وَهَذَا كَالْقصاصِ فَإِن الْوَارِث يَرِثهُ وَمَعَ ذَلِك ورد فِي الحَدِيث إِن الْقَتِيل يُطَالب قَاتله فِي الْآخِرَة
351 - مَسْأَلَة فِي وَصِيّ اعْترف أَنه جبا شَيْئا عينه من مَال من هُوَ وَصِيّ عَلَيْهِم ثمَّ أَنه قسم عَلَيْهِم بعد رشدهم ثمَّ وَقع النزاع بَينه وَبينهمْ فِي ذَلِك الْقدر المجبو فَقَالَ ضممته إِلَى المَال وقسمته بَيْنكُم أَو قَالُوا لما قسمت بَيْننَا لم تقسم ذَلِك الْقدر علينا فَهَل يصدق عَلَيْهِم من غير بَيِّنَة
أجَاب رَضِي الله عَنهُ بعد نزاع جرى فِيهِ أَنه لَا يصدق فِي ذَلِك بِغَيْر بَيِّنَة فَإِن قَوْله قسمته بَيْنكُم أدعا مِنْهُ لدفعه إِلَيْهِم وَلَا يقبل قَوْله فِي ذَلِك

(2/419)


@ إِلَّا بِبَيِّنَة وَهَذَا مُسْتَمر على ظَاهر مَذْهَب الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ ومنصوصه فِي أَن الْوَصِيّ لَا يقبل قَوْله فِي دفع المَال إِلَى الْوَارِث إِلَّا بِبَيِّنَة ومندرج تَحت الْقَاعِدَة المحفوظة المقررة فِي أَن من آدعى الرَّد على غير من ائتمنه لَا يصدق من غير بَيِّنَة ثمَّ أَنه يَكْفِي الْوَصِيّ فِيمَا يقيمه من الْبَيِّنَة أَن يُقيم بَيِّنَة على قسمته مَا لَا هُوَ بِقدر المَال المجبو وعَلى صفته وَلَا يقبل عَلَيْهِ قَول الْوَرَثَة إِن ذَلِك مَال لنا آخر مَا لم يقيموا حجَّة توجب مَا ادعوهُ فَإِن قَالَ الْمُعْتَرض دَعوَاهُم على خلاف ظَاهر الْحَال فَإِن الْقِسْمَة الَّتِي جرت كَانَت لإيصالهم الى كَمَال حَقهم فَعدم نزاعهم حَالَة الْقِسْمَة ورضاهم بهَا دَلِيل على اندراج الْقدر المجبو فِي جملَة الْمَقْسُوم بَينهم فَلَا يقبل دَعوَاهُم على خلاف ذَلِك
وَأَصله مَا إِذا كَانَ لإِنْسَان على إِنْسَان عشرَة أَقْفِزَة من صَبر فَحَضَرَ ليقْبض مِنْهُ حَقه ثمَّ ادّعى بعد الْقَبْض والتفرق أَنه لم يقبض كَمَال حَقه فانه لَا يقبل قَوْله
قلت هَذَا إِنَّمَا يتَّجه لَو كَانَت الْقِسْمَة الْمَذْكُورَة الْقِسْمَة المنشأة لتوزيع جَمِيع مَا لَهُم عَلَيْهِم وَلَيْسَ فِي السُّؤَال مَا يظْهر مِنْهُ ذَلِك عِنْد من يُمَيّز مواقع لِلْأَمْرِ كَذَلِك لَكَانَ أَيْضا القَوْل قَول الْوَرَثَة مَعَ إِيمَانهم وَأما الْمَسْأَلَة الْمُسْتَدلّ بهَا مَمْنُوعَة فَالْقَوْل فِيهَا أَيْضا قَول الْقَابِض على قَول لِأَن الأَصْل عدم الْقَبْض وَهَذَا القَوْل هُوَ الصَّحِيح عِنْد بعض أَئِمَّتنَا وَإِن قُلْنَا بالْقَوْل الآخر هُنَاكَ فَلَا يَجِيء ذَلِك القَوْل فِيمَا نَحن فِيهِ فَإِن دَعْوَى الْقَابِض هُنَاكَ وَقعت على خلاف الظَّاهِر من حَيْثُ أَنه يعرف مِقْدَار حَقه وَحضر ليقْبض كَمَال حَقه فَالظَّاهِر أَنه لَا يُغَادر شَيْئا مِنْهُ وَهَذَا غير مَوْجُود فِي الْوَرَثَة الْمَذْكُورين الَّذين لَا يَدْرُونَ كم بَقِي من مَالهم بَعْدَمَا سبق من الْمُتَوَلِي عَلَيْهِم من الإنفاقات والتصرفات وَإِن أمكن ذَلِك فَلَيْسَ بِالظَّاهِرِ من حَالهم
فان قَالَ أَلَيْسَ إِذا ادّعى أحد الشَّرِيكَيْنِ بعد الْقِسْمَة بَقَاء شَيْء من حَقه

(2/420)


@ بِسَبَب الْغَلَط فَإِنَّهُ لَا يقبل مِنْهُ لَا يُجَاب قَائِل هَذَا بِأَكْثَرَ من أَن نشرح لَهُ تِلْكَ الْمَسْأَلَة بتفاصيلها وعللها حَتَّى يعرف أَن ذَلِك فِي وَادي وَهَذَا فِي وَادي وَالله أعلم
352 - مَسْأَلَة فِي وَصِيّ اعْترف أَنه خبأ شَيْئا عينه من مَال هُوَ وَصِيّ عَلَيْهِ ثمَّ إِنَّه قسم عَلَيْهِم بعد رشدهم ثمَّ وَقع النزاع بَينه وَبينهمْ فِي ذَلِك الْقدر المخبوء فَقَالَ ضممته إِلَى المَال وقسمته بَيْنكُم وَقَالُوا لما قسمت بَيْننَا المَال لم يقسم ذَلِك الْقدر علينا فَهَل يصدق عَلَيْهِم من غير بَينه
أجَاب رَضِي الله عَنهُ بعد نزاع جرى فِيهِ أَنه لَا يصدق فِي ذَلِك بِغَيْر بَيِّنَة فَإِن قَوْله قسمته بَيْنكُم ادِّعَاء مِنْهُ لدفعه إِلَيْهِم وَلَا يقبل قَوْله فِي ذَلِك إِلَّا بِبَيِّنَة وَهَذَا مُسْتَمر على ظَاهر مَذْهَب الشَّافِعِي رَحمَه الله ومنصوصه فِي أَن الْوَصِيّ لَا يقبل قَوْله فِي دفع المَال إِلَى الْوَارِث إِلَّا بِبَيِّنَة ويندرج تَحت الْقَاعِدَة المحفوظة المقررة فِي أَن من ادّعى الرَّد على غير من ائتمنه فَلَا يصدق من غير بَيِّنَة ثمَّ أَنه يَكْفِي الْوَصِيّ فِيمَا يقيمه من الْبَيِّنَة أَن يُقيم بَيِّنَة على قسمته مَالا هُوَ بِقدر ذَلِك المَال المخبوء وعَلى صفته وَلَا يقبل عَلَيْهِ وَقَول الْوَرَثَة أَن ذَلِك مَا لنا آخر مَا لم يقيموا حجَّة توجب مَا ادعوهُ فَإِن قَالَ الْمُعْتَرض دعواتهم على خلاف ظَاهر الْحَال فَإِن الْقِسْمَة الَّتِي جرت كَانَت لإيصالهم إِلَى كَمَال حَقهم فَعدم نزاعهم حَالَة الْقِسْمَة ورضاهم

(2/421)


@ بهَا دَلِيل على اندراجه الْقدر المخبوء فِي جملَة الْمَقْسُوم بَينهم فَلَا تقبل دَعوَاهُم على خلاف ذَلِك وَأَصله مَا إِذا كَانَ لإِنْسَان على إِنْسَان عشرَة أنقذه من صرة فحضره ليقْبض مِنْهُ حَقه ثمَّ أدعى بعد الْقَبْض والتفرق أَنه لم يبقض كَمَال حَقه فَإِنَّهُ لَا يقبل قَوْله
قلت هَذَا إِنَّمَا يتَّجه لَو كَانَت الْقِسْمَة الْمَذْكُورَة الْقِسْمَة المنشأة لتوزيع جَمِيع مَالهم عَلَيْهِم وَلَيْسَ فِي السُّؤَال مَا يظْهر مِنْهُ ذَلِك عِنْد من يُمَيّز مواقع الْأَلْفَاظ وَلَو قَدرنَا أَن الْأَمر كَذَلِك لَكَانَ أَيْضا القَوْل قَول الْوَرَثَة مَعَ إِيمَانهم
وَأما الْمَسْأَلَة الْمُسْتَدلّ بهَا وَالْقَوْل فِيهَا أَيْضا قَول الْقَابِض على أَن الأَصْل عدم الْقَبْض وَهَذَا القَوْل هُوَ الصَّحِيح عِنْد بعض أَئِمَّتنَا وَإِن قُلْنَا أَن القَوْل الآخر هُنَاكَ فَلَا يَجِيء ذَلِك القَوْل فِيمَا نَحن فِيهِ فَإِن دَعْوَى الْقَابِض هُنَاكَ وَقعت على خلاف الظَّاهِر من حَيْثُ أَنه يعرف مِقْدَار حَقه وَحضر ليقْبض كَمَال حَقه فَالظَّاهِر أَنه لَا يُغَادر شَيْئا مِنْهُ وَهَذَا غير مَوْجُود فِي الْوَرَثَة الْمَذْكُورين الَّذين لَا يَدْرُونَ كم بَقِي مِمَّا لَهُم يعد مَا سبق من الْمُتَوَلِي عَلَيْهِم من الانفاقات والتصرفات وَإِن أمكن ذَلِك فَلَيْسَ بِالظَّاهِرِ من حَالهم فَإِن قَالَ أَلَيْسَ إِذا ادّعى أحد الشَّرِيكَيْنِ بعد الْقِسْمَة بَقِي شَيْء من حَقه سَبَب الْغَلَط فَإِنَّهُ لَا يقبل مِنْهُ فالإيجاب قَائِل هَذَا بِأَكْثَرَ من أَن يشْرَح لَهُ تِلْكَ الْمَسْأَلَة بتفاصيلها وعللها حَتَّى يعرف أَن ذَلِك فِي وَاد وَهَذَا فِي وَاد وَالله أعلم
353 - مَسْأَلَة امْرَأَة سلمت إِلَى امْرَأَة ألف دِينَار وَقَالَت لَهَا إِن مت من مرضِي هَذَا فأوصليها إِلَى زَوجي وَإِن لم أمت مِنْهُ فرديها إِلَيّ
أجَاب رَضِي الله عَنهُ قَوْلهَا فأوصليها إِلَى زَوجي على تجرده وَلَيْسَ بِشَيْء يثبت بِهِ حكم وَلَا يَجْعَل إِقْرَارا وَلَا وَصِيَّة لَهُ وَلَا إِلَيْهِ فَإِنَّهُ كِنَايَة

(2/422)


@ مترددة فَإِن كَانَ هُنَاكَ قرينَة تَقْتَضِي أَنَّهَا أَرَادَت الْوَصِيَّة لَهُ بهَا فَلَا تنفذ من غير أجازة بَاقِي الْوَرَثَة أَظن أَن فِي كتاب الْفَرَائِض من النِّهَايَة وَالْعدة نظيرا لهَذَا وَالله أعلم = وَمن كتاب النِّكَاح
مَا ذكره فِي الْخُلَاصَة من أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ من خَصَائِصه جَوَاز نِكَاح الْمُعْتَدَّة فِي عدتهَا وَهَذَا مثل غلط وَقع فِيهِ صَاحب الْمُخْتَصر وَهُوَ مُخْتَصر الْجُوَيْنِيّ ومنشأه من تَصْحِيف لكَلَام أَتَى بِهِ الْمُزنِيّ رَحمَه الله
354 - مَسْأَلَة إِذا كَانَ الْوَلِيّ فَاسِقًا فَهَل ينْعَقد بِهِ النِّكَاح أم لَا
أجَاب رَضِي الله عَنهُ يلْتَحق عِنْد بعض أَصْحَابنَا بالمستور من غير توقف على إصْلَاح الْعَمَل فِي الْمدَّة الْمَعْلُومَة وَلَا بَأْس بِالْعَمَلِ بِهَذَا والمستور يَلِي التَّزْوِيج وَلَا يخرج على الْخلاف فِي الْفَاسِق
355 - مَسْأَلَة ولي الْمَرْأَة إِذا كَانَ ظَاهر الْعَدَالَة هَل يجب على القَاضِي الْبَحْث عَن عَدَالَته ورشده فِي تَزْوِيجه موليته أم يجْرِي الْحَاكِم على ظَاهر عَدَالَته وَمَا الْوَجْه الصَّحِيح من الْخلاف فِي ظَاهر الْعَدَالَة
أجَاب رَضِي الله عَنهُ لَيْسَ عَلَيْهِ ذَلِك وَالصَّحِيح إِن المستور الظَّاهِر الْعَدَالَة يَلِي وَيصِح تَزْوِيجه بِشَرْط وَالله أعلم
356 - مَسْأَلَة فِي الْوَلِيّ إِذا كَانَ أَبَا أَو جدا أَو غَيرهمَا وَهُوَ تَارِك للصَّلَاة غير عَالم بواجباتها هَل يجوز أَن يُبَاشر عقد نِكَاح موليته أم لَا وَهل تنْتَقل الْولَايَة مِنْهُ الى الْحَاكِم وَالْحَالة هَذِه

(2/423)


@
أجَاب رَضِي الله عَنهُ الصَّحِيح فِي طَريقَة الْعرَاق أَنه إِن وكل فَاسِقًا لَا يَلِي وَفِي طَريقَة خُرَاسَان أَنه يَلِي واستفتى الْغَزالِيّ فِي ذَلِك فَاخْتَارَ أَنه يَلِي إِن كَانَ بِحَيْثُ لَو سلبناه الْولَايَة لانتقلت إِلَى الْحَاكِم الَّذِي يرتكب مَا يفسقه وَلَا يَلِي إِن كَانَت الْولَايَة تنْتَقل إِلَى الْحَاكِم الآهل المصون عَن المفسقات وَهَذَا رَأْي حسن وَالله أعلم
357 - مَسْأَلَة الْخلاف الْمَذْكُور فِي ظَاهر الْعَدَالَة هَل يجوز للْحَاكِم أَن يعْقد النِّكَاح بِشَهَادَتِهِمَا
أجَاب رَضِي الله عَنهُ لَا يجوز لَهُ ذَلِك وَإِنَّمَا الْخلاف الْمَذْكُور فِي غير الْحَاكِم وَالله أعلم
358 - مَسْأَلَة رجل تزوج بِامْرَأَة بكر عَاقِلَة وَلها مَعَه دون السّنة وَلم يَطَأهَا وَأَن أَهلهَا طلبُوا أَن يطلقوها مِنْهُ لذَلِك وَالرجل لم يشته أَن يطلقهَا فَهَل يَصح لأَهْلهَا أَن يطلقوها مِنْهُ بِغَيْر اخْتِيَاره بِنَاء على كَونه عنينا أم لَا
أجَاب رَضِي الله عَنهُ لَيْسَ ذَلِك لأَهْلهَا اسْتِقْلَالا وَإِنَّمَا ذَلِك إِلَيْهَا إِذا ثَبت كَونه عنينا بِإِقْرَارِهِ أَو يَمِينهَا بعد نُكُوله والتعنين أَن يكون فِي عضوه مرض دَائِم قد اسقط قُوَّة انتشاره ثمَّ لَا يثبت لَهَا الْفَسْخ بعد ثُبُوت التعنين حَتَّى يضْرب الْحَاكِم لَهُ أجل سنة فَإِذا مَضَت وَلم يَطَأهَا فَلَمَّا الْفَسْخ بِحكم الْحَاكِم وَالله أعلم
359 - مَسْأَلَة رجل قَالَ لرجل زَوجتك بِنْتي عَائِشَة على مائَة دِينَار مصرية صَدَاقهَا عَلَيْك فَقَالَ قبلت هَذَا النِّكَاح على هَذَا الصَدَاق وَظَهَرت هَذِه الْمُسَمَّاة بنت ابْن المزوج وَهُوَ جدها لأَبِيهَا هَل يَصح النِّكَاح أم لَا وَهل من فرق بَين حُضُور الْمَرْأَة ولإشارة إِلَيْهَا أَو من فرق بَين أَن لَا

(2/424)


@ يكون للمزوج بنت لصلبه اسْمهَا عَائِشَة أَو يكون
أجَاب رَضِي الله عَنهُ أَن عَيناهَا بِالْإِشَارَةِ وَنَحْوهَا صَحَّ العقد فِيهَا وَكَذَلِكَ إِذا عَيناهَا بِالنِّيَّةِ على الْمَذْهَب الْأَشْهر وَإِن لم يُوجد ذَلِك فَقَوله بِنْتي جَائِز إِطْلَاقه على بنت الابْن وَإِذا لم يكن لَهُ لصلبه وَغير صلبه بنت اسْمهَا عَائِشَة غير هَذِه صَحَّ النِّكَاح فِيهَا وَإِلَّا فَلَا وَالله أعلم
360 - مَسْأَلَة رجلَانِ حضرا عقد نِكَاح بَين ولي وَزوج وَلم يشهدَا بعد انْعِقَاد العقد على إِقْرَارهَا بِشَيْء أصلا وَهل لَهما أَو لاحدهما أَن يشْهد على إِقْرَار الْوَلِيّ بِالتَّزْوِيجِ وعَلى إِقْرَار الزَّوْج بِالْقبُولِ وَإِن شَهدا بذلك هَل تسمع شَهَادَتهمَا على الْإِقْرَار مَعَ أَنَّهُمَا حصرا مجْلِس العقد فَقَط
أجَاب رَضِي الله عَنهُ لَيْسَ لوَاحِد مِنْهُمَا أَن يشْهد بِمُجَرَّد ذَلِك بإقرارهما بذلك وَإِن شَهدا بِالْإِقْرَارِ مضيفين ذَلِك إِلَى مَا سمعناه من إنْشَاء العقد على مُجَرّدَة ردَّتْ شَهَادَتهمَا تِلْكَ وَكَانَ لَهما أَن يعيدا الشَّهَادَة بِنَفس العقد وَيسمع ذَلِك إِذا لم يتَعَمَّد الْكَذِب فِي شَهَادَتهمَا الأولى
361 - مَسْأَلَة رجل تزوج بِامْرَأَة على مبلغ من الْفُلُوس بتبرير فِي الذِّمَّة فانعدم النّحاس فَهَل لَهما الرُّجُوع فِي قيمَة الْفُلُوس بِقِيمَة الْبَلَد الَّذِي عقد النِّكَاح فِيهِ أم بِقِيمَة الْبَلَد الَّذِي يسْتَحق الْمُطَالبَة عَلَيْهِ شرعا أم لَا
أجَاب رَضِي الله عَنهُ لَا يرجع إِلَى قيمتهَا أصلا كَمَا لَا يرجع إِلَى قيمَة الْمُسلم فِيهِ عِنْد تعذره وَإِنَّمَا يثبت لَهَا الرُّجُوع إِلَى مهل الْمثل بِالْفَسْخِ أَو الِانْفِسَاخ وَالله أعلم
362 - مَسْأَلَة رجل زوج ابْنه وَكَانَ مراهقا من امْرَأَة فَقَالَ وَليهَا لأبي

(2/425)


@ الزَّوْج هَذَا ابْنك فَقير وَهَذَا الصَدَاق ألف دِرْهَم من أَيْن يُؤْخَذ هَذَا الْمبلغ فَقَالَ أَبُو الزَّوْج عِنْدِي عِنْدِي عِنْدِي مَا زَاد على هَذَا اللَّفْظ شَيْئا ثمَّ توفّي الزَّوْج وَله مَال يقوم بِبَعْض الصَدَاق فَهَل يلْزم أَب الزَّوْج الصَدَاق وَالْحَالة هَذِه وَهل هَذَا اللَّفْظ مُؤذن بِالْكَفَالَةِ أم لَا وَإِن كَانَ الزَّوْج دون الْبلُوغ أَو بَالغا فَمَا الحكم فِي ذَلِك وَأَيْنَ يجب الصَدَاق وعَلى من يجب
وَإِنَّمَا رجل عَلَيْهِ حجَّة ثَابِتَة بمبلغ مَعْلُوم من الدَّرَاهِم بَعْضهَا فِي الذِّمَّة وَبَعضهَا قِرَاض ثمَّ توفّي وَوجد فِي تركته مَال وَلم يثبت أَنه عين مَال الْمُضَاربَة فَهَل يقدم لبَقَاء مَال الْمُضَاربَة الَّذِي فِي الذِّمَّة أَو يقسم بَينهمَا على قدر الْمَالِيَّة
أجَاب رَضِي الله عَنهُ لَا يلْزم الْأَب ذَلِك لمُجَرّد ذَلِك فَإِنَّهُ يحْتَمل للوعد وَالْكَفَالَة وَالصَّدَاق وَاجِب فِي ذمَّة الزَّوْج وَلَا يَجْعَل الْأَب ضَامِنا لَهُ بتزويجه وَالله أعلم
والمتوفى الْمَذْكُور إِذا ثَبت أَنه كَانَ فِي يَده رَأس مَال لنَفسِهِ يجوز أَن يكون التَّرِكَة مِنْهُ وَمَال الْمُضَاربَة يجوز أَن تكون التَّرِكَة مِنْهُ لكَونه من حسن مَا أذن لَهُ فِي التِّجَارَة فِيهِ وَلم يقم بَيِّنَة مَانِعَة من أحد الجائزين الْمَذْكُورين فَالظَّاهِر أَن التَّرِكَة تقسم بَينهمَا على قدر رَأس المَال وَإِن لم يثبت اشْتِمَال يَده على مَالهَا وَالله أعلم
363 - مَسْأَلَة رجل تزوج بِامْرَأَة بكر وَلم يدْخل بهَا فامتنعت من تَسْلِيم نَفسهَا لبَقيَّة من الصَدَاق بقيت لَهَا وَحكم عَلَيْهَا الْحَاكِم بِالنَّفَقَةِ فَهَل لَهُ أَن يسكنهَا فِي غير بَيت أَبِيهَا حَيْثُ يرى

(2/426)


@ أجَاب رَضِي الله عَنهُ لَهُ أَن يسكنهَا فِي أَيْن أَرَادَ فِي مسكن يَلِيق بِمِثْلِهَا وَجَوَاز امتناعها من تَسْلِيم نَفسهَا وَالْحَالة هَذِه لَا يسْقط عَنْهَا مَا للزَّوْج من حق جنس الْمسكن وَفِي إِيجَاب نَفَقَتهَا عَلَيْهِ مَا يُوضح ذَلِك فَإِنَّهُ يسْتَلْزم تَفْوِيض الْخِبْرَة فِي السُّكْنَى إِلَيْهِ فِي النَّفَقَة وَالسُّكْنَى مُتبعا فِيهَا اخْتِيَار الزَّوْج فِيمَا يَشَاء من المساكن اللائقة هَذَا هُوَ الَّذِي يظْهر فِي ذَلِك وَالله أعلم
364 - مَسْأَلَة امْرَأَة وهبت زَوجهَا من صَدَاقهَا بِشَرْط أَن يكرمها وَلَا يتَزَوَّج عَلَيْهَا فَهَل تصح هَذِه الْهِبَة وَالْإِبْرَاء
أجَاب رَضِي الله عَنهُ لَا تصح فَإِنَّهُ إِن قُلْنَا الْإِبْرَاء تمْلِيك أَو هُوَ بِلَفْظ الْهِبَة تمْلِيك فَهَذَا تمْلِيك بعوض مَجْهُول لِأَن ثمنه الشَّرْط الْمَذْكُور وَلَا يَصح اشْتِرَاطه فَيسْقط وَمَا يُقَابله مَجْهُول فَيثبت بجهالته الْجَهَالَة فِي جملَة الْعِوَض فَيبْطل وَإِن قُلْنَا الْإِبْرَاء إِسْقَاط فَهَذَا إِسْقَاط بعوض فَاسد وَبدل مَا أسقطته هَا هُنَا هُوَ مثله لِأَنَّهُ من الْمِثْلِيَّات وَلَا فَائِدَة مَقْصُودَة فِي إِسْقَاط الدّين إِلَى مثله فيلغوا إلإسقاط من أَصله وَقد ألم صَاحب التَّتِمَّة بِمثل هَذَا فِي مَسْأَلَة أُخْرَى
365 - مَسْأَلَة امْرَأَة قبضت مقدم صَدَاقهَا وأعسر الزَّوْج بِالْبَاقِي وأرادت الْفَسْخ بذلك قبل الدُّخُول
أجَاب رَضِي الله عَنهُ لَيْسَ لَهَا ذَلِك وأشكل ذَلِك على القَاضِي فَبعث من يستنكر ذَلِك وَيطْلب مسطورا بِهِ فَقلت هَذَا من الجليات الَّتِي لَا تحوج إِلَى مسطور فَإِنَّهَا لَو فسخت وَالْحَالة هَذِه لَكَانَ الْفَسْخ واردا على الْبضْع أجمع وَجَمِيع المعوض مَعَ أَنَّهَا أقبضت عوض بعضه وَلَا سَبِيل إِلَى الْفَسْخ فِيمَا قبض عوضه بِهَذَا الطَّرِيق وَبِهَذَا يُخَالف مثله فِي

(2/427)


@ الْفَسْخ بالفلس فَإِن الْفَسْخ هُنَاكَ يخْتَص بِمَا يُقَابل من الْمَبِيع الْقدر الَّذِي تعذر من الثّمن وَلَا يفْسخ فِيمَا يُقَابل مِنْهُ الْمَقْبُوض وَالله أعلم
366 - مَسْأَلَة رجل رشيد تزوج امْرَأَة على دَنَانِير مَعْلُومَة فِي الذِّمَّة ثمَّ عوضهَا أَبَوَاهُ ملكا وأعيانا عقيب العقد عَن الْمهْر الْمَذْكُور من غير أَن يسْبق ذَلِك تمْلِيك مِنْهَا للزَّوْج فِي الْعِوَض الْمَذْكُور فَهَل يَصح هَذَا التعويض
أجَاب رَضِي الله عَنهُ وَقَالَ الَّذِي ظهر بعد النّظر أَنه يَصح هَذَا التعويض وَيقدر ضمنه فِي انْتِقَال الْملك مِنْهُمَا إِلَى الزَّوْج ثمَّ مِنْهُ إِلَى الزَّوْجَة هَذَا كَمَا إِذا قضى عَن الْغَيْر دينا عَلَيْهِ دَنَانِير ودراهم بِدَنَانِير مُعينَة سلمهَا إِلَى صَاحب الدّين فَإِنَّهُ يَصح ذَلِك وَإِن لم يسْبق تمْلِيك فِي عين تِلْكَ الدنانبر الَّتِي أَدَّاهَا وَيقدر انْتِقَال الْملك فِيهَا مِنْهُ إِلَى الْمَدْيُون ثمَّ مِنْهُ إِلَى صَاحب الدّين وَلَا أثر لافتراقهما فِي كَون ذَلِك متجانسا وَهَذَا غير متجانس فَإِن الْعين غير الدّين وَقد سوينا فِيمَا إِذا كَانَ قَضَاء صادرا من الْمَدْيُون نَفسه بَين الْعين المتجانسة وَالْعين غير المتجانسة هَكَذَا يَسْتَوِي بَينهمَا هَكَذَا كُله تفريقا على الْمُخْتَار فِي جَوَاز الِاسْتِبْدَال عَن الثّمن قبل الْقَبْض وَالله أعلم
أملاه عَليّ مَبْسُوطا بِغَيْر لَفظه فِي ورقة الاستفتاء وَالله أعلم
367 - مَسْأَلَة امْرَأَة بقرية لَيْسَ لَهَا ولي أَذِنت فِي أَن يُزَوّجهَا الْعَاقِد فِي الْبَلَد من زوج معِين على صدَاق معِين فَهَل يجوز لأي عَاقد كَانَ أَن يُزَوّجهَا بِنَاء على هَذَا الْإِذْن أم لَا
أجَاب رَضِي الله عَنهُ إِن اقترنت بِإِذْنِهَا قرينَة تَقْتَضِي التَّعْيِين فَلَا يجوز ذَلِك لكل عَاقد وَمن ذَلِك أَن يسْبق إِذْنهَا قريب ذكر عَاقد معِين أَو كَانَت تعتقد أَنه لَيْسَ فِي الْبَلَد غير عَاقد وَاحِد فَإِن أذنها حِينَئِذٍ يخص وَلَا يعم وَإِن لم يُوجد شَيْء من هَذَا الْقَبِيل فَذكرهَا الْعَاقِد مَحْمُول على مُسَمّى

(2/428)


@ الْعَاقِد على الْإِطْلَاق فَيجوز حِينَئِذٍ لكل عَاقد بِالْبَلَدِ تَزْوِيجهَا هَذَا مُقْتَضى الثِّقَة فِي هَذَا وَالله أعلم
زَاد المستفتي وَكَانَ من الْفُقَهَاء فِي السُّؤَال وَذكر أَنَّهَا أَذِنت لوَاحِد لَا يعنيه وَزعم أَنه إِبْهَام فَأُجِيب بِمَا لَا يتَوَهَّم إِن هَذَا فِيهِ جَهَالَة تمنع الصِّحَّة لِأَنَّهُ أذن فَإِذا تعلق بِمَالِه ضَابِط يضبطه صَحَّ وَإِن لم يكن معينا كَمَا فِي نَظَائِره فِي الْوكَالَة مِنْهَا بوكالة الْمُطلقَة وكما لَو قَالَت وَلها أَوْلِيَاء رضيت بِأَن أزوج فَإِن الْمَذْهَب أَنه يجوز للْكُلّ تَزْوِيجهَا وَقد منع مِنْهُ بعض الْأَصْحَاب غير مُعَلل بالجهالة بل بِأَن ذَلِك لَا يشْتَمل على الْإِذْن للْوَلِيّ وَالله أعلم
368 - مَسْأَلَة سَفِيه تَحت حجر الْحَاكِم أَو الْوَصِيّ يُرِيد أَن يتَزَوَّج فَمن هُوَ الْوَلِيّ الَّذِي يفْتَقر فِي النِّكَاح إِلَى اسْتِئْذَانه
وَرجل تزوج امْرَأَة وَدخل بهَا وَلها ابْن وللابن بنت ولبنت الابْن بنت ثمَّ طلق زَوجته فَهَل يجوز أَن يتَزَوَّج بِأحد من بَنَات ابْن زَوجته أم لَا
أجَاب رَضِي الله عَنهُ ولي السَّفِيه الَّذِي تَحت حجر الْحَاكِم أَو الْوَصِيّ الْوَصِيّ فِي نِكَاحه هُوَ الْحَاكِم وَالْأولَى أَن ستأذن الْوَصِيّ وَلَا يجب ذَلِك كَمَا فِي وَصِيّ السَّفِيه
وَلَا يجوز أَن يتَزَوَّج بِأحد من بَنَات ابْن زَوجته الْمَدْخُول بهَا وَإِن سفلن
369 - مَسْأَلَة ولي فَاسق شَارِب الْخمر لَا ولي للْمَرْأَة غَيره هَل يتَوَلَّى نِكَاحهَا
أجَاب رَضِي الله عَنهُ لَا يتَوَلَّى نِكَاحهَا إِلَّا أَن يَقع ذَلِك حَيْثُ لَا يتَعَدَّى فِيهِ لعقود الْأَنْكِحَة من جِهَة الْولَايَة الْعَامَّة الشَّرْعِيَّة إِلَّا فَاسق فَإِذا دَار

(2/429)


@ الْأَمر بَين أَن يتَوَلَّى نِكَاحهَا فَاسق ووليها الْخَاص بهَا وَبَين أَن يتَوَلَّى بهَا فَاسق آخر متباعد عَنْهَا فالولي الْخَاص أولى هَذَا أصح مَا يُقَال فِي هَذَا وللغزالي مَسْأَلَة فِي ولَايَة الْفَاسِق يحْتَج فِيهَا بِأَنَّهُ لَو سلبها وَليهَا الْمُنَاسب لصار أمرهَا إِلَى فَاسق أَيْضا فِي هَذِه الْأَزْمِنَة وَهَذَا التَّخْصِيص بِهَذِهِ الْحَالة يشبه قَول من قَالَ من أَصْحَابنَا ان ذَوي الْأَرْحَام فِي هَذَا الزَّمَان يورثون الْفساد من يتَوَلَّى بَيت المَال وَالله أعلم
370 - مَسْأَلَة امْرَأَة أبرأت زَوجهَا من الصَدَاق ثمَّ مَاتَ وَعَلِيهِ دين لم يثبت فِي الحكم وَهِي ضامنة لَهُ فَهَل لَهَا أَن تقيم الْبَيِّنَة على صَدَاقهَا وتحلف عَلَيْهِ وَتَأْخُذ من الدّين وتوفيه عَنهُ أم لَا
أجَاب رَضِي الله عَنهُ إِن كَانَت قد ضمنت عَن الزَّوْج الدّين بِغَيْر إِذْنه فَلَيْسَ لَهَا ذَلِك فَإِن ضمنت بِإِذْنِهِ فطريقها أَن تُؤدِّي عَنهُ الدّين أَولا ثمَّ تحلف على مِقْدَار الصَدَاق أَنَّهَا مُسْتَحقَّة لهَذَا الْمِقْدَار من غير أَن تصفه بِكَوْنِهِ صَدَاقا فَإِنَّهَا لَا يلْزمهَا التَّعَرُّض لذَلِك وَالله أعلم
371 - مَسْأَلَة رجل خطب لِابْنِهِ امْرَأَة وَدفع مقدم الصَدَاق إِلَى وَليهَا ثمَّ مَاتَ الدَّافِع قبل العقد فَهَل يقسم الْمَدْفُوع بَين وَرَثَة الْخَاطِب الدَّافِع أم يخْتَص بِهِ الابْن المخطوب لَهُ
أجَاب رَضِي الله عَنهُ لَا بل يقسم الْمَدْفُوع بَين وَرَثَة الدَّافِع على فَرَائض الله تَعَالَى لكَونه بَاقِيا على ملكه من حَيْثُ كَونه جعله أَدَاء لدين آدَمِيّ قبل ثُبُوته وأسأل الله التَّوْفِيق
372 - مَسْأَلَة امْرَأَة لَهَا ولي غَائِب فدعَتْ الْحَاكِم أَو نَائِبه أَن يُزَوّجهَا من غير كُفْء فَهَل يَجْعَل الْوَلِيّ الْغَائِب كَالْمَعْدُومِ ويزوجها من غير

(2/430)


@ كُفْء على الْأَصَح أم ينْتَظر إياب الْوَلِيّ الْغَائِب
أجَاب رَضِي الله عَنهُ لَا يَجْعَل ذَلِك كَذَلِك فَإِن حق الْغَائِب فِي الْكَفَاءَة وولايته باقيان فَلَا يَصح ذَلِك مَعَ عدم إِذْنه فِي ذَلِك وَالله أعلم
373 - مَسْأَلَة امْرَأَة ادَّعَت على وَرَثَة زَوجهَا بصداقها الْمُسَمّى لَهَا فأنكروها وعجزت عَن إِثْبَات الْمُسَمّى وَثَبت لَهَا مهر الْمثل وَكَانَ زَائِدا على الْمُسَمّى بِزِيَادَة كَثِيرَة فَهَل يجوز لَهَا أَن تقبض الزَّائِد على الْمُسَمّى وَهل ذَلِك حَلَال لَهَا وَهل يجوز للْحَاكِم أَن يُخْبِرهُمْ على إِيصَال الْقدر الزَّائِد على الْمُسَمّى أم لَا
أجَاب رَضِي الله عَنهُ لَا يثبت لَهَا مهر الْمثل بِمُجَرَّد ذَلِك وَالْحكم فِيهِ أَن خصمها إِن ادّعى قدرا آخر غير مَا ادَّعَتْهُ شرع التَّحَالُف بَينهمَا إِن حلفا جَمِيعًا أَو نكلا وأصرا على النّكُول جَمِيعًا وَاجِب لَهَا مهر الْمثل إِن كَانَ زَائِدا على مَا ادَّعَتْهُ على الْمَذْهَب الْأَصَح فَإِن حلف أَحدهمَا وَنكل الآخر قضي للْحَالِف بِمَا ادَّعَاهُ وَإِن قَالَ خصم لَا أَدْرِي وأصر على ذَلِك جعل ناكلا وَحلفت وَقضى لَهَا بِمَا حَلَفت عَلَيْهِ وَالله أعلم
374 - مَسْأَلَة للشَّيْخ أبي اسحق فِي التَّنْبِيه وَإِن حضر فِي مَوضِع فِيهِ معاصي من زمر أَو خمر على مَا فصل ثمَّ قَالَ فَإِن قعد واشتغل بِالْحَدِيثِ وَالْأكل جَازَ هَذَا فِيمَا إِذا لم يقدر على إِزَالَته وَقَالَ فِي الْمُهَذّب وَإِن لم يقدر على إِزَالَته لم يحضر الحَدِيث وَقَالَ فِي الْوَسِيط وَإِن حضر وَرَأى ذَلِك وَلم يقدر على التَّغْيِير فَليخْرجْ لِأَن الْإِقَامَة فِي مشَاهد الْمُنكر حرَام وَالسُّؤَال إِن هَذِه الْمَسْأَلَة هَل هِيَ خطأ فِي التَّنْبِيه خطأ وَإِن لم يكن فَكيف الْجمع بَين الْمَسْأَلَتَيْنِ

(2/431)


@
أجَاب رَضِي الله عَنهُ الَّذِي فِي التَّنْبِيه مرذول وَالصَّحِيح مَا فِي الْمُهَذّب والوسيط وهما وَجْهَان أصَحهمَا الثَّانِي وَالله أعلم
375 - مَسْأَلَة امْرَأَة زَوجهَا أَبوهَا على صدَاق مَعْلُوم وَأقر أَنه قبض مِنْهُ عشْرين دِينَارا لولايته عَلَيْهَا ثمَّ توفّي بعد ذَلِك بِمَا يُقَارب سبع سِنِين فادعت ابْنَته على التَّرِكَة بِمَا قَبضه لَهَا والدها فَذكر الْمُجيب عَن أَيْتَام والدها الْمُسْتَحقّين مَعهَا الْمِيرَاث أَن وَالِده ذَلِك عَلَيْهَا فِي مصالحها فَهَل تسْتَحقّ وَالْحَالة هَذِه وَفَاء ذَلِك من تَرِكَة والدها أم يقبل قَول من ذكر أَنه صرف ذَلِك عَلَيْهَا
أجَاب رَضِي الله عَنهُ إِن وجدت فِي تركته عشرُون دِينَارا على صفة مَا قَبضه ترك ذَلِك عَلَيْهَا لِأَن الأَصْل بَقَاؤُهُ وَدفع ذَلِك إِلَى الْبِنْت وَإِن لم يُوجد ذَلِك فِيهَا فَلَا يجب ضَمَانهَا فِي تركته من غير بَيِّنَة تشهد بتفريط مِنْهُ مضمن وَلَا يحْتَاج فِي ذَلِك أَعنِي عدم التَّضْمِين إِلَى يَمِين على أَنه صرفهَا فِي مصلحتها لَا من الْوَرَثَة وَلَا من نائبهم هَذَا هُوَ الْأَظْهر وَالله أعلم
376 - مَسْأَلَة إمرأة يأمرها زَوجهَا بِالصَّلَاةِ وَمَا تصلي فَهَل يجب عَلَيْهِ أَن يهجرها فِي المضجع أَو يضْربهَا أَو يطلقهَا
أجَاب رَضِي الله عَنهُ يحسن أَن يهجرها فِي الْفراش حَتَّى تصلي ويكرر عَلَيْهَا الْأَمر بِالصَّلَاةِ فَإِن بدا مِنْهَا شتم لَهُ ضربهَا حِينَئِذٍ وَإِذا لم يُرْجَى صَلَاحهَا فَلَا بَأْس عَلَيْهِ فِي طَلاقهَا وَلَا كَرَاهَة
377 - مَسْأَلَة هَل يجب على الزَّوْج أَن يعلم زَوجته الْفَرَائِض أم لَا

(2/432)


@ أجَاب أما تَعْلِيم الزَّوْجَة مَا يجب عَلَيْهَا تَعْلِيمه من الْفَرَائِض فَهُوَ وَاجِب عَلَيْهِ وعَلى غَيره مِمَّن يتَمَكَّن من تعليمها فرضا على الْكِفَايَة فَإِذا لم يقم هُوَ بِهِ أَثم وأثموا وَيتَعَيَّن عَلَيْهِ الْوُجُوب فِي تعليمها الْوَاجِبَات الَّتِي تحْتَاج تعليمها فَذَلِك يحصر الْوُجُوب فِيهِ ذَهَابًا إِلَى غير الْمحرم وَالْمَرْأَة لَا يجوز لَهُ تعليمها والوجهان فِيمَا إِذا أصدقهَا تَعْلِيم سُورَة ثمَّ طَلقهَا قبل التَّعْلِيم وَكَذَلِكَ يتَعَيَّن عَلَيْهِ فرض تعليمها إِذا لم يعلم بحاجتها إِلَى التَّعْلِيم غَيره وَالله أعلم
378 - مَسْأَلَة رجل أعْطى وَالِد امْرَأَة زَوجهَا مِنْهُ دَرَاهِم رشوة على التَّزْوِيج فَهَل لَهُ الرُّجُوع بهَا عَلَيْهِ أم لَا
أجَاب رَضِي الله عَنهُ لَهُ الرُّجُوع بهَا عَلَيْهِ لِأَن تَزْوِيجه مِمَّا لَا يجوز لَهُ أَخذ الْعِوَض عَلَيْهِ فَإِنَّهُ لَيْسَ مُتَقَوّما يجوز الِاسْتِئْجَار عَلَيْهِ كَمَا لَا يجوز اسْتِئْجَار البياع على كلمة البيع على مَا عرف مسطورا وَقد نَص صَاحب الْحَاوِي على أَنه يحرم على الشافع فِيمَا لَيْسَ بِوَاجِب عَلَيْهِ أَخذ جَزَاء على شَفَاعَته ورشوة عَلَيْهَا وَهَذَا فِي مَعْنَاهُ وَالله أعلم
379 - مَسْأَلَة ورد من تذمر سُؤال عَن عقد نِكَاح عقد على صدَاق مائَة دِينَار ناصرية وَتوفيت الزَّوْجَة وَاخْتلف ورثتها وَالزَّوْج فِي قيمَة الدِّينَار الناصري من الدَّرَاهِم وهم فِي بلد لم يُوجد فِيهِ الدِّينَار الناصري وَفِيه جرى العقد فَالْقَوْل قَول من هَل يتَعَيَّن قِيمَته بِدِمَشْق وَكم هِيَ فِيهِ
أجَاب رَضِي الله عَنهُ لَا مساغ لهَذَا فِي ذَلِك فَإِنَّهُ إِذا كَانَ العقد قد وَقع على الدَّنَانِير الناصرية غير مكنى بهَا عَن قيمتهَا من الدَّرَاهِم وَلَا مفسرة بذلك فالمستحق هُوَ الذَّهَب الناصري بِعَيْنِه وَلَا يعدل إِلَى قِيمَته إِلَّا

(2/433)


@ بتراضي الْخَصْمَيْنِ فَإِن اتفقَا على الِاسْتِبْدَال عَنهُ بِالدَّرَاهِمِ جَازَ مَا اتفقَا عَلَيْهِ أَي قدر كَانَ إِذا لم يَتَفَرَّقَا قبل الْقَبْض وَإِن لم يتَّفقَا فَلَا حكم لقَوْل أَحدهمَا على الآخر والمستحق هُوَ نفس الذَّهَب لَا غير وَبِه تقع الْمُطَالبَة وَهُوَ مَوْجُود غير مُنْقَطع وَهَذَا على تَقْدِير أَلا يكون الذَّهَب الناصري مغشوشا بِالْفِضَّةِ بل غير مغشوش ونقصانه لرداءة نَوعه أَو هُوَ مغشوش غير الْفضة ثمَّ بَلغنِي أَنه مغشوش بِالْفِضَّةِ وَعند هَذَا لَا يجوز أَن يعتاض عِنْد بِدَرَاهِم وَلَا بِدَنَانِير بل بعوض وَالله أعلم
أرْسلت إِلَى سوق الصّرْف من سَأَلَ عَنهُ فَذكر أَن بعض الصيارفة أرَاهُ جُزْءا مِنْهُ وَذكر أَن قيمَة الدِّينَار مِنْهُ عشرَة دَرَاهِم وَنصف وَهُوَ أدفَع من الصُّورِي والصوري هُوَ الَّذِي يقومه النَّاس بِتِسْعَة دَرَاهِم وَلَو انْقَطع لَكَانَ يثبت حق الْفَسْخ بِسَبَب التَّعَذُّر وَقد ذكر الْمُتَوَلِي فِي مَسْأَلَة الِاسْتِبْدَال عَن الثّمن أَنه لَا انْفِسَاخ بِانْقِطَاع جنس الثّمن بِخِلَاف الْمَبِيع فِي الذِّمَّة وَهُوَ الْمُسلم فِيهِ وَالله أعلم فَإِن أطلق الدِّينَار الناصري وَالْعرْف مُسْتَمر فِي مَوضِع العقد وَحَالَة العقد بالتعبير بِهِ عَن الدَّرَاهِم كَمَا شاع من اسْتِعْمَال أهل دمشق نزل ذَلِك حِينَئِذٍ على الدَّرَاهِم فَإِن كَانَ قدرهَا مَعْلُوما فَلَا كَلَام وَإِن لم يكن بِأَن كَانَ الْعرف فِي الْقدر مُخْتَلفا وَلَا غَالب فِيهِ فَالْعقد والإصداق فَاسد وَالله أعلم
380 - مَسْأَلَة وَردت من حمص فِيمَا ذكر أصدق رجل زَوجته مِائَتي دِينَار صورية ثمَّ توفّي فَقَالَ ورثته هَذَا صدَاق مَجْهُول لِأَن الذَّهَب الصُّورِي مغشوش يحتوي على فضَّة ونحاس وَذهب فَلَا يجب إِلَّا مهر الْمثل فَهَل يكون الحكم كَذَلِك
أجَاب رَضِي الله عَنهُ بعد الاستخارة والتثبيت والبحث لَيْسَ الحكم

(2/434)


@ كَذَلِك وَلَا يعدل إِلَى مهر الْمثل بِسَبَب غشه الْمَذْكُور بل يجب من الذَّهَب الصُّورِي نَفسه من نَوعه الْغَالِب فِي الْبَلَد الَّذِي جرى فِيهِ العقد وَهُوَ يتنوع إِلَى عَتيق وجديد والعتيق أَكثر ذَهَبا والجديد هُوَ الْغَالِب فِي الْبَلَد فِيمَا أخْبرت وبنيت ذَلِك على أُمُور مِنْهَا أَن غشه مَعْلُوم عِنْد أَهله فاسمه مَوْضُوع بِإِزَاءِ ذهب وفضه مثلا مَعْلُوم الْمِقْدَار عِنْد أَهله فَإِذا سَمَّاهُ من لَا يعلم مقدارهما كَفاهُ ذكر الِاسْم الضَّابِط للمسمى وَنَظِيره مَسْأَلَة الْقَرَاض اذا شَرط لَهُ سدس تسع عشر الرِّبْح وَهُوَ لَا يدْرِي مِقْدَاره فَإِن الَّذِي اخْتَارَهُ صَاحب الشَّامِل جَوَازه وَمِنْهَا النّظر فِي تَفْصِيل المختلطات وَمِنْهَا النّظر إِلَى الْحَالة الراهنة الَّتِي جَمِيع هَذَا النَّوْع متساو فِي الرواج وَمَا هُوَ الْمَقْصُود مِنْهُ فَإِن كَانَ فِيهِ تفَاوت فِي خليطه فَإِنَّمَا يظْهر أَثَره فِي الْمَقْصُود عَن طريان سبك وَلَا غَيره فِي مثل هَذَا بِجَهَالَة نظر أَمر حَالَة ستطرأ وَالله أعلم
381 - مَسْأَلَة رجل تزوج يتيمة غير بَالِغَة واعترف بِالدُّخُولِ بهَا وأدعت الزَّوْجَة أَنه حصل الْإِفْضَاء بِوَطْئِهِ إِيَّاهَا فَأنْكر الزَّوْج الْإِفْضَاء ففسخ الْحَاكِم نِكَاحهَا مِنْهُ وعرضها على ثَمَان نسْوَة من القوابل معدلات فشهدن بِحَقِيقَة الافتضاض فَهَل للْحَاكِم فسخ نِكَاحهَا مِنْهُ وَإِيجَاب الْمهْر ودية الافتضاض عَلَيْهِ بِشَهَادَة الْمَذْكُورَات
أجَاب رَضِي الله عَنهُ إِذا لم يكن المزوج لَهَا جدا فنكاحها بَاطِل من أَصله وَيجب على الزَّوْج بِوَطْئِهِ إِيَّاهَا مهر الْمثل وَلَا يجب عَلَيْهِ دِيَة للافضاء بشهادتهن بِوُجُود الْإِفْضَاء لجَوَاز أَن يكون من غَيره وَعَلِيهِ الْيَمين
382 - مَسْأَلَة ذمِّي نَصْرَانِيّ تزوج بِامْرَأَة ذِمِّيَّة نَصْرَانِيَّة وَهِي زَوْجَة غَيره فَهَل للْحَاكِم أَن يفرق بَينهَا وَبَين هَذَا الزَّوْج من غير أَن يترافع إِلَيْهِ وَاحِد مِنْهُمَا أم لَا

(2/435)


@
أجَاب رَضِي الله عَنهُ نعم يفرق الْحَاكِم بَينهمَا إِذا تظاهرا بذلك وَكَانَ ذَلِك على وَجه لَا يُبَاح أَيْضا فِي دينهما أما الصُّورَة الأولى وكما إِذا أظهرُوا الْخمر فَأن نريقه عَلَيْهِم وَفِي هَذَا وَجه أَن لَا نتعرض لَهُم بِالتَّفْرِيقِ أما الثَّانِيَة فَكَمَا إِذا أَتَوا محرما يُوجب الْحَد فِي دينهم أَيْضا فَأن نحكم بِهِ عَلَيْهِم ونستوفيه وَإِن لم يترافعوا إِلَيْنَا كَمَا فعل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الْيَهُودِيين الَّذين زَنَيَا وَالله أعلم = وَمن كتاب الْخلْع
383 - مَسْأَلَة امْرَأَة تَحت حجر الْحَاكِم أَو حجر وَصِيّ مزوجه فَكرِهت الزَّوْج وأبى الزَّوْج طَلاقهَا إِلَّا خلعا بصداقها فَأذن لَهَا الْحَاكِم فِي الاختلاع أَو الْوَصِيّ فَاخْتلعت نَفسهَا من زَوجهَا بِالصَّدَاقِ باذن الْحَاكِم أَو الْوَصِيّ فَهَل تحصل الْبَيْنُونَة بِالصَّدَاقِ أم لَا
أجَاب رَضِي الله عَنهُ لَا تحصل الْبَيْنُونَة وَلَا يسْقط بذلك صَدَاقهَا وَيَقَع طَلاقهَا رَجْعِيًا إِذا لم يسْتَوْف الْعدَد وَكَانَ بعد الدُّخُول
384 - مَسْأَلَة رجل خَالع زَوجته على بعض صَدَاقهَا وَأدّى الْبَاقِي ثمَّ أَثْبَتَت بِالْبَيِّنَةِ عَلَيْهِ الصَدَاق فَهَل لَهُ أَن يَقُول هَذَا صدَاق زَوْجَة يجب تَسْلِيمهَا فلتسلم حَتَّى أسلمه أم لَا
أجَاب رَضِي الله عَنهُ قَوْله إِنَّه صدَاق زَوْجَة يجب تَسْلِيمهَا لَا يَصح أَن يكون دافعا عَنهُ لذَلِك فَإِن وجوب تَسْلِيمهَا ثَابت بعد الدُّخُول وَلَا يتَوَقَّف عَلَيْهِ وجوب تَسْلِيم الصَدَاق بل لَو قَالَ هَذَا صدَاق وَالصَّدَاق يتَوَقَّف وجوب

(2/436)


@ تَسْلِيمه على أصل تَسْلِيمهَا وَلَو مرّة وَلم تسلم وَلَا وجد مَا يقرره وَيُوجب تَسْلِيمه من موت أَو فرقة غَيره تقرر الشّطْر إِذا كَانَ الْمُدَّعِي شطر الصَدَاق فعلَيْهَا إِثْبَات ذَلِك فَالظَّاهِر أَن ذَلِك يدْفع عَنهُ وجوب التَّسْلِيم حَتَّى تثبت هِيَ ذَلِك وَلَيْسَ هَذَا كَمَا إِذا أثبت الْمُدَّعِي اسْتِحْقَاق دين عينه فَإِنَّهُ لَا ينْدَفع وجوب التَّسْلِيم عَنهُ بِذكرِهِ مَا يُؤَخر وجوب التَّسْلِيم كالأجل وَغَيره لِأَن ذَلِك عَارض هُنَاكَ وَهَذَا لَازم فِي أصل الصَدَاق
385 - مَسْأَلَة رجل طلق زَوجته طَلْقَة ثَانِيَة على مهرهَا فَلَمَّا أوقع الطَّلقَة الْمَذْكُورَة تبين أَنَّهَا طَلْقَة ثَالِثَة فَهَل تقع الثَّالِثَة وَالْحَالة هَذِه
أجَاب رَضِي الله عَنهُ تقع طَلْقَة وَتَكون ثَالِثَة فَإِنَّهُ أوقع طَلْقَة ووصعها بِصفة مستحيلة وَالْحَالة هَذِه فلفت الصّفة وَبَقِي نفس الطَّلقَة كَمَا فِي نَظَائِر ذَلِك الْمَعْرُوفَة ثمَّ يلْزم بِحكم الْحَال أَن تكون ثَالِثَة ثمَّ كَونهَا ثَانِيَة لَيْسَ شرطا فِي اسْتِحْقَاق الْعِوَض فان فِي الثَّالِث وفآء بمقصودها من الثَّانِيَة وَزِيَادَة فِيمَا يرجع إِلَى عوض الْخلْع وَلِهَذَا لَو قَالَت طَلقنِي طَلْقَة بِأَلف فَطلقهَا ثَلَاثَة بِأَلف اسْتحق الْألف وَالله أعلم
386 - مَسْأَلَة رجل خلع ابْنَته وَهِي صَغِيرَة من زَوجهَا على مَا تستحقه عَلَيْهِ من بَاقِي صَدَاقهَا وَهُوَ نصف عمَارَة دَار بِطَلْقَة وَاحِدَة بعد الْخلْوَة الصَّحِيحَة قبل الدُّخُول بهَا وَأقر والدها أَنه مَتى طلبت ابْنَته من الزَّوْج صَدَاقا كَانَ فِي ذمَّة الْوَالِد فَهَل يَصح الْخلْع أَو يَصح الْعِوَض
أجَاب رَضِي الله عَنهُ يَصح الْخلْع بِأَصْلِهِ وعَلى الْأَب مهر الْمثل إِذا ضمن ذَلِك فِي نفس عقد الْخلْع وللبنت بَاقِي صَدَاقهَا على الزَّوْج بِحَالهِ
387 - مَسْأَلَة رجل قَالَ إِن وهبتني زَوْجَتي صَدَاقهَا فَهِيَ طَالِق

(2/437)


@ طَلْقَة رَجْعِيَّة وَالصَّدَاق فِي ذمَّته وَلم تكن الْمَرْأَة حَاضِرَة وَكتب بذلك مَكْتُوبًا وَأشْهد عَلَيْهِ فِيهِ وسيره إِلَيْهَا فَقَالَت الزَّوْجَة أَنَّهَا أَبرَأته عِنْد وقوفها على الْمَكْتُوب فَهَل يَقع الطَّلَاق بذلك وَهل يقبل قَول الزَّوْجَة أَنَّهَا وهبته من غير بَيِّنَة وَإِذا لم يقبل قَوْلهَا فأبرأته بعد ذَلِك بِحَضْرَة الشُّهُود هَل يَقع الطَّلَاق بذلك أم لَا
أجَاب رَضِي الله عَنهُ يَقع الطَّلَاق بذلك لَكِن لَا يقبل قَوْلهَا فِي ذَلِك بِغَيْر بَيِّنَة ويجزئها فِي ذَلِك الْإِبْرَاء مُتَأَخِّرًا عَن ذَلِك وَلَا يعْتَبر فِي هَذَا مَا يعْتَبر فِي مثله لَو كَانَ خلعا وَالله أعلم
388 - مَسْأَلَة رجل لَهُ زوجتان فحضرتا فِي مجْلِس وَاحِد فعلق الطَّلَاق على شَرط وَلم يعين وَاحِدَة مِنْهُمَا فَوجدَ الشَّرْط الْمُعَلق عَلَيْهِ الطَّلَاق فَمَا الحكم فِي وُقُوع الطَّلَاق هَل يَقع على كل وَاحِدَة مِنْهُمَا أَو يرجع الْأَمر إِلَيْهِ فِي التَّعْيِين فِيمَن شَاءَ مِنْهُمَا
أجَاب رَضِي الله عَنهُ إِذا كَانَت يَمِينه بِمُطلق الطَّلَاق من غير تعْيين وَلَا لفظ شَامِل لَهما فَلهُ أَن يعين الطَّلَاق فِي إِحْدَاهمَا فَإِذا عين وَاحِدَة وَقع عَلَيْهَا دون الْأُخْرَى
اخْتَار صَاحب الْمُهَذّب فِيهِ سد بَاب الطَّلَاق فِي مَسْأَلَة وَقع فِيهَا الدّور الحدادية الْمَعْرُوفَة بالشريحية وَابْن شُرَيْح بَرِيء مِمَّا نسب إِلَيْهِ فِيهَا وَالَّذِي عَلَيْهِ الطوائف من أَصْحَاب الْمذَاهب وجماهير أَصْحَابنَا أَيْضا القَوْل بِأَن لَا ينسد بَاب الطَّلَاق بل يَقع فِي اخْتِلَاف فِي كمية الْوَاقِع مِنْهَا وَالله أعلم

(2/438)


- مَسْأَلَة رجل قَالَ لزوجته أَنْت طَالِق ثمَّ سكت وراجع زَوجته وَأَصْحَابه ثمَّ قَالَ ثَلَاثًا بِأَنَّهُ على كل مَذْهَب فَهَل يَقع عَلَيْهِ الثَّلَاث أم لَا
أجَاب رَضِي الله عَنهُ إِن كَانَ قد نوى الثَّلَاث أَولا بقوله أَنْت طَالِق وَقع عَلَيْهِ الثَّلَاث وَإِن لم ينْو ذَلِك أَولا لَكِن أَرَادَ ثَانِيًا بقوله أَنْت ثَلَاثًا بِأَنَّهُ تتميمه وَتَفْسِيره وعنى بقوله ثَلَاثًا بَائِنَة أَنَّهَا طَالِق ثَلَاثًا بَائِنَة فَيَقَع عَلَيْهِ الثَّلَاث أَيْضا وَلَيْسَ هَذَا من قبيل إِيقَاع الطَّلَاق بِالنِّيَّةِ أَو بِلَفْظ أشعر بِالطَّلَاق بل هُوَ من قبيل إِيقَاع الطَّلَاق بِكَلَام حذف بعضه أجتزاء بِالْبَاقِي مِنْهُ لدلالته عَلَيْهِ بِنَاء على الْقَرِينَة وَمِمَّا نَص عَلَيْهِ من هَذَا النَّوْع أَنه لَو قَالَ ابْتِدَاء أَنْت ثَلَاثًا وَنوى الطَّلَاق وَقع لمثل ذَلِك وَالله أعلم
مَسْأَلَة رجل رمت زَوجته إِلَيْهِ كتاب صَدَاقهَا وَسَأَلته الطَّلَاق ثَلَاثًا فَقَالَ لَهَا إِن كَانَ هَذَا كتابك وأبرأتيني مِنْهُ وأشهدت عَلَيْك فَأَنت طَالِق ثَلَاثًا فَقَالَت على الْفَوْر أَبْرَأتك مِنْهُ وَمَا أشهدت عَلَيْهِ ثمَّ رجعت فِي الصَدَاق فَمَا الحكم
أجَاب رَضِي الله عَنهُ أما الطَّلَاق فَلَا يَقع وَالْحَالة هَذِه وَأما الْإِبْرَاء
390 - مَسْأَلَة رجل طلق زَوجته طَلْقَة رَجْعِيَّة ثمَّ جَاءَ بهَا إِلَى الَّذِي يعْقد وَيكْتب ليكتب عَلَيْهِ الطَّلقَة فَقَالَ لَهُ وَهُوَ لَا يعلم بتقدم الطَّلقَة قل لَهَا خالصتك على بَاقِي صداقك بِطَلْقَة فقاله وَقبلت وَهُوَ يُرِيد بذلك

(2/439)


@ الطَّلقَة الْمَاضِيَة لَا إنْشَاء طَلْقَة أُخْرَى وَهُوَ يُرِيد رَجعتهَا قبل انْقِضَاء عدتهَا فَهَل لَهُ ذَلِك وَلَا يَصح هَذَا الْخلْع أم لَا وَهل القَوْل قَوْله إِذا نازعته أَو قَوْلهَا
أجَاب رَضِي الله عَنهُ هَذَا الْخلْع وَالْحَالة هَذِه بَاطِل وَله مراجعتها إِذا كَانَت الطَّلقَة السَّابِقَة رَجْعِيَّة قبل انْقِضَاء عدتهَا بعْدهَا وَالْقَوْل قَوْله فِي دَعْوَاهُ لوُقُوع الْخلْع كَذَلِك وَفِي أَمْثَال هَذَا يطلقون غَالِبا الْوَجْهَيْنِ المعروفين فِي دَعْوَى الْفساد بِالصِّحَّةِ على الْإِطْلَاق وَالَّذِي اسْتَقر عَلَيْهِ الرأى واعتمدت عَلَيْهِ فِي الْفَتْوَى الْفرق فِي ذَلِك بَين أَن يكون مدعي الْفساد يَدعِيهِ مُسْتَندا إِلَى أَمر زَائِد ومفسد يَدعِي انضمامه إِلَى مورد العقد أَن يَدعِيهِ بِدَعْوَى انْتِفَاء بعض أَرْكَان الصِّحَّة وَفِي الثَّانِي القَوْل قَول من يَدعِي الْفساد
وَقد حكى صَاحب التَّهْذِيب فِي مثل هَذَا عَن الْأَصْحَاب أَنه يرجح الْفساد وَالله أعلم
391 - مَسْأَلَة امْرَأَة لَهَا على زَوجهَا دين حَال فَقَالَ إِن ابرأتني من صداقك وأخرت عَليّ دينك إِلَى رَأس السّنة فَأَنت طَالِق فَقَالَت أَبْرَأتك وأخرتك فَهَل يَقع خلعا أَو طَلَاقا أَو لَا يَقع شَيْء وَإِذا وَقع فَهَل يبرأ من الصَدَاق وَهل يتأجل الدّين
أجَاب رَضِي الله عَنهُ يكون طَلَاقا وخلعا وَيبرأ من صَدَاقهَا إِذا كَانَ مَعْلُوما عِنْدهَا وَلم يكن يحجب بحجب شَرْعِي إِلَّا أَن يكون المُرَاد بتأخيرها الدّين تَأْخِيرا يصير بِهِ مُؤَجّلا فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ يكون عوضا فَاسِدا فان

(2/440)


@ الْحَال لَا يتأجل بالتأجيل فَيصير ذَلِك خلعا فَاسِدا يجب بِهِ للزَّوْج مهر مثلهَا وَيبقى عَلَيْهِ صَدَاقهَا وَالدّين كَمَا كَانَ وَالله أعلم
392 - مَسْأَلَة رجل قيل لَهُ طلق أمرأتك فَقَالَ لشخص أكتب خمْسا وَعشْرين طَلْقَة وَآخر قَالَ اكْتُبْ ثَلَاث طلقات فَهَل يَقع عَلَيْهِ بِهَذَا الطَّلَاق
أجَاب رَضِي الله عَنهُ إِن نوى بقوله هَذَا إِيقَاع الطَّلَاق وَقع وَإِلَّا فَلَا وَالله أعلم
ان اسْتشْكل هَذَا أَو قيل لم يَقع إِذا نوى وَلَيْسَ فِي هَذَا اللَّفْظ مَا يشْعر بالفراق قلت لَيْسَ من شُرُوط الكتابات اسْتِعْمَال ألفاظها بالزوال والفراق فَإِنَّهَا تَنْقَسِم إِلَى جلية كَقَوْلِه أَنْت بَائِن وجلية وخفية وهم قِسْمَانِ أَحدهمَا مَا يشْتَمل على اسْتِعَارَة كَقَوْلِه حبلك على غاربك وَالثَّانِي مَا يشْتَمل على تَقْدِير كَقَوْلِه اعْتدي ولتعتد تَقْدِيره طَلقتك فاعتدي وَكَقَوْلِه لَا أنده سربك أَي لَا أرد أبلك أدعها تذْهب حَيْثُ شَاءَت وكلا الْقسمَيْنِ من أَقسَام الْمجَاز
إِذا عرف هَذَا فَقَوله اكْتُبْ بِثَلَاث طلقات فليلتحق بِمَا يشْتَمل على تَقْدِير وَتَقْدِيره قد طَلقهَا فَاكْتُبْ ثَلَاث طلقات لِأَنَّهُ ذكر لما هُوَ من لواحق الطَّلَاق اجتزاء بِذكر الْأَثر عَن ذكر الْمُؤثر كَمَا أَن قَوْله لَا أنده سربك ونظائره كَذَلِك وَالْعلم عَن الله تَعَالَى
وَهَذِه الْمَسْأَلَة تقع فِي الْفَتَاوَى كثيرا وأسأل الله التَّوْفِيق وَلَعَلَّ بعض من رأى مسطورا أَنه لَو قَالَ الزَّوْج لأَجْنَبِيّ اكْتُبْ بِطَلَاق امْرَأَتي فَكتب وَنوى

(2/441)


@ الزَّوْج لَا يَقع الطَّلَاق يتَوَهَّم أَنَّهَا مَسْأَلَتنَا هَذِه وَلَيْسَت كَذَلِك فَإِن المُرَاد بِهَذِهِ المسطورة أَن يَنْوِي الزَّوْج الطَّلَاق بِكِتَابَة الْأَجْنَبِيّ على نَحْو مَا ينويه بِكِتَابَة نَفسه وَلِهَذَا اشبهوها بِمَا لَو قَالَ لأَجْنَبِيّ قل لأمرأتي أَنْت بَائِن فقاله وَنوى الزَّوْج وَفِي مَسْأَلَتنَا إِنَّمَا نوى الطَّلَاق بقوله اكْتُبْ الطَّلَاق لَا بِفعل الْكِتَابَة وَالله أعلم
393 - مَسْأَلَة رجل قَالَ لزوجته إِن وهبتني مهرك فَأَنا أطلقكك فَقَالَت إِن الله قد وهبك فَقَالَ لَهَا أَنْت طَالِق ثَلَاثًا فَهَل يَقع الطَّلَاق أم لَا
أجَاب رَضِي الله عَنهُ يَقع الطَّلَاق الثَّلَاث وَيبرأ الزَّوْج من الْمهْر إِن كَانَت أَرَادَت بِاللَّفْظِ الْمَذْكُور ذَلِك وَإِن لم ترده فَلَا يبرأ فَإِن انْضَمَّ إِلَى عدم إرادتها إِرَادَة الزَّوْج إِيقَاع الطَّلَاق فِي مُقَابلَته فَلَا يَقع حِينَئِذٍ وَالله أعلم
وَشَرحه أما وُقُوع الطَّلَاق فَالظَّاهِر أَنه طَلَاق أَتَى بِهِ مجَازًا لَيْسَ بخلع لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيمَا جرى من اللَّفْظ تَعْلِيق الْهِبَة بِالطَّلَاق وَلَا لفظ الْمُعَاوضَة والمقابلة بَينهمَا وَأَيْضًا فَلَو أَرَادَت التَّعْلِيق أَنِّي قد وَهبتك إِن طلقتني فعلى مَا فِي الْوَسِيط لَا يَصح الْخلْع لِأَن تَعْلِيق الْإِبْرَاء وَالْهِبَة لَا يَصح وَطَلَاق الزَّوْج طبعا فِي حُصُول ذَلِك لَهُ من غير لفظ صَحِيح لَا يُوجب التزامها عوضا غير أَنه قد أفتى فِي فَتَاوِيهِ بِخِلَاف هَذَا وَهُوَ الصَّحِيح فَإِن التَّعْلِيق فِي هَذَا الْبَاب مُعَاوضَة صَحِيحَة وعَلى هَذَا فَيحْتَمل إِن يكون هَذَا خلعا ثمَّ يكون صَحِيحا على تَقْدِير أَن يكون مرادها قد وَهبتك الْمهْر إِن طلقتني وَقد أجابها فَقَالَ أَنْت طَالِق فتم الْخلْع وَهَذَا على هَذَا التَّقْدِير هُوَ الظَّاهِر من حَيْثُ قرينَة الْحَال وعَلى هذَيْن التَّقْدِيرَيْنِ فَيبرأ الزَّوْج من الْمهْر بِنَاء على أَن هبة الصَدَاق وَإِن كَانَ دينا صَحِيحا وَإِن لم ترد الْهِبَة أصلا أَو أرادتها وَلَكِن

(2/442)


@ أَرَادَت غير مَا أَرَادَهُ الزَّوْج من الْمهْر فَلَا يبرأ الزَّوْج من الْمهْر وَينظر فِي الطَّلَاق فَإِن كَانَ الزَّوْج أوقعه مجَازًا فَهُوَ وَاقع وَإِن أوقعه على مَا لم ترده هِيَ فِي الصُّورَتَيْنِ مَعًا فَلَا يَقع لِأَنَّهُ لم يوقعه إِلَّا على ذَلِك وَلم يقبل وَالله أعلم
394 - مَسْأَلَة رجل قَالَت لَهُ زَوجته طَلقنِي قَالَ نعم طَلقتك وَلم يرد بِهِ الطَّلَاق فِي تِلْكَ الْحَال هَل يَقع الطَّلَاق أم لَا
أجَاب رَضِي الله عَنهُ إِذا كَانَ قد قَالَ طَلقتك قَاصِدا لفظ الْإِيقَاع فقد وَقع طَلَاقه وَالله أعلم

395 - مَسْأَلَة رجل حلف على زَوجته بِالطَّلَاق الثَّلَاث على فعل شَيْء يتَكَرَّر لَا بُد لَهَا مِنْهُ وَهُوَ النُّزُول من منزله بِدُونِهِ وَعَلِيهِ فِي ذَلِك مشقة شَدِيدَة هَل يُبَاح لَهُ الْخلْع مَعَ كَونه شَافِعِيّ الْمَذْهَب وَكَيف صفة الْخلْع
أجَاب رَضِي الله عَنهُ لَهُ الْخلْع وَالْحَالة هَذِه مَعَ أَن الْأَحْوَط أَن يتجنبه لما فِيهِ من خلاف الْعلمَاء وَصفته أَن تبذل لَهُ امْرَأَته الرشيدة شَيْئا من صَدَاقهَا أَو غَيره على أَن يطلقهَا طَلْقَة فيطلقها على مَا بذلته بِأَن تَقول طَلقنِي طَلْقَة على كَذَا وَكَذَا فَيَقُول فِي الْحَال طَلقتك طَلْقَة على هَذَا الْعِوَض الَّذِي ذكرت ثمَّ بعد ذَلِك يُوجد الْمَحْلُوف عَلَيْهِ وَالْأولَى تَأْخِيره إِلَى مَا بعد انْقِضَاء عدتهَا ثمَّ تَجْدِيد نِكَاحهَا بِشُرُوطِهِ وتعود إِلَيْهِ بِمَا بَقِي من عدد طَلَاقه وَالله أعلم
396 - مَسْأَلَة رجل حلف على رجل بِالطَّلَاق أَن لَا يَأْكُل مَعَه مَا

(2/443)


@ داموا فِي سفرهم وَلَا يَأْكُل مَعَه إِلَّا عِنْد أَهله فطال الْأَمر بَينهم فجلسوا يَوْمًا مَعَ جمَاعَة فَأكل نَاسِيا لقيمات يسيرَة ثمَّ ذَلِك الْحَالِف فَرفع يَده من الطَّعَام فَهَل وَقع عَلَيْهِ الطَّلَاق فِي نسيانه أم لَا وَهل يجوز أَن يكون هُوَ وَصَاحبه فِي بَيت وَاحِد أَو مَكَان وَاحِد فيأكل كل وَاحِد مِنْهُمَا مُنْفَردا عَن صَاحبه فِي نَاحيَة من الْبَيْت أَو فِي منزل من منَازِل الْأَسْفَار
أجَاب رَضِي الله عَنهُ يَقع عَلَيْهِ الطَّلَاق بِفِعْلِهِ الْمَحْلُوف عَلَيْهِ نَاسِيا وَلَا بَأْس بِأَن يَكُونَا فِي بَيت وَاحِد أَو منزل وَاحِد يَأْكُل وَاحِد مِنْهُمَا وَحده بِحَيْثُ لَا يعد أكلا مَعَ صَاحبه
397 - مَسْأَلَة رجل طلق زَوجته ثَلَاثًا وَانْقَضَت عدتهَا وَتَزَوَّجت بِزَوْج غَيره وَدخل بهَا ثمَّ إِن الزَّوْج الثَّانِي طَلقهَا وَأقر فِي الْبَرَاءَة بعد الدُّخُول بهَا ثمَّ إِنَّه رَجَعَ عَن إِقْرَاره وَقَالَ مَا دخلت بهَا فَهَل يقبل مِنْهُ القَوْل الثَّانِي أم الأول وَالْقَوْل قَوْلهَا فِي الْوَطْء أَو قَوْله
أجَاب رَضِي الله عَنهُ القَوْل فِي ذَلِك قَوْلهَا وَللزَّوْج الأول التَّزَوُّج بهَا إِذا صدقهَا على جَرَيَان الْوَطْء وَلَا يمْنَع من ذَلِك مَا ذكر من إِنْكَار الزَّوْج الثَّانِي وَالله أعلم
398 - مَسْأَلَة رجل سَافر عَن زَوْجَة وَقَالَ لجَماعَة اشْهَدُوا على أَنِّي إِن غبت عَنْهَا سنة فَمَا أَنا لَهَا بِزَوْج وَلَا هِيَ لي بِامْرَأَة فتكونون المتولين تَزْوِيجهَا فَمَا حكمه
أجَاب رَضِي الله عَنهُ إِن كَانَت قد ضمنت حق الزَّوْج الدّين بِغَيْر اذنه بعد السّنة ولتأقيت زَوَالهَا بذلك مَحل مُحْتَمل فَيحكم بِصِحَّة

(2/444)


@ الْإِقْرَار ظَاهرا وَيجوز لَهَا التَّزَوُّج بعد انْقِضَاء عدتهَا وَأما بَاطِنا فَيتَوَقَّف ذَلِك على أَن يكون قد نوى الطَّلَاق بِهَذَا الْكَلَام أَو يُوجد مِنْهُ غَيره من أَسبَاب الْفرْقَة وَالله أعلم
أَو لم يَجْعَل هَذَا إِقْرَارا من أجل قَوْله اشْهَدُوا عَليّ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِإِقْرَار على مَا تقرر فِي فتيا أُخْرَى بل لقَوْله إِن غبت إِلَى آخر قَوْله فَإِنَّهُ خبر مُضَاف إِلَى نَفسه وَالله أعلم
399 - مَسْأَلَة رجل حلف بِالطَّلَاق أَنه لَا يخرج فلَانا من الْحَبْس حَتَّى يَسْتَوْفِي مِنْهُ دينه فَوكل وَكيلا مُطلقًا وَأخرجه قبل ذَلِك فَهَل يَقع عَلَيْهِ الطَّلَاق
أجَاب رَضِي الله عَنهُ لَا يَقع الطَّلَاق إِلَّا أَن يكون مِمَّن يعد إِخْرَاج الْوَكِيل إخراجا من الْمُوكل بِحَيْثُ يفهم من مُطلق قَول الْقَائِل لَا أخرج فلَانا نفي إِخْرَاج وَكيله بِإِذْنِهِ أَيْضا وَالله أعلم
لَا يَنْبَغِي أَن يتَسَامَح مَعَ الْعَامَّة بِالطَّلَاق أَنه لَا يَقع فَإِنَّهُم لَا يعْرفُونَ الْفرق بَين مُبَاشرَة الْفِعْل والتسبب إِلَيْهِ فِي كثير من إطلاقاتهم وَأمر الطَّلَاق خطر وَالله أعلم
400 - مَسْأَلَة رجل جارى رجلا فِي مَسْأَلَة فَقَالَ لَهُ ذَاك إِذا قَالَ لَهَا أَنْت طَالِق ثَلَاثًا فَقَالَ هَذَا إِذا قَالَ أَنْت طَالِق ثَلَاثًا وتوسوس فَقَالَ مَعَ ذَلِك فِي قلبه زَوْجَتي فَلِأَنَّهُ خطر لَهُ ذَلِك من غير أَن يَقْصِدهُ فَهَل يَقع عَلَيْهِ الطَّلَاق
أجَاب رَضِي الله عَنهُ إِذا كَانَ خاطره قد سبق هَذَا اللَّفْظ الْمَذْكُور إِلَى زَوجته سبقا هجميا من غير قصد وَاخْتِيَار لذَلِك فَلَا يَقع بذلك طَلَاقه كَمَا

(2/445)


@ فِي مثله من لفظ الطَّلَاق إِذا سبق لِسَانه فَإِنَّهُ لَا يَقع عَلَيْهِ بِهِ على مَا عرف وَالله أعلم
401 - مَسْأَلَة رجل قَالَ لامْرَأَته فِي ثوب مَتى أَعْطَيْتنِي هَذَا الثَّوْب فَأَنت طَالِق فناولت الثَّوْب شخصا كَانَ بَينهَا وَبَين الزَّوْج ثمَّ نَاوَلَهُ ذَلِك الشَّخْص للزَّوْج فَهَل يَقع الطَّلَاق وَيصِح الْخلْع
أجَاب رَضِي الله عَنهُ إِذا كَانَت قد ناولته ذَلِك الشَّخْص لَا ليناوله الزَّوْج فالطلاق لَا يَقع بذلك وَإِن ناولته ليناوله زَوجهَا مستعينة بِهِ فِي إعطائها إِيَّاه فالطلاق يَقع لِأَن الْإِعْطَاء لَا يتَوَقَّف تحَققه على مناولة الْمُعْطِي من يَده إِلَى يَده وَلِهَذَا إِذا أهْدى شخص إِلَى شخص على يَد رَسُول يُسمى الْمهْدي معطيا لَهُ وَقَالُوا فِيمَا إِذا علق الطَّلَاق على عطيتها لَهُ يَكْفِي أَن يحضر المَال ليأخذه وَإِن لم يَأْخُذهُ ثمَّ يكون ذَلِك خلعا صَحِيحا إِذا لم تكن هِيَ تَحت الْحجر وَوجد بَاقِي شُرُوطه الْخلْع الصَّحِيح
402 - مَسْأَلَة رجل حلف بِإِطْلَاق الثَّلَاث إِن فُلَانَة لَا تَأتي إِلَى بَيته بِشَيْء يُسَاوِي فلسًا وَاحِدًا وَنِيَّته أَنَّهَا لَا تَأتي بِشَيْء أصلا قَلِيلا كَانَ أَو كثيرا فَأَتَت إِلَى بَيته بِثَلَاث أجاصات
أجَاب رَضِي الله عَنهُ إِذا كَانَت نِيَّته بِلَفْظِهِ هَذِه الطَّلَاق الثَّلَاث فالطلاق وَاقع سَوَاء كَانَت الأجاصات تَسَاوِي فلسًا أَو لَا تَسَاوِي لِأَنَّهُ نوى مَا يحْتَملهُ لَفظه وَذَلِكَ بِأَن يَجْعَل قَوْله لَا تَأتي بِشَيْء عَاما لكل شَيْء ثمَّ لَا يَجْعَل قَوْله تَسَاوِي فلسًا وَصفا مُقَيّدا بل مَشْرُوعا فِي تَفْصِيل لم يتمم أقسامه كَأَنَّهُ أَرَادَ أَن يَقُول تَسَاوِي فلسًا أَو غَيره فاقتصر وَلم يسْتَوْف وَهَذَا على بعده يحْتَملهُ أسلوب الْكَلَام فاذا نَوَاه سَاغَ وَلَزِمَه حكمه وَبِهَذَا يُفَارق

(2/446)


@ مَسْأَلَة لَا أشْرب مَاء من عَطش وَالله أعلم
403 - مَسْأَلَة رجل حلف على زَوجته بِالطَّلَاق أَن الشَّيْء الْفُلَانِيّ لم يكن أَو كَانَ ظنا مِنْهُ أَنه كَذَلِك فَبَان الْأَمر على خلاف مَا ظَنّه
أجَاب رَضِي الله عَنهُ إِن طَلَاقه وَاقع على أظهر الْقَوْلَيْنِ
والمحاملي فِي رُؤُوس الْمسَائِل لم يذكر إِلَّا الْحِنْث خلافًا لأبي حنيفَة رَحمَه الله
404 - مَسْأَلَة إِذا كرر أَنْت طَالِق ثَلَاثًا وَلم ينْو لَا التأكد وَلَا الِاسْتِئْنَاف
أجَاب رَضِي الله عَنهُ يَقع الطَّلَاق على أصح الْقَوْلَيْنِ وَالله أعلم أَنه الْأَصَح فِي التَّنْبِيه قيل هُوَ مَذْهَب مَالك وَأبي حنيفَة رَضِي الله عَنْهُمَا
405 - مَسْأَلَة رجل قَالَ على الطَّلَاق أَنِّي لَا أفعل كَذَا إِلَّا أَن يسبقني الْقَضَاء وَالْقدر ففعلته ثمَّ إِنَّه فعل قَالَ وأزدت إِخْرَاج مَا يقدر مِنْهُ على الْيَمين فَهَل يَقع الطَّلَاق وَقد فعل
أجَاب رَضِي الله عَنهُ لَا يَقع الطَّلَاق وَالْحَالة هَذِه وَهَذَا يُوضحهُ النّظر إِلَى خُرُوج هَذِه الصِّيغَة عَن صِيغَة الِاشْتِرَاط وَكَونهَا بِصِيغَة الْيَمين بِاللَّه وَالْمَسْأَلَة فِيهَا مبَاحث وَالله أعلم
406 - مَسْأَلَة لَو قَالَ لزوجته الْمَدْخُول بهَا أَنْت طَالِق كل الطَّلَاق فقد ذكر الْأَصْحَاب أَنه يَقع الثَّلَاث وَهُوَ صَرِيح فِيهَا وَأَنه بِمَنْزِلَة قَوْله أَنْت طَالِق أَكثر الطَّلَاق وَقَالُوا أَن قَوْله أَنْت طَالِق أَكثر الطَّلَاق بِمَنْزِلَة قَوْله أَنْت

(2/447)


@ الطَّلَاق ثَلَاثًا فَلَو قَالَ الْحَالِف مَا أردْت بِقَوْلِي كل الطَّلَاق وُقُوع الطَّلَاق الثَّلَاث فَلَا شكّ أَنه لَا يقبل قَوْله فِي ظَاهر الحكم وَلَكِن هَل يدين فِيمَا بَينه وَبَين الله تَعَالَى قِيَاسا على بعض مسَائِل التَّدْبِير الْمُخْتَلف فِيهَا أَو لَا يدين كَمَا قَالَ أَنْت طَالِق وَكَذَا لَو قَالَ أَنْت طَالِق أَكثر الطَّلَاق وَقَالَ مَا أردْت الثَّلَاث هَل يدين أم لَا
أجَاب رَضِي الله عَنهُ إِنَّمَا يدين إِذا ادّعى أمرا على خلاف الظَّاهِر لَو صدق فِيهِ لم يَقع طَلَاقه وَهَذَا لَيْسَ من هَذَا الْقَبِيل فَإِنَّهُ ادّعى أَنه مَا أَرَادَ وُقُوع الثَّلَاث وَلَو كَانَ صَادِقا فِي ذَلِك لم يمْنَع من وُقُوع طلاقيه الثَّلَاث مَعَ إِرَادَته اللَّفْظ الصَّرِيح الْموقع للثلاث فَإِن إِرَادَته وُقُوع الطَّلَاق وَغير مشترط وَإِنَّمَا الْمُشْتَرط فِي ذَلِك إِرَادَته اللَّفْظ وَإِن لم يرد حكمه وَالله أعلم
407 - مَسْأَلَة رجل أقرّ أَنه طلق زَوجته من مُدَّة وَذكر مقدارها فَهَل يَجْعَل ابْتِدَاء الْعدة من حِين ذكر أَنه أوقع طَلاقهَا أم يَجْعَل من حِين إِقْرَاره
أجَاب رَضِي الله عَنهُ بل من حِين ذكر أَنه أوقع طَلاقهَا وَالله أعلم
408 - مَسْأَلَة قَول صَاحب الْوَسِيط رَحمَه الله فِي تعليقات الطَّلَاق فِي الْمَسْأَلَة الْحَادِيَة وَالْعِشْرين وَلَا خلاف فِي أَنه لَو قصد منعهما عَن الْمُخَالفَة وعلق على فعلهَا فنسيت لَا تطلق وَإِن أكرهت فَيحْتَمل الْخلاف لِأَنَّهَا مختارة فَهَل يطرد الحكم فِيمَا إِذا علقه على فعل غَيرهمَا فَفعله نَاسِيا أَو يجْرِي الْخلاف كَمَا لَو علقه على فعل نَفسه فَفعله نَاسِيا أَو يَقع بِلَا خلاف لوُجُود الصّفة وَإِذا اخْتلف الحكم فِيمَا إِذا علقه على فعله أَو فعلهَا أَو فعل الْغَيْر فَفعل نَاسِيا فَمَا الْفرق وَالْفِعْل وَالنِّسْيَان

(2/448)


@ موجودان فِي الصُّور الثَّلَاث وَهل لتصوير الشَّيْخ كَون الزَّوْج قصد منعهَا عَن الْمُخَالفَة تَأْثِير فِي الحكم إِذْ لَا فرق بَين أَن يقْصد أَو يُطلق التَّعْلِيق على مُجَرّد فعلهَا ففعلته ناسية لم تطلق وَكَونه ذكر احْتِمَال الْخلاف فِي إكراهها وَعلل باختيارها مَا وَجهه وَهل مصدر قضى يقْضِي مَمْدُود أم مَقْصُور الَّذِي هُوَ الْقَضَاء وَهل مده أَو قصره مقيس أَو مسموع
أجَاب رَضِي الله عَنهُ إِنَّمَا نفي الْخلاف فِيمَا إِذا قصد بِيَمِينِهِ منعهَا من الْمُخَالفَة لِأَن مُسْتَند أحد الْقَوْلَيْنِ فِي وُقُوع الطَّلَاق مَعَ النسْيَان أَنه علق الطَّلَاق بِوُجُود الصّفة مُطلقًا إطلاقا شَامِلًا لما إِذا وجدت من مُخْتَار قَاصد للمخالفة وَأما إِذا وجدت من نَاس غير قَاصد للمخالفة فَيصير كَمَا إِذا صرح بذلك فِي يَمِينه وَقَالَ إِذا دخلت ناسية أَو ذاكرة أَو قاصدة للمخالفة أَو غير قاصدة فَأَما إِذا نوى حَالَة الْمُخَالفَة خَاصَّة قَاصِدا منعهَا من الدُّخُول على جِهَة الْمُخَالفَة فالدخول مَعَ النسْيَان خَارج عَن يَمِينه قطعا فَلَا تكون يَمِينه شَامِلَة فَلَا يَقع الطَّلَاق قطعا إِذا عرف ذَلِك فَكَذَلِك إِذا علق على فعل الْغَيْر الَّذِي يمْتَنع بِيَمِينِهِ وَقصد مَنعه من الْمُخَالفَة فَلَا يَقع بِفِعْلِهِ مَعَ النسْيَان قطعا وَأما الْمُكْره فَإِنَّمَا جرى الْخلاف فِيهِ مَعَ قصد الْحَالِف الْمَنْع مَعَ الْمُخَالفَة لِأَنَّهُ عَالم بِالْيَمِينِ مُخْتَار للْفِعْل لكَونه مُتَمَكنًا من تَركه فَيكون قَاصِدا الْمُخَالفَة بِخِلَاف النَّاس وَالله أعلم
وَأما مصدر قضى يقْضِي فَإِنَّهُ قَضَاء بِالْمدِّ وَالله أعلم
409 - مَسْأَلَة رجل طلق امْرَأَته فِي طهر جَامعهَا فِيهِ فَهَل يحْسب ذَلِك من الإقراء أم لَا
أجَاب رَضِي الله عَنهُ نعم يحْسب ذَلِك من الإقراء إِذا كَانَت عدتهَا بالإقراء وَالله أعلم

(2/449)


- مَسْأَلَة رجل حلف بِالزَّوْجِيَّةِ ثَلَاثًا وَصرح بِالطَّلَاق الثَّلَاث على شخص فَقَامَ وَرَاح الْمَحْلُوف عَلَيْهِ فَقَالَ مساكم الله بالسعادة فَقَالَ الْحَالِف عَلَيْكُم السَّلَام وَمَا قصد بذلك كَلَامه وَإِنَّمَا سبق لِسَانه إِلَيْهِ فَهَل يلْزمه الطَّلَاق أم لَا
أجَاب رَضِي الله عَنهُ إِن كَانَ قد سبق لِسَانه لذَلِك من غير أَن يقْصد أَن يتَكَلَّم أصلا مثل مَا يجْرِي على لِسَان النَّائِم فطلاقه لَا يَقع قولا وَاحِدًا وَالله أعلم
411 - مَسْأَلَة رجل علق طَلَاق زَوجته على صفة وَهُوَ أَن قَالَ لَهَا مَتى غبت عَن مَدِينَة دمشق أَرْبَعَة أشهر وَلَا أواصلك بِنَفَقَة فَأَنت طَالِق طَلْقَة ثمَّ سَافر وَغَابَ أَرْبَعَة أشهر فَهَل تصح شَهَادَة الشُّهُود على أَنه لم يواصلها

(2/450)


@ بِنَفَقَة وَهل إِذا ادَّعَت أَنه لم يواصلها بِنَفَقَة وَحلفت فَهَل يكون القَوْل قَوْلهَا مَعَ يَمِينهَا وَيَقَع الطَّلَاق أم لَا
أجَاب رَضِي الله عَنهُ لَا تسمع شَهَادَتهم على نفي مواصلتها بِالنَّفَقَةِ وَالْقَوْل قَوْلهَا مَعَ يَمِينهَا فَإِذا حَلَفت فَالظَّاهِر الحكم بِوُقُوع الطَّلَاق إِذا ثَبت الْوَصْف الْمَذْكُور الآخر وَالله أعلم
412 - مَسْأَلَة رجل تزوج بِامْرَأَة بسؤال أمهَا وَهُوَ يظنّ أَن أمهَا قَالَت لَهُ فِي حَال صغره أَنَّك ارتضعت مني وَهُوَ يشك فِي قَول الْأُم وَلم يتَحَقَّق فَهَل يبطل النِّكَاح بِمُجَرَّد الشَّك أم لَا
أجَاب رَضِي الله عَنهُ الرَّضَاع الْمحرم خمس رَضعَات متفرقات فِي الْحَوْلَيْنِ فَإِن كَانَت إِنَّمَا أخْبرته برضاع أقل من ذَلِك فَلَا بَأْس عَلَيْهِ وَإِن أخْبرته بِالرّضَاعِ الْمحرم وَلَيْسَ غَيرهَا يشْهد بذلك فَلَا يثبت التَّحْرِيم فِي ظَاهر الحكم بل الْأَحْوَط أَن يطلقهَا وَالله أعلم = وَمن كتاب النَّفَقَات
413 - مَسْأَلَة إِذا مضى على الزَّوْجَة مُدَّة وَلم يصل إِلَيْهَا من الزَّوْج كسْوَة وَكَانَت تَحت طَاعَته فَهَل يكون ثمنهَا دينا كَالنَّفَقَةِ وَهل إِذا سكنت فِي منزلهَا وَمضى عَلَيْهَا مُدَّة هِيَ وَالزَّوْج ثمَّ ادَّعَت عَلَيْهِ بِأُجْرَة مسكن مثلهَا هَل يجب ذَلِك أم لَا وَهل يجب أُجْرَة سكناهَا إِذا كَانَ بِإِذْنِهَا ورضاها فِي الِابْتِدَاء أم لَا
أجَاب رَضِي الله عَنهُ لَا يصير ثمنهَا دينا بل هِيَ نَفسهَا تكون دينا

(2/451)


@ عَلَيْهِ كَالنَّفَقَةِ ذَهَابًا إِلَى أَن الْأَظْهر أَنه يعْتَبر فِي الْكسْوَة التَّمْلِيك وَأما السُّكْنَى فَتسقط بِمُضِيِّ الزَّمَان فَإِن الْمُعْتَبر فِيهَا الِانْتِفَاع دون التَّمْلِيك وَكَذَلِكَ مَا يجب لَهَا من أَسبَاب النَّظَافَة وَأما أُجْرَة سكناهُ مَعهَا فِي ملكهَا فَإِن كَانَت قد أَذِنت لَهُ فِي ذَلِك من الِابْتِدَاء فَهِيَ غير وَاجِبَة عَلَيْهِ لِأَن إِذْنهَا الْمُطلق غير مقرون بِذكر عوض منزل على الْإِبَاحَة والإعارة وَالله أعلم
414 - مَسْأَلَة رجل يقدر على الْكسْب بِصِحَّة بدنه وَله عِيَال فَهَل يجب عَلَيْهِ الْكسْب أَو فِيهِ اخْتِلَاف عِنْد الْعلمَاء
أجَاب رَضِي الله عَنهُ فِيهِ خلاف الْأَظْهر أَنه يجب عَلَيْهِ الِاكْتِسَاب لنفقة من تلْزمهُ نَفَقَته وَقد رُوِيَ عَنهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كفى بِالْمَرْءِ إِثْمًا أَن يضيع من يعول وَذُو الْمرة السوي مَعْنَاهُ ذُو الْقُوَّة السوي الْخلقَة وَالله أعلم
415 - مَسْأَلَة رجل تزوج امْرَأَة من أهل الْحَضَر فَأَرَادَ نقلهَا إِلَى الْبَادِيَة والعيش بهَا دون عَيْش أهل الْحَضَر أَو إِلَى بلد يخَاف على الْمُقِيم بِهِ فِي نفس أَو مَال أَو الطَّرِيق إِلَيْهِ يخَاف من الْأسر فِيهِ أَو الْغَرق أَو يكون الْبَلَد لأي تمكن الدَّاخِل إِلَيْهِ من الْخُرُوج مِنْهُ إِلَّا بعسر أَو دَار كفر هَل يُجَاب الزَّوْج إِلَى نقلهَا إِلَى ذَلِك الْموضع أم لَا

(2/452)


@
وَكَذَلِكَ هَل للزَّوْج أَن يسد عَلَيْهَا الكوات فِي مَسْكَنهَا ويغلق عَلَيْهَا الْأَبْوَاب وَهِي على خلاف الْمُعْتَاد وَهل لَهُ أَن يمْنَعهَا من الْعَمَل فِي منزله من الرقم أَو الْغَزل أَو الْخياطَة وَهل لَهَا أَن لَا تقبل فِي الْكسْوَة إِلَّا الْجَدِيد حَتَّى يكون لَهَا الِامْتِنَاع من المغسول الَّذِي هُوَ فِي قُوَّة الْجَدِيد وَهَذَا إِذا أقرَّت بدين عَلَيْهَا لتمتنع من السّفر مَعَ الزَّوْج وَلها مَال هَل على الْحَاكِم أَن يجبرها على دفع الدّين إِلَى الْغَرِيم على تَسْلِيمه إِذا طلب الزَّوْج ذَلِك ليزول الْمَانِع من سَفَره بهَا
أجَاب رَضِي الله عَنهُ لَهُ نقلهَا إِلَى الْبَادِيَة وَاخْتِلَاف الْعَيْش لَا يمْنَع من ذَلِك كَمَا فِي البلدين الْمُخْتَلِفين فِي الْعَيْش ثمَّ لَهَا نَفَقَة مَعْلُومَة تجب عَلَيْهِ فِي الْحَضَر والبادية وَلَيْسَ مُجَرّد الْعَيْش فِي الْخُرُوج من الْبَلَد مَانِعا من إلزامها مُوَافَقَته فِي الِانْتِقَال إِلَيْهَا وَأما الصُّور الْأُخْرَى فلهَا الِامْتِنَاع من مُوَافَقَته فِيهَا وَلَيْسَ لَهُ سد الكوى عَلَيْهَا وَله إغلاق بَاب منزله عَلَيْهَا إِذا خَافَ من ضَرَر يلْحقهُ فِي فَتحه وَلَيْسَ لَهُ منعهَا من الْخياطَة والرقم والغزل وَنَحْوهَا فِي منزله كَمَا فِي مثله من الْمُسْتَأْجر وَأما المغسول الْقوي فِي الْكسْوَة فَيتبع فِيهِ عَادَة ذَلِك الْبَلَد فَإِن الْعَادة فِي وَاجِب كسوتها مُعْتَبرَة فَإِن كَانَ ذَلِك خَارج عَن الْعَادة فِي مثله لم يلْزمهَا قبُوله وعَلى الْحَاكِم الْإِجْبَار الْمَذْكُور فِي إبْقَاء الدّين على الْوَجْه الْمَذْكُور وَالله أعلم

416 - مَسْأَلَة رجل تخاصم مَعَ زَوجته وغضبت وراحت إِلَى بَيت والدها بِغَيْر أمره وأقامت عِنْده مُدَّة فَهَل تسْتَحقّ عَلَيْهِ فِي تِلْكَ الْمدَّة نَفَقَة أم لَا وَإِذا رجعت الى الزَّوْج وَاخْتلفت هِيَ وَالزَّوْج فِي مِقْدَار الْمدَّة الَّتِي أَقَامَت عِنْد أَبِيهَا بِغَيْر إِذْنه فَذكرت مُدَّة وَذكر الزَّوْج مُدَّة أَكثر مِنْهَا الثُّبُوت قَول من
أجَاب رَضِي الله عَنهُ لَا كسْوَة لَهَا وَلَا نَفَقَة فِي جَمِيع الْمدَّة الَّتِي

(2/453)


@ خرجت من بَيتهَا فِيهَا وأقامت عِنْد أَبِيهَا إِذا كَانَ ذَلِك بغيرإذنه وَأما اخْتِلَافهمَا فِي مُدَّة ذَلِك فَإِن اتفقَا على وَقت خُرُوجهَا وتنازعا مَتى رجعت إِلَى طَاعَته وَلَا بَيِّنَة فَالْقَوْل قَول الزَّوْج مَعَ يَمِينه لِأَن الأَصْل عدم رُجُوعهَا بِغَيْر إِذْنه فَالْقَوْل قَوْلهَا مَعَ يَمِينهَا لِأَن الأَصْل عدم خُرُوجهَا وَإِن طَلقهَا ذَلِك فَالْقَوْل قَوْلهَا مَعَ يَمِينهَا لِأَن النَّفَقَة كَانَت وَاجِبَة وتنازعا فطرأ أَن مسْقط مَحل التَّنَازُع وَالْأَصْل عَدمه
417 - مَسْأَلَة وَردت من قَاض مَا الحكم فِي امْرَأَة غَابَ عَنْهَا زَوجهَا وَانْقطع خَبره وَلم يتْرك لَهَا نَفَقَة هَل الْفَتْوَى على أَن لَهَا الْمُطَالبَة بِالْفَسْخِ بِسَبَب ذَلِك أم لَا وَكم الْأَقْوَال الْقَدِيمَة الَّتِي يُفْتى عَلَيْهَا وَمَا هِيَ
أجَاب رَضِي الله عَنهُ إِن الْفتيا على أَنه مهما كَانَت وَاجِبَة النَّفَقَة عَلَيْهِ وتعذرت مِنْهُ عَلَيْهَا لعدم مَال حَاضر لَهُ مَعَ عدم إِمْكَان أَخذهَا مِنْهُ حَيْثُ هُوَ كتاب حكمي وَغَيره لكَونه لم يعرف مَوْضِعه أَو عرف لَكِن تَعَذَّرَتْ مُطَالبَته عرف حَاله فِي الْيَسَار والإعسار أَو لم يعرف فلهَا الْفَسْخ بالحاكم وَحكمه كَمَا فِي الثَّابِت عسره فَإِن تعذر النَّفَقَة بذلك كتعذرها بالإعسار وَالْفرق بَينهمَا بِأَن الْإِعْسَار عيب فرق ضَعِيف وَمن أَئِمَّتنَا من يرى الافتاء بِالْمَنْعِ من الْفَسْخ لَكِن الْإِفْتَاء بِالْفَسْخِ هُوَ الصَّحِيح وَهُوَ الْأَصَح عِنْد الْغَزالِيّ رَحمَه الله ذكر ذَلِك فِي مَسْأَلَة الْمَفْقُود ولصاحبه أبي الْحسن بن الشهرزوري الدِّمَشْقِي هُوَ صنفها فِي تَصْحِيحه وَتَقْرِيره وَالله أعلم
418 - مَسْأَلَة إِذا غَابَ الزَّوْج قبل عرضهَا نَفسهَا عَلَيْهِ وتمكينه مِنْهَا فَكيف الطَّرِيق إِلَى إِيجَاب نَفَقَتهَا عَلَيْهِ وَهُوَ غَائِب

(2/454)


@
أجَاب رَضِي الله عَنهُ إِذا كَانَ مَكَانَهُ مَعْلُوما وَأرْسلت إِلَيْهِ أَنِّي مسلمة نَفسِي إِلَيْك وَوصل الْخَبَر إِلَيْهِ بذلك وَمضى زمَان إِمْكَان الْقدوم والاجتماع وَجَبت النَّفَقَة حِينَئِذٍ وَإِن انْقَطع خَبره وَلم يعلم مَكَانَهُ فَلَا سَبِيل إِلَى إِيجَاب النَّفَقَة عَلَيْهِ لتعذر التَّمْكِين على الْوَجْه الَّذِي ذَكرْنَاهُ وَنَحْوه وَالله أعلم
419 - مَسْأَلَة امْرَأَة أَرَادَ زَوجهَا السّفر بهَا فأقرت لرجل بدين فَهَل للْمقر لَهُ أَن يمْنَعهَا من السّفر وَلَا يحبسها فِي المحتبس بل يَجْعَلهَا عِنْد عدل أَو فِي مَكَان غير الْحَبْس وَإِذا حبست فَهَل تسْقط نَفَقَتهَا أم لَا
أجَاب رَضِي الله عَنهُ للْمقر لَهُ منعهَا من السّفر لِأَن الْإِقْرَار لَا يفْسد عندنَا بالتهم وَله الِاكْتِفَاء بجعلها عِنْد عدل وَفِي المحتبس وَإِذا حَبسهَا صَاحب الدّين حبسا مَانِعا للزَّوْج من الِاسْتِمْتَاع بهَا سَقَطت نَفَقَتهَا وَمن نَظَائِره أَنَّهَا إِذا اعْتدت عَن وطىء تشبهه لم يلْزم الزَّوْج نَفَقَتهَا فِي زمَان الْعدة ذكره صَاحب التَّهْذِيب وَغَيره
420 - مَسْأَلَة زوج أعْسر بالجبة وَمَا يقوم مقَامهَا فِي كسْوَة زَوجته فِي الشتَاء وَقدر على ثَوْبَيْنِ من الْخيام فَهَل لَهَا فسخ النِّكَاح بذلك
أجَاب رَضِي الله عَنهُ بعد التمهل أَيَّامًا وَبعد أَن راجعت كتبا عدَّة فَلم أَجدهَا مسطورة لَهَا الْفَسْخ بذلك كَمَا أَن لَهَا الْفَسْخ بِبَعْض مَا لَا بُد مِنْهُ من النَّفَقَة الْوَاجِبَة من الطَّعَام وَهَذَا على أَن الْإِعْسَار بالكسوة أثبت فِي جَوَاز الْفَسْخ كالاعسار بِالطَّعَامِ وَهُوَ الْمَعْرُوف الَّذِي قطع بِهِ

(2/455)


@ جماعات المصنفين وَذكروا خلافًا فِيهِ غير مَشْهُور وَالْوَجْه فِيهِ غير قوي وَالله أعلم
421 - مَسْأَلَة حبست الزَّوْجَة فِي حق عَلَيْهَا فَهَل تسْقط نَفَقَتهَا
أجَاب رَضِي الله عَنهُ إِذا تعذر عَلَيْهِ بحبسها الِاسْتِمْتَاع سَقَطت نَفَقَتهَا وَلَا تجْعَل كالمرض بل هُوَ كالعدة وَيَنْبَغِي أَن يطْلب المسطور فِيهِ وَالله أعلم
422 - مَسْأَلَة رجل غَابَ عَن زَوجته وَهِي فِي منزله مطيعة غير نَاشِزَة مُدَّة وَلم يتْرك عِنْدهَا نَفَقَة يَوْم وَاحِد وَشهِدت الْبَيِّنَة أَنه سَافر عَنْهَا وَهُوَ مُعسر معدم لَا شَيْء لَهُ وَحَضَرت الْمَرْأَة عِنْد حَاكم من حكام الْمُسلمين نَافِذ الحكم فِي ولَايَته فَاخْتَارَتْ الْفَسْخ وَسَأَلت الْحَاكِم ففسخ الْحَاكِم النِّكَاح فَهَل الْفَسْخ صَحِيح
أجَاب رَضِي الله عَنهُ لَا يَصح الْفَسْخ على الْأَصَح بِنَاء على مُجَرّد هَذَا استصحابا فَلَو شهِدت الْبَيِّنَة الْمَذْكُورَة بالإعسار الْآن بِنَاء على الِاسْتِصْحَاب جَازَ لَهَا ذَلِك إِذا لم يعلم زَوَال ذَلِك وَلم تشكل وَصَحَّ الحكم بِالْفَسْخِ وَإِذا حضر الزَّوْج لم تسلم إِلَيْهِ
423 - مَسْأَلَة مَا يجب على الْفَقِير الْمُعسر المتزوج فِي السّنة من النَّفَقَة وَالْكِسْوَة
أجَاب رَضِي الله عَنهُ على الْمُعسر من النَّفَقَة كل يَوْم من الْقَمْح هَا هُنَا وَهُوَ ثَلَاثَة أَوَاقٍ وَنصف بِهَذَا الرطل وَعَلِيهِ مُؤنَة الطَّحْن وَالْخبْز وَأَن

(2/456)


@ تَرَاضيا على أَخذ الْخبز لَا على وَجه الْمُعَاوضَة الممتنعة جَازَ وَيجب لَهَا من الْأدم قدر مَا تصلح على هَذَا الْقدر من الطَّعَام وَذَلِكَ من أَدَم الْبَلَد وَيجب لَهَا آلَة التَّنْظِيف من مشط وَنَحْوه وَيجب لَهَا من الْكسْوَة فِي السّنة مرَّتَيْنِ غليظ الْقطن أَو الْكَتَّان وَكَذَلِكَ قَمِيص وَسَرَاويل مقنعة وتزداد فِي الشتَاء جُبَّة وَيجب لَهَا مَا تجْلِس عَلَيْهِ وَمَا تنام فِيهِ من الْمنَازل من جنس ذَلِك وَلها مداس فِي رجلهَا وَمن أثاث الْبَيْت وَنَحْو ذَلِك على قِيَاسه
424 - مَسْأَلَة رجل فَقير مَاله شَيْء أصلا وَلَا يقدر على الْعشَاء وَلَا على الْغَدَاء بل هُوَ على الْفتُوح وَهُوَ مِمَّن يحفظ الْقُرْآن وَقَرَأَ شَيْئا من الْعلم وَجَمَاعَة يَظُنُّوا الْخَيْر فِيهِ وَهُوَ يعلم من نَفسه لَا خير فِيهِ وَقد أصبح لَهُ زَوْجَة وَولد وَمَا لَهُ قدرَة على نَفَقَة عِيَاله وَامْرَأَته مِمَّن لَا يحملهُ ثقلا تَقول لَهُ إِذا فتح لَك بِشَيْء أنفقهُ وَإِن لم يفتح لَك بِشَيْء فَلَا تحمل نَفسك مَا لَا تطِيق وَإِذا أحب أَن يتدين تَقول لَهُ الْمَرْأَة لَا تتدين بل تَأمره بترك الدّين وَنَفسه عِنْده عزيزة مَا يرى أَنه يتسبب وَلَا يكون إِمَامًا يُصَلِّي بِالنَّاسِ وَلَا يرى أَنه ينزل فِي مدرسة ويشتغل بل يرى ترك هَذَا كُله وَإِذا أحب الِاشْتِغَال بالفقه لَا فِي مدرسة إِلَّا على وَجه الِانْتِفَاع بِالْعلمِ من غير جامكيه ورتب النَّاس فِي الْأَسْبَاب مُخْتَلفَة الإِمَام فِي إِمَامَته وَالْقَاضِي فِي قَضَائِهِ والوالي فِي ولَايَته وَالشَّاهِد عدل فِي شَهَادَته فَهَل إِذا نزلُوا عَن رتبهم إِلَى مَا هُوَ دونهَا هَل سقطوا فِي أعين النَّاس وَإِن كَانَ مَا نزلُوا إِلَيْهِ مُبَاحا فَهَل يحرم عَلَيْهِ ذَلِك الْفِعْل لسقوطهم فِي أعين النَّاس وَهل الْأكل فِي الطَّرِيق وَغَيره يسْقط الْعَدَالَة وكل مَا يسْقط الْعَدَالَة محرم أَو غير محرم وَجَمِيع الأرواث رَوْث الْبَقر وروث الْجمال وَمَا

(2/457)


@ شابهه هَل يجوز أَن يحرق ويدفأ بِهِ ويطبخ ويسخن المَاء بِهِ وَإِن كَانَت الْبَقر وَالْجمال وَالْغنم والمعز يسببها أَصْحَابهَا فِي أَمْوَال النَّاس تَأْكُل الزَّرْع وَغَيره فَهَل ذَلِك الروث وَجَمِيع الأرواث يجوز تسخين المَاء بِهِ والطبخ بِهِ والدفء بِهِ وَجَمِيع الأرواث هَل يجوز بيعهَا أَولا وَرجل لَقِي طاسة على نهر بَين قرى وَطَرِيق سكَّة النَّاس فَأَخذهَا وَرَاح فَهَل يحرم ذَلِك عَلَيْهِ والموضع الَّذِي أَخذهَا مِنْهُ حواليه قرى وسكة الطَّرِيق بل السِّكَّة بعيدَة والقرى بعيدَة عَن الْموضع بعد قَلِيل وَجَمِيع الطُّيُور الَّتِي يجوز أكلهَا وَالَّذِي لَا يجوز بَينُوهُ لنا كَأَكْل القاق والزرزور والسماني وَمَا جَازَ أكله والقاق إِذا أكل الْميتَة والشوحة إِذا أكلت الْميتَة هَل يجوز أكل هذَيْن الطيرين أَو لَا يجوز وَقد ذكر الْحَلَال بَين وَالْحرَام بَين وَبَينهمَا متشابهات مَا الْحَلَال وَمَا الْحَرَام وَمَا الشُّبْهَة
هَذَا الْفَقِير الَّذِي لَا يرى بِفعل هَذِه الْأَشْيَاء جَمِيعهَا وَإِن كَانَت مُبَاحَة فِي الشَّرْع وَيعلم من نَفسه أَنه إِذا فعلهَا نزل عَن رُتْبَة مَا كَانَ فِي أعين النَّاس فَهَل يحرم عَلَيْهِ ذَلِك أم لَا أجَاب رَضِي الله عَنهُ
أجَاب رَضِي الله عَنهُ هَذَا الَّذِي رَآهُ من الْقعُود على الْفتُوح والإعراض عَن التَّسَبُّب والاكتساب خطأ عَظِيم الضَّرَر
أما أَولا فَلِأَن الْقعُود على الْفتُوح شُرُوطه عِنْد من يرَاهُ من أهل الْمعرفَة وَالتَّحْقِيق صعبة شَدِيدَة مِنْهَا أَن يكون كتوما لحاله عَن النَّاس غير متعرض لأرفاقهم يكون فِي النَّاس كواحد مِنْهُم لباسا وحركة ويجد فِي قلبه حلاوة وسكنا عِنْد تَأَخّر أرفاقهم وَلَا يضطرب قلبه بِسَبَب ذَلِك مَعَ شُرُوطه لَا يكَاد يُقيم بهَا ذُو الْعِيَال
وَأما ثَانِيهَا فَهَذَا يحرم على ذِي الْعِيَال ورضى الزَّوْجَة لَا يعْتَمد

(2/458)


@ عَلَيْهِ فِي ذَلِك فَإِنَّهُ لَا يسْتَمر فِي سَائِر الْأَحْوَال وَلَو رضيت فَأَيْنَ رضى الصَّغِير فَعَلَيْك بِعَمَل الْأَبْطَال الْكسْب من الْحَلَال والكد على الْعِيَال وَكفى بِالْمَرْءِ إِثْمًا أَن يضيع من يعول
وان كَانَ الْكسْب ينزله عَن مرتبته عِنْد النَّاس فَلَيْسَ ذَلِك عذرا وَمهما صحت نِيَّته سلم من الْمَحْذُور عِنْد الله وَعند النَّاس وَمن النَّاس إِنَّمَا يتَقَيَّد بهم الْمفْتُون أوصى الشَّافِعِي يُونُس الصَّدَفِي فَقَالَ إِنَّه لَيْسَ إِلَى السَّلامَة من النَّاس سَبِيل فَعَلَيْك بِمَا فِيهِ صَلَاح نَفسك ودع النَّاس
وَقَالَ من تقدم مَا نقص الْكَامِل من كَمَاله مَا جر من نفع إِلَى عِيَاله
وَمَا ذكره من نزُول من سمى عَن مَرَاتِبهمْ فِي أعين النَّاس فَلَا يحرم عَلَيْهِم ذَلِك مهما كَانَ فَاسِدا مُبَاح ثمَّ إِن كَانَ ذَلِك عَن جري مِنْهُ على منهاج السّلف الصَّالِحين طلبا للاقتداء بهم فَذَلِك حسن مُسْتَحبّ وَإِلَّا فَهُوَ مَكْرُوه وَهَكَذَا أكل الْعدْل فِي الطَّرِيق لَا يحرم وَيكرهُ وَإِنَّمَا يسْقط الْعَدَالَة لِأَنَّهُ يتَطَرَّق التُّهْمَة والأرواث الْمَذْكُورَة يجوز اسْتِعْمَالهَا فِيمَا ذكر وَلَكِن يَنْبَغِي أَن يحْتَرز من دخانها الَّذِي يعلق ينفض أَو يمسح وَيكرهُ اسْتِعْمَال رَوْث مَا يَأْكُل زرعا مَغْصُوبًا
وَالرجل الَّذِي لَقِي الطاسة يجب عَلَيْهِ أَن يعرفهَا فِي أقرب الْقرى إِلَى ذَاك الْموضع فَإِن كَانَت قيمتهَا ربع دِينَار عرفهَا سنة وَإِن كَانَت أقل عرفهَا زَمَانا يغلب على الظَّن أَن مثلهَا يَنْقَطِع السُّؤَال عَنهُ فِي مثله
وَأما الطُّيُور فَيحرم مِنْهَا كل مَا لَهُ مخلب كالبازي والشاهين والباشق والصقر وَالْعِقَاب والنسر وَجَمِيع جوارح الطير وَيحرم الهدهد والخطاف وَالَّذِي يُسمى الخفاش وَيحرم الخفاش والصرد وَيحرم

(2/459)


@ الْغُرَاب وَهُوَ القاق الْمَذْكُور الأبقع مِنْهُ وَالْأسود الْكَبِير وَتحرم الحدأة وَهِي الشيحة الْمَذْكُورَة والبغاثة مثلهَا واللقلق يحرم أَيْضا على الْمُخْتَار من الْوَجْهَيْنِ والزرزور مُبَاح وَكَذَا السماني وَهُوَ السلوى الْمنزل وكل أَنْوَاع العصافير وأنواع الْحمام والكراكي والحبالي والدجاج والدراج والفيح والقطاة والبط والأوز وطير المَاء
وَأما الْحَلَال فَهُوَ مَا لَا يشك فِي إِبَاحَته وَالْحرَام لَا يشك فِي تَحْرِيمه والشبهات مَا وَقع الشَّك فِي أمره مثل المَال فِي يَدي من يكْسب حَلَالا وحراما وَهَذَا لَهُ تَفْصِيل يطول وَمَا ذكره آخرا من المباحثات الَّتِي تنزل رتبته فِي أعين النَّاس فقد تقدم الْجَواب عَنهُ وَأَنه لَا يحرم ذَلِك عَلَيْهِ بل يجب عَلَيْهِ فِي حَاله وَذَلِكَ عِنْد حَاجَة الْعِيَال وَيسْتَحب لَهُ فِي حَاله إِذا لم يكن كَذَلِك وَكَانَ قَصده التَّوَاضُع وإيصال الرَّاحَة إِلَى غَيره بِسَبَب مَا يَفْعَله من ذَلِك وَقد سبقت الْإِشَارَة إِلَى تَمام ذَلِك وَالله أعلم
425 - مَسْأَلَة رجل اسماعيلي مصر على الحاده من مُدَّة وَهُوَ فَقير عَاجز طلب إِلْزَام ابْنة لَهُ مسلمة موسرة بِنَفَقَتِهِ فَهَل يلْزمهَا

(2/460)


@
أجَاب رَضِي الله عَنهُ لَا يلْزمهَا نَفَقَته وَلم أَجدهَا مسطورة لَكِنَّهَا ظَاهِرَة الْحجَّة فَأن نوجب نَفَقَة الْقَرِيب صِيَانة لَهُ من العطب وَهَذَا مُسْتَحقّ الْهَلَاك وَأَصله إِذا كَانَ مَعَه مَاء فِي السّفر وَله رَفِيق مُرْتَد عطشان يسْتَعْمل المَاء وَلَا يجب بذلك للمرتد بِخِلَاف الْبَهِيمَة من سَائِر الْحَيَوَانَات وَالله أعلم = وَمن كتاب الْحَضَانَة
426 - مَسْأَلَة امْرَأَة توفيت وَلها ولد رَضِيع فَبَقيَ فِي حضَانَة جدته وَلأبي الصَّبِي جَارِيَة برسم خدمَة الصَّبِي فأخرجت الْجدّة الْمَذْكُورَة الْجَارِيَة ومنعتها من خدمَة الصَّبِي فَهَل لَهَا ذَلِك مَعَ رَضِي الْأَب بِخِدْمَة الْجَارِيَة لوَلَده وتقريرها لَهُ
أجَاب رَضِي الله عَنهُ تعْيين من يقوم بِخِدْمَة الصَّبِي إِلَى الْأَب الَّذِي عَلَيْهِ الْقيام بِنَفَقَتِهِ وكفايته مهما لم يثبت أَن الْجَارِيَة الَّتِي عينهَا الْأَب كَذَلِك تضر بالجدة فِيمَا إِلَيْهَا من خدمَة الصَّغِير فَلَيْسَ لَهَا الْمَنْع من تَعْيِينهَا للْخدمَة وَالله أعلم
427 - مَسْأَلَة بنت مُمَيزَة ثَبت كفالتها للْأَب وَالأُم من وَجه هَل تمنع الْأُم من النّظر إِلَيْهَا وَأَيْنَ يكون ذَلِك
أجَاب رَضِي الله عَنهُ لَا تمنع الْأُم من النّظر إِلَى الْبِنْت وَمن زيارتها وَلها أَن تطلبها فتنفذ إِلَيْهَا قدر الزِّيَارَة وَلها أَن تَجِيء إِلَى الْبِنْت لزيارتها فان بخل الْأَب بِدُخُولِهَا إِلَى منزله أخرجهَا إِلَيْهَا وَالله أعلم وَيكون ذَلِك

(2/461)


@ برضى زوج الْأُم فَإِن أَبى تعْيين الْأَمر الأول وَهُوَ أَن ينفذ إِلَى الْأُم فَإِن زَوجهَا امْتنع من إدخالها إِلَى منزله نظرت إِلَيْهَا والابنة خَارِجَة وَهِي دَاخِلَة وَالدُّخُول من غير إطالة لغَرَض الزِّيَارَة ذكر صَاحب كتاب الْحَضَانَة أَنه لَا يمْنَع مِنْهُ وَأَشَارَ إِلَى نَحوه صَاحب التَّتِمَّة وَالله أعلم
428 - مَسْأَلَة امْرَأَة غَابَ عَنْهَا زَوجهَا وَلم يتْرك لَهَا شَيْئا وَترك ولدا لَهُ مِنْهَا ترْضِعه وَعَلِيهِ فرض مَكْتُوب فأرضعت طفْلا آخر مَعَ وَلَدهَا فَأَرَادَ جد الصَّبِي انتزاع الْفَرْض من يَدهَا لذَلِك فَهَل لَهُ ذَلِك وَهل للْأُم مُطَالبَة الْجد بِفَرْض الصَّبِي إِلَى أَن يرجع وَلَده أم لَا
أجَاب رَضِي الله عَنهُ لَيْسَ للْجدّ منازعتها فِي الْفَرْض الْمَكْتُوب على وَلَده من غير وكَالَة مِنْهُ أَو ولَايَة لَهُ عَلَيْهِ ثمَّ أَن هَذَا الْفَرْض إِن كَانَ من أُجْرَة على إرضاعها الطِّفْل وحضانته فَلَا يسْقط بإرضاعها طفْلا آخر إِن حصل بذلك نقص فِيمَا هُوَ الْمُسْتَحق عَلَيْهَا عوضا عَن الْفَرْض فَكَذَلِك يثبت الْخِيَار لمن اسْتَأْجرهَا على ذَلِك وَإِن كَانَ هَذَا الْفَرْض من نَفَقَتهَا الثَّابِتَة بِحَق الزَّوْجِيَّة فَهَذَا السَّبَب مَعَ كَونهَا لم يَقع حَائِلا بَين الزَّوْج الْغَائِب وَبَين حَقه عَلَيْهَا فَلَا يسْقط وَإِذا لم يحضر من مَال الابْن شَيْء فالحاكم يَأْمر الْجد الْمُوسر بكفاية الطِّفْل من أُجْرَة رضاعه وحضانته وَغَيرهَا بِشَرْط رُجُوعه على ابْنه إِن كَانَ الابْن مُوسِرًا وَإِلَّا فالجد الْمُوسر ينْفق اسْتِقْلَالا من غير رُجُوع وَهَذَا على الْأَصَح وَالَّذِي قطع بِهِ صَاحب الْمُهَذّب من تَقْدِيم الْجد على الْأُم وَالله أعلم
429 - مَسْأَلَة أم مُفَارقَة ثَبت لَهَا الْحَضَانَة فَأَرَادَ الْأَب أَن يُسَافر سفر نقلة فَهَل لَهُ أَخذ الْوَلَد وَهل عَلَيْهِ الْيَمين أَنه مُسَافر
أجَاب رَضِي الله عَنهُ نعم لَهُ أَخذ وَلَده مِنْهَا وَلَكِن بِشَرْط أَن

(2/462)


@ يكون من أهل الْحَضَانَة فَيكون حرا مُكَلّفا ثِقَة لَيْسَ بفاسق وَلَا مُخَالف فِي الدّين وبشرط أَن تكون النقلَة إِلَى مَسَافَة الْقصر من غير الْخَوْف لَا فِي الطَّرِيق وَلَا فِي الْمَكَان المتنقل إِلَيْهِ وبشرط أَن لَا تنْتَقل الْأُم مَعَه وَلَا تصحبه فِي ذَلِك فَإِن لم يكن ذَلِك فَمَا يثبت للْأُم من الْحَضَانَة بَاقٍ بِحَالهِ الله أعلم وَإِذا لم تصدقه الْأُم على إِرَادَة السّفر الْمَوْصُوف فَالْقَوْل قَوْله مَعَ يَمِينه وَالله أعلم
430 - مَسْأَلَة أَب زوج بِنْتا تسْتَحقّ جدَّتهَا حضانتها وكفالتها ذَرِيعَة إِلَى انتزاعها
أجَاب رَضِي الله عَنهُ إِن كَانَت مِمَّن لَا يُجَامع مثلهَا لم تثبت بذلك حضانتها فَإِنَّهَا لَا تسلم إِلَى الزَّوْج فَتبقى على مَا كَانَت وَهُوَ مسطور وَأَظنهُ فِي التَّهْذِيب وَالله أعلم
الْمُعْتق وَالْمحرم بِالرّضَاعِ لَا حق لَهما فِي الْحَضَانَة وَلَا فِي الْكفَالَة وَلَا فِي الْيَد ذكرهَا صَاحب التَّتِمَّة وَالله أعلم
431 - مَسْأَلَة رجل طلق زَوجته وَله مِنْهَا صَغِير وَهُوَ فِي الْكتاب يتَعَلَّم الْخط وَأَبوهُ من أهل الْبَلَد وَأمه من بعض الْقرى هَل تصح الْحَضَانَة للوالدة أَو للوالد فِي الْمَدِينَة
أجَاب رَضِي الله عَنهُ إِذا كَانَ فِي إِثْبَات الْحَضَانَة للْأُم إِسْقَاط حَظّ الْوَلَد بسكناه فِي الْقرْيَة فالحضانة للْأَب إِذا لم يكن فِي الْبَلَد أم أم أهل وَكَانَ الْأَب أَهلا وَالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أعلم

(2/463)


@ = وَمن كتاب الْجِنَايَات
432 - مَسْأَلَة رجل كَانَ لَهُ طاحونة فأحرقها رجل فجَاء بِرَجُل الْوَالِي إِلَى بَيت أُخْت الَّذِي أحرق فاستنزلها من الْبَيْت حَتَّى تريهم بَيت أَخِيهَا ثمَّ إِنَّهَا طرحت بعد أَيَّام وَمَاتَتْ فَالضَّمَان يلْزم صَاحب الطاحونة أم الرجل
أجَاب رَضِي الله عَنهُ لَا يلْزمهُمَا شَيْء إِذا لم يكن قد وجد من وَاحِد مِنْهُمَا مَا يُوجب الطرح وَالْمَوْت من إفزاع أَو غَيره وَإِن وجد ذَلِك وَجب الضَّمَان على من وجد ذَلِك مِنْهُ وَالله أعلم
433 - مَسْأَلَة رجل مَرِيض الْعين جَاءَ إِلَى امْرَأَة بالبادية تَدعِي الطِّبّ لتداوي عينه فكحلته فَتلفت عينه فَهَل يلْزمهَا ضَمَانهَا وَهل على ولي الْأَمر أَن يعزرها وَينظر فِي حَالهَا ويزجرها عَن المداواة أم لَا
أجَاب رَضِي الله عَنهُ إِذا اثْبتْ كَون ذهَاب عينه بِسَبَب مداواتها فعلى عاقلتها ضَمَان الْعين فَإِن لم تكن عَاقِلَة فعلى بَيت المَال فَإِن تعذر فعلَيْهَا فِي مَالهَا إِلَّا أَن تكون المداوة الَّتِي أتلفت عينه قد أذن لَهَا فِيهَا بِعَينهَا وَقَالَ مثلا داوي بِهَذَا الدَّوَاء وَهَذَا المداواة فَحِينَئِذٍ لم يجب الضَّمَان وَنَظِيره من المسطور إِذا أذن الْبَالِغ الْعَاقِل لغيره فِي قطع سلْعَة أَو فصد فَمَاتَ لم يجب ضَمَان وَأما إِذا لم ينص عَلَيْهِ بِعَيْنِه فَلَا يتَنَاوَل إِذْنه مَا

(2/464)


@ يكون سَببا لإتلافه وَمُطلق الْإِذْن تقيده الْقَرِينَة بِغَيْر الْمُتْلف وَالله أعلم
434 - مَسْأَلَة صبي افترع صبية دون الْبلُوغ فَأذْهب بَكَارَتهَا مَا الحكم فِي ذَلِك
أجَاب رَضِي الله عَنهُ يجب فِي ذمَّة الصَّبِي مهر مثلهَا على الْمَذْهَب الْأَصَح وَيجب أرش بَكَارَتهَا وَلَا ينْدَرج على الرَّأْي الْأَظْهر فِي الْمهْر وَيكون ذَلِك على عَاقِلَة الصَّبِي فَإِن لم يكن لَهُ عَاقِلَة فَعَلَيهِ فِي مَاله
وَمِمَّا يستروح إِلَيْهِ فِي هَذِه الْوَاقِعَة من المساطير مَا فِي الذِّهْن فِي الْوَسِيط وَغَيره مِمَّا يواضعه من التصانيف كالبسيط وَغَيره عَن القَاضِي إِن وَطْء الْمَجْنُون يلْتَحق بِوَطْء الشُّبْهَة فِي الْمهْر وَغَيره من أَحْكَامهَا وَمَا ذكره الْقطَّان فِي مطارحاته من أَن وَطْء الصَّبِي أمة أَبِيه هَل يحرمها عَلَيْهِ قَولَانِ وَكَأَنَّهُ يَعْنِي الْقَوْلَيْنِ فِي عمده ثمَّ هَذَا الْإِفْتَاء اخْتِيَار لأحد الْوَجْهَيْنِ اللَّذين ذكرهمَا الْغَزالِيّ فِي أَن أرش الْبكارَة هَل ينْدَرج فِي مهر الْمثل فِي المكرهة وَإِن كَانَ صَاحب الْمُهَذّب لم يذكر سوى الاندراج خلاف مَا ذكره فِي الْجَارِيَة الْمَبِيعَة بيعا فَاسِدا فَإِنَّهُ قطع فِيهَا بِعَدَمِ الاندراج وَهُوَ اخْتِيَار القَوْل القَوْل الْجَدِيد فِي ضرب أروش الْأَطْرَاف على الْعَاقِلَة وَاخْتِيَار القَوْل بِأَن عمد الصَّبِي خطأ فِي جَمِيع الْأَحْكَام وَهُوَ مَذْهَب أبي حنيفَة وَأحمد رحمهمَا الله وَالله أعلم
435 - مَسْأَلَة رجل زنديق تَابَ فَهَل تقبل تَوْبَته أم لَا وماذا يجب عَلَيْهِ
أجَاب رَضِي الله عَنهُ يُعَزّر وَتقبل تَوْبَته فَإِن رَجَعَ بادرناه بِضَرْب رقبته وَلم نمهله مُدَّة الاستتابة وَيَنْبَغِي أَن يكون الْفرق بَينه وَبَين غَيره فِي

(2/465)


@ الاستتابة والإمهال فِي مدَّتهَا وَالله أعلم
436 - مَسْأَلَة خصمان ذميان بَينهمَا محاكمة فِي شرعهم فَأَرَادَ أَحدهمَا أَن يتحاكما إِلَى ولي أَمرهم فَامْتنعَ الآخر من الْحُضُور إِلَى ذَلِك فَهَل يجْبر على محاكمته إِلَى ولي أَمرهم
أجَاب رَضِي الله عَنهُ لَا يجْبر على محاكمته عِنْد ولي أَمرهم فِي دينهم وَالْأَظْهَر أَن يجْبر الْمُمْتَنع على المحاكمة عِنْد قَاضِي الْمُسلمين إِذا دَعَاهُ خَصمه إِلَيْهِ وَالله أعلم
437 - مَسْأَلَة رجل مُسلم تراضى هُوَ وَرجل يَهُودِيّ جَار لَهُ على أُمُور مِنْهَا أَن الْيَهُودِيّ يرفع بُنْيَانه على الْمُسلم قدر خَمْسَة أَذْرع بالهاشمي فَرفع فَهَل يجب هدم مَا رفع الْيَهُودِيّ من الْبُنيان المجدد أم لَا وَهل وَالْحَالة هَذِه إِذا رفع الْمُسلم إِلَى جَانب الْبُنيان الَّذِي جدده الْيَهُودِيّ بنيانا بإزائه بعد ذَلِك بأيام يسْقط حَتَّى الشَّرْع من هدم مَا جدده الْيَهُودِيّ من الْبُنيان الْمَذْكُور أم لَا وَإِذا لم يجب هدم الْبُنيان الَّذِي جدده الْيَهُودِيّ الْمَذْكُور هَل لِلْيَهُودِيِّ أَن يحدث فِي الْبُنيان الْمَذْكُور ميزابا يَرْمِي الى درب مُشْتَرك بَينه وَبَين الْمُسلم الْمَذْكُور مَعَه لَا غَيره أم لَا وَهل لَهُ أَن يفتح فِي الْبُنيان المجدد الْمَذْكُور كوَّة يشرف مِنْهَا على الْمُسلم فِي سلمه وَملكه أم لَا سَوَاء شَرط لَهُ ذَلِك الْمُسلم الْمَذْكُور فِي بُنْيَانه أم لم يشرط وَهل اذا وَجب ازالة الأَصْل على الْأَحْوَال يتَعَيَّن على صَاحب الْأَمر المسارعة إِلَى ازالته لنصرة الاسلام أم لَا وَهل إِذا اسْتَقر بُنيان الْيَهُودِيّ الْمَذْكُور وَلم يجب إِزَالَته لِلْيَهُودِيِّ أَن يشرف مِنْهُ أَو أحد من جنسه على الْمُسلم فِي ملكه أَو على أحد من أَهله أم لَا وَإِذا لم يكن لَهُ ذَلِك فَهَل يتَعَيَّن على صَاحب الْأَمر تعزيزه على الْمَاضِي وَمنعه فِي الْمُسْتَقْبل أم لَا وَهل إِذا رفع الذِّمِّيّ صَوته على الْمُسلم يتَعَيَّن على ولي الْأَمر تعزيره على

(2/466)


@ ذَلِك أم لَا وَهل اذا عزره نَاوِيا بذلك نصْرَة الْإِسْلَام وإعزاره يُثَاب على ذَلِك أم لَا
أجَاب رَضِي الله عَنهُ يجب هدم مَا رَفعه الْيَهُودِيّ من بُنْيَانه الْمُحدث وَقدر يسير آخر ينحط بِهِ بُنْيَانه عَن مُسَاوَاة بُنيان الْمُسلم وَإِلَّا يسْقط ذَلِك برضى الْمُسلم فَإِنَّهُ حق الشَّرْع المطهر لَا لَهُ وَلَا يُؤَخر ذَلِك انْتِظَار الرّفْع الْمُسلم بُنْيَانه فَإِن تَأَخّر فَرفع بُنْيَانه فبادر الْمُسلم على مَا أحدث الْيَهُودِيّ من بُنْيَانه فَالظَّاهِر أَنه يسْقط وجوب هدم ذَلِك وَلَيْسَ لِلْيَهُودِيِّ أَن يحدث فِي بُنْيَانه ميزابا يَرْمِي إِلَى الدَّرْب الْمُشْتَرك بَينه وَبَين الْمُسلم بِغَيْر إِذْنه وَلَيْسَ لِلْيَهُودِيِّ أَن يفتح فِي بُنْيَانه كوَّة يشرف مِنْهَا على الْمُسلم وعَلى ملكه وَإِن اشْترط لَهُ الْمُسلم ذَلِك وَيجب على ولي الْأَمر المسارعة إِلَى إِزَالَة مَا تقدم ذكر وجوب إِزَالَته وَله الْأجر الأجزل إِذا فعل ذَلِك محتسبا لنصرة الْإِسْلَام وَأَهله وَيَأْثَم بإهمال ذَلِك وعَلى الْيَهُودِيّ التَّعْزِير بِشَرْطِهِ فِي تشرفه على الْمُسلم وَإِذا رفع صَوته على الْمُسلم استعلاء عَلَيْهِ فَعَلَيهِ التَّعْزِير
438 - مَسْأَلَة ذمى دعى خَصمه الذِّمِّيّ المساوى لَهُ فِي الدّين إِلَى المحاكمة عِنْد رَئِيس دينه وحاكمه فَهَل تلْزمهُ الْإِجَابَة أجَاب رَضِي الله عَنهُ لَا يلْزمه ذَلِك فَإِنَّهُ لَيْسَ بحاكم شرعا فَهُوَ كَمَا لَو دَعَاهُ الى التحاكم إِلَى من لَيْسَ بحاكم وَلَا يصلح لولاية الحكم وَفِيمَا قرر بِهِ فِي الْمُهَذّب طَريقَة ابْن أبي هُرَيْرَة فِي مختلفي الدّين إِشَارَة إِلَى هَذَا الحكم وَالله أعلم
439 - مَسْأَلَة رجل رش طَرِيقا شَارِعا وَجعله زلقا فَعبر فِيهِ شخص فِي حِين الظلال أول النَّهَار وَهُوَ لَا يشْعر بالرش فزلق وَوَقع وتكسر مَا كَانَ مَعَه من الزّجاج فَهَل على الراش ضَمَانه

(2/467)


@
أجَاب رَضِي الله عَنهُ نعم عَلَيْهِ ضَمَانه بِأَرْش مَا نقص بالتكسير وَهَذَا هَكَذَا وَإِن لم يفرط فِي الرش إِذا كَانَ لمصْلحَة نَفسه وَهَكَذَا إِن كَانَ قد فعله لمصْلحَة الْمَارَّة على الصَّحِيح اذا كَانَ من غير إِذن ولي الْأَمر وَهَذَا إِذا لم يتَعَمَّد الْمَشْي على المرشوش فَإِن تَعَمّده مَعَ علمه بالرش فَلَا ضَمَان لمباشرته واختباره قطع بِهِ صَاحب الْوَسِيط والتهذيب والتتمة وَالله أعلم
440 - مَسْأَلَة فِي كَنِيسَة هدم أَهلهَا بَعْضهَا وجددوه لَا لاستهدامه وتشعثه بل طلبا للتجمل وَالْأَحْكَام فَهَل يزَال وينقض عَلَيْهِم
أجَاب رَضِي الله عَنهُ إِن زادوا فِيهِ على مَا كَانَ نقضت الزِّيَادَة وَمَا فِيهِ الزِّيَادَة فَإِن أعادوه إِلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ حِين كَانَ جَدِيدا لم ينْقض فَإِنَّهُ لَو نقض لَكَانَ لَهُم أَن يبنوه كَمَا كَانَ أَولا حِين كَانَ جَدِيدا لم ينقص فَإِنَّهُ لَو نقض لَكَانَ لَهُم أَن يبنوه كَمَا كَانَ أَولا حِين كَانَ جَدِيد فليترك هَذَا بِحَالهِ فَإِنَّهُ بِهَذِهِ المثابة غير زَائِد على ذَلِك وَهَذَا دَقِيق وَالله أعلم
441 - مَسْأَلَة حد سَواد الْعرَاق من عبادان إِلَى الْموصل طولا وَمن الْقَادِسِيَّة إِلَى حلوان عرضا كَذَا قَالَ غير وَاحِد من المصنفين وَلَيْسَ المُرَاد التَّحْدِيد بأنفس هَذِه الْبِلَاد الْمَذْكُورَة وَإِنَّمَا المُرَاد من الْموصل مَا صرح بِهِ بَعضهم حَيْثُ قَالَ إِلَى حَدِيثه الْموصل وَهِي من آخر عَملهَا فِي ضرب الْعرَاق وَمن الْقَادِسِيَّة العذيب صرح بذلك بَعضهم وَقَالَ من عذيب الْقَادِسِيَّة وَصرح بَعضهم من حلوان إِلَى عقبَة حلوان وَهَكَذَا يَنْبَغِي أَن يكون فِي عبادان إِلَى عمل عبادان فَقدر السوَاد بالفراسخ أما عرضا فثمانون فرسخا وَأما طولا فمائة وَسِتُّونَ فرسخا فَيكون الْجَمِيع اثْنَي عشر

(2/468)


@ ألف فَرسَخ وثماني مائَة فَرسَخ وَالْعراق حَده عرضا حد السوَاد كَمَا ذَكرْنَاهُ وَإِنَّمَا يُخَالِفهُ فِي الطول فحده طولا من الغلث إِلَى عبادان وَذَلِكَ مائَة وَخَمْسَة وَعِشْرُونَ فرسخا فَيكون الْجَمِيع عشرَة آلَاف فَرسَخ فاضبط ذَلِك فَإِنَّهُ قد غلط فِيهِ وَالله أعلم
442 - مَسْأَلَة صبي غير مختون شمر غرلته ثمَّ ربطها بخيط فَتَركهَا مُدَّة فشمرت الغرلة وتقلصت وَانْقطع الْخَيط فَصَارَ كَهَيئَةِ المختون وَصَارَ بِحَيْثُ لَا يُمكن ختانه فَهَل يُجزئهُ ذَلِك وَمَا الحكم
أجَاب رَضِي الله عَنهُ الْقدر الْوَاجِب فِي الْخِتَان الْقطع الَّذِي يكْشف الْحَشَفَة جَمِيعهَا فَينْظر فِي هَذَا الْمَذْكُور فَإِن كَانَ قد صَار بِحَيْثُ لَا يُمكن قطع غرلته وَلَا شَيْء مِنْهَا إِلَّا بِقطع غَيرهَا فقد سقط عَنهُ وجوب ذَلِك وَإِن كَانَ الْقطع بعد مُمكنا فَإِن كَانَت بِدُونِ ذَلِك أما فِي بَعْضهَا أَو جَمِيعهَا وَهِي خشفة قد انكشفت بأسرها فقد سقط وَاجِب ختانه إِلَّا أَن يكون فِي تقلص الغرلة واجتماعها بِحَيْثُ يقصر عَن الْمَقْطُوع فِي طَهَارَته وجماعه وَالَّذِي يظْهر حِينَئِذٍ وجوب قطع مَا أمكن قطعه مِنْهَا حَتَّى يلْتَحق بالمختون فِي ذَلِك وَإِن لم تكن الْحَشَفَة قد انكشفت بأسرها فَيجب من الْخِتَان كُله أَو بعض مَا يكْشف عَن جَمِيعهَا فِي حَالَة الْإِمْكَان الْمَذْكُور وَالله أعلم
قولي إِنَّه يسْقط الْوَاجِب إِذا كَانَ لَا يُمكن إِلَّا بِقطع غَيره وَقد يُقَال عَلَيْهِ أَنه يَنْبَغِي أَن لَا يسْقط وَإِن أفْضى الى قطع غَيره لِأَن مَا لَا يتَأَدَّى الْوَاجِب إِلَّا بِهِ فَهُوَ وَاجِب كَمَا لَو كَانَ لَهُ ذكران لَا يتَمَيَّز الْأَصْلِيّ مِنْهُمَا فَإِنَّهُمَا يختنان مَعَ أَن نصف كل وَاحِد مِنْهُمَا زَائِد كَمَا فِي الْخُنْثَى الْمُشكل فَإِنَّهُ يختن فِي فرجيه نَقله صَاحب الْبَيَان وَمن قبله لَكِن يتَعَيَّن مُخَالفَة هَذَا فَإِن الْقصاص الَّذِي

(2/469)


@ هُوَ آكِد من هَذَا يسْقط إِذا لم يكن بِأخذ زَائِد فَهَذَا أولى وَإِن فرق بِأَنَّهُ يسْقط إِلَى خلف وَهُوَ الدِّيَة فنفرض فِي قصاص لَا بُد لَهُ كَمَا إِذا استوفى مِنْهُ بِقدر الدِّيَة بِأَنَّهُ قطع يَدَيْهِ وَقد نَص أَبُو الْفرج الدَّارمِيّ فِيمَا قَرَأت بِخَطِّهِ فِي كتاب الاستذكار من مُصَنفه على أَن الْجُمُعَة لَا تجب على الْخُنْثَى الْمُشكل وَإِن كَانَ بعض من صنف فِي أَحْكَام الْخُنْثَى الْمُشكل قد قطع بِأَنَّهَا تجب عَلَيْهِ لاسقاط الْفَرْض بِيَقِين ومساق مَا ذكره الدَّارمِيّ يُعْطي فِيمَا نَحن فِيهِ مَا ذكرته وَالله أعلم = وَمن كتاب الْحُدُود
443 - مَسْأَلَة رجل قَالَ لرجل أَنْت ولد زنا فَمَا الْوَاجِب عَلَيْهِ أجَاب رَضِي الله عَنهُ عَلَيْهِ العزير للمشتوم وَالْأَظْهَر أَنه عَلَيْهِ لأمه إِن كَانَت مُحصنَة حد الْقَذْف وَإِن كَانَ يجوز أَن يكون ولد زنا مَعَ انْفِرَاد الْوَطْء بِالزِّنَا بِأَن تكون هِيَ مستكرهة أَو ذَات شُبْهَة تخْتَص بهَا لَكِن اطلاقه ظَاهر فِي نَسَبهَا إِلَى الزِّنَا ويلتقي هَذَا من الْمَحْفُوظ فِيمَا إِذا قَالَ زنا بك فلَان فقد نصوا وَهُوَ فِي الْوَسِيط أَنه يكون قَاذِفا لَهَا مَعَ الِاحْتِمَال وَالله أعلم

(2/470)


@
وَمن كتاب الْأَطْعِمَة
444 - مَسْأَلَة القاق والشوحة هَل يجوز أكل هذَيْن الطيرين واللقلق وَقد ذكر الْحَلَال بَين وَالْحرَام بَين وَبَينهمَا مُشْتَبهَات مَا

(2/471)


@ الْحَلَال وَمَا الْحَرَام وَمَا المشتبه
أجَاب رَضِي الله عَنهُ حرم الْغُرَاب وَهُوَ القلق الأبقع مِنْهُ وَالْأسود وَالْكَبِير والحدأة وَهِي الشوحة والببغاء واللقلق يحرم أَيْضا على الْمُخْتَار من الْوَجْهَيْنِ وَأما الْحَلَال فَهُوَ مَا لَا يشك فِي إِبَاحَته وَالْحرَام مَا لَا يشك فِي تَحْرِيمه والشبهات مَا وَقع الشَّك فِي أمره وَالله أعلم
445 - مَسْأَلَة قَوْله ص = مَا أنهر الدَّم وَذكر اسْم الله عَلَيْهِ فَكُلُوا لَيْسَ السن وَالظفر وَمَا حَدثكُمْ الحَدِيث أَخذ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يذكر للصحابة رَضِي الله عَنْهُم الْمَعْنى الْمُقْتَضى لعدم جَوَاز الذَّكَاة بِالسِّنِّ وَالظفر فَمَا أرَاهُ ذكر أَكثر من أَن قَالَ أما السن فَعظم وَأما الظفر فَعِنْدَ الْحَبَشَة لَيْسَ بتنصيص على الْعلَّة الْمُقْتَضِيَة لعدم جَوَاز الذَّكَاة بهما فَإِن كَانَ هَذَا تعليلا فَمَا تَوْجِيهه بِكَوْنِهِ عِلّة

(2/472)


@
أجَاب رَضِي الله عَنهُ بل فِيهِ بَيَان لِلْعِلَّةِ غير أَن الْعلَّة فِي السن وَهُوَ كَونه عظما عِلّة يعْتد بِهِ قد يكون تَارَة فِي أصل الحكم وَتارَة فِي وضع الْأَسْبَاب والعلل فَإِن هَذَا أَيْضا من الْأَحْكَام الشَّرْعِيَّة فَوضع الْعظم إِذا عِلّة مبطلة مَانِعَة من جَوَاز الذَّكَاة تعبد لَا يعقل مَعْنَاهُ وَأما الْعلَّة فِي الظفر فمعقولة وَهِي التَّشْبِيه بالحبشية فَإِنَّهُ يُنَاسب الْمَنْع فان من تشبه بِقوم فَكَأَنَّهُ مِنْهُم والتشبه بالكفار قد يكون مَكْرُوها وَقد يكون حَرَامًا وَذَلِكَ على حسب الْفُحْش فِيهِ قلَّة وَكَثْرَة وَالله أعلم
446 - مَسْأَلَة جلد النمس والقندس والسنجاب وَالذِّئْب وسنور الْبر والثعلب إِذا دبغت جُلُود هَذِه الْحَيَوَانَات وَجعلت فرى فَهَل تكون ظَاهِرَة بالدبغ تصح الصَّلَاة فِيهَا وَعَلَيْهَا
أجَاب رَضِي الله عَنهُ أما الثَّعْلَب والسنور والسنجاب إِذا ذكيت فجلودها وشعورها طَاهِرَة وسنور الْبر لَا يُؤْكَل فجلده نجس يطهر بالدباغ وَلَا يطهر شعره على الْأَصَح والقندس مَشْكُوك وَكَذَلِكَ النمس فَالْأَصَحّ أَنه لَا يجوز استصحابه فِي الصَّلَاة وَالله أعلم
447 - مَسْأَلَة جلد النمر هَل هُوَ نجس وَهل يجوز اسْتِعْمَاله وَهل يفْتَرق الْحَال بَين مَا قبل الدّباغ وَمَا بعده
أجَاب رَضِي الله عَنهُ أما قبل الدّباغ فَهُوَ نجس كُله سَوَاء كَانَ مذكى أَو غير مذكى فَيمْتَنع اسْتِعْمَاله امْتنَاع النَّجس الْعين وَمعنى أَنه يحرم اسْتِعْمَاله قطعا فِيمَا يجب فِيهِ مجانبة النَّجَاسَة من صَلَاة وَغَيرهَا وَهل يحرم على الْإِطْلَاق فِيهِ وَجْهَان وَأما بعد الدّباغ فَنَفْس الْجلد طَاهِر وَالشعر الَّذِي

(2/473)


@ عَلَيْهِ نجس لَا يُؤثر فِيهِ الدّباغ على الصَّحِيح فاستعمال الْوَجْه الَّذِي عَلَيْهِ الشّعْر اذا مُمْتَنع مُطلقًا وَلأَجل أَنه غَالب مَا يسْتَعْمل مِنْهُ ورد الحَدِيث بِالنَّهْي عَنهُ مُطلقًا فروى أَبُو دَاوُد رَحمَه الله فِي سنَنه عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَا تصْحَب الْمَلَائِكَة رفْقَة فِيهَا جلد نمر
وَفِي حَدِيث آخر أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَا تركبوا النمار
وَجَاء فِي الحَدِيث عَنهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه نهى عَن جُلُود السبَاع أَن تفترش
وَلَا شكّ أَن النمر من السبَاع فَهَذِهِ الْأَحَادِيث قَوِيَّة مُعْتَمدَة والتأويل المتطرق إِلَيْهَا غير قوي وَإِذا وجد الْمُوفق مثل هَذَا عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي مثل هَذَا المضطرب فَهُوَ ضالته ومستروحته لَا يرى عَنهُ معدلا وَالله أعلم
448 - مَسْأَلَة سبع افترس شَاة فاقتطع مِنْهَا خَاصرتهَا وَأَبَان حشوتها وَأخرج جُزْءا من مصارينها وأنهر الدَّم ثمَّ ذكيت وَأدْركت فِيهَا حَيَاة عِنْد ذكاتها فَهَل يغلب التَّحْرِيم
أجَاب رَضِي الله عَنهُ لَا تحل وَالْحَالة هَذِه وَالله أعلم
وَمن كتاب السَّبق وَالرَّمْي
449 - مَسْأَلَة الرَّمْي أفضل أم الضَّرْب بِالسَّيْفِ
أجَاب رَضِي الله عَنهُ إِن الرَّمْي أفضل هَذَا هُوَ الظَّاهِر فَإِن فَضِيلَة كل وَاحِد مِنْهُمَا إِنَّمَا هِيَ من حَيْثُ كَونه عدَّة وَقُوَّة لأهل طَاعَة الله تَعَالَى على

(2/474)


@ أهل مَعْصِيّة الله تَعَالَى وَالرَّمْي أبلغ فِي ذَلِك بِدَلِيل حَدِيث عقبَة بن مر رَضِي الله عَنهُ فِي صَحِيح مُسلم وَغَيره أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تَلا على الْمِنْبَر قَوْله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى {وَأَعدُّوا لَهُم مَا اسْتَطَعْتُم من قُوَّة} فَقَالَ أَلا إِن الْقُوَّة الرَّمْي كررها ثَلَاثًا وَمعنى هَذِه الصِّيغَة عِنْد أهل الْعلم أَلا أَن مُعظم الْقُوَّة الْمَأْمُور بإعدادها الرَّمْي وَهَذَا يُوجب تَفْضِيل الرَّمْي على السَّيْف وَالله أعلم
450 - مَسْأَلَة وَردت من عرض الْكَرم فِي طَاعَة الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أفضل أم الشجَاعَة فِي طَاعَة الله تَعَالَى فقد تنَازع فِيهِ شخصان
أجَاب رَضِي الله عَنهُ
إِن قابلنا بَين الْكَرم الْمُطلق وَبَين الشجَاعَة فالكرم الْمُطلق أفضل وأرجح فَإِنَّهُ يدْخل فِيهِ الشجَاعَة مَعَ سَائِر أَجنَاس الْجُود ثمَّ الْكَرم من صِفَات البارىء سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَلَا سَائِر أَجنَاس الْجُود ثمَّ الْكَرم من صِفَات البارىء سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَلَا يوصفه تبَارك وَتَعَالَى بالشجاعة وَإِذا قابلنا بَين الشجَاعَة على الْخُصُوص وَبَين الْكَرم بِالْمَالِ على الْخُصُوص أَو بِهِ مَعَ مَا يلْتَحق بِهِ من الْمَنَافِع فالشجاعة أفضل فَإِنَّهَا جود بِالنَّفسِ والجود بِالنَّفسِ أقْصَى غايات الْجُود وَالله أعلم
451 - مَسْأَلَة قَول الإِمَام الْغَزالِيّ فِي السَّبق وَالرَّمْي فِي الشَّرْط الْخَامِس من الْوَسِيط أَن يرد العقد على رُمَاة مُعينين ثمَّ الْمُحَلّل فِي التجرب يجوز أَن يكون من الحزبين وَيجوز أَن يكون خَارِجا عَنْهُمَا يناضلهم ثمَّ قَالَ وَلَو شَرط أحد الحزبين لوَاحِد مِنْهُم الْغنم دون المغرم فقد حلل هَذَا لنَفسِهِ وَهل يحلل لغيره فعلى الْخلاف الْمَذْكُور وَهَا هُنَا أولى بِأَن لَا يَصح لِأَن

(2/475)


@ الْمُحَلّل هُوَ الَّذِي يسْتَحق جَمِيع السهْم وَهَذَا لَا يسْتَحق إِلَّا بعض السهْم فَمَا مُرَاد الْغَزالِيّ بقوله يناضلهم وَلَا يفاضلهم وَأَيْضًا فَإِنَّهُ جزم بِالْجَوَابِ حَيْثُ كَانَ الْمُحَلّل من الحزبين أَو خَارِجا عَنْهُمَا وأجرى الْخلاف فِيمَا لَو شَرط أحد الحزبين لوَاحِد مِنْهُم الْغنم دون المغرم فَمَا الْفرق بَينهمَا
أجَاب رَضِي الله عَنهُ قَوْله الْمُحَلّل يجوز أَن يكون من الحزبين أَي يكون الْمُحَلّل أحد الحزبين بِأَن يخرج أحد الحزبين السَّبق وَلَا يخرج الحزب الثَّانِي شَيْئا وَقَوله وَيجوز أَن يكون خَارِجا عَنْهُمَا أَي يكون الْمُحَلّل حزبا ثَالِثا أَو شخصا ثَالِثا وَقَوله يناضله صورته مَا إِذا أخرج كل وَاحِد مِنْهُمَا سيفاء وأدخلا مَعَهُمَا ثَالِثا لم يخرج شَيْئا فهم يناضلهم لِأَن الْكل يرْمونَ كَمَا فِي نَظِيره من الْمُسَابقَة على الْخَيل وَهُوَ مَا اذا أخرج كل وَاحِد من المتسابقين وأدخلا مَعَهُمَا ثَالِثا لم يخرج فالجميع يتسابقون وَقَوله أَولا يناضلهم صورته مَا إِذا لم يخرج الحربان شَيْئا وَإِنَّمَا أخرج السَّبق للْإِمَام أَو وَاحِد من الرّعية فَهَذَا خَارج عَنْهُمَا وَهُوَ لَا يَرْمِي مَعَهم وَلَا يناضلهم أَرَادَ المُصَنّف بِهَذَا الْكَلَام أَن يجْرِي فِي المناضلة الصُّور الثَّلَاث الَّتِي يجوز إِخْرَاج المَال فِيهَا فِي الْمُسَابقَة وَجعل اسْم الْمُحَلّل شَامِلًا لكل من تعلق بِهِ تَحْلِيل المَال السَّابِق وَهَذَا من أغمض مشكلات الْوَسِيط وَنَشَأ ذَلِك من سوء الْعبارَة حَيْثُ اسْتعْمل لفظ الْمُحَلّل فِي خلالف مَعْنَاهُ الْمَعْرُوف إِذا الْمَعْرُوف تَخْصِيص اسْم الْمُحَلّل بِمن يغنم وَلَا يغرم فَادْخُلْ هُوَ تَحت اسْمه من يغرم وَلَا يغنم فأوقع فِي عمياء مظْلمَة وَالله الْمُسْتَعَان
وَفِيمَا أوضحناه بَيَان الْفرق بَين قَوْله يجوز أَن يكون من الحزبين وَمَا ذكره فِي مَسْأَلَة الْوَجْهَيْنِ

(2/476)


@
وَمن كتاب الايمان
452 - مَسْأَلَة رجل حلف لَا يُشَارك فلَانا وَهُوَ شَرِيكه فاستدام فَهَل يَحْنَث
أجَاب رَضِي الله عَنهُ نعم يَحْنَث باستدامة الشّركَة إِلَّا أَن يَعْنِي شركَة مُبْتَدأ وَإِنَّمَا كَانَ هَكَذَا لِأَنَّهُ يُقَال شَاركهُ شهرا فيطلق ذَلِك على الاستدامة فَهُوَ فِي ذَلِك كَمَا فِي نَظَائِره من اللّبْس والركاب وَالسّفر وَغَيرهَا وَالله أعلم
453 - مَسْأَلَة رجل حلف أَنه يحفظ جَانب زيد فَمَا الَّذِي يلْزمه لَهُ من الْحِفْظ حَتَّى يخلص من الْحِنْث
أجَاب رَضِي الله عَنهُ ليلتزم لَهُ مَا يُمكنهُ من حفظ نَفسه وَعرضه وَمَاله وَسَائِر حُقُوقه وَجَمِيع مَا ينْسب إِلَيْهِ مِمَّا يتَأَذَّى بفواته واختلاله حَتَّى أَهله وَولده وَنَحْوهمَا فيصون لَهُ الْحَالِف ذَلِك كُله من الْخلَل والضياع بِحَسب إِمْكَانه من غير تَقْصِير مِنْهُ وَإِن كَانَ لَهُ فِي ذَلِك نِيَّة فالاعتبار بِمَا نوى وَالله أعلم
454 - مَسْأَلَة حلف عِنْد انسلاخ شهر ربيع الأول وَهُوَ يعْتَقد أَنه بعد لم يَنْسَلِخ أَنه لَا يدْخل منزله إِلَى آخر الشَّهْر وَهُوَ يَعْنِي ذَلِك الشَّهْر وَكَانَ عِنْد يَمِينه قد انْقَضى فَهَل يَقع عَلَيْهِ بِالدُّخُولِ فِي هَذَا الشَّهْر المستهل
أجَاب رَضِي الله عَنهُ لَا يَقع فِيمَا بَينه وَبَين الله تَعَالَى وَيقبل أَيْضا فِي الحكم إِذا لم يكن قد أظهر عِنْد يَمِينه اسْتِهْلَاك الشَّهْر الآخر وَالله أعلم

(2/477)


@
وَهُوَ يشبه مَسْأَلَة عمْرَة ناداها فأجابته حَفْصَة فَقَالَ وَهُوَ يعْتَقد يَا عمْرَة أَنْت طَالِق فَإِنَّهُ يَقع طَلَاق عمْرَة دون حَفْصَة وَذَلِكَ ظَاهرا أَو بَاطِنا عِنْد الشَّيْخَيْنِ أبي حَامِد الْغَزالِيّ وَأبي الطّيب الطَّبَرِيّ لَكِن فِي الْمُهَذّب أَنه لَا يقبل مِنْهُ فِي حَفْصَة ظَاهرا فَتطلق بَاطِنا وَلَيْسَ بمختار
455 - مَسْأَلَة رجل أنكر حَقًا وَحلف عَلَيْهِ بالمصحف ثمَّ اعْترف بِهِ مَاذَا يجب عَلَيْهِ
أجَاب رَضِي الله عَنهُ أَن عَلَيْهِ الْكَفَّارَة بِسَبَب الْحِنْث الْمَوْجُود مِنْهُ على كل حَال وَإِن تعمد الْكَذِب اسْتوْجبَ التَّعْزِير وَلَا يسْقط بِالْكَفَّارَةِ وَالله أعلم
قد يشْتَبه هَذَا على من وقف على مَا فِي الْمُهَذّب من أَن التَّعْزِير يكون فِي كل مَعْصِيّة لَا حد فِيهَا وَلَا كَفَّارَة فَليعلم أَن هَذَا الَّذِي وَقع بِهِ الْإِفْتَاء لَيْسَ مُخَالفا لذَلِك لِأَن الْكَفَّارَة فِي الْيَمين يتَعَلَّق بِالْحِنْثِ والعزير مُعَلّق بالمعصية الناشئة من تعمد الْكَذِب وَذَلِكَ أَمر زَائِد على الْحِنْث فَلم يُوجب إِذا التَّعْزِير فِيمَا أوحبنا فِيهِ الْكَفَّارَة بل هَذَا فِي أَمر وَذَلِكَ أَمر آخر وَالله أعلم
456 - مَسْأَلَة الْمُكْره ذكرُوا فِي أصُول الْفِقْه أَنه يدْخل تَحت الْخطاب والتكليف وَذكروا فِي كتب الْمَذْهَب أَن طَلَاقه وردته وَإِقْرَاره لَا يَصح فَكيف يجمع بَين أصُول الْفِقْه وَالْفِقْه وَكَذَلِكَ قَالُوا فِي النَّاسِي لَا يدْخل تَحت الْخطاب وعَلى أحد الْقَوْلَيْنِ فِي الْيَمين يَحْنَث وَمَا يَنْبَغِي كَونه لَا تصح هَذِه الْأَحْكَام مِنْهُ مَعَ كَونه مُكَلّفا
أجَاب رَضِي الله عَنهُ لَا مُنَافَاة بَين الْأَمريْنِ الْمَذْكُورين هُوَ مُكَلّف فِي حَالَة الْإِكْرَاه مَعَ ذَلِك يُخَفف عَنهُ بِأَن لَا يلْزمه بِحكم مَا كره عَلَيْهِ وَلم يختره من طَلَاق وَبيع غَيرهمَا لكَونه مَعْذُورًا وَمَا أَكثر التخفيفات عَن الْمُكَلّفين

(2/478)


@ وَأما تحنيث النَّاس فَلَيْسَ من قبيل التَّكْلِيف بل هُوَ من قبيل خطاب الْوَضع وَالِاخْتِيَار الْخطاب خطابان تَكْلِيف وَهُوَ خطاب الْأَمر وَالنَّهْي وخطاب وضع وإخبار كالخطاب بِالصِّحَّةِ وَالْفساد وَوُقُوع الطَّلَاق وَلُزُوم الْكَفَّارَة فِي الذِّمَّة وَهَذَا الْخطاب يثبت فِي حق غير الْمُكَلف كَالصَّبِيِّ وَالْمَجْنُون وَغَيرهمَا
457 - مَسْأَلَة زَيْت نذر إسراجه فِي مشْهد نَجْرَان هَل يجوز صرفه إِلَى غَيره
أجَاب رَضِي الله عَنهُ لَا يجوز صرفه إِلَى جِهَة أُخْرَى وَالله أعلم هَذَا بِخِلَاف الصَّلَاة حَيْثُ لَا يتَعَيَّن فِيهَا غير الْمَسَاجِد الثَّلَاثَة بِالتَّعْيِينِ وَبِخِلَاف الْجِهَاد إِذا عين لَهُ جِهَة على أحد الْوَجْهَيْنِ وَالْفرق اشْتِمَال هَذَا على نفع يتَّصل بِأَهْل الْمَكَان الْمعِين وَالتَّعْيِين فِي مثل هَذَا مُمْتَنع وَصَارَ كَمَا لَو وقف شَيْئا على زَيْت مَسْجِد أَو مشْهد معِين أَو أوصى بِهِ فَإِنَّهُ لَا يجوز صرفه إِلَى غَيره وَالله أعلم
458 - مَسْأَلَة نذر ثُلثي مَا يحصل لَهُ من فعل وَقفه فِي سَبِيل الله تَعَالَى هَل يلْزمه الْوَفَاء بِهِ
أجَاب رَضِي الله عَنهُ لَا يلْزمه لِأَنَّهُ لم يكن حَالَة النّذر مَالِكًا لما سيحصل لَهُ من الْمغل وكما لَا يَصح الْعتْق وَالطَّلَاق فِيمَا سيملكه فَكَذَلِك النذور
وَفِي الصَّحِيح عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا نذر فِيمَا لَا يملك ابْن آدم أَو فِيمَا لَا يملكهُ حِين نذر وَالْكَلَام فِيهِ يداني الْكَلَام فِي قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا طَلَاق قبل نِكَاح اعتراضا وجوابا وَأَيْضًا ثلثا مَا يحصل مَجْهُول وإلحاق نذر

(2/479)


@ الصَّدَقَة فِي هَذَا بِالْوَقْفِ الَّذِي هُوَ صَدَقَة أولى من إِلْحَاقه بِالْعِتْقِ وَالطَّلَاق وَالله أعلم
فِي التَّتِمَّة مسَائِل مشتبه مِنْهَا مَسْأَلَة فِيهَا خلاف يشبه هَذِه وَقد يتَوَهَّم مِنْهَا خلاف هَذَا وَفِيه بحث وَالله أعلم الْأَظْهر التَّفْصِيل إِن كَانَ علق على حُصُول الْمغل زَوَال الْملك أَي يصير صَدَقَة بالحصول أَو نَحْو هَذَا فَلَا يَصح كَمَا ذكرنَا وَإِن كَانَ الْتزم أَن يتَصَدَّق بِهِ حِينَئِذٍ فَيُصْبِح وَيفرق فِي وجوب الْوَفَاء بِهِ بَين أَن يكون نذر لحاج أَو مجازاة على مَا عرف وَالله أعلم = وَمن كتاب الْأَقْضِيَة
459 - مَسْأَلَة حكم حَاكم حَنَفِيّ بِمَنْع الْفَسْخ بالإعسار بِالصَّدَاقِ وَبِأَن لَهَا منع نَفسهَا مَعَ وجوب النَّفَقَة فَهَل لحَاكم آخر نقض الحكم بِأَنَّهُ لَيْسَ لَهَا منع نَفسهَا أم لَا
أجَاب رَضِي الله عَنهُ لَيْسَ لآخر نقضه إِلَّا أَن يكون الأول قد حكم على خلاف الْمَذْهَب الَّذِي يَنْتَحِلهُ مُتَوَهمًا أَنه على وَفقه لَا مُتَعَمدا انتحاله مَذْهَب غَيره فِيهِ فينقض حكمه وَالْحَالة هَذِه وَهَذَا التَّفْصِيل مُتَعَيّن فِي حكام هَذَا الزَّمَان فَإِنَّهُم لَا يعتمدون فِي أحكامهم على الِاجْتِهَاد لَا مُطلقًا وَلَا مُقَيّدا لكَوْنهم مقلدين فَإِذا جرى من أحدهم مَا ذكرنَا فَهُوَ مَقْطُوع بِكَوْنِهِ مِنْهُ خطأ فينتقض وَالله أعلم
وجدت صَاحب الْحَاوِي يذكر فِي القَاضِي بالمصروف إِذا حكم بغرامة الْخمر المراقة على الذِّمِّيّ وَكَانَ مذْهبه فِي ذَلِك شافعيا على أَن القَاضِي الصَّارِف الشَّافِعِي نقض حكمه لِأَن حكمه بَاطِل لكَونه حكم بِمَا لَا يرَاهُ هَذَا نقل شَاهد لما ذكرت وَالله أعلم

(2/480)


- مَسْأَلَة الْحَاكِم إِذا امْتنع من الحكم بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِين فِي الْحُقُوق الْمَالِيَّة وَلم يجد صَاحب الْحق مندوحة فَهَل يسوغ لَهُ الِامْتِنَاع وَالَّذِي ذهب إِلَى ذَلِك غير إِمَامه الَّذِي هُوَ متمسك بأصول مذْهبه أم لَا يسوغ وَيجب عَلَيْهِ أَن يحكم
أجَاب رَضِي الله عَنهُ لَا يسوغ لَهُ ذَلِك على وَجه التشهي وَلَا بِنَاء على مَا لَيْسَ بِدَلِيل فَإِن كَانَ مِمَّن يعرف الْأَدِلَّة وَرَأى أَن دَلِيل الِامْتِنَاع أقوى فَلهُ ذَلِك على وَجه التَّقْلِيد للْإِمَام الآخر وَيكون هَذَا عذرا لَهُ جَوَازًا مصيره إِلَى غير مَذْهَب إِمَامه الَّذِي هُوَ مقلده وَهَذَا مِمَّا إيضاحه فِي كتَابنَا كتاب الْفَتْوَى الَّذِي يتَعَيَّن على أهل الْعلم الاعتناء بِمَا فِيهِ وَالله أعلم
461 - مَسْأَلَة حَاكم من حكام الْمُسلمين هُوَ شَاهد فِي قَضِيَّة لَيْسَ فِيهَا شَاهد سواهُ فَشهد على شَهَادَته فرعان ونقلاها إِلَى حَاكم آخر ببلدة أُخْرَى وأثبتوا الْقَضِيَّة بالفرعين على شَهَادَته وَيَمِين الْمُدَّعِي ثمَّ نقلوا ذَلِك الحكم إِن كَانَ قد حكم أَو الثُّبُوت إِلَى الْحَاكِم الشَّاهِد الْأَصْلِيّ ليعْمَل بِهِ فَهَل يكون ذَلِك هُوَ أَصله وَيَبْنِي على الحكم بِالْعلمِ أَو يجوز لَهُ الْعَمَل بِهِ كَمَا لَو يكن أَصله
أجَاب رَضِي الله عَنهُ يجوز لَهُ الْعَمَل بِهِ وَلَيْسَ من قبيل الحكم بِعِلْمِهِ وَالله أعلم
462 - مَسْأَلَة حَاكم من حكام الْمُسلمين ثَبت عِنْده بِالْبَيِّنَةِ العادلة أَن فلَانا مَالك لجَمِيع عشرَة أَذْرع بالذراع الْآدَمِيّ من جَمِيع الأَرْض الَّتِي بِمَدِينَة كَذَا مَوضِع كَذَا حد هَذِه الْعشْرَة الأذرع الْمَذْكُورَة من الْقبْلَة أَرض

(2/481)


@ زيد وَمن الشمَال أَرض زيد وَمن الشرق والغرب طَرِيق ونهر وَفِي يَد زيد أَرض مقدارها سِتُّونَ بالذراعا النجار والذراع النجار مَعْرُوف يزِيد على أكبر أكبر ذِرَاع الْآدَمِيّ وَلم يعين الْحَاكِم وَلَا الشُّهُود مِقْدَار الأذرع بالآدمي وَلَا هُنَاكَ مِقْدَار يعرف بِذِرَاع الْآدَمِيّ وَلَا عين الْحَاكِم وَلَا الشُّهُود مَوْضُوع الأذرع بِعَينهَا لَا جُمْلَتهَا وَلَا ابتداءها وَلَا انتهائها وَالْحَد الغربي والشرقي يَمْتَد على جَمِيع السِّتين ذِرَاعا فجَاء فلَان ادّعى على زيد بالأذرع الْمَذْكُورَة فَقَالَ زيد الَّذِي ادعيت بِهِ وأثبته الْحَاكِم مَجْهُول الْقدر لِأَن أَذْرع الْآدَمِيّين مُخْتَلفَة اخْتِلَافا عَظِيما فِي الطول وَالْقصر وَلَيْسَ بَعْضهَا بِأولى من الْبَعْض ومجهول الْموضع لِأَنَّهُ مَا من مَكَان هَذِه السِّتين ذِرَاعا إِلَّا وَيحْتَمل أَن يكون الثُّبُوت مُتَوَجها نَحوه وَيحْتَمل أَن يكون غَيره احْتِمَالا وَاحِدًا وَهَذِه الأَرْض بيَدي وملكي فَلَا ينْزع من يَدي الا مَا يتَعَيَّن أَنه ملكا مِقْدَارًا ومحلا فَهَل يعْمل بِهَذَا الثُّبُوت فِي مِقْدَار مَا فِي مَكَان لَا يعْمل بِهِ حَتَّى يُقيم بَينه بِالْمحل والمقدار والدعاوى عِنْد الْعلمَاء لَا يسمع فِي الْمَجْهُول إِلَّا فِي مَوَاضِع مَعْدُودَة لَهُ هَذِه من جُمْلَتهَا أم يُقَال للْمُدَّعى بَين أَن هَذَا الَّذِي يَدعِي بِهِ مَعْلُوم وَإِلَّا فَلَا تتمّ الدَّعْوَى
أجَاب رَضِي الله عَنهُ جَهَالَة مَوضِع ذَلِك قادحة فِي الْعَمَل بِهِ وَأما الذِّرَاع فَينزل على الْأَوْسَط من الأذرع كَمَا نزلنَا الْمَوْصُوف بنظائر لذَلِك على الْأَوْسَط وَفِيه احْتِمَال مَعَ هَذَا وَالله أعلم
463 - مَسْأَلَة حَاكم حكم بِمحضر قد كَانَ أفتى وَسبق أَنه لَا يجوز الحكم بِهِ فَهَل يجوز نقض حكمه أم لَا
أجَاب رَضِي الله عَنهُ إِذا اعْتمد فِي حكمه بذلك على قَول من يجوز لَهُ تَقْلِيده من الْأَئِمَّة وصادف فِيهَا مَنْقُولًا عَمَّن هُوَ بِهَذِهِ المثابة فَحكم بِهِ

(2/482)


@ فَلَا يجوز نقض حكمه أما إِذا اعْتمد على رَأْيه واستنباطه مُجَردا عَن نقل نَقله فِي ذَلِك فينقض حكمه وَهَذَا التَّفْصِيل مُتَعَيّن فِي قُضَاة زَمَاننَا فِي كل مَسْأَلَة فِيهَا نظر يحْتَاج إِلَى آلَة تَامَّة فانهم لَا يجوز لَهُم الحكم فِيهَا بآرائهم وَمَا يَقع لَهُم على مَا عرف فَكيف لَا ينْقض أحكامهم فِيهِ وَإِنَّمَا قَالُوا لَا ينْقض الحكم فِي المجتهدات لِأَن الِاجْتِهَاد لَا ينْقض بِالِاجْتِهَادِ فَأَيْنَ للِاجْتِهَاد الَّذِي ينْتَقض بِنَقْض حكم أَمْثَال هَؤُلَاءِ وَالله أعلم
464 - مَسْأَلَة ورد بِخَط قَاضِي دمشق الْأَزْدِيّ فِي قَاض أحضر عِنْده كتاب وقف ليسجل وَفِيه مُحَمَّد بن زيد بن مُحَمَّد الْعلوِي وقف على أَوْلَاده أُسَامَة وَزيد وَأبي البركات وَقفا مُتَّصِلا وَشهد عِنْده شُهُود أَن مُحَمَّد بن زيد بن الْحُسَيْن الْعلوِي الْمُسَمّى فِي هَذَا الْكتاب وقف على أَوْلَاده أُسَامَة وَزيد وَأبي البركات على شرح فِي الْكتاب فسجل بِأَنَّهُ ثَبت عِنْده أَن مُحَمَّد بن زيد بن الْحُسَيْن الْعلوِي الْمُسَمّى فِي الْكتاب وقف على أَوْلَاده الْمَذْكُورين على مَا ذكر فِي الْكتاب وَمُحَمّد بن زيد الْعلوِي مَشْهُور بَين العلويين لَا يُشَارِكهُ غَيره فِي كَونه مُحَمَّد بن زيد الْعلوِي الَّذِي أولد أُسَامَة وزيدا وَأَبا البركات وَفِي أجداده الْعَالِيَة من يُسَمِّي الْحسن فسجل القَاضِي وَأثبت هَذَا الْكتاب وَعرض تسجيله على قَاض آخر فنفذه وَقَالَ ثَبت عِنْدِي مَا ثَبت القَاضِي فلَان وَقد وقف مُحَمَّد بن زيد بن مُحَمَّد الْعلوِي فَذكر اسْم الْجد على مَا هُوَ فِي أصل الْكتاب لَا على مَا سجل القَاضِي الأول وَتُوفِّي الآخر وَلَعَلَّه اعْتمد على مَا عرفه من أَن الْجد الْأَدْنَى مُحَمَّد والأعلى الْحسن فَهَل كَانَ جَائِزا لَهُ تَنْفِيذ ذَلِك التسجيل وَالْحَالة هَذِه وَهل ينفذ تنفيذه مَعَ الِاخْتِلَاف مَعَ الْحَال الْمَشْهُور وَالِاحْتِمَال الْمَذْكُور ثمَّ أَن القَاضِي الأول كَانَ قد قَالَ ثَبت عِنْدِي بِشَهَادَة فلَان وَفُلَان على شَهَادَة فلَان وَلم يذكر فِي التسجيل عَدَالَة شُهُود الْفَرْع وَلَا عَدَالَة شَاهد الأَصْل وَلَا ذكر

(2/483)


@ تعذر حُضُور شَاهد الأَصْل بِعُذْر مُعْتَبر وَقد قَالَ نقبل شَهَادَتهمَا بِمَا رأى مَعَه قبُولهَا فَهَل يقْدَح هَذَا فِي الْعَمَل بِهِ أفتونا مَأْجُورِينَ
أجَاب رَضِي الله عَنهُ بعد الاستخارة والتثبت وَقد كَانَ تقدم فِيهِ إِفْتَاء جمَاعَة درجوا آخَرين بقوا بِبُطْلَان والتسجيل وتنفيذه إِن كَانَ هَذَا التسجيل والتنفيذ بِسَائِر شروطهما صَحِيحَانِ لَا يبطلهما شَيْء مِمَّا ذكر وَالِاخْتِلَاف الْمَذْكُور بَين متن الْكتاب وتسجيله فِي الْحَد الْوَاقِف الْمَذْكُور لَا يقْدَح فِي صِحَة التسجيل وَلَا يمْنَع من ثُبُوت مَضْمُون الْكتاب بِهِ لِأَن التَّعْيِين لقَوْله الْمُسَمّى فِي هَذَا الْكتاب وَمَا جرى مجْرَاه نَص بِأَن هَذَا ذَاك فِي التَّعْيِين فَعَلَيهِ الِاعْتِمَاد وَلَا عِبْرَة بِالِاسْمِ مَعَه وَمهما اجْتمع الِاسْم وَالتَّعْيِين بِأَنَّهُ أَدَاة كَانَت من أدواته كَانَ الحكم للتعيين لَا للاسم حَتَّى لَا يحْتَمل بالاختلاف فِيهِ وَيحمل على الْغَلَط اللاغي وَلذَلِك نَظَائِر مَحْفُوظَة أَمسهَا بِهَذَا الْوَاقِع أَنه لَو قَالَ زَوجتك هَذِه فَاطِمَة وَاسْمهَا عَائِشَة أَو قَالَ زَوجتك بِنْتي فَاطِمَة وَهِي عَائِشَة لَا بنت لَهُ غَيرهَا فَقبل الزَّوْج صَحَّ العقد فِي الْمعينَة بقوله هَذِه أَو بِنْتي وَجعل مَا ذكره فِي الِاسْم الْمُخَالف غَلطا لَا تَأْثِير لَهُ وَقد قطع صَاحب الْمُهَذّب فِي هَذَا بِهَذَا من غير خلاف وَله أشباه يذكر فِيهَا وَجه ثَان وَذَلِكَ الْوَجْه مَعَ تباعده فِي الْقُوَّة عَن هَذَا يبْقى بتقاعد عَن جَرَيَانه لَهُ فِي هَذِه الْوَاقِعَة لما فِيهَا من إِمْكَان الْجمع بِالْحملِ على النِّسْبَة إِلَى الْجد العالي مَعَ انضمام الآخر الْمَذْكُور وَأما قَوْله ثَبت عِنْدِي بِشَهَادَة فلَان وَفُلَان إِلَى آخِره فكاف مَحْمُول على الصِّحَّة المصحوبة كاستيفاء

(2/484)


@ الشُّرُوط كَانَ هَذَا عِنْدهم حكم بِهِ أَو حكم بقول الْبَيِّنَة فَيحمل مطلقه على الصِّحَّة كَمَا لَو قَالَ حكمت وقضيت بِالْبَيِّنَةِ غير ناص عَليّ أَوْصَاف الشُّهُود الْمُعْتَبرَة فَإِنَّهُ يحمل على اسْتِيفَائه لذَلِك وَيعْمل بِهِ
465 - مَسْأَلَة قَاض أشهد عَلَيْهِ بِثُبُوت كتاب مَعَ الحكم أَو بِغَيْر حكم ثمَّ أدّى شُهُوده ذَلِك عِنْد قَاض آخر وَأشْهد عَلَيْهِ بِثُبُوت إِثْبَات القَاضِي الأول وتنفيذ حكمه أَو بِثُبُوت إثْبَاته فَحسب ثمَّ رفع ذَلِك إِلَى قَاضِي ثَالِث وَحضر الشُّهُود على الْحَاكِم الثَّانِي فَهَل يجوز الِاعْتِمَاد على شَهَادَتهم مَعَ حُضُور الَّذين شهدُوا على الْحَاكِم الأول
أجَاب رَضِي الله عَنهُ هَذَا فِي الأَصْل مبيضا لَا جَوَاب فِيهِ
466 - مَسْأَلَة حكم حَاكم لمبتاع أَرض على بَائِعهَا بِصِحَّة البيع بِإِقْرَارِهِ ثمَّ حضر ثَالِث وأدعى رهينة الْمَبِيع سَابِقًا على البيع وأثبته على وَجه يبطل البيع فَحكم بِبُطْلَان البيع وَصِحَّة الرَّهْن وعود الْملك لذَلِك إِلَى البَائِع وأنقذ حكمه هَذَا حَاكم ثَان وثالث ثمَّ أثبت المُشْتَرِي عِنْد الثَّالِث إِقْرَار الْمُرْتَهن بِأَنَّهُ لم يرْهن جَمِيع الْمَرْهُون وَسَأَلَهُ نقض الحكم بِصِحَّة الرَّهْن بِنَاء على ذَلِك فنقضه ثمَّ نقض حَاكم رَابِع حكم الثَّالِث الناقض وَحكم بِصِحَّة الرَّهْن وَلم يذكر مُسْتَندا لنقضه سوى أَنه نظر وشاور الْفُقَهَاء فَظهر لَهُ بطلَان نقضه
أجَاب رَضِي الله عَنهُ بعد استخارة الله تَعَالَى بعد أَن أفتى مفتون بِمَا لَيْسَ بِمَرَض فَقلت الْأَمر فِي هَذَا على تَفْصِيل ينظر فَإِن كَانَ الْحَاكِم الأول القَاضِي بِصِحَّة الرَّهْن مِمَّن يرى صِحَة الرَّهْن فِيمَا لم يرى بعضه فَحكمه بِصِحَّة الرَّهْن يكون حكما بِالصِّحَّةِ على الاطلاق ومتناولا حَالَة عدم الروية

(2/485)


@ وَعند ذَلِك حكم الثَّالِث بعد أَن ظهر أَن الْوَاقِع هَذِه بِنَقْض الحكم بِالصِّحَّةِ بِنَاء على ذَلِك نقض حكم نفذ بِالِاجْتِهَادِ وَهُوَ بِالِاجْتِهَادِ لَا محَالة غير نَافِذ وَمَعْلُوم نقلا وَدلَالَة أَن من نقض حكما هَذَا سَبيله فعلى غَيره إبِْطَال نقضه فَإِذا حكم الرَّابِع فِي هَذِه الْحَالة بِالنَّقْضِ صَحِيح نَافِذ وَإِن كَانَ الْحَاكِم الأول من رَأْيه فَسَاد رهن مَا لم يرى بعضه فِي هَذِه الْحَالة فَإِنَّمَا يحكم بِصِحَّة الرَّهْن عِنْد حُصُول الروية للْجَمِيع أَو أَن كَانَ لَا رَأْي لَهُ فِي هَذَا مُتَعَيّنا فَحكم الْمُطلق وَالْحَالة هَذِه لَا يكون حكما بِالصِّحَّةِ فِي هَذِه الْحَالة لما لَا يخفى وَعند هَذَا فَحكم الثَّالِث بِفساد الرَّهْن بِنَاء على مَا ظهر لَهُ من هَذِه الْحَالة حكم فِي مُجْتَهد فِيهِ لم يسْبقهُ على الْحَقِيقَة كلما حكم بِخِلَافِهِ فَينفذ وَلَيْسَ للرابع نقضه بِنَاء على هَذَا الْمُسْتَند الْمُجْتَهد فِيهِ وَبعد هَذَا فالرابع الناقض لذَلِك يُرَاجع فِي مُسْتَنده فان ذكر هَذَا أَو غَيره مِمَّا لَيْسَ قِيَاسا جليا وَلَا مُسْتَندا غَيره يعْتَمد فِي نقض الحكم فنقضه لَا ينفذ وَإِن ذكر مَا يسوغ نقض الحكم فنقضه نَافِذ وَإِن تعذر الْوُقُوف على مُسْتَنده فَحكم بِالنَّقْضِ وَهُوَ من أهل الحكم ظَاهره النَّفاذ وَصِحَّة الْمُسْتَند هَذَا التَّفْصِيل مُتَعَيّن وَمَا قرر بِهِ خِلَافه مِنْهُ مَا تَصْوِير صُورَة الاستفتاء بَاقِيَة وَمِنْه مَا تصور قسمي التَّفْصِيل بَاقِيَة وَالله أعلم
467 - مَسْأَلَة فِيمَا إِذا ثَبت على غَائِب عَن حلب عِنْد قاضيها حق وَحكم بِهِ وَكتب بِهِ كتابا حكما فَإِذا ورد على قَاضِي دمشق هَل يتَوَقَّف إِثْبَات الْكتاب الْحكمِي هَذَا عِنْده على حُضُور الْخصم وَإِثْبَات غيبته عَن دمشق الْغَيْبَة الْمُعْتَبرَة
أجَاب رَضِي الله عَنهُ لَا يتَوَقَّف ذَلِك على ذَلِك ويتوقف على مصادفة نَص فِيهَا عَن مُعْتَمد وَالله أعلم
468 - مَسْأَلَة بَينه ثَبت عدالتها عِنْد حَاكم من حكام الْمُسلمين ثمَّ

(2/486)


@ نقلت بِشَهَادَتِهِ على الْحَاكِم الْمَذْكُور إِلَى حَاكم آخر مُجَرّد الْعَدَالَة وَلم يكن للْحَاكِم الثَّانِي خبْرَة بعدالة الْبَيِّنَة الأولى فَهَل يجب على الْحَاكِم الثَّانِي بت الحكم بَين المتنازعين وَلم يكن لَهُ بعدالة شُهُود الأَصْل معرفَة أم لَا
أجَاب رَضِي الله عَنهُ إِن حكم الْحَاكِم الْكَاتِب بعدالتهما كفى الْمَكْتُوب إِلَى ذَلِك فِي الحكم بِشَهَادَتِهِمَا ثمَّ الظَّاهِر أَنه إِذا قَالَ هما عَدْلَانِ هَكَذَا بِصِيغَة الحزم كَانَ ذَلِك حكما مِنْهُ بعدالتهما وَإِن قَالَ حكمت أَو قضيت وَلم يحكم الْحَاكِم الْكَاتِب بعدالتهما بل اقْتصر على ذكره أَن شَاهِدين شَهدا بعدالتهما فَيحْتَاج إِلَى تَسْمِيَة شَاهِدي التَّعْدِيل ثمَّ الْمَكْتُوب إِلَيْهِ مُتَوَقف حكمه على ثُبُوت عدالتهما عِنْده بطريقة الْمَعْرُوف وَالله أعلم 4 وَمن كتاب الْقسَامَة
469 - مَسْأَلَة بُسْتَان مُشْتَرك بَين جمَاعَة لوَاحِد مِنْهُم أحد عشر قيراطا وَنصفا وَالْبَاقِي لجَماعَة مِنْهُم من لَهُ قِيرَاط أَو نَحْو ذَلِك وَقد أَقَامَ بَيِّنَة على أَنه قَابل لقسمة التَّعْدِيل وَطلب الْقِسْمَة فَهَل يحْتَاج إِلَى أَن يثبت أَن كل قِيرَاط من حِصَّته قَابل لقسمة التَّعْدِيل وَهل يحْتَاج إِلَى التَّعْدِيل وكل جُزْء من حِصَّته هُوَ بِقدر حِصَّة كل وَاحِد من الشُّرَكَاء أم يَكْفِي التَّعْدِيل فِي جملَة حِصَّته
أجَاب رَضِي الله عَنهُ إِذا كَانَ طَرِيق قسمته أَن يَجْعَل على سِهَام مُتعَدِّدَة بِحَسب سهم أقل الشُّرَكَاء نَصِيبا فَلَا بُد من تَعْدِيل كل سهم بِالْقيمَةِ وَلَا يتهيأ للاقتصار على تَعْدِيل جملَة حِصَّة صَاحب الْكَبِير وَالله أعلم

(2/487)


- مَسْأَلَة فِي شَخْصَيْنِ بَينهمَا دَار اقتسماها بِالتَّرَاضِي نِصْفَيْنِ وبابها دَاخل فِي قسم أَحدهمَا وَالْآخر بني الْأَمر على أَنه يفتح فِي قسمه بَابا إِلَى الشَّارِع فَمَنعه صَاحبه السُّلْطَان من فتح بَاب آخر لكَونه يَقع قَرِيبا من فرن لَهُم فَهَل يثبت لَهُم الاستطراق من الْبَاب الْأَصْلِيّ أَو تَنْفَسِخ الْقِسْمَة
أجَاب رَضِي الله عَنهُ إِذا كَانَا قد تقاسما على أَن الْمَذْكُور يستطرق إِلَى نصِيبه من بَاب يَفْتَحهُ من الْجِهَة الْمَذْكُورَة فَلهُ فسخ الْقِسْمَة عِنْد امْتنَاع ذَلِك عَلَيْهِ وَعند امْتنَاع شَرِيكه من تَمْكِينه من الاستطراق فِي ملكه وَلَا يَقُول ثَبت لَهُ الاستطراق فِي ملك صَاحبه الآخر من الْبَاب الْأَصْلِيّ فَإِن ذَلِك يثبت مثله عِنْد الْإِطْلَاق على أحد الْوَجْهَيْنِ لاقْتِضَاء الْعرف لَهُ حِين لَا ممر رلا فِي ملك البَائِع أَو المقاسم وَهَذَا لَيْسَ فِي مَعْنَاهُ وَالله أعلم بلَى لَو لم يكن قسمه بصدد أَن يفتح بَابه إِلَى الشَّارِع وَلَا إِلَى ملك لَهُ وَلم يكن لَهُ مستطرق إِلَّا فِي قسم مقاسمه على أحد الطَّرفَيْنِ وَهُوَ الْأَظْهر وَقد ذكر الرَّوْيَانِيّ أَبُو نصر فِيمَا إِذا لم يكن لأحد المتقاسمين ممر عَن بعض أَصْحَابنَا أَنه أفسد الْقِسْمَة كَبيع دَار لَا ممر لَهَا وَمُقْتَضى هَذَا الَّذِي حَكَاهُ وجريان مَا ذكرته فِي الْقِسْمَة على حسب جَرَيَانه فِي البيع وَالتَّسْلِيم
471 - مَسْأَلَة جمَاعَة عمروا رَحا وأداروا فِي الْبَيْت الْمَعْمُور حجرا وَاحِدًا وَقد يُمكن أَن يديروا فِيهَا حجرا آخر فَبَاعَ وَاحِد من الشُّرَكَاء جزءه لوَاحِد من بعض شركائه جَمِيع مَا يسْتَحقّهُ فِي دَاخل الْبَيْت فَامْتنعَ بَاقِي الشُّرَكَاء من ذَلِك
أجَاب رَضِي الله عَنهُ لَا يلْزمهُم زِيَادَة حجر آخر من عِنْدهم وَلَا بِقدر حِصَّته فَإِن أَرَادَ الطَّالِب لذَلِك زِيَادَة حجر آخر من عِنْده وَتَكون الْمَنْفَعَة

(2/488)


@ بَين الْجَمِيع وَلَا ضَرَر فِيهِ على الْمَالِك لم يكن لَهُم الِامْتِنَاع من ذَلِك وَالْمَنْع مِنْهُ وَلَكِن إِذا منعُوهُ من الِانْتِفَاع أصلا بِنَفسِهِ أَو من الأنتفاع الْمَذْكُورَة الزَّائِد بِنَفسِهِ أجر الْحَاكِم الْجَمِيع من غَيرهم على وَجه تدخل الزِّيَادَة الْمَذْكُورَة من الِامْتِنَاع فِي الأجارة وَتَكون الْأُجْرَة بَين الْجَمِيع وَالله أعلم
472 - مَسْأَلَة أَرض فِيهَا أَشجَار وثلثاها وقف على ولد الْوَاقِف وعَلى أَوْلَاده وَقفا مُتَّصِلا وَالثلث الآخر مَمْلُوك لرجل آخر فتراضى الْمَالِك للثلث وَالْمَوْقُوف عَلَيْهِ على الْقِسْمَة فَهَل تصح الْقِسْمَة وَإِذا صحت بِالتَّرَاضِي وَمَات الْبَطن الأول وانتقل ألى الْبَطن الثَّانِي فَهَل للبطن الثَّانِي أَن ينقضوا الْقِسْمَة
أجَاب رَضِي الله عَنهُ تصح الْقِسْمَة على الْمُخْتَار ثمَّ الظَّاهِر إِنَّهَا لَا تلْزم فِي حق الْبَطن الثَّانِي وَالله أعلم
473 - مَسْأَلَة بُسْتَان يشْتَمل على أَنْوَاع من الْأَشْجَار كَثِيرَة الْقيمَة مُشْتَرك بَين أَقوام وَصَاحب الْقَلِيل مِنْهُ يقْصد شركاءه فِيهِ بالإضرار لمَوْت أشجاره بترك السَّقْي فَهَل يجب مَنعه من الاضرار بِمَوْت أشجاره بترك السَّقْي وَهل يجب مَنعه من الاضرار بهم فِي ذَلِك بإلزامه بسقي الْأَشْجَار عِنْد طلب الشُّرَكَاء لذَلِك أَو قسْمَة الْبُسْتَان مَعَ الْخَلَاص من إضراره أَو إِجْبَاره على مُسَاقَاة من يعْمل عَلَيْهَا عِنْد الِامْتِنَاع دفعا لضرره بِتَلف الْأَشْجَار أَو تَمْكِين بَقِيَّة الشُّرَكَاء من عِمَارَته تَبَرعا من مَالهم دون مَاله ويجبره الْحَاكِم عِنْد الِامْتِنَاع وَإِذا رغب أحد الشُّرَكَاء فِي الْقِسْمَة هَل يجْبر الْمُمْتَنع عَلَيْهَا
أجَاب رَضِي الله عَنهُ يلْزم بالسقي مَعَهم على الرَّأْي الْمُخْتَار الصَّحِيح عِنْد من يعْتَمد من أَئِمَّتنَا وَإِذا طلب قسمته بالتعديل من لَا يستضر بهَا أجبر الْمُمْتَنع عَلَيْهَا وَيُمكن بَاقِي الشُّرَكَاء من عِمَارَته وَالله أعلم

(2/489)


- مَسْأَلَة دَار مُشْتَركَة بَين جمَاعَة لوَاحِد مِنْهُم النّصْف وَالنّصف الآخر لجَماعَة مِنْهُم من لَهُ عشر وَمِنْهُم من لَهُ سهم فِي أَرْبَعِينَ سَهْما وَطلب صَاحب النّصْف قسْمَة الدَّار وإفراز نصِيبه فَامْتنعَ بَاقِي الشُّرَكَاء وَالدَّار يُمكن قسمتهَا وَلَا يُمكن قسمتهَا على أقل السِّهَام لعدم الِانْتِفَاع بِهِ وَلم يكن يحصل لصَاحب السهْم الْقَلِيل مَا يُمكن الِانْتِفَاع بِهِ على جاري الْعَادة فَهَل يجْبر الْمُمْتَنع على الْقِسْمَة أم لَا وَهل إِذا طلب صَاحب النّصْف أَن يُقرر لَهُ نصف الدَّار وَيكون الْبَاقِي مشَاعا بَين بَاقِي الشُّرَكَاء وامتنعوا يجْبر على ذَلِك أم لَا وَهل إِذا لم يجبروا على الْقِسْمَة فَأَقَامَ الْمُدَّعِي بَيِّنَة أَن الدَّار قَابِلَة لقسمة الْإِجْبَار وَلم تكن الْبَيِّنَة مِمَّن يعرف شَرَائِط الْقِسْمَة وَلَا مَا يضر فِيهَا الْمُمْتَنع فَتسمع بَينته مَعَ عدم مَعْرفَتهَا شَرَائِط الْقِسْمَة
أجَاب رَضِي الله عَنهُ الْمُخْتَار أَن لَا يجْبر الْمُمْتَنع وَالْحَالة هَذِه وَلَا على أَن يبْقى أَيْضا من يستضر مشاعه فَإِن الْقِسْمَة فِي أَصْلهَا يُرَاعى فِيهَا جَانب الشُّرَكَاء أَجْمَعِينَ وَلَيْسَ ذَلِك كَمَا احْتج بِهِ من اخْتَار الْوَجْه الآخر من رِعَايَة جَانب صَاحب الدّين مَعَ استضرار الْمَدْيُون وَالله أعلم وَلَا يعْمل بِشَهَادَة من لَا يعرف الشَّرَائِط إِذا شهد بِأَنَّهَا قَابِلَة لقسمة الْإِجْبَار وأطلاق وَلم يبين وَالله أعلم
475 - مَسْأَلَة ملك مُشْتَرك بَين جمَاعَة تشارعوا بَينهم وَطلب بَعضهم الغلق على بَاقِي الشُّرَكَاء فَهَل يُجَاب أم لَا
أجَاب رَضِي الله عَنهُ إغلاق الْمَكَان الْمُشْتَرك الَّذِي تشاح فِيهِ الشُّرَكَاء وَلم ينْفَصل بَينهم فِيهِ بقسمة وَلَا غَيرهَا مَذْهَب فَاسد تأباه قَوَاعِد الشَّرِيعَة ومعاقد الْمَذْهَب وَإِنَّمَا زلَّة عَالم صدرت من بعض عُلَمَائِنَا وَقد كنت أَقُول فِي زمن تقدم وَأَنا قَائِل ذَلِك الْآن وَالله أعلم

(2/490)


- مَسْأَلَة أَرْبَعَة شُرَكَاء بَينهم أَرض على التَّسَاوِي لكل وَاحِد مِنْهُم الرّبع فَحَضَرَ مِنْهُم ثَلَاثَة واقتسموا حصصهم أَثلَاثًا وَتركُوا حِصَّة الَّذِي لم يحضر بَينهم على الإشاعة ثمَّ حضر الرَّابِع وَرَضي بذلك فَهَل تصح هَذِه الْقِسْمَة أم لَا وَفِي الشُّرَكَاء بأعيانهم بَينهم أَرض مشاعة أَربَاعًا فَحَضَرَ ثَلَاثَة مِنْهُم واقتسموا الأَرْض أَربَاعًا وعينوا حِصَّة الَّذِي لم يحضر ثمَّ حضر فَرضِي فَهَل تصح هَذِه الْقِسْمَة أم لَا
وَإِن حضر وَلم يرض بِوَاحِدَة من الْقسمَيْنِ فَهَل يحكم بفسادهما أم تصح الأولى وَتبطل الثَّانِيَة أم تصح كل وَاحِدَة مِنْهُمَا
أجَاب رَضِي الله عَنهُ الْقِسْمَة الْمَذْكُورَة أَولا بَاطِلَة فَإِن رَضِي بهَا على وَجه الْإِجَازَة لما مضى لم تصح بذلك وَإِن رَضِي على وَجه الْإِنْشَاء مِنْهُ للْقِسْمَة جَازَ مَعَ رضاهم ذَلِك وَصَحَّ أَنَّهَا لَيست قسْمَة إِجْبَار وَقِسْمَة الرِّضَا وَاسِعَة يحْتَمل فِيهَا الرَّد وَمَا هُوَ اكثر من ذَلِك وَالْقِسْمَة الثَّانِيَة إِذا لم تكن بِحكم حَاكم بَاطِلَة فَإِذا رَضِي بهَا الرَّابِع منشأ للْقِسْمَة على ذَلِك الْوَجْه جَازَ ذَلِك وَكَانَت قسْمَة لَازمه وَجعل الْإِقْرَار السَّابِق للرضى كَالْإِقْرَارِ المقرون بالرضى وَالله أعلم
477 - مَسْأَلَة قَرْيَة مُشْتَركَة بَين جمَاعَة وَبَعضهَا ملك وَبَعضهَا وقف على مَوَاضِع لكل مَوضِع وَاقِف مُسْتَقل وَفِي كتاب الْملك وَالْوَقْف مَكْتُوب أَن الْقرْيَة كلهَا مشاعة والآن فِي يَد كل وَاحِد مِنْهُم أَرضًا مُعينَة مِنْهَا وبيوتا مُعينَة يتَصَرَّف فِيهَا من سِنِين عدَّة ويعمر الْبيُوت من مَاله من غير مُنَازعَة من شركائه وَقد ادّعى بَعضهم أَن الأشاعة فِيهَا بَاقِيَة وَأَن اخْتِصَاص كل وَاحِد مِنْهُم وَقع بطرِيق التَّرَاضِي إِلَّا أَنَّهَا قسمت قسْمَة شَرْعِيَّة فَهَل يقبل قَوْله فِي دَعْوَى الإشاعة أم لَا فَإِن ثَبت كَونهَا مشاعة فَطلب بَعضهم الْقِسْمَة فِي الْأَرَاضِي

(2/491)


@ وألزمته مَعَ غيبَة الْملاك فَهَل يجْبر الْمُمْتَنع مِنْهُم على الْقِسْمَة وَالْحَالة هَذِه وَمَا حكم الْعِمَارَة هَذِه والمحدثة فِي الْبُنيان هَل للَّذي أحدثها أَخذهَا وَهل لمتولي الْوَقْف إِن كَانَ فِي الْقِسْمَة رد أَن يدْفع من مَال الْوَقْف ردا وأخذا
أجَاب رَضِي الله عَنهُ إِذا ثبتَتْ الإشاعة من الأَصْل فَالْقَوْل قَول من يَدعِي استمرارها إِذا لم تقم بَينه على قسْمَة صَحِيحَة وَإِذا طلب بَعضهم الْقِسْمَة فَإِن كَانَ الطَّالِب من جَانب الْوَقْف لم يجب وَإِن كَانَ من جَانب الْملك ومطلوبة قسْمَة مماثلة ثمَّ قسْمَة تَعْدِيل أجبر الْمُمْتَنع ثمَّ من كَانَت لَهُ عمَارَة وَلَيْسَت من نفس الإرض الْمُشْتَركَة بل جلبها من خَارج أبقيت عَلَيْهِ وَيُمكن من نقلهَا وَلَا رده إِلَى جَانب الْوَقْف وَلَا بَدَلا مِنْهُ من غير شَرط وَالْوَقْف وَالله أعلم
478 - مَسْأَلَة أَرض مُشْتَركَة على الإشاعة بنى فِيهَا أحد الشُّرَكَاء بِنَاء بآلات تخْتَص بهَا فَهَل لبَعض الشُّرَكَاء مقاسمته فِي الْبناء
الْجَواب كتب الخضيري الْحَنَفِيّ لَا والموفق الْحَنْبَلِيّ أَنه يخْتَص بِهِ لَا يُشَارِكهُ غَيره والشيرازي الشَّافِعِي كَمثل فَكتبت حَقهم فِي الأَرْض بَاقٍ وَإِن لم يكن ذَلِك فِي صلب أجارة صَحِيحَة فَلهم مُطَالبَة الْبَاقِي بِالْأُجْرَةِ على الحصص وَلَهُم أَيْضا أَن يتملكوا عَلَيْهِ بِالْقيمَةِ من الْبناء بِقدر حصصهم من الأَرْض حَتَّى يصير الْبناء مُشْتَركا بَينهم اشتراكهم فِي قراره وَالله أعلم التَّمَلُّك فِي الْغَصْب هَل يجْرِي كَمَا فِي الْعَارِية فِيهِ وَجْهَان الْأَصَح لَا لمَكَان الْقلع وَفِي هَذِه الصُّورَة لم يتَّجه الْقلع لكَونه يسْتَلْزم الْقلع بِمَا هُوَ حِصَّته من الأَرْض وَفِي هَذَا بحث وَالله أعلم

(2/492)


- مَسْأَلَة وَرَثَة اقتسموا التَّرِكَة ثمَّ ظهر دين وَوجد صَاحب الدّين عينا مِنْهَا فِي يَد بعض الْوَرَثَة فَهَل لَهُ اسْتِيفَاء الدّين مِنْهَا بِإِذن الْحَاكِم أَو يتبع كل وَاحِد من الْوَرَثَة بِمَا يَخُصُّهُ من الدّين
أجَاب رَضِي الله عَنهُ تُؤمر الْوَرَثَة بإيفاء الدّين من حَيْثُ أَرَادوا فَإِن اتَّفقُوا وأوفوا فِيهَا ونعمت وَإِن لم يتفقوا فَلَا يتَعَيَّن تَخْصِيص الدّين حصصا على مَا فِي أَيْديهم على تفَاوت الْمَقَادِير فَإِن الدّين على الْمَيِّت وَتركته هِيَ مُتَعَلقَة كالمرهون أَو قَرِيبا مِنْهُ فللحاكم أَن يَبِيع فِي الدّين مَا أَرَادَ من أَعْيَان التَّرِكَة كالأعيان الْمَرْهُونَة لَهُ أَن يَبِيع مَا شَاءَ مِنْهَا عِنْد تعذر إِذن الرَّاهِن وَلَا عَلَيْهِ أَن يوزع الدّين على الْأَعْيَان فَكَذَلِك هَا هُنَا وَعند هَذَا فَلهُ أَن يَبِيع الْعين الْمَذْكُورَة عِنْد انْتِفَاء توَافق الْوَرَثَة هَذَا مَا ظهر وَالله أعلم
480 - مَسْأَلَة إمرأة توفيت وخلفت ابْنة صَغِيرَة وزوجا هُوَ أَبوهَا ووليها وَلها عَلَيْهِ بَاقِي صَدَاقهَا فتصرف الْأَب فِي مَالهَا ثمَّ ظهر بعد مُدَّة دين ثَابت عَليّ الْميتَة وَطلب مِنْهُ صرف التَّرِكَة فِي إيفائه وَمن جُمْلَتهَا مَا كَانَ عَلَيْهِ من الصَدَاق فَادّعى أَنه قبض من نَفسه لبنته نَصِيبا من الصَدَاق بِحكم ولَايَته عَلَيْهَا وَتلف فِي يَده من غير تَفْرِيط فَهَل يقبل قَوْله فِي ذَلِك وَهل يغرم الْمبلغ إِذا تلف من غير تَفْرِيط
جَوَاب الْمَسْأَلَة سَاقِط
481 - مَسْأَلَة فِي أَيْتَام لَهُم خشب مدرك قد جَاءَ أَوَان قطع أَكْثَره وَالْبَاقِي لغَائِب لَا نَائِب لَهُ حَاضر والأيتام يَحْتَاجُونَ إِلَى بَيْعه وَلَا

(2/493)


@ يَشْتَرِي نصِيبهم مشَاعا من غير أَن يَتَيَسَّر فِيهِ للْمُشْتَرِي فَهَل يجوز قطعه وَحفظه نصيب الْغَائِب أَو ثمنه أم لَا
أجَاب رَضِي الله عَنهُ لينْظر فان كَانَ مَا يخَاف من إبْقَاء الْخشب فِي الأَرْض غير مَقْطُوع فَوَاته أَو فَوَات بعضه فَيقطع بالحاكم بِمَالِه من ولَايَة حفظ مَال الْغَائِب ثمَّ أَن تيَسّر حفظ نصيب الْغَائِب من الْخشب وأمكنت قسْمَة الْمُمَاثلَة فِيهِ بِأَن كَانَت أعيانا مُتَسَاوِيَة فِي الْقيمَة أَو لم تكن بِأَن كَانَت مُخْتَلفَة الْقيم لَكِن أمكن تَعْدِيل الحصص مِنْهُ بِالْقيمَةِ فليقسم الْحَاكِم على الْغَائِب باستقسام ولي الْيَتِيم وَإِن لم يَتَيَسَّر حفظ نصيب الْغَائِب من أَعْيَان الْخشب الْمَقْطُوع فَيُبَاع الْخشب جَمِيعه فقد توجه بيع الْجَمِيع ويحفظ الْحَاكِم نصيب الْغَائِب من الثّمن وَيصرف نصيب الْأَيَّام مِنْهُ فِي قَضَاء حاجاتهم
وَإِن أمكن حفظ نصيب الْغَائِب مِنْهُ لَكِن لَيْسَ مِمَّا يَنْقَسِم قسْمَة إِجْبَار لَا مماثلة وَلَا تَعْدِيل فَإِن وجد مُشْتَر يَشْتَرِي نصيب الْأَيْتَام بيع مِنْهُ مشَاعا وَلَا يَنْبَغِي بَيْعه مشَاعا إِلَّا بِمثل ثمنه لَو يَبِيع مَعَ الْجَمِيع فَإِنَّهُ إِن كَانَ يوكس فِي ثمنه بِسَبَب الإشاعة فَلَا يسوغ احْتِمَال ذَلِك بل يعدل إِلَى مَا يعدل بِهِ فِي هَذِه الْأَعْيَان مَعَ الشَّرِيك الطَّارِئ لَو بيع مشَاعا وَهُوَ هَا هُنَا بيع الْجَمِيع على الْجَمِيع فَإِن هَذَا الْمُشْتَرك قد دَار بَين أَقسَام كل وَاحِد مِنْهُمَا لَا يَخْلُو عَن ضَرَر فَيتَعَيَّن أهونها لما عرف وتقدر وَقد اخْتلفُوا فِي نَظَائِره ليتطرق إِلَيْهَا الْإِجْبَار على الْقِسْمَة بَينهم وَمِنْهُم من صَار فِيهَا إِلَى الْإِجْبَار على الْمُهَايَأَة وَهُوَ ضَعِيف على الْمَذْهَب الصَّحِيح وَمِنْهُم من صَار إِلَى التعطيل الإِمَام أَبُو الْمَعَالِي وَالْغَزالِيّ وَهُوَ أفسدها وأبعدها عَن قوانين الشَّرِيعَة وَمِنْهُم من صَار إِلَى أَنه يُؤجر على جَمِيع الشُّرَكَاء وتقسيم أجرته عَلَيْهِم وَهَذَا هُوَ الصَّحِيح عِنْد صَاحب التَّهْذِيب وَبِه يُفْتِي وَلَكِن هَذَا فِيمَا يُؤجر وَمِنْهُم من صَار إِلَى أَنه يُبَاع وَيقسم ثمنه على الشُّرَكَاء وَهَذَا مزيف لَكِن حَيْثُ

(2/494)


@ تمكن الأجارة وَمَا نَحن فِيهِ لَيْسَ مِمَّا يرغب فِي استئجاره فقد امْتنعت من الأجارة والتعطيل والمهاياة وَالْقِسْمَة فَلم يبْق إِلَّا البيع فَكَانَ الْمصير إِلَيْهِ فِي هَذَا وَأَمْثَاله صَحِيحا وأصل هَذَا الْوَجْه قد صَار إِلَيْهِ أَحْمد بن حَنْبَل رَحمَه الله هُوَ مذْهبه فِيمَا لَا يَنْقَسِم وجدته فِي كتاب القَاضِي أبي يعلى وَكتاب ابْن عقيل من أَصْحَابهم وَوَجهه أَنه تَعَذَّرَتْ قسْمَة عينة وانتقل إِلَى مَا لَا يتَعَذَّر قسمته وَهُوَ عوضه وَقد عرف من أصلنَا نَحن أَنه إِذا امْتنع السَّيِّد من الْإِنْفَاق على مَمْلُوكه بَاعه الْحَاكِم عَلَيْهِ فَإِذا صرنا إِلَى ذَلِك دفعا للضرار عَن مَمْلُوك لَهُ عَلَيْهِ حق وَملك فَلم لَا يصير إِلَى ذَلِك دفعا للضرار عَن شريك لَا حق لَهُ عَلَيْهِ وَلَا ملك وَالله أعلم
أما إِذا كَانَ الْخشب لَا يسوغ بيع نصيب الْغَائِب مِنْهُ بطرِيق الْخَوْف عَلَيْهِ فَإِن كَانَ مِمَّا يَنْقَسِم قسْمَة مماثلة أَو قسْمَة تَعْدِيل على نَحْو مَا تقدم ذكره فالطريق فِيهِ أَن يقسمهُ الْحَاكِم على الْغَائِب باستقسام ولي الْيَتِيم وَليكن ذَلِك فِي الأوان الَّذِي جرت الْعَادة فِيهِ بِقطع الْخشب من غير إِضْرَار بِهِ وبأصوله الثابته الْبَاقِيَة فِي الأَرْض حَتَّى لَا يتَأَخَّر قطعه فيختلط بِمَا ينشأ من نمائه الشَّائِع فَإِذا تميز نصيب كل بِالْقِسْمَةِ بودر إِلَى قطعه قبل نمو يَبْدُو وساغ حِينَئِذٍ قطع نصيب الْغَائِب بطرِيق طلبنا صِيَانة لنصيبه وَنصِيب غَيره من الِاخْتِلَاط وَتَوَلَّى ذَلِك الْحَاكِم بطرِيق ولَايَته الْمُقْتَضِيَة وجوب صون أَمْوَال الغائبين وَإِن كَانَ مِمَّا لَا يَنْقَسِم قسْمَة الْإِجْبَار فَيُبَاع الْجَمِيع ثمَّ يُبَادر المُشْتَرِي إِلَى الْقطع قبل النمو هَذَا مَا ظهر وَالله أعلم

(2/495)


- مَسْأَلَة رجل مَعَه خَمْسَة دَرَاهِم وَقع فِيهَا دِرْهَم حرَام وَاخْتَلَطَ وَلم يتَمَيَّز فَكيف يتَصَرَّف فِيهِ وَمَا الحكم فِي ذَلِك
أجَاب رَضِي الله عَنهُ لَهُ أَن يَأْخُذ مِنْهَا درهما على نِيَّة الْقِسْمَة ويتصرف فِي الْبَاقِي وَالدِّرْهَم الَّذِي عَزله عَن نِيَّة الْقِسْمَة ببسلمه لى صَاحبه وَإِن لم يعلم صَاحب يتَصَدَّق بِهِ عَنهُ وَالله أعلم
482 - مَسْأَلَة بُسْتَان مُشْتَرك بَين اثْنَيْنِ نِصْفَيْنِ أجر أَحدهمَا نصِيبه مشَاعا ثمَّ أَرَادَ الشريكان قسمته فَهَل تصح الْقِسْمَة وَإِذا صحت فَكيف حكم الْمُسْتَأْجر فِي انتفاعه
أجَاب رَضِي الله عَنهُ تصح الْقِسْمَة على الصَّحِيح ثمَّ مُقْتَضى كَون الْقِسْمَة تبعا وَذَلِكَ هُوَ الصَّحِيح مُطلقًا فِي كل حَال ان يبْقى حق الْمُسْتَأْجر على الإشاعة وَلَا ينْحَصر فِي قسم الْمُؤَجّر وَالله أعلم
484 - مَسْأَلَة رجل بَاعَ من رجل نصف حَانُوت مشَاعا وَتقَابَضَا من الطَّرفَيْنِ بإقرارهما ثمَّ علق الْحَاكِم الْحَانُوت على المُشْتَرِي وعَلى الشَّرِيك عقيب الابتياع وعَلى البَائِع فَأثْبت فِي غيبته رجل دينا على وَالِد البَائِع وَإِن الْمَبِيع لم يزل ملك الْوَالِد إِلَى أَن مَاتَ وَصَارَ إِلَى البَائِع مِيرَاثا عَنهُ وَطلب من الْحَاكِم بيع النّصْف الْمَبِيع فِي وَفَاء دينه فَأَرَادَ المُشْتَرِي اثبات تَرِكَة أُخْرَى من مَنْقُول أَو ملك آخر فعجز ثمَّ حضر الْوَالِد البَائِع وَهُوَ معترف بِأَن الْمَبِيع وَرثهُ من أَبِيه ثمَّ أَرَادَ البَائِع أَن يُسَافر سفرا طَويلا باعترافه فَطلب المُشْتَرِي من الْحَاكِم إِلْزَام البَائِع أَن يودع الثّمن الَّذِي تسلمه مِنْهُ إِلَى أَن تنفصل الْقَضِيَّة فَإِن أثبت تَرِكَة أُخْرَى وبيعت فِي الدّين استعاد البَائِع الدَّرَاهِم المودعة عَلَيْهِ وَإِن عجز عَن ذَلِك وَبَاعَ الْحَاكِم الْمَبِيع فِي وَفَاء الدّين الثَّابِت أَخذ المُشْتَرِي الثّمن الْمُودع على البَائِع عوضا عَن الثّمن الَّذِي قَبضه

(2/496)


@ البَائِع مِنْهُ أَو طلب أَن يكفل عَلَيْهِ بذلك فَامْتنعَ البَائِع من الْإِيدَاع وَالْكَفَالَة فَهَل يجْبرهُ الْحَاكِم على ذَلِك أم لَا
أجَاب رَضِي الله عَنهُ عَلَيْهِ إِقَامَة كَفِيل بذلك فَإِن تَرَاضيا بإيداع مثل الثّمن فَلَا بَأْس على أَنا فِي غنية من هَذَا فَإِن الْمُخْتَار إِلْزَامه برد الثّمن ناجزا حكما منا بِبُطْلَان بيع الْوَارِث قبل قَضَاء الدّين فَإِذا لم يظْهر من التَّرِكَة غير ذَلِك فَهُوَ بِمَنْزِلَة الدّين الْمُسْتَغْرق فِي اقْتِضَاء الْإِبْطَال وَالله تَعَالَى أعلم
وَمن كتاب الشَّهَادَات
485 - مَسْأَلَة هَل تحوز غيبَة المبتدع ابْتِدَاء وانتهاء والمحدث المجرح بِالْكَذِبِ تجوز غيبتة ابْتِدَاء وانتهاء وَهل تجوز غيبَة الْفَاسِق المتظاهر بِفِسْقِهِ كشرب الْخمر وَغَيره وَهُوَ يحب التظاهر وَهل تجوز غيبَة المتعرض لأعراض الْمُسلمين بِنَقص النَّاس ويمدح نَفسه لَهُم
أجَاب رَضِي الله عَنهُ تجوز غيبَة المبتدع بل ذكره بِمَا هُوَ عَلَيْهِ مُطلقًا غَائِبا وحاضرا إِذا كَانَ الْمَقْصُود التَّنْبِيه على حَاله ليحذروا على هَذَا مضى السّلف الصالحون أَو من فعل ذَلِك مِنْهُم ثمَّ يجوز ذَلِك ابْتِدَاء يبتدي بِهِ وَإِن لم يسْأَل وَيجوز عِنْد جَرَيَان سَبَب من سُؤال وَغَيره وَهَكَذَا الْحَال فِي الْمُحدث المتصف بِمَا يسْقط أَهْلِيَّته من كذب وَغَيره فقد كَانَ بعض الْأَئِمَّة يطوف بِالْكَعْبَةِ وَيَقُول فلَان ضَعِيف فلَان كَذَا وَيرى ذَلِك من القربان وَكَذَلِكَ غيبَة الْفَاسِق تجوز على وَجه التَّنْبِيه لمن يجهل حَاله سَوَاء كَانَ متظاهرا أَو غير متظاهر وَالَّذِي لَا تجوز غيبته ابْتِدَاء وَتجوز جَوَابا وَعند سَبَب أَن لَا يُوجد فِي الْفَاسِق مَا يَقْتَضِي نصح الْغَيْر بِسَبَبِهِ فَإِذا رأى

(2/497)


@ أحدا يخْشَى عَلَيْهِ أَن يفز بِهِ مثل من يُرِيد مزاوجته فَحِينَئِذٍ يتَوَجَّه وَجه النَّصِيحَة فَذكره بِمَا فِيهِ لِئَلَّا يغتر بِهِ والمتعرض لأعراض النَّاس يَنْقَسِم الْأَمر فِيهِ على مَا تقدم وَالَّذِي تشرع غيبته إبتداء وَغير ذَلِك من يكون بِحَيْثُ يَقْتَدِي بِهِ من المبتدعة وَغَيرهم من أهل الْمعاصِي وَالله أعلم
486 - مَسْأَلَة رجل يعْتَقد الألحان المقترنة بِالدُّفُوفِ والشبابات والرقص وَجمع الْجَمَاعَات على ذَلِك مَعَ المرد ثمَّ مَعَ الِاعْتِقَاد يُؤثر حضورذلك ويجتمع مَعَ الْجَمَاعَات عَلَيْهِ مصرا هَل يَأْثَم بذلك وَتسقط عَدَالَته
أجَاب رَضِي الله عَنهُ نعم يَأْثَم بذلك ويفسق وَتسقط عَدَالَته وحالته هَذِه وَهَذَا السماع الْمُعْتَاد حرَام غليظ عِنْد الْعلمَاء وَسَائِر من يَقْتَدِي بِهِ فِي أُمُور الدّين وَمن نسب حَاله إِلَى مَذْهَب الشَّافِعِي أَو أحد من أَئِمَّة الصَّحَابَة رَضِي الله عَنهُ وعنهم فقد قَالَ بَاطِلا وَإِنَّمَا نقلالخلاف بَين جمَاعَة من أَصْحَابه فِي الشبابة بانفرادها وَفِي الدُّف بِانْفِرَادِهِ فَتوهم من لَا تَحْقِيق عِنْده مِمَّن مَال مَعَه هَوَاهُ أَن ذَلِك الْخلاف جَار فِي هَذَا الَّذِي اجْتمع فِيهِ مَا اجْتمع وَذَلِكَ خطأ لَا يصدر مثله مِمَّن عِنْده مسكة من فهم وإنصاف وَكَذَلِكَ من نسب حَاله إِلَى بعض مَشَايِخ الزّهْد والتصوف فقد أَخطَأ فَإِنَّهُم إِنَّمَا يبيحون ذَلِك بِشُرُوط غير مَوْجُودَة فِي هَذَا السماع وعَلى الْجُمْلَة فَمن دَعَا إِلَى هَذَا السماع وأباحه فقد بَاء بعظيم وَلَيْسَ من الانحلال لبوس سوء يعرف هَذَا من اطلع على آفَات الْأَعْمَال ومكائد الشَّيْطَان طهرنا الله وأعاذنا وَمن نحب وَالْمُسْلِمين وَهُوَ أعلم

(2/498)


- مَسْأَلَة الْجرْح هَل تسمع فِي شَهَادَة الْحِسْبَة أم لَا
أجَاب رَضِي الله عَنهُ نعم تسمع لِأَن إِسْقَاط أَهْلِيَّة الْمَجْرُوح للشَّهَادَة حق الله تَعَالَى المتداعين لَو تَرَاضيا بالحكم بِشَهَادَة الْمَجْرُوح لم يجز ذَلِك ثمَّ وجدت فِي رَوْضَة الْحُكَّام أَن التَّعْدِيل بل فِيهِ شَهَادَة الْأَب لِابْنِهِ لكَونه حَقًا لله تَعَالَى وَالْجرْح ملتحق بِهِ وبل أولى
488 - مَسْأَلَة أَقوام يَقُولُونَ إِن سَماع الْغناء بالدف والشبابة حَلَال وَإِن صدر الْغناء والشبابة من أَمْرَد دلق حسن الصَّوْت كَانَ ذَلِك نور على نور وَذَلِكَ يحضرهم النِّسَاء الأجنبيات يخالطونهم فِي بعض الْأَوْقَات ويشاهدونهن بقربهم فِي بعض الْأَوْقَات وَفِي بعض الْأَوْقَات يعانق الرِّجَال بَعضهم بَعْضًا ويجتمعون لسَمَاع الْغناء وَضرب الدُّف من الْأَمْرَد وَالَّذِي يُغني لَهُم مصوبين رؤوسهم نَحْو وَجه الْأَمْرَد متهالكين على الْمُغنِي والمغنى ثمَّ يتفرقون عَن السماع بالرقص والتصفيق ويعتقدون أَن ذَلِك حَلَال وقربة يتوصلون بهَا إِلَى الله تَعَالَى وَيَقُولُونَ إِنَّه أفضل الْعِبَادَات فَهَل ذَلِك حرَام أم حَلَال وَمن ادّعى تَحْلِيل ذَلِك هَل يزْجر أم لَا وَهل يجب على ولي الْأَمر أَن يمنعهُم من ذَلِك فَإِذا لم يمنعهُم وَهُوَ قَادر عَلَيْهِ يَأْثَم بذلك أم لَا
أجَاب رَضِي الله عَنهُ ليعلم أَن هَؤُلَاءِ من إخْوَان أهل الْإِبَاحَة الَّذين هم أفسد فرق الضَّلَالَة وَمن أجمع الحمقى لأنواع الْجَهَالَة والحماقة هم الرافضون شرائع الْأَنْبِيَاء القادحون فِي الْعلم وَالْعُلَمَاء لبسوا ملابس الزهاد وأظهروا ترك الدُّنْيَا واسترسلوا فِي اتِّبَاع الشَّهَوَات وَأَجَابُوا دواعي الْهوى وتظاهروا باللهو والملاهي فتشاغلوا بِمَا لم يكن إِلَّا فِي أهل البطالة والمعاصي وَزَعَمُوا أَن ذَلِك يقربهُمْ إِلَى الله تَعَالَى زلفى مقتدون فِيهِ بِمن تقدمهم من أهل الرشاد وَلَقَد كذبُوا على الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وعَلى عباده الَّذين اصْطفى أحبولة نصبوها من حبائل الشَّيْطَان خداعا واعجوبة

(2/499)


@ من حوادث الزَّمَان جلبوها خداعا للعوام وتهويشا لمناظم الْإِسْلَام فَحق على وُلَاة الْأَمر وفقهم الله وسددهم قمع هَذِه الطَّائِفَة وبذل الوسع فِي إعدام مَا ذكر من أفعالهم الخبيثة وتعزيرهم على ذَلِك واستتابتهم وتبديد شملهم وَأَن لَا يَأْخُذهُمْ فِي ذَلِك لومة لائم وَلَا يدخلهم ريب فِي ضلالهم وَلَا توان فِي إخزائهم وابعادهم بِسَبَب قَول قَائِل هَذَا فِيهِ خلاف بَين الْمُسلمين فَإِنَّهُم بِمَجْمُوع أفعالهم مخالفون إِجْمَاع الْمُسلمين مشايعون بِهِ باطنية الْمُلْحِدِينَ وَإِنَّمَا الْخلاف فِي بعض ذَلِك مَعَ أَنه لَيْسَ كل خلاف يستروح إِلَيْهِ ويعتمد عَلَيْهِ وَمن يتبع أختلف فِيهِ العلما وَأخذ بالرخص من أقاويلهم تزنق أَو كَاد فَقَوْلهم فِي السماح الْمَذْكُور أَنه من القربات والطاعات قَول مُخَالف لإِجْمَاع الْمُسلمين فإجماعهم على خلاف قَوْلهم هَذَا مَنْقُول مَحْفُوظ مَعْلُوم من خَالف إِجْمَاع الْمُسلمين فَعَلَيهِ مَا فِي قَوْله تَعَالَى {وَمن يُشَاقق الرَّسُول من بعد مَا تبين لَهُ الْهدى وَيتبع غير سَبِيل الْمُؤمنِينَ نوله مَا تولى ونصله جَهَنَّم وَسَاءَتْ مصيرا} وَأما اباحة هَذَا السماع وتحليله فَليعلم أَن الدُّف والشبابة والغناء إِذا اجْتمعت فاستماع ذَلِك حرَام عِنْد أَئِمَّة الْمذَاهب وَغَيرهم من عُلَمَاء الْمُسلمين وَلم يثبت عَن أحد مِمَّن يعْتد بقوله فِي الْإِجْمَاع والاخلاف أَنه أَبَاحَ هَذَا السماع وَالْخلاف الْمَنْقُول عَن بعض أَصْحَاب الشَّافِعِي إِنَّمَا نقل فِي الشبابة مُنْفَردا والدف مُنْفَردا فَمن لَا يحصل أَولا يتَأَمَّل رُبمَا اعْتقد فِيهِ خلافًا بَين الشافعيين فِي هَذَا السماع الْجَامِع هَذِه الملاهي وَذَلِكَ وهم وَمن الصَّغَائِر إِلَى ذَلِك يتمادى بِهِ عَلَيْهِ أَدِلَّة الشَّرْع وَالْعقل من استباح هَذَا من مَشَايِخ الصُّوفِيَّة وهم الأقلون مِنْهُم فَإِنَّمَا اسْتِبَاحَة بِشُرُوط مَعْدُومَة فِي سَماع هَؤُلَاءِ الْقَوْم مِنْهَا أَن لَا يكون المستمع شهوانيا فهم عِنْد ذَلِك لَا يستبيحونه بل ينهون عَنهُ نهيا شَدِيدا وَلَا خلاف أَيْضا من جهتهم فِي هَذَا على أَنهم لَو

(2/500)


@ خالفوا فِيهِ لم يجز لأحد تقليدهم وَلنْ يعْتد بخلافهم فِي الْحَلَال وَالْحرَام فَإِنَّهُ إِنَّمَا يرجع فِي ذَلِك إِلَى أَئِمَّة الِاجْتِهَاد المبرزين فِي عُلُوم الشَّرِيعَة المستقلين بأدلة الْأَحْكَام وَهَكَذَا لَا يعْتد بِخِلَاف من خَالف فِيهِ من الظَّاهِرِيَّة لتقاصرهم عَن دَرَجَة الِاجْتِهَاد فِي أَحْكَام الشَّرِيعَة فَإِذا هَذَا السماع غير مُبَاح بِإِجْمَاع أهل الْحل وَالْعقد من الْمُسلمين وَأما مَا ذكر من سماعهم من الْأَمْرَد مَعَ النِّسَاء الأجنبيات واستباحتهم لذَلِك فَهُوَ قطعا من شَأْن أهل الْإِبَاحَة وَمن تخاليط المالحدة وَلم يستجزه أحد من الْمُسلمين من عُلَمَائهمْ وعبادهم وَغَيرهم وَقَوْلهمْ فِي السماع من الْأَمْرَد الْحسن نور على نور من جنس أَقْوَال المباحية الْكَفَرَة الَّذين إِذا رَمق بَعضهم إمرأة قَالُوا تمت سعادته فَإِذا غَار أحدهم على أَهله فَمنعهَا من غَيره قَالُوا هُوَ طِفْل الطَّرِيقَة لم يبلغ بعد أخزاهم الله أَنى يؤفكون برزوا فِي ظواهر أهل السبت وأضمروا بواطن أَرْبَاب السبت وتظاهروا بزِي قوم عرفُوا بالصلاح وتناطقوا بعباراتهم مثل لفظ الْمعرفَة والمحبة وَغَيرهمَا وهم عَن حقائقها وَعَن طرائقهم عاطلون وَبِمَا يضار ذَلِك من المخازي والخبائث ناهضون وَإِنَّا لله وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُون
وَمن اشْتبهَ عَلَيْهِ حَال هَؤُلَاءِ الْقَوْم أَو كَانَ عِنْده شَيْء يحْبسهُ حجَّة عاضدة لَهُم فليذكر مَا عِنْده ليدحض شبهته إِن شَاءَ الله تَعَالَى بالحجج الْبَالِغَة والأدلة الْوَاضِحَة وَمن قصر من وُلَاة الْأَمر صانهم الله تَعَالَى فِي الْقيام بِمَا وَجب عَلَيْهِ من تظهير الأَرْض من هَؤُلَاءِ الخبثاء وأفعالهم الخبيثة فقد احتقب إِثْمًا وَصَارَ لِلْإِسْلَامِ والشريعة خصما وَالله الْكَرِيم يمن بتوفيقه عَلَيْهِم وعلينا وعَلى جَمِيع الْمُسلمين
489 - مَسْأَلَة فِي اسْتِعْمَال الرجل الْحِنَّاء هَل هُوَ جَائِز أم لَا
أجَاب رَضِي الله عَنهُ أما فِي خضاب اللِّحْيَة تغييرا للشيب فَهُوَ جَائِز وَسنة واستعماله فِي غير ذَلِك ينظر فِيهِ فَإِن كَانَ عَن حَاجَة تداويا بِهِ فَهُوَ

(2/501)


@ جَائِز وَإِن كَانَ للزِّينَة ولمثل مَا يَقْصِدهُ النِّسَاء فَهُوَ غير جَائِز وفاعله لذَلِك ينْدَرج فِي قبيل المتشبهين بِالنسَاء الملعونين على لِسَان رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالله أعلم
490 - مَسْأَلَة فِي رجل لَهُ ملك ولزوجته قَرْيَة على شاطئ نهر وَالزَّوْج مسؤول على مغلها وَالتَّصَرُّف بهَا وَلم يعلم أَن ذَلِك بِإِذن مِنْهَا أم لَا وَلَا علم أَن الزَّوْجَة مُنكرَة لذَلِك ثمَّ إِن الزَّوْج عمر على النَّهر طاحونا وسكرا وبيوتا لناعورة يسْقِي بِمَائِهَا بعض أَرَاضِي تِلْكَ الْقرْيَة وغرس فِي تِلْكَ الْأَرَاضِي غراسا وَلم يعلم أَن بعض الطاحون من أَرض الْقرْيَة أم من قَرَار النَّهر وَلَا أَن المَال المصروف فِي هَذِه العمائر من مَاله أَو من مَالهَا وَلَا أَن تِلْكَ العمائر بِإِذْنِهَا أم لَا وَلَا علم أَن الزَّوْجَة مُنكرَة لذَلِك ثمَّ أَن الزَّوْج تصرف فِي الْقرْيَة وَفِيمَا عمره وَاسْتولى على مغل جَمِيع ذَلِك سِنِين من غير مُعَارضَة مِنْهَا وَلَا من غَيرهَا وَلَا مُنَازعَة ثمَّ مَاتَ الزَّوْج وَخلف زَوجته الْمَذْكُورَة وابنا وَثَلَاث بَنَات مِنْهَا ثمَّ بقيت الزَّوْجَة بعده سِنِين وَهِي مستولية على هَذِه الْقرْيَة والعمائر الَّتِي عمرها زَوجهَا مُدَّة حَيَاتهَا من غير مُعَارضَة من أحد من أَوْلَادهَا فِيهَا وَلَا مُنَازعَة ثمَّ مَاتَت الزَّوْجَة الْمَذْكُورَة بعد أَن أقرَّت فِي حَال صِحَّتهَا لابنها وبنتها الْكُبْرَى بِهَذِهِ الْقرْيَة والعمائر وَتصرف الابْن وَالْبِنْت الْكُبْرَى فِي ذَلِك سِنِين من غير مُعَارضَة من البنتين المحرومتين وَلَا مُنَازعَة فَهَل يجوز لمن علم جَمِيع ذَلِك أَن يشْهد للزَّوْج بِالْملكِ فِي العمائر الْمَذْكُورَة وَيشْهد عَلَيْهِ باستيلائه على ملك الزَّوْجَة وَهل يفرق فِي ذَلِك بَين الْعلم بِالْمُشَاهَدَةِ أَو الاستفاضة هَل يجوز إِن جَازَت الشَّهَادَة للزَّوْج بِالْملكِ فِي العمائر أَن يشْهد بِأَن هَاتين البنتين المحرومتين هَذِه الْقرْيَة وعمائرها يستحقان من هَذِه العمائر كَذَا وَكَذَا قدر نصيبهما من إِرْث أَبِيهِمَا وَأَن حصتهما من ذَلِك فِي يَد أخيهما وأختيهما أَو ورثتهما على سَبِيل الْغَصْب والتعدي حذرا

(2/502)


@ أَن يُعَارض بَيِّنَة الْملك بِبَيِّنَة الْيَد وَالتَّصَرُّف سِنِين وَقد علم الشُّهُود أَن لَا سَبَب لليد إِلَّا مَا علموه أَولا وَلم يعلمُوا سوى ذَلِك
أجَاب رَضِي الله عَنهُ مَا كَانَ من الْعِمَارَة الْمَذْكُورَة وَاقعا فِي ملك الزَّوْجَة فَلَا تجوز الشَّهَادَة فِيهِ بِملك الزَّوْج بِنَاء على مُجَرّد مَا ذكر وَالْحَالة هَذِه وَيلْزم من ذَلِك أَن لَا يشْهد باستيلائه فِي عِمَارَته على ملك الزَّوْجَة إِلَّا من حَيْثُ الْيَد الْمُجَرَّدَة ولايتها مِنْهَا وَمِمَّنْ مقَامهَا ادِّعَاء أُجْرَة الْعِمَارَة على الزَّوْج مَعَ ادعائهم أَن الْعِمَارَة للزَّوْجَة ثمَّ إِن للزَّوْج الْيَد على الْعِمَارَة إِذا كَانَ هُوَ منشئها الجالب لأعيانها وآلتها وَيَنْبَنِي على ذَلِك أَنه إِذا لم يقم بَيِّنَة على أَن الْملك فِيهَا لغيره فَلَا يمْنَع هُوَ وَلَا ورثته من أَن يتصرفوا فِيهَا تصرف المالكين وتقسم بَين ورثته أَجْمَعِينَ على فَرَائض الله تَعَالَى إِذا كَانَت يَد الزَّوْجَة بعده سَببهَا مُجَرّد خلو يَده عَنْهَا بِمَوْتِهِ وَذَلِكَ لِأَن وَإِن لم نجوز الشَّهَادَة بِالْملكِ بِنَاء على مُجَرّد الْيَد فَإنَّا لَا نمْنَع صَاحب الْيَد من تصرف المالكين وَلَا نمتنع عَن الابتياع مِنْهُ وَإِلَّا يهاب وَنَحْو ذَلِك وَإِذا ادّعى عَلَيْهِ خارجي من غير بَيِّنَة صدقناه بيميته وحكمنا لَهُ بِالْملكِ بِنَاء على الْيَمين مَعَ الْيَد وَالله أعلم
491 - مَسْأَلَة فِي ذَوي عدل شَهدا عِنْد الْحَاكِم على إِقْرَار رجل أَنه أعتق عبدا لَهُ حسبَة فَهَل للْحَاكِم أَن يحكم على الْمُعْتق إِذا كَانَ غَائِبا أَو مَيتا أَو حَاضرا حسبَة من غير أَن يطْلب العَبْد مِنْهُ الحكم على الْمُعْتق بذلك أم لَا فان كَانَ لَهُ ذَلِك لَو طلب العَبْد مِنْهُ الحكم على ذَلِك وَكَانَ مَيتا فَهَل يفْتَقر الحكم إِلَى يَمِين العَبْد الْمُعْتق أم لَا
أجَاب رَضِي الله عَنهُ نعم يحكم عَلَيْهِ بِالْعِتْقِ حسبَة غير مُتَوَقف على طلب العَبْد وَلَا يفْتَقر إِلَى يَمِين العَبْد وَالْحَالة هَذِه وَإِن طلب العَبْد

(2/503)


@ الحكم إِذا لاحظ فِي حكمه جِهَة الْحِسْبَة معرضًا فِيهِ عَن طلبه وَالله أعلم
492 - مَسْأَلَة رجل لَهُ عشر دَار شَائِع فَأقر أَن فلَانا ملك عَلَيْهِ سَهْما شَائِعا من عشر أسْهم هِيَ جَمِيع الدَّار وَذكرهَا أَو قَالَ بِعْت فلَانا سَهْما شَائِعا من عشرَة هِيَ جَمِيع الدَّار وَذكرهَا أَبُو قَالَ وهبت لَهُ وسلمت إِلَى الْمقر لَهُ جَمِيع السهْم الْمَذْكُور أَو قَالَ سلمت إِلَى البَائِع السهْم الْمَذْكُور أَو الْمَوْهُوب لَهُ فَهَل ينزل ذَلِك على مَا يخْتَص بِهِ دون مَا هُوَ مشَاع أم لَا
أجَاب رَضِي الله عَنهُ ينزل على مَا اخْتصَّ بِهِ على الْأَصَح فِي الصُّورَتَيْنِ الْأَخِيرَتَيْنِ وَأما فِي الصُّورَة الأولى فقطعا من غير خلاف من أجل قَوْله ملك عَلَيْهِ
493 - مَسْأَلَة رجل أَقَامَ بَيِّنَة على ميت بدين وَحضر ورثته وَسَأَلَ الْحَاكِم الحكم على الْمَيِّت وَالْوَرَثَة سكُوت عَن طلب الْيَمين منكرون الدّين فَهَل يحلفهُ الْحَاكِم لِأَن الحكم على الْمَيِّت أم يدع الْيَمين لِأَن الْوَرَثَة لم يطلبوها
أجَاب رَضِي الله عَنهُ إِن كَانُوا مِمَّن يخفى عَلَيْهِم أَن لَهُم تَحْلِيفه فعلى الْحَاكِم تعريفهم بذلك فَإِن سكتوا بعد ذَلِك عَن التَّحْلِيف قضى القَاضِي بِالْبَيِّنَةِ من غير تَحْلِيف
494 - مَسْأَلَة رجل لَهُ حق على ميت أَقَامَ بِهِ بَيِّنَة وَحكم الْحَاكِم بِهِ ثمَّ تقدم بِمحضر يتَضَمَّن ملكا للْمَيت فَأَرَادَ أَن يُثبتهُ ليَبِيعهُ فِي دينه فَهَل يجوز لَهُ ذَلِك أم لَا يجوز إِلَّا أَن يُوكله الْوَارِث فِي اثباته
أجَاب رَضِي الله عَنهُ الْأَحْسَن القَوْل بِأَن ذَلِك يجوز
495 - مَسْأَلَة شَاهد رأى خطه فِي كتاب وَتحقّق أَنه خطه وَلم

(2/504)


@ يذكر الشَّهَادَة فَهَل يجوز لَهُ أَن يُؤَدِّي هَذِه الشَّهَادَة اعْتِمَادًا على خطه أم لَا وَهَذَا ان كَانَت الشَّهَادَة على حَاكم من حكام الْمُسلمين وَتحقّق أَنه يحمل هَذِه الشَّهَادَة عَلَيْهِ غير أَنه لم يعلم أَن الْكتاب قرىء على الْحَاكِم بِحَضْرَتِهِ أَو قَرَأَهُ هُوَ على الْحَاكِم وَقَالَ لَهُ أشهد على بِمَا نسب الي فِيهِ أَو أَن الْحَاكِم الْمَذْكُور قَالَ لَهُ أشهد عَليّ بِمَا نسب الي فِي هَذَا الْكتاب من غير أَن يقْرَأ عَلَيْهِ وَلم يتَحَقَّق أحد الْأَقْسَام الثَّلَاث فَهَل يجوز لَهُ أَن يشْهد
أجَاب رَضِي الله عَنهُ لَا تجوز لَهُ الشَّهَادَة فِي الأول وَتجوز فِي الثَّانِي لِأَنَّهُ إِنَّمَا يشْهد على الْحَاكِم بذلك وَهُوَ مُتَحَقق لإشهاد الْحَاكِم على نَفسه بذلك إِذا كَانَ الْغَالِب ذَلِك فِي الْعرف وتردده الْمَذْكُور تردد فِي صحه اشهاده وَذَلِكَ أَمر خَارج فَإِذا أضَاف الى شَهَادَته عَلَيْهِ تردده الْمَذْكُور فِي ذَلِك فقد أحسن ورد عُهْدَة الْأَمر فِيهِ إِلَى الْحَاكِم الَّذِي شهد عِنْده بإشهاد ذَلِك الْحَاكِم الأول وَالله أعلم
496 - مَسْأَلَة رجل توفّي وَأثبت رجل عِنْد حَاكم الْمُسلمين أَنه ابْن عَم أَبِيه لَا حق حق نسبه بنسبه وَحكم بِهِ الْحَاكِم وَسلم إِلَيْهِ تَرِكَة الْمُتَوفَّى ثمَّ بعد ذَلِك بِمدَّة ثَلَاث سِنِين شهد جمَاعَة أَنه مَا هُوَ ابْن عَمه إِلَّا ابْن خَاله فَهَل تصح الشَّهَادَة الأولى أَو الثَّانِيَة
أجَاب رَضِي الله عَنهُ لَا تصح الشَّهَادَة الثَّانِيَة الْوَاقِعَة على النَّفْي من غير قيد يُمكن الشَّاهِد إِدْرَاكه بتا وَالله أعلم
497 - مَسْأَلَة شخص بلغ وَبَاعَ ملكا وَشهِدت بَيِّنَة بِأَنَّهُ رشيد حَالَة البيع وَقَامَت بَيِّنَة أُخْرَى بِأَنَّهُ عِنْد البيع الْمَذْكُور سَفِيه مبذر فَهَل يجوز للْحَاكِم أَن البيع الْمَذْكُور اعْتِمَادًا على بَيِّنَة الرشد الْمَذْكُورَة أم لَا وَهل تصح الشَّهَادَة لَهُ بِالرشد مِمَّن لَيْسَ خَبِيرا بباطن احواله

(2/505)


@
أجَاب رَضِي الله عَنهُ لَا يَصح هَذَا البيع الْمَذْكُور وَلَا ينفذ بِنَاء على بَيِّنَة الرشد الْمَذْكُورَة فَإِن الْبَيِّنَة الشاهدة بإنه كَانَ حَالَة البيع سَفِيها بيبذر مُقَدّمَة عَلَيْهَا تَقْدِيم الْبَيِّنَة الْخَارِجَة عَن الْبَيِّنَة الْمعد لَهُ وَلَيْسَت بَيِّنَة الرشد ناقلة من التبذر وَبَيِّنَة التبذير مستصحبة لَهُ فَتكون مرجوحة لذَلِك فَإِن بَيِّنَة الرشد بمجردة إِنَّمَا تنقل من يَقْتَضِي الرشد الَّذِي لَا تَنْحَصِر جِهَته فِي صفة التبذير فقد يكون بِعَدَمِ التَّكْلِيف أَو بِغَيْرِهِ وَلَيْسَ بِلَازِم أَن يكون مَا شهده بِهِ من الرشد نَاقِلا من التبذير فقد تشهد بِهِ بِنَاء على وجود التَّكْلِيف وَانْتِفَاء التبذير وَالْفِسْق من الاصل مستصحبه فيهمَا أصل الْعَدَم كَمَا فِي مثله من التَّعْدِيل وَيَنْبَغِي أَن يكون مَا ذكر من التَّعْدِيل يقدم على الْجرْح فِي مثله هِيَ مَا إِذا شهِدت بَيِّنَة بجرحه ثمَّ انْتقل إِلَى بلد آخر فَشَهِدت بَيِّنَة بعدالته قدمت لِأَنَّهَا طارئة بعد الْجرْح يَنْبَغِي أَن يكون هَذَا مَخْصُوصًا بِمَا إِذا كَانَ من عدله عَالما بِمَا جرى من جُحْره وَإِلَّا فقد تكون مستصحبة فِي ذَلِك أصل الْعَدَم وَلَا يقبل فِي الرشد إِلَّا شَهَادَة ذَوي خبْرَة باطنة كَمَا فِي الْعَدَالَة
498 - مَسْأَلَة شهد شَاهد أَن الْحَاكِم الْفُلَانِيّ ثَبت عِنْده تطليق فلَان زَوجته ثَلَاثًا وَعين الشَّاهِد الزَّوْجَة وَشهد آخر أَنه ثَبت عِنْده تطليق فلَان زَوجته بنت فلَان ابْن فلَان من غير أَن يذكر عدد الطلقات وشهدا على الْحَاكِم الْمَذْكُور بالحكم بذلك وَأَنه أشهدهما عَلَيْهِ بذلك لَكِن الشَّاهِد الثَّانِي لم يعين الْمَرْأَة وَلم يسمهَا بل ذكر نَسَبهَا واعترف الزَّوْج بِأَن نسب المدعية ذَلِك فَهَل يلفق بَين شَهَادَتهمَا أَو يثبت أصل الطَّلَاق بهما
أجَاب رَضِي الله عَنهُ لَا يلفقان وتأملت فاستخرت الله تَعَالَى فَكَانَ الْجَواب أَنه ينظر فَإِن كَانَ من اخْتلفَا من التَّعْيِين بالتشخيص وَالتَّعْيِين بِالنّسَبِ قد نَقَلَاه عَن الْحَاكِم الَّذِي شهد عَلَيْهِ فَشهد أَحدهمَا أَنه قَالَ ثَبت عِنْدِي تطليق

(2/506)


@ الْمَذْكُور لهَذِهِ وَشهد الآخر أَنه قَالَ ثَبت عِنْدِي طَلَاقه لفلانة بنت فلَان ابْن فلَان فَلَا يلفق وَالْحَال هَذِه بَين شهادتيهما وَإِن لم ينقلا ذَلِك عَن الْحَاكِم لَكِن عين أَحدهمَا الْمَشْهُود لَهَا بالتشخيص وعينها الآخر بِالنّسَبِ على الْوَجْه الْمَذْكُور فَيُلَفقُ وَالْحَالة هَذِه بَين شهادتيهما وَثَبت أصل الطَّلَاق فَإِن مَرْدُود التَّعْيِين مُتحد وَالِاخْتِلَاف وَقع فِي كَيْفيَّة تَعْيِينهَا وَمثل ذَلِك لاي ينع من التلفيق وَله نَظَائِر مَحْفُوظَة على مَا فِيهَا من اشْتِبَاه يحْتَاج إِلَى غوص وَالله أعلم
499 - مَسْأَلَة ملك احْتِيجَ إِلَى بَيْعه على يَتِيم فَقَامَتْ بَيِّنَة بِأَن قِيمَته مائَة وَخَمْسُونَ فَبَاعَهُ الْقيم على الْيَتِيم بذلك وَحكم الْحَاكِم على الْبَيِّنَة الْمَذْكُورَة بِصِحَّة البيع ثمَّ قَامَت بَيِّنَة أُخْرَى بِأَن قِيمَته حِينَئِذٍ مِائَتَان فَهَل ينْقض الحكم وَيحكم بِفساد البيع
أجَاب رَضِي الله عَنهُ بعد التمهل أَيَّامًا وَبعد الاستخارة أَنه ينْقض الحكم وَوَجهه أَنه إِنَّمَا حكم بِنَاء مِنْهُ على الْبَيِّنَة السالمة عَن المعاضة بِالْبَيِّنَةِ الَّتِي هِيَ مثلهَا أَو أرجح وَقد بَان خلاف ذَلِك وتبيين إِسْنَاد مَا يمْنَع من الحكم إِلَى حَالَة الحكم فَهُوَ كَمَا قطع بِهِ صَاحب الْمُهَذّب من أَنه لَو حكم للْخَارِج على صَاحب الْيَد بِبَيِّنَة وانتزعت الْعين مِنْهُ ثمَّ أَتَى صَاحب الْيَد بِبَيِّنَتِهِ فَإِن الحكم ينْقض لمثل الْعلَّة الْمَذْكُورَة وَهَذَا بِخِلَاف مَا لَو رَجَعَ الشَّاهِد بعد الحكم لِأَن قَول الشَّاهِد متعارض وَلَيْسَ أحد قوليه بِأولى من الآمن وَفِي مَسْأَلَة الْمُهَذّب وَجه حَكَاهُ صَاحب التَّهْذِيب وَغَيره نطردها هُنَا وَالله أعلم
500 - مَسْأَلَة إِنْسَان فِي وسط ملكه طَرِيق مُشْتَرك بَينه وَبَين جمَاعَة ينفذون فِيهِ إِلَى أملاكهم فطالبوه بِأَنَّهُ يشْهد على نَفسه ويقر بحقوقهم فَهَل يجب عَلَيْهِ ذَلِك أم لَا وَإِن لزمَه ذَلِك فَهَل لَهُ أَن يمْتَنع حَتَّى يشْهدُوا على أنفسهم بِالْإِقْرَارِ أم لَا

(2/507)


@
أجَاب رَضِي الله عَنهُ أما الْإِقْرَار فَوَاجِب بِنَصّ الْقُرْآن الْعَظِيم قَالَ الله تَارِك وَتَعَالَى {كونُوا قوامين بِالْقِسْطِ شُهَدَاء لله وَلَو على أَنفسكُم} وشهادتهم على أنفسهم هِيَ الْإِقْرَار وَقد ذكر صَاحب الْمُهَذّب مستدلا بِهَذِهِ الْآيَة الْكَرِيمَة أَن الْإِقْرَار وَاجِب عِنْد الْحَاجة إِلَيْهِ على كل من عَلَيْهِ حق لآدَمِيّ أَو لله تَعَالَى لَا يسْقط بِالشُّبْهَةِ كَالزَّكَاةِ وَنَحْوهَا وَإِنَّمَا لَا يجب الْإِقْرَار فِي الْحُدُود وَبعد هَذَا فوجوب الْإِشْهَاد على الْإِقْرَار يتلَقَّى من أَن الْآيَة جمعت بَين الشَّهَادَة على النَّفس الَّتِي هِيَ الْإِقْرَار وَبَين الشَّهَادَة على الْغَيْر وَالْمعْنَى أَيْضا يجمعهما فَإِن الْإِقْرَار حجَّة يجب عَلَيْهِ إظهارها كَمَا أَن الشَّهَادَة كَذَلِك ثمَّ قد علم أَن الشَّاهِد يجب عَلَيْهِ أَدَاء شَهَادَته على وَجه يصير بِهِ حجَّة يعْتَمد عَلَيْهِ فِي إِثْبَات الْحق على من عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يجب عَلَيْهِ أَدَاؤُهَا عِنْد الْحَاكِم إِن استحضر عِنْده أَو عِنْد من يشْهد على شَهَادَته إِذا لم يستحضر لمرضه وَنَحْوه فَكَذَلِك الْإِقْرَار الْوَاجِب يجب عَلَيْهِ الْإِتْيَان بِهِ عِنْد من يشْهد عَلَيْهِ أَو عِنْد الْحَاكِم إِن أدعى عِنْده وَهَذَا متقرر وَالله أعلم وَلم اسْتدلَّ بِوُجُوب الْإِشْهَاد على الْحَاكِم فِيمَا قد ثَبت عِنْده فَإِنَّهُ قد يفرق بِأَن الْحَاكِم متصد لإِثْبَات الْحجَج وَإِظْهَار الْحُقُوق وَقَوله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى {وَلَا تكتموا الشَّهَادَة وَمن يكتمها فَإِنَّهُ آثم قلبه} حجَّة ظَاهِرَة فِي هَذَا فَإِن الْإِقْرَار شَهَادَة على النَّفس وَالْآيَة الأولى ناطقة بذلك فيندرج إِذا تَحت قَوْله تَعَالَى {وَلَا تكتموا الشَّهَادَة} وَهَذَا الَّذِي ذكرته يَنْبَغِي أَن يكون هُوَ الْمُعْتَمد وَلَا يصدنا عَنهُ مَا ذكره الإِمَام ابْن الْجُوَيْنِيّ فِي الْمَذْهَب الْكَبِير حَيْثُ يَقُول لَو قَالَ لمن عَلَيْهِ الدّين إشهد على ديني فَالَّذِي قطع بِهِ الْأَصْحَاب أَنه لَا يلْزمه ذَلِك قَالَ وَهَذَا لَا أصل لَهُ وَلَا أعده من الْمَذْهَب هَذَا قَول الإِمَام وَنحن قد وجدنَا لَهُ أصلا قَوِيا فلنعده من

(2/508)


@ الْمَذْهَب فَكَأَنَّهُ رأى أَنه وَثِيقَة فليلتحق بالوثيقتين الْأَخِيرَتَيْنِ الرَّهْن وَالْكَفِيل فَإِنَّهُمَا لَا يلزمانه والفارق قَائِم عِنْد التَّأَمُّل وَالله أعلم
وَقد ذكر فِي الرَّهْن أَن الْمُرْتَهن يُكَلف الرَّاهِن عِنْد قَبضه الْمَرْهُون للِانْتِفَاع وَالْإِشْهَاد كل يَوْم هَذَا فِي الْوَسِيط مَقْطُوعًا بِهِ وَإِنَّمَا قلت أَن يمْتَنع حَتَّى يشْهدُوا أَيْضا على أنفسهم فانه لَا يلْزمه بِالْإِقْرَارِ على وَجه يضرّهُ وَلَو أقرّ أَولا فَرُبمَا أنكروه مشاركته إيَّاهُم مستمسكين بِالْيَدِ وَالله أعلم
501 - مَسْأَلَة فِيمَا يسْأَلُون عَنهُ وَيذكر وَهُوَ نَص الشَّافِعِي رَحمَه الله تَعَالَى على قبُول شَهَادَة الشَّرِيك لشَرِيكه فَهَل هَذَا مَخْصُوص بالمنقول وَمَا لَا يحْتَاج فِيهِ إِلَى حُدُود أم يجوز فِي الْعقار حَتَّى إِذا شهد الشَّرِيك لشَرِيكه حِصَّة مُعينَة فِي أَرض محدودة وَحدهَا تسمع شَهَادَته بِالْملكِ وبالحدود أم لَا تسمع لِأَنَّهُ إِذا شهد بحدودها فَهُوَ على الْحَقِيقَة شَهَادَة لنَفسِهِ بحصر الأَرْض الْمَشْهُود بِالْحِصَّةِ للشَّرِيك فِيهَا وَنفى مَا يُحِيط بهَا من جوانبها الْأَرْبَعَة عَنْهَا وَرُبمَا وَقع نزاع بَين المتجاورين فِي كل الْحُدُود أَو بَعْضهَا مَا الحكم فِي ذَلِك مفصلا
أجَاب رَضِي الله عَنهُ تقبل شَهَادَة الشَّرِيك لشَرِيكه فَإِن اشْتَمَلت على شَهَادَته لنَفسِهِ ردَّتْ فِي حق نَفسه وَقبلت فِي حق شَرِيكه اذا صرنا إِلَى التَّبْعِيض فِي أَمْثَال ذَلِك وَكَذَلِكَ يكون فِي الْمَسْأَلَة الْمَذْكُورَة تقبل شَهَادَته بالحصر فِي حق شَرِيكه وَلَا تقبل فِي حق نَفسه حَتَّى لَو نوزع بعد ذَلِك فِي الْحُدُود لاحتاج إِلَى شَهَادَة من غَيره بالحدود على الْجُمْلَة فَإِنَّمَا تقبل شَهَادَته لشَرِيكه وَلم نقل تقبل شَهَادَته لنَفسِهِ وَالله أعلم
502 - مَسْأَلَة قَرْيَة مَوْقُوفَة على طَائِفَة وَلَهُم نَاظر مِنْهُم فاعترف

(2/509)


@ النَّاظر أَن مَكَانا مِنْهَا مَوْقُوف على مَسْجِد ثمَّ رَجَعَ وَقسم مغل الْمَكَان على الْمَوْقُوف عَلَيْهِم فَهَل يجب الْغرم عَلَيْهِ أَو عَلَيْهِم
أجَاب رَضِي الله عَنهُ لَا يقبل إِقْرَار النَّاظر عَلَيْهِم من غير بَيِّنَة وَقبل فِي حَقه وَفِي مِقْدَار نصِيبه من مغل ذَلِك الْمَكَان فَيضمن الْمَسْجِد مَا يَخُصُّهُ من ذَلِك الْمغل وَلَا يغرم الْبَاقِي فَإِنَّهُ لَيْسَ كَمَا إِذا أقرّ لزيد ثمَّ أقرّ لعَمْرو وَحَيْثُ غرم على الْأَصَح لِأَن هُنَاكَ حَال بِإِقْرَارِهِ الأول بَين الْمقر ثَانِيًا وَبَين الْمقر لَهُ وَهَا هُنَا الْحَيْلُولَة لَيست من جِهَته فَصَارَ كَمَا لَو أقرّ بِأَن الدَّار الَّتِي فِي يَد زيد لعَمْرو فَإِنَّهُ لَا يغرم شَيْئا وَهُوَ مسطور هَا هُنَا كَذَلِك فَإِن الْيَد فِي الْحَقِيقَة لغير النَّاظر وَإِنَّمَا هُوَ نَائِب عَنْهُم
503 - مَسْأَلَة دين مَعْلُوم على شَخْصَيْنِ بَينهمَا نِصْفَانِ أقرّ فِي وَثِيقَة مَكْتُوب عَلَيْهِمَا لشخص معِين وَضمن ذَلِك عَنْهُمَا شخص معِين وَصُورَة إِقْرَاره بِضَمَان ذَلِك فِي الْوَثِيقَة الْمَذْكُورَة وَأقر بفهم مَا ذكر ومعرفته وَصدق عَلَيْهِ وكفل الدّين الْمعِين فِيهِ وَهُوَ ألفا دِرْهَم ولأصلين يَأْمر كل وَاحِد مِنْهُمَا لَهُ بذلك وبالرجوع بِهِ عَلَيْهِ كَفَالَة صَحِيحَة لَازِمَة شَرْعِيَّة يُؤْخَذ بذلك مَعَهُمَا ودونهما جَمِيعًا وفرادى ثمَّ أَن الشَّخْص الْمقر لَهُ بِالدّينِ الْمَذْكُور أقرّ فِي ظهر الْوَثِيقَة أَنه لما داين المقرين الْمَذْكُورين فِي باطنهما بِالدّينِ الْمَذْكُور فِي بَاطِنهَا إِنَّمَا كَانَت مداينته إيَّاهُمَا من مَال فلَان ابْن فلَان دون مَال نَفسه بِإِذْنِهِ لَهُ فِي ذَلِك وَأقر أَنه لَا حق لَهُ مَعَه فِي ذَلِك وَلَا فِي شَيْء مِنْهُ وَصَارَ كلما أوجبه إحكام بَاطِنهَا وتوجيبه فَهُوَ لهَذَا الْمقر لَهُ دون ذَلِك الْمقر لَهُ وَحضر الْمقر لَهُ وَصدقه على ذَلِك ثمَّ أَن الْمقر لَهُ ثَانِيًا أحضر الْكَفِيل الْمَذْكُور بَين يَدي حَاكم من الْحُكَّام وَادّعى عَلَيْهِ ضَمَانه بِالدّينِ الْمعِين الْمَذْكُور فَأَجَابَهُ بِأَن بعض هَذَا الدّين أوفاه إِيَّاه الْأَصِيل فَسَأَلَهُ الْحَاكِم عَن الْبَاقِي فَقَالَ أؤديه فألزمه الْحَاكِم بِأَدَائِهِ اليه فأداه إِلَيْهِ وَأقر الْقَابِض الْمَذْكُور بِوُجُوب الدّفع إِلَيْهِ ومصير ذَلِك إِلَيْهِ مصيرا صَحِيحا برأت ذمَّة الدَّافِع وَوَجَب لَهُ بِهِ الرُّجُوع على

(2/510)


@ الْأَصِيل بِمُقْتَضى إِذْنه لَهُ فِي ذَلِك ثمَّ ادّعى هَذَا الْكَفِيل أَن لَهُ استرجاع مَا أَدَّاهُ وَادّعى أَن ضَمَانه للدّين الْمَذْكُور لم يكن صَحِيحا لِأَنَّهُ لم يعرف الْمَضْمُون لَهُ الَّذِي لَهُ الدّين وَقَالَ إِنَّمَا ضمنت الدّين لغير هَذَا الْمُدَّعِي وَلم يكن الدّين لَهُ وَضَمان الدّين لمن لَا دين لَهُ فَاسد فَهَل تسمع دَعْوَاهُ لذَلِك مَعَ مناقضتها لما سبق من اعترافه من جِهَات مُتعَدِّدَة نقيض مَا أدعاه وَهل يَصح الْمُسْتَند الَّذِي أسْندهُ إِلَيْهِ وإفساد ضَمَانه الْمَذْكُور وَهل ينْقض حكم الْحَاكِم الْمَذْكُور مَعَ كَونه يرى أَن معرفَة الْمَضْمُون لَهُ لَيست بِشَرْط
أجَاب رَضِي الله عَنهُ لَيْسَ لَهُ استرجاع مَا ادَّعَاهُ وَعَلِيهِ أَدَاء مَا بَقِي من ذَلِك إِن بَقِي وَلَا سَبِيل إِلَى نقض حكم الْحَاكِم على الْوَجْه الْمَذْكُور وَدَعوى الضَّامِن الْمَذْكُور مَرْدُودَة غير مسموعة والمستند الَّذِي اسْتندَ إِلَيْهِ فِيمَا ادَّعَاهُ فَاسد أما أَولا فَلِأَنَّهُ لَيْسَ فِيمَا جرى وَذكر مَا يَجْعَل الْوَاقِعَة الْمَذْكُورَة من صور عدم مَعْرفَته الْمَضْمُون لَهُ الَّتِي قيل فِيهَا بالإفساد على وَجه دون معرفَة وَكيل الْمَضْمُون لَهُ قَائِمَة فِي ذَلِك قيام معرفَة نفس الْمَضْمُون لَهُ وَأما ثَانِيًا فَلِأَنَّهُ قدر أَنَّهَا كَذَلِك فَحكم الْحَاكِم بِشَرْطِهِ بِقطع الْخلاف وتمنع على الْمُخَالف نقضه وَهَكَذَا قَوْله ضمنت الدّين الَّذِي لغير الْمُدَّعِي إِلَى آخر مَا ذكر فَاسد لَيْسَ بِشَيْء فَإِن ضَمَانه لوكيل صَاحب الدّين بِمَنْزِلَة ضَمَانه لنَفسِهِ فَإِنَّهُ يقوم مقَامه وينوب مَنَابه فِي ذَلِك وَأَمْثَاله من الْأَحْكَام وَسَوَاء فِي ذَلِك ذكر الْمُوكل وأضاف إِلَيْهِ ذَلِك أَو لم يذكرهُ وَلم يذكرهُ وَلم يضفه اليه لَكِن نَوَاه وقصده وَلَيْسَ وَالْحَالة هَذِه نَظَائِر كَون صُورَة اللَّفْظ ظَاهرا منصرفة إِلَى الْوَكِيل وَهَذَا إِشَارَة الى طرق من أُمُور مُحَققَة مَعْلُومَة عِنْد الْفُقَهَاء وَالله الْمُسْتَعَان
هَذِه الْوَاقِعَة قَامَ فِيهَا ابْن عبد السَّلَام وَزعم أَن الضَّمَان فَاسد

(2/511)


@ لِأَنَّهُ ضمن لمن لَا دين لَهُ وشنع على وسعى فِي أَخذ خطوط جمَاعَة من الْمُفْتِينَ على وفْق مَا وضح بِهِ خطه وَكَانَ القَاضِي النَّجْم يُنَاقض حكم القَاضِي الشَّمْس وَعنهُ أَنه عزى الْمَسْأَلَة إِلَى الْحَاوِي فَنَظَرت فِيهِ فَإِذا الْأَمر فِيهِ لَيْسَ كَذَلِك وَالله أعلم
504 - مَسْأَلَة شخص أَبْرَأ شخصا إِبْرَاء مُطلقًا عَاما وَأقر بِأَنَّهُ لَا حق لَهُ عَلَيْهِ على الْإِطْلَاق وَكَانَ لَهُ مِقْدَار من الدبس أسلم فِيهِ إِلَيْهِ وَادّعى أَنه لم يعلم بِهِ حَالَة الْإِبْرَاء أَو لم يردهُ فَمَا الحكم
أجَاب رَضِي الله عَنهُ بعد التثبيت أَيَّامًا أَنه يصدق بِيَمِينِهِ وَذَلِكَ لِأَن هَذَا الْعُمُوم منتشر الْأَفْرَاد لَا يدْخل تَحت الْحصْر وَالْعد وغيبة بَعْضهَا عَن الذِّهْن لَيْسَ على خلاف الظَّاهِر فَإِذا ادّعى ذَلِك قبل مِنْهُ مَعَ الْيَمين فَإِن قلت فَيَنْبَغِي أَن لَا يحكم بِعُمُومِهِ وَيلْحق بِالْإِقْرَارِ بِالْمَجْهُولِ وَحَيْثُ حكم بِعُمُومِهِ علم أَن تنَاوله لجَمِيع الْأَفْرَاد هُوَ الظَّاهِر وَيلْزم من ذَلِك أَن تكون دَعْوَاهُ عدم إِرَادَة بَعْضهَا على خلاف الظَّاهِر قلت نعم تنَاوله لجميعها هُوَ الظَّاهِر وَلَكِن

(2/512)


@ الظَّاهِر قد يتْرك هَذِه الدَّعْوَى فِي بعض الْمَوَاضِع وَأَن يعْمل بِهِ عِنْد عدمهَا وَمن ذَلِك إِذا قيل لَهُ أطلقت زَوجتك فَقَالَ نعم طلقت حكم عَلَيْهِ بِالطَّلَاق إِذا طلق وَلم يدع خلاف ذَلِك فَإِن ادّعى أَنه كَانَ طَلقهَا فِي نِكَاح مُتَقَدم وَكَانَ لما قَالَه أصل قبل قَوْله فَقيل قَوْله على خلاف الظَّاهِر الْمَعْمُول بِهِ عِنْد الْإِطْلَاق وَهَذَا الَّذِي نَحن بصدده من هَذَا وَالسَّبَب فِيهِ أَن هَذِه الدَّعْوَى فِي ضمنهَا حجَّة يتْرك بِمِثْلِهَا ذَلِك الظَّاهِر وكل دَعْوَى هَذَا شَأْنهَا بترك الظَّاهِر عِنْد وجودهَا وَهَذَا لِأَنَّهُ ادّعى عدم الْعلم بالفرد الْمعِين الَّذِي ادَّعَاهُ وَالْأَصْل عدم علمه بِهِ فَلَا ظَاهر يدل على علمه بِهِ فَكَانَ قَوْله مَقْبُولًا فِي عدم علمه ثمَّ يلْزم مِنْهُ عدم تنَاول عُمُوم إِقْرَاره لَهُ وَقد وجدت على مُوَافقَة مَا قَرّرته نصا عَن الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ ذكر صَاحب رَوْضَة الْحُكَّام لَو قَالَ لَا حق لي فِيمَا فِي يَد فلَان ثمَّ قَالَ هَذَا الْعَهْد لم أعلم كَونه فِي يَده فِي وَقت الْإِقْرَار صدق عِنْد الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ وَلَا يصدق عَن أبي حنيفَة وَالله أعلم
علقت هَذَا بعد الْإِفْتَاء بِمَا تقدم بِزَمَان هُوَ بعض مَا كَانَ فَتحه الله تَعَالَى فِي تَقْرِيره وَيَنْبَغِي أَن لَا يقبل الرُّجُوع عَن الْإِقْرَار فِي كل ذَلِك إِلَّا إِذا عِنْده بِتَأْوِيل يقبل مثله كَمَا فِي الصُّورَة الْمَذْكُورَة وَالله أعلم
505 - مَسْأَلَة شخص أقرّ أَن هَذَا لَازم صَحِيح على وَلَده فلَان من غير ذَلِك لمن وَقفه وَلَا وَقت للإقرار ثمَّ مَاتَ فَأَقَامَ بَاقِي الْوَرَثَة بَينه على اقرار الْمُدَّعِي للْوَقْف بِأَنَّهُ تلقى الْوَقْف من أَبِيه فِي مرض مَوته فِي تَارِيخ مُتَقَدم على تَارِيخ إِقْرَار أَبِيه الْمَوْصُوف أَولا فَهَل يبطل ذَلِك بِهَذَا وَيتْرك إِقْرَار الْأَب على هَذَا الْقَيْد الْمُتَقَدّم عَلَيْهِ
أجَاب رَضِي الله عَنهُ وَقَالَ أجَاب فِي الاستفتاء جمَاعَة من الْمَشَايِخ الَّذين مَاتُوا وحادوا عَن عين المستفتى عَنهُ بِأَن فرضوا حَالَة أجابوا عَنْهَا فِرَارًا من مَحل المغموض وَكَانَ جوابي بعد الاستخارة والتثبت أَيَّامًا أَن ذَلِك

(2/513)


@ الْمُطلق يتْرك على هَذَا الْمُقَيد وَهُوَ هَذَا اللَّاحِق بنظائره الَّتِي بهَا أَنه لَو قَامَت الْبَيِّنَة على إِقْرَاره أَن لفُلَان عَلَيْهِ ألفا وَقَامَت بَيِّنَة أُخْرَى أَنه قبض من فلَان خمسمائه فِي شعْبَان وثلثمائة فِي رَمَضَان وَمِائَتَيْنِ فِي شَوَّال فَإِن ذَلِك الْمُطلق يحمل على الْمُقَيد وَالْحجّة فِي ذَلِك أَنه يحْتَمل أَن يكون الْمُطلق هُوَ الْمُقَيد وَيحْتَمل أَن يكون غَيره وَالْأَصْل عدم غَيره بِهِ وَهَذَا شَامِل لما نَحن فِيهِ وَلَا يمْنَع من هَذَا قَوْله صَحِيح لَازم نظرا إِلَى أَنه غير مَوْجُود فِي الْمُقَيد بِمَرَض الْمَوْت فَتحصل الْمُغَايرَة وَذَلِكَ لِأَنَّهُ حِين قَالَ هَذَا لم يعلم أَنه فِي مرض مَوته وَإِطْلَاق هَذَا كَانَ جَائِزا لَهُ إِلَى الظَّاهِر لَا لكَون قَائِل الْمُطلق لَيْسَ قَائِل الْمُقَيد لِأَن الْمُقَيد هُوَ الْمقر لَهُ فَكَانَ التَّقْيِيد مَقْبُولًا لاحقا بالمقر بِهِ لكَونه صَاحب الْحق وَلَا يكون الْمُطلق إِقْرَارا بانصاف الْمَذْكُور بالوقفية والمقيد إِقْرَارا بإنشاء الْوَقْف لِأَن هَذَا لَا يُوجب مُغَايرَة تمنع من تَنْزِيل أَحدهمَا على الآخر كَمَا فِي النظير الْمُقدم على أَن قَوْله فِي الْمُقَيد تلقى الْوَقْف المعني بِهِ وَوَصفه بالوقفية وَالله أعلم
أصل آخر وَهُوَ أَن إِقْرَار الْمُدَّعِي يثبت كَون الْإِقْرَار الْمُطلق صادرا من الْأَب فِي مرض مَوته وَكَون الْوَقْف حدث فِي مرض الْمَوْت أَيْضا وَيلْزم من ذَلِك الحكم بِأَنَّهُ الْوَاقِف إِذْ لَا يقدر زَوَال ملكه الى غَيره ثمَّ صُدُور الْوَقْف من الْغَيْر كَمَا لم يقدر مثله فِي مَسْأَلَة الِاسْتِحْقَاق حَيْثُ يحكم بِرُجُوع المُشْتَرِي على البَائِع بِالثّمن إِذا قَامَت بَيِّنَة مُطلقَة يكون الْمَبِيع مُسْتَحقّا من غير إِسْنَاد مِنْهَا للاستحقاق إِلَى يَد البَائِع مَعَ انه يحْتَمل أَن يكون الِاسْتِحْقَاق تجدّد فِي يَد المُشْتَرِي بِأَن يكون قد زَالَ ملكه إِلَى غَيره ثمَّ غصبه مِنْهُ لَكِن قُلْنَا الأَصْل عدم هَذَا الزَّوَال وانتقاء هَذِه الْوَاسِطَة وَهَكَذَا كَذَلِك وَالْعلم عِنْد الله تَعَالَى
506 - مَسْأَلَة شهِدت بَيِّنَة لقوم بِأَن هَذَا الْمَكَان مخلف عَن مُورثهم فلَان وَقَامَت بَيِّنَة أُخْرَى لقوم آخَرين بِأَنَّهُ مخلف عَن مُورثهم يدا وتصرفا فَحسب فَأَيّهمَا يقدم

(2/514)


@
أجَاب رَضِي الله عَنهُ إِذا شهِدت الْبَيِّنَة الأولى بملكية مُورثهم تحليفا مِيرَاثا وَلم تشهد بَيِّنَة الآخرين بِملك مُورثهم بل بِالْيَدِ فَحسب فعلى مَنْصُوص الشَّافِعِي ظَاهر مذْهبه فِي أَن الْبَيِّنَة الشاهدة بِملك الْمَيِّت وتحليفه مِيرَاثا يحكم بهَا على صَاحب الْيَد الْمُجَرَّدَة كَالشَّهَادَةِ بِالْملكِ الْمَاضِي يحكم هَا هُنَا بَيِّنَة الَّذين شهِدت بَينهم بِملك مُورثهم وتحليفه مِيرَاثا وَالله أعلم
507 - مَسْأَلَة إِذا زكى أحد الشَّاهِدين للْآخر هَل يقبل
أجَاب رَضِي الله عَنهُ الْأَظْهر أَنه لَا يقبل وأفتيت بِهَذَا مَعَ وُقُوفِي على قطع أبي عَاصِم الْعَبَّادِيّ بِأَنَّهُ يقبل وَرَأَيْت الحاقه بِمَا إِذا شهد أَحدهمَا على شَهَادَة الثَّانِي وَذَلِكَ يُؤَدِّي إِلَى الِاكْتِفَاء بِالشَّاهِدِ الْوَاحِد فَإِن قبُول قَول الشَّاهِد الآخر يكون حِينَئِذٍ على قَوْله وَيَنْبَغِي أَن يكْشف عَن نَص على هَذَا وَالله أعلم
508 - مَسْأَلَة رجل أقرّ لرجل بدين مَعْدُوم وَأقر الْمقر لَهُ أَنه لَا يسْتَحق على الْمقر دينا وَلَا بَقِيَّة من دين وَالْإِقْرَار أَن جَمِيعًا فِي يَوْم وَاحِد معِين من غير أَن يبين أَيهمَا قبل فبأيهما يعْمل وَهل يمْنَع ذَلِك من الْمُطَالبَة بِالدّينِ الْمَذْكُور
أجَاب رَضِي الله عَنهُ يحكم بِبَيِّنَة الْإِقْرَار المثبتة فَإِنَّهُ ثَبت بِهِ أصل شغل ذمَّته إِذْ لولاه لجعلنا إِقْرَار الْمقر لَهُ تَكْذِيبًا للْمقر وَلَا يُصَار إِلَى ذَلِك بِالِاحْتِمَالِ واذا ثَبت أصل الشّغل وَالْقَوْل بِتَصْدِيق الإقرارين مَعًا فَلَا يُصَار الى تصديقهما بِتَقْدِير تَأَخّر الْإِقْرَار النَّافِي عَن الْإِقْرَار الْمُثبت بِنَاء على احْتِمَال طَرَأَ أَن الْبَرَاءَة والإسقاط فَأن لَا تتْرك أصل الشّغل بِاحْتِمَال تعقب الْمسْقط فَيتَعَيَّن تصديقهما بِتَقْدِير وُقُوع الْإِقْرَار النَّافِي قبل الْإِقْرَار الْمُثبت وَإِذا ادّعى الْمقر لَهُ هَذَا فَذَلِك مَقْبُول وَالله أعلم

(2/515)


- مَسْأَلَة رجل أقرّ فِي مرض مَوته بِأَنَّهُ بَاعَ من ابْنه فلَان كَذَا وَكَذَا وَسَماهُ وعينه وللميت ابْن أَخ فَادّعى أَنه وَارِث الْمَيِّت وَأَن الابْن الْمَذْكُور لَيْسَ ابْن الْمَيِّت وَإِنَّمَا هُوَ ابْن فلَان وعينه ولد على فرَاشه وَأقَام بذلك بَيِّنَة وَفُلَان الْمَذْكُور مُنكر لذَلِك وَالِابْن ايضا مُنكر ويعتزى الى البَائِع الْمَيِّت فَهَل يقْدَح ذَلِك فِي اقرار الْمَيِّت بِثُبُوتِهِ وَهل يحْتَاج إِلَى إِقَامَة بَيِّنَة تشهد بِأَنَّهُ لَا وَارِث لَهُ وَإِذا أَقَامَهَا على ذَلِك وَأَنه ولد على فرَاشه يحكم لَهُ بِالْإِرْثِ أم لَا
أجَاب رَضِي الله عَنهُ قيام الْبَيِّنَة بِأَنَّهُ ولد على فرَاش غير الْمَيِّت يقْدَح فِي إِقْرَاره ويلحقه بِصَاحِب الْفراش وَإِن اتّفق هُوَ والمولود على إِنْكَار ذَلِك من حَيْثُ أَن الْوَلَد للْفراش وكل ولد الْحق بالفراش فَلَنْ يَنْتَفِي عَنهُ إِلَّا بِاللّعانِ وَدَعوى ابْن الْأَخ لذَلِك وبنيته مسموعتان وَإِن كَانَ ذَلِك إثابتا للْغَيْر من كَونه طَرِيقا فِي دفع الْخصم وابطالا لحجته وَلِهَذَا سَاغَ إِقَامَة الْبَيِّنَة على نسق بَيِّنَة الْخصم مَعَ أَنه لَيْسَ إِثْبَات حق لمن أَقَامَهَا وَيسْتَحق الْملك الْمُبْتَاع وَإِن انْتَفَى نسبه نظرا إِلَى التَّعْيِين ولحملنا الْوَصْف على ذَلِك على زَعمه فَإِذا أَقَامَ الابْن الْمقر بِهِ بَيِّنَة أَنه ولد على فرَاش الْمَيِّت وَإنَّهُ لَا وَارِث لَهُ غَيره فَيحكم لَهُ بِالْإِرْثِ حِينَئِذٍ وَلَا بُد من اقامة الْبَيِّنَة على أَنه لَا وَارِث لَهُ غَيره على كل حَال وَالله أعلم
ذكره الإِمَام رَحمَه الله فِي النِّهَايَة قَرِيبا من آخر بَاب فِي آخر الْكتاب الْوَلَد الَّذِي ألحق بفراش النِّكَاح لَا يُؤثر فِيهِ قيافه وَلَا انتساب يُخَالف حكم الْفراش بل لَا يَنْتَفِي ولد ألحقهُ الْفراش إِلَّا بِاللّعانِ قلت من جِهَة هَذَا أَن النّسَب الثَّابِت بالفراش ثَبت أَصله قهرا من غير توقف على رضى الْوَلَد وَالْوَالِد فَلَا يَنْتَفِي بقولهمَا واجتماعهما على نَفْيه وَكَونه حَقًا لَهُ لَا يُوجب اعْتِبَار قَوْله فِي نَفْيه كَمَا أَن الْملك الثَّابِت بِالْإِرْثِ فَلَا يَنْتَفِي بنفيه وَإِن كَانَ حَقًا

(2/516)


@ لَهُ لما كَانَ من أصل ثُبُوته قهريا وَأما انتفاؤه بِاللّعانِ فرخصه وَهُوَ حجَّة ضَرُورِيَّة أثبتها الشَّرْع شاهدة بِنَفْي الْأَسْبَاب الْبَاطِلَة وَالله أعلم
510 - مَسْأَلَة رجل أقرّ لرجل فِي سنة عشْرين بِمِائَة دِرْهَم ثمَّ قَامَت بَيِّنَة بِأَنَّهُ أقرّ للْمقر لَهُ الأول فِي سنة أحدى وَعشْرين بِخَمْسِينَ درهما وَشهِدت شُهُود بِأَن هَذَا الدّين خَارج عَمَّا أقرّ بِهِ فِي سنة عشْرين وَلم يَقُولُوا لذَلِك الْمقر لَهُ فَهَل يكون هَذَا كَافِيا فِي التغاير بَين هذَيْن الدينَيْنِ أفتى بعض هَؤُلَاءِ بِأَنَّهُ كَاف فِي التغاير
أجَاب رَضِي الله عَنهُ لَا يَكْفِي هَذَا فِي إِثْبَات التغاير بَينهمَا فقد يكون خَارِجا عَمَّا أقرّ بِهِ لغير ذَلِك الْمقر لَهُ فِي سنة عشْرين وَيصِح لذَلِك اطلاق ذَلِك وَإِن لم يكن خَارِجا عَمَّا أقرّ بِهِ لذَلِك الْمقر بِهِ فِي سنة عشْرين إِذْ لَا عُمُوم فِي هَذَا اللَّفْظ أَو مَا هَهُنَا جزئية لَا عُمُوم لَهَا عِنْدهم فَإِن أضَاف مضيف إِلَى هَذَا مُقَدّمَة أُخْرَى استصحابية لم يقْدَح بذلك فِي الْجَواب بِأَنَّهُ لَا يكون هَذَا كَافِيا فَإِن الْكِفَايَة حِينَئِذٍ تحصل بالمجموع أَن حصلت وانتهض هَذَا مُعْتَمدًا فِي إِثْبَات التغاير وَفِي ذَلِك كَلَام وتفصيل بَين أَن يعلم ثمَّ إِقْرَار مِنْهُ لغيره أَو لَا يُعلمهُ
511 - مَسْأَلَة قَامَت بَيِّنَة أَنه اشْترى هَذَا من نَائِب بَيت المَال شِرَاء صَحِيحا وَقَامَت بَيِّنَة أَنه غصبه من بَيت المَال فأيتهما تقدم
أجَاب رَضِي الله عَنهُ تقدم بَيِّنَة الشِّرَاء على بَيِّنَة الْغَصْب لِأَنَّهَا نَافِذَة وَتلك مَبْنِيَّة وَقد حفظ أَنَّهَا لَو شهِدت بِأَن هَذَا ملك فلَان وَشهِدت أُخْرَى بِأَن الْمُدَّعِي اشْتَرَاهُ مِنْهُ قدمت بَيِّنَة الشِّرَاء

(2/517)


- مَسْأَلَة رجل بِيَدِهِ ملك لَا مُنَازع لَهُ فِيهِ أقرّ أَنه وَقفه فلَان عَلَيْهِ وعَلى نَسْله ثمَّ على جِهَة مؤيدة فَهَل يثبت الْوَقْف
أجَاب رَضِي الله عَنهُ لَا يثبت الْوَقْف عَلَيْهِ بِإِقْرَارِهِ ذَلِك لِأَنَّهُ اعْترف بِالْملكِ لغيره وَادّعى انْتِقَاله عَنهُ بطرِيق الْوَقْف فَهُوَ كَمَا لَو قَالَ صَاحب الْيَد اشْتريت هَذَا من فلَان لم يثبت الْملك لَهُ وَإِن كَانَت الْيَد لَهُ أما إِذا قَالَ هَذَا مَوْقُوف عَليّ وَلم يعين وَاقِفًا فَيَنْبَغِي أَن يثبت ملك بِالْيَدِ لَا سِيمَا إِذا قُلْنَا الْملك فِي الْمَوْقُوف للْمَوْقُوف عَلَيْهِ وَدَعوى ذَلِك على الْإِطْلَاق كدعوى صَاحب الْيَد على الْملك على الْإِطْلَاق وَإِن كَانَ لَا بُد من متنقل مِنْهُ إِلَيْهِ لَكِن يفرق الْمعِين والمبهم
513 - مَسْأَلَة شَهَادَة الاستفاضة هَل يثبت بهَا الْوَقْف وَإِن ثَبت فَهَل يثبت لَهَا أَن النّظر لولد الْوَقْف أم لَا
أجَاب رَضِي الله عَنهُ يثبت بِهَذَا وقف وَلَا يثبت أَن فلَانا وقف وَأما النّظر فَلَا يثبت بهَا إِذا شهد بِهِ مُنْفَردا أَو اسْتِقْلَالا وَإِن شهد بِهِ ذَاكِرًا لَهُ فِي شَهَادَته بِأَصْل الْوَقْف فِي معرض بَيَان شَرط الْوَقْف فَالظَّاهِر أَنه يسمع لِأَنَّهُ يسمع إِذا قبلنَا شَهَادَة الاستفاضة فِي الْوَقْف شَهَادَتهمَا بِالْوَقْفِ مَشْرُوطًا فِيهِ شُرُوطه وَذَلِكَ لِأَنَّهُ يرجع حَاصله إِلَى بَيَان وصف الْوَقْف وَتَعْيِين كَيْفيَّة وَذَلِكَ مسموع فَإِن تكلّف متكلف رد هَذَا إِلَى مَسْأَلَة الشَّهَادَة بِالْوَقْفِ على غير معِين وَرَغمَ أَنَّهَا لَا تسمع بالاستفاضة وَجها وَاحِدًا قلت هَذَا قَول الشَّيْخ أبي مُحَمَّد والمحققون على مَا حَكَاهُ ابْنه سووا بَين الْعَام والمعين فِي إِجْرَاء الْوَجْهَيْنِ فِي الْجمع وَالله أعلم

(2/518)


@
وَمن كتاب الدَّعَاوَى والبينات
514 - مَسْأَلَة رجل اشْترى من رجل سَهْما شَائِعا من ملك وَغَابَ البَائِع فَأثْبت المُشْتَرِي أَن الْملك لم يزل ملك أبي البَائِع إِلَى أَن مَاتَ وَخَلفه لوَرثَته وَأثبت حصرهم وَأَن البَائِع يَخُصُّهُ من الْملك الْمَذْكُور الْقدر الْمَبِيع فَادّعى أَخُو البَائِع أَن أَبَاهُ وهبه ذَلِك الْملك جَمِيعه هبة صَحِيحَة مَقْبُوضَة وَأثبت ذَلِك فَادّعى المُشْتَرِي فِي غيبَة البَائِع أَن الْأَب رَجَعَ فِي الْهِبَة الْمَذْكُورَة وَأقَام بذلك شَاهد فَهَل تسمع دَعْوَاهُ فِي ذَلِك وَيحلف مَعَ شَاهده أم لَا
أجَاب رَضِي الله عَنهُ بل تسمع الدَّعْوَى مِنْهُ فِي ذَلِك وَيحلف مَعَ شَاهده هَذَا هُوَ الظَّاهِر فَإِنَّهُ يَدعِي ملكا لغيره منتقلا مِنْهُ إِلَيْهِ فَهُوَ كالوارث فِيمَا يَدعِيهِ من ملك لمورثه
515 - مَسْأَلَة رجل بِيَدِهِ عقار يتَصَرَّف فِيهِ مُدَّة طَوِيلَة حضر خارجي وَادّعى عَلَيْهِ أَنه يسْتَحق تَسْلِيم الْعقار وَأَنه بِيَدِهِ غصبا وتعديا فَأجَاب ذُو الْيَد بِأَنَّهُ ملكه وَبِيَدِهِ وَحقه وَلَا يسْتَحق هَذَا الْمُدَّعِي تَسْلِيمه وَلَا تَسْلِيم شَيْء مِنْهُ فَأَقَامَ الْمُدَّعِي الْخَارِج بَيِّنَة شهِدت أَن زيدا أقرّ لَهُ بِهَذَا الْعقار بتاريخ عينه سَابق لتاريخ هَذِه الدَّعْوَى مثلا بِعشْرين سنة أَو أقل أَو أَكثر وَشهِدت أَن هَذَا الْعقار كَانَ بيد الْمقر حَاله إِقْرَاره لَهُ بِهِ وَلم تزد فِي شهادتها على ذَلِك فَهَل ينتزع من يَد الْمُدعى عَلَيْهِ وَالْحَالة هَذِه بِمُجَرَّد هَذِه الشَّهَادَة أم لَا
أجَاب رَضِي الله عَنهُ يثبت لَهُ الْملك بذلك وينتزع ذَلِك من يَد الْمُدعى عَلَيْهِ وَالْمَسْأَلَة مسطورة على مَا فِيهَا من عضوضن سطرها الْعَبَّادِيّ وَغَيره على نَحْو هَذَا وَالله أعلم

(2/519)


- مَسْأَلَة رجل اشْترى من آخر ملكا وَلم يزل الْملك فِي يَد المُشْتَرِي إِلَى أَن توفّي وَخَلفه من يسْتَحق مِيرَاثه وَمَات البَائِع وَزَوجته فَادّعى وَارِث البَائِع أَن أَبَاهُ مَاتَ وَخلف الْملك على وَارثه فَأثْبت وَارِث المُشْتَرِي أَن الْملك انْتقل إِلَيْهِ عَن أَبِيه وَأَن أَبَاهُ اشْتَرَاهُ شِرَاء صَحِيحا من وَالِد الْمَذْكُورين بِكِتَاب شَرْعِي ثمَّ ادّعى وَارِث البَائِع مرّة ثَانِيَة أَن أَبَاهُ كَانَ عوض زَوجته بِالْملكِ عَن صَدَاقهَا وورثوها وَأَقَامُوا على ذَلِك بَيِّنَة وَيَد وَارِث المُشْتَرِي ثَابِتَة على الْملك وَتَحْت تصرفه فَهَل تصح لَهُم دَعوَاهُم أم لَا
أجَاب رَضِي الله عَنهُ لَا تسمع دَعْوَى وَارِث البَائِع على مناقضة دَعْوَاهُ الْمُتَقَدّمَة فَإِن قرنها بِتَأْوِيل يدْفع المناقضة وَكَانَت بَيِّنَة المُشْتَرِي وَبَيِّنَة التعويض مطلقتي التَّارِيخ أَو أَحدهمَا تساقطتا وَعمل بِالْيَدِ وَيحكم بهَا لوَارث المُشْتَرِي
517 - مَسْأَلَة ادّعى شخص عينا فِي آخر أَنَّهَا ملكه وَهِي فِي يَده بِغَيْر حق وَهُوَ يسْتَحق إخْرَاجهَا من يَده على مَا هُوَ شَرط الدَّعْوَى فَأنْكر الْمُدعى عَلَيْهِ فأحضر شَاهِدين شَهدا أَن الْمُدَّعِي اشْترى الْعين الْمُدعى بهَا من سنة من غير الْمُدعى عَلَيْهِ وَسلمهَا إِلَيْهِ فتسلمها وَلم يزيدا على هَذَا فَهَل يحكم للْمُدَّعِي بِالْعينِ بِهَذِهِ الشَّهَادَة أم لَا فان قَالُوا يحكم فَلَو قَالَ الشَّاهِدَانِ تشهد أَن هَذِه الْعين كَانَت ملك أبي الْمُدَّعِي وَمَات من سنة وانتقل إِلَى الْمُدَّعِي وَلم يتعرضا للْملك فِي الْحَال أَيْضا وَلَا وَارِث لَهُ غَيره فَهَل يحكم لَهُ بهَا كَمَا صُورَة الشِّرَاء أم لَا فَإِن قَالُوا يحكم فَلَو جَاءَ رجل إِلَى حَاكم بِعَين وأدعى على غَائِب أَن لَهُ عَلَيْهِ كَذَا أَو أَنه رهن مِنْهُ هَذِه الْعين على هَذَا الْمبلغ وَأقَام شَاهِدين بِالدّينِ الْمُدعى بِهِ على الْغَائِب وَأَنه رهن مِنْهُ هَذِه الْعين وَصرف ثمنهَا إِلَى دينه فَهَل للْحَاكِم ذَلِك بِالشَّهَادَةِ الْمَذْكُورَة
أجَاب رَضِي الله عَنهُ نعم يحكم للْمُدَّعِي بِهَذِهِ الْبَيِّنَة هَكَذَا

(2/520)


@ قَالُوا وَالأَصَح أَنه يحكم لَهُ فِي صُورَة الْإِرْث الْمَذْكُور وَلَا يجز وَاحِدَة من الصُّورَتَيْنِ على الْخلاف فِيمَا إِذا شهِدت الْبَيِّنَة لَهُ بِأَنَّهُ ملكه أمس وَهَكَذَا يَكْفِي فِي مَسْأَلَة الرَّهْن فِي الحكم لَهُ مَا ذكره فِي هَذَا النَّوْع اعْتِرَاض لَيْسَ هَذَا مَوْضُوع حلّه
518 - مَسْأَلَة رجل خلف ملكا على ورثته فجَاء رجل من خَارج وَادّعى أَن هَذِه الْملك يخْتَص بِبَيْت المَال وَأَنه كَانَ فِي يَد الْمَوْرُوث الْمُتَوفَّى على سَبِيل الْغَصْب والتعدي وَأقَام بَيِّنَة على ذَلِك فَأَقَامَ الْوَارِث الْمُدعى عَلَيْهِ بِبَيِّنَة تشهد أَن هَذَا الْمُدَّعِي ملك الْمُدعى عَلَيْهِ واختصاصه وَأَن يَده الثَّابِتَة عَلَيْهِ يَد حق وَأَن يَد الْمُتَوفَّى الْمُورث كَانَت أَيْضا يَد حق إِلَى أَن توفّي فَهَل تتعارض الْبَيِّنَتَانِ أَو تقدم إِحْدَاهمَا وَأيهمَا تقدم وَهل إِذا تَعَارَضَت يقدم صَاحب الْيَد أم لَا
أجَاب رَضِي الله عَنهُ إِذا لم تزد بَيِّنَة الْمُدَّعِي على أَن يَد الْمُورث على سَبِيل الْغَصْب والتعدي وَأَنه لبيت المَال فَبَيِّنَة الْمُدعى عَلَيْهِ صَاحب الْيَد مُقَدّمَة وَالله أعلم
519 - مَسْأَلَة رجل نَافِذ التَّصَرُّف لَهُ دَابَّة عَادَتهَا الضراوة برجلها أَو يَدهَا أَو فمها فاستأجر أَجِيرا نَافِذ التَّصَرُّف مُدَّة مَعْلُومَة لينقل لَهُ مَاء وحطبا من مَوضِع مُبَاح مَعْلُوم عملا مَعْلُوما وَلم يعلم الْأَجِير بِأَنَّهَا ضاربة فَأَخذهَا الْأَجِير ينْقل عَلَيْهَا فِي غيبَة الْمُسْتَأْجر فجَاء أَجْنَبِي وَادّعى أَنَّهَا أتلفت وَهِي مَعَ الْأَجِير فِي غيبَة الْمُسْتَأْجر نفسا أَو مَالا فعلى من تتَوَجَّه الدَّعْوَى فَإِن تَوَجَّهت على الْمُسْتَأْجر فَهَل يحلف على الْقطع أَو نفي الْعلم وعَلى من يكون الْعَزْم
أجَاب رَضِي الله عَنهُ يَدعِي الْأَجِير وَالْحَالة هَذِه وَإِذا ثَبت ذَلِك

(2/521)


@ عَلَيْهِ وَجب عَلَيْهِ الضَّمَان ثمَّ يرجع بِهِ على الْمَالِك لكَونه غره حَيْثُ لم يُعلمهُ مَعَ كَونه يعلم كَونهَا مُعْتَادَة لذَلِك وَإِن أنكر ذَلِك وَلَا بَيِّنَة فَعَلَيهِ الْيَمين وَيحلف على الْقطع لَا على نفي الْعلم فَإِن فعل الْبَهِيمَة الْمَذْكُور مَنْسُوب إِلَيْهِ وَفعل الْغَيْر إِذا كَانَ مَنْسُوبا إِلَى الْمُدعى عَلَيْهِ حلف على الْبَتّ وَالله أعلم
520 - مَسْأَلَة رجل أثبت بِأَن الْمَكَان الْفُلَانِيّ طَرِيق يخْتَص بِهِ وَشهد بذلك الشُّهُود فجَاء آخر وَأثبت أَنه طَرِيق الْمُسلمين غير مُخْتَصّ بذلك الرجل شهد لَهُ بذلك شُهُود فَأَي الْبَيِّنَتَيْنِ تقدم
أجَاب رَضِي الله عَنهُ إِن كَانَت الْيَد للْأولِ تخْتَص بِالتَّصَرُّفِ فِيهِ قدمت بَينته وَإِن كَانَت للْمُسلمين بِأَن كَانُوا يسلكونه على الْعُمُوم مُدَّة من غير مُنَازع قدمت الْبَيِّنَة الثَّانِيَة
521 - مَسْأَلَة رجل فِي يَده بَيت فِيهِ مَتَاع يتَصَرَّف فجَاء رجل إِلَى حَاكم الْمُسلمين وأحضر الرجل الَّذِي فِي يَده وَادّعى عَلَيْهِ أَن مَتَاع الْبَيْت وحدد الْبَيْت وَذكر الْبَلَد الَّذِي فِيهِ الْبَيْت والحارة ملكه دون الْمُدَّعِي وَأقَام على ذَلِك بَيِّنَة فَهَل يفْتَقر فِي الدَّعْوَى وَفِي قبُول الْبَيِّنَة إِلَى ذكر جَمِيع الْمَتَاع وَوَصفه إِذْ الْمُدعى بِهِ غَائِب أم لَا يحْتَاج إِلَى ذكر ذَلِك لِأَنَّهُ مَحْصُور فِي الْبَيْت يُمكن تَسْلِيمه عِنْد الثُّبُوت
أجَاب رَضِي الله عَنهُ لَا تصح الدَّعْوَى وَشَهَادَة الْبَيِّنَة فَإِن أضيف ذَلِك إِلَى إِقْرَار من ينفذ إِقْرَاره صحت الدَّعْوَى وَالْبَيِّنَة وَعمل بِهِ بِشَرْطِهِ
522 - مَسْأَلَة رجل ابْتَاعَ من رجل شَيْئَيْنِ فِي عقدين ثمَّ مَاتَ البَائِع وَأقَام المُشْتَرِي الْبَيِّنَة على الْعقْدَيْنِ بعد الدَّعْوَى الصَّحِيحَة وَطلب الحكم فَهَل يحكم لَهُ بِيَمِين وَاحِدَة أم لَا بُد من يَمِين لكل عقد

(2/522)


@
أجَاب رَضِي الله عَنهُ إِن تعدّدت الدَّعْوَى وَإِقَامَة الْبَيِّنَة عَلَيْهَا تعدّدت الْيَمين وَإِن أَقَامَ الْبَيِّنَة عَلَيْهَا دفْعَة وَاحِدَة اتَّخذت الْيَمين
523 - مَسْأَلَة ادّعى رجل أَنه اشْترى من رجل مَبِيعًا معينا بِثمن مَعْلُوم وَأَن مَالِكه بَاعه مِنْهُ ذَلِك بِالثّمن الْمعِين وَتقَابَضَا من الطَّرفَيْنِ وَشهد عِنْد الْحَاكِم بِصُورَة العقد وَالْقَبْض من الطَّرفَيْنِ الْجَارِي بَين الْمُتَبَايعين ذَوا عدل وَكَانَ البَائِع مَيتا أَو غَائِبا فَطلب المُشْتَرِي من الْحَاكِم أَن يحكم لَهُ على البَائِع بذلك هَل يفْتَقر فِي الحكم إِلَى يَمِين المُشْتَرِي الْمُعْتَبرَة فِي الحكم على الْمَيِّت قولا وَاحِدًا وعَلى الْغَائِب على أحد الْوَجْهَيْنِ أم لَا فَإِن وَجَبت الْيَمين فَمَا كيفيتها وَأي فَائِدَة لَهَا هَا هُنَا مَعَ أَن يَمِين الحكم إِنَّمَا شرعت خوفًا من إِبْرَاء أَو حِوَالَة أَو اعتياض كَمَا هُوَ مَعْرُوف فِي بَاب الدُّيُون وَهل من فرق بَين شَهَادَة الشَّاهِدين بِحُضُور عقد البيع وَالْقَبْض أَو الشَّهَادَة على إِقْرَار المتابعين فِي الْيَمين للْحكم على البَائِع وَهل لَو شَهدا على ميت بإبراء مَدين عَن دين وحكيا صُورَة الْإِبْرَاء أَو إِقْرَاره بِالْإِبْرَاءِ هَل يفْتَقر فِي الحكم عَلَيْهِ إِلَى يَمِين الْمَدِين الْمُدَّعِي بِالْإِبْرَاءِ أم لَا
أجَاب رَضِي الله عَنهُ نعم يفْتَقر ذَلِك إِلَى تِلْكَ الْيَمين خوفًا من مُفسد قَارن العقد أَو مزيل طَرَأَ بعده وَيَكْفِي فِي كيفيتها أَن يحلف أَنه الْآن مُسْتَحقّ لما ادَّعَاهُ وَكَذَلِكَ يَكْفِي مثله فِي سَائِر الصُّور من غير حَاجَة إِلَى تَفْصِيل الْأَسْبَاب وَلَا فرق فِي ذَلِك بَين أَن يشهدَا على الْإِقْرَار أَو بَين أَن يشْهد على الْإِقْرَار أَو بَين أَن يشهدَا بِصُورَة العقد وَكَذَلِكَ الْإِبْرَاء
524 - مَسْأَلَة أَرض مَمْلُوكَة لشخص وفيهَا غراس يتَصَرَّف فِيهِ رجل آخر تصرف المالكين من غير مُنَازع مُدَّة مديدة فَادّعى صَاحب الأَرْض أَن الْغِرَاس ملكه وَادّعى الْمُتَصَرف فِيهِ أَنه ملكه فَهَل القَوْل

(2/523)


@ قَول صَاحب الأَرْض أَو الْمُتَصَرف وَهل على صَاحب الارض أَن يبْذل قيمَة الْغِرَاس لَهُ أَو يَأْخُذهُ مجَّانا
أجَاب رَضِي الله عَنهُ إِن القَوْل فِي الْغِرَاس قَول الْمُتَصَرف فِيهِ مَعَ يَمِينه وَلَيْسَ لصَاحب الارض أَن يَتَمَلَّكهُ عَلَيْهِ بِالْقيمَةِ من غير رِضَاهُ ثمَّ أَنه بعد ذَلِك ذكر لنا دَلِيله وَقَررهُ بِأَن تصرف الْمُتَصَرف رَاجِح على كَونه مثبتا للدوام أَو فِي أَرض الْغَيْر وَشبه ذَلِك بِالْمَسْأَلَة المسطورة وَهِي إِذا تنَازع صَاحب السّفل وَصَاحب الْعُلُوّ فِي سلم فِي السّفل مَنْصُوب مُثبت للدوام فَالْقَوْل قَول صَاحب الْعُلُوّ لكَونه الْمُتَصَرف فِيهِ بالصعود فِيهِ وَأَن كَانَ قراره من الأَرْض لغيره وَلَا يرد على هَذَا مَسْأَلَة الْحَائِط الَّذِي هُوَ بَين ملكي شَخْصَيْنِ إِذا كَانَ لأَحَدهمَا عَلَيْهِ جُذُوع فَأن نجعله بَينهمَا كَمَا لَو لم يكن لاحدهما عَلَيْهِ جُذُوع فَلم يلْتَفت الى التَّصَرُّف الْحَاصِل فِيهِ لصَاحب الْجُذُوع ونظرنا الى مَا اقْتَضَاهُ حَال الْقَرار من كَونه بَينهمَا أَو فِي يديهما وَهَذَا لِأَن الْحَائِط قد كَانَ مَوْجُودا قبل وضع الْجُذُوع وحكمنا بِكَوْنِهِ بَينهمَا وَاسْتمرّ ذَلِك بعد وضع الْجُذُوع وَلِأَن الْحَائِط بعد وضع الْجُذُوع ينْتَفع بِهِ كل وَاحِد مِنْهُمَا فَإِنَّهُ ستْرَة للآخرين الَّذِي لَا جُذُوع لَهُ عَلَيْهِ بِخِلَاف الْغِرَاس فِي هَذِه الْوَاقِعَة وَالله أعلم وَإِنَّمَا قُلْنَا أَن صَاحب الارض لَيْسَ لَهُ أَن يتَمَلَّك عَلَيْهِ الْغِرَاس بِالْقيمَةِ لِأَنَّهُ يسْتَحق إبقائه فِي ظَاهر الحكم على الدَّوَام والتملك إِنَّمَا يكون فِي غير
ذَلِك كَمَا إِذا انْقَضتْ الاجارة والاعارة
525 - مَسْأَلَة رجل توفّي عَن أَوْلَاد ذُكُور بالغين وَعَن عقار فَبَاعَ وَاحِد مِنْهُم قدر نصِيبه بطرِيق الْمِيرَاث من مُشْتَر وَغَابَ البَائِع وَأثبت أحد الاخوة أَن أَبَاهُ وهب مِنْهُم جَمِيع الْعقار الْمشَار إِلَيْهِ وأقبضه أَيَّاهُ فَحَضَرَ

(2/524)


@ المُشْتَرِي لحصة الْأَخ الْبَالِغ عِنْد الْحَاكِم وأحضر مَعَه الْأَخ الْمَوْهُوب مِنْهُ جَمِيع الْعقار وَادّعى عَلَيْهِ أَن وَالِده رَجَعَ فِي الْهِبَة جَمِيعهَا رُجُوعا شَرْعِيًّا عَاد جَمِيع الْعقار إِلَى ملكه فَأنْكر الْمَوْهُوب مِنْهُ رُجُوع الْأَب فِي الْهِبَة فَأَقَامَ المُشْتَرِي شَاهدا وَاحِد عدلا شهد على الْأَب بِالرُّجُوعِ الصَّحِيح الصَّرِيح الشَّرْعِيّ بعد تَارِيخ الْهِبَة لمُدَّة سنوات وَأَرَادَ المُشْتَرِي أَن يحلف مَعَ الشَّاهِد بِالرُّجُوعِ على الرُّجُوع ليثبت ذَلِك بِالشَّاهِدِ ويمينهمعه فَهَل يجب على الْحَاكِم اجابته ويحلفه على ذَلِك وَيثبت الرُّجُوع بِالشَّاهِدِ وَيَمِين المُشْتَرِي لاحصة الاخ وَالْبَائِع يَوْمئِذٍ غَائِب فَوق مَسَافَة الْقصر أَو يخرج هَذَا على غُرَمَاء الْمَيِّت وغرماء الْمُفلس وَالْخلاف فِيهَا فَأن خرج على الْخلاف فِيهَا فَمَا الصَّحِيح الْمُخْتَار فِي مَسْأَلَة الرُّجُوع الْهِبَة المسؤول عَنْهَا أجَاب رَضِي الله عَنهُ الاظهر الْأَقْوَى أَنه يحلف على الرُّجُوع فِي الْحصَّة الْمُشْتَرَاة وَهُوَ فِي كل ذَلِك ملتحق بالوارث لَا بالغريم فِي الصُّورَتَيْنِ لانه يثبت بأثبات الرُّجُوع حَقًا لغيره وَهُوَ على تَقْدِير ثُبُوته منتقل مِنْهُ أليه كَمَا
أَن الْوَارِث كَذَلِك وَلَا كَذَلِك الْغَرِيم
526 - مَسْأَلَة ذكرهَا الشَّيْخ أبوعلي فِي شرحة الْكَبِير لمختصر الْمُزنِيّ قَالَ إِذا شهد شَاهد على إِقْرَار رجل بِحَق ثمَّ صَار الشَّاهِد حَاكما فِيهِ تِلْكَ الْبَلدة فَشهد على شَهَادَته شَاهِدَانِ وَمضى صَاحب الْحق بهما إِلَى حَاكم بَلْدَة أُخْرَى فَادّعى الْحق وَشهد لَهُ شَاهد الْفَرْع وَحلف مَعَهُمَا لِأَن الْحق مِمَّا يثبت بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِين وَحكم لَهُ الْحَاكِم بِالْحَقِّ مُسْتَوْفيا بِشَرْطِهِ ثمَّ أشهد عَلَيْهِ الشَّاهِدين بالثبوت وَالْحكم ونقلت الْقَضِيَّة إِلَى الْحَاكِم الشَّاهِد الَّذِي شهد بِأَصْل الْحق وَأثبت عِنْده اشهاد الْحَاكِم بِمَا ثَبت عِنْده وَحكم بِهِ بَين البلدتين مَسَافَة الْعَدْوى أَو فَوق مَسَافَة الْعَدْوى

(2/525)


@ قَالَ الشَّيْخ أَبُو عَليّ يجوز للْحَاكِم الَّذِي كَانَ شَاهدا وَقد ثَبت أصل الْحق بِشَهَادَة الفرعين على شَهَادَته أَن يثبت عِنْده ثُبُوت ذَلِك وَالْحكم بِهِ عِنْد الْحَاكِم الثَّانِي وَلم يحك فِيهِ خلافًا وَذكر بعده مَسْأَلَة أُخْرَى فَقَالَ إِذا شهد شَاهِدَانِ عِنْد حَاكم دمشق بِحَق فَحكم بِهِ بِشَهَادَتِهِمَا قَالَ فَيجوز أَن يشهدهما بَاغِيا بهما حَاكم دمشق بِأَنَّهُ حكم بِالْحَقِّ بِشَهَادَتِهِمَا ويتحملان هَذِه الشَّهَادَة عَنهُ ويمضيا إِلَى حَاكم مصر مثلا فَإِذا ادّعى بِالْحَقِّ عِنْده فَقَالَا أشهدنا حَاكم دمشق أَنه حكم بِهَذَا الْحق بشهادتنا قَالَ يسمع ذَلِك وعَلى حَاكم مصر الْعَمَل بهَا إِذا كَانَا عَدْلَيْنِ عِنْده أَيْضا قَالَ الْأُسْتَاذ أَبُو الزيَادي صَحَّ وَجها وَاحِدًا وعَلى هَذَا تفقهت وفقهت النَّاس بخراسان وَمَا وَرَاء النَّهر وَقد ذكر عَن الشَّيْخ أبي عَليّ هَذِه الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة وَذكر فِيهَا وَجْهَان فَمَا الْمُخْتَار عنْدكُمْ فِي ذَلِك كُله
أجَاب رَضِي الله عَنهُ فِي الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة خلاف وَعَن الاصطخري الْمَنْع من قبُول شَهَادَتهمَا وَهُوَ الْأَظْهر الْأَقْوَى لِأَن أصل ثُبُوت الْكتاب عِنْد الْحَاكِم الثَّانِي يَقع بِشَهَادَتِهِمَا مَعَ تمكن التُّهْمَة مِنْهَا وَفِي الْمَسْأَلَة الْمَاضِيَة الصادرة من الْحَاكِم الثَّانِي لَيْسَ غير التَّقْيِيد لحكم تمّ من غَيره وَالْعَمَل بِهِ وَلَيْسَ فِي ذَلِك إِثْبَات وَلَا إنْشَاء حكم بقول مِنْهُم وَقطع الْأُسْتَاذ أبي طَاهِر الزيَادي النَّيْسَابُورِي بِالْجَوَازِ فِي ذَلِك غير مرض وَالله أعلم
527 - شخص ادّعى على شخص عِنْد حَاكم من حكام الْمُسلمين أَنه أبزأه من دين مبلغه كَذَا فِي تَارِيخ كَذَا فَأجَاب الْمُدَّعِي عَلَيْهِ

(2/526)


@ أَنه لَا يسْتَحق عَلَيْهِ شَيْئا فَأَرَادَ الْمُدَّعِي أَن يُقيم بَيِّنَة على الْبَرَاءَة فَهَل تسمع هَذِه الدَّعْوَى وَيَتَرَتَّب عَلَيْهَا إِقَامَة الْبَيِّنَة أم لَا بُد فِي الدَّعْوَى من ذكر اسْتِحْقَاق شَيْء يتَوَجَّه الْمُطَالبَة بِهِ حَتَّى ينتزع بِالْبَيِّنَةِ وَالْيَمِين
أجَاب رَضِي الله عَنهُ إِذا كَانَ لَهُ غَرَض فِي إِثْبَات الْبَرَاءَة مَعَ اعْتِرَاف خَصمه بإنه لَا يسْتَحق عَلَيْهِ سَيِّئًا فَتسمع دَعْوَاهُ وبينته عِنْد من أجَاز سَماع مثل هَذَا لغَرَض التسجيل
528 - مَسْأَلَة شخص ادّعى على شخص آخر بِملك فَأنْكر صِحَة دَعْوَاهُ واعترف أَن الْملك الْمُدعى بِهِ ملك لبني ضميد فَأثْبت الْمُدَّعِي أَنه من بني ضميد فَهَل يكون لَهُ نصيب فِي المَال الْمُدَّعِي بِهِ بِمُقْتَضى اعْتِرَاف الْمُدعى عَلَيْهِ أَن الْملك الْمشَار إِلَيْهِ لبني ضميد أم لَا وَهل تكون الْبَنَات وَأَوْلَاد الْبَنَات داخلين فِي هَذَا الِاعْتِرَاف أم لَا وضميد جد أبي الْمَوْجُودين عِنْد الِاعْتِرَاف وهم حوالي خَمْسَة عشر نَفرا الذُّكُور والأناث
أجَاب رَضِي الله عَنهُ لَا يدْخل فِي ذَلِك الْإِنَاث ويؤاخذ صَاحب الْيَد باعترافه فَيحكم بِهِ لبني ضميد لصلبه بَينهم بِالسَّوِيَّةِ ثمَّ من بعدهمْ لورثتهم يتعاقب على نصيب كل وَاحِد مِنْهُم ورثته ثمَّ وَرَثَة الْوَرَثَة وهلم جرا إِلَّا أَن يظْهر بِالْقَرِينَةِ أَن أَرَادَ ببني ضميد الذُّكُور الْمَوْجُودين من ذُريَّته الْآن عِنْد اعترافه فَيجْعَل بَينهم بالتسوية وَالله أعلم
529 - مَسْأَلَة رجل اشْترى حِصَّة فِي مَوضِع من شخص وَذكر البَائِع أَن هَذِه الْحصَّة ملكه وَجوزهُ وَأثبت المُشْتَرِي بِأَنَّهُ كَانَ البَائِع مَالِكًا لهَذِهِ الْحصَّة حِين البيع وَأَيْضًا كَانَ وَالِد المُشْتَرِي اشْترى من هَذَا البَائِع حِصَّته مشاعة فِي الْموضع واعترف البَائِع بِأَن هَذِه الْحصَّة ملكه وحوزه

(2/527)


@ وَجَمِيع حَقه وَأثبت المُشْتَرِي الثَّانِي أَن الْحصَّة الْمَبِيعَة الثَّانِيَة خَارِجَة عَمَّا كَانَ فِي يَد المُشْتَرِي فِي الْموضع الْمَذْكُور فاعتراف البَائِع فِي الْمَبِيع الْآن بِأَن هَذِه الْحصَّة جَمِيعهَا لَهُ يقْدَح فِي البيع الثَّانِي
أجَاب رَضِي الله عَنهُ إِن تعرض فِي إِثْبَات ملك البَائِع للحصة الثَّانِيَة يكون ملكه فِيهَا تجدّد بعد تَارِيخ اعترافه الأول صَحَّ ذَلِك وَلم يكن ذَلِك قادحا وَإِن لم يتَعَرَّض لذَلِك وَنَحْوه كَانَ ذَلِك قادحا وَلم يَنْفَعهُ إِثْبَات المُشْتَرِي
530 - مَسْأَلَة رجل ادّعى عَلَيْهِ أَخ لَهُ بِحِصَّة من ملك فِي يَده بطرِيق الْإِرْث عَن والدهما فَأنْكر الْمُدعى عَلَيْهِ وَطلب يَمِينه فَامْتنعَ فَحلف الْحَاكِم الْمُدَّعِي على مَا ادَّعَاهُ بعد نُكُول المدع عَلَيْهِ وَحكم لَهُ فأحضر الْمُدعى عَلَيْهِ بَيِّنَة على إِقْرَار أَبِيه أَنه ملكه ومستحقه دون الْمُدَّعِي وَسَائِر النَّاس وَثَبت ذَلِك عِنْد الْحَاكِم فَهَل يرفع الحكم الَّذِي حكم بِهِ الْحَاكِم بالمردود مَرْدُود شرعا
أجَاب رَضِي الله عَنهُ نعم يَدْفَعهُ بِشَرْطِهِ وَالله أعلم
531 - مَسْأَلَة رجل لَهُ زَوْجَة ولأحدهما ملك فَمَاتَ الزَّوْج أَولا وَخلف وَرَثَة ثمَّ مَاتَت الزَّوْجَة وخلفت أَيْضا وَرَثَة فَأَقَامَ وَارِث الزَّوْجَة بَيِّنَة أَن المَال للزَّوْجَة دون الزَّوْج وَأَنَّهَا كَانَت مالكة حائزة ملكا شَرْعِيًّا إِلَى حِين مَاتَت وَأقَام وَارِث الزَّوْج بَيِّنَة أَن الْملك للزَّوْج دون الزَّوْجَة إِلَى حِين الْمَوْت وَتَركه لوَرثَته وَأَنه فِي يَد الزَّوْجَة وَأَنه بطرِيق الْغَصْب والتعدي فَهَل تقدم بَيِّنَة وَارِث الزَّوْج على بَيِّنَة وَارِث الزَّوْجَة أم لَا
أجَاب رَضِي الله عَنهُ إِذا ثَبت بَيِّنَة وَارِث الزَّوْج بِالْملكِ وَيكون

(2/528)


@ ذَلِك فِي يَد الآخرين بطرِيق العصب من الزَّوْج أَو من ورثته قدمت بينتهم عِنْد هَذَا الْقَيْد وَهُوَ كَونه مَغْصُوبًا مِنْهُم وَالله أعلم
532 - مَسْأَلَة رجل ادّعى دَارا فِي يَد إِنْسَان وَأَنَّهَا وقف عَلَيْهِ وَأثبت أَن الْوَاقِف لم يزل مَالِكه إِلَى حِين الْوَقْف فَادّعى ذُو الْيَد أَنه اشْتَرَاهَا من شخص وَأَنه مَالك حائز وتاريخ الْوَقْف أقدم من تَارِيخ الَّذِي ادّعى ذُو الْيَد وَأقَام بَيِّنَة وَحكم لَهُ حَاكم فَادّعى الْمُدَّعِي أَنَّهَا فِي يَده بطرِيق الْغَصْب والتعدي فَهَل تقدم بَيِّنَة الْوَقْف أَو بَيِّنَة ذُو الْيَد وَإِذا أثبت الْوَقْف يحل لذِي الْيَد سكناهَا أَو أجارتها أم لَا وَهل تُؤْخَذ مِنْهُ أجرتهَا من حِين اغتصابها إِلَى حِين انتزعت مِنْهُ وَإِذا مَاتَ الْغَاصِب الَّتِي هِيَ فِي يَده تُؤْخَذ الْأُجْرَة من ورثته أم لَا وَهل تجوز الْمُصَالحَة على الْوَقْف أم لَا
أجَاب رَضِي الله عَنهُ تقدم بَيِّنَة ذُو الْيَد إِذا لم يظْهر أَنَّهَا شهِدت بِنَاء على مُجَرّد الْيَد فَإِن أثبت الْمُدَّعِي الْخَارِج أَن يَد صَاحب الْيَد غاصبة من يَده صَار هُوَ صَاحب الْيَد وقدمت بَينته وَالله أعلم
533 - مَسْأَلَة رجل اشْترى من رجل سِتَّة أسْهم شائعة من أصل أَرْبَعَة وَعشْرين سَهْما هِيَ هِيَ جَمِيع الرّبع شَائِعا من جَمِيع قِطْعَة أَرض مُعينَة مَعْرُوفَة للمتبايعين بِمَدِينَة كَذَا بالجانب الشَّرْقِي مِنْهَا وبالموضع الْفُلَانِيّ مِنْهَا وحددها بحدود أَرْبَعَة مُعينَة بِثمن معِين ذكره وَتقَابَضَا من الطَّرفَيْنِ بعد الرُّؤْيَة والمعاينة كَمَا جرت الْعَادة وَبَقِيَّة الأَرْض لجَماعَة من الْملاك مُعينين ثمَّ بعد مُدَّة وَقع بَين بَقِيَّة الشُّرَكَاء فِي قدر مَالك وَاحِد مِنْهُم فَأَقَامَ المُشْتَرِي بَيِّنَة شهِدت لَهُ بِأَنَّهُ مَالك لجَمِيع ثَلَاثَة أسْهم من أَرْبَعَة وَعشْرين سَهْما هِيَ وتصرفه ثمَّ أَقَامَ شَرِيكه بَيِّنَة شهِدت لَهُ بِثُلثي الأَرْض الْمعينَة أَن ذَلِك

(2/529)


@ ملكه وَذَلِكَ سِتَّة عشر سَهْما من أَرْبَعَة وَعشْرين سَهْما ثمَّ أَقَامَ شريك آخر ثَالِث بَيِّنَة شهِدت لَهُ بِأَنَّهُ مَالك لجَمِيع ثَلَاثَة أسْهم من أَرْبَعَة وَعشْرين سَهْما هِيَ ثمن جَمِيع الأَرْض الْمعينَة فَاجْتمع من ازدحام الشُّرَكَاء الْمشَار إِلَيْهِم وَمِمَّا أثبتوه خَمْسَة وَعشْرين سَهْما بِزِيَادَة سهم وَكَأن السِّهَام عالت بِسَهْم بِمُقْتَضى مَا شهِدت بِهِ بيناتهم فَهَل يدْخل النَّقْص على الْجَمِيع جملَة وَيُعْطِي المُشْتَرِي سِتَّة أسْهم من خَمْسَة وَعشْرين سَهْما وَيُعْطِي من ثَبت لَهُ الثُّلُثَانِ سِتَّة عشر سَهْما من خَمْسَة وَعشْرين سَهْما وَيُعْطِي من ثَبت لَهُ الثّمن ثَلَاثَة أسْهم من خَمْسَة وَعشْرين سَهْما أم لَا فَإِن دخل النَّقْص على الْكل على نِسْبَة أملاكهم فَهَل من فرق بَين أَن يكون ثُبُوت ملك كل الشُّرَكَاء دفْعَة وَاحِدَة عِنْد الْحَاكِم فِي مجْلِس وَاحِد أَو يُقَال أَنه إِذا فرض أَنه ثَبت ملك البَائِع الرّبع فِي تَارِيخ ثمَّ ثَبت ملك الشَّرِيك الثَّانِي للثلثين فِي تَارِيخ ثَان وَالْأَرْض تتسع لثلثين وَربع فَإِذا حضر مدعي الثّمن آخرا وَادّعى بِهِ فَقَالَ لَهُ قد ثَبت لمُدعِي الرّبع والثلثين هَذَا القَوْل وَيجب على مدعي الثّمن لتأخر ثُبُوت ملكه إِقَامَة بَيِّنَة تشهد بعد فَإِن يَد مدعي الرّبع والثلثين على السهْم الزَّائِد على أَرْبَعَة وَعشْرين سَهْما أم لَا وَمَا الحكم فِي هَذِه الْمَسْأَلَة وَمَا كَيْفيَّة فصل هَذِه الْخُصُومَة وَقِسْمَة هَذِه الْأَمْلَاك مَعَ قبضهَا وعولها ثمَّ إِذا كَانَ الحكم دُخُول النَّقْص على جَمِيع الشُّرَكَاء من جُمْلَتهمْ المُشْتَرِي فَأَرَادَ أَن يرد الْمَبِيع قَائِلا إِنَّك بعتني مِنْهُ سِتَّة أسْهم من جملَة أَرْبَعَة وَعشْرين سَهْما فقد عَادَتْ بالزحام سِتَّة من جملَة خَمْسَة وَعشْرين سَهْما فَهَل لَهُ هَذَا أم لَا
أجَاب رَضِي الله عَنهُ السهْم الزَّائِد قد وَقع فِيهِ التَّعَارُض فَيرجع إِلَى التَّرْجِيح فَإِذا كَانَ الْأَوَّلَانِ صاحبا يَد على مَا قَامَت بِهِ لَهما بينتاهما فمدعي القراريط الثَّلَاثَة بعد ذَلِك مدعي للقيراط الثَّالِث فِيمَا بأيديهما فَإِذا لم تقم بَيِّنَة على غصبهما لذَلِك مِنْهُ رجحت بينتهما بِالْيَدِ واقتصرنا بِالثُّلثِ على القراطين الفارغين وَإِن أَقَامَ بَيِّنَة على غصبهما ذَلِك مِنْهُ على قدر سهامهما وَلَا بُد من هَذَا الْقَيْد وَهُوَ كَون الْغَصْب مِنْهُ فقد صَار الثَّالِث صَاحب الْيَد فِي ذَلِك

(2/530)


@ فَيُؤْخَذ لَهُ القيراط مِمَّا بأيديهما على قدر سهامهما وَالله أعلم
وَإِذا لم يكن تَرْجِيح وَالْمَال فِي أَيْديهم فَالْقَوْل قَول مدعي الثَّلَاثَة ومدعي السِّتَّة على الْيَمين لِأَن يَد كل وَاحِد مِنْهُم على الثُّلُث وينشأ من ذَلِك اخْتِصَاص مدعي الْأَكْثَر بِالنَّقْصِ ثمَّ إِنَّه لَا أثر لتقديم إِقَامَة الْبَيِّنَة وتأخرها وَمَعْلُوم أَنه إِذا خرج بعض الْمَبِيع مُسْتَحقّا فلمشتريه خِيَار الْفَسْخ وَالله أعلم
534 - مَسْأَلَة الْوَكِيل فِي الْخُصُومَة إِذا صدقه الْمُدَّعِي عَلَيْهِ فِي كَونه وَكيلا فَهَل تسمع دَعْوَاهُ لإِثْبَات الْحق وَذكر السَّائِل أَن كَلَام صَاحب الشَّامِل يدل على أَنَّهَا لَا تسمع وَإِن صدقه يَعْنِي قَول صَاحب الشَّامِل أَن الَّذِي يَجِيء على أصلنَا أَنه لَا تسمع دَعْوَاهُ لِأَن الْوَكِيل فِي الْخُصُومَة لَا يَصح أَن يَدعِي قبل ثُبُوت وكَالَته قَالَ السَّائِل مَا مَعْنَاهُ لكنه لم يتَعَرَّض لِأَن ذَلِك كَذَلِك فَإِن كَانَ مَقْصُوده إِثْبَات الْحق دون الْقَبْض فقد ذكر الْأَصْحَاب وَجْهَيْن فِي سَماع الدَّعْوَى الَّتِي يقْصد بهَا إِثْبَات الْحق دون الْمُطَالبَة بِهِ وَيظْهر أَن هَذَا مثله ويتصل بِهَذَا أَن الْوَكِيل لَو أَقَامَ الْبَيِّنَة على الْوكَالَة وَالْحَالة هَذِه فَهَل تسمع مَعَ تَصْدِيق الْمُدعى عَلَيْهِ
أجَاب رَضِي الله عَنهُ أَنه تسمع دَعْوَى الْوَكِيل هَذِه على الْمُدعى عَلَيْهِ لأصل الْحق دَوْمًا لإثباته عَلَيْهِ عَلَيْهِ محاكمة الْوَكِيل فِي ذَلِك ومخاصمته لَكِن لَا تسمع دَعْوَاهُ لهَذَا لِأَنَّهُ وَإِن ثَبت الْحق عَلَيْهِ فَلَا يلْزمه تَسْلِيمه إِلَّا على وَجه برئه مِنْهُ وتسليمه إِلَى الْوَكِيل الَّذِي لم يثبت على الْمُوكل تَوْكِيله لَا برئه مِنْهُ فَإِنَّهُ إِذا أنكر تَوْكِيله إِيَّاه وَالْقَوْل قَوْله مَعَ يَمِينه وَإِذا حلف يثبت مُطَالبَته لمن عَلَيْهِ الْحق بِحَالِهَا
535 - مَسْأَلَة قَامَت بَيِّنَة بِأَن فلَانا توفّي فِي شهر رَمَضَان من

(2/531)


@ سنة سِتَّة عشرَة وستماية وَأقَام بعض الْأَوْلَاد بَيِّنَة بِأَنَّهُ أقرّ لَهُ بدار سنة سبع عشرَة فأيتهما تقدم
أجَاب رَضِي الله عَنهُ يعْمل بِالْبَيِّنَةِ الَّتِي أَثْبَتَت مَوته فِي شهر رَمَضَان سنة سِتَّة عشر فَإِن الْأُخْرَى مستصحبة وَهَذِه مُغيرَة فَعندهَا زِيَادَة علم وَكَونهَا أَثْبَتَت الْإِقْرَار سنة سبع عشرَة لَيْسَ مُعَارضا لذَلِك فَإِنَّهُ لَيْسَ فِيهِ أَكثر من أَنَّهَا استصحبت الْحَيَاة وأثبتتها فِي التَّارِيخ الْمُتَأَخر ذاكره بعض أَوْصَاف الْأَحْيَاء فَيصير كَمَا لَو شهِدت إِحْدَاهمَا أَنه مَاتَ فِي تَارِيخ مُتَقَدم وَشهِدت الْأُخْرَى أَنه كَانَ حَيا بعد ذَلِك يَأْكُل وَيشْرب فَإِنَّهُ لَا يحصل بذلك مُقَابلَة وتعارض فَسَوَاء اثباتها أصل الْحَيَاة فَحسب وإثباتها أصل الْحَيَاة وشيئا من الصِّفَات التابعة وَلَيْسَ هَذَا من قبيل مَا إِذا شهِدت بَيِّنَة إِنَّه مَاتَ من مَرضه الْفُلَانِيّ وَبَيِّنَة أَنه برأَ من ذَلِك الْمَرَض وَمَات من غَيره فَإِن الصَّحِيح أَنَّهُمَا يتعارضان والفارق مَا أثبتته من ذَلِك الْبُرْء من فَإِنَّهُ أَيْضا نقل من الِاسْتِصْحَاب وَالله أعلم
536 - مَسْأَلَة رجل اشْترى من رجل حِصَّة مَعْلُومَة من دَار بحقوقها ومرافقها وكمل ملك المُشْتَرِي للدَّار بِهَذِهِ الْحصَّة ثمَّ أَن البَائِع لَهَا ادّعى أَن لَهَا حَقًا فِي قناة فِي الدَّار تصرف فِيهَا أخباث مَوضِع لَهُ تخْتَص بِهِ فَهَل لَهُ ذَلِك مَعَ التبايع الْمَذْكُور
أجَاب رَضِي الله عَنهُ بَيْعه إِيَّاهَا بحقوقها لَا يمْنَع من دَعْوَاهُ هَذِه فَإِن ذَلِك لَا يَنْفِي أصل الْحق بل يُعينهُ فَحسب وَلَا يتَوَقَّف صِحَة دَعْوَاهُ على التلقي من المُشْتَرِي غير أَنَّهَا لَا قبل من غير حجَّة فَإِذا أَقَامَ الْبَيِّنَة على ذَلِك حكم بهَا وَهَذَا ظَاهر فِي الحصص المتلقاة من غَيره لجَوَاز ثُبُوت حق الْأجر لَهُ بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهَا بِالْعقدِ الْمُعْتَبر فِي مثله وَلَيْسَ فِيمَا جرى مَا يُبطلهُ وَأما فِي الْحصَّة المتلقاة مِنْهُ فينبني على أَن الْملك الطارىء فِي الْعين لَا يَنْفِي مَا تقدم

(2/532)


@ ثُبُوته من هَذَا الْحق كَمَا فِي مثله من الْمَنْفَعَة الْمُسْتَحقَّة بالأجارة وَذَلِكَ هُوَ الْمَذْهَب الْأَظْهر فِي ذَلِك وَإِنَّمَا انبنى على هَذَا الِامْتِنَاع ذَلِك بِنَاء على مَا كَانَ لَهُ من الْملك فِي الْحصَّة لكَون ذَلِك يَزُول بِزَوَال الْملك وَالله أعلم
537 - مَسْأَلَة هَذَا إِذا أنكر صَاحب الْملك كَون الْقَنَاة جَارِيَة تَحت ملكه وَأَرَادَ الْمُدَّعِي الْكَشْف من دَاخل الْمَوْقُوف على ذَلِك يُمكن أم لَا
أجَاب رَضِي الله عَنهُ لَيْسَ لَهُ الْكَشْف للتخريب بِمُجَرَّد الدَّعْوَى بل على صَاحب الْملك الْمُنكر الْيَمين لنفي مَا ادّعى اسْتِحْقَاقه من الْكَشْف وهما كَمَا عرف فِي العَبْد الْمُدَّعِي إِذا لم يعْتَرف الْمُدعى عَلَيْهِ بِأَن فِي يَده عبدا على الصّفة الْمَذْكُورَة فِي الدَّعْوَى حَتَّى يلْزم إِحْضَاره لأَدَاء الشَّهَادَة على عينه فَإِن عَلَيْهِ الْيَمين على نفي ذَلِك وَالله أعلم
538 - مَسْأَلَة رجل أثبت دينا على امْرَأَة ميتَة وَادّعى على زَوجهَا أَن لَهَا عَلَيْهِ مهْرا وَلم يدع ذَلِك وارثها فَهَل تسمع دَعْوَاهُ
أجَاب رَضِي الله عَنهُ لَا تسمع دَعْوَاهُ فَإِنَّهُ يَدعِي حَقًا لغيره غير منتقل مِنْهُ إِلَيْهِ وغايته أَنه إِذا ثَبت لَهُ فِيهِ تعلق من غير أَن يثبت هُوَ لَهُ فِي عينه وَذَلِكَ لَا يُوجب صِحَة الدَّعْوَى كَمَا لَو ادَّعَت الزَّوْجَة دينا لزَوجهَا فَإِنَّهَا لَا تسمع وَإِن كَانَ لَو ثَبت لتَعلق لَهَا بِهِ حق النَّفَقَة وَقد تقرر لهَذَا أَن الصَّحِيح نَص على أَنه الصَّحِيح صَاحب الْبَيَان أَن غُرَمَاء الْمَيِّت والمفلس لَا يحلفُونَ مَعَ الشَّاهِد الْوَاحِد عِنْد النّكُول وَفِي قولي ادّعى حَقًا لغيره غير منتقل إِلَيْهِ احْتِرَاز مِمَّا إِذا ادّعى لمورثه دينا وَمِمَّا إِذا ادّعى المُشْتَرِي أَن الْمَبِيع كَانَ ملكا لبَائِعه حِين بَاعه مِنْهُ ثمَّ أَمر الدَّعْوَى أبعد من التَّحْلِيف وَالله أعلم

(2/533)


- مَسْأَلَة أقرّ فِي مرض مَوته وقف ملكا معينا على ابْنَته وَهِي وارثته مَعَ ابْن أَخِيه وَبعد ابْنَته على جِهَات الْبر مُتَّصِلَة وَأقر أَن ذَلِك وَقفه قبل مَرضه فِي كَمَال أَوْصَافه فنازعها ابْن عَمها وَقد كَانَت اعْترفت لَهُ بِثلث الْمَكَان فَهَذَا الْإِقْرَار بَاطِل أَو مَقْبُول وَهل يبطل فِيمَا اعْترفت فِيهِ بِالْملكِ أم لَا
أجَاب رَضِي الله عَنهُ لَا يبطل هَذَا الْإِقْرَار فِي حق الْبَطن الثَّانِي وَسَائِر الْبُطُون بل يثبت بِهِ الْوَقْف بِالْإِضَافَة الثَّانِيَة ثمَّ لَا يكون حَقهم فِي حكم الْوَقْف الْمُنْقَطع الِابْتِدَاء حَتَّى يكون على الْخلاف فِيهِ فَإِن إِقْرَاره مَقْبُول فيهم بِتمَام وَصفه الَّذِي فِيهِ لاتصال لانْتِفَاء الْمُبْطل بالتشبه إِلَيْهِم وَأما فِي حق الْبَطن الأول فَحكمه أَن الْمقر بِهِ يصرف مغله الْآن إِلَى الْبِنْت فَإِنَّهُ إِن كَانَ لِلْأَمْرِ فِي حَقّهَا على رَأْي من يصحح مثل هَذَا الْإِقْرَار فَهِيَ تسْتَحقّ بِاعْتِبَار كَونهَا أقرب النَّاس إِلَى الْوَاقِف لكَون أصل الْوَقْف قد ثَبت على الْجُمْلَة على مَا تقدم ذكره وَلَيْسَ لَهُ الْآن مصير لحكم معِين بِحكم الْوَقْف وَعَن شَرطه لكوننا على هَذَا لم نصرف الْإِقْرَار بتعيينه ثُبُوته وَإِذا جهل مصرف الْوَقْف صرف على الْأَصَح إِلَى أقرب النَّاس إِلَى الْوَاقِف وَهَذِه الْبِنْت هِيَ الْأَقْرَب ثمَّ لَا يمْنَع من اسْتِحْقَاقهَا بِهَذِهِ الْجِهَة واعترافها بالمذكور فَإِنَّهُ لَا يخدش وَجه السَّبَب الْمَذْكُور وَالله أعلم
540 - مَسْأَلَة شخصان بَينهمَا ملك مشَاع لكل وَاحِد مِنْهُمَا اثْنَا عشر سَهْما فَأقر أَحدهمَا لأَجْنَبِيّ بأَرْبعَة أسْهم من حِصَّته ثمَّ تقار الشريكان فِي مَكْتُوب كتباه بَينهمَا بِأَن جَمِيع هَذَا الْملك الثُّلُث منَّة وَهُوَ ثَمَانِيَة أسْهم للَّذي أقرّ للْأَجْنَبِيّ وَالْبَاقِي وَهُوَ الثُّلُثَانِ وَهُوَ سِتَّة عشر سَهْما للشَّرِيك الآخر وَبعد تقارهما بذلك مَعًا ناقل الشَّرِيك الْمقر لَهُ بالثلثين شَرِيكه الآخر فِي جملَة

(2/534)


@ الثَّمَانِية الأسهم الَّتِي هِيَ الثُّلُث بِملك كَانَ لَهُ ثمَّ بعد ذَلِك ادّعى الْمقر لَهُ بالثلثين أَن الْأَرْبَعَة الَّتِي سبق الْإِقْرَار بهَا للْأَجْنَبِيّ دَاخِلَة فِي الثَّمَانِية أسْهم فَمَا الحكم فِي ذَلِك
وَأجَاب رَضِي الله عَنهُ إِذا خرجت الأسهم الْأَرْبَعَة من الِاثْنَيْنِ وتفارهما يتَضَمَّن رد كل وَاحِد مِنْهُمَا حَقه أَرْبَعَة أسْهم من إِقْرَار شَرِيكه لَهُ من حَيْثُ أَن إِثْبَاتهَا لأَحَدهمَا أَيهمَا كَانَ لَا يجاء مَعَ إِثْبَاتهَا لصَاحبه الآخر فالمقر لَهُ بالثمانية قد رد مِنْهَا أَرْبَعَة بِإِقْرَارِهِ لشَرِيكه بالستة عشر قد رد مِنْهَا أَرْبَعَة بِإِقْرَارِهِ لشَرِيكه بالثمانية وَعند هَذَا فلولا مَا تعقب ذَلِك من المناقلة لَكَانَ هَذَا يُوجب خُرُوج أَرْبَعَة أسْهم من يَد كل وَاحِد مِنْهُمَا لَا إِن قُلْنَا أَن الْمَرْدُودَة لَا يقر فِي يَدي كل وَاحِد من الْمقر وَالْمقر لَهُ فَظَاهر وَإِن قُلْنَا أَنه يقر فِي يَد الْمقر فمساقه هَا هُنَا بعيد التمانع الْوَاقِع أَولا لارتداد أَرْبَعَة إِلَى هَذَا لَا يجاء مَعَ ارتدادها إِلَى ذَلِك وَكَذَا بالثلثين كَمَا سبق وَلَا سَبِيل إِلَى تَخْصِيص أَحدهمَا مَعَ التَّسَاوِي فَيتَعَيَّن التَّسْوِيَة بَينهمَا نفيا لَكِن لما وجدت المناقلة بعد ذَلِك مَعَ اشتمالها على توافقهما على ملكه للثمانية وَكَانَ ذَلِك إِقْرَارا ثَانِيًا لَهُ بالثمانية من غير أَن يُعَارضهُ رد وَلَا يسمع بعد ذَلِك دَعْوَى الشَّرِيك الآخر بِأَن أَرْبَعَة للْأَجْنَبِيّ دَاخِلَة فِي الثَّمَانِية مناقضة إِقْرَاره السَّابِق فِي ضمن المناقلة وَالله أعلم
541 - مَسْأَلَة شخص غَائِب ثَبت عَلَيْهِ دين فاعترف حَاضر فِي يَده عين بِأَنَّهَا للْغَائِب فَهَل تبَاع بِمُجَرَّد ذَلِك فِي إِيفَاء دينه يَقع هَذَا كثيرا
أجَاب رَضِي الله عَنهُ تبَاع إِذا طلب ذَلِك رب الدّين من الْحَاكِم وَلَا يتَوَقَّف على إِثْبَات أَنَّهَا ملك البايع بِبَيِّنَة فَإِن الْيَد انْتَقَلت عَن الْحَاضِر باعترافه الى الْغَائِب فَيصير كشخص فِي يَده دَار مثلا غَابَ وَثَبت عَلَيْهِ دين فَإِنَّهَا تبَاع

(2/535)


@ فِي دينه وَلَو ادّعى الْعين الَّتِي اعْترف بهَا الْحَاضِر مُدع وَلم يكن لَهُ بَيِّنَة لم يمْنَع ذَلِك من بيعهَا على الْغَائِب فَإِن الدَّعْوَى انْتَقَلت إِلَى الْغَائِب وَلَا تسمع الدَّعْوَى على الْغَائِب إِذا لم يكن للْمُدَّعِي بَيِّنَة فَإِن لم يُمكن تَحْلِيف الْغَائِب فَلَا فَائِدَة فِي دَعْوَاهُ وَالله أعلم
542 - مَسْأَلَة وَردت من بعض فُقَهَاء حماة فِي رجل صَحِيح التَّصَرُّف أقرّ مُدَّة عمره أَنه من ولد الْعَبَّاس بن عبد الْمطلب وَأَنه ينتسب إِلَيْهِ بالبنوة وَثَبت عِنْد حَاكم اعترافه بذلك ثمَّ مَاتَ وَخلف ابْنا فانتسب وَهُوَ جَائِز التَّصَرُّف إِلَى مُوسَى بن جَعْفَر بن مُحَمَّد بن عَليّ بن الْحُسَيْن بن عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنْهُم بالبنوة وَأَرَادَ أَن يَدعِي ذَلِك عِنْد الْحَاكِم الَّذِي عِنْده إِقْرَار أَبِيه بِالنِّسْبَةِ الْمَذْكُور أَولا فَهَل تسمع دَعْوَاهُ بذلك وَيثبت نسبه الثَّانِي أَولا تسمع لكَونه مُكَذبا أَصله الَّذِي هُوَ فَرعه وَهل يفْتَرق الْحَال بَين أَن يكون الْأَب مَشْهُور النّسَب إِلَى الْعَبَّاس من أَوْلَاده أَو لَا
أجَاب رَضِي الله عَنهُ بعد التثبت زَمَانا أَنه لَا تسمع وَالْحَالة هَذِه دَعْوَاهُ لذَلِك وَلَا بَينته وَسَوَاء كَانَ أَبوهُ مَشْهُورا نسبه إِلَى الْعَبَّاس رَضِي الله عَنهُ أَو لم يكن فَإِن أَبَاهُ هُوَ الأَصْل فِي نسبه وَهُوَ فرغ لَهُ فِيهِ قد تقرر أَن أَبَاهُ لَو كَانَ حَيا فكذبه لبطل انتساب فَكَذَلِك إِذا اعْترف بِمَا يتَضَمَّن تَكْذِيب ابْنه ثمَّ مَاتَ لما عرف من أَن الْأَقْوَال لَا تَمُوت بِمَوْت أَصْحَابهَا وَالْمَعْرُوف أَن كَون الابْن حَامِلا بذلك على أَنه نسبا قد نَفَاهُ وانتفى عَنهُ مَانع من ثُبُوته قطع بِهِ صَاحب الْمُهَذّب والتهذيب وهما اللَّذَان انْتهى إِلَيْهِمَا الِاعْتِمَاد هَذَا فِي الْعِرَاقِيّين وَذَلِكَ فِي الخراسانين وَذَلِكَ هُوَ الرَّأْي الصَّحِيح الَّذِي يُوجِبهُ التَّحْقِيق وَالله أعلم
543 - مَسْأَلَة وَردت من أَذْرُعَات فِي امْرَأَة مَاتَت قبل زَوجهَا

(2/536)


@ وَلَا وَارِث لَهَا إِلَّا زَوجهَا وَأَوْلَادهَا مِنْهُ ثمَّ توفّي الزَّوْج وَلَا وَارِث لَهُ غير أَوْلَاده الْمَذْكُورين وَخلف تَرِكَة وَعَلِيهِ دُيُون كَثِيرَة فَادّعى ورثته أَنهم يسْتَحقُّونَ محاصة الْغُرَمَاء بِمهْر أمّهم وَهُوَ سَبْعُونَ دِينَارا أدعوا أَنَّهَا الْمهْر الْمُسَمّى وَلَا بَيِّنَة لَهُم على كَونهَا الْمهْر الْمُسَمّى لَكِنَّهَا مُتَسَاوِيَة مَعَ مهر الْمثل والزوجية وَالدُّخُول ثابتان فَهَل يثبت لَهُم وَالْحَالة هَذِه محاصة الْغُرَمَاء بالمقدار الْمَذْكُور أم لَا
أجَاب رَضِي الله عَنهُ أَنه يحاصونهم بِثَلَاثَة أَربَاع مهر الْمثل وَالرّبع يسْقط عَن الزَّوْج بِحَق مِيرَاثه من الزَّوْجَة وَإِنَّمَا حكمنَا بِمهْر الْمثل هَا هُنَا وان كُنَّا لَا نَخْتَار مَذْهَب القَاضِي حُسَيْن فِي إِيجَاب مهر الْمثل فِيمَا إِذا كَانَ النزاع بَين الزَّوْجَة وَالزَّوْج الْمُعْتَرف بِأَصْل النِّكَاح الْمُنكر أصل الْمهْر وَإِنَّمَا يخْتَار التخالف وَالْفرق بَين المكانين أَنه تعذرها هُنَا الْوُقُوف على مِقْدَار الْمُسَمّى فَإِنَّهُ لَا بَيِّنَة وَلَا يَمِين والتحالف بَين هَؤُلَاءِ الْوَرَثَة وَبَين متنازعيهم من الْغُرَمَاء لَا يجْرِي فَإِن الْغُرَمَاء لَيْسُوا كالورثة فِي إقا مُتَّهم مقَام الْمَيِّت فِي ذَلِك فَتعين الرَّد إِلَى مهر الْمثل كَمَا فِي سَائِر الْمَوَاضِع الَّتِي وَقع الرُّجُوع فِيهَا إِلَى مهر الْمثل حَيْثُ ثَبت أصل الْمهْر وَلم يُمكن الْوُقُوف على مِقْدَاره وَصفته ثمَّ لَا بُد من يمينهم على اسْتِحْقَاق مَا ادعوهُ وَالله أعلم
544 - مَسْأَلَة رجل ادّعى دينا على ميت وَأقَام بَيِّنَة ثمَّ وكل وَكيلا وَغَابَ هُوَ إِلَى فَوق مَسَافَة الْقصر فَطلب وَكيله من وَارِث الْمَيِّت إِيفَاء الدّين مِمَّا فِي يَده من التَّرِكَة فَقَالَ الْوَارِث حَتَّى يحلف موكلك أَنه مَا قبض وَلَا أَبْرَأ فَهَل يتَوَقَّف ذَلِك على حُضُور الْمُوكل وَيَمِينه أم لَا يتَوَقَّف عَلَيْهِ لغيبته
أجَاب رَضِي الله عَنهُ لَا يتَوَقَّف ذَلِك على يَمِين الْمُوكل لكَون الدَّعْوَى مُتَعَلقَة بالوارث الَّذِي لَيْسَ بغائب تعلقا جعل الاطلاق إِلَيْهِ حَتَّى لَو أعرض عَن الْإِطْلَاق لم يتَوَقَّف الحكم عَلَيْهِ فَصَارَ ذَلِك كَالْحكمِ للْغَائِب بطرِيق التَّوْكِيل على حَاضر ادّعى بعد قيام الْبَيِّنَة إِبْرَاء الْغَائِب اَوْ اسْتِيفَاء وَقد تقرر أَن الحكم يمْضِي على الْحَاضِر وَلَا يتَوَقَّف على حُضُور الْغَائِب وَيَمِينه وَالله أعلم

(2/537)


@
فِي الْوَسِيط أَنه إِذا ادّعى وَكيل غَائِب على غَائِب لم يتَوَقَّف على الْغَائِب
545 - مَسْأَلَة فِي دَار قَامَت الْبَيِّنَة بِأَن مَالِكهَا رَهنهَا من فلَان فِي شهر ربيع الأول سنة سبع وسِتمِائَة وَأقَام الاخر بَيِّنَة بِأَن أقرّ لَهُ بهَا سنة سبع وَلم يذكر شهرا معينا
أجَاب رَضِي الله عَنهُ تتعارض الْبَيِّنَتَانِ بِنَاء على القَوْل الصَّحِيح فَإِن صِحَة الرَّهْن مَانِعَة من صِحَة الْإِقْرَار ثمَّ مُوجب التَّعَارُض على القَوْل الْأَصَح التساقط فَلَا يثبت إِذا الرَّهْن وَلَا الْإِقْرَار وَالله أعلم
أذا قُلْنَا أَن من رهن ثمَّ أقرّ لغيره يقبل إِقْرَاره فتسلم الدَّار هَا هُنَا الى الْمقر لَهُ وَيبْطل الرَّهْن وَالله أعلم
546 - مَسْأَلَة رجل ادّعى أَنه من ولد جَعْفَر الطيار رَضِي الله عَنهُ وَأقَام على ذَلِك بَيِّنَة وَأَبوهُ حَيّ فَلم يدع ذَلِك فَهَل تسمع دَعْوَاهُ وَيحكم بِبَيِّنَتِهِ أم لَا
أجَاب رَضِي الله عَنهُ إِذا كَانَ الْمُعْتَمد فِيمَا يَدعِيهِ من النّسَب مَا يقيمه من الْبَيِّنَة فَلَا يتَوَقَّف الحكم بهَا على دَعْوَى الْأَب وَلَا على تَصْدِيقه بِخِلَاف مَا إِذا كَانَ الِاعْتِمَاد فِي إِثْبَات النّسَب على إِقْرَار الابْن فَإِنَّهُ لَا يقبل إِقْرَاره إِلَّا بِتَصْدِيق الْأَب إِذا كَانَ حَيا على مَا هُوَ المسطور من حَيْثُ أَنه إِقْرَار عَلَيْهِ وَلَيْسَ قَائِما مقَامه كَمَا إِذا مَاتَ وَهَذَا لَا يقْدَح فِي الْعَمَل بِالْبَيِّنَةِ هَذَا مَا ظهر وَالله أعلم
547 - مَسْأَلَة رجل أَقَامَ بَيِّنَة على أَن هَذِه الأَرْض خلفهَا فلَان لوَرثَته وعينهم وَأقَام من هِيَ فِي يَده بَيِّنَة أَن هَذِه الأَرْض انْتَقَلت إِلَيْهِ عَن هَؤُلَاءِ الْوَرَثَة

(2/538)


@ بطرِيق الابتياع من غير تَفْصِيل لحصصهم وَلَا تَبْيِين فَهَل يَكْفِيهِ ذَلِك وَيحكم بِبَيِّنَتِهِ أم لَا
أجَاب رَضِي الله عَنهُ بعد التَّوَقُّف أَيَّامًا أَنه يحكم بِبَيِّنَة الْمُدعى عَلَيْهِ وَلَا يقْدَح فِيهَا عدم تَفْصِيل الحصص وتكفي الْمعرفَة بِالْجُمْلَةِ لَا سِيمَا إِذا كَانَت بَينته قد شهِدت بِالْملكِ وَإِنَّمَا ذكرت الِانْتِقَال عَن الْوَرَثَة تعرضا مِنْهَا للسبب
وَلِهَذَا أصُول ونظائر مُحَققَة محفوظتان وأسأل الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى الْعِصْمَة والإنابة وَهُوَ أعلم إِنَّمَا يقْدَح فِي صِحَة الدَّعْوَى جَهَالَة تمنع من اسْتِيفَاء الْمَحْكُوم بِهِ وتوجيه الْمُطَالبَة نَحوه وَذَلِكَ حَيْثُ يكون الْمُدَّعِي مَجْهُولا مترددا أَن يكون هَذَا وَذَاكَ أَو هَكَذَا أَو كَذَلِك أما إِذا سلم الْمُدَّعِي من هَذَا أَو كَانَ محصورا بحاصر يضبطه
548 - مَسْأَلَة قَامَت بَيِّنَة أَنه لَا وراث لهَذَا الْمَيِّت سوى فلَان وَفُلَان ثمَّ قَامَت بَيِّنَة أُخْرَى لثالث بِكَوْنِهِ وَارِثا فَهَل يحْتَاج إِلَى تَجْدِيد الْبَيِّنَة بالحصر
أجَاب رَضِي الله عَنهُ أَنه يحْتَاج إِلَى ذَلِك وَمن الْحجَّة أَنه يطْلب الثِّقَة بِتِلْكَ الْبَيِّنَة فِيمَا شهِدت بِهِ من الْحصْر لتبين خطأيهما فِيهِ لَكِن لَا حَاجَة إِلَى الْبَيِّنَة بِإِثْبَات وَرَثَة الْوَارِثين المعينين
549 - مَسْأَلَة فِيمَن أَقَامَ بَيِّنَة أَن الْملك الَّذِي فِي يَد فلَان ملكه وَحكم الْحَاكِم بهَا لَهُ وَلم تزل فِي يَد الْمُدعى عَلَيْهِ حَتَّى مَاتَ وانتقل إِلَى أَيدي ورثته فَأَقَامَ الْمُدَّعِي بَيِّنَة بالحكم الْمَذْكُور وَأقَام الْوَارِث بَيِّنَة أَن مُوَرِثه مَاتَ وَهُوَ ملكه وَفِي يَده فبأيتهما يحكم
أجَاب رَضِي الله عَنهُ تقدم بَيِّنَة الْوَارِث وَيحكم بهَا وَإِن ترجحت الأولى يحكم الْحَاكِم وَهُوَ مُرَجّح على أحد الْوَجْهَيْنِ لترجيح الثَّانِيَة بالتنصيص

(2/539)


@ على إِثْبَات الْملك فِي وَقت مُتَأَخّر عَمَّا شهِدت بِهِ الأولى فَفِيهِ اثبات للتجدد ولترجيحها بِالْيَدِ أَيْضا وَإِنَّمَا قلت على الاصح الْخلاف الثَّانِي فِي إِلْحَاق بَيِّنَة الْوَارِث على الْوَجْه الْمَذْكُور بِالْبَيِّنَةِ الشاهدة بِالْملكِ السَّابِق وَالله أعلم
550 - مَسْأَلَة رجل عَلَيْهِ دين فَأقر بِهِ رب الدّين لآخر فَادّعى عَلَيْهِ بِهِ فَقَالَ الْمَدِين تحلف لي أَنَّك مُسْتَحقّ هَذَا الدّين عَليّ من وَجه حق صَحِيح شَرْعِي هَل لَهُ ذَلِك أم لَا وَهل إِذا امْتنع من الْيمن تبطل دَعْوَاهُ بذلك أم لَا
أجَاب رَضِي الله عَنهُ إِن كَانَت الْبَيِّنَة شهِدت بِالْإِقْرَارِ فَذَلِك صَحِيح الْأَصَح وللمدعي عَلَيْهِ تَحْلِيفه على اسْتِحْقَاقه وَإِن كَانَت شهِدت بِالِاسْتِحْقَاقِ فَإِن ذَلِك الْمُدعى عَلَيْهِ لدعواه مخلا نافيا لتكذيب الْبَيِّنَة كَانَ لَهُ تَحْلِيف الْمُدَّعِي وَمن ذَلِك يَقُول إِنَّمَا شهِدت الْبَيِّنَة باظاهر وَفِي الْبَاطِن مسْقط لَا مطلع عَلَيْهِ وَالله أعلم
551 - مَسْأَلَة رجل ثَبت لَهُ على غَائِب دين واعترف حَاضر أَن للْغَائِب بِيَدِهِ مَالا فَهَل للْحَاكِم قَضَاء الدّين مِنْهُ من غير بَيِّنَة تقوم على أَنه ملك الْغَائِب
أجَاب رَضِي الله عَنهُ نعم يُؤَاخذ بِهِ بِإِقْرَارِهِ وَيصرف فِي قَضَاء دين الْغَائِب الْمقر لَهُ مهما لم يكن إِقْرَاره مُفِيدا مَوْصُولا بِمَا يمْنَع من ذَلِك كَكَوْنِهِ رهنا لغيره معدلا فِي يَده أَو نَحْو هَذَا هَذَا هُوَ الظَّاهِر
وأود لَو صادفته مَنْقُولًا ومنقول فِي الْوَسِيط وَغَيره أَن صَاحب الْيَد لَو أقرّ بِالْعينِ للْمُدَّعى عَلَيْهِ أَو قَامَت الْبَيِّنَة بِملك هَل يلْزمه التَّسْلِيم قَالَ القَاضِي يلْزمه وَقَالَ الإِمَام وَصَاحبه الْغَزالِيّ كَيفَ يلْزمه وَقد يكون عِنْده رهنا أَو أجارة فيلتفت على مَا لَو صرح بِأَنَّهُ فِي يَدي بأجارة فَالْقَوْل قَوْله

(2/540)


@ أَو قَول الْمَالِك فِيهِ خلاف وَلَا يُقَال صدق هُنَا عملا بِالْيَدِ وَإِذا أقرّ أَنه عِنْده بعدله رهنا للْغَيْر فَهُوَ إِقْرَار على صَاحب الْملك وَلَا بُد لمن أقرّ لَهُ لِأَنَّهُ يُقَال أَن اقراره نقل الْيَد إِلَى من أقرّ لَهُ كَمَا فِي مثله فِي الْإِقْرَار بِأَصْل الْملك وَفِي الْمَسْأَلَة للبحث مجَال وَالله أعلم
552 - مَسْأَلَة امْرَأَة حضر عِنْدهَا شُهُود ليشهدوا عَلَيْهَا بإبراء قوم فَقَالَت مَا اشْهَدْ عَليّ حَتَّى آخذ الْكتاب الْفُلَانِيّ فَقيل لَهَا اشهدي عَلَيْك واتركي الْإِشْهَاد عنْدك فَإِن حضر الْكتاب الْمَطْلُوب وَإِلَّا فَلَا تسلمي الْإِشْهَاد عَلَيْك إِلَى أحد ثمَّ استنطقوها فَقَالَت أشهدوا عَليّ فَفَعَلُوا وَتركُوا الشَّهَادَة عِنْدهَا فجاءتهم بعد سَاعَة فَقَالَت لَا تشهدوا عَليّ بِشَيْء فَإِن الْكتاب الْمَشْرُوط مَا حضر وَطلب من الشُّهُود آداء الشَّهَادَة فِي نُسْخَة ثَانِيَة فَهَل تجوز لَهُم الشَّهَادَة عَلَيْهَا وَالْحَالة هَذِه
أجَاب رَضِي الله عَنهُ إِذا كَانَ هَذَا هُوَ الَّذِي وجد مِنْهَا فَلَا يجوز لَهُم إِن يشْهدُوا عَلَيْهِ بِالْإِقْرَارِ لِأَن قَوْلهَا اشْهَدُوا عَليّ قد ثَبت أَنه لَيْسَ بِإِقْرَار فَإِنَّهُ لَو كتبت قباله بِنَفسِهِ أَو كتبهَا غَيره أَو كتبهَا على الأَرْض وَقَالَ اشْهَدُوا عَليّ بمضمونه لم يكن إِقْرَارا وَخَالف أَبُو حنيفَة رَحمَه الله فِيمَا إِذا كتب بِنَفسِهِ وَهَذَا مسطور فِي الإشراف على غوامض الحكومات وَفِي الْعدة للطبري ثمَّ وقفت عَلَيْهَا بعض من يُفْتِي بِدِمَشْق من أَصْحَابنَا فَأرْسل مستنكرا يذكر أَن هَذَا خلاف مَا فِي الْوَسِيط فَإِن فِيهِ إِنَّه لَو قَالَ اشهدك عَليّ بِمَا فِي هَذِه القبالة وَأَنا عَالم بِهِ فَالْأَصَحّ جَوَاز الشَّهَادَة على إِقْرَاره بذلك فبينت أَن تِلْكَ مَسْأَلَة أُخْرَى مباينة لهَذِهِ فَفرق بَين قَوْله اشهدك عَليّ مُضَافا إِلَى نَفسه وَبَين قَوْله اشْهَدْ على غير مضيف إِلَى نَفسه شَيْئا وَالله أعلم
ثمَّ يَنْبَغِي أَنه اذا وجد ذَلِك مِمَّن عرفه اسْتِعْمَال ذَلِك فِي الْإِقْرَار يَجْعَل

(2/541)


@ إِقْرَارا وَالله أعلم وَفِي الْبَيَان لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي ذَلِك غير الْإِذْن فِي الشَّهَادَة عَلَيْهِ وَلَا تعرض فِيهِ للإقرار بالمكتوب فَإِذا كَانَ ذَلِك كَذَلِك فِي غير هَذِه الصُّورَة فَكيف فِي هَذِه الصُّورَة مَعَ مَا فِيهَا من الْقَرِينَة المشعرة بِأَن الْمَذْكُور فَلم تسمح إِلَّا أَن يكتبوا فِي الْمَكْتُوب شَهَادَتهم من غير أَن ينجز الإقراء وَثَبت الْإِقْرَار وَالله أعلم
553 - مَسْأَلَة أَرض يدعيها أَرْبَعَة رجال فواحد يَدعِي أَنه لَهُ ثلثيها وَآخر يَدعِي أَن لَهُ ربعهَا وَآخر يَدعِي أَن لَهُ ربعهَا وَآخر يَدعِي أَن لَهُ ثمنهَا وكل يَدعِي أَن ذَلِك فِي يَده على معنى أَنه يُكَاتب الْفَلاح أَنه أجره ذَلِك وَسلمهُ إِلَيْهِ بِأُجْرَة معنية مُدَّة معنية الأقارير كَذَلِك على الأقارير فقد زَادَت الأَرْض أَرْبَعَة قراريط هِيَ قدر سدسها وتشاجروا لذَلِك مُدَّة طَوِيلَة ثمَّ اتَّفقُوا كلهم على أَن حَضَرُوا عِنْد حَاكم بلدهم وسألوه رفع أَيْديهم عَن جَمِيع الأَرْض وَإِثْبَات يَده عَلَيْهَا وإيجاره للمدة الَّتِي يَرَاهَا الْحَاكِم وإيداع أجرتهَا إِلَى أَن يثبت كل وَاحِد مِنْهُم قدر مَاله أَو يصطلحوا فسلمها الْحَاكِم إِلَى نَائِب لَهُ وَرفع أَيدي المدعين عَنْهَا بسؤالهم وَسلمهَا إِلَى نَائِب لَهُ فأجرها النَّائِب سنة واستخلص الْأُجْرَة وَتركهَا فِي مودعة ثمَّ أحضر مدعي الرّبع بَيِّنَة عادلة شهِدت بِمحضر من بَقِيَّة الشُّرَكَاء أَنه مَالك الرّبع مشَاعا مُسْتَحقّ لَهُ وَإنَّهُ كَانَ بِيَدِهِ وتصرفه فسلمه الْحَاكِم إِلَيْهِ وَأثبت يَده عَلَيْهِ عِنْد عدم الْمعَارض وَأقَام هَذَا الرّبع بِيَدِهِ مُدَّة سنتَيْن يتَصَرَّف مَالِكه فِيهِ حسب اخْتِيَاره وَبقيت ثَلَاثَة أَربَاع الأَرْض فِي يَد نَائِب الْحَاكِم يؤجرها ويودع أجرتهَا إِلَى أَن تقوم بَيِّنَة لبَقيَّة الْملاك بِمَا يشْهد بِهِ فَحَضَرت بَيِّنَة الْملاك بعد سنتَيْن من تَسْلِيم الرّبع إِلَى مَالِكه وَأقَام كل وَاحِد مِنْهُم بَيِّنَة فَشَهِدت لَهُ بملكية مَا كَانَ يَدعِيهِ وَأَنه كَانَ بِيَدِهِ وتصرفه كَذَلِك فَقَالَ مَالك الرّبع للْحَاكِم قد سلمت إِلَى الرّبع الَّذِي

(2/542)


@ قد ثَبت أَنه ملكي من سنتَيْن وَقد تصرفت فِيهِ وَهُوَ سِتَّة قراريط من أَرْبَعَة وَعشْرين قيراطا ويدي دَاخِلَة فِيهِ وَإِذا ثَبت ملكية بنية الشُّرَكَاء لما ادعوهُ وَصَارَ مَجْمُوع الأَرْض ثَمَانِيَة وَعشْرين قيراطا فَيدْخل على النَّقْص وهم بِالنِّسْبَةِ الي خارجيون فَأَما أَن يدْخل النَّقْص على حصصهم فَقَط وَأما أَن تقوم لَهُم بَيِّنَة بِأَن يَدي على هَذَا الرّبع عَارِية عاصبة للقدر وَالزَّائِد الَّذِي تَقْتَضِيه الْقِسْمَة فَإِنَّهُم خارجون وَأَنا دَاخل فَهَل يُجَاب صَاحب الرّبع إِلَى كَلَامه هَذَا وَيدخل النَّقْص على بَقِيَّة الشُّرَكَاء إِن لم يشْهد لَهُم بَيِّنَة عادلة بِأَن يَد صَاحب الرّبع على الْقدر الزَّائِد مِنْهُ عَارِية أَو يحْتَاج بَقِيَّة الشُّرَكَاء إِلَى أَن يشْهد لَهُم بَيِّنَة بِأَن يَد صَاحب الرّبع عَارِية على الْقدر الزَّائِد مِنْهُ أَو أَن النَّقْض يَقع على الْجَمِيع من غير تَكْلِيف البَاقِينَ إِقَامَة بَيِّنَة على الْغَصْب الْمشَار إِلَيْهِ وَلَو فَرضنَا أَن مدعي الثُّلثَيْنِ قَامَت لَهُ بَيِّنَة بِأَنَّهُ مَالك لَهما وَأَنه كَانَ فِي يَده بعد ثُبُوت الرّبع لمدعيه وتسليمه إِلَيْهِ الْمدَّة الْمشَار إِلَيْهَا فَسلم الْحَاكِم الثُّلثَيْنِ إِلَى مدعيه فقد وسعت الأَرْض الرّبع الْمُتَقَدّم وَالثلث الْمُتَأَخر بَقِي مِنْهَا قيراطان على تَقْدِير عدم الرَّحْمَة فحضرالمدعي للثّمن الثَّالِث وَالْمُدَّعِي للثّمن الرَّابِع وَأَرَادَ إِثْبَات ملكهمَا الَّذِي يدعيانه وَهُوَ الرّبع لَهما وَلم تبْق الأَرْض تسع لذَلِك فَقَامَتْ لَهُم الْبَيِّنَة بِمَا ادعياه فَهَل يخْتَص النَّقْص بهما اَوْ يكلفان إِقَامَة بِبَيِّنَة تشهد بِأَن يَد صَاحب الرّبع الأول وَصَاحب الثُّلثَيْنِ عَارِية على الْقدر الزَّائِد الَّذِي تقيضيه الْمُخَاصمَة لِأَنَّهُمَا صَارا دخلين بِالنِّسْبَةِ الى الْمُتَأَخِّرين أَو يدْخل النَّقْص على الْجَمِيع
أجَاب رَضِي الله عَنهُ لَيْسَ الْأَمر فِي ذَلِك على مَا زعم صَاحب الرّبع الْمَذْكُور إِذا كَانَ كل وَاحِد مِنْهُم قد أَقَامَ الْبَيِّنَة على الْملك فِيمَا ادَّعَاهُ وَأَنه كَانَ فِي يَده إِلَى أَن أَزَال الْحَاكِم يَده بل كل وَاحِد مِنْهُم صَاحب يَد وَبَيِّنَة فِيمَا ادَّعَاهُ من غير تَرْجِيح وَلَيْسَ تقدم صَاحب الرّبع بالإثبات وَالتَّسْلِيم وَالتَّصَرُّف مرجحا مَعَ تلاحقهم فِي إِثْبَات مثل ذَلِك مُسْتَندا إِلَى وَقت إثْبَاته مَا أثْبته وَمَا ذكر فِي الشَّامِل فرع من هَذَا الْقَبِيل من تَرْجِيح جَانب جَانب واحدهم

(2/543)


@ بِأَنَّهُ لَيْسَ ينازعه أحد من البَاقِينَ من حَيْثُ أَن الْمَكَان قَابل لما أدعياه مَعًا لِأَن تنزله هَا هُنَا فَإِن كل وَاحِد من المتداعين بِهَذِهِ المثابة فهم إِذن متساوون وَالصَّحِيح فِي ذَلِك التَّعَارُض والتساقط فَتسقط الزِّيَادَة لعدم الْمُثبت لَهَا وتنقلب تِلْكَ الزِّيَادَة نقصا دَاخِلا عَلَيْهِم فِي مقادير مَا ادعوا وَشهِدت بِهِ بيناتهم وَالله أعلم
554 - مَسْأَلَة رجل أثبت أَنه اشْترى من زيد الْغَائِب دَارا بِثمن مَعْلُوم معِين وَشهِدت عِنْد الْحَاكِم بَيِّنَة على إِقْرَار المتبابعين بالتبايع وَالْقَبْض من الطَّرفَيْنِ وَطلب المُشْتَرِي من الْحَاكِم الحكم على إِقْرَار البَائِع الْغَائِب فَهَل يسوغ الحكم عَلَيْهِ من غير يَمِين الحكم على الْغَائِب أم لَا بُد من يَمِين فَإِن كَانَ لَا بُد من يَمِين فَكيف صورتهَا وكيفيتها وَإِن قُلْتُمْ أَنه لَا بُد من يَمِين فَمَا الْفرق بَين هَذَا وَبَين لَو ادّعى أَن الدّين كَانَ لزيد الْغَائِب عِنْدِي أبرأني مِنْهُ بعد أَن ادّعى عَلَيْهِ بِهِ وَأقَام على الْبَرَاءَة شَاهِدين وَطلب من الْحَاكِم أَن يحكم بِهِ على إِقْرَار زيد المبرىء الْغَائِب فَإِنَّهُ يحكم لَهُ وَلَا حَاجَة إِلَى يَمِين قولا وَاحِدًا وَالْحَالة هَذِه
أجَاب رَضِي الله عَنهُ لَا فِي ذَلِك من الْيَمين على القَوْل الْأَصَح فِي الْبَاب وَيَجِيء فِي كَيْفيَّة الْيَمين الصفتان الجاريتان فِي سَائِر الْبَاب الْإِجْمَال بِأَن يحلف أَنه الْآن يسْتَحقّهُ وَالتَّفْصِيل بِأَن يحلف بِأَنَّهُ لم يزل ملكه عَن ذَلِك بِشَرْط وَلَا إِقَالَة وَيذكر نَحْوهمَا من مزيلات الْملك وَمن الْفرق بَين ذَلِك وَبَين الْإِبْرَاء أَنه إِذا وجد الْإِبْرَاء وَصَحَّ فَلَنْ يتعقبه مَا يزِيل حكمه فَلم يحْتَج إِلَى يَمِين بِنَفْي احْتِمَال ذَلِك وَالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أعلم بِالصَّوَابِ

(2/544)


@
تمّ الْكتاب بِحَمْد الله تَعَالَى وَافق الْفَرَاغ من نُسْخَة يَوْم الْإِثْنَيْنِ الْمُبَارك بعد صَلَاة الْعَصْر خَامِس عشر جُمَادَى الْآخِرَة عَام إِحْدَى وَسبعين وَسبع مائَة بِمَدِينَة الصَّلْت المحروسة على يَد العَبْد الْفَقِير إِلَى الله تَعَالَى الراجي عَفْو ربه الْقَدِير الْمُعْتَرف بالذنب وَالتَّقْصِير مُحَمَّد بن الْفَقِير إِلَى الله تَعَالَى يحيي الشَّافِعِي عاملهما الله تَعَالَى بِلُطْفِهِ الْخَفي وَغفر لَهما ولطف بهما وَالْحَمْد لله وَحده وَصلى الله على سيدنَا مُحَمَّد النَّبِي الْأُمِّي نَبِي الرَّحْمَة وَآله وَصَحبه وَسلم تَسْلِيمًا كثيرا دَائِما مُبَارَكًا طيبا إِلَى يَوْم الدّين وحسبنا الله وَنعم الْوَكِيل
وَجَاء فِي خَاتِمَة النُّسْخَة
هَذَا مَا علقت عَنهُ من الْعَبَّادِيّ رَحمَه الله وَرَضي عَنهُ ونفعه بهَا فِي داريه
الْحَمد لله حق حَمده وصلواته على سيدنَا مُحَمَّد النَّبِي الرؤوف الرَّحِيم خير خلقه وَآله وَصَحبه وَسلم كتبهَا الْفَقِير إِلَى الله تَعَالَى مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن المرتضى الشَّافِعِي غفر الله لَهُ ولوالديه وَلِجَمِيعِ الْمُسلمين بمنه وَكَرمه
حَسبنَا الله وَنعم الْوَكِيل

(2/545)