فتح العزيز بشرح الوجيز = الشرح الكبير

قال (الباب الثالث في الاستقبال: والنظر فيه في ثلاثة أركان (الاول) لصلاة ويتعين الاستقبال في فرائضها (و) الا في القتال فلا تؤدى فريضة علي الراحلة ولا منذورة أن قلنا يسلك بها مسلك واجب الشرع ولا صلاة الجنازة (ح) لان الركن الاظهر فيها القيام)

(3/206)


قال الله تعالي (قد نرى تقلب وجهك في السماء) الاية ووى أنه صلي الله عليه وسلم (د خل الببت ودعى في نواحيه ثم خرج وركع ركعتين في قبل الكعبة وقال هذه القبلة) واعلم أن الاستقبال يفتقر إلى مستقبل ومستقبل وهو المسمي قبلة ولابد من حالة يقع فيها الاستقبال ومعلوم ان الاستقبال لا يجب في غير حالة الصلاة والحاجة تمس الي الكلام في الامور الثلاثة فلذلك قال والنظر فيه في ثلاثة اركان وهي الصلاة القبلة والمستقبل أولها الصلاة وتنقسم الي فرائض ونوافل أما الفرائض فيتعين الاستقبال فيها الا في حالة واحدة وهى حالة شدة الخوف في القتال فانه يأتي بها بحسب الامكان قال الله تعالي (فان خفتم فرجالا أو ركبانا) قال ابن عمر رضى الله عنهما (مستقبلي القبلة وغير مستقبليها) قال نافع لا أراه ذكر ذلك الا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقوله في الكتاب إلا في القتال يعنى به حالة شدة الخوف لا مطلق القتال ثم الشرط ان يكون القتال مباحا علي ما سيأتي في صلاة الخوف ان شاء الله تعالي ويلتحق بهذا الخوف ما إذا انكسرت السفينة فبقي علي لوح منها وخاف الغرق لو ثبت على جهة القبلة وكذلك سائر وجوه الخوف فليس القتال معنيا لعينه وانما المعتبر الخوف وأما النوافل فكذلك يجب الاستقبال فيها الا في حالة الخوف وفى السفر على ما سيأتي فالمستثنى في قسم الفرائض حالة واحدة وفي قسم النوافل حالتان والشافعي رضى الله عنه عبر عن الفرض بعبارة اخرى من غير تقسيم الصلوات الي الفرائض والنوافل فقال لا تجوز الصلاة من غير الاستقبال الا في حالتين احداهما
النافلة في السفر والثانية شدة الخوف فان قيل الاستثناء لا ينحصر في هاتين الحالتين ألا ترى أن المريض الذى لا يجد من يوجهه الي القبلة ولا يطيق التوجه معذور وكذلك المربوط على الخشبة قلنا الكلام في القادر على ان يصلي متوجها فاما العاجز فلا يكلف بما ليس في وسعه ولا حاجة الي استثنائه من موارد امكان التكليف وإذا عرفت هذه المقدمة فيتفرع عليها انه لا يجوز فعل الفريضة علي الراحلة لاختلال امر الاستقبال وينبغي أن تعرف من قوله فلا يؤدى فريضة علي الراحلة شيئين (أحدهما) اثه ليس المراد منه الاداء الذى هو ضد القضاء فان الفريضة كما لا تؤدى علي الراحلة لا تقتضي

(3/207)


أيضا وانما المراد منه الفعل (والثانى) انه وان كان مطلقا لكن الفرض ما إذا لم يلحقه خوف فاما إذا خاف الانقطاع عن الرفقة لو نزل لاداء الفريضة أو خاف علي نفسه أو ماله من وجه آخر فله ان يصلي علي الدابة لكنه يعيد إذا نزل وهل يجوز فعل المنذورة علي الراحلة يبنى على اصل سبق ذكره وهو أن المنذورة من العبادة عند الاطلاق يحمل علي أقل واجب ويعطى احكام الواجبات أم لا ان قلنا لا جاز ذلك وان قلنا نعم لم يجزو هو الصحيح والمحكى عن نصه في الام ولك أن تعلم قوله ولا منذورة بالحاء لان ابا الحسن الكرخي حكى في مختصره انه لا يصلي علي الراحلة صلاة نذر اوجبها وهو بالارض فان أوجب صلاة وهو راكب اجزأه فعلها على الدابة واما صلاة الجنازة ففى جواز فعلها علي الراحلة ثلاثة طرق بيناها في التيمم والظاهر ما ذكره في الكتاب وهو المنع لان الركن الاظهر فيها القيام وفعلها على الراحلة يمحو صورة القيام وذكر بعضهم للمنع معني آخر سنذكره من بعد ويجب ان يكون قوله ولا صلاة جنازة مرقوما بالواو لما تقدم * قال (ولا تصح الفريضة علي بعير معقول وفى ارجوحة معلقة بالحبال لانهما ليسا للقرار بخلاف السفينة الجارية لان المسافر محتاج إليها وبخلاف الزورق المشدود علي الساحل لانها كالسرير والماء كالارض) فعل الفريضة عل الراحلة كما يشتمل علي الاخلال بامر القيام والاستقبال ففيه شى آخر وهو اقامة الفريضة على ما لا يصلح للقرار وفى اشتراط اقامتها على ما يصلح للقرار كلام فاراد المصنف ان يبين ان امتناع فعل الفريضة علي الراحلة ليس لاختلال أمر الاستقبال فحسب بل
من شرط الفريضة فعلها على ما هو للقرار وهذا الشرط فائت إذا أقيمت على الراحلة وفقه الفصل أن استقرار المصلي في نفسه شرط فليس له أن يصلي الفريضة وهو سائر ماش لان المشئ يشتمل علي الحركات والاصل أنه لا يحتمل أصلا فخالفنا في النوافل في السفر لما سيأتي

(3/208)


وهل يجوز فعلها علي الدابة نظر ان أخل فعلها بالقيام أو الاستقبال فلا يجوز وان امكنه اتمام أركان الصلاة بان كان في هودج أو علي سرير موضوع علي الدابة فالذي ذكره المصنف أن الفريضة لا تصح وان كانت الدابة واقفة معقولة واتبع فيه امام الحرمين حيث قال لا تقام الفريضة على الراحلة وان كان المصلى قادرا علي المحافظة علي الاركان كلها مستقبلا وكان البعير معقولا لانه مأمور باداء الفرائض متمكنا علي الارض أوما في معناها وليست الدابة للاستقرار عليها وكذلك القول في الارجوحة المشدودة بالحبال فانها لا نعد في العرف مكان التمكن وهو مأمور بالتمكن والاستقرار وهذا بخلاف السفينة حيث تصح الصلاة فيها وإن كانت تجرى وتتحرك بمن فيها كالدواب تتحرك بالراكبين لان ذلك انما يجوز لمساس الحاجة إلى ركوب البحرو تعذر العدول في أوقات الصلاة عنه فجعل الماء علي الارض كالارض وجعلت السفينة كالصفائح المبطوحة علي الارض وألحق بالسفينة الجارية

(3/209)


الزورق المشدود علي الساحل تنزيلا له منزلة السرير وللماء منزلة الارض وتحركه تسفلا وتصعدا كتحرك السرير ونحوه علي وجه الارض فلا يمنع صحة الفريضة وأما الزورق الجارى فهل للمقيم في بغداد وغيره اقامة الفريضة فيه مع تمام الاركان والافعال قال امام احرمين فيه احتمال وتردد ظاهر فان الافعال تكثر بجريان الزواريق وهو قادر علي دخول الشط واقامة الصلاة قال وان احتمل رجال سرير أو عليه انسان لم يصح عليه الفرض فانه محمول الناس فكان كمحمول البهائم هذا كلامهما ولا يخفى أن من حكم بالمنع والدابة معقولة فلان يحكم به وهى سائرة أولي وأورد أكثر أصحابنا منهم صاحب المعتمد والحسين الفراء وأبو سعيد المتولي والقاضى الروياني وغيرهم أنه يجوز فعل الفريضة علي الدابة مع اتمام الافعال والاركان بان كان في هودج أو علي سرير ونحوهما
إذا كانت الدابة واقفة ولم يذكروا خلافا فيه وان كانت سائرة ففيه وجهان (أحدهما) الجواز كما لو صلي في سفينة جارية ومنهم من قاسه علي ما لو صلي علي سرير يحمله جماعة كأنهم اتخذوا هذه الصورة متفقا عليها (وأصحهما) وهو المحكى عن نصه في الاملاء أنه لا يجوز لان سير الدابة منسوب إليه ولهذا يجوز الطواف عليها وسير السفينة بخلافه فانها بمثابة الدار في البر وأيضا فان البهيمة لها اختيار في السير فلا يكاد يثبت علي حالة واحدة والسفينة كما يسير تسير اذلا اختيار لها وإذا وقفت علي ما حكيته تبين لك انه يجب أن يكون قوله ولا تصح الفريضة على بعير معلما بالواو بل الظاهر الجواز إذا كانت الدابة واقفة علي خلاف ما في الكتاب نقلا عن المذهب في معنى أما النقل فقد بيناه وأما المعني فلان المصنف وامام الحرمين لم يريدا في التوجيه علي أن المصلى في الفريضة مأمور بالاستقرار علي الارض أو غيرها مما يصلح للقرار وهذا لا يسلمه اصحاب الطريقة الاخرى انما المسلم عندهم انه مأمور بالاستقرار في نفسه ثم هو مشكل بالزورق المشدود علي الشط فانه لا تتعلق به الحاجة المفروضة في السفينة والزورق الجاريين وهو قادر على الخروج الي الساجل والاستقرار علي الارض فلم كان الزرق المشدود كالسرير علي الارض ولم تكن الدابة المعقولة كعدل أو متاع ساقط على الارض فان حاولت دفع الخلاف وقلت الفارقون بين أن تكون الدابة واقفة أو سائرة صوروا المسألة فيما إذا كان في هودج أو سرير على الدابة وليس في الكتاب تعرض لذلك فلعل مسألة الكتاب فيما إذا وقف علي ظهر الدابة من غير سرير ونحوه وحينئذ لا يتنافى الكلامان لتغاير الصورتين نعم يجب طلب الفرق والجواب ان هذا فاسد من وجوه ثلاثة (أحدها) أن الدابة الواقفة

(3/210)


إذا لم تصلح للقرار فالمحمول عليها من السرير ونحوه أولى أن لا يصلح للقرار فمحال أن يمنع من الوقوف عليها ولا يمنع من الوقوف علي ما عليها (والثاني) ان الفارقين بأسرهم ما صوروا المسأة في الهودج والسرير بل منهم من تعرض لذلك ايضاحا لان اتمام الاركان والافعال حينئذ يتيسر ومنهم من فصل بين وقوف الدابة وسيرها من غير تعرض للسرير هذا الشيخ ابراهيم المروروذى ذكر فيما علق عنه ان أمكنه القيام والاستقبال في جميع الفريضة علي الدابة نظر ان كانت واقفة
جازو ان كانت تسير فوجهان ولم يشترط أن يكون عليها سرير ونحوه (والثالث) انا حكينا عن امام الحرمين انه الحق ما إذا احتمل السرير رجال فصلي عليه بما إذا صلى على ظهر الدابة وذلك يوضح انه لا فرق بين أن يكون علي الدابة سرير أم لا والله أعلم * قال (أما النوافل فيجوز اقامتها في السفر الطويل راكبا وماشيا وفى السفر القصير قولان ولا يجوز (و) في الحضر) * تكلمنا في حكم اقامة الفرائض علي الرواحل وأما النوافل فيجوز اقامتها في السفر الطويل عند السير راكبا كان أو مشايا متوجها الي طريقه لما روى عن ابن عمر رضى الله عنهما (ان النبي صلي الله عليه وسلم كان يصلي في السفر علي راحلته حيث توجهت به) وخالف ابو حنيفة في الماشي ويحكى مثله عن احمد فليكن قوله وماشيا معلما برقميهما لنا أن الانسان قد يكون له أوراد ووظائف ويحتاج إلى السفر لمعاشه فلو منع من التفل في سيره لفاته احد امرين اما اوراده أو مصالح معاشه

(3/211)


ولا فرق في ذلك بين الراكب والماشي وهل يختص ذلك بالسفر الطويل فيه قولان احدهما وبه قال مالك نعم كالقصر والفطر واصحهما لا: لاطلاق الخبر الذى رويناه وروى مثله عن جابر ولان الحاجة كما تمس إلى الاسفار الطويلة تمس الي الاسفار القصيرة أو هي اغلب ومنهم من قطع بالجواز في السفر القصير وامتنع من اثبات خلاف فيه فلك ان تعلم بالواو لفظ القولين من قوله وفي السفر القصير قولان واما في الحضر فظاهر المذهب انه لا يجوز ترك استقبال القبلة في النوافل وهى والفرائض سواء في امر القيام وذلك لان الغالب من حال المقيم اللبث والاستقرار وقال ابو سعيد الاصطخرى يجوز للحاضر ترك لاستقبال فيها والتنفل متوجها إلى مقصده في الترددات لان المقيم ايضا محتاج الي التردد في دار اقامته وعلى هذا فالراكب والراجل سواء وذكر في التتمة ان هذا اختيار القفال ولم يحكه غيره عن اختياره على هذا الاطلاق لكن الشيخ ابا محمد ذكر انه اختار الجواز بشرط أن يكون مستقبلا في جميع الصلاة فليكن قوله ولا يجوز في الحضر معلما بالواو لمكان هذا الوجه ثم يتعلق بلفظ الكتاب في الفصل مباحثتان (أحداهما) انه قال اما النوافل فيجوز اقامتها في السفر
الطويل ولفظ النوافل تدخل فيه الرواتب وغيرها فما ليس بفرض فهل يشمل الجواز الكل أم لا والجواب أن طائفة من اصحابنا منهم القاضي ابن كج ذكروا أنه لا تقام صلاة العيدين والسكوفين والاستسقاء علي الراحلة وانما تقام الرواتب وصلاة الضحى وما يكثر ويتكرر واما هذه الصلوات فهى نادرة فاشبهت صلاة الجنازة وبهذا العلة منع بعضهم صلاة الجنازة على الراحلة وهذه العلة والتى قدمناها من نحو صورة القيام ينبغي أن تختلفا في التفريع إذا صلاهما علي الراحلة قائما وقضية هذه العلة المنع وقضية تلك العلة الجواز وبه أجاب امام الحرمين رحمه الله وقضية لفظ الكتاب اطلاق القول في النوافل بالجواز وهو الظاهر عند الاكثرين ولذلك قالوا في ركعتي الطواف ان قلنا بالافتراض فلا تؤدى على الراحلة والا فتؤدى ولم يبالوا بالندرة وقال في التهذيب يستوى فيه الرواتب وغيرها مما ليس بفرض (والثانية) أنه قال راكبا وماشيا والركوب كما يستعمل في الدابة يستعمل في السفينة فيقال ركب السفينة أو الدابة وركب البحر فهل يجوز أن يتنفل في السفينة حيث ما توجهت كما يجوز علي الدابة والجواب لاحكى ذلك عن نص الشافعي رضي الله عنه ذلك لانه متمكن من الاستقبال ولهذا نقول لو كان في هودج علي الدابة يتمكن فيه من الاستقبال يلزمه ذلك على الصحيح كما سيأتي واستثنى في العدة عن راكبي السفينة الملاح الذى يسيرها فله أن يتنفل إلى حيث توجه لان تكليفه

(3/212)


الاستقبال يقطعه عن النافلة أو عن عمله وسيره * قال (ولا يضر انحراف الدابة عن القبلة وقيل يجب الاستقبال عند التحرم (و) وقيل لا يجب إلا إذا كان العنان بيده ثم صوب الطريق بدل عن القبلة في دوم الصلاة ولا يصلي راكب التعاسيف إذ ليس له صوب معين وان حرف الدابة عمدا عن صوب الطريق بطلت صلاته وان كان ناسيا لم تبطل ان قصر الزمان لكن يسجد للسهو وان طال ففى البطلان خلاف يجرى مثله في الاستدبار ناسيا وان كان بجماع الدابة بطل ان طال الزمان وان قصر فوجهان ثم على الراكب أن يومئ بالركوع والسجود ويجعل السجود (ح) اخفض من الركوع وان كان في مرقد أتم السجود والركوع) * المتنفل في سيره أما راكب أو ماش ولابد في الحالتين من النظر في الاستقبال وكيفية
الافعال فبدأ بالكلام في الراكب ثم تكلم في الماشي أما الراكب فاما أن يكون على سرج ونحوه ولا يمكنه اتمام السجود والركوع والاستقبال في جميع صلاته واما أن يكون في مرقد يمكنه ذلك فاما في الحالة الاولى فلا يمنع من الصلاه بتعذر الاستقبال في جميعها ولكن هل يجب عليه أن يستقبل القبلة عند التحرم فيه وجوه (أحدها) لا كما في دوام الصلاة لان تكليف الاستقبال يشق عليه ويشوش عليه سيره (والثانى) نعم ليكون ابتداء الصلاة على صفة الكمال ثم يخفف الامر في الدوام كما أن النية يشترط اقنرانها بالتكبير ولا يشترط في دوام الصلاة فعلى هذا الوجه لو تعذر الاستقبال في تلك الحالة لم تصح الصلاة أصلا (والثالث) انه ان سهل عليه الاستقبال عند التحرم وجب والا فلا فلو كانت الدابة واقفة وأمكنه الانحراف عليها إلى القبلة لو أدارها إليها أو كانت سائرة والزمام في يده ولاحران بها فالاستقبال سهل وان كانت مقطرة أو صعبة الادارة لحرانها فهو عسير أما الاشتراط عند السهولة فلما روى عن أنس رضى الله عنه أن النبي صلي الله عليه وسلم (كان إذا سافر وأراد أن يتطوع استقبل القبلة بناقته وكبر ثم صلي حيث وجهه ركابه) وأما عدم الاشتراط عند الصعوبة فلدفع المشقة واختلال أمر السير عليه ولهذا رخصصنا في ترك الاستقبال في دوام الصلاة وهذه الوجوه الثلاثة هي التى أوردها في الكتاب واعلم أن الاكثرين سكتوا عن الوجه الثاني واقتصروا

(3/213)


على ايراد الاول والثالث لكن حكاه الصيدلانى وتابعه امام الحرمين والمصنف على نقله ثم ايراد الكتاب يقتضي أن يكون عدم الاشتراط مطلقا أظهر لانه قال ولا يضر انحراف الدابة عن القبلة ثم ذكر الوجهين الاخرين والمذهبيون إذا أطلقوا الحكم ثم قالوا وقيل كذا كان اشارة منهم إلى ترجيح الاول الا إذا نصوا على خلافه لكن الذى رجحه معظم الائمة انما هو الوجه الثالث وفيه جمع بين الخبر والمعنى كما تقدم ثم ظاهر لفظه في حكاية الوجه الثالث يقتضى الايجاب فيما إذا كان العنان بيده ونفيه في غير هذه الحالة لكن لو كانت الدابة واقفة وسهل الانحراف عليه يلزمه ذلك علي هذا الوجه وان لم يكن العنان بيده فكأنه جعل هذا مثالا الصورة سهولة الاستقبال ليلحق به ما هو في معناه ويمكن أن يكون الذى حكاه ثانيا وجها مغايرا الوجه الثالث الذى قدمنا
روايته فان الصيدلانى وغيره نقلوا كما نقله المصنف لكن الاول أقرب فان الفرق بين ما إذا كان العنان بيده وبين سائر صور السهولة بعيد وفى لفظ الكتاب شئ آخر يحتاج الي تأويله وذلك أنه قال ولا يضر انحراف الدابة عن القبلة ومعلوم أنه لا اعتبار بانحراف الدابة واستقبالها وانما الاعتبار بحال الراكب حتي لو استقبل عند التحرم حصل الغرض وارتفع الخلاف وإن كانت الدابة منحرفة واقفة كانت أو سائرة فإذا المعنى ولا يضر انحرافه على الدابة أو لانحراف الدابة وما اشبه ذلك وفى المسالة وجه رابع وهو أنه لو كانت الدابة متوجهة به عند افتتاح الصلاة أما إلى القبلة أو طريقه تحرم بالصلاة كما هو ولو كانت منحرفة به الي غيرها لم يجز التحرم إلا إلي القبلة لان تكليف صرف الدابة عن صوب الطريق إذا كانت متوجهة إليه قد يعسر أما عند الانحراف الي غير القبلة والطريق فلابد من صرفها فيصرفها إلى القبلة أولا ثم الي الطريق فليس فيه كثير عسر وإذا شرطنا الاستقبال عند التحرم ففى اشتراطه عند السلام وجهان أحدهما يشترط لانه أحد طرفي الصلاة ولهذا اعتبرنا نية الخروج على رأى اعتبارا بالطرف الاول واصحهما لا يتشرط كما في سائر الاركان وهذا قضية نظم الكتاب لانه قال لا يضر الانحراف ولم يستثن على بعض الوجوه سوى حالة التحرم وإذا عرفت الخلاف في التحريم والتحلل فاعرف أن فيما عداهما من اركان الصلاة يجعل صوب الطريق بدلا عن القبلة وكذلك عند التحرم والتحلل إذا لم يشترط فيهما الاستقبال وإنما كان كذلك لان المصلي لابد وأن يستمر على جهة واحدة ليجتمع همه ولا يتوزع فكره وجعلت تلك الجهة جهة الكعبة لشرفها فإذا عدل عنها لحاجة السير فليلزم الجهة التى قصدها محافظة علي

(3/214)


المعنى المقتضي للاستمرار علي الجهة الواحدة: ثم الطريق في الغالب لا يستد بل يشتمل علي معاطف يلقاها السالك يمنة ويسرة فيتبعه كيف ما كان لحاجة السير وإنما قال صوب الطريق لانه لا يشترط أن يكون سلوكه في نفس الطريق المعبد فقد يعدل المسافر عند لزحمة ودفع غبار ونحوهما فالمعتبر الصوب دون نفس الطريق * ويتعلق بهذه القاعدة مسائل (أحداها) ليس لراكب التعاسيف ترك الاستقبال في ى شئ من صلاته وهو الهائم الذى يستقبل تارة ويستدبر أخرى إذ ليس له صوب
ومقصد معين وقوله ولا يصلي راكب التعاسيف معناه أنه لا ينتفل متوجها إلى حيث تسير دابته كما يفعله غيره لا أنه لا ينتفل أصلا فان هذا الرجل لو تنفل مستقبلا في جميع صلاته أجزأه ولو كان له مقصد معلوم لكن لم يسر في طريق معين فهل يتنفل مستقبلا صوبه فيه قولان اظهرهما نعم لان له مقصدا معلوما والثانى لا: إذ لم يسلك طريقا مضبوطا وقد لا يؤدى سيره الي مقصده (الثانية) لو انحرف عن صوب الطريق أو نحرفت الدابة عنه فيبنى ذلك علي ما لو انحرف المصلي علي الارض عن القبلة وينظر فيه إن استدبر القبلة في صلاته أو تحول إلى جهة أخرى عمدا بطلت صلاته وان فعله ناسيا للصلاة فان تذكر على القرب وعاد إلى الاستقبال لم تبطل صلاته كما لو تكلم في صلاته ناسيا بكلام قليل وان طال الفصل ففى البطلان وجهان كما لو تكلم ناسيا بكلام كثير أصحهما البطلان ذكره الصيدلانى وصاحب التهذيب لان الصلاة لا تحتمل الفصل الطويل ولان ذلك مما يندر والثانى الصحة كما لو قصر الزمان للعذر وهو الذي ذكره المحاملى وطبقته ولو أماله انسان عن جهة القبلة قهرا وطال الزمان بطلت صلاته فان عاد إلى الاستقبال على قرب فوجهان أصحهما البطلان والفرق بين النسيان وقهر الغير إياه أن النسيان مما يكثر ويعم والاكراه في مثل ذلك يندر ولهذا المعني نقول لو اكره علي الكلام في صلاته تبطل صلاته علي الصحيح بخلاف النسيان جنئا إلى الانحراف عن صوب الطريق أو تحريف الدابة عنه فلو فعل ذلك عمدا فقد قال في الكتاب بطلت صلاته وهذا غير مجرى علي اطلاقه لانه لو انحرف إلى جهة القبلة لا تبطل صلاته وكيف تبطل وقد توجه الي الجهة التي هي الاصل فإذا المراد ما إذا حرف الدابة عن صوب الطريق إلى غير جهة القبلة أو انحرف عليها وهكذا قيده سائر الائمة وانما حكمنا بالبطلان لما ذكرنا من كون هذه الجهة قائمة مقام جهة القبلة وان حرف الدابة أو انحرف عليها الي غير القبلة ناسيا فان تذكر وعاد علي قرب لم تبطل صلاته وان طال الزمان فوجهان كما ذكرنا في استدبار المصلى علي وجه الارض ناسيا والاصح البطلان ولو أخطأ وظن ان الذى توجه إليه طريقه فهو كما لو انحرف ناسيا للصلاة ولو

(3/215)


انحرف الي غير القبلة لجماح الدابة فهذه الصورة تشبه ما لو أماله غيره قهرا فان طال الزمان بطلت
صلاته وذكر الشيخ أبو حامد انها لا تبطل كما ذكر في النسيان فقوله بطل معلم بالواو لذلك وان قصر فقد حكى في الكتاب فيه وجهين كما روينا في صورة الامالة ولم يأت امام الحرمين بحكاية الخلاف في الجماح لكن قال قد ذكرنا في مثل هذه الصورة خلافا فيمن يصرف عن القبلة والظاهر ههنا أن الصلاة لا تبطل لان جماح الدابة مما يعم به البلوى بخلاف صرف الرجل فهو نادر لا يعهد وان اراد ان الظاهر القطع بهذا والامتناع من تخريجه علي الخلاف في صورة الصرف لانه قال بعد الفرق بين الصورتين ولهذا قطع الائمة بان جماح الدابة في زمن قريب لا يبطل الصلاة ولم أر ما يخالف هذا للاصحاب فالامر على ما ذكرناه فإذا بحثت وجدت كتب الاصحاب متفقة على أن الصلاة لا تبطل في صورة جماح الدابة إذا ردها على القرب على أن الاكثرين سووا بين صورة النسيان وصورة الجماح سواء منهم الحاكم بالصحة عند طول الزمان والحاكم بالبطلان ويتبين من هذا أن المصنف كالمنفرد برواية الوجهين في بطلان الصلاة عند قصر المدة في صورة الجماع فاعلم ذلك (الثالثة) إذا لم يحكم بالبطلان في النسيان والجماح فهل يسجد للسهو اما عند النسيان فقذ ذكر في الكتاب أنه يسجد للسهو عند قصر الزمان وهكذا حكي الصيدلاني والامام وصاحب التهذيب ووجهه أن التحريف عمدا منطل للصلاة فإذا اتفق سهوا اقتضى سجود السهو لكن الشيخ ابا حامد في طائفة حكوا عن نص الشافعي رضى الله عنه أنه لا يسجد للسهو إذا عاد عن قريب فان طال الزمان فحينئذ يسجد فليكن قوله يسجد للسهو معلما بالواو لذلك وأما عند الجماح فمنهم من قال لا يسجد إذا لم نحكم ببطلان الصلاة لانه لم يوجد منه ترك مامور ولافعل منهي والذى وجد فعل الدابة ومنهم من قال وهو الاظهر يسجد وفعل الدابة كفعله وطريقة الشيخ أبي حامد ههنا كما في النسيان فالحاصل في الجماح ثلاثة أوجه يسجد: لا يسجد يفرق بين أن يطول الزمان أو يقصر وفي النسيان لا يصلح الا وجهان وهذا كله متفرع علي ظاهر المذهب وهو ان السهو في النافلة يقتضي السجود كما في الفريضة وحكي قول أنه لا مدخل لسجود السهو في النافلة بحال هذا تمام الكلام في استقبال الراكب علي السرج ونحوه: وأما كيفية اقامته الاركان فليس عليه وضع الجبهة علي عرف الدابة ولا علي السرج والاكاف لما فيه من المشقة وخوف
الضرر من نزقات الدابة ولكن ينحنى للركوع والسجود الي الطريق ويجعل السجود أخفض من الركوع قال امام الحرمين والفصل بينهما عند التمكن محتوم والظاهر أنه لا يجب مع ذلك أن

(3/216)


يبلغ غاية وسعه في الانحناء وأما كيفية سائر الاركان فبينة (الحالة الثانية) أن يكون الراكب في مرقد ونحوه يسهل عليه الاستقبال واتمام الاركان فعليه الاستقبال في جميع الصلاة كراكب السفينة إذ لا مشقة عليه في ذلك وينبغى أن يتم الركوع والسجود أيضا فلو اقتصر على الايماء كان بمثابة المتمكن علي الارض إذا تنفل مضطجعا مقتصرا علي الايماء وفي جوازه وجهان مذكور ان في موضعهما وحكى القاضي ابن كج عن نص الشافعي رضى الله عنه انه لا يلزم الاستقبال ولا اتمام الركوع والسجود في المحمل الواسع كما لا يجب علي راكب السرج ذلك وفرق بينه وبين السفينة بان حركة راكب السفينة لا تؤثر فيها وحركة راكب الدابة تؤثر في المحمل فيخاف الضرر فإذا قوله أتم الركوع والسجود ينبغى أن يعلم بالواو لما رواه ابن كج أو للوجه الصائر الي تجويز التنفل موميا مضطجعا الا أن لا يريد بقوله اتم انه يلزم ذلك بل يريد انه الاحسن والاولي والظاهر ارادة اللزوم قال (وأما الماشي فاستقباله كمن بيده زمام دابته فيركع ويسجد ويقعد لا ينافي هذه الاركان ولا يمشى الا في حال القيام وفيه قول أنه يومئ بذلك كله) لما فرغ من الكلام في استقبال الراكب وكيفية اقامته الاركان اشتغل بالكلام فيهما في حق الماشي وقد حكى الاصحاب على طبقاتهم عن نص الشافعي رضى الله عنه أن الماشي يركع ويسجد علي الارض ولا يقتصر علي الايماء لسهولة الامر عليه بخلاف الراكب فان اتمامها عسير عليه أو متعذر والنزول لهما أعسر وأشق وزاد الشيخ أبو محمد فحكي مع ذلك عن نصه أنه يقعد في موضع التشهد أيضا ويسلم ولا يمشى الا في حال القيام وتابعه امام الحرمين والمصنف فقال ويركع ويسجد ويقعد لا ينافى هذه الاركان الي آخره ونفى الشيخ أبو حامد والعراقيون من أصحابنا هذه الزيادة وقالوا لا يجب القعود بل يمشى في حال التشهد كما في حال القيام وهو ظاهر المذهب لطول زمان
التشهد كالقيام وهذا ما أورده الشيخ الحسين وأبو سعيد المتولي ثم ذكر امام الحرمين ان ابن سريج خرج قولا انه لا يلبث ولا يضع جبهته علي الارض بل يومئ راكعا وساجدا كالراكب لان كثرة اللبث قد يفضى إلى الانقطاع عن الرفقة ويشوش عليه أمر السفر وعلى هذا فيجعل السجود أخفض من الركوع كالراكب ولا يقعد في التشهد وحكي الشيخ أبو محمد هذا القول المنسوب الي ابن سريج عن القفال وانه أول نص الشافعي رضى الله عثه علي الاستحباب قال الشيخ ثم

(3/217)


وجدت ما ذكره القفال منصوصا للشافعي رضى الله عنه فحصل في الاركان يتمها المشاي لابثا أم لا قولان منصوص ومخرج علي ما ذكره في الكتاب أو منصوصان علي ما رواه الشيخ ويترتب على ما ذكرناه القول في استقبال القبلة أما إذا قلنا أنه يركع ويسجد ويقعد لا ينافيها فلا شك في انه يستقبل القبلة فيها ويتحلل عن صلاته وهو مستقبل وإذا لزم الاستقبال في هذه الاحوال فهو عند التحرم ألزم فان الراكب يستقبل عند التحرم على الاظهر وان لم يستقبل في سائر الافعال والاركان وان استثنينا حالة الشتهد عن النص وقلنا لا يقعد فيها بل يمشى ففى وجوب الاستقبال عند السلام وجهان كما قدمناهما في الراكب واما إذا قلنا بالاقتصار على الايماء فلا يجب الاستقبال في الركوع والسجود ولا في التشهد وحكمه في التحرم حكم الراكب الذى بيده زمام دايته والحاصل من الخلاف الذى سبق في هذا الراكب وجهان اظهرهما لزوم الاستقبال فكذلك في الماشي وإذا عرفت هذا فلك في عبارة الكتاب أعنى قوله أما الماشي فاستقباله كمن بيده زمام دابته نظران (أحدهما) أنه أطلق الكلام اطلاقا ولم يقيد بحالة التحرم ومعلوم أن استقبال الماشي ليس كاستقبال من بيده زمام دابته على الاطلاق فان الراكب لا يؤمر بالاستقبال في الركوع والسجود وان كان بيده زمام دابته والماشي يؤمر به على الاظهر (والثاني) انه قيد بحالة التحرم لكن هذا الكلام اما أن يكون موصولا بما بعده أو يكون منقطعا عنه مستقلا بنفسه فان كان موصولا بما بعده علي معنى أنه مقول على قولنا أنه يركع ويسجد ويقعد لابثا فيكون هذا اثباتا للخلاف في الاستقبال مع الحكم باتمام هذه الاركان لان استقبال الراكب الذى بيده زمام دابته
مختلف في وجوبه ولا خلاف في وجوب الاستقبال عند التحرم علي هذا المذهب كذلك ذكره امام الحرمين وغيره وهو المعقول وان كان مستقلا بنفسه منقطعا عما بعده كان هذا اثباتا للخلاف في انه هل يلزمه الاسته بال عند التحرم على الاطلاق والظاهر القطع بانه يلزمه ذلك لان الظاهر أنه يتم الركوع والسجود وحينئذ لا خلاف فيه على ما ذكرنا وانما الخلاف فيه علي القول المخرج فكان ينبغي أن يرتب قوله استقبال الماشي كمن بيده زمام دابته علي القول المخرج كما نقله الامام وقوله في حكاية القول المخرج انه يومي في ذلك كله يرجع الي الركوع والسجود دون القعود وان عمم

(3/218)


اللفظ فانه لا إيماء الي القعود بل يعتدل قائما بعده الايماء بالسجود ويتشهد فيقع قيامه بدلا عن القعود كما يقع القعود بدلا عن القيام في حق العاجز عن القيام ثم صوب الطريق حيث لا يجب استقبال القبلة يكون بدلا عن القبلة في حق الماشي كما ذكرناه في الراكب ويعود فيه المسائل السابقة * قال (فرع لو مشى في نجاسة قصدا فسدت صلاته بخلاف لو وطئ فرسه نجاسة ولا يلزمه المبالغة في التحفظ عند كثرة النجاسة في الطريق) * يجب أن يكون ما يلاقى الراكب وثيابه طاهرا من السرج وغيره ولو بالت الدابة أو وطئت نجاسة لم يضر لان تلك النجاسة لا تلاقى بدنه وثيابه ولا هو حامل لها بل لو كان السرج نجسا فالقي عليه ثوبا طاهرا وصلي عليه جازا ما لو أوطأ الدابة نجاسة فالذي ذكره في الكتاب أن ذلك لا يضره كما لو وطئت بنفسها وكذلك أورده صاحب النهاية لكن قال في التتمة لو سيرها على النجاسة عمدا بطلت صلاته لامكان التحرز عنها فليكن قوله بخلاف ما لو أوطأ فرسه نجاسة معلما بالواو وأما الماشي فلا كلام في أنه لو مشي علي نجاسة قصدا فسدت صلاته لانه يصير ملاقيا لها بخفة الملبوس ولا يجب عليه التحفظ والاحتياط في المشى لان النجاسات تكثر في الطرف وتكليفه التحفظ يشوش عليه غرض السير ولو انتهى الي نجاسة ولم يجد معدلا عنها فقد قال امام الحرمين فيه احتمال قال يو لا شك أنها لو كانت رطبة فمشى عليها بطلت صلاته وان كان عن غير قصد لانه يصير حاملا للنجاسة وما سبق في النجاسة اليابسة (واعلم) أنه يشترط في جواز التنفل راكبا وماشيا دوام السفر والسير فلو بلغ المنزل في خلال الصلاة وجب اتمام الصلاة
متمكنا متوجها إلى القبلة وينزل ان كان راكبا ولو دخل بلد اقامته فعليه النزول أول ما دخل البنيان واتمام الصلاة مستقبلا الا إذا جوزنا للمقيم التنفل علي الراحلة وكذلك لو نوى الاقامة ببلدة أو قرية ولو مر ببلدة مجتازا فله اتمام الصلاة راكبا وان كان له بها أهل فهل يصير مقيما بدخولها قولان إن قلنا نعم وجب النزول والاتمام وحيث أمرناه بالنزول فذلك عند تعذر البناء علي الدابة فلو لم يتعذر بان أمكنه الاستقبال واتمام الافعال عليها وهى واقفة جاز ويشترط أيضا الاحتراز عن الافعال التي لا يحتاج إليها فلو ركض الدابة للحاجة إليه فلا بأس ولو أعداها بغير عذر أو كان ماشيا فعدا قصدا بغير عذر بطلت صلاته في أصح الوجهين * قال (الركن الثاني القبلة ومواقف المستقبل مختلفة فالمصلى في جوف الكعبة يستقبل أي جدار شاء ويستقبل الباب وهو مردود وان كان مفتوحا والعتبة مرتفعة قدر موخرة الرحل جاز

(3/219)


ولو انهدمت الكعبة والعياذ بالله صحت صلاته خارج العرصة متوجها إليها كمن صلى على أبى قبيس والكعبة تحته ولو صلى فيها لم يجز (ح م) إلا أن يكون بين يديه شجرة أو بقية حائط والواقف على السطح كالواقف علي العرصة فلو وضع بين يديه شيئا لا يكفيه ولو غرز خشبة فوجهان) * مسائل الركن مبنية علي النظر في موقف المصلي وهو اما ان لا يكون وراء الكعبة أو يكون وراءها وان كان وراءها فاما أن يكون في المسجد الحرام أو وراءه وان كان وراءه فاما أن يكون بمكة أو المدينة أو غيرهما والفصل يشتمل علي القسم الاول وهو أن لا يكون وراء الكعبة وحينئذ له ثلاثة أحوال لانها اما أن تكون على هيئتها مبنية أو تنهدم والعياذ بالله فيقف في عرصتها وإذا كانت على هيئتها مبنية فاما أن يقف في جوفها أو على سطحها (الحالة الاولي) أن يقف في جوفها فتصح صلاته فريضة كانت أو نافلة خلافا لمالك واحمد في الفريضة لنا أنه صلى متوجها إلى بعض أجزاء الكعبة فتصح صلاته كالنافلة وكما لو توجه إليها من خارج ثم يتخير في استقبال أي جدار شاء لانها أجزاء البيت ويجوز أن يستقبل الباب أيضا ان كان مردودا فان باب االبناء معدود من أجزائه الا ترى أنه يدخل في بيعه وان كان مفتوحا نظر في العتبة ان كانت قدر مؤخرة الرحل صحت صلاته وان كانت دونها فلا: ومؤخرة الرحل ثلثا ذراع إلى ذراع
تقريبا قال امام الحرمين وكان الائمة راعوا في اعتبار هذا القدر أن يكون في جلوسه يسامت بمعظم بدنه الشاخص ولكنه يكون في القيام خارجا بمعظم بدنه عن المسامتة فليخرج علي الخلاف فيما إذا وقف علي طرف ونصف بدنه في محاذاة ركن من الكعبة وليكن قوله والعتبة مرتفعة قدر مؤخرة الرحل معلما بالوا ولانه مذكور قيدا في الجواز وقد حكي في البيان عن الشيخ أبى حامد وابن الصباغ أنه يكفى للجواز أن تكون العتبة شاخصة باى قدر كان وان قل لانه استقبل جزءا من البيت وكذا قوله جاز لان امام الحرمين حكى وجها آخر أنه لا يكفى أن يكون الشاخص قدر المؤخرة بل يجب أن يكون بقدر قامة المصلي طولا وعرضا ليكون مستقبلا بجميع بدنه الكعبة والعتبة لا تبلغ هذا الحد غالبا فلا تصح الصلاة اليبا علي هذا الوجه (الحالة الثانية) أن تنهدم الكعبة حاشاها ويبن وضعها عرصة فان وقف خارجها وصلى إليها جاز لان المتوجه الي هواء البيت والحالة هذه يسمى مستقبلا وصار كمن صلى علي جبل أبي قبيس والكعبة تحته يجوز لتوجهه الي هواء البيت ولو صلى فيها فالحكم فيه كالحكم في الحالة الثالثة وهو أن يقف علي سطحها فينظر ان لم يكن بين يده شئ شاخص من نفس الكعبة ففيه وجهان أحدهما وبه قال أبو حنيفة وابن

(3/220)


سريج يجوز كما لو وقف خارج العرصة متوجها الي هواء البيت وأصحهما وهو المذكور في الكتاب أنه لا يجزئه لما روي أنه صلى الله عليه وسلم (نهي عن الصلاة علي ظهر الكعبة) ولانه والحالة هذه مصل على البيت لا الي البيت وخص بعضهم نقل الجواز عن ابن سريج بصورة العرصة دون السطح لكن قال امام الحرمين لا شك انه يجزئه في ظهر الكعبة وصرح في التهذيب بنقل الجواز عنه في الواقف على ظهر الكعبة فلا فرق وان كان بين يده شاخص من نفس الكعبة فان كان قدر مؤخرة الرجل جاز والا فلا كما ذكرنا في العتبة ويجرى الوجهان الاخران المذكوران في العتبة فيما نحن فيه أحدهما اشتراط كون الشاخص بقدر قامة المصلى والثاني الاكتفاء بأى قدر كان وإذا عرف ذلك فلو وضع بين يديه متاعا لم يكفه وان استقبل بقية حائط أو شجرة نبتت في العرصة جاز وكذا لو جمع ترابها تلا واستقبله أو حفر حفرة ووقف
فيها وكذا لو وقف في آخر السطح أو العرصة وتوجه الي الجانب الاخر وكان الجانب الذى وقف فيه أخفض من الجانب الذى استقبله يجوز ولو نبتت حشيشة وعلت قال في النهاية لا حكم لها في الاستقبال والحق صاحب التهذيب الزرع بالشجرة وما ذكره الامام أظهر ولو غرز عصا أو خشبة فوجهان أحدهما يكفى لحصول الاتصال بالغرز ولذلك تعد الاوتاد المغروزة من الدار وتدخل في البيع وأصحهما لا كما لو وضع متاعا بين يده ومطلق الغرز لا يوجب كون المغروز من البناء والاوتاد جرت العادة بغرزها لما فيها من المصالح فقد تعد من البناة لذلك والوجهان في الغرز المجرد أما لو كانت مثبتة أو مسمرة كفت للاستقبال نعم قال امام الحرمين الخشبة وان كانت مثبتة فبدن الواقف خارج عن مجاذاتها من الطرفين فيكون علي الخلاف الذى يأتي ذكره فيمن وقف علي طرف ونصف بدنه في محاذاة ركن من الكعبة *

(3/221)


قال (والواقف في المسجد لو وقف علي طرف ونصف بدنه في محاذاة الركن ففى صحة صلاته وجهان ولو امتد صف مستطيل قريب من البيت فالخارج عن سمت البيت لا صلاة له وهؤلاء قد يفرض تراخيهم الي آخر باب المسجد فتصح صلاتهم لحصول اسم الاستقبال) * سنذكر اختلاف قول في ان المطلوب في الاستبال عين الكعبة أو جهتها وذلك الخلاف في حق البعيد عن الكعبة أما الحاضر في المسجد الحرام فيجب عليه لا محالة استقبال عين الكعبة لانه قادر عليه وقد روينا أنه صلي الله عليه وسلم (دخل البيت ثم خرج فاستقبله وصلي ركعتين ثم قال هذه القبلة) أشار إلى عين الكعبة وحصر القبلة فيها وإذا عرفت ذلك ففى الفصل ثلاث صور (أحداها) لو وقف على طرف من اطراف البيت وبعض بدنه في محاذاة ركن والباقى خارج ففى صحة صلاته وجهان أحدهما تصح لانه توجه الي الكعبة بوجهه وحصل اصل الاستقبال واصحهما لا تصح لانه يصدق ان يقال ما استقبل الكعبة انما استقبلها بعضه (الثانية) الامام يقف خلف المقام والقوم يقفون مستديرين بالبيت فلو استطال الصف خلفه ولم يستديروا فصلاة الخارجين عن محاذاة الكعبة باطلة لانهم لا يسمون مستقبلين وذكر صاحب التهذيب وغيره من اصحابنا ان ابا حنيفة يصحح صلاة
الخارجين عن محاذاة الكعبة لان الجهة كافية عنده وعلم لهذا قوله في الكتاب والخارج عن

(3/222)


سمت البيت لا صلاة له بالحاء لكن أبا الحسن الكرخي وغيره من أصحاب أبي حنيفة فصلوا وقالوا الفرض علي المصلي استقبال القبلة واصابة عينها إذا قدر عليها أو الجهة إذا لم يقدر علي عينها وهذا يدل على انه انما يكتفى بالجهة في حق البعيد الذى لا يقدر علي اصابة العين لا مطلقا (الثالثة) لو تراخى الصف الطويل ووقفوا في آخر باب المسجد صحت صلاتهم لان المتبع اسم الاستقبال وهو يختلف بالقرب والبعد ولهذا يزول اسم الاستقبال عن القريب بانحراف يسير ولا يزول عن البعيد مثله والمعنى فيه أن الحرم الصغير كلما ازداد القوم عنه بعدا ازداد واله محاذاة كغرض الرماة وغيره * قال (والواقف بمكة خارج المسجد ينبغي أن يسوى محرابه بناء علي عيان الكعبة فان لم يقدر استدل عليها بما يدل عليها) * المصلى بمكة خارج المسجد ان كان يعاين الكعبة كمن هو علي جبل أبى قبيس صلى إليها بالمعاينة ولو سوى محرابه بناء علي العيان صلى إليه أبدا لانه يستيقن الاصابة ولا حاجة في كل صلاة الي معاينة الكعبة وفي معنى المعاين المكي الذى نشأ بمكة وتيقن اصابة الكعبة وان لم يشاهدها حين يصلي واما إذا لم يعاين الكعبة ولا تيقن الاصابة فيستدل بما أمكنه ويسوى محرابه بناء على الادلة هذا ما ذكره في الكتاب وحكاه في النهاية عن العراقيين وانهم قالوا لا يكلف الرقى الي سطح الدار مع امكان العيان واعتمدوا فيه ما صادفوا أهل مكة عليه في جميعا لاعصار قال وفيه نظر عندي فان اعتماد الاجتهاد بمكة مع امكان البناء علي العيان بعيد وسنذكره في الركن الثالث ان شاء الله تعالى ما يزداد به هذا الفصل وضوحا * قال (والواقف بالمدينة ينزل محراب رسول الله صلى الله عليه وسلم في حقه منزلة الكعبة فليس له الاجتهاد فيه بالتيامن والتياسر وهل ذلك في سائر البلاد فعلى وجهين) *

(3/223)


محراب الرسول صلي الله عليه وسلم بالمدينة نازل منزلة الكعبة لانه لا يقر على الخطأ فهو صواب قطعا وإذا كان كذلك فمن يعاينه يستقبله ويسوى محرابه عليه اما بناء على العيان أو استدلالا كما ذكرنا في الكعبة ولا يجوز العدول عنه إلى جهة أخرى بالاجتهاد بحال وفى معني المدينة سائر البقاع التى صلي فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ضبط المحراب وكذلك المحاريب المنصوبة في بلاد المسلمين وفى الطرق التى هي جادتهم يتعين التوجه إليها ولا يجوز الاجتهاد معها وكذلك في القرية الصغيرة ان نشأ فيها قرون من المسلمين ولا اعتماد علي العلامة المنصوبة في الطريق الذى يندر مرور الناس بها أو يستوى فيه مرور المسلمين والكفار وفى القرية الخربة التى لا يدري انها من بناء المسلمين أو الكفار ولابد من الاجتهاد في هذه المواضع وإذا منعنا من الاجتهاد في الجهة فهل يجوز الاجتهاد في التيامن والتياسر اما في محراب الرسول صلى الله عليه وسلم فلا ولو تخيل عارف بادلة القبلة أن الصواب فيه أن يتيامن أو يتياسر فليس له ذلك وخياله باطل وأما في سائر البلاد فعلي وجهين اصحهما ولم يذكر الاكثرون سواه أنه يجوز لان الخطأ في الجهة مع استمرار الخلق واتفقاهم ممتنع لكن الخطأ في الانحراف يمنة ويسرة مما لا يبعد ويقال أن عبد الله بن المبارك كان يقول بعد رجوعه من الحج تياسروا يا اهل مرو والثانى أنه لا يجوز لان احتمال اصابة الخلق الكثير أقرب وأظهر من احتمال اصابة الواحد وهذا يستوى فيه الجهة والانحراف يمنة ويسرة وفصل القاضى الروياني وغيره بين البلاة بعد المدينة فجعلوا قبلة الكوفة صوابا يقينا كقبلة المدينة لانه صلي إليها الصحابة ولم يجعلوا قبلة البصرة يقينا وقضية هذا الكلام جواز الاجتهاد في التيامن والتياسر في قبلة البصرة دون الكوفة وفيما علق عن ابن يونس القزويني مثل هذا الفرق فانه قال قبله الكوفة قد صلي إليها على كرم الله وجهه مع عامة الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين ولا اجتهاد مع اجماع الصحابة رضي الله عنهم قال واختلف أصحابنا في قبلة البصرة فمنهم من قال هي صواب أيضا كقبلة الكوفة ومنهم من جوز فيها الاجتهاد وفرق بان قبلة الكوفة نصبها علي رضى الله عنه وقبلة البصرة نصبها عتبة بن غروان والصواب في فعل علي رضى الله عنه أقرب ثم حكى في قبلة سائر البلاد وجهين وجعل أصحهما جواز الاجتهاد فيها وهذا أن عنى به الاجتهاد في الجهة من اصلها
فهو بعيد بمرة بل الذى قطع به معظم الاصحاب منع ذلك في جميع البلاد في المحاريب المتفق عليها بين أهلها وان عنى به الاجتهاد في التيامن والتياسر فالفرق بين الكوفة والبصرة كما نقله الروياني

(3/224)


بعيد ايضا لان كل واحدة منهما قد دخلها الصحابة وسكتوا وصلوا إليها فان كان ذلك مما يفيد اليقن وجب استواؤهما فيه وان لم يفد اليقين فكذلك والله أعلم * قال (الركن الثالث في المستقبل فالقادر علي معرفة القبلة لا يجوز له الاجتهاد والقادر علي الاجتهاد لا يجوز له التقليد والاعمي العاجز يقلد شخصا مكلفا مسلما عارفا بادلة القبلة وليس للمجتهدان يقلد غيره وان تحير في الحال في نظره صلي علي حسب حاله وقضى وقيل يقلد ويقضى وقيل انه يقلد ولا يقضى واما البصير الجاهل بالادلة ان قلد يلزمه القضاء الا إذا قلنا لا يجب تعلم أدلة القبلة علي كل بصير فعند ذلك ينزل منزلة الاعمي) * المصلى اما أن يقدر على معرفة القبة يقينا أو لا يقدر عليها فان قدر علي اليقين فليس له الاجتهاد كالقادر على العمل بالنص لا يجوز له الاجتهاد وحكى القاضى

(3/225)


الرويانى وجهين فيما إذا استقبل المصلي حجر الكعبة وحده بناء علي هذا الاصل وقال الاصح المنع لان كونه من البيت غير مقطوع به وانما هو مجتهد فيه فلا يجوز العدول عن اليقين إليه ثم المعرفة يقينا قد تحصل بالمعاينة وقد تحصل بغير المعاينة كالناشئ بمكة يعرف القبلة باومارات تفيده اليقين وان لم يعاين كما سبق وكما لا يجوز للقادر علي اليقين الاجتهاد لا يجوز له الرجوع الي قول الغير أيضا وان لم يقدر علي درك اليقين فلا يخلوا ما أن يجد من يخبره عن القبلة عن علم وكان المخبر ممن يعتمد قوله أولا يجد فان وجد رجع الي قوله ولم يجتهد أيضا كما في الوقت إذا أخبره عدل عن طلوع الفجر يأخذ بقوله ولا يجتهد وكذلك في الحوادث إذا روى العدل خبرا يؤخذ به وكل ذلك قبول الخبر من أهل الرواية وليس من التقليد في شئ ويتشرط في المخبر أن يكون عدلا يستوى فيه الرجل والمرأة والحر والعبد وفى وجه لا تشترط العدالة بل يقبل خبر الفاسق لانه لايتهم في مثل ذلك والمذهب الاول ولا يقبل خبر الكافر بحال وفى الصبى بعد التمييز وجهان كما في رواية أخبار الرسول صلى الله عليه وسلم والاكثرون
علي انه لا يقبل: ثم الاخبار عن القبلة قد يكون صريحا وقد يكون دلالة اما الصريح فلا يخفى وأما الدلالة فنصب المحاريب في المواضع التي يعتمد عليها كما سبق في التفصيل ولا فرق في لزوم الرجوع الي الخبر بين أن يكون الشخص من أهل الاجتهاد وبين أن لا يكون حتى ان الاعمى يعتمد المحراب إذا عرفه بالمس حيث يعتمد البصير بالرؤية وكذا البصير إذا دخل المسجد في ظلمة الليل

(3/226)


اعتمد المحراب بالمس هكذا ذكر صاحب التهذيب وغيره وقال في العدة انما يعتمد الاعمى علي المس إذا شاهد محراب المسجد قبل العمي أما لو لم يشاهد فلا يعتمد عليه ولو اشتبهت عليه طيقان المسجد فلا شك انه يصبر حتى يخبره غيره صريحا وان خاف فوات الوقت صلي على حسبن الحال وأعاد هذا إذا وجد من يخبره عن علمه وكان ممن يعتمد قوله أما إذا لم يجد فلا يخلو اما ان يكون قادرا على الاجتهاد أو لا يكون فان قدر على الاجتهاد لزمه الاجتهاد والتوجه إلى الجهة التي يظنها جهة القبلة ولا تحصل القدرة علي الاجتهاد الا بمعرفة أدلة القبلة وهى كثيرة صنفوا لذكرها كتبا مفردة وأضعفها الرياح لانها تختلف واقواها القطب وهو نجم صغير في بنات نعش الصغرى بين الفرقدين والجدى إذا جعله الواقف خلف اذنه اليمنى كان مستقبلا للقبلة هكذا يكون بناحية الكوفة وبغداد وهمذان وقزوين الرى وطبرستان وجرجان وما والاها إلى نهر الشاش وليس علي القادر على الاجتهاد ان يقلد غيره فيعمل باجتهاده كما في الاحكام الشرعية ولو فعل يلزمه القضاء ولا فرق بين أن يخاف فوت الوقت لو اشتغل بالاجتهاد أو اتمه وبين أن لا يخاف في انه لا يقلد لكن عند ضيق الوقت يصلي لحق الوقت كيفما كان ثم يجتهد ويقضي وقال ابن سريج يقلد عند خوف الفوات وقال في النهاية لو كان في نظره وعلمه ان وقت الصلاة ينتهي قبل انتهاء نظره فيقلد ويصلي في الوقت أم يتمادى الي تمام الاجتهاد في نظره هذا كما لو تناوب جمع على بئر وعلى ان النوبة لا تنتهي إليه الا بعد الوقت وقد

(3/227)


ذكرنا خلافا في انه هل يصبر أم يتيمم ويصلي في الوقت فتحصل من هذا الكلام وجه ثالث انه يصبر إلى تمام اجتهاد ولا يصلي وان فات الوقت لا كيفما كان ولا بالتقليد وما ذكرناه من
الاجتهاد مستمر في حق الغائب عن مكة فأما الحاضر بمكة إذا لم يعاين الكعبة لحائل بينه وبين الكعبة نظر ان كان الحائل اصليا كالجبل فله الاجتهاد والاستقبال بالاستدلال ولا يكلف صعود الجبل أو دخول المجسد لما فيه من المشقة وان كان الحائل حادثا كالابنية فوجهان أحدهما لا يجوز لان الفرض في مثل هذا الموضع قبل حدوث البناء انما هو المعاينة دون الاجتهاد فلا يتغير بما طرأ من البناء وأصحهما الجواز كما في الحائل الاصلي لما في تكليف المعاينة من المشقة وما ذكره في الكتاب قبل هذا الفصل ان الواقف بمكة خارج المسجد إذا لم يعاين الكعبة يستدل عليها بما يدل عليها كأنه جواب على هذا الوجه ولو خفيت الدلائل على المجتهد اما لتغيم اليوم أو لكنه محبوسا في ظلمة فتحير لذلك أو لتعارض الدلائل عنده ففى المسألة ثلاثة طرق أظهرها ان فيها قولين اصحهما عند الاكثرين أنه لا يقلد لانه قادر على الاجتهاد والتحير عارض وقد يزول عن قريب والثانى وهو اختيار ابن الصباغ أنه يقلد لانه عجز عن استبانة الصواب بنظره فاشبه الاعمى والطريق الثاني القطع بالقول الاول والثالث القطع بالثاني فإذا قلنا لا يقلد فيصلي كيف اتفق

(3/228)


ويقضى كالاعمى لا يجد من يقلده يصلى لحق الوقت ويقضى وان قلنا انه يقلد فهل يقضى ذكر في النهاية أنه علي وجهين مبنيين على القولين في لزوم القضاء إذا صلي بالتيمم لعذرنا در لا يدوم كما سيأتي بنظائره وقضية هذا الكلام أن يكون الاظهر وجوب القضاء على قولنا أنه يقلد كما أن الاظهر لزوم القضاء علي من تيمم في الحضر لفقد الماء ولكن الذى أورده الجمهور تفريعا علي قولنا أنه يقلد أنه لا قضاء عليه كالاعمي إذا صلى بالتقليد ثم قال امام الحرمين قدس الله روحه الخلاف المذكور في تحير المجتهد موضعه ما إذا ضاق الوقت وخشى الفوات فاما في أول الوقت ووسطه يمتنع التقليد لا محالة إذ لا حاجة إليه ثم قال وفى المسألة نوع احتمال وسببه الالحاق بالتيمم في أول الوقت مع العلم بانه ينتهي إلى الماء في آخر الوقت وهذا آخر الكلام في القادر على الاجتهاد.
أما العاجز عنه فينقسم إلى عاجز لا يمكنه تعلم الادلة كالاعمى والى عاجز يمكنه التعلم: أما الاول فالاعمى لا سبيل له الي معرفة أدلة القبلة لانها تتعلق بالبصر فالواجب عليه التقليد كالعامي في الاحكام وانما يجوز تقليد المكلف
المسلم العدل العارف بادلة القبلة يستوى فيها لرجل والمرأة والحر والعبد وتقليد الغير هو قبول قوله المستند الي الاجتهاد حتى أن الاعمى لو أخبره بصير بمحل القطب منه وهو عالم بدلالته أو قال رأيت الخلق الكثير من المسلمين يصلون إلى هذه الجهة كان الاخذ بمقتضاه قبول خبر لا تقليد ولو وجد مجتهدين واختلف اجتهادهما قلد من شاء منهما والا حب أن يقلد الاوثق والاعلم عنده وقيل يجب للذلك فان تساوى قول اثنين عنده تخير وقيل يصلي مرتين الي الجهتين وفى معنى الاعمي البصير

(3/229)


الذى لا يعرف الالة وليس له أهلية معرفتها فيقلد كالاعمي لان عدم البصرة أشد من عدم البصر (القسم الثاني) لعاجز الذى يمكنه التعلم فيبني أمره على أن تعلم أدلة القبلة هل هو من فروض الاعيان أم لا وفيه وجهان أحدهما لا بل هو من فروض الكفايات كالعم باحكام الشريعة ولان الحاجة إلي استعمالها نادرة فان الاشتباه مما يندر وأصحهما أنه من فروض الاعنان كان الصلاة وشرائطها بخلاف تعلم الاحكام فانه يحتاج إلي زمن طويل وتحمل مشقة كبيرة فان قلنا لا يجب التعلم فله أن يصلى بالتقليد ولا يقضي كالاعمى وان قلنا بعين فليس له التقليد فان قلد قضي لتقصيره وإذا اضاق الوقت عن ان تعلم فهو كالعالم إذا تحير في اجتهاده وقد قدمنا الخلاف فيه: وارجع بعد هذا إلي ما يتلق بلفظ الكتاب خاصة فاقول أما قوله فالقادر على معرفة القبلة لا يجوز له الاجتهاد فاعلم أن القادر على معرفها وان كان يمتنع عليه الاجتهاد لكن امتناع الاجتهاد لا يختص به لان من وجد عد لا يخبره عن القبلة أخبارا ايستند إلى علم في زعم المخبر يمتنع عليه الاجتهاد ومع ان قوله لا يحصل المعرفة فان قلت قوله يحصل الظن وان لم تحصل المعرفة والفقهاء كثيرا

(3/230)


ما يعبرون بلفظ العلم والمعرفة عن الظن وعن المشترك بين العلم والظن لالتحاق الظن بالعلم في كونه معمولا به في الشرعيات فلعله أراد بالمعرفة ذلك والجواب أن لفظ المعرفة وان كان يستعلمل فيما ذكرت لكنه ما أراد به في هذا الموضع إذ العلم اليقيى الابراه يقول في الوسيط فان كان قادرا علي معرفة جهة القبلة يقينا لم يجزله الاجتهاد على انه لا يمكن ارادة المشترك بين العلم والظن في هذا السياق لان الاجتهاد يفييد ضربا من الظن فإذا كان المراد من المعرفة المشترك دخل القادر على
الاجتهاد في قوله فالقادر على معرفة القبلة وحينئذ لا ينتظم الحكم بانه لا يجوز له الاجتهاد وأما قوله والقادر علي الجتهاد لا يجوز له التقليد فانه يفيد ما يفيده قوله بعد ذلك وليس للمجتهد أن يقلد غيره فالثاني تكرار والغالب على الظن انه انما أعاده تمهيد البناء مسألة التحير عليه لكن المحوج الي الاعادة لهذا الغرض توسيط حكم الاعمي بين الكلامين فلو عقب الكلام الاول بمسألة التحير وأخر حكم الاعمى لاستغنى عن ذلك وأما قوله والاعمى العاجز يقلد شخصا إلى آخره فليعلم المكلف بالواو لان في كلام الاصحاب وجها انه يجوز تقليد الصبى وهو كالخلاف المذكور في الرجوع الي أخباره ثم الصفات المذكورة غير كافية في المقلد بل يشترط فيه شئ آخر وهو العدالة وليس لفظ العاجز للتقليد فان كل أعمى عاجز وانما هو وصف له وتنبيه علي المعني المجوز للتقليد ومسألة التحرير قد أطلق الخلاف فيها وهو محمول علي ما إذا ضاق الوقت كما حكيناه من قبل وفوله أما البصير الجاهل

(3/231)


بالادلة ان قلد يلزمه القضاء ليس مجرى علي اطلاقه أيضا لان البصير الجاهل إذا كان بحيث لا يمكنه التعلم فهو كالاعمى يقلد ولا يقضى كما تقدم * قال (ثم مهما صلي بالاجتهاد فتيقن الخطأ وبان جهة الصواب وجب (ح م) عليه القضاء علي أحد القولين فان تيقن الخطأ ولم يظهر الصواب الا بالاجهاد ففى القضاء قولان مرتبان واولى أن يجب عليه ومن صلي أربع صلوات الي أربع جهات بأربع اجتهادات ولم يتعين له الخطأ فلا قضاء (و) عليه) * المصلي بالاجتهاد إذا ظهر له الخطأ في اجتهاده فله ثلاث أحوال (أحدها) أن يظهر له الخطأ قبل الشروع في الصلاة (والثانية) أن يظهر بعد الفراغ منها (والثالثة) أن يظهر في اثنائها أما الحالة الاولى فهى غير مذكورة في الكتاب وحكمها أن ننظر ان تيقن الخطأ في اجتهادة أعرض عن مقتضاه وتوجه إلى الجهة التى نعلمها أو يعلمها أو يظنها جهة الكعبة وان ظن الخطأ في اجتهاده وظن أن الصواب جهة أخرى فان كان دليل الاجتهاد الثاني أوضح عنده من الاول اعرض عن مقتضي الاول وان كان دليل الاول اوضح عنده جرى علي مقتضاه وان تساويا تخير وقيل
يصلي الي الجهتين مرتين وأما الحالة الثانية وهي ان يظهر الخطأ يقينا أو ظنا والقسمان مذكوران في الكتاب أما القسم

(3/232)


الاول وهو ان يظهر الخطأ يقينا ففى وجوب القضاء قولان أصحهما الوجوب لانه تعين له الخطأ فيما يأمن مثله في القضاء فلا يعتد بما فعله كالحاكم إذا حكم ثم وجد النص بخلافه واحترزوا بقولهم فيما يأمن مثله في القضاء عن الخطأ في الوقوف بعرفة حيث لا يجب القضاء لان مثله غير مأمون في القضاء ويمكن أن يقال في قولنا تعيين الخطأ ما يفيد هذا الاحتراز لان الامر ثم مبني علي رؤية الهلال ولا يقين بكون الرأييين مصيبين أو على استكمال العدد وهو مبني علي الرؤية في الشهور المتقدمة والاصابة فيها مظنونة والمبنى علي المظنون مظنون والقول الثاني انه لا يجب القضاء لانه ترك القبله تعذر فأشبه تركها في حالة المسايفة قال الصيدلانى ومعنى القولين ايه كلف الاجتهاد لا غير أو كلف التوجه إلى القبلة فان قلنا بالاول فلا قضاء وان قلنا بالثاني وجب القضاء وبالقول الثاني قال أبو حنيفة ومالك واحمد والمزنى وقوله في الكتاب وجب القضاء معلم برقمهم جمبعا وللمسألة نطائر منها ما إذا اجتهد في وقت الصلاة فتبين تعد انقضاء الوقت انه اخطأ بالتقديم أو اجتهد المتحوس في الصيام فوافق اجتهاده شعبان وتبين بعد انقضاء رمضان ففى وجوب القضاء قولان قال امام الحرمين وهذا إذا لم يتأت الوصول إلى النقين فان بأتى ذلك فالوجه القطع بوجوب القضاء وان اجتهاده انما يغنى بشرط الاصابة ومنها ما إذا رأوا سوادا فظنوه عبوا فصلوا صلاة شدة الخوف ثم بان الخطأ ففى القضاء قولان ومنها ما إذا دفع الزكاة الي رجل ظنه فقيرا فبان غنيا ففى الضمان قولان ثم اختلفوا في موضع

(3/233)


القولين فيما نحن علي طريقين قال الاكثرون القولان جاريا فيما إذا تبين الصواب يقينا مع يقين الخطأ وفيما إذا لم يتبين اصواب يقينا مع يقين الخطأ ولا فرق ومنهم من قال القولان فيما إذا بان يقين الخطا مع يقين الصواب اما إذا تيقن الخطاء دون الصواب فلا يخب القضاء بحال لانه لا يأمن الخطأ في القضاء أيضا فأشبه خطأ الحجيج في الوقوف بعرفة فانهم لما لم يأمنوا مثله في القضاء لم يلزمهم القضاء وهذا معنى قوله في الكتاب فان تيقن الخطأ ولم يظهر الصواب الا باجتهاد
ففى القضاء قولان مرتبان وأولا بأن لا يجب ومتى رتب المذهبيون صورة علي صورة في الخلاف وجعلوا الثانية أولي بالنفى أو الاثبات حصل في الصورة المرتبة طريقان أحدهما طرد الحلاف والثانى

(3/234)


القطع بما في الصورة الاخيرة اولي به من النفى أو الاثبات وقد يعبر عن هذا الغرض بعبارة اخرى مثل ان يقال فيما نحن فيه هل يجب القضاء عند تيقن الخطأ فيه ثلاثة اقوال يجب: لا يجب: يفرق بين أن يتيقن معه الصواب فيجب وبين أن لا يتيقن فلا يجب والاظهر طريقة طرد القولين واعترض امام الحرمين على التشبيه بخطأ الحجيج بأن قال الخطأ ثم غير مأمون في السنين المستقبلة بحال وههنا ان لم يأمن الخطأ في حالة الاشتباه فيمكنه الصبر حتى ينتهي الي بقعة يستيقن فيها الصواب وما ذكرناه من الخلاف في ان المجتهد إذا بان له يقين الخطأ هل يقضى يجرى بعينه في حق الاعمي ذى قلده (القسم الثاني) ان يظهر الخطأ بعد الفراغ من الصلاة ظنا وذلك لا يوجب القضاء لان

(3/235)


الاجتهاد لا ينقص بالاجتهاد الا ترى ان القاضي لو قضى باجتهاده ثم تغير اجتهاده لا ينقض قضاؤه اول وينبنى علي هذا ما لو صلى اربع صلوات الي اربع جهات بأربعة اجتهادات فلا يجب عليه قضاء واحدة منها لان كل واحدة منها مؤداة باجتهاد لم يتعين فيه الخطأ هذا ظاهر المذهب وهو الذى ذكره في الكتاب وعن صاحب التقريب وجهان آخران احدهما يجب عليه قضاء الكل لان الخطأ مستيقن في ثلاث صلوات منها وان لم يتعين فأشبه ما إذا فسدت عليه صلاة من صلوات وحكى في التتمة هذا الوجه عن الاستاذ ابى اسحق الاسفراينى والثانى انه يجب قضاء ما سوى الصلاة الاخيرة ويجعل الاجتهاد الاخير ناسخا لما قبله وعلي هذا الحلاف لو صلى صلاتين الي جهتين باجتهادين أو ثلاثا الي ثلاث جهات باجتهادات فعلي ظاهر المذهب لا قضاء عليه وعلي الوجه الثاني يقضي الكل وعلى الثالث يقضي ما سوى الاخيرة واعلم انا سنذكر خلافا في انه إذا صلي بالاجتهاد هل يجب عليه تجديد الاجتهاد للصلاة الثانية وحكم هذه الصورة لا يختلف بين ان

(3/236)


توجب تجديد الاجتهاد فيجدد وبين الا نوجب لكن اتفق له ذلك * قال (وان تيقن انه استدبر وهو فط اثناء الصلاة يحول وبناء الا إذا قلتا يجب القضاء عند الخطأ فههنا اولى بالابطال كيلا يجمع في صلاة واحدة بين جهتين اما إذا ظهر الخطأ يقينا أو ظنا ولكن لم يظهر جهة الصواب فان عجز عن الدرك بالاجتهاد بطلت صلاته وان قدر علي ذلك على القرب ففى البطلان قولان مرتبان على تيقن الصواب واولى بالبطلان لاجل التحير في الحال) * هذا الفصل لبيان الحالة الثالثة وهى أن يظهر الخطأ في الاجتهاد في اثناء الصلاة ولا يخلو أما أن يظهر له الصواب مقترنا بظهور الخطأ وأما أن لا يكون كذلك فهما ضربان (الضرب الاول)

(3/237)


أن يظهر له الصواب مقترنا بظهور الخطأ فننظر ان كان الخطأ مستيقنا فنبي ذلك علي القولين في وجوب القضاء عند ظهور يقين الخطأ بعد الصلاة إن فلنا يجب بطلت صلاته ههنا ولزمه الاستئناف جهتين كالحادثة الواحدة لا يتصور امضاؤها بحكمين مختلفين وأصحهما أنه ينحرف الي جهة الصواب ويبنى على صلاته احتسابا لما مضي من صلاته كما يحتسب بجميع صلاته علي هذا القول إذا بان يقين الخطأ بعد الصلاة ولا ننكر اقامة الصلاة الواحدة إلى جهتين الا ترى أن أهل قباء كذلك فعلوا وان كان الخطأ ظاهرا بالاجتهاد فقد ذكرنا أنه إذا وقع ذدلك بعد الصلاة لم يؤثر فإذا اتفق في اثنائها فهو

(3/238)


علي هذين الوجهين أو القولين وأصحهما أنه ينحرف وينبي لان الامر بالاستئناف نقض لما أدى من الصلاة والاجتهاد لا ينقض بالاجتهاد والثانى أنه استأنف كيلا يجمع في صلاة واحدة بين جهتين فعلي الوجه الاول لو صلي أربع ركعات إلى أربع جهات باربعة اجتهادات فلا اعادة عليه كما ذكرنا في الصلاة وخص في التهذيب رواية الوجهين بما إذا تغير اجتهاده وكان الدليل الثاني أوضح من الاول فاما إذا كان الدليل الثاني مثل الاول أو دونه قال لا يتحول بل يتم صلاته إلي تلك الجهة ولا اعادة عليه ولك أن تقول ان كان الدليل الثاني دون الاول فلا يتغير الاجتهاد
ولا يظهر الخطأ لان أقوى الظنين لا يترك باضعفهما وان كانا مثلين فقضيته التوقف والتحيرو حينئذ لا يكون الصواب ظاهرا فتكون الصورة من الضرب الثاني وسنذكر حكمه (الضرب الثاني) أن لا يظهر الصواب مع ظهور الخطأ فان عجز عن درك الصواب بالاجتهاد على القرب بطلت صلاته إذ لا سبيل إلى الاستمرار علي الخطأ ولا وقوف على جهة الصواب لينحرف وان قدر على ذلك على القرب فهل يبني وينحرف أم يستانف يعود فيه الخلاف الذى ذكرناه في الضرب الاول بالترتيب وههنا أولي بان يستأنف لان ثم يمكن من الانحراف إلى الصواب كما ظهر الخطأ

(3/239)


وههنا بخلافه فانه متحير في الحال مثال هذا الضرب عرف أن قبلته يسار المشرق والسماء متغيمة فتوجه إلى جهة علي ظن أنها يسار المشرق فانقشع الغيم بحذائه وظهر كوكب قريب من الافق فقد علم الخطأ يقينا إذ بين له أنه مشرق أو مغرب ولم يعلم الصواب إذ لم يعرف أنه مشرق أو مغرب ثم قد يعرف الصواب علي القرب بان يرتفع الكوكب فيعلم أنه مشرق أو ينط فيعلم أنه مغرب ويترتب على ذلك معرفة القبلة وقد يعجز عن ذلك بان يظبق الغيم ويستمر الالتباس ولنبين ما يشتمل عليه الكتاب مما ذكرناه (اعلم) انا قسمنا الضرب الاول قسمين أحدهما أن يستقن الخطأ والثاني أن لا يستيقنه فقوله وأن تيقن أنه استدر هو القسم الاول من هذا الضرب فان المستيقن للاستدبار عارف بالصواب أيضا مع معرفة الخطأ بقينا وفرق تعذ تيقن الخطا بين أن يظهر الصواب يقينا أو ظنا وأن كانت الصورة المذكورة في الكتاب هو يقين الصواب مع يقين الخطا وقوله تحول وبنى جواب علي قولنا انه إذا بان يقين الخطا بعد الصلاة لا يجب عليه القضاء وقد روينا وجهين علي هذا القول فما ذكره جواب علي اصحهما ثم اشار الي التفريع

(3/240)


علي القول الثاني بقول الا إذا قلنا يجب القضاء عند الخطأ أي إذا أوجبنا الف إقضاء عند ظهور الخطأ يقينا بعد الصلاة فنحكم ببطلان الصلاة عند ظهوره في أثنائها ولا يعتد بما أتى به بل البطلان ههنا أولي كيلا بجمع في صلاة بين جهتين وأما القصم الثاني من هذا الضرب فهو غير مذكور في
الكتاب وحكمه قريب من حكم القسم الاول لانا وان رتبنا الحكم ثم علي القولين في ان تعين الخطأ بعد الصلاة هل يوجب القضاء كما سبق فلا يحصل الا وجهان أحدهما انه يبنى والثانى انه يستأنف وهما حاريان في القسم الثاني علي ما بينا ولهذا قال في الوسيط وان تبين بالاجتهاد انه مستدبر فحكمة حكم المتيقن نعم يختلف التوجيه بحست القسمين كما قدمناه وأما قوله أما إذا ظهر الخطا يقينا أو ظنا الي آخر فهو الضرب الثاني وههنا صرح باتسوية بين تيقن الخطأ وظنه وقوله ففى البطلان قولان مرتبان علي يقين الصواب أي يقين الصواب مع الخطأ وهو صورة الاستدبار وقد ذكر فيها قولين انه تبطل صلاته أو يبني وهذه مرتبة عليها والله أعلم *

(3/241)


قال (ولو بان له بالخلطا في التيامن والتياسر فهل هو كالخطأ في الجهة فعلى وجهين يرجع حاصلهما إلى ان بين الشتد في الاستقبال وبين الاشد تفاوتا عند الحاذق فهل يجب طلب الاشد أم يكفى حصول أصل الاشتداد فعلي وجهين) * جميع ما ذكرنا من الاحوال الثلاث فيما إذا بان له الخطأ في الجهة فاما إذا كانت الجهة واحدة وبان له الخطأ في التيامن والتياسر فهذا يستدعي تقديم أصل وهو ان المطلوب بالاجتهاد عين الكعبة أم جهتها وفيه قولان أظهرهما أن المطلوب عين الكعبة لظاهر قوله تعالى (فولوا وجوهكم شطره) وقوله صلى الله عليه وسلم في الخبر الذى تقدم ذكره مشيرا إلى العين (هذه القبلة) وهما مطلقان ليس فيهما فصل بين القريب والتعيد والثاني أن المطلوب جهة الكعبة لان حرم الكعبة صغير يستحيل أن يتوجه إليه أهل الدنيا فيكتفى بالجهة ولهذا تصح صلاة الصف الطويل إذا بعدوا عن الكعبة ومعلوم أن بعضم خارجون عن محاذاة العين وهذا القول يوافق والمنقول عن أبى حنيفة وهو أن المشرق قبلة أهل المغرب والمغرب قبلة أهل المشرق والجنوب قبلة أهل الشمال والشمال قبلة أهل الجنوب

(3/242)


وعن مالك ان الكعبة قبلة أهل المسجد والمسجد قبلة أهل مكة ومكة قبلة أهل الحرم والحرم قبلة أهل الدنيا: وإذا ثبت هذا الاصل فنقول الخطأ في التيامن والتياسر ان ظهر بالاجتهاد وكان ذلك بعد الفراع من الصلاة فلا يقتضي وجوب الاعادة لان الخطأ في الجهة والحالة هذه لا يؤثر
ففى التيامن والتياسر اولي وان كان في اثناء الصلاة فينحرف ويبنى ولا يعود فيه الخلاف المذكور في نظيره من الخطأ في الجهة لانا استبعدنا الصلاة الواحدة الي جهتين مختلفين فاما الالتفات اليسير فانه لا يبطل الصلاة وان كان عمدا اما إذا ظهر الخطأ في التيامن والبياسر يقينا فيبني علي ان الفرض اصابة عين الكعبة ام اصابة جهتها فان قالا الفرض اصابة الجهة فلا اثر لهذا الخطأ في وجوب الاعادة ان ظهر بعد الصلاة ولا في وجوب الاستئناف ان ظهر في في آثنائها وان قلنا الفرض اصابة العين ففى الاعادة والاستئناف القولان المذكوران في الخطأ في الجهة ثم قال صاحب التهذيب وغيره لا يستيقن الخطأ في الانحراف مع بعد المسافة عن مكة وانما يظن اما إذا قربت المسافة فكل منهما ممكن وهذا كالتوسط بين اختلاف اطلقه اصحابنا العراقيون في انه هل يتيقين الخطا في الانحراف من غير معاينة الكعبة بلا فرق بين قرب المسافة وتعدها فقالو قال الشافعي رضي الله عنه لا يتصور ذلك الا بامعاينة وقال بعض الاصحاب يتصور والله أعلم هذا شرح المسألة: واما قوله يرجع حاصلهما الي ان بين المستند في الاستقبال الي آخره فهو كلام نحا فيه نحو امام الحرمين

(3/243)


رحمة الله عليهما وذلك انهما حكيا ان الاصحاب بنوا الخلاف في خطا التيامن والتياسر على الخلاف في ان مطلوب المجتهد عين الكعبة أو جهتها واعترضا على هذه العبارة فقالا محاذاة الجهة غير كافية لان القريب من الكعبة إذا خرج عن محاذاة العين لا تصح صلاته وان كان مسيقبلا للجهة ومحاذاة العين لا يمكن اعتبارها فان البعيد عن الكعبة علي مسافة شاسعة لا يمكنه اصابة العين ومسامتتها والمحال لا يطلب وأيضا فالصف الطويل في آخر المسجد تصح صلاة جميعهم مع خروج تعضهم عن محاذاة العين وإذا بطل ذلك فما موضع الخلاف وما معنى العين والجهة ذكرنا ان الانحراف اليسير لا يسلب أسم الاستقبال عن البعيد عن الكعبة في المسجد وان كان يسلبه نعن القريب من الكعبة وإذا لم يسلبه عن البعيد الواقف في المسجد فاولي أن لا يسلبه عن الواقف في أقصى المشرق والمغرب ثم البصير بادلة القبلة يجعل التفات البعيد وانحرافه علي درجتين (أحدهما) لانحراف السالب لاسم الاستقبال وهو الكثير منه وأن يولي الكعبة يمينه أو يساره والثاني النحراف الذى لا يسلب اسم الاستقبال وفى هذه الدرجة مواقف يظن الماهر في الادلة أن بعضها
أشد من بعض وان شملها أصل الشداد فهل يجى طلب الاشد أم لا فيه الخلاف وربما أشعر كلام امام الحرمين باثبات درجات التفات بقطع البصير بانه يسلب اسم الاستقبال والتفات يقطع بأنه لا يسلبه والتفات يظن انه لا يسلب لكنه لا يقطع به فهل تجوز القناعة بالشداد المظنون

(3/244)


أم يجب طلب المقوع به فيه الخلاف هذا ما ذكراه والجمهور علي التعبير عن الخلاف بالعين والجهة واتفق العراقيون والقفال علي ترج يح القول الصائر إلى أن المطلوب العين ولهم أن يقولوا لا نسلم ان التعيد لا يمكنه اصابة عين الكعبة بل عليه ربط الفكر في اجتهادة بالعين دون الجهة وأما الصف الطويل فلا نسلم خروج بعضهم عن محاذاة العين وذلك لان التباعد من الحرم الصغير يوجب زيادة محاذاة العين كما تقديم * قال (فروع أربعة (الاول) إذا صلى الظهر باجتهاد فهل يلزمه الاستئناف للعصر فعلي وجهين (الثاني) لو أدى اجتهاد رجلين الي جهتين فلا يقتدى احدهما بالاخر (الثلالث إذا تحرم المقلد في الصلاة فقال له من هو دون مقلده أو مثله أخطأ بك فلان لم يلزمه قبوله وان كان أعلم فهو كتغير اجتهاد البصير في اثناء صلاته في نفسه ولو قطع بخطأه وهو عدل لزمه القبول لان قطعه أرجح من ظن غيره (الرابع) ولو قال البصير الاعمى الشمس وراءك وهو عدل فعلي الاعمي قبوله لانه اختار عن محسوس لا عن اجتهد) * ختم الباب بفروع (احدهما) إذا صلى الي جهة بالاجتهاد ثم دخل عليه وقت صلاة اخرى أو اراد قصاء فائتة فهل يحتاج الي تجديد الاجتهارد للفريضة الثانية وجهان احدهما لا لان الاصل استمرار الضن الاول فيجرى عليه الي ان يتبين خلافه وأظهر نعم سعيا في اصابة الحق

(3/245)


لان الاجتهاد الثاني ان وافق الاول تأكد الظن وان خاله فكذلك لان تغير الاجتهاد لا يكون الا لامارة أقوى من الامارة الاولي وآكد الظنين أقرب إلى اليقين وهذان الوجهان كالوجهين في طلب الماء في التيمم وكالوجهين في المفتى إذا استفتى عن واقعة واجتهد وأجاب فاستفى مرة اخرى عن تلك الواقعة هل يحتاج إلى تجديد الاجتهاد وأما النوافل فلا يحتاج الي تجديد الاجتهاد
لها كما لا يحتاج إلى تجديد التيم لها ذكره صاحب التهذيب وغيره: فان قلت ذكرتم ان الوجهين في وجوب تجديد الطلت مخصوصان بما إذا لم يبرح من مكانه فهل الامر كذلك ههنا قلنا في كلام تعض الاصحاب ما يقتضى تخصيص الوجهين تما إذا كان في ذلك المكان ههنا أيضا لكن الفرق ظاهر لان الطلب في موضع لا يفيد معرفة العدم في موضع إخر والادلة المعرفة لكون الجهة جهة القبلة لا تختلف بالمكانين فان أكثرها سماوية ولا تختلف دلالاتها بالمسافات القريبة (الثاني) لو أدى اجتهاد رجلين الي جهتين فكل واحد منهما يعمل باجتهاده ولا يفتدى أحدهما بالاخر فان كل واحد منهما مخطئ عند الثاني فصار كما لو اختلف اجتهادهما والاناءين والثوبين ولو اجتهد جماعة وتوافق اجتهادهم فامهم واحد منهم ثم تعغيير اجتهاد واحد من المأمومين فعليه أن يفارقه وينحرف الي الجهة الثانية وهل عليه أن يستأنف أم له البناء فيه الخلاف الذى قدمناه في تغيير الاجتهاد في أثناء الصلاة وللخلاف ههنا مأخذ آخر وهو انا سنذكر خلافا في ان المأموم هل أنه يفارق الامام أم وهل يفترق الحال بين أن يفارق بعذر أو غير عذر ثم منهم من قال هذه المفارقة

(3/246)


بعذر ومنهم من قال هو مقصر بترك امعان ابحث والنظر ولو عذر ولو تغير اجتهاد الامام فنيحرف الي الجهة الاخرى اما بانيا أو مستأنفا على الخلاف الذى بق وهم يفارقونه ولو اختلف اجتهاد رجلين في التيامن والتياسر والجهة واحدة فان فان أوجبنا على المجتهد رعاية ذلك فهو الاختلاف في الجهة فلا يقتدى أهدهما بالاهر والا فلا بأس (الثلاث) إذا شرع المقلد في الصلاة بالتقلد ثم قال له عدل أخطأ بك من قادته فلا يخلو اما أن يقول ذلك عن اجتهاد أيضا أو عن علم ومعاينة فهما حالتان (فأما في الاحالة الاولى) فننظر ان كان قول الاول ارجح عنده واولى بالاتباع اما لزيادة عدالته وهدايته إلى الادلة فلا اعتبار بقول الثاني إذا الاقوى لا يرفع بالاضعف وان كان قول الثاني مثل قول الاول أو لم يعرف انها مثلان أو احدهما أقوى من الاحر فكذلك أثر لقول الثاني وان كان قول الثاني ارجح عند قهو كتغير اجتهاد البصير المجتهد في نفسه فيعود فيه الخلاف المقدم في انه يبنى أو يستأنف كذا هو في التهذيب وغيره ولو أخبره المجتهد الثاني بعد الفرع من

(3/247)


الصلاة لم يلزم الاعادة وان كان قول الثاني أرجح كما لو تغير اجتهاد بعد الفراع وقوله فقال له من هو دون مقلده أو مثله أراد به هذه الحالة الاولى أي قال ذلك عن اجتهاد واما قوله لم يلزمه قبوله فلعلك تقول قد عرفت انه لا يلزمه فهل يجوز قبوله فالجواب ان هذا يرتب على ان المقلد إذا وجد مجتهدين قبل الشروع في الصلاة أحدهما أعلم من الاخر فهل يجب عليه ان يأخذ بقول الاعلم أم يتخير فان قلنا بالاول فلا قبوله وان قلنا باثناى ففيه خلاف لانه ان بنى كان مصليا للصلاة الواحدة جهتين وان استأنف كان مبطلا للفرض من غير ضرورة وفى نظائر كل واحد منهما خلاف (الحالة الثانية) ان يخبره عن علم ومعاينة فيجب لرجوع الي قوله لاستناده إلى اليقين واعتماد الاولى على الاجتهاد ولا فرق ههنا بين ان يكون قول الثاني اصدق عنده أو لا يكون ومن هذا القبيل ان يقول الاعمى انت مستقبل للشمس أو مستدبر والاعمى يعرف ان قبلته ليست في صوب الشرق ولا المغرب فيجب قبول قوله ويكون هذا ويكون هذا بمثابة ما لو تيقن المجتهد الخطأ في أثنا الصلاة فيلزمه الاستئناف على الصحيح ولو قال الثاني انك علي الخطأ قطعا فكذلك يجب قبوله فان قطعه أرجح من ظن الاول

(3/248)


فينزل قطعه منزلة الاخبار عن محسوس ثم القاطع باخطأ قد يخبر عن الصواب به وقد يخبر عنه مجتهدا ويجب قبوله علي التقديرين لبطلان تقليد الاول بقطعه ولا يمكن ان يكون قطعه بالخطأ عن

(3/249)


اجتهاد فان الاجتهاد لا يفيد القطع فلا عبرة بالعتارة الفارغة عن المعنى وكل ما ذكرناه مفروض فيما إذا اخبره الثاني عن الصواب والخطأ جميعا فأما إذا أخبره عن الخطأ علي وجه يجب قبوله ولم

(3/250)


يخبره هو ولا غير عن الصواب فهو كتغير اجتهاد المجتهد في أصلاة وقد سبق حكمه والله اعلم: فان قلت وعد في الكتاب باربعة فروع ولم يذكر الا ثلاثة المذكورة في هذا الفصل

(3/251)


لم يعدها في الوسيط الا ثلاثة فروع وجعل في اولها فرعا آخر وههنا عدها اربعة من غير ذلك
المضموم فيجوز ان يقال جعل حالتى الفرع الاخير فرعين ويجوز غير ذلك والامر فيه هين *