فتح العزيز بشرح الوجيز = الشرح الكبير

قال * (كتاب الجمعة) * (وفيه ثلاثة ابواب: الباب الاول في شرائطها وهي ستة: الاول الوقت: فلو وقع تسليمة الامام في وقت العصر فاتت الجمعة ولو وقع آخر صلاة المسبوق في وقت العصر جاز علي احد الوجهين لانه تابع في الوقت كما في القدوة)

(4/482)


قال الله تعالي (يا ايها الذين امنوا إذا نودى للصلاة من يوم الجمعة) الآية وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال " من ترك ثلاث جمع تهاونا بها طبع الله علي قلبه " الجمعة فرض على

(4/483)


الاعيان إذا اجتمعت الشرائط التى نذكرها وحكي القاضي ابن كج عن بعض اصحابنا انها فرض علي الكفاية كصلاة العيدين وذكر القاضي الرويانى في البحر أن بعض اصحابنا زعم أنه قول للشافعي رضى الله عنه وغلط ذلك الزاعم وقال لا يجوز حكاية هذا عن الشافعي رضي الله عنه إذا

(4/484)


عرفت ذلك فاعلم أن الجمعة كسائر الفرائض الخمس في الاركان والشرائط لكنها تختص بثلاث خواص (احدها) اشتراط امور زائدة في صحتها (والثانية) اشتراط امور زائدة في لزومها (والثالثة) اداب ووظائف تشرع فيها فجعل الكتاب علي ثلاثة ابواب كل واحد في خاصية منها (الباب الاول)

(4/485)


في شروط الصحة (احدها) الوقت فلا مدخل للقضاء في الجمعة علي صورتها بالاتفاق بخلاف سائر الصلوات فان الوقت ليس شرطا في نفسها وانما هو شرطه في ايقاعها اداء ووقتها وقت الظهر خلافا لاحمد حيث قال يجوز فعلها قبل الزوال واختلف اصحابه في ضبط وقته فمن قائل وقتها وقت

(4/486)


صلاة العيدين ومن قائل يقول انما تقام في الساعة السادسة: لنا ما روى عن انس رضى الله عنه أن النبي صلي الله عليه وسلم " كان يصلي الجمعة بعد الزوال " وقد ثبت عنه أنه قال " صلوا كما رأيتموني أصلي " وإذا خرج الوقت أو شك في خروجه فلا سبيل الي الشروع فيها ولو اغفلوها إلى أن لم يبق

(4/487)


من الوقت ما يسع الخطبتين وركعتين يقتصر فيهما على ما لا بد منه لم يشرعوا فيها وصلوا الظهر نص عليه في الام ولو شرعوا فيها في الوقت ووقع بعضها خارج الوقت فاتت الجمعة خلافا لمالك واحمد هكذا اطلق اكثر اصحابنا النقل عنهما وفصل الصيدلانى مذهب مالك فقال عنده إن صلوا ركعة ثم خرج الوقت اتموا الجمعة والا فقد فاتت: لنا انها عبادة لا يجوز الابتداء بها بعد خروج وقتها فتنقطع بخروج الوقت كالحج وايضا فان الوقت شرط في ابتداء الجمعة فيكون شرطا في دوامها كدار الاقامة ثم إذا فاتت الجمعة فهل يتمها ظهرا أم لا ظاهر المذهب أنه يجب عليه أن يتمها ظهرا

(4/488)


ولا بأس ببنهائها عليه لانهما صلاتا وقت واحد فجاز بناء اطولهما علي اقصرهما كصلاة الحضر مع السفر وخرج فيه قول آخر أنه لا يجوز بناء الظهر علي الجمعة بل عليهم استئناف الظهر وبه قال أبو
حنيفة وبنوا هذا الخلاف علي الخلاف في أن الجمعة ظهر مقصورة ام هي صلاة علي حيالها إن قلنا بالاول جاز البناء والا فلا وسيعود هذا الاصل في مواضع من الباب فان قلنا بظاهر المذهب فليسر بالقراءة من حينئذ ولا يحتاج الي تجديد نية الظهر على اصح الوجهين ذكره في العدة على انا حكينا وجها ضعيفا أن الظهر تصح بنية الجمعة ابتداء ههنا اولى (وأن قلنا) لا بد من استئناف الظهر فهل تبطل صلاته ام

(4/489)


تنقلب نفلا فيه قولان مذكوران في نظائرها ولو شك في صلاته هل خرج الوقت ام لا فوجهان (احدهما) يتمها جمعة وبه قال الاكثرون لان الاصل بقاء الوقت وصار كما لو شك بعد الفراغ فيه (والثانى) انه يتمها ظهرا لانه شك في شرط الجمعة قبل تمامها ومضيها علي ظاهر الصحة فيعود إلي الاصل وهو الظهر وهذا كله في حق الامام والمأمومين الموافقين أما لمسبوق الذى ادرك معه ركعة لو قام الي تدارك الركعة الثانية فخرج الوقت قبل أن يسلم هل تفوت جمعته فيه وجهان (اصحهما) نعم كما في حق غيره (والثانى) لا لانه تابع للقوم وقد صحت جمعتهم فصار كالقدوة فانها من شرائط الجمعة ثم هي محطوطة عنه تبعا لهم وكذلك العدد ومن قال بالاول فرق بان اعتبار الشرع برعاية الوقت اكثر الا يرى

(4/490)


أن اقوال الشافعي رضي الله عنه اختلفت في الانفضاض وأن اختلفت الجماعة ولم يختلف قوله في أنه إذا وقع شئ من صلاة الامام بعد خروج الوقت فاتت الجمعة وقوله فلو وقع تسليم الامام المراد التسليمة الاولي فان الثانية غير معدودة من نفس الصلاة بل من لو احقها ولهذا لو قارنها الحدث لم تبطل صلاته ولعلك تقول لم تقيد بتسليمة الامام وما الحكم لو وقعت تسليمة الامام في الوقت وتسليمة القوم أو بعضهم خارج الوقت فاعلم أن التعرض لتسليمة الامام قد جرى في كلام الشافعي رضي الله عنه في المختصر

(4/491)


كما ذكره في الكتاب ولم ار فيما وجدته من الشروح بحثا عنه ويمكن أن يكون التعرض له باعتبار أن وقوع تسليمة الامام خارج الوقت موجب فوات الجمعة في البقعة مطلقا فانه إذا كان سلامه بعد الوقت فسلام غيره يكون بعد الوقت ايضا فاما إذا وقع سلامه في الوقت وسلام بعضهم بعده فالمسلمون
خارج الوقت لا شك في أن ظاهر المذهب بطلان صلاتهم وأن فرض فيه خلاف واما الامام والمسلمون

(4/492)


معه إن بلغوا العدد المعتبر في الجمعة فجمعتهم صحيحة والا فالصورة تشبه مسألة الانفضاض والله اعلم * واعلم أنه سلامه الواقع في وقت العصر إن كان عن علم منه بالحال فيتعذر بناء الظهر عليه لا محالة وتبطل صلاته الا أن يغير النية الي النفل ثم يسلم ففيه ما سبق في موضعه وإن كان عن جهل منه فلا تبطل صلاته وهل يبنى أو يستأنف فيه الخلاف الذى ذكرناه * قال (الثاني دار الاقامة فلا تقام الجمعة في الصحارى (ح) ولا في الخيام (و) بل تقام في خطة قرية (ح) أو بلدة الي حد يترخص المسافر إذا انتهي إليه) * يشترط اقامة الجمعة في دار الاقامة خلافا لابي حنيفة حيث قال يجوز اقامتها خارج البلد حيث تقام صلاة العيد وبه قال احمد * لنا القياس علي الموضع البعيد عن البلد فان كل واحد منهما

(4/493)


خارج عن البلد وايضا فان الجمعة لم تقم في عصر رسول الله صلي الله عليه وسلم ولا في عصر الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم إلا في مواضع الاقامة ولولا أنه شرط لا شبة أن يقيموها في غيرها كسائر الجماعات والمراد من دار الاقامة الابنية التى يستوطنها المقيمون للجمعة سواء في ذلك البلاد والقرى

(4/494)


والاسراب التي تتخذ وطنا ولا فرق بين ان تكون الابنية من حجر أو طين أو خشب وأهل الخيام النازلون في الصحراء لا يقيمون الجمعة فانه إذا جاء الشتاء أحوجهم إلى الانتقال فليسوا بمقيمين في ذلك الموضع وان اتخذوه وطنا لا يبرحون عنه شتاء ولا صيفا ففيه قولان (أحدهما) أنه تلزمهم الجمعة ويقيمون في ذلك الموضع لانهم استوطنوه (وأصحهما) لا لان قبائل العرب كانوا مقيمين حول المدينة وما كانوا يصلون الجمعة ولا أمرهم النبي صلي الله عليه وسلم بذلك وهذا لانهم على هيئة المسافرين وليس لهم أبنية المستوطنين ولو انهدمت أبنية البلدة أو القرية فأقام أهلها علي العمارة لزمهم اقامة الجمعة فيها فانهم في دار اقامتهم سواء كانوا في مظال أو غيرها وكذا لو كانت الابنية باقية وليس من
الشرط اقامتها في كن أو مسجد بل يجوز اقامتها في فضاء معدود من خطة البلدة غير خارج عنها

(4/495)


لان الجماعة قد تكثر ويعسر اجتماعها في محوط أما الموضع الخارج الذى إذا انتهى إليه من ينشئ السفر من البلدة كان له القصر لا يجوز اقامة الجمعة فيه على ما سبق وهذا هو الذى أراد بقوله إلي حد يترخص المسافر إذا انتهى إليه واستعمال الي ههنا نحو استعمالها في قول الله تعالي جده (ثم اتموا الصيام الي الليل) فليس الحد المذكور داخلا في الخطة وقوله في الصحارى معلم بالحاء والالف لما

(4/496)


قدمناه ويجوز وضعهما على قوله في خطة قرية أو بلدة أيضا وقوله ولا في الخيام معلم بالواو للقول الذى سبق حكايته * قال (الثالث أن لا تكون الجمعة مسبوقة بجمعة أخرى فلو عقدت جمعتان فالتى تقدم تكبيرها هي الصحيحة وقيل العبرة بتقدم السلام وقيل بتقدم أول الخطبة فان كان السلطان في الثانية فهي الصحيحة علي أحد الوجهين لكيلا تقدر كل شر ذمة على تفويت الجمعة علي الاكثرين وان وقعت الجمعتان معا تدافعتا فتستأنف واحدة وكذا ان أمكن التلاحق والتساوق فان تعينت السابقة ثم التبست فاتت (وز) الجمعة ووجب (ز) الظهر علي الجميع ولو عرف السبق ولم تتعين استؤنفت الجمعة (و) وما لم يتعين كانه لم يسبق وفيه قول آخر أن الجمعة فائتة) *

(4/497)


قال الشافعي رضي الله عنه ولا يجمع في مصر وان عظم وكثرت مساجده لا في مسجد واحد وذلك لان النبي صلي الله عليه وسلم والخلفاء بعده لم يفعلوا إلا كذلك وإذا لم تجز اقامتها في مساجد البلد كسائر الجماعات واحتمل تعطل المساجد عرف أن المقصود اظهار شعار الاجتماع واتفاق كلمة المسلمين فليقتصر علي الواحد لانه أفضي الي هذا المقصود ولانه لا ضبط بعد مجاوزة الواحد وتكلم الاصحاب

(4/498)


في أمر بغداد فان أهلها لا يقتصرون علي جمعة واحدة وقد دخلها الشافعي رضى الله عنه وهم يقيمون
الجمعة في موضعين وقيل في ثلاثة فلم ينكر عليهم وذكروا فيه وجوه (أحدها) أن الزيادة على الواحدة انما جازت في بغداد لان نهرها يحول بين شقيها فيجعلها كبلدين قاله أبو الطيب بن سلمة وعلى هذا لا يقام في كل جانب الا جمعة واحدة وكل بلدة حال بين جانبها نهر يحوج الي السباحة أو الزوارق فهى بمثابة بغداد واعترض الشيخ أبو حامد على هذا فقال لو كان الجانبان كالبلدين لجاز القصر لمن عبر عن أحد الجانبين إلى الآخر وان لم يجاوز ذلك الجانب وابن سلمة فيما حكي القاضي ابن كج

(4/499)


الزم هذه المسألة فالتزمها وقال يجوز له القصر (والثاني) أن الزيادة علي الواحدة انما جازت لانها كانت قرى متفرقة ثم اتصلت الابنية فاجرى عليها حكمها القديم وعلي هذا يجوز التعديد في كل بلدة كانت كذلك واعترض الشيخ أبو حامد عليه بمثل ما اعترض به على الوجه الاول وربما يلتزم الصائر إليه جواز القصر أيضا فان الامام حكي عن صاحب التقريب أنه قال يجوز أن يقال علي هذا إذا جاوز الهام بالسفر قرية من تلك القرى ترخص (والثالث) أنها انما جازت لان بغداد بلدة كبيرة يشق

(4/500)


على أهلها الاجتماع في موضع واحد وعلي هذا تجوز الزيادة علي الجمعة الواحدة في سائر البلاد إذا كثر الناس وعسر اجتماعهم وبهذا قال ابن سريج وأبو إسحق وهو مذهب احمد (والرابع) أن الزيادة لا تجوز بحال وانما لم ينكر الشافعي رضي الله عنه في بغداد لما دخلها لان المسألة مسألة اجتهادية وليس لبعض المجتهدين الانكار علي سائرهم وهذا الوجه الرابع يوافق إطلاق الكتاب حيث قال أن لا تكون الجمعة مسبوقة باخرى فانه لم يفصل بين بلدة وبلدة وهو ظاهر نص الشافعي رضى الله عنه الذى قدمناه ورأى الشيخ أبو حامد وطبقته الاقتصاد عليه مذهبا لكن الذى اختاره أكثر أصحابنا تعريضا

(4/501)


وتصريحا إنما هو الوجه المنسوب إلي ابن سريج وأبي اسحق وهو تجويز التعديد عند كثرة الناس والازدحام وممن رجحه القاضي ابن كج والحناطي والقاضي الروياني وعليه يدل كلام حجة الاسلام في الوسيط مع تجويزه للنهر الحائل أيضا ولا يخفى مما ذكرناه أنه ينبغي أن يعلم قوله أن لا تكون الجمعة مسبوقة
باخرى بالالف والواو لانه مطلق والوجوه المذكورة تنازع فيه سوى الوجه الاخير إذا عرف ذلك فمتي منعنا من الزيادة على جمعة واحدة فزادوا وعقدوا جمعتين فله صور (إحداها) أن تسبق إحداهما الاخرى فالسابقة صحيحة لاجتماع الشرائط فيها واللاحقة باطلة لما ذكرنا أنه لا مزيد على واحدة وبما يعتبر السبق فيه ثلاثة اوجه (اصحها) أن الاعتبار بالتحرم فالتى سبق عقدها علي الصحة هي الصحيحة

(4/502)


وأن تقدمت الثانية في الخطبة أو السلام والثانى أن الاعتبار بالسلام فالتي سبق التحلل عنها هي الصحيحة لان الصلاة إذا وقع التحلل عنها أمن عروض الفساد لها بخلاف ما قبل التحلل فكان الاعتبار به اولى (والثالث) أن الاعتبار بالخوض في الخطبة فالتى تقدم أول خطبتها هي الصحيحة قال الامام وهذا ملتفت إلى أن الخطبتين بمثابة ركعتين ولم يحك اكثر اصحابنا العراقيين سوى الوجه الاول والثاني ونقلهما صاحب المهذب قولين وقوله في الكتاب فالتى تقدم تكبيرها هي

(4/503)


الصحيحة يقع على تمام التكبير حتي لو سبقت احداهما بهمزة التكبير والاخرى بالراء منه فالصحيحة هي التي سبقت بالراء لانها التى تقدم تكبيرها وهذا هو اصح الوجهين وفيه وجه آخر أنه ينظر الي أول التكبير ثم على اختلاف الوجوه لو سبقت احداهما الاخرى لكن كان السلطان مع مع الاخرى فقد حكي صاحب الكتاب والامام فيه وجهين والجمهور نقلوهما قولين (اظهرهما) أن الصحيحة هي الاولى كما لو لم يحضر السلطان في واحدة منهما وكما لو كان ثم اميران وكان كل واحد منهما في واحدة (والثانى) أن الصحيحة هي الثانية منعا للاخرين من التقدم علي الامام ولو لم

(4/504)


نقل بهذا لادى الي أن تفوت كل شر ذمة تنعقد بهم الجمعة فرض الجمعة علي اهل البلد ولو شرع الناس في صلاة الجمعة فاخبروا أن طائفة أخرى سبقتهم بها وفاتت الجمعة عليه فالمستحب لهم استئناف الظهر وهل لهم أن يتموها ظهرا فيه الخلاف الذى ذكرناه فيما إذا خرج الوقت في أثناء الجمعة (الصورة الثانية) أن تقع الجمعتان معا فيتدافعان وتستأنف واحدة
أن وسع الوقت (الثالثة) أن يشكل الحال فلا يذرى اوقعتا معا أو سبقت احداها الاخرى فيعيدون

(4/505)


الجمعة أيضا لجواز وقوعهما معا والاصل عدم الجمعة المجزئة قال امام الحرمين وقد حكمت الائمة بانهم إذا اعادوا الجمعة برئت ذمتهم وفيه اشكال لانه يجوز تقدم أحدى الجمعتين على الاخرى وعلى هذا التقدير لا يصح عقد جمعة اخرى ولا تبرأ ذمتهم بها فسبيل اليقين أن يقيموا جمعة ثم يصلوا الظهر (الرابعة) أن تسبق احدى الجمعتين على التعيين ثم يلتبس فلا تخرج واحدة من الطائفتين عن العهدة خلاف للمزني * لنا أنه ليس في الطائفتين من يتيقن صحة جمعته والاصل بقاء الفرض في ذمتهم ثم إذا لم يخرجوا

(4/506)


عن العهدة فماذا يفعلون فيه طريقان (اظهرهما) فيه وهو المذكور في الكتاب أنه ليس لهم اعادة الجمعة لان احدى الجمعتين في البلد قد صحت على اليقين فلا سبيل إلى الزيادة ولكن يصلون الظهر (والثانى) أنه علي الخلاف الذى نذكره في الصورة الخامسة وهذا هو الذي ذكره العراقيون وقوله فاتت الجمعة اراد به بطلانها على الطائفتين وافتقارهما الي فعل الظهر والا فالجمعة السابقة صحيحة وليكن معلما بالزاى والواو لما ذكرناه (الخامسة) أن تسبق احداها ولا يتعين كما إذا سمع مريضان أو مسافران تكبيرتين متلاحقتين وهما

(4/507)


خارج المسجد فاخبراهم بالحال ولم يعرفا أن المتقدمة تكبيرة من فلا يخرجون عن العهدة أيضا لما ذكرنا في الرابعة وقد نقل خلاف المزني ههنا أيضا ثم ماذا يفعلون فيه قولان (اظهرهما) في الوسيط أنهم يستأنفون الجمعة أن بقي الوقت لان الجمعتين المفعولتين باطلتان غير مجزئتين وكانه لم يقم في البلدة جمعة اصلا (والثاني) وهو رواية الربيع انهم يصلون الظهر لان احدى الجمعتين صحيحة في علم الله تعالى وأنما لم يخرجوا عن العهدة للاشكال قال الاصحاب وهذا هو القياس * هذا تمام

(4/508)


الصور وهي باسرها مذكورة في الكتاب ولهذه الصور الخمس نظائر في نكاحين عقدهما وليان علي أمرأة واحدة وستأتى في موضعها أن شاء الله تعالي * وأن أردت حصرها قلت إذا
عقدت جمعتان فاما أن لا يعلم حالهما في التساوق والتلاحق أو يعلم وعلى هذا فاما أن يعلم تساوقهما أو سبق احداهما علي الاخرى.
وعلي هذا فاما أن يعلم في واحدة لا علي التعيين أو في واحدة معينة.
وعلى هذا فاما أن يستمر العلم أو يعرض التباس ثم قال اصحابنا العراقيون لو كان الامام في احدى الجمعتين

(4/509)


في الصور الاربع الاخيرة ترتب على ما ذكرنا في الصورة الاولي أن قلنا الصحيحة هي التي فيها الامام مع تأخيرها فههنا أولى والا فلا اثر لحضوره والحكم كما لو لم يكن مع واحد منهما * قال (الرابع العدد فلا تنعقد الجمعة باقل من اربعين (ح م) ذكور مكلفين (ح) أحرار مقيمين (ح) لا يظعنون شتاء ولا صيفا الا لحاجة والامام هو الحادى والاربعون علي احد الوجيهن) * لا تنعقد الجمعة باقل من أربعين وبه قال أحمد خلافا لابي حنيفة حيث قال تنعقد باربعة احدهم الامام واختلفت رواية اصحابنا عن مالك فمنهم من روى عنه مثل مذهبنا ومنهم من روى أن

(4/510)


الاعتبار بعدد يعد بهم الموضع قرية ويمكنهم الاقامة فيه ويكون بينهم البيع والشراء ونقل صاحب التلخيص قولا عن القديم أن الجمعة تنعقد بثلاثة امام ومامومين وعامة الاصحاب لم يثبتوه * لنا ما روى عن جابر رضي الله عنه انه قال " مضت السنة أن في كل أربعين فما فوقها جمعة " وعن أبى الدرداء رضى الله عنه أن النبي صلي الله عليه وسلم قال " إذا اجتمع أربعون رجلا فعليهم الجمعة " اورده في التتمة وذكر القاضي أبن كج ان الحناطي روى عن أبي امامة أن النبي صلي الله عليه وسلم قال " لا جمعة الا باربعين " وليكن قوله ولا تنعقد الجمعة باقل من أربعين معلما لما حكيناه بالميم والحاء

(4/511)


والواو ثم نعتبر في الاربعين اربع صفات الذكورة والتكليف والحرية والاقامة والمعتبر الاقامة علي سبيل التوطن وصفته أن لا يظعنوا عن ذلك الموضع شتاء ولا صيفاء الا لحاجة فلو كانوا ينزلون الموضع

(4/512)


صيفا ويرتحلون عنه شتاء أو بالعكس فليسوا بمتوطنين ولا تنعقد الجمعة بهم وحكي أبن الصباغ أن ابا حنيفة
يقول بانعقادها باربعة من العبيد وباربعة من المسافرين واحتج عليه بان من لا تلزمه الجمعة لا تنعقد

(4/513)


به الجمعة كالنساء واعلم لذلك كلمتي احرارا مقيمين بالحاء اشارة الي أن الحرية والاقامة لا يشترطان في العدد المعتبر عنده وفى الانعقاد بالمقيم الذى لم يجعل الموضع وطنا خلاف سنذكره

(4/514)


في الباب الثالث وهل تنعقد الجمعة بالمرضى المشهور انها تنعقد لكمالهم وانما لم تجب عليهم تخفيفا وهذا هو المذكور في الكتاب في الباب الثاني ونقل ابن كج عن ابى الحسين أن الشافعي رضي الله عنه

(4/515)


قال في موضع لا تنعقد الجمعة باربعين مريضا كالمسافرين والعبيد فعلى هذا صفة الصحة تعتبر مع الصفات المذكورة في الكتاب ثم عدد الاربعين معتبر مع الامام أو هو زائد علي الاربعين فيه وجهان (اصحهما) أنه من جملة الاربعين لما ذكرنا من الاخبار فانها لا تفصل بين الامام وغيره (والثانى) أنه زائد علي الاربعين لما روى أنه صلي الله عليه وسلم " جمع بالمدينة ولم يجمع باقل من اربعين " وهذا يشعر بزيادته على الاربعين وقد حكى القاضي الرويانى الخلاف في المسألة قولين (القديم) أنه زائد على الاربعين * قال (فلو انفض القوم في الخطبة لم يجز (ح) لان اسماعها اربعين رجلا واجب فان سكت الخطيب ثم بنى عند عودهم مع طول الفصل فقد فاتت الموالاة وفي اشتراطها قولان وكذلك في اشتراطها بين الخطبة والصلاة) * العدد المعتبر في الصلاة وهو الاربعون معتبر في الكلمات الواجبة من الخطبة واستماع القوم إليها قال الله تعالى (وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له) قال كثير من المفسرين أن المراد منه الخطبة وعن أبي حنيفة

(4/516)


في رواية أنه لو خطب منفردا جاز واحتجوا عليه بان الخطبة ذكر واجب في الجمعة فيشترط حضور العدد فيه كتكبيرة الاحرام إذا عرفت ذلك فلو حضر أربعون فصاعدا لاقامة الجمعة ثم انفض كلهم
أو بعضهم والباقون دون الاربعين لم يخل اما أن يكون الانفضاض في اثناء الصلاة وسيأتي في الفصل التالى لهذا الفصل أو قبلها وذلك اما أن يكون قبل افتتاح الخطبة أو في اثنائها أو بعدها فان

(4/517)


كان الانفضاض قبل افتتاح الخطبة لم يبتدئ حتى يجتمع أربعون وأن كان في اثنائها وهو مسألة الكتاب فلا خلاف في ان الركن المأتى به في غيبتهم غير محسوب بخلاف ما إذا انفض العدد في الصلاة فان فيه خلافا سيأتي قال امام الحرمين والفرق أن كل مصل يصلي لنفسه فجاز أن يتسامح في نقصان العدد في الصلاة وفي الخطبة الخطيب لا يخطب لنفسه وانما الغرض اسماع الناس وتذكيرهم فما جرى ولا مستمع أو مع نقصان عدد المستمع فقد فات فيه مقصود الخطبة فلم يحتمل ثم ننظر أن عادوا قبل طول الفصل بنى علي الخطبة فان الفصل اليسير في مثل ذلك كعدم الفصل الا ترى أنه لو سلم ناسيا ثم تذكر ولم يطل الفصل جاز وكذلك يحتمل الفصل اليسير بين صلاتي الجمع وأن عادوا بعد طول الفصل

(4/518)


فهل يبنى ام يستأنف فيه قولان يعبر عنهما بان الموالاة هل تجب في الخطبة ام لا (احدهما) لا لان الغرض الوعظ والتذكير وذلك حاصل مع تفرق الكلمات (واصحهما) نعم لان للولاء وقعا في استمالة القلوب وتنبيهها ولان الاولين خطبوا على الولاء فيجب اتباعهم فيه وذكر صاحب التهذيب وغيره أن هذا القول الثاني هو الجديد وبنى أبو سعيد المتولي وآخرون الخلاف في المسألة علي أن الخطبتين بدل من الركعتين ام لا إن قلنا نعم وجب الاستئناف والا فلا وقرب حجة الاسلام قدس الله روحه في الوسيط خلاف المسألة من الخلاف في الوضوء هل يجب فيه الموالاة لكن ظاهر

(4/519)


المذهب ثم انها لا تجب وههنا انها تجب ويدل علي الفرق بين البنائين أن الفصل بالعذر ثم لا يقدح علي اظهر الطريقين وههنا لا فرق بين أن تفوت الموالاة بعذر أو بغير عذر قال في النهاية ولولا ذلك لما ضر الفصل الطويل ههنا لان سببه عذر الانفضاض ولو لم يعد الاولون واجتمع بدلهم أربعون فلا بد من استئناف الخطبة طال الفصل أو لم يطل كذلك ذكره صاحب التهذيب وغيره

(4/520)


ولو انفضوا بعد الفراغ من الخطبة نظر ان عادوا قبل طول الفصل صلي الجمعة بتلك الخطبة وان عادوا بعد طول الفصل ففى اشتراط الموالاة بين الخطبة والصلاة قولان كاشتراطها في الخطبة والاصح الاشتراط وشبهوا الخطبة والصلاة بالصلاتين المجموعتين تجب الموالاة بينهما فعلى هذا لا تمكن الصلاة بتلك الخطبة وعلي الاول تمكن ثم ان المزني نقل في المختصر عن الشافعي رضى الله عنه انه

(4/521)


قال في هذه الصورة احببت ان يبتدئ الخطبة ثم يصلى الجمعة فان لم يفعل صلي بهم الظهر واختلف الاصحاب فيه قال ابن سريج يجب ان يعيد الخطبة ويصلى بهم الجمعة لانه متمكن من اقامتها فلا سبيل الي تركها وهذا اختيار القفال والاكثرين قالوا ولفظ الشافعي رضي الله عنه اوجبت واما

(4/522)


احببت فهو تصحيف من الناقل أو وهم وربما حملوا أحببت على اوجبت وقالوا كل واجب محبوب كما أن كل محرم مكروه ولذلك يطلق لفظ الكراهة ويراد به التحريم (وقوله) وصلى بهم الظهر حملوه علي ما إذا ضاق الوقت وقال أبو إسحق لا تجب اعادة الخطبة لكن يستحب وتجب الجمعة اما الاول فلانهم قد ينفضون ثانيا فيعذر في ترك اعادتها واما الثاني فللقدرة علي اقامتها وقال أبو علي صاحب الافصاح لا تجب اعادة الخطبة ولا الجمعة ويستحبان علي ما يدل عليه ظاهر النص لانه لا يأمن

(4/523)


انفضاضهم ثانيا لو اشتغل بالاعادة فيصير ذلك عذرا في ترك الجمعة واعلم إن إبن سريج وابا على متفقان علي وجوب الموالاة بين الخطبة والصلاة وامتناع بناء الجمعة على الخطبة التى مضت لكن هذا عذره في تركهما جميعا وذاك لم يعذره واوجب اعادة الخطبة ليصلي الجمعة بها واما أبو اسحق فانه احتمل الفصل الطويل وجوز البناء على الخطبة الماضية وتحصل مما ذكرناه خلاف في وجوب اقامة الجمعة علي ما اختصره في الوسيط فقال إذا شرطنا الموالاة ولم يعد الخطبة اثم المنفضون وهل يأثم

(4/524)


الخطيب قولان (احدهما) لا لانه أدى ما عليه والذنب لهم والثانى نعم لتمكنه من الاعادة (وقوله) في الكتاب لم يجز معلم بالحاء لما تقدم (وقوله) فان سكت الخطيب الي آخره الحكم غير مخصوص بصورة السكوت بل لو مضى في الخطبة ثم لما عادوا أعاد ما جرى من واجباتها في حالة الانفضاض كان كما لو سكت * قال (وأن انفضوا في خلال الصلاة ولو في لحظة بطل علي قول وعلي قول ثان لا تبطل (م) مهما توفر العدد في لحظة إذا بقى مع الامام واحد علي رأى أو أثنان علي رأى وعلي قول ثالث لا تبطل بالانفضاض في الركعة الثانية الجماعة وعلي قول اربع لا تبطل مهما توفر العدد وأن بقي الامام وحده)

(4/525)


لو تحرم بالعدد المعتبر ثم حضر أربعون اخرون وتحرموا ثم انفض الاولون لم تبطل الجمعة لان العدد لم يبطل في شئ من الصلاة ولا فرق بين أن يكون اللاحقون قد سمعوا الخطبة أو لم يسمعوها لانهم إذا لحقوا والعدد تام صار حكمهم واحدا فإذا ثبتوا استمرت الجمعة كما لو تحرم بثمانين سمعوا الخطبة ثم انفض منهم اربعون قال امام الحرمين ولا يمتنع عندي أن يقال يشترط بقاء

(4/526)


اربعين سمعوا الخطبة فلا تستمر الجمعة إذا كان اللاحقون لم يسمعوها وأن انفضوا ولحق أربعون علي الاتصال فقد قال في الوسيط تستمر الجمعة أيضا لكن يشترط ههنا أن يكون اللاحقون ممن سمعوا الخطبة وأن انفضوا ونقص العدد في باقي الصلاة أو في شئ منه فهذه مسألة الكتاب وفيها

(4/527)


قولان ومنهم من اضاف إليها قولا ثالثا ونذكره بعده توجيه القولين وتفريعها (واصحهما) وبه قال أحمد أن الجمعة تبطل ويشترط العدد في جميع اجزاء الصلاة لانه شرط في الابتداء فيكون شرطا في سائر الاجزاء كالوقت ودار الاقامة ولان الانفضاض لا يحتمل في شئ من الخطبة التى هي مقدمة الصلاة فلان لا يحتمل في نفس الصلاة كان أولي (والثانى) لا تبطل ولا يشترط استمرار العدد

(4/528)


في جميع الصلاة لما روى " انهم انفضوا عن النبي صلي الله عليه وسلم فلم يبق معه الا اثنا عشر رجلا وفيهم نزلت وإذا رأوا تجارة أو لهوا الآية " ثم أنه بني على الصلاة وايضا فان بقاء العدد

(4/529)


عنده لا يتعلق باختيار الامام وفى الابتداء يمكن تكليفه بان لا يتحرم حتى يحضروا والشى قد يشترط في الابتداء ولا يشترط في الدوام كالنية في الصلاة وغيرها (التفريع) أن شرطنا دوام العدد فلو تحرم الامام وتباطأ المقتدون ثم تحرموا نظر إن تأخر تحرمهم عن ركوعه فلا جمعة وأن لم يتأخر عن الركوع فعن القفال أن الجمعة صحيحة وعن الشيخ أبي محمد أنه يشترط أن لا يطول الفصل بين تحرمهم وتحرمه وقال امام الحرمين الشرط ان يتمكنوا من اتمام قراءة الفاتحة وإذا حصل ذلك

(4/530)


فلا يضر الفصل وهذا اصح عند حجة الاسلام وأن قلنا لا يشترط دوام العدد فهل يشترط دوام الجماعة ام له اتمام الجمعة وأن بقي وحده فيه قولان (أظهرهما) أنه يشترط لان الجمعة صلاة تجمع الجماعات والغرض منها اقامة الشعار واظهار اتفاق الكلمة كما سبق فان احتملنا اختلال العدد فلا ينبغي أن يحتمل اختلال اصل الجماعة وعلي هذا ففى العدد المشروط بقاؤه قولان (الجديد) انه يشترط بقاء اثنين ليكونوا معه ثلاثة فانها الجمع المطلق والقديم انه يكفى بقاء واحد معه لانه الاثنين فما فوقهما جماعة وهل يشترط ان يكون الواحد والاثنان علي اختلاف هذين القولين علي صفات الكمال قال في النهاية الظاهر انه يشترط ذلك كما يشترط كونهم على صفات الكمال في الابتداء وعن صاحب التقريب انه يحتمل خلافه فانا إذا اكتفينا باسم الجماعة فلا يبعد ان نعتبر صفات الكمال (والقول الثاني) انه لا يشترط بقاء الجماعة

(4/531)


بل لو بقى وحده كان له أن يتم الجمعة لان الشروع وقع والشروط موفورة فلا يضر الانفراد بالعدد بعده يحكى هذا القول عن تخريج المزني وذكروا انه خرجه من القول القديم في منع الاستخلاف فانه إذا احدث الامام وقلنا لا استخلاف يتمونها جمعة ولم يذكروا في هذا الموضع فصلا بين ان يكون حدثه بعد ما صلوا ركعة أو قبله ثم قال القاضي ابن كج وكثير من اصحابنا اختلف
ائمتنا في تخريجه فمنهم من؟ لمه ومنهم من ابى ولم يثبته قولا فهذا شرح القولين في اصل المسألة وخرج المزني قولا آخر وذهب إليه انه ان كان الانفضاض في الركعة الاولي بطلت الجمعة وان كان بعدها لم تبطل ويتم الامام الجمعة وكذا من معه ان بقى معه جمع ووجهه ظاهر قوله صلي الله عليه وسلم " من ادرك ركعة من الجمعة فليضف إليها اخرى " وايضا فان المسبوق إذا ادرك ركعة من الجمعة يتمها جمعة فكذلك الامام وبهذا القول قال مالك وابو حنيفة الا ان ابا حنيفة يكتفى بتقييد الركعة بسجدة ولا يعتبر تمامها واختلف اصحابنا في قبول هذا التخريج ايضا منهم من أباه وقال

(4/532)


المسبوق تبع للقوم وقد صحت لهم جمعة تامه وههنا بخلافه ومنهم من سلمه وعده قولا اخر وعلى هذا إذا اختصرت وتركت الترتيب قلت في المسألة خمسة اقوال (اظهرها) بطلان الجمعه (والثانى) ان بقي معه اثنان لم تبطل (والثالث) ان بقي معه واحد لم تبطل وهذه الثلاثة منصوصة الاولان

(4/533)


منها مذكور أن في الجديد (والثالث) في القديم (والرابع) انها لا تبطل وأن بقى وحده (والخامس) الفرق بين أن يكون الانفضاض بعد ركعة أو قبلها وقد ذكر في الكتاب كلها سوى الرابع منها وقوله بطل على قول معلم بالحاء والميم والزاى لما حكيناه وقوله علي قول ثان لا تبطل بالالف وكذا قوله وعلي قول ثالث لا تبطل (وقوله) مهما توفر العدد في لحظة غير مجرى علي اطلاقه فانه لا يجوز أن يكون التى توفر فيها العدد بعد الركوع الاول والضبط فيما قبله ما بيناه (وقوله) إذا بقي مع الامام واحد على رأى واثنان على رأى يجوز ان يعلم بالواو اشارة إلى القول الرابع والذى ذكره جواب

(4/534)


علي قولنا ان الجماعة لا يشترط دوامها واراد بالرأيين القولين اللذين ذكرناهما ويجوز ان يعلم قوله وعلى قول ثالث بالواو اشارة الي الطريقة الممتنعة من اثباته قولا * قال (الخامسة الجماعة فلا يصح الانفراد بالجمعة ولا يشترط (ح) حضور السلطان في جماعتها ولا اذنه (ح)) *

(4/535)


ليس لقائل ان يقول إذا شرطنا العدد فقد شرطنا الجماعة فلا حاجة الي افراد الجماعة وعدها شرطا برأسه وذلك لان العدد والجماعة امران ينفك كل واحد منهما عن الآخر اما الجماعة دون العدد فظاهر إذ ليست الجماعة الا الارتباط الحاصل بين صلاتي الامام والمأموم وذلك مما لا يستدعي العدد واما بالعكس فلان المراد من العدد حضور اربعين بصفة الكمال وأنه يوجد من غير جماعة ثم القول في شرائط الجماعة كما سبق في غير الجمعة ولا يشترط حضور السلطان ولا اذنه فيها

(4/536)


خلافا لابي حنيفة حيث قال لا تصح الا خلف الامام أو مأذونه وبه قال أحمد وفى رواية والاصح عنه مثل مذهبنا * لنا " أن عليا اقام الجمعة وعثمان رضى الله عنهما محصور " ونقيس على سائر العبادات ويجوز

(4/537)


أن يعلم قوله في الكتاب ولا يشترط مع الحاء والالف بالواو لان صاحب البيان حكى عن بعض أصحابنا أن للشافعي قولا في القديم مثل مذهب ابى حنيفة *

(4/538)


قال (وفيه ثلاث مسائل (الاولى) إذا كان الامام عبدا أو مسافرا صح لانهما في جمعة مفروضه وقيل لا يصح إذا عددناه من الاربعين وإن كان متنفلا أو صبيا فقولان مرتبان وأن كان قائما الي الي الركعة الثالثه سهوا فهو كالمحدث في حق من اقتدي به جاهلا ولو لم يدرك مع المحدث الا ركوع الثانية ففى اداركه وجهان) *

(4/539)


ذكر ثلاث مسائل تتشعب عن شرط الجماعة (الاولى) في احوال الامام وفيها صور (احدها) لو كان امام الجمعة عبدا أو مسافرا نظر إن كان القوم معه اربعين فلا جمعة لما ذكرنا أنه يشترط كون الاربعين بصفات الكمال وأن كانوا اربعين دونه وهو المقصود من لفظ الكتاب فقد قال في التهذيب تصح الجمعة ولم يذكر غير ذلك وقال في النهاية تبنى علي أن الامام معدود من الاربعين ام لا فان قلنا
لا فلا باس وأن قلنا نعم فوجهان (احدهما) لا تصح الجمعة لانه إذا عد من العدد المعتبر فيجب أن يكون

(4/540)


علي صفات الكمال كغيره أو هو اولي بذلك (واظهرهما) لصحة لان العدد قد تم بصفة الكمال وجمعة العبد والمسافر صحيحة وأن لم تلزمهما وقد اشار في الكتاب إلى هذا البناء حيث قال وقيل لا تصح إذا عددناه من الاربعين جعل هذا الوجه مفرعا على عده من الاربعين بعدما حكم بالصحة علي الاطلاق واعلم أنه لو كان ذلك الخلاف في أن الامام هل هو واحد من العدد المشروط ام لا لكان هذا البناء واضحا ولكن ذلك الخلاف في أنه هل يشترط أن يكون زائدا على الاربعين ام يكتفى باربعين احدهم الامام ولا يلزم من الاكتفاء بأربعين احدهم الامام أن يكون الامام واحدا من العدد المشروط إذا زادوا علي الاربعين وقوله صح معلم بالميم لانه روى عن مالك انها لا تصح خلف العبد وبالالف لان عند احمد لا تصح خلف المسافر ولا خلف العبد علي قوله لا تجب الجمعة على العبد

(4/541)


وعنه اختلاف رواية فيه سيأتي (وقوله) لانهما في جمعة مفروضة معناه انهما إذا صليا الجمعة صحت منهما واجزأت عن فريضة الوقت بخلاف الصور بعد هذه وفيه اشارة إلى شئ وهو ان الكلام إذا لم يصل المسافر والعبد الظهر قبل أن أما في الجمعة فأما إذا صليا الظهر ثم أما فالاقتداء بهما كالاقتداء بالمتنفل وسنذكره (الثانية) لو كان امام الجمعة صبيان فهل تصح جمعة القوم فيه قولان (احدهما) نعم قاله في الاملاء ووجهه أنه يجوز الاقتداء به في سائر الفرائض فكذلك في الجمعة كالبالغ (والثاني) لا قاله في الام لانه ليس علي صفة الكمال والامام اولى باعتبار صفة الكمال من غيره ولانه لا جمعة عليه وإذا فعلها لا يسقط بها الفرض عن نفسه إذ لا فرض عليه بخلاف العبد والمسافر فانهما يسقطان بهما فرض الظهر وهذا القول يوافق مذهب ابى حنيفة ومالك واحمد رحمهم الله لانهم منعوا امامته في سائر الفرائض ففى الجمعة اولي ولو كان الامام متنفلا فهو على هذين القولين وجه المنع انه لا بد في العدد المشروط من ان يكونوا مصلين فرض الجمعة فكذلك الامام ويجوز ان يرتب المتنفل علي الصبى فيقال ان جاز الاقتداء بالصبى فبالمتنفل اولى والا فقولان والفرق انه من اهل فرض الجمعة

(4/542)


ولا نقص فيه وما الاظهر من الخلاف في المسألتين رجح الشيخ أبو حامد وابو القاسم الكرخي وطائفة قول المنع والحناطي والقاضي الروياني قول الجواز وهو قضية كلام الاكثرين واطبقوا علي ان الجواز في المتنفل اظهر منه في الصبي وقالوا هو المنصوص للشافعي رضى الله عنه في صلاة الخوف قال

(4/543)


لو صلي الامام الظهر في شدة الخوف ثم انكشف الخوف والوقت باق وقد بقي له اربعون لم يصلوا الظهر جاز له ان يصلي بهم الجمعة ثم قال الامام موضع الخلاف في المسألتين ما إذا تم العدد بصفة الكمال دون الامام فاما إذا تم بالصبي أو المتنفل فلا جمعة ولو صلوا الجمعة خلف من يصلي صبحا أو عصرا ففيه قولان كما لو صلي خلف متنفل وقيل يجوز لان الامام يصلى الفرض ولو صلوها خلف مسافر يقصر الظهر يجوز أن قلنا الجمعة ظهر مقصورة وأن قلنا صلاة علي حيالها فهو كما لو صلى خلف من يصلي الصبح ذكر المسألتين صاحب التهذيب (الصورة الثالثة) لو بان أن امام الجمعة كان جنبا أو محدثا فان لم يتم العدد دونه فلا جمعة لهم وأن تم ففيه قولان (احدهما) أنه لا يقدح في صحة جمعة القوم كما في سائر الصلوات (والثانى) يقدح لان الجماعة شرط في الجمعة والجماعة ترتبط بالامام والمأمومين

(4/544)


فإذا بان أن الامام لم يكن مصليا بان انه لا جماعة وأن احد شروط الجمعة قد فات ويخالف سائر الصلوات لان الجماعة غير مشروطة فيها وغايته انه صلى منفردا ولا شك أن هذا القول اظهر منه في الاقتداء بالصبي والمتنفل ولذلك قال في الكتاب هما مرتبان على القولين ثم وهو أصح من مقابله عند الشيخين ابي علي وابى محمد وتابعهما صاحب التهذيب وجماعة وذهب العراقيون واكثر اصحابنا الي ترجيح القول الاول ونقلوه عن نصه في الام واضافوا حكاية الخلاف إلى ابن القاص

(4/545)


واستبعدوه واعترضوا على توجيه قول المنع بانا لا نسلم أن حدث الامام يمنع صحة الجماعة وثبوت حكمها في حق المأموم الجاهل بحاله وقالو انه لا يمنع نيل فضيلة الجماعة في سائر الصلوات ولا غيره
من أحكام الجماعة وعلي هذا قال في البيان لو صلى الجمعة باربعين فبان أن القوم محدثون صحت صلاة الامام دونهم بخلاف ما لو بانوا عبيدا أو نساءا فان ذلك مما يسهل الاطلاع عليه وقياس من يذهب إلى المنع

(4/546)


أنه لا تصح جمعة الامام لبطلان الجماعة (الصورة الرابعة) لو قام امام الجمعة إلى ركعة ثالثة سهوا فاقتدى به إنسان فيها فهذه المسألة من فروع ابن الحداد وشرحها الائمة فقالوا اولا لو فرض ذلك في سائر الفرائض فقام الي ركعة زائدة واقتدى به انسان فيها وادرك جميع الركعة ففيه وجهان (احدها) انها لا تحسب له لانها غير محسوبة للامام والزيادة يمكن الاطلاع عليها بالمشاهدة واخبار الغير فلا

(4/547)


يجزئه كما لو اقتدى بالمرأة والكافر (واصحهما) انها تحسب له فإذا سلم الامام يتدارك باقي الصلاة كما لو صلي خلف جنب يجزئه وأن لم تكن تلك الصلاة محسوبة للامام بخلاف الكافر والمرأة فانه ليس لهما اهلية امامته بحال ولهذا لا يصح الاقتداء بهما اصلا وههنا يصح الاقتداء بهذا الساهي والكلام في انه هل يصير مدركا للركعة ام لا هكذا ذكره الشيخ أبو على رضي الله عنه واما في الجمعة

(4/548)


فان قلنا إنه في غير الجمعة لا يدرك به الركعة فكذلك ههنا ولا تحسب بدلا عن الظهر ولا عن الجمعة وإن قلنا يدرك فهل تكون هذه الركعة محسوبة عن الجمعة حتى يضيف إليها اخرى بعد سلام الامام أو تكون محسوبة عن الظهر فيه وجهان بناهما الائمة على القولين فيما لو بان كون الامام محدثا لان تلك الركعة غير محسوبة من صلاته كركعات المحدث ولهذا قال في الكتاب فهو كالمحدث في حق من اقتدى به جاهلا واختار ابن الحداد انها لا تحسب عن الجمعة واعرف ههنا امورا (اولها) انما قال جاهلا لانه لو كان عالما بان الامام قائم الي الثالثة ساهيا ومع ذلك اقتدى

(4/549)


به لم تنعقد صلاته بحال كما لو اقتدى بالجنب عالما بحاله (وثانيها) لم يذكروا في المحدث أن صلاة المقتدى منعقدة وأن المأتي به يحسب عن الظهر حتي لو تبين له الحال قبل سلام الامام أو بعده علي القرب
يتمها ظهرا إذا جوزنا بناء الظهر علي الجمعة وقضية التسوية بين الفصلين الانعقاد والاحتساب عن الظهر في المحدث ايضا (وثالثها) من قال في مسألة المحدث الاصح من القولين ان الجمعة غير صحيحة قال بمثله ههنا والذين قالوا الاصح صحتها منهم من لم يورد هذه المسألة ومنهم من

(4/550)


اوردها ونقل الجواب ابن الحداد من غير نزاع فيه فيجوز أن يقدر المساعدة علي ترجيح المنع ههنا ويفرق بان الحدث لا يمكن الاطلاع عليه بحال بخلاف الزيادة علي ما سبق ويمكن أن يعارض هذا بان المحدث لا صلاة له اصلا وهذا الساهي في الصلاة لكن ندرت منه زيادة هو معذور فيها وكان اولى بان يصح الاقتداء به والله اعلم (الخامسة) قال حجة الاسلام قدس الله روحه ولو لم يدرك مع

(4/551)


المحدث الا ركوع الثانية ففي ادراكه وجهان وهذا الفرع يتعلق باصلين (اولهما) ان المسبوق في صلاة الجمعة إن ادرك الامام في ركوع الركعة الثانية كان مدركا للجمعة فإذا سلم الامام قام إلى ركعة أخرى وان ادركه بعد ركوع الثانية لم يكن مدركا للجمعة ويقوم بعد سلام الامام إلى اربع خلافا لابي حنيفة حيث قال يكون مدركا للجمعة وأن ادركه في التشهد في سجدتي السهو بعد السلام لنا ما روى عن ابي هريرة رضى الله عنه أنه صلى الله عليه وسلم قال " من ادرك ركعة

(4/552)


من الجمعة فقد ادركها ومن ادرك دون الركعة صلاها ظهرا اربعا " وإذا لحق بعد الركوع فما الذى ينوى فيه وجهان ذكرهما صاحب البيان وغيره (أحدهما) ينوى الظهر لانها التى يؤديها (واظهرهما) ينوى الجمعة موافقة للامام وهذا هو الذى ذكره القاضي الروياني ولو صلى مع الامام ركعة ثم قام وصلي اخرى وتذكر في التشهد انه نسي سجدة من احدى الركعتين نظر ان تركها من الثانية فهو مدرك للجمعة فيسجد سجدة ويعيد التشهد ويسجد للسهو ويسلم وإن تركها من الاولى أو شك لم يكن مدركا للجمعة وحصلت له ركعة من الظهر ولو أدركه في الثانية وشك في أنه سجد معه سجدة أو سجدتين فان لم يسلم الامام بعد سجد اخرى وكان مدركا للجمعة وإن سلم الامام سجد اخرى
ولم يكن مدركا للركعة وذلك في ركعة محسوبة للامام اما إذا لم تكن محسوبة كما لو ادرك الركوع مع الامام المحدث أو ادرك الامام الساهي بركعة زائدة في ركوعها وقلنا إنه لو أدرك كلها لكانت محسوبة له ففيه وجهان (أحدهما) أنه يكون مدركا للركعة لانه لو ادرك كل الركعة لكانت محسوبة له فكذلك إذا ادرك ركوعها كالركعة المحسوبة للامام (واصحهما) أنه لا يكون مدركا لان الحكم بادراك ما قبل الركوع بادراك الركوع خلاف الحقيقة انما يصار إليه إذا كان الركوع محسوبا من صلاة الامام ليتحمل به فاما غير المحسوب لا يصلح للتحمل عن الغير ويخالف ما لو ادرك جميع الركعة فانه قد فعلها بنفسه فتصحح على وجه الانفراد إذ تعذر تصحيحها علي وجه الجماعة ولا يمكن التصحيح ههنا علي سبيل الانفراد

(4/553)


فان الركوع لا يبتدأ به قال الشيخ أبو علي والوجهان عندي مبنيان علي القولين في جواز الجمعة خلف الجنب والمحدث ووجه الشبه أن المقتدى في القولين في جميع الركعة في الجمعة كالمقتدى في الركوع في سائر الصلوات لانه بالاقتداء يسقط فرضا عن نفسه لو كان منفردا للزمه وهو رد الاربع إلى ركعتين كما أن المقتدى في الركوع يسقط فرضا عن نفسه وهو القيام والقراءة في تلك الركعة فان قلنا يصح الاقتداء بالمحدث لاسقاط فرض الانفراد في الجمعة فكذلك ههنا والا فلا إذا عرف ذلك فنقول لو لم يدرك في الجمعة مع الامام الا ركوع الثانية ثم بان أن الامام كان محدثا فان قلنا إنه لو ادرك جميع الركعة معه لم يكن مدركا ركعة من الجمعة فههنا أولي وإن قلنا ثم يكون مدركا ركعة من الجمعة فههنا وجهان إن قلنا ان مدرك الركوع مع الامام المحدث مدرك للركعة فكذلك ههنا والا فلا ثم قوله ولو لم يدرك مع المحدث الا ركوع الثانية يعنى لم يدرك شيئا قبله فاما ما بعد الركوع من اركان الركعة لا بد من ادراكها مع الامام أو قبل سلامه أن فرض زحام أو نسيان وتخلف لذلك (وقوله) ففي ادراكه وجهان أي في ادراكه الجمعة ولو حمل على الخلاف في ادراك الركعة لم يكن للتخصيص بركوع الثانية معني * قال (الثانية إذا احدث الامام سهوا أو عمدا فاستخلف من كان قد اقتدى وسمع الخطبة صح استخلافه في الجديد وأن لم يسمع الخطبة فوجهان ولا يشترط استئناف نية القدوة بل هو خليفة الاول
وإن لم يستخلف الامام فتقديم القوم كاستخلافه (ح) بل هو أولي من استخلافه وذلك واجب في الركعة الاولي وإن كان في الثانية فلهم الانفراد بها كالمسبوق) * إذا خرج الامام عن الصلاة بحدث أو غيره وأراد أن يستخلف فذلك إما أن يكون في غير الجمعة أو فيها والمذكور في الكتاب هو القسم الثاني فنذكر الاول علي الاختصار ثم نعود الي شرح الثاني فنقول إذا احدث الامام في سائر الصلوات ففى جواز الاستخلاف قولان قال في القديم لا يجوز

(4/554)


ذلك " لان النبي صلي الله عليه وسلم احرم بالناس " ثم ذكر أنه جنب فذهب واغتسل ولم يستخلف ولو كان الاستخلاف جائز الاشبه أن يستخلف ولانها صلاة واحدة فلا تجوز بامامين كما لو اقتدى بهما دفعة واحدة وقال في الجديد يجوز " وهو أصح الروايتين عن احمد وبه قال مالك وأبو حنيفة رحمهم الله لانها صلاة بامامين علي التعاقب " فيجوز كما أن ابا بكر رضي الله عنه كان يصلى بالناس فدخل النبي صلي الله عليه وسلم وجلس الي جنبه فاقتدى به أبو بكر والناس " وفى النهاية أن من الاصحاب من قطع بجواز الاستخلاف في سائر الصلوات وخص القولين بالجمعة والمشهور طرد القولين (التفريع) أن لم نجوز الاستخلاف أتم القوم الصلاة وحدانا وإن جوزناه فيشترط أن يكون المستخلف صالحا لامامة القوم فلو استخلف امرأة فهو لغو ولا تبطل صلاتهم الا أن يقتدوا بها خلافا لابي حنيفة حيث قال تبطل بنفس الاستخلاف صلاتهم وصلاته قال في النهاية ويشترط أن يجرى الاستخلاف علي قرب فلو قضوا علي الانفراد ركنا امتنع الاستخلاف بعده وهل يشترط ان يكون الخليفة ممن اقتدى بالامام قبل حدثه قال اكثر أصحابنا من العراقيين وغيرهم ان استخلف في الركعة الاولي أو الثالثة من الصلوات الرباعية من لم يقتد به جاز لانه لا يخالفهم في الترتيب وان استخلفه في الثانية أو

(4/555)


الرابعة أو في الثالثة من المغرب لم يجز لانه يحتاج الي القيام وعليهم القعود فيختلف الترتيب بينهم وأطلق جماعة من الائمة اشتراط كون الخليفة ممن اقتدى به وهذا ما ذكره امام الحرمين رضى الله عنه مع زيادة فقال لو امره الامام فتقدم لم يكن هذا استخلافا ولا هو خليفة وانما هو عاقد
لنفسه صلاة جار علي ترتيبه فيها فلو اقتدى القوم به فهو اقتداء منفردين في أثناء الصلاة وقد سبق الخلاف فيه في موضعه وهذا لان قدوتهم انقطعت بخروج الامام عن الصلاة ولم يخلفه أحد ولا يشترط ان يكون الخليفة ممن اقتدى به في الركعة الاولي بل يجوز استخلاف المسبوق ثم عليه أن يراعى نظم صلاة الامام فيقعد في موضع قعوده ويقوم في موضع قيامه كما كان يفعله لو لم يخرج الامام من الصلاة لانه بالاقتداء به التزم ترتيب صلاته حتى أنه لو لحق الامام في الثانية من الصبح ثم أحدث الامام فيها واستخلفه قنت وقعد فيها للتشهد وان كانت أولاه ثم يقنت في الثانية لنفسه ولو كان الامام قد سها قبل اقتدائه أو بعده في آخر صلاة الامام واعاد في آخر صلاة نفسه علي القول الاصح وإذا تمت صلاة الامام قام ليتدارك ما عليه وهم بالخيار ان شاءوا فارقوه وسلموا وان شاءوا صبروا جالسين ليسلموا معه هذا كله إذا عرف المسبوق نظم صلاة الامام فان لم يعرف فقد ذكروا فيه قولين علي حكاية صاحب التلخيص وعن الشيخ أبي محمد أنهما لابن سريج لا للشافعي

(4/556)


رضي الله عنه فان جوزنا تراقب القوم إذا أتم الركعة إن هموا بالقيام قام وإلا قعد وسهو الخليفة قبل حدث الامام يحمله الامام وسهوه بعد حدثه يقتضي السجود عليه وعلي القوم وسهو القوم قبل حدث الامام وبعد الاستخلاف محمول وبينهما غير محمول بل يسجد الساهي عند سلام الخليفة (القسم الثاني) ان يقع ذلك في صلاة الجمعة ففى جواز الاستخلاف القولان ان لم نجوز فينظر إن أحدث في الركعة الاولى أتم القوم صلاتهم ظهرا وان احدث في الثانية اتمها جمعة من أدرك معه ركعة كالمسبوق هذا هو المشهور وعن الشيخ ابي محمد أنهم يتمونها جمعة وان كان الحدث في الركعة الاولى تخريجا من أحد الاقوال في مسألة الانفضاض وهو ان جمعة الامام تصح وان انفضوا في الركعة الاولي وبقي وحده وذكر ابن الصباغ وغيره ان المزني نقل هذا القول في جامعه الكبير وعن صاحب الافصاح انهم وان أدركوا ركعة يتمونها ظهرا لا جمعة بخلاف المسبوق لان الجمعة قد كملت بغيره فجعل تابعا لهم وهذا الوجه قضية القياس عند امام الحرمين تخريجا على أحد الاقوال في الانفضاض وهو أن الامام يتم الظهر وان انفضوا في الثانية وذلك لان الامام ركن الجماعة في حق
القوم كما أنهم ركن الجماعة في حقه فخروجه عن الصلاة في حقهم كانفضاضهم في حقه واما إذا جوزنا الاستخلاف فلا فرق فيه بين أن يسبقه الحدث أو يحدث عمدا أو يخرج من الصلاة بلا سبب وكذلك في سائر الصلوات * وقال أبو حنيفة إنما يجوز له الاستخلاف إذا جاز له البناء علي صلاته كسبق الحدث فاما إذا تعمد بطلت صلاة القوم أيضا ثم إذا استخلف فلا يخلو اما ان يستخلف من اقتدى به قبل حدثه أو يستخلف غيره فان استخلف غيره لم يصح ولم يكن لذلك الغير أن يصلي الجمعة * واحتجوا عليه

(4/557)


بانه لا يجوز ابتداء جمعة بعد انعقاد جمعة ولو صح منه الجمعة لكان مبتدئا بها بعد انعقاد جمعة الامام والقوم بخلاف المأموم يدخل في صلاة الجمعة فانه تابع للقوم لا مبتدئ ثم قال امام الحرمين في صحة ظهره خلاف مبنى علي أن الظهر هل تصح قبل فوات الجمعة ام لا ان قلنا لا تصح فهل تبقى نفلا فيه قولان فان لم نصحح صلاته واقتدى به القوم بطلت صلاتهم وان صححناها وكان ذلك في الركعة الاولي فلا جمعة لهم وفى صحة الظهر خلاف مبني علي ان الظهر هل تصح بنية الجمعة ام لا وان كان في الركعة الثانية واقتدوا به كان هذا اقتداء طارئا علي الانفراد وفيه الخلاف الجارى في سائر الصلوات وفيه شئ آخر وهو الاقتداء في الجمعة بمن يصلي الظهر أو النافلة وقد قدمنا الخلاف فيه وان استخلف من اقتدى به قبل الحدث فينظر ان لم يحضر الخطبة ففى جواز استخلافه وجهان (احدهما) لا يجوز كما لو استخلف بعد الخطبة من لم يحضرها ليصلي بهم لا يجوز (واصحهما) الجواز لانه بالاقتداء صار في حكم من سمع الخطبة الا ترى انه لو لم يحدث الامام صحت له الجمعة كما للسامعين والصيدلاني جعل هذا الخلاف قولين ونقل المنع عن البويطي والجواز عن اكثر الكتب وان كان قد حضر الخطبة أو لم يحضرها وفرعنا علي أنه يجوز استخلافه فينظر ان استخلف من ادركه في الركعة الاولي جاز ويتم لهم الجمعة سواء احدث الامام في الاولي أو الثانية وعن صاحب الافصاح وجه آخر انه يصلى الظهر والقوم يصلون الجمعة وان استخلف من ادركه في الركعة الثانية فقد قال امام الحرمين هذا يترتب علي انه هل يجوز استخلاف من لم يسمع الخطبة ان قلنا لا يجوز فلا يجوز استخلاف المسبوق وان قلنا يجوز ففيه قولان (احدهما) المنع بناء علي انه غير مدرك للجمعة على ما سيأتي (واظهرهما) الذى ذكره الاكثرون الجواز

(4/558)


فان الخليفة الذى كان مقتديا بالامام بمثابة الامام فعلى هذا القوم يصلون الجمعة وفى الحلية وجهان رواهما صاحب البيان (احدهما) انه يتمها جمعة ايضا لانه صلي ركعة من الجمعة في جماعة فيتم الجمعة كما لو صلى ركعة منها مأموما وكما لو ادرك الامام في ركوع الركعة الاولى واستخلفه الامام في تلك الركعة يتمها جمعة وان لم يدرك مع الامام ركعة (وأصحهما) وهو المنصوص واختيار ابن سريج انه لا يتم الجمعة لانه لم يدرك مع الامام ركعة كاملة بخلاف المأموم فانه إذا أدرك ركعة جعل تبعا للامام في ادراك لجمعة والخليفة امام لا يمكن جعله تبعا للمأمومين وبخلاف الصورة الاخرى لان هناك ادرك الامام في وقت كانت جمعة القوم موقوفة علي الامام وههنا ادركه في وقت لم تكن الجمعة موقوفة على الامام لجوز أن يتموها فرادى وكان ذلك الادراك آكد واقوى وعلي هذا فهل يجوز ظهره حكى الصيدلاني وغيره عن ابن سريج أنه قال يحتمل أن يكون في جواز ظهره قولان لان الجمعة لم تفت بعد وادى الظهر مع امكان الجمعة وأنه كان بسبيل من أن لا يتقدم حتى يتقدم من ادرك الركعة الاولي فتصح جمعته خلفه وايضا ففي صحة الظهر بنية الجمعة إذا تعذرت اختلاف ويحتمل أن يقال يجوز ظهره قولا واحدا وهو معذور في التقدم عند اشارة الامام وهذا اظهر عند الاكثرين فان قلنا لا يجوز ظهره فهل تنقلب صلاته نفلا أو تبطل فيه قولان ان قلنا تبطل فهذا مصير الي منع استخلاف المسبوق

(4/559)


وهو القول الاول الذى نقلناه لان من تبطل صلاته يستحيل تقديره اماما وإذا جوزنا الاستخلاف فالخليفة المسبوق يراعي نظم صلاة الامام فيجلس إذا صلي ركعة ويتشهد فإذا بلغ موضع السلام اشار إلى القوم وقام الي ركعة أخرى ان قلنا هو مدرك للجمعة والي ثلاث ان قلنا ان صلاته ظهر والقوم بالخيار ان شاؤا فارقوه وسلموا وان شاؤا ثبتوا جالسين حتى يسلم بهم ولو دخل مسبوق واقتدى به في الركعة الثانية التي استخلف فيها صحت له الجمعة وأن لم تصح للخليفة حكي ذلك عن نص الشافعي رضى الله عنه لانه صلي ركعة خلف من يراعى نظم صلاة امام الجمعة بخلاف الخليفة لم يصل ركعة مع امام الجمعة ولا خلف من يراعي نظم صلاته قال الائمة وهذا تفريع على
أن الجمعة خلف من يصلى الظهر صحيحة وتصح صلاة الذين ادركوا ركعة مع الامام الاول بكل حال لانهم وان انفردوا بالركعة الثانية كانوا مدركين للجمعة فلا يضر اقتداؤهم فيها لمن يصلي الظهر أو يتنفل وقوله في الكتاب سهوا أو عمدا لفظ العمد معلم بالحاء لما تقدم وقوله من كان قد اقتدى به في هذا التقييد اشارة الي أنه لا يجوز أن يستخلف غير المقتدى وقوله صح استخلافه يجوز أن يعلم بالالف لما حكينا من أحدى الروايتين عن احمد وقوله وسمع الخطبة وان لم يسمعها المراد منه الحضور ونفس السماع ليس بشرط بلا خلاف وصرح به الائمة * ثم في الفصل صور تتفرع علي جواز الاستخلاف (احداها) إذا استخلف الامام فهل يشترط استئنافه نية القدوة ذكر في التهذيب في اشتراطه وجهين في سائر الصلوات ولا شك في طردهما في الجمعة (احدهما) نعم لانهم بعد خروج الامام من الصلاة

(4/560)


قد انفردوا الا ترى انهم يسجدون لسهوهم في تلك الحالة (واصحهما) وهو المذكور في الكتاب أنه لا يشترط لان الغرض من الاستخلاف ادامة الجماعة التى كانت وتنزيل الخليفة منزلة الاول ولهذا يراعي نظم صلاته ولو استمر الامام الاول لم يحتج القوم الي تجديد نية فكذلك الان (الثانية) لو لم يستخلف الامام قدم القوم بالاشارة واحدا ولو تقدم واحد بنفسه جاز أيضا بل تقديم القوم أولى من استخلاف الامام لانهم في الصلاة والامام قد خرج منها ولهذا قال امام الحرمين لو قدم القوم واحدا والامام آخر فاظهر الاحتمالين أن من قدمه القوم أولى وحكي المسعودي وغيره من اصحابنا عن أبى حنيفة أنه يشترط أن يكون تقدم الخليفة باذن الامام وأن القوم لا يستقلون بالتقديم وفى مختصر الكرخي خلاف ذلك والله اعلم (الثالثة) لو لم يستخلف الامام ولا قدم القوم ولا تقدم احد فالحكم على ما ذكرناه تفريعا على القديم قال الائمة ويجب على القوم تقديم واحد إن كان خروجه من الصلاة في الركعة الاولي ولم يستخلف وإن كان في الثانية لم يجب التقديم ولهم الانفراد بها كالمسبوق وقد حكينا في الطريقين خلافا تفريعا علي القديم فيتجه عليه الخلاف في الوجوب وعدمه هذا كله إذا احدث في أثناء الصلاة اما لو أحدث بين الخطبة والصلاة واراد أن يستخلف غيره ليصلي بالناس ان قلنا يجوز الاستخلاف في الصلاة فيجوز ذلك والا فلا يجوز ان يخطب واحد ويؤم آخر لان الخطبتين في

(4/561)


في الجمعة بمثابة ركعتين من الصلاة فعلى هذا ان وسع الوقت خطب بهم آخر وصلى والا صلوا الظهر ورتب الخلاف في هذه الصورة علي الخلاف في الاستخلاف في الصلاة ثم اختلفوا فمنهم من جعل هذه الصورة أولي بالجواز لان الخطبة منفصلة عن الصلاة والصلاة عبادة واحدة فيكون احتمال التعدد فيها أبعد وعكس الشيخ أبو حامد فجعل هذه الصورة أولي بالمنع لان عقد الصلاة قد نظم الامام والخليفة وهى عبادة واحدة والخطبة والصلاة متميزتان ليس لهما عقد متحد ينظمهما ثم إذا جوزنا فالشرط أن يكون الخليفة ممن سمع الخطبة لان من لم يسمع ليس من أهل الجمعة ألا ترى أنه لو بادر قوم من السامعين بعد الخطبة إلى عقد الجمعة انعقدت لهم بخلاف غيرهم وإنما يصير غير السامع من أهل الجمعة إذا دخل في صلاة الامام هكذا قاله الجمهور وذكر صاحب التتمة فيه وجهين ولو أحدث في أثناء الخطبة وشرطنا الطهارة فيها فهل يجوز الاستخلاف ان قلنا لا يجوز في الصلاة فلا وان قلنا يجوز فوجهان حكاهما ابن الصباغ أصحهما الجواز كما في الصلاة * (فرع) لو صلي مع الامام ركعة من الجمعة ثم فارقه بعذر أو بغير عذر ولم تبطل صلاته جاز له أن يتمها جمعة كما لو أحدث الامام * (فرع) لو أتم الامام ولم يتم المأمومون فارادوا ان يستخلفوا من يتم بهم ان لم نجوز الاستخلاف للامام لم يجز لهم وان جوزنا فان كان في الجمعة بان كانوا مسبوقين لم يجز لان الجمعة لا تنشأ بعد الجمعة والخليفة منشئ وان كان في غيرها فان كانوا مسبوقين أو مقيمين وهو مسافر فوجهان (أظهرها) المنع لان الجماعة قد حصلت في كمال الصلاة وهم إذا أتموا فرادى نالوا فضلها *

(4/562)


قال (الثانية إذا زوحم المقتدى عن سجود الركعة الاولي انتظر التمكن فان سجد قبل ركوع الامام وقرأ في الثانية كان معذورا في التخلف وان وجد الامام راكعا عند فراغه من السجود التحق بالمسبوق علي احد الوجهين حتى تسقط القراءة عن (الركعة الثانية) فان وجد الامام فارغا من الركوع
وقلنا أنه كالمسبوق فهنا يتابع الامام في فعله لكن يقوم بعد سلام الامام إلى ركعة ثانية وإن قلنا ليس كالمسبوق فيشتغل بترتيب صلاة نفسه ويسعى خلف الامام وهو معذور في التخلف) * هذا ابتداء مسألة الزحام وهي موصوفة بالاشكال لانشعاب حالاتها وطول تفاريعها ونحن نلخصها ونوضح ما في الكتاب منها بحسب الامكان فنقول إذا منعته الزحمة في الجمعة عن ان يسجد علي الارض مع الامام في الركعة الاولي نظر ان امكنه ان يسجد علي ظهر انسان أو رجله لزمه ذلك لانه متمكن من ضرب من السجود يجزئه وقد روي عن عمر رضي الله عنه انه قال " إذا زوحم أحدكم في صلاته فليسجد علي ظهر أخيه " وبهذا قال أبو حنيفة واحمد وقال مالك يصبر ولا يسجد علي ظهر الغير ونقل المحاملى وغيره وجها أنه يتخير بين ان يسجد علي ظهر الغير متابعة للامام وبين أن يصبر ليحصل له فضيله السجود علي الارض والمذهب الاول ثم قال معظم الاصحاب انما يسجد على ظهر الغير إذا قدر علي رعاية هيئة الساجدين بأن كان على نشز من الارض والمسجود علي ظهره في موضع منخفض فان لم يكن كذلك لم يكن المأتى به سجودا وفى العدة أنه لا يضر ارتفاع الظهر والخروج عن هيئة الساجدين لمكان العذر وقد ذكر صاحب الافصاح ذلك وإذا تمكن من السجود علي ظهر الغير

(4/563)


فلم يفعل ففيه وجهان حكاهما الشيخ أبو محمد (وأظهرهما) أنه تخلف بغير عذر (والثانى) أنه تخلف بالقدر وقد سبق حكم القسمين أما إذا لم يمكنه أن يسجد علي الارض ولا علي ظهر الغير فلو خرج عن المتابعة لهذا العذر وأراد أن يتمها ظهرا هل يصح فيه قولان لانه ظهر قبل فوات الجمعة وسيأتي الخلاف فيه قال الامام ويظهر عندي منعه من الانفراد لان إقامة الجمعة واجبة والخروج عنها قصدا مع توقع إدراكها لا وجه له فإذا دام علي المتابعة فما الذى يفعل ذكر في النهاية أن شيخه حكي فيه ثلاثة أوجه (أحدها) أن يومئ بالسجود أقصي ما يمكنه كالمريض لمكان العذر (واصحها) وهو المذكور في الكتاب انه ينتظر التمكن ولا يومئ لقدرته علي السجود وندور هذا العذر وعدم دوامه (والثالث) أن يتخير بينهما وهذه الوجوه كالوجوه في الغازى أنه يقعد ويومئ أو يقوم ويتم الاركان أو يتخير بينهما وإذا فرعنا علي الصحيح وهو أنه ينتظر فلا يخلو إما أن يتمكن من السجود قبل ركوع الامام في الثانية أو لا يتمكن
إلي ركوعه فيها فاما في القسم الاول فيسجد كما تمكن ثم إذا فرغ فللامام أحوال أربع (أحداها) أن يكون بعد في القيام فيفتتح القراءة فان أتمها ركع معه وجرى على متابعته ولا بأس بما وقع من التخلف للعذر كما في صلاة عسفان يسجد الحارسون بعد قيام الامام إلي الثانية للعذر كما سيأتي في صلاة الخوف وان ركع الامام قبل أن يتمها فيبني حكمه على وجهين نذكرهما في أنه هل يلتحق بالمسبوق أم لا وقد بينا حكم المسبوق وغيره في ذلك في صلاة الجماعة (الثانية) أن يكون في الركوع ففيه وجهان (أصحهما) عند الجمهور أنه يدع القراءة ويركع معه لانه لم يدرك محلها فسقطت عنه كالمسبوق (والثانى) وهو اختيار القفال وجماعة أنه لا يدعها ولا تسقط عنه لانه مؤتم بالامام في حال قراءته فلزمته بخلاف المسبوق فعلى هذا يقرأ ويسعي خلف الامام وهو متخلف بالعذر (الثالثة) أن يكون فارغا من الركوع لكنه

(4/564)


يعد في الصلاة فان قلنا في الصورة السابقة أنه كالمسبوق فيتابع الامام فبما هو فيه ولا يكون محسوبا له بل يقوم عند سلام الامام إلى ركعة ثانية وإن قلنا ليس كالمسبوق فيشتغل بترتيب صلاة نفسه وحكى في النهاية طريقة أخرى أنه ليس له في هذه الصورة إلا متابعة الامام (الرابعة) لو وجد الامام متحللا من صلاته لا يكون مدركا للجمعة فان الامام قد خرج من الصلاة قبل أن تتم له ركعة بخلاف ما إذا رفع رأسه من السجود وسلم الامام في الحال قال إمام الحرمين وإذا جوزنا له التخلف وأمرناه بالجريان على ترتيب صلاة نفسه فالوجه ان يقتصر على الفرائض فعساه يدرك الامام ويحتمل أن يجوز له الاتيان بالسنن مع الاقتصار على الوسط منها وهذه الاحوال مذكورة

(4/565)


في الكتاب سوى الرابعة منها وانما تكلم في الصورة التى يقع فيها هذه الاحوال وهى ان تمنعه الزحمة من مطلق السجود دون ان تمنعه من السجود علي الارض خاصة وقوله وقلنا انه كالمسبوق فههنا يتابع الامام يجوز اعلامه بالواو للطريقة التى حكاها الامام انه يتابع بلا خلاف * قال (اما إذا لم يتمكن من السجود حتى ركع الامام فقولان (أحدهما) يركع معه وقد حصلت
له ركعة واحدة اما ملفقة من هذا السجود والركوع الاول علي احد الوجهين واما منظومة من هذا الركوع والسجود فان قلنا بالملفقة فهل تصلح لادراك الجمعة بها فعلي وجهين ولو خالف أمرنا ولم يركع مع الامام لكن سجد بطلت صلاته الا إذا كان جاهلا بالتحريم فيجعل كانه لم يسجد وينظر بعده فان راعي ترتيب صلاة نفسه فإذا سجد في ركعته الثانية حصلت له ركعة فيها نقصان التلفيق ونقصان القدوة الحكمية لوقوعها بعد الركوع الثاني للامام وهل تصلح الحكمية لادراك الجمعة فيه وجهان اما إذا تابع الامام بعد فراغه من سجوده الذى سها به فقد سجد مع الامام حسا أو حكما وتمت له ركعة ملفقة) * القسم الثاني أن لا يتمكن من السجود حتى يركع الامام في الثانية وفيما يفعل والحالة هذه قولان (أصحهما) وبه قال مالك واحمد واختاره القفال انه يتابعه فيركع معه لظاهر قوله " انما جعل الامام

(4/566)


ليؤتم به فإذا ركع فاركعوا " ولانه ادرك الامام في الركوع فيركع معه كالمسبوق (والثانى) وبه قال ابو حنيفة لا يركع معه بل يراعي ترتيب صلاة نفسه فيسجد لقوله صلي الله عليه وسلم " وإذا سجد فاسجدوا " وقد سجد الامام في الاولي فليسجد هو امتثالا للامر ولانه لو ركع لكان مواليا بين ركوعين في ركعة واحدة قال الرويانى وهذا أصح (التفريع) ان قلنا بالاول فاما ان يوافق ما امرناه به أو يخالف (الحالة الاولي) ان يوافق فاى الركوعين يحسب له فيه وجهان وقيل قولان (احدهما) الاول لانه انى به في وقت الاعتداد بالركوع وانما اتى بالثاني لعذر وهو موافقة الامام فاشبه ما لو والى بين ركوعين ناسيا (والثانى) المحسوب الثاني لان المدة قد طالت وافرط التخلف فكأنه مسبوق لحق الآن فيحسب له الركوع وما بعده ويلغى ما سبق وذكروا ان منشأ هذا الخلاف التردد في تغيير لفظ الشافعي رضى الله عنه فانه قال علي هذا القول فيركع معه في الثانية وتسقط الاخرى فمن قائل اراد بالاخرى الاخيرة ومن قائل اراد الاولى قالوا والاول اصح والثانى اشبه بكلامه وقوله في الكتاب اما ملفقة إلى آخره واما منظومة من هذا الركوع والسجود أي علي هذا الوجه الثاني فان قلنا بالوجه الثاني اجزأته الركعة الثانية من الجمعة فيضم إليها اخرى عند سلام الامام وان

(4/567)


قلنا بالاول فالحاصل ركعة ملفقة من هذا السجود وذلك الركوع وفى ادراك الجمعة بها وجهان (احدهما) وبه قال ابن ابى هريرة لا يدرك لنقصانها بالتلفيق ومن شرط الجمعة وادراكها استجماع صفة الكمال (واصحهما) وبه قال أبو اسحق يدرك لقوله صلي الله عليه وسلم " من أدرك ركعة من الجمعة فليضف إليها أخرى " والتلفيق ليس بنقص في حق المعذور وان كان نقصا فهو غير مانع الا ترى انا إذا احتسبنا بالركوع الثاني حكمنا بادراك الجمعة بلا خلاف مع حصول التلفيق بين هذا الركوع وذلك التحرم (الحالة الثانية) أن يخالف امرنا فلا يركع معه ويسجد جريا علي ترتيب صلاته فاما أن يفعل ذلك عالما بان واجبه المتابعة أو يفعله ناسيا أو معتقد أن الواجب عليه رعاية ترتيبه فان فعله عالما ولم ينو مفارقة الامام بطلت صلاته وعليه التحرم بالجمعه ان امكنه ادراك الامام في الركوع وان نوى مفارقته فقد اخرج نفسه عن صلاة الامام بغير عذر وفى بطلان الصلاة به قولان سبقا فان لم تبطل لم تصح جمعته وفى صحة الظهر خلاف مبنى علي أن الجمعة إذا تعذر اتمامها هل يجوز اتمامها ظهرا وعلي أن الظهر هل تصح قبل فوات الجمعة وسيأتي ذلك وقوله تبطل صلاته الا إذا كان جاهلا ينبغي أن يعلم فيه أن الاستثناء لا ينحصر في الجاهل بل الناس في معناه وقوله بطلت صلاته ان اراد ما إذا

(4/568)


لم ينو المفارقة واستدام نيته الاولى فذاك وإن اراد اطلاق الحكم نوى المفارقة ام لا فيحتاج الي الاعلام بالواو واما إذا فعله جاهلا أو ناسيا فما اتى به من السجود لا يعتد به ولا تبطل الصلاة ثم ان فرغ والامام راكع بعد بان خفف سجوده وطول الامام فعليه متابعته فان تابعه وركع معه فالتفريع كما سبق لو لم يسجد وان لم يركع معه أو كان الامام قد فرغ من الركوع فينظر ان راعى ترتيب صلاة نفسه بان قام بعد السجدتين وقرأ وركع وسجد فقد قال حجة الاسلام قدس الله روحه ههنا وفى الوسيط تتم له ركعة بهما لكن فيها نقصانان (احدهما) نقصان التلفيق فان ركوعها من الاولي وسجودها من الثانية وفيها الخلاف المذكور (والثاني) نقصان القدوة الحكمية وبين في النهاية معناه فقال ان المزحوم لم يسجد على متابعة الامام والاقتداء به حقيقة وحسا وانما سجد متخلفا عنه الا انه معذور
فسحبوا حكم القدوة عليه وقالوا ان لم يفرط التخلف بان سجد قبل ركوع الامام الحق اقتدؤاه بالاقتداء الحقيقي وجعل مدركا للجمعة كما تقدم فاما إذا سجد بعد ركوعه فقد افرط التخلف وانتهى الامام الي آخر ما به يدرك المسبوق الجمعة فالمتم ركعته معرضا عن الاقتداء به حقيقة هل يكون مدركا للجمعة فيه وجهان (اصحهما) نعم ويقرب توجيههما مما ذكرنا في الملفقة وقد عرفت مما ذكرنا انه الي ماذا اشار بقوله لوقوعها بعد الركوع الثاني للامام وان الخلاف ليس في مطلق الحكمية فان السجود في حال قيام الامام ليس علي حقيقة المتابعة ولا خلاف في إدراك الجمعة به ثم اعرف شيئين (احدهما) انه اطلق الحكم باحتساب سجدتيه في الثانية وتمام الركعة بهما ثم نقل التردد في إدراك الجمعة بها ولا شك في ان هذا التردد مخصوص بما إذا وقعتا قبل سلام الامام فاما إذا وقعتا أو شئ منهما بعد سلام الامام فقد نصوا علي انه لا يكون مدركا للجمعة على أن في أصل الاحتساب إذا وقعتا قبل سلام الامام اشكالا لانا

(4/569)


علي القول الذى عليه التفريع نأمره بالمتابعة بكل حال فكما لا يحسب له السجود والامام راكع لان فرضه المتابعة وجب أن لا يحسب له والامام في ركن بعد الركوع والمفهوم من كلام الاكثرين هذا وهو عدم الاحتساب بشئ مما يأتي به على غير سبيل المتابعة فإذا سلم الامام سجد سجدتين لتمام الركعة ولا يكون مدركا للجمعة نعم صرح الصيدلاني باحتساب السجدتين وبنقل الوجهين في إدراك الجمعة بها كما ذكره في الكتاب والله أعلم (الثاني) انه زيد في بعض النسخ بعد قوله فيجعل كأنه لم يسجد ثم ان أدرك الامام راكعا عاد التفريع كما مضي وإن فات الركوع بنظر بعده فان راعى وهكذا هو في الوسيط وليس في بعضها هذه الزيادة والامر فيها قريب وعلى الاول فليس التفصيل المرتب علي قوله وإن فات الركوع مخصوصا بما إذا فات الركوع عند فراغ المزحوم من السجود بل لو كان الامام في الركوع بعد لكنه جرى على ترتيب صلاته كان الحكم كما لو فات الا أن يطيل الامام ركوعه فيكون بعد فيها حين سجد المزحوم في الثانية فلا يعتد به هذا كله فيما إذا جرى علي ترتيب صلاته بعد فراغه من سجدتيه اللتين لم يعتد بهما فاما إذا فرغ منهما والامام ساجد فاتفق له متابعته في السجدتين فهذا هو الذى نأمره به والحالة هذه تفريعا علي هذا القول فيحسبان له
ويكون الحاصل ركعة ملفقة (واما النقصان الاخر) فهو مفقود ههنا لانه سجد مع الامام حسا (وقوله) بعد سجوده الذى سها به أي جهل حكمه فانه بمثابة السهو وإن وجده جالسا للتشهد وافقه فإذا سلم سجد سجدتين لتتم له الركعة ولا جمعة له لانه لم يتم له ركعة والامام في الصلاة وكذلك يفعل لو وجده قد سلم حين فرغ من سجدتيه * قال (والقول الثاني انه لا يركع مع الامام بل يراعى ترتيب صلاة نفسه فان خالف مع العلم

(4/570)


وركع بطلت صلاته وان كان جاهلا لم تبطل وحصل له بسجوده مع الامام ركعة ملفقة وان وافق قولنا وسجد فسجوده واقع في قدوة حكمته ففي الادراك بها وجهان فعلي هذا للامام حالتان عند فراغه من السجود فان كان فارغا من الركوع فيجرى على ترتيب صلاة نفسه وان كان راكعا ركع معه ان قلنا انه كالمسبوق والاجرى علي ترتيب صلاة نفسه) * ذكرنا أصل هذا القول وتوجهه مع الاول وأما التفريع فانه لا يخلو إما ان يوافق ما أمرناه به وهو رعاية ترتيبه أو يخالف (احدى الحالتين) أن يخالف امرنا ويركع مع الامام فان كان عامدا بطلت صلاته وعليه أن يبتدئ بالجمعة ان امكنه ادراك الامام في الركوع وان كان ناسيا أو جاهلا يعتقد ان الواجب عليه الركوع مع الامام فلا يعتد بركوعه ولا تبطل صلاته فإذا سجد معه بعد الركوع فهل تحسب له السجدتان المشهور انهما يحسبان له لانا امرناه بالسجود علي هذا القول فقدم عليه شيئا غير معتد به ولا مفيد فإذا انتهي إليه وجب ان يقع عن المأمور وهذا هو الذى ذكره في الكتاب فقال وحصلت له بسجوده مع الامام ركعة ملفقة وحكي الشيخ أبو محمد رحمة الله عليه في السلسلة وجها آخر انه لا يعتد بهما لانه اتى بهما على قصد الثانية فلا يقع عن اولاه كما لو نسى سجدة من صلب الصلاة ثم سجد لتلاوة أو سهو لا يقوم مقامها فان قلنا بالاول فالحاصل ركعة ملفقة وفى الادراك بها ما سبق من الخلاف (الحالة الثانية) ان يوافق ما امرناه به فيسجد فهذه القدوة حكمية لوقوع السجود بعد الركوع الثاني للامام وفى إدراك الجمعة بها الوجهان السابقان وهما مشهوران في هذا الموضع في كلام الاصحاب ثم إذا فرغ من السجود فللامام حالتان (احداهما) ان يكون فارغا من الركوع
إما في السجود أو في التشهد ففيه وجهان (احدهما) وهو المذكور في الكتاب انه يجرى علي ترتيب صلاة نفسه فيقوم ويقرأ ويركع لانا امرناه بذلك حالة ركوع الامام مع انه الركن الذى يتعلق به إدراك

(4/571)


المسبوق فلان نأمره به بعد مجاوزتة كان أولي (والثانى) أنه يلزمه متابعة الامام فيما هو فيه فإذا سلم الامام اشتغل بتدارك ما عليه لانه إنما جعل الامام ليؤتم به فصار كالمسبوق يدرك الامام ساجدا أو متشهدا بخلاف الركعة الاولي فانه أدرك منها القيام والركوع فلزمه إتمامها ويشبه أن يكون هذا الوجه أظهر في المذهب لان كثيرا من اصحابنا لم يوردوا سواه منهم جماعة من العراقيين والشيخ أبو محمد ونقل ابن الصباغ وصاحب المهذب الوجهين وقالا الاصح هو الثاني وعلي هذا الثاني قال الشيخ أبو محمد لو كان الامام عند فراغه من السجود قد هوى للسجدتين فتابعه فقد والى بين اربع سجدات فالمحسوب لتمام الركعة الاولي الاوليان ام الاخريان فيه وجهان كما سبق في الركوعين (اقربهما) إلي الصواب احتساب الاوليين وعلي الوجه الثاني يعود الخلاف المذكور في الركعة الملفقة (والثانية) ان يكون الامام راكعا بعد فهل عليه متابعته وتسقط عنه القراءة كالمسبوق أو يشتغل بترتيب صلاة نفسه فيقرأ فيه وجهان كما ذكرنا تفريعا علي القول الاول فعلي الاول يسلم معهم ويتم جمعته وعلي الثاني يقرأ ويسعى ليلحقه وهو مدرك للجمعة ايضا وقوله في اول القول الثاني لا يركع معه معلم بالميم والالف وقوله في اول القول الاول يركع معه بالحاء لما قدمناه ويجوز ان يعلم كلاهما بالزاى لان الاصحاب اختلفوا في اختيار المزني ومذهبه من القولين فعن ابن سريج وابن خيران ان اختياره القول الثاني وعن ابي اسحق ان اختياره القول الاول ولهذا الاختلاف شرح ليس هذا موضعه ولعلك تقول قوله فعلي هذا للامام حالتان تفريع وترتيب فعلي ماذا رتبه والمذكور قبله وجهان مرسلان في ان القدوة الحكمية هل تفيد إدراك الجمعة (والجواب) انه أراد الترتيب علي قولنا ان القدوة الحكمية تصلح للادراك وقد بين ذلك في الوسيط لكن إيراد المعظم يدل علي ان كلام الحالتين لا يختص بالتفريع علي أحد الوجهين بل هو شامل لهما وإنما يختلفان في القدر الذى يتداركه هذا تمام

(4/572)


الكلام فيما إذا لم يتمكن المزحوم في السجود حتي ركع الامام في الثانية ولو لم يتمكن منه حتى سجد لامام في الثانية فيتابعه في السجود قولا واحدا والحاصل ركعة ملفقة ان قلنا الواجب متابعة الامام وغير ملفقة إن قلنا الواجب عليه رعاية ترتيب صلاته ذكره في التهذيب ولو لم يتمكن منه حتى تشهد الامام قال في التتمة يسجد ثم إن ادرك الامام قبل السلام فقد ادرك الجمعة وإلا فلا ولو كان الزحام في سجود الركعة الثانية وقد صلي الاولي مع الامام فيسجد متي تمكن قبل سلام الامام أو بعده وجمعته صحيحة وإن كان مسبوقا لحقه في الثانية فان تمكن قبل سلام الامام سجد وقد ادرك ركعته وإن لم يتمكن حتى سلم الامام فلا جمعة له ولو زحم عن ركوع الركعة الاولى حتى ركع الامام في الثانية يركع ثم قال الاكثرون يعتد له بالركعة الثانية وتسقط الاولي ومنهم من قال الحاصل ركعة ملفقة * قال (ومهما حكمنا بانه لم يدرك الجمعة فهل تنقلب صلاته ظهرا فيه قولان يعبر عنهما بان الجمعة هي ظهر مقصورة أم هي صلاة علي حيالها فان قلنا لا تنقلب ظهرا فهل تبقى نفلا يبنى علي القولين في المتحرم بالظهر قبل الزوال) * إذا عرضت حالة في الصلاة تمنع من وقوعها جمعة في صورة الزحام وغيرهما فهل يتم صلاته ظهرا فيه قولان يتعلقان باصل وهو ان الجمعة ظهر مقصورة أو هي صلاة علي حيالها وقد اختلف قول الشافعي رضي الله عنه في فروع تقتضي اختلافه في هذا الاصل (أحدهما) أنها ظهر مقصورة لان وقتها وقت الظهر لكن وجب القصر فيها عند تمام شروطها (والثانى) انها صلاة علي حيالها ألا ترى

(4/573)


انه لا يجوز فعلها في سائر الايام ولا يجوز فعل الظهر في هذا اليوم فان قلنا انها ظهر مقصورة فإذا فات بعض شرائط الجمعة أتمها ظهرا كالمسافر إذا فات شروط قصره وإن قلنا أنها فرض آخر فهل يتم فيه وجهان مذكوران في التهذيب وغيره (أحدهما) لا لانه شرع فيها بنية الجمعة (والثانى) نعم لانهما فرض وقت واحد (وقوله) في الكتاب فهل تنقلب صلاته ظهرا يشعر بان الخلاف في انقلابه بنفسه وفى النهاية حكاية وجهين في ذلك على قولنا أنه تتم صلاته ظهرا (أحدهما) انه تنقلب ظهرا من غير قصد
منه لانا إذا جعلناها ظهرا مقصورة فمتي بطل القصر ثبت الاتمام (والثاني) ان الشرط ان يقلبهما ظهرا بقصده لان بين الجمعة والظهر تغايرا في الجملة ليس بين القصر والاتمام فلا بد من قصد البناء والظاهر من الخلاف في المسألة ان له ان يتمها ظهرا وإذا قلنا لا يتمها ظهرا فهل تبقى صلاته نفلا ام تبطل من أصلها فيه القولان السابقان فيما إذا تحرم بالظهر قبل الزوال ونظائرها ثم قال امام الحرمين قول البطلان لا ينتظم تفريعه إذا امرناه في صورة الزحام بشئ فوافق امرنا لان الامر بالشئ والحكم ببطلانه ورفعه آخرا محال فليكن ذلك مخصوصا بما إذا امرناه بشئ فخالف وحيث اطلق الائمة ترتيب الخلاف وتنزيله فهو محمول على هذا * قال (والنسيان هل يكون عذرا كالزحام فيه وجهان) * التخلف بالنسيان هل هو كالتخلف بالزحام فيه وجهان (اصحهما) نعم لمكان العذر (والثانى) لا لانه نادر ولانه مفرط إذ هو بسبيل من ادامة الذكر هكذا اطلق جماعة نقل الوجهين منهم المصنف والمفهوم من كلام الاكثرين ان في ذلك تفصيلا ان تأخر سجوده عن سجدتي الامام

(4/574)


ثم سجد في حال قيام الامام فالحكم كما ذكرناه في الزحام وكذلك لو تأخر لمرض لشمول العذر وعدم افراط التخلف وان بقي ذاهلا عن السجود حتى ركع الامام في الثانية ثم تنبه فهنا خلاف منهم من قال فيه القولان في المزحوم (احدهما) يركع معه (والثانى) يجرى على ترتيب صلاة نفسه وبهذا قال القاضي ابو حامد ومنهم من قال يتبعه قولا واحدا لانه مقصر بالنسيان فلا يجوز له ترك المتابعة وهذا اظهر عند القاضي الروياني (خاتمة) الزحام كما يفرض في صلاة الجمعة يفرض في سائر الصلوات وانما يذكر في الجمعة خاصة لان الزحمة فيها أكثر ولانها يجتمع فيها وجوه من الاشكال لا تجرى في غيرها مثل التردد في ان الركعة الملفقة هل تدرك بها الجمعة وكذا التردد في القدوة الحكمية والتردد في أن المبنية على ان الجمعة ظهر مقصورة ولان الجماعة شرط فيها ولا سبيل الي المفارقة ما دام يتوقع ادراك الجمعة بخلاف سائر الصلوات إذا عرفت ذلك فلو فرضت الزحمة في سائر الصلوات وامتنع عليه السجود في الاولي حتى ركع الامام في الثانية اطرد فيه القولان وحكى القاضي بن كج طريقتين اخريين (احداهما) انه يركع معه بلا خلاف
(والثانى) انه يراعي ترتيب صلاته بلا خلاف *

(4/575)


قال (الشرط السادس الخطبة وأركانها خمسة (ح) الحمد لله ويتعين هذا اللفظ والصلاة علي رسول الله صلي الله عليه وسلم ويتعين لفظ الصلاة والوصية بالتقوى ولا يتعين لفظها إذ غرضه الوعظ وأقلها أطيعوا الله والدعاء للمؤمنيين وأقله رحمكم الله وقراءة القرآن وأقله آية والدعاء لا يجب الا في الثانية والقراءة تختص بالاولى علي أحد الوجهين والتحميد والصلاة والوصية واجبة في الخطبتين) * من شرائط الجمعة تقدم خطبتين " لان النبي صلى الله عليه وسلم لم يصل الجمعة إلا بخطبتين " قال صلوا كما رأيتموني أصلي " وروى عن عمر رضي الله عنه وغيره " ان الصلاة انما قصرت للخطبة " والكلام في واجبات الخطبة وسننها أما الواجبات فقد جعلها قسمين الاركان والشرائط وعد الاركان خمسة (أحدها) حمد الله تعالي لما روى انه صلي الله عليه وسلم وسلم " خطب يوم الجمعة فحمد الله وأثنى عليه " ويتعين لفظ الحمد اتباعا لما درجوا عليه من عصر الرسول صلي الله عليه وسلم إلي عصرنا هذا (والثانى) الصلاة علي رسول الله صلي الله عليه وسلم فان كل عبادة افتقرت إلي ذكر الله تعالي افتقرت إلي ذكر رسوله كالاذان والصلاة ويتعين لفظ الصلاة كما ذكرنا في الحمد وحكي في النهاية عن كلام بعض الاصحاب ما يوهم انهما لا يتعينان ولم ينقله وجها مجزوما به (والثالث) الوصية بالتقوى لان النبي صلي الله عليه وسلم " واظب عليها في خطبه " ولان المقصود من الخطبة الوعظ والتحذير

(4/576)


فلا يجوز الاخلال به وهل يتعين لفظ الوصية فيه وجهان (أحدهما) نعم كالحمد والصلاة (وأصحهما) وهو المذكور في الكتاب لا لان غرضها الوعظ فبأى لفظ وعظ حصل الغرض وقد روى هذا عن نصه في الاملاء قال الامام ولا يكفى الاقتصار علي التحذير من الاغترار بالدنيا وزخارفها فان ذلك قد يتواصى به المنكرون للمعاد أيضا بل لا بد من الحمل على طاعة الله تعالي وحده والمنع من المعاصي ولا يجب في الموعظة فصل وكلام طويل بل لو قال أطيعوا الله كفاه وأبدى الامام احتمالا فيه وقال الغرض استعطاف القلوب وتنبيه الغافلين ولا يحصل ذلك إلا بفصل يهز ويستحث وعلى ذلك
جرى الاولون واللائق بمذهب الشافعي رضي الله عنه الاتباع ولا تردد في كلمتي الحمد والصلاة انهما كافيتان ثم هذه الاركان الثلاثة لا بد منها في الخطبتين جميعا وحكي الحناطى وجها غريبا انه لو صلي على النبي صلي الله عليه وسلم في أحداهما جاز فيجوز أن يعلم لذلك لفظ الصلاة في قوله والتحميد والصلاة والوصية واجبة في الخطبتين بالواو (والرابع) الدعاء للمؤمنين ركن في ظاهر المذهب اتباعا وفيه أوجه آخر انه لا يجب لانه لا يجب في غير الخطبة فكذلك في الخطبة كالتسبيح وكلام صاحب التلخيص يوافق هذا الوجه ويحكي عن نصه في الاملاء أيضا وإذا قلنا بالاول فهو مخصوص بالثانية فان الدعاء يليق بحالة الاختتام ولو دعا في الاول لم يحسب عن الثانية ويكفي ما يقع عليه الاسم قاله الامام وأرى انه يجب أن

(4/577)


يكون متعلقا بامور الآخرة غير مقتصر علي أوطار الدنيا وانه لا بأس بتخصيصه بالسامعين بأن يقول رحمكم الله (الخامس) قراءة القرآن وهى من الاركان روى انه صلى الله عليه وسلم " كان يقرأ آيات ويذكر الله تعالي " ونقل قول عن الاملاء انها ليست من الاركان وإنما هي من المستحبات وقد يحكى المذهبان وجهين عن أبى اسحق المروزى فان قلنا بالمشهور وهو انها ركن فقد قال الاصحاب أقله آية ويحكى عن ذلك عن نص الشافعي رضي الله عنه ولا فرق بين أن يكون مضمونها وعدا أو وعيدا أو حكما أو قصة قال الامام ولا يبعد الاكتفاء بشطر آية طويلة ولا شك انه لو قال (ثم نظر) لم يكف وان عد آية بل يعتبر أن تكون مفهمة واختلفوا في محلها على ثلاثة أوجه (أظهرها) وينقل عن نصه في الام انها تجب في أحدهما لا بعينها لان المنقول انه كان يقرأ في الخطبة وهذا القدر لا يوجب كون القراءة فيهما ولا في واحدة على التعيين (والثاني) أنها تجب فيهما لانها ركن فأشبهت الثلاثة الاول (والثالث) انها تختص بالاولى في مقابلة الدعاء المختص بالثانية وهذا ظاهر لفظه في المختصر وقوله في الكتاب والقراءة تختص بالاولي على أحد الوجهين تعرض لهذا الوجه الثالث ويمكن ادراج الوجهين الآخرين في مقابله بأن يقال والثانى لا يختص وعلي هذا تجب فيهما أو تجب في واحدة لا علي التعيين فيه وجهان " ويستحب أن يقرأ في الخطبة سورة ق روى ذلك عن النبي صلي الله عليه وسلم وسلم " وان قرأ آية سجدة

(4/578)


نزل وسجد فلو كان المنبر عاليا لو نزل لطال الفصل ففيه الخلاف المذكور في اشتراط الموالاة ولا تداخل في الاركان المذكورة حتي لو قرأ آية فيها موعظة وقصد ايقاعها عن الجهتين لم يجز ولا يجوز أن يأتي بآيات تشتمل على الاركان المطلوبة فان ذلك لا يسمى خطبة ولو أتى ببعضها في ضمن آية لم يمتنع (وقوله) في الكتاب وأركانها خمسة معلم بالواو للخلاف المذكور في القراءة والدعاء وبالحاء لان عنده يكفيه أن يقول الحمد لله أو لا إله الا الله ونحوهما وبالميم لانه روى عن مالك مثل مذهب أبى حنيفة وروى انه قال لا يجزئه إلا ما سمته العرب خطبة ويجوز ان يعلم كل واحد من الاركان بعلامتهما لما ذكرنا وكذا الحكم بتعين الحمد لله والصلاة ولك ان تبحث في شيئين من قوله ويتعين هذه اللفظة وقوله ويتعين لفظ الصلاة (احدهما) ان الحكم بتعين اللفظين يقتضي عدم اجزائهما بغير العربية فهل هو كذلك (والجواب) ان في اشتراط كون الخطبة كلها بالعربية وجهان (اصحهما) انه شرط اتباعا لما جرى عليه الناس (والثانى) ذكره في التتمة مع الاول انه لا يشترط اعتبارا بالمعني فعلي الصحيح لو لم يكن فيهم من يحسن العربية خطب بغيرها ويجب ان يتعلم واحد منهم الخطبة بالعربية كالعاجز عن التكبير بالعربية عليه التعلم فلو مضت مدة امكان التعلم ولم يتعلموا عصوا وليس لهم الجمعة (الثاني) لم قال في الحمد لله وتتعين هذه اللفظة ولم يقل مثل ذلك في الصلاة علي رسول الله ولكن خص التعين بالصلاة (والجواب) انما لم يقل في الصلاة وتتعين هذه اللفظة لانه لو قال والصلاة علي محمد أو علي النبي جاز ولا يشترط التعرض للفظ الرسول (وقوله) في الحمد وتتعين هذه لله اللفظة مقتضاه انه لو قال الحمد للرحمن أو للرحيم لا يجزئه وذلك مما لا يبعد كما في كلمة التكبير

(4/579)


لكن لم اره مسطورا فاما ان قوله والصلاة علي النبي مجزئ فلا شك فيه وهو لفظ الشافعي رضى الله عنه في المختصر * قال (وشرائطها ستة الوقت وهو ما بعد الزوال وتقديمها علي الصلاة بخلاف صلاة العيدين والقيام فيهما والجلوس بين الخطبتين مع الطمأنينة وفى طهارة الخبث والحدث والموالاة خلاف) * لما فرغ من الاركان اشتغل بذكر الشرائط وعدها ستا وهذا الفصل يشتمل علي خمسة منها
(احداها) الوقت وهو ما بعد الزوال فلا يجوز تقديم الخطبتين ولا شئ منهما عليه خلافا لاحمد حيث قال يجوز كما حكينا عنه في نفس الصلاة ولمالك حيث جوز تقديم الخطبة على الزوال وان لم يجز تقديم الصلاة * لنا ما روى انه صلي الله عليه وسلم " كان يخطب يوم الجمعة بعد الزوال " ولو جاز التقديم لقدمها تخفيفا على المبكرين وايقاعا للصلاة في اول الوقت (الثانية) تقديم الخطبتين على الصلاة بخلاف صلاة العيد تقدم على الخطبتين لان النقل هكذا ثبت في الطرفين ثم فرقوا من وجهين (احدهما) ان خطبة الجمعة واجبة فقدمت ليحتبس الناس في انتظار الصلاة فيستمعوها ولا ينتشروا وخطبة العيد غير واجبة ولو انتشروا عنها لم يقدح (والثاني) ان الجمعة لا تؤدى الا جماعة فقدمت الخطبة عليها ليمتد الوقت ويلتحق الناس وصلاة العيد تؤدى من غير جماعة (الثالثة) القيام فيها عند القدرة خلافا لابي حنيفة واحمد حيث قالا لا يشترط ذلك ويجوز القعود مع القدرة

(4/580)


لنا أن النبي صلي الله عليه وسلم ومن بعده لم يخطبوا الا قياما " ولانه ذكر يختص بالصلاة ليس من شرطه القعود فكان من شرطه القيام كالقراءة والتكبير فان عجز عن القيام فالاولي أن ينيب غيره ولو لم يفعل وخطب قاعدا أو مضطجعا جاز كما في الصلاة ويجوز الاقتداء به سواء قال لا استطيع القيام أو سكت فان الظاهر أنه انما قعد لعجزه فان بان أنه كان قادرا فهو كما لو بان الامام جنبا (وقوله) القيام فيها معلم بالحاء والالف لما حكيناه من مذهبهما ويجوز اعلامه بالميم لان بعض اصحاب احمد حكي عن مالك مثل مذهبهما وبالواو لان القاضي ابن كج حكى عن بعض اصحابنا وجها أنه لو خطب قاعدا مع القدرة علي القيام يجزئه الرابعة) الجلوس بينهما خلافا لابي حنيفة ومالك واحمد

(4/581)


حيث قالوا انه سنة ليس بشرط * لنا مائبت من مواظبة رسول الله صلي الله عليه وسلم ومن بعده عليهما " وتجب الطمانينته فيه كما في الجلسة بين السجدتين ولو خطب قاعد لعجزه عن القيام لم يضطجع بينهما للفصل ولكن يفصل بينهما بسكتة خفيفة وهذا يقتضي اعلام قوله والجلوس بين

(4/582)


الخطبتين بالواو مع الحاء والميم والالف (فان قلت) لم عد القيام والقعود ههنا من الشرائط وهما معدودان في الصلاة من الاركان (فاعلم) أن امام الحرمين اجاب عنه بان قال الامر فيه قريب ولا حجر علي من يعدهما من الاركان كما في الصلاة ولا علي من لا يعدهما من الاركان في الصلاة ايضا ونقول المقصود لا يقع فيهما وهما محالان ويجوز الفرق بل الغرض من الخطبة الوعظ وهو امر معقول ولا يصح في الصلاة امر معقول

(4/583)


فجعل القيام بمثابة ما فيه وههنا عد شرطا ومحلا لما هو المقصود (الخامسة) هل يشترط في الخطبة طهارة الحدث وطهارة البدن والثوب والمكان عن الخبث فيه قولان (القديم) لا وبه قال مالك وابو حنيفة واحمد لان الخطبة ذكر يتقدم الصلاة فاشبه الاذان (والجديد) نعم اتباعا لما جرت الائمة عليه في الاعصار كلها وهذا الخلاف مبني عند بعض الائمة على أن الخطبتين بدل عن الركعتين ام لا وقال امام الحرمين وهو مبني على أن الموالاة في الخطبة هل هي شرط ام لا إن قلنا نعم فلا بد من أن يكون متطهرا لانه يحتاج الي الطهارة بعد الخطبة فتختل الموالاة وإن قلنا لا تشترط الموالاة لا تشترط الطهارة ومنهم من جعل الخلاف في الطهارة وجهين والقولان أشهر وقد طرد الخلاف في ستر العورة اما من يبنى علي أن الخطبتين بدل من الركعتين ام لا فتوجيهه هين على اصله وأما من لم يبن عليه فقد قال الامام سبب الاشتراط بروز الخطيب وما فيه من هتكة الانكشاف لو لم يتستر

(4/584)


(وقوله) في طهارة الحدث لفظ االحدث يشمل الحدث الاصغر والاكبر وقد صرح في التتمة بطرد الخلاف في اشتراط الطهارة عن الحدث والجنابة جميعا لكن قال في التهذيب لو خطب جنبا لم تحسب قولا واحدا لان القراءة شرط ولا تحسب قراءة الحنب وهذا اوضح والخلاف الذى ارسله المراد منه ما بيناه ونقله المصنف في الوسيط وجهين واما الخلاف في المولاة فهو قولان ومسألة الموالاة مكررة قد ذكرها مرة في الشرط الرابع للجمعة وانما جمع بينها وبين الطهارة للتناسب والبناء الذى ذكره الامام وإذا اشترطنا الطهارة فلو سبقه الحدث في الخطبة لم يعتد بما يأتي به في حال الحدث وفى بناء غيره عليه الخلاف الذى سبق ولو تطهر وعاد وجب الاستئناف إن طال الفصل وشرطنا
الموالاة وإن لم يطل الفصل ولم نشترط الموالاة فوجهان (أظهرهما) الاستئناف أيضا لانها عبادة واحدة فلا تؤدى بطهارتين كالصلاة * قال (ويجب رفع الصوت بحيث يسمع اربعين من اهل الكمال وهل يحرم الكلام على من عدي الاربعين فيه قولان (الجديد) أنه لا يحرم كما لا يحرم الكلام علي الخطيب وقيل بطرد القولين في الخطيب فان قلنا يجب الانصات فلا يسلم الداخل فان سلم لم يجب وفى تشميت العاطس وجهان وفى وجوبه علي من لا يسمع الخطبة وجهان وتحية المسجد مستحبة في اثناء الخطبة (ح م وان قلنا لا يجب الانصات ففى تشميت العاطس وفى رد السلام وجهان) * الشريطة السادسة للخطبة رفع الصوت فان الوعظ الذى هو مقصود الخطبة لا يحصل الا

(4/585)


بالابلاغ والاسماع وذلك لا يحصل الا برفع الصوت فلو خطب سرا بحيث لم يسمع غيره لم يحسب كالاذان وحكى صاحب البيان عن ابى حنيفة انها تجزى وقد حكاه القاضى الرويانى وغيره وجها لنا ثم الضبط علي ظاهر المذهب أن يسمع اربعين من اهل الكمال علي ما سبق وصفهم ولو رفع الصوت قدر ما يبلغ لكن كانوا أو بعضهم صما ففيه وجهان (اصحهما) انها لا تجزئ كما لو بعدوا عنه وكما أنه يشترط سماع شهود النكاح (والثانى) يجزئ كما لو حلف لا يكلم؟ لانا فكلمه بحيث يسمع لكنه لم يسمع لصممه يحنث وكما لو سمتعوا الخطبة ولم يفهموا معناها لا يضر وينبغى للقوم أن يقبلوا بوجوههم الي الامام وينصتوا ويسمعوا قال الله تعالي (وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وانصتوا) ذكر في التفسير أن الاية وردت في الخطبة سميت قرآنا لاشتمالها عليه والانصات هو السكوت والاستماع شغل السمع بالسماع

(4/586)


وهل الانصات فرض والكلام حرام ام لا قال في القديم والام الانصات فرض والكلام حرام وبه قال أبو حنيفة ومالك وهو اظهر الروايتين عن أحمد ووجهه ظاهر الامر في الاية فانه للايجاب وما روى انه صلي الله عليه وسلم قال " إذا قلت لصاحبك انصت والامام يخطب يوم الجمعة فقد لغوت " واللغو الاثم قال الله تعالي (واللذين هم عن اللغو معرضون) وقال في الجديد الانصات
سنة والكلام ليس بحرام لما روى " أن رجلا دخل والنبى صلى الله عليه وسلم يخطب يوم الجمعة فقال متى الساعة فاومي الناس إليه بالسكوت فلم يقبل واعاد الكلام فقال له النبي صلي الله عليه وسلم وسلم بعد الثالثة ما إذا اعددت لها فقال حب الله ورسوله فقال انك مع من احببت " والاستدلال انه لم ينكر عليه ولم يبين له وجوب السكوت وذكر اصحابنا العراقيون أن ابا اسحق حكى في الشرح عن بعض اصحابنا طريقة اخرى جازمة بالوجوب وانه اول كلامه في الجديد والذى عليه الجمهور طريقة القولين وهل يحرم الكلام علي الخطيب فيه طريقان (اصحهما) القطع بانه لا يحرم

(4/587)


وانما حرم علي المستمع في قول كيلا يمنعه عن الاستماع " وأيضا فقد كلم رسول الله صلي الله عليه وسلم قتلة ابن أبى الحقيق وسالهم عن كيفية قتله في الخطبة " وكلم أيضا سليكا الغطفانى في الخطبة كما سيأتي

(4/588)


وعلي هذه الطريقة شبه في الكتاب المستمع بالخطيب فقال الجديد انه لا يحرم كما لا يحرم علي الخطيب وقد ذكر المزني هذا الاستدلال لترجيح الجديد (والطريقة الثانية) طرد القولين في الخطيب وهى تخرج علي أن الخطبتين بمثابة الركعتين أم لا ان قلنا نعم حرم الكلام عليه وبه قال مالك وأبو حنيفة ثم نتكلم في محل القولين وتفريعهما * أما المحل ففيه كلامان (أحدهما) ان الخلاف في الكلام الذى لا يتعلق به غرض مهم ناجز فأما إذا رأى أعمي يقع في بئر أو عقربا تدب علي انسان فأنذره أو علم انسانا شيئا من الخير أو نهاه عن منكر فهذا لا يحرم قولا واحدا وإن كان لفظ الكتاب مطلقا كذلك ذكره الاصحاب علي طبقاتهم وحكوه عن نص الشافعي رضي الله عنه نعم المستحب أن يقتصر على الاشارة ولا يتكلم ما وجد إليه سبيلا (والثانى) انه يجوز الكلام قبل أن يبتدئ الامام

(4/589)


في الخطبة وكذلك بعد الفراغ منها إلى أن ينزل أو يتحرم بالصلاة وليس ذلك موضع الخلاف لانه ليس وقت الاستماع * وأما حالة الجلوس بين الخطبتين فمنهم من أخرجها عن حيز الخلاف أيضا وهو ما أورده صاحب المهذب وحجة الاسلام في الوسيط وأجرى المحاملى وابن الصباغ وآخرون
الخلاف فيها ويجوز للداخل في أثناء الخطبة أن يتكلم ما لم يأخذ لنفسه مكانا والقولان بعدما قعد حكاه الامام وغيره * وأما تفريع القولين فان قلنا بالقديم فالداخل في أثناء الخطبة ينبغي أن لا يسلم فان سلم لم تجز اجابته باللسان ويستحب أن يجاب بالاشارة كما في الصلاة وهل يجوز تشميت العاطس فيه وجهان (أصحهما) وهو المنصوص لا كرد السلام (والثانى) يجوز لان العطاس لا يتعلق بالاختيار والتشميت من حقوق المسلم علي المسلم فيوفى بخلاف رد السلام فان المسلم والحالة هذه مضيع سلامه وعلي هذا فهل يستحب حكى إمام الحرمين فيه وجهين ووجه المنع بأن الانصات أهم فانه واجب على هذا القول والتشميت لا يجب قط وحكى في البيان عن بعض الاصحاب انه يرد السلام ولا يشمت العاطس لان تشميت العاطس سنة ورد السلام واجب والواجب لا يترك بالسنة وقد يترك بواجب آخر وهل يجب الانصات على من لا يسمع الخطبة فيه وجهان شبيهان بالوجهين في أن المأموم الذى لا يسمع قراءة الامام هل يقرأ السورة أم لا (أحدهما) انه لا يجب لان الانصات للاستماع فعلي هذا له أن يشتغل بذكر وتلاوة (والثاني) يجب كيلا يرتفع اللغط ولا يتداعي الي منع السامعين من السماع وهذا اظهر ولم يذكر كثيرون سواه وحكوه عن نص الشافعي رضى الله عنه وقالوا البعيد بالخيار بين

(4/590)


الانصات وبين الذكر والتلاوة وأما في كلام الادميين فهو والقريب سواء وان فرعنا على الجديد فقد قال في الكتاب يشمت العاطس وفى رد السلام وجهان ولا بد من البحث عنه أهو كلام في الاستحباب أم في الوجوب أما جوازهما فلا شك فيه علي هذا القول وأما غيره فقد جعل صاحب التهذيب الوجهين في وجوب الرد (اصحهما) وجوبه كما في سائر الاحوال (والثاني) لا يجب لانه مقصر مضيع السلام كمن سلم علي من يقضي حاجته قال وفي استحباب التشميت الوجهان وذكر المصنف في الوسيط ان التشميت يجب وفى الرد وجهان والظاهر انه أراد نصب الوجهين في الاستحباب علي ما صرح به امام الحرمين فقال لا يجب الرد لتقصير المسلم ووضعه السلام في غير موضعه والوجهان في استحباب الرد (واعلم) ان القول بوجوب التشميت خلاف ما اطبق عليه الائمة فانهم قالوا التشميت محبوب غير واجب بحال فلا ينبغي أن يحمل قوله ويشمت العاطس عليه بل الوجه تأويل ما في
الوسيط أيضا ولا يحسن حمله علي الجواز ايضا لانه عطف عليه قوله وفى رد السلام وجهان فإذا كان المراد من الاول الجواز كان قضية الايراد فرض الخلاف في الجواز ولا يمكن تصوير الخلاف فيه علي هذا القول فإذا قوله يشمت العاطس معناه انه يستحب ذلك وليكن معلما بالواو لما حكاه صاحب التهذيب (واعلم) انه لو تكلم لم تبطل جمعته علي القولين جميعا والخلاف في الاثم وعدمه (وأما) قوله وتحية المسجد مستحبة (فشرحه) ان الخطيب إذا صعد المنبر فينبغي لمن ليس في الصلاة من

(4/591)


الحاضرين أن لا يفتتحها سواء صلى السنة أم لا ومن كان منهم في الصلاة خففها روى عن الزهري انه قال " خروج الامام يقطع الصلاة " وكلامه يقطع الكلام والفرق بين الكلام الذى لا بأس به وان

(4/592)


صعد المنبر ما لم يبتدئ الخطبة وبين الصلاة ان قطع الكلام هين متى ابتدأ الخطيب الخطبة بخلاف الصلاة فانه قد يفوته سماع أول الخطبة الي ان يتمها وأما الداخل في اثناء الخطبة فيستحب له التحية خلافا لمالك وأبي حنيفة حيث قالا يكره له الصلاة كما للحاضرين * لنا ما روي " انه جاء سليك الغطفانى يوم الجمعة والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب فجلس فقال النبي صلى الله عليه وسلم قم يا سليك فاركع ركعتين تجوز فيهما " ثم قال " إذا جاء أحدكم والامام يخطب فليركع ركعتين وليتجوز فيهما " ولو أن الداخل لم يصل السنة بعد صلاها

(4/593)


وحصلت التحية بها أيضا وان دخل والامام في آخر الخطبة لم يصل حتى لا يفوته اول الجمعة مع الامام وحكم التحية لا يختلف بقولي الانصات وذكره في الكتاب متصلا بتفريع القديم ليس لاختصاص الاستحباب به بل استحباب التحية علي قولنا باستحباب الانصات أظهر منه علي قولنا بوجوب الانصات وقوله في اول الفصل ويجب رفع الصوت بحيث يسمع اربعين من اهل الكمال يجوز اعلامه بالحاء والميم لما تقدم نقله وقوله وهل يحرم الكلام على من عدا الاربعين يقتضي الجزم بتحريم الكلام علي الاربعين وهذا التقدير بعيد في نفسه ومخالف لما نقله الاصحاب * اما بعده في نفسه فلان الكلام في السامعين للخطبة ألا تراه يقول بعد ذلك وفى وجوبه علي من لا يسمع الخطبة وجهان وإذا حضر
جمع زائدون علي الاربعين وهم بصفة الكمال فلا يمكن ان يقال بأن الجمعة تنعقد بأربعين منهم علي التعيين حتي يفرض تحريم الكلام عليهم قطعا والتردد في حق الآخرين بل الوجه الحكم بانعقاد الجمعة بهم أو بأربعين منهم لا على التعيين حتى يفرض تحريم الكلام عليهم قطعا والتردد في حق الآخرين

(4/594)


بل الوجه الحكم بانعقاد الجمعة بهم أو بأربعين منهم لا علي التعيين * واما مخالفته لنقل الاصحاب فلانك لا تجد للجمهور الا اطلاق قولين في السامعين ووجهين في حق غيرهم كما سبق ويجوز أن يعلم قوله قولين بالواو إشارة الي الطريقة الجازمة بالوجوب المروية عن ابى اسحق (وقوله) كما لا يحرم الكلام علي الخطيب معلم بالحاء والميم هذا آخر ما ذكره في الكتاب من واجبات الخطبة ووراءها واجبات أخر (منها) أن تكون بالعربية كما سبق (ومنها) نية الخطبة وفرضيتها حكى عن القاضى الحسين اشتراط ذلك كما في الصلاة (ومنها) الترتيب ذكر صاحب التهذيب وغيره انه يجب الترتيب بين الكلمات الثلاث المشتركة بين الخطبتين يبتدئ بالتحميد ثم بالصلاة ثم بالوصية ولا ترتيب بين القراءة والدعاء ولا بينهما ولا بين غيرهما ونفى صاحب العدة وآخرون وجوب الترتيب في ألفاظها أصلا وقالوا الافضل رعايته * قال (وأما سنن الخطبة فان يسلم الخطيب على من عند المنبر ثم إذا صعد المنبر أقبل وسلم (م ح) وجلس إلى أن يفرغ المؤذن) * سنن الخطبة ثلاث جمل (إحداها) السنن السابقة علي نفس الخطبة منها أن يخطب على المنبر " كان النبي صلي الله عليه وسلم يخطب مستندا إلى جذع في المسجد ثم صنع له المنبر فكان يخطب عليه "

(4/595)


والسنة أن يوضع علي يمين المحراب هكذا وضع منبر رسول الله صلي الله عليه وسلم والمراد من يمين المحراب الموضع الذى يكون علي يمين الامام إذا استقبل ويكره وضع المنبر الكبير الذى يضيق

(4/596)


المكان علي المصلين إذا لم يكن المسجد متسع الخطة فان لم يكن منبر خطب علي موضع مرتفع ليبلغ
صوته الناس ومنها أن يسلم على من عند المنبر إذا انتهى إليه لما روي عن ابن عمر رضي الله عنهما ان النبي صلى الله عليه وسلم " كان إذا دنا من منبره سلم على من عند المنبر ثم يصعد فإذا استقبل الناس بوجهه سلم عليهم ثم قعد " (ومنها) إذا بلغ في صعوده الدرجة التى تلي موضع القعود ويسمى ذلك الموضع المستراح أقبل على الناس بوجهه وسلم عليهم خلافا لمالك وأبى حنيفة حيث قالا يكره هذا السلام * لنا خبر

(4/597)


ابن عمر رضي الله عنهما وروى انه صلي الله عليه وسلم " استوى على الدرجة التى تلى المستراح قائما ثم سلم " ومنها أن يجلس بعد السلام علي الموضع المسمي بالمستراح ليستريح من تعب الصعود روى

(4/598)


انه صلي الله عليه وسلم " كان يخطب خطبتين ويجلس جلستين " والمراد هذه الجلسة والجلسة بين الخطبتين وكما جلس يشتغل المؤذن بالاذان قال الائمة ولم يكن علي عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا عهد أبى بكر وعمر رضي الله عنهما للجمعة أذان قبل هذا الاذان فلما كان في عهد عثمان كثر الناس

(4/599)


وعظمت البلدة أمر المؤذنين بالتأذين علي مكانهم " ثم كان يؤذن المؤذن بين يديه إذا استوى علي المنبر فثبت الامر علي ذلك " ويديم الامام الجلوس إلي فراغ المؤذن من الاذان (وقوله) إلى أن يفرغ المؤذن وحد لفظ المؤذن ويمكن حمله على ما روى في البيان عن صاحب الافصاح والمحاملي أن المستحب أن يكون المؤذن واحدا " لانه لم يكن يؤذن لرسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة الا واحدا " وفى كلام بعض الاصحاب ما ينازع فيه ويشعر باستحباب التعديد والله أعلم *

(4/600)


قال (ثم يخطب خطبتين بليغتين قريبتين من الافهام مائلتين إلى القصر يستدبر القبلة فيهما ويجلس بين الخطبتين بقدر سورة الاخلاص ويشغل احدى يديه في الخطبتين بحرف المنبر والثانية بقبض سيف أو عنزة) * الجملة الثانية السنن المتعلقة بنفس الخطبة منها أن تكون الخطبة بليغة غير مؤلفة من الكلمات
المتبذلة لانها لا تؤثر في القلوب ولا من الكلمات الغريبة الوحشية فانه لا ينتفع بها أكثر الناس بل يجعلها قريبة من الافهام (ومنها) أن لا يطول روى انه صلي الله عليه وسلم وسلم " قال قصر الخطبة وطول الصلاة مئنة من فقه الرجل " وأنما قال مائلتين الي القصر ولم يقل قصيرتين لان المحبوب فيهما التوسط روي ان صلاة رسول الله صلي الله عليه وسلم " كانت قصدا وخطبته قصدا " ومنها أن يستدبر القبلة ويقبل علي الناس ولا يلتفت يمينا وشمالا روى انه صلى الله عليه وسلم " كان إذا خطب استقبل الناس بوجهه واستقبلوه وكان لا يلتفت " وإنما استدبر القبلة لانه لو استقبلها لم بخل اما أن يكون في صدر

(4/601)


المسجد على ما هو المعتاد أو في آخره فان كان في صدر المسجد واستقبلها كان مستدبرا للقوم واستدبارهم وهم المخاطبون قبيح خارج عن غرف المخاطبات وان كان في آخره فاما أن يستقبله القوم فيكونوا مستدبرين للقبلة واستدبار واحد أهون من استدبار الجم الغفير واما أن يستدبروه فيلزم ما ذكرنا من الهيئة القبيحة ثم لو خطب مستدبرا للناس جاز وان خالف الناس وحكى في البيان وغيره وجها انه لا يجزئ (ومنها) أن يجلس بين الخطبتين بقدر قراءة سورة الاخلاص حكي عن نصه في الكبير قال الامام وهو قريب من القدر المستحب من الجلسة بين السجدتين (وقوله) ويجلس بين الخطبتين إلى آخره الغرض منه عد تقدير الجلوس بالقدر المذكور من جملة السنن وأما أصله فهو من الواجبات وهو كقوله ثم يخطب خطبتين بليغتين لا انه يخطب خطبتين ويجوز أن يعلم بالواو لان القاضي الرويانى ذكر في التجربة أنه يجب أن يكون جلوسه بقدر قراءة سورة الاخلاص ولا يجوز أقل منه ونسبه إلى النص (ومنها) أن يعتمد على سيف أو عنزة وهي شبه الحربة أو عصا أو نحوها روى انه صلي الله عليه وسلم " كان يعتمد على عنزته اعتمادا " وروى انه اعتمد علي قوس في خطبته " فان لم يجد شيئا سكن جسده ويديه اما بأن يجعل يده اليمنى علي اليسرى أو يقرهما مرسلتين والغرض أن يخشع ولا يعبث بهما وإذا شغل إحدى

(4/602)


يديه بالسيف أو ما في معناه شغل الاخرى بحرف المنبر وبأيتهما يقبض السيف ونحوه لم يتعرض الاكثرون لذلك وذكر في التهذيب أنه يقبض باليسرى وقوله بسيف أو عنزة في بعض النسخ
أو غيره ولا بأس به أيضا وينبغي للقوم أن يقبلوا علي الخطيب مستمعين لا يشتغلون بشئ آخر حتى يكره الشرب للتلذذ ولا بأس به للعطش لا للقوم ولا للخطيب * قال (ثم إذا فرغ ابتدر إلى النزول مع إقامة المؤذن بحيث يبلغ المحراب عند تمام الاقامة والله أعلم) * الجملة الثالثة ما يتأخر عن نفس الخطبة وهو أن يأخذ في النزول والمؤذن في الاقامة ويبتدر ليبلغ المحراب مع فراغ المؤذن من الاقامة والمعنى فيه المبالغة في تحقيق الموالاة * قال * (الباب الثاني فيمن تلزمه الجمعة) * (ولا تلزم الجمعة إلا على كل مكلف حر ذكر مقيم صحيح فالعاري عن هذه الصفات لا تلزمه وان حضر لم يتم العدد به سوى المريض ولكن تنعقد له سوى المجنون ولهم أداء الظهر مع الحضور سوى المريض فإذا حضر تلزمه لكماله) * مقصود الباب الكلام فيمن تلزمه الجمعة ومن لا تلزمه وللزومها خمسة شروط أحدها التكليف فلا جمعة علي صبي ولا مجنون لسائر الصلوات وقد روى عن النبي صلي الله عليه وسلم انه قال " الجمعة حق واجب على كل مسلم الا أربعة عبد أو امرأة أو صبي أو مريض " الثاني الحرية فلا تجب علي عبد خلافا لاحمد

(4/603)


في رواية والاصح عنه أيضا مثل مذهبنا لما ذكرنا من الخير وأيضا فقد روى عن جابر رضى الله عنه ان النبي صلي الله عليه وسلم قال " من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فعليه الجمعة إلا علي امرأة أو مسافر أو عبد أو مريض " ولا فرق في ذلك بين القن والمدبر والمكاتب (الثالث) الذكورة فلا جمعة على امرأة لما روينا من الخبرين والخنثى المشكل كالمرأة قاله صاحب التهذيب وغيره لانه يحتمل ان يكون أنثى فلا يلزم بالشك (الرابع) الاقامة فلا جمعة علي مسافر للخبر الثاني فلو كان وقت الجمعة في بلد علي طريقه استحب له حضورها وكذلك القول في الصبى والعبد (الخامس) الصحة فلا جمعة على مريض للخبرين ولا فرق بين ان تفوت الجمعة بتخلفه لنقصان العدد دونه وتمامه به وبين ان لا تفوت ثم في الفصل صور (احداها) من فقد شرطا من الشروط المذكورة كما لا تلزمه الجمعة لا يتم العدد به سوى المريض لانه متوطن
ليس به نقيصة وغيره اما ناقص أو غير متوطن وفى معنى المرض اعذار نذكر في الفصل التالي لهذا الفصل فلا يجب علي صاحبها الجمعة وتنعقد به وقوله فالعاري عن هذه الصفات أي عن مجموعها وقد يوجد فيه بعضها وقد لا يوجد شئ منها وقوله لم يتم العدد به معلم بالحاء وقوله سوى المريض بالواو لما سبق في الشرط الرابع للجمعة (الثانية) من لا تلزمه الجمعة إذا حضر الجمعة وصلاها انعقدت له واجزأته لانها أكمل في المعني وإن كانت أقصر في الصورة فإذا أجزأت الكاملين الذين لا عذر بهم فلان تجزئ اصحاب العذر كان اولي ويستثني عن هذا المجنون فانه لا اعتداد لفعله (الثالثة) الذين لا تلزمهم الجمعة إذا حضروا الجامع هل لهم ان ينصرفوا ويصلوا الظهر اما الصبيان والنسوان والعبيد والمسافرون فلهم ذلك لان المانع من وجوب الجمعة عليهم الصفات القائمة بهم وهى لا ترتفع بحضورهم واما المرضي فقد أطلق كثيرون انه ليس لهم بعدما حضروا الانصراف وتلزمهم الجمعة لان المانع في حقهم المشقة اللاحقة في الحضور فإذا حضروا وتحملوا المشقة فقد ارتفع هذا المانع وتعب العود لا بد منه سواء صلي الجمعة أو الظهر وفصل امام الحرمين فقال ان حضر المريض قبل دخول الوقت

(4/604)


فالوجه القطع بأن له ان ينصرف وان دخل الوقت وقامت الصلاة لزمه الجمعة وان كان يتخلل زمان بين دخول الوقت وبين الصلاة فان لم يلحقه مزيد مشقة في الانتظار حتى تقام الصلاة لزمه ذلك وان لحقه لم يلزمه وهذا تفصيل فقيه ولا يبعد ان يكون كلام المطلقين منزلا عليه وألحقوا بالمرضى اصحاب المعاذير الملحقة بالمرض وقالوا انهم إذا حضروا لزمهم الجمعة ولا يبعد ان يكون هذا علي التفصيل ايضا ان لم يزدد ضرر المعذور بالصبر الي اقامة الجمعة فالامر كذلك وان زاد فله الانصراف واقامة الظهر في منزله وذلك كما في الخائف على ماله ومهما كانت مدة غيبته اطول كان احتمال الضياع اقرب وكذلك الممرض يزداد ضرره بالانتظار والله اعلم * وهذا كله فيما قبل الشروع في الجمعة فاما إذا حرم الذين لا تلزمهم الجمعة بالجمعة ثم أرادوا الانصراف قال في البيان لا يجوز ذلك للمسافر والمريض وذكر في العبد والمرأة وجهين عن حكاية الصيمري وقوله في الكتاب ولهم أداء الظهر مع الحضور يجوز أن يعلم بالواو لانه لم يستثن عنه الا المريض وقد خرج صاحب التلخيص في العبد
انه تلزمه الجمعة إذا حضر كالمريض قال في النهاية وهذا غلط باتفاق الاصحاب ولا يوجد في جميع نسخ كتابه فلعله هفوة من ناقل * قال (ويلتحق بعذر المرض المطر والوحل الشديد وكل ما ذكر من المرخصات في ترك الجماعة ويترك بعذر التمريض أيضا إذا كان المريض قريبا مشرفا علي الوفاة وفى معناه الزوجة والمملوك فان لم يكن مشرفا ولم يندفع بحضوره ضرر لم يجز الترك وان اندفع به ضرر جاز) * ما يمكن فرضه في صلاة الجمعة من الاعذار المرخصة في ترك الجماعة يرخص في ترك الجمعة أيضا وهذا القيد لا بد منه وإن أطلق قوله وكل ما ذكر من المرخصات في ترك الجماعة لان مما ذكر من المرخصات الريح العاصفة وهى مرخصة بشرط كونها في الليل وهذا الشرط لا يتصور ههنا وقد سبق شرح تلك الاعذار وكنا أخرنا منها الكلام في شيئين فنذكرهما (أحدهما) الوحل الشديد وفيه وجهان (أصحهما) وهو المذكور في الكتاب انه عذر لقوله صلى الله عليه وسلم " إذا ابتلت النعال فالصلاة في الرحال " والثاني ليس بعذر لان له عدة دافعة وهى الخفاف والصنادل وهذا يشكل بالمطر وذكر في العدة وجها فارقا وهو أن الوحل ليس

(4/605)


بعذر في صلاة الجمعة وهو عذر في ترك الجماعة في سائر الصلوات لانها تتكرر في اليوم والليلة خمس مرات قال وبهذا أفتى أئمة طبرستان (والثانى) التمريض والمريض لا يخلوا اما أن يكون له من يتعهده أو لا يكون (القسم الاول) أن يكون له من يتعهده ويقوم بأمره فينظر ان كان قريبا وهو مشرف على الوفاة فله أن يتخلف عن الجمعة ويحضر عنده روى أن ابن عمر رضى الله عنهما تطيب للجمعة فأخبر أن سعيد بن زيد رضي الله عنه منزول به وكان قريبا له فأتاه وترك الجمعة " والمعنى فيه شغل القلب السالب للخشوع لو حضر وان لم يكن مشرفا علي الوفاة لكن كان يستأنس به فله أن يتخلف أيضا ويمكث عنده ذكره في التهذيب وان لم يكن استئناس أيضا فليس له التخلف وحكي أصحابنا العراقيون عن ابن ابى هريرة وجها آخران ان له التخلف عند شدة المرض لشغل القلب بشأنه وإن كان المريض اجنبيا لم يجز التخلف للحضور عنده في هذا القسم بحال وفى معني القريب المملوك والزوجة وكل من بينه وبينه مصاهرة وذكر المحاملى وغيره ان الصديق ايضا كالقريب (القسم الثاني) أن لا يكون للمريض
متعهد قال الامام ان كان يخاف عليه الهلاك لو غاب عنه فهو عذر في التخلف سواء كان قريبا أو أجنبيا فان انقاذ المسلم من الهلاك من فروض الكفايات وان كان يلحقه بغيبته ضرر ظاهر لا يبلغ دفعه مبلغ فروض الكفايات ففيه وجوه (أصحها) انه عذر ايضا فان دفع الضرر عن المسلم من المهمات (والثانى) انه ليس بعذر لان ذلك مما يكثر وتجويز التخلف له قد يتداعى الي تعطيل الجمعة (والثالث) الفرق بين القريب والاجنبى لزيادة الرقة والشفقة علي الغريب ولو كان له متعهد لكن لم يتفرغ لخدمته لاشتغاله بشرى الادوية أو بشرى الكفن وحفر القبر إذا كان منزولا به فهو كما لو لم يكن متعهد (وقوله في الكتاب) وإن لم يكن مشرفا المراد منه وان لم يكن المريض مشرفا ولو قدر ان المراد وان لم يكن القريب مشرفا لزم ان يكون لفظ الكتاب ساكتا عن حكم الاجنبي مع ان الحكم المرتب علي قوله وان لم يكن مشرفا يستوى فيه القريب والاجنبي وقوله ولم يندفع بحضوره ضرر يدخل فيه ما إذا كان مستغنيا في تلك الحالة عن خادم ومتعهد وما إذا كان له متعهد يراعيه وقوله وان اندفع به ضرر جاز جواب على الوجه الاصح وينبغي ان يكون معلما بالواو لما ذكرنا ويجب على الزمن ان يحضر الجمعة إذا وجد مركبا ملكا أو اجارة أو عارية ولم

(4/606)


يشق عليه الركوب وكذا الشيخ الضعيف ويجب ايضا على الاعمى إذا وجد قائد متبرعا أو باجرة وله مال فان لم يجد قائدا لم يلزمه الحضور هكذا اطلق الاكثرون وعن القاضى الحسين انه ان كان يحسن المشي بالعصا من غير قائد لزمه ذلك وعن ابى حنيفة ان الجمعة لا تجب علي الاعمى بحال * قال (فروع في صفات النقصان: من نصفه حر ونصفه عبد كالرقيق وقيل تلزمه الجمعة الواقعة في نوبته عند المهايأة) * المسائل المذكورة من هذا الموضع الي آخر الباب متفرعة علي صفات النقصان ومتعلقة بها وقد عدها في الوسيط ستة فروع (احدها) ظاهر المذهب ان من بعضه حر وبعضه رقيق لا تلزمه الجمعة كما لو كان كله رقيقا لان رق البعض بمنع من الكمال والاستقلال وذلك معتبر في لزوم الجمعة ولهذا لا تجب على المكاتب وفيه وجه انه لو جرى بينه وبين السيد مهايأة تلزمه الجمعة الواقعة في نوبته لاستقلاله في ذلك
اليوم وضعفه الامام بان قال مثل هذا الشخص مدفوع في نوبة نفسه إلى الجد في الكسب لنصفه الحر فهو في شغل شاغل لمكان الرق قال ولا شك في أن الجمعة لا تنعقد به والخلاف في الوجوب عليه * قال (والمسافر إذا عزم على الاقامة ببلدة مدة لزمته الجمعة ثم لم يتم العدد به) * الثاني الغرباء إذا أقاموا ببلدة نظر ان اتخذوها وطنا فحكمهم حكم أهلها تلزمهم الجمعة ويتم العدد بهم وإن لم يتخذوها وطنا بل عزمهم الرجوع إلى بلادهم بعد مدة قصيرة أو طويلة كالمتفقهة والتجار فهؤلاء تلزمهم الجمعة إذا استجمعوا صفات الكمال لانهم ليسوا بمسافرين فلا يترخصون بترك الجمعة كما لا يترخصون بالقصر والفطر وهل يتم عدد الجمعة بهم فيه وجهان (أحدهما) وبه قال ابن أبى هريرة نعم لان من وجبت عليه الجمعة انعقدت به كالمتوطن (وأصحهما) وبه قال أبو إسحق وهو المذكور في الكتاب * لا واحتجوا له بأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يجمع في حجة الوداع وقد

(4/607)


وافق يوم عرفة يوم الجمعة وانما لم يجمع لانه ومن معه لم يكونوا متوطنين وإن عزموا علي الاقامة أياما ولا يخفى مما ذكرنا ان قوله في الكتاب وإن عزموا علي الاقامة مدة المراد منه مدة ينقطع بعزم إقامتها حكم السفر لا كاليوم واليومين وقوله لزمه الجمعة قريب من التكرار لانه معلوم من قوله في أول الباب ذكر حر صحيح مقيم فانه يبين لزومها علي المقيم عند اجتماع سائر الشرائط وهذا مقيم * قال (وأهل القرى لا تلزمهم الجمعة الا إذا بلغوا أربعين من أهل الكمال أو بلغهم نداء البلد من رجل رفيع الصوت واقف علي طرف البلد في وقت هدوء الاصوات وركود الرياح) * الثالث القرية إما أن يكون فيها اربعون من أهل الكمال أو لا يكون فان كان فيها أربعون من أهل الكمال لزمتهم الجمعة كأهل البلاد فان أقاموا الجمعة في موضعهم فذاك وان دخلوا المصر وصلوها سقط الفرض عنهم ولو كانوا مسيئين لتعطيلهم الجمعة في احدى البقعتين وحكى في البيان وجها انهم غير مسيئين لان أبا حنيفة رحمة الله عليه لا يجوز اقامة الجمعة في القرى ففيما فعلوه خروج عن الخلاف
وان لم يكن فيها اربعون من اهل الكمال فاما ان يبلغهم النداء من حيث تقام الجمعة فيه من بلد أو قرية واما ان لا يبلغهم فان بلغهم فعليهم الجمعة لما روى انه صلي الله عليه وسلم قال الجمعة " علي من سمع النداء " والمعتبر نداء مؤذن علي الصوت يقف علي طرف البلد من الجانب الذى يلي تلك القرية ويؤذن علي عادته والاصوات هادئة والرياح ساكنة فإذا سمع صوته بالقرية من اصغي إليه ولم يكن أصم ولا جاوز حدة سمعه العادة وجبت الجمعة علي اهلها وانما كان الاعتبار من الطرف الذى يلى تلك القرية لان البلدة قد تكون كبيرة لا يبلغ النداء من وسطها الي اطرافها فاعتبر آخر موضع يصلح لاقامة الجمعة فيه احتياطا للعبادة وفيه وجه آخر انه يعتبر من وسط البلد ووجه آخر انه يعتبر من الموضع الذى تقام فيه الجمعة فليكن قوله علي طرف البلد معلما بالواو لهذين الوجهين وهل يعتبر ان يكون المنادى علي موضع عال كمنارة وسور قال الاكثرون لا يعتبر ذلك لان حد الارتفاع

(4/608)


لا ينضبط وعن القاضى أبي الطيب انه قال سمعت شيوخنا يقول لا يعتبر إلا بطبرستان فانها بين رياض وأشجار تمنع من بلوغ الصوت فينبغي أن يعلو عليها ولو كانت القرية علي قلة جبل سمع أهلها النداء لعلوها ولو كان علي استواء الارض لما سمعوا أو كانت في وهدة من الارض لم يسمع أهلها النداء لانخفاضها ولو كانت على استواء الارض لسمعوا ففيه وجهان (اظهرهما) وبه قال القاضى ابو الطيب لا تجب الجمعة في الصورة الاولى وتجب في الثانية اعتبارا للسماع بتقدير الاستواء واعراضا عما يعرض بسبب الانخفاض والارتفاع كما يعتبر ركود الرياح ولا ينظر إلى السماع العارض لشدتها (والثاني) وبه قال الشيخ أبو حامد ان الحكم على العكس نظرا الي نفس السماع وعدمه وان لم يبلغ النداء أهل القرية فلا جمعة عليهم لظاهر الخبر الذى سبق وأهل الخيام إذا لزموا موضعا ولم يبرحوا عنه وقلنا انهم لا يقيمون الجمعة في ذلك الموضع فهم كأهل القرى إذا لم يبلغوا أربعين من اهل الكمال وان سمعوا النداء لزمتهم الجمعة والا فلا وقوله الا إذا بلغوا معلم بالحاء لان عند ابي حنيفة لا استثناء اصلا ولا تلزم الجمعة أهل القرى بحال سواء بلغهم النداء أو لم يبلغهم بلغوا عدد الكمال أم لا وانما تلزم الجمعة أهل الامصار الجامعة والمصر الجامع عنده ان يكون فيه سلطان قاهر وطبيب
حاذق ونهر جار وسوق قائمة وقوله أو بلغهم النداء يجوز ان يعلم بالميم والالف لان مالكا وأحمد لا يكتفيان بمجرد بلوغ النداء ويعتبران كونه على ثلاث اميال فما دونها وعن احمد رواية أخرى ان المسافة لا تتقدر كما هو مذهب الشافعي رضى الله عنه وقوله من البلد ليس لتخصيص الحكم بالبلد بل لو بلغهم من قرية تقام فيها الجمعة كان كذلك * قال (والعذر الطارئ بعد الزوال مرخص الا السفر فانه يحرم انشاؤه وفى جوازه قبل الزوال بعد الفجر قولان اقيسهما الجواز ثم المنع في سفر مباح أما الواجب والطاعة فلا منع منهما) * الرابع العذر المبيح لترك الجمعة يبيحه وان طرأ بعد الزوال لكن السفر يحرم انشاؤه بعد الزوال خلافا لابي حنيفة حيث قال يجوز الا أن يضيق الوقت بناء علي ان الصلاة تجب بآخر الوقت * لنا ان الجمعة قد وجبت عليه فلا يجوز الاشتعال بما يؤدى إلى تركها كالتجارة واللهو وهذا مبنى علي

(4/609)


أن الوجوب باول الوقت وقد سبق في موضعه (فان قيل) الوجوب وإن ثبت في أول الوقت لكنه موسع فلم يمتنع السفر قبل التيضق (قلنا) الناس في هذه الصورة تبع الامام فلو عجلها تعينت متابعته وسقطت خيرة الناس فيه وإذا كان كذلك فلا يدرى متي يقيم الامام الصلاة فيتعين عليه انتظار ما يكون ذكر هذا الجواب إمام الحرمين رحمة الله عليه وأما قبل الزوال وبعد طلوع الفجر الثاني هل يجوز انشاء السفر فيه قولان (قال في القديم) وحرمله يجوز وبه قال مالك وأبو حنيفة رحمهما الله لانه لم يدخل وقت وجوب الجمعة فأشبه السفر قبل طلوع الفجر (وقال في الجديد) لا يجوز قال أصحابنا العراقيون وهو الاصح لان الجمعة وإن كان يدخل وقتها بالزوال فهي مضافة إلي اليوم ولذلك يعتد بغسل الجمعة قبل الزوال ويجب السعي إليها لمن بعد داره قبل الزوال وعن احمد روايتان كالقولين (أظهرهما) المنع وحكى في النهاية طريقة أخرى قاطعة بالجواز مؤولة قول المنع ولك أن تعلم قوله في الكتاب قولان بالواو اشارة إليها ويجوز أن يعلم لفظ الجواز من قوله اقيسهما الجواز بالالف إشارة إلى الظاهر من مذهب أحمد والحكم بان الجواز أقيس لا ينافى كون المنع أظهر لانه قد يكون أحد طرفي الخلاف
أقرب إلي القياس وإن كان الثاني أظهر فإذا ليس ما في الكتاب مخالفا لما قاله العراقيون وذكر في العدة أن ظاهر مذهب الشافعي رضى الله عنه قوله الجديد والفتوى علي القديم وهو الجواز ثم للقولين شرط (أحدها) وقد ذكره في الكتاب أن يكون السفر مباحا كالزيارة والتجارة أما لو كان واجبا كالحج والجهاد في بعض الاحوال أو مندوبا فلا منع منهما وذلك ليس موضع القولين هكذا قاله كثير من أئمتنا * واحتجوا عليه بما روى أن النبي صلي الله عليه وسلم بعث عبد الله بن رواحة رضي الله عنه في سرية فوافق يوم الجمعة فغدا أصحابه وتخلف هو ليصلى ويلحقهم فلما صلي قال له رسول الله صلي الله عليه وسلم ما خلفك قال أردت أن أصلي معك ثم الحقهم فقال لو أنفقت ما في الارض جميعا ما أدركت فضل غزوتهم " وفى كلام العراقيين وإيرادهم ما يوجب طرد الخلاف في سفر الغزود والله أعلم

(4/610)


والمراد من الطاعة في لفظ الكتاب المندوب وإلا فالواجب طاعة أيضا وهل كون السفر طاعة عذر في انشائه بعد الزوال المفهوم من كلام الاصحاب أنه ليس بعذر ورووا عن أحمد أنه عذر (والثانى) ان لا ينقطع عن الرفقة ولا يناله ضرر لو تخلف الي ان يصلي الجمعة فاما إذا انقطع وفات سفره بذلك أو ناله ضرر فله الخروج بلا خلاف وكذلك الحكم لو كان الخروج بعد الزوال وقد عددنا ذلك من الاعذار في الصلاة بالجماعة ورأيت في كشف المختصر للشيخ أبى حاتم القزويني ذكر وجهين في جواز الخروج بعد الزوال بخوف الانقطاع عن الرفقة (والثالث) أن لا يمكنه حضور الجمعة في منزله وطريقه فاما إذا أمكن ذلك فلا منع بحال * قال (ويستحب لمن يرجو زوال عذر أن يؤخر الظهر إلي اليأس عن درك الجمعة ومن لا يرجو فليعجل الظهر كالزمن فان زال العذر بعد الفراغ فلا جمعة (ح) عليه وكذا الصبى إذا بلغ بعد الظهر وزوال العذر في أثناء الظهر كرؤية المتيمم الماء في أثناء الصلاة) * الخامس من الفروع المعذورن وهو ضربان معذور يرجوا زوال عذره كالعبد يتوقع العتق والمريض الذى يتوقع الخفة فالمستحب له تأخير الظهر الي اليأس عن درك الجمعة لان ربما يزول العذر ويتمكن من فرض اهل الكمال ومتى رفع الامام رأسه من الركوع الثاني فقد حصل اليأس عن درك
الجمعة وعن بعض الاصحاب انه يراعي تصور الادراك في حق كل أحد فإذا كان منزله بعيدا وانتهي الوقت إلي حد لو اخذ في السعي لم يدرك الجمعة فقد حصل الفوات في حقه هذا احد الضربين (والثانى) معذور لا يرجو زوال عذره كالمرأة والزمن فالاولي له ان يصلي الظهر في اول الوقت لانه آيس من درك الجمعة فيحافظ علي فضيلة الاولية وإذا اجتمع معذورن فهل يستحب لهم الجماعة في الظهر فيه وجهان (احدهما) لا بل الجماعة في هذا اليوم شعار الجمعة وبهذا قال مالك وابو حنيفة (واصحهما) نعم لعموم الترغيبات الواردة في الجماعة وعلى هذا فقد نص الشافعي رضي الله عنه على ان المستحب لهم الاخفاء حتى

(4/611)


لا يتهموا بالرغبة عن صلاة الامام وحمل الاصحاب ما ذكره علي ما إذا كان العذر خفيا اما إذا كان ظاهرا فلا تهمة ومنهم من لم يفصل واستحب الاخفاء مطلقا ولو صلي المعذور الظهر قبل فوات الجمعة صحت فانها فرضه ولو زال العذر وامكنه حضور الجمعة لم يلزمه ذلك لانه أدى فريضة وقته ومثال ذلك المريض يبرأ والمسافر يقيم والعبد يعتق ويستثنى عن هذا الاصل صورة ذكرها في البيان وهى أن يصلي الخنثى الظهر ثم يتبين انه رجل قبل فوات الجمعة تلزمه الجمعة لانه تبين كونه رجلا حين صلى الظهر ومثل هذا لا يفرض في سائر المعذورين وأما الصبى إذا صلي الظهر ثم بلغ لم تلزمه الجمعة على ظاهر المذهب كسائر المعذورين والمسألة مكررة في هذا الموضع فذكرها والخلاف فيها في باب المواقيت ثم هي داخلة في مطلق قوله فان زال العذر الي آخره فلو طرحها لما ضر من وجهين وإذا لم يفعل فيجوز أن يكون قوله وكذا الصبي مرقوما بالحاء والواو لما بيناه ثم وهؤلاء يستحب لهم حضور الجمعة وإن لم يلزم وإذا صلوا الجمعة فالفرض هو الظهر السابقة أو يحتسب الله تعالي جده بما شاء منهما فيه قولان أصحهما أولهما وقال أبو حنيفة إذا سعى إلى الجمعة بعد الظهر بطل ظهره ولو زال العذر في أثناء الظهر فقد قال امام الحرمين أجرى القفال ذلك مجرى ما لو رأى المتيمم الماء في الصلاة وهذا يقتضى اثبات الخلاف في البطلان لما ذكرناه في رؤية المتيمم الماء في الصلاة وقد صرح الشيخ أبو محمد فيما علق عنه حكاية وجهين في هذه المسألة وظاهر المذهب استمرار الصلاة علي الصحة قال الامام وهذا الخلاف مبنى على قولنا ان غير المعذور لا يصح ظهره قبل فوات الجمعة فان صححنا
فلا نحكم بالبطلان بحال * قال (وغير المعذور إذا صلى الظهر قبل الجمعة ففى صحته قولان فان قلنا يصح ففى سقوط الخطاب بالجمعة قولان وإن قلنا لا تسقط فصلى الجمعة فالفرض هو الاول أو الثاني أو كلاهما أو احدهما لا بعينه اربعة اقوال) * السادس من لا عذر به إذا صلى الظهر قبل فوات الجمعة ففى صحة ظهره قولان (القديم) وبه قال ابو حنيفة انها تصح والجديد وبه قال مالك واحمد لا تصح وذكر الاصحاب ان القولين مبنيان على

(4/612)


ان الفرض الاصلى يوم الجمعة ماذا فعلى القديم الفرض الاصلى الظهر لانه إذا فاتت الجمعة فعليه قضاء اربع ركعات ولو كان فرض اليوم الجمعة لما زادت ركعات القضاء وعلي الجديد الفرض الاصلي هو الجمعة للاخبار الواردة فيها ولانه لو كان الاصل الظهر لكانت الجمعة بدلا ولو كان كذلك لجاز له ترك البدل والاستقلال بالاصل كمن ترك الصوم في الكفارة واعتق ومعلوم انه ممنوع من ذلك وهل يجرى القولان فيما إذا ترك اهل البلدة كلهم الجمعة وصلوا الظهر ام يختص بما إذا صلى الآحاد الظهر مع اقامة الجمعة في البلدة حكى في المهذب عن ابي اسحق ان ظهر اهل البلدة مجزئة وان اثموا بترك الجمعة لان كل واحد منهم لا تنعقد به الجمعة قال والصحيح انه لا تجزئهم ظهرهم على الجديد لانهم صلوها وفريضة الجمعة متوجهة عليهم (التفريع) ان قلنا بالجديد فالامر بحضور الجمعة قائم كما كان ان حضرها فذاك وان فاتت قضاها الآن اربعا وما فعله اولا يبطل من اصله أو يكون نفلا فيه القولان المشهوران في امثاله وان قلنا بالقديم فهل يسقط الخطاب بالجمعة قال في الكتاب فيه قولان وكذلك ذكره امام الحرمين وجعل السقوط خارجا علي قولنا إذا صلى الجمعة بعد الظهر ان فرضه الاول أو احدهما وعدم السقوط خارجا علي قولنا ان الفرض الثاني أو ان كليها فرض والذى ذكره الاكثرون تفريعا على القديم انه لا يسقط عنه الخطاب بالجمعة ومعنى صحة الظهر الاعتداد بها في الجملة حتى لو فاتت الجمعة تجزئه الظهر السابقة ثم إذا قلنا يسقط عنه الخطاب بالجمعة فصلي الجمعة فقد قال الامام ان الشيخ ابا محمد ذكر فيه اربعة اقوال (احدها) ان المفروض هو الاول لانه لو اقتصر عليه لبرئت
ذمته علي القول الذى يتفرع عليه (والثاني) ان المفروض هو الثاني لانه به خرج عن الحرج (والثالث) أنهما فرضان للمتعينين (والرابع) ان الفرض احدهما لا بعينه إذ المفروض في اليوم والليلة خمس صلوات ونظير هذه الاقوال قد سبق فيمن صلي منفردا ثم ادرك جماعة ويشبه ان يكون بعضها منصوصا عليه وبعضها غير منصوص والذى نقله ابن الصباغ وغيره في المسألة تفريعا علي القديم انما هو الرابع وقال يحتسب الله تعالى جده بما شاء منهما وإذا اثبتنا الاقوال فينبغي ان لا يختص بقولنا ان الخطاب بالجمعة لا يسقط عنه بل يضطرد علي قولنا بسقوط الخطاب بالجمعة ايضا كما إذا صلي منفردا وأعاد في جماعة فانه غير مخاطب بالثاني وهذا كله فيما إذا صلي الظهر قبل فوات الجمعة فان صلاها بعد الركوع الثاني للامام وقبل فراغه قال ابن الصباغ ظاهر كلام الشافعي رضي الله عنه يدل على المنع يعني في الجديد ومن أصحابنا من يقول بالجواز وفيما إذا امتنع اهل البلدة جميعا من الجمعة وصلوا الظهر الفوات يكون بخروج الوقت أو ضيقه بحيث لا يسع الركعتين *

(4/613)


قال * (الباب الثالث في كيفية الجمعة) * وهي كسائر الصلوات وانما تتميز باربعة أمور (الاول) الغسل ويستحب ذلك بعد (ح) الفجر واقربه إلى الرواح أحب ولا يجزئ قبل الفجر بخلاف غسل العيد فان فيه وجهين ولا يستحب الا لمن حضر الصلاة بخلاف غسل العيدين فانه ذلك يوم الزينة علي العموم والاولي ان لا يتيمم بدلا عن الغسل عند فقد الماء وقيل يتيمم) (قوله) في كيفية الجمعة اراد به كيفية اقامتها بعد اجتماع شرائطها واما الاركان التى يتركب عنها ذاتها فلا فرق فيها بينها وبين سائر الصلوات والقصد بالباب التعرض لامور مندوبة تمتاز بها الجمعة عن سائر الفرائض وجعلها اربعة (احدها) الغسل قال صلي الله عليه وسلم " إذا اتى احدكم الجمعة فليغتسل " وروى انه صلي الله عليه وسلم " قال من توضأ يوم الجمعة فبها ونعمت ومن اغتسل فالغسل افضل " وعن

(4/614)


مالك غسل الجمعة واجب لكن تصح الصلاة بدونه والخبر الثاني حجة عليه ثم فيه مسائل (احداها)
وقت هذا الغسل ما بعد الفجر لان الاخبار علقته باليوم نحو قوله صلي الله عليه وسلم " من اغتسل يوم الجمعة ثم راح فكانما قرب بدنة " وفى النهاية حكاية وجه بعيد انه يجزئ قبل الفجر كما في غسل العيد وظاهر المذهب الاول والفرق بينه وبين غسل العيد إن جوزناه قبل طلوع الفجر من وجهين (احدهما) انه إذا اغتسل قبل طلوع الفجر يبقي اثره الي أن يؤدى صلاة العيد لقربها من اول النهار وصلاة الجمعة تؤدى بعد الزوال فلا يبقى أثره (والثانى) انه لو لم يجز غسل العيد قبل الفجر لشق لقرب صلاته من أول النهار بخلاف غسل الجمعة فان من طلوع الفجر الي وقت الصلاة سعة والاولى أن يقرب الغسل من الرواح إلى الجمعة لان الغرض التنزه وقطع الروائح الكريهة فما كان أفضي إليه فهو اولي وقوله ويستحب ذلك بعد الفجر ليس الغرض منه ان ايقاعه بعد الفجر مستحب فان ذلك شرط الاجزاء على ما بينه بقوله ولا يجزئ قبل الفجر وانما المراد بيان استحباب اصل الغسل وقوله بعد الفجر إشارة الي وقت هذا المستحب وإذا عرفت ذلك فاعلم قوله ويستحب ذلك بالميم وقوله ولا يجزئ قبل الفجر بالواو لما سبق وذلك ان تعلم قوله واقربه الي الرواح احب بالميم لان اصحابنا رووا عن مالك ان يشترط ايصال الرواح بالغسل وانه لا يجوز أن يشتغل بعده بشئ سوى الخروج

(4/615)


ومن يقول بذلك ينازع في قولنا الاقرب الي الرواح احب وقال القفال رأيت في الموطأ عنه مثل مذهبنا والله اعلم * وقوله بخلاف غسل اليد فان فيه وجهين قد اعاد هذه المسألة وما فيها من الخلاف في صلاة العيدين وكأن الغرض ههنا بيان افتراق الغسلين في الوقت وان لم يبين المعنى الفارق (الثانية) هل يختص استحباب الغسل بمن يريد حضور الجمعة ام يستحب له ولغيره فيه وجهان حكي في البيان أنهما مبنيان علي وجهين في أن غسل الجمعة مسنون لليوم أو للصلاة (احدهما) انه لليوم لانه في الاخبار معلق باليوم فعلي هذا يستحب للكل (واصحهما) انه للصلاة فلا يستحب الا لمن حضرها وهذا هو المذكور في الكتاب ويدل عليه قوله صلي الله عليه وسلم " من جاء منكم الجمعة فليغتسل " ويخالف غسل العيد يستحب للكل لانه للزينة واظهار السرور وهذا الغسل للتنظيف وقطع الروايح الكريهة كيلا يتأذى من يقربه فاختص بمن يريد الحضور ولو نازع منازع في طرفي هذا الفرق لم يكن بعيدا
ولا فرق في حق من يريد الحضور بين ان يكون من اهل العذر أو لا يكون وعن احمد انه لا يستحب الغسل للنساء ولا يقدح الحدث بعد الغسل فيه وبه قال مالك في الموطأ (الثالثة) قال الصيدلانى وغيره من الاصحاب ان لم يجد الماء لغسل الجمعة فتيمم حاز الفضيلة ويتصور ذلك في موضعين (أحدهما) الذى به قروح علي غير موضع الوضوء يتيمم بنية الغسل (والثانى) قوم في بلد توضأ واثم نفد ماؤهم فيتيمموا بدلا عن الغسل قال امام الحرمين والظاهر ما ذكره الصيدلانى وفيه احتمال من جهة ان هذا الغسل منوط بقطع الروائح الكريهة والتنظف والتيمم لا يفيد هذا الغرض ورجح حجة الاسلام هذا الاحتمال حيث قال والاولى ان لا يتيمم أي من الوجهين وقوله وقيل يتيمم هو الوجه الذى ذكره عامة الاصحاب * قال (ومن الاغسال المستحبة غسل العيدين والغسل من غسل الميت والاحرام والوقوف بعرفة وبمزدلفة ولدخول مكة وثلاثة اغسال ايام التشريق ولطواف الوداع علي القديم وللكافر إذا أسلم غير جنب بعد الاسلام على وجه وقبله علي وجه والغسل من الافاقة من زوال العقل واما الغسل عن الحجامة والخروج من الحمام ففيه تردد) * عد جملة من الاغسال المستحبة في هذا الموضع منها اغتسال الحاج في مواطن معروفة وقد اعاد ذكر ما سوى طواف الوداع منها في كتاب الحج وذلك الموضع أحق بها فنؤخر الشرح إليه (ومنها) غسل العيدين وهو مذكور في باب صلاة العيدين ومنها الغسل عن غسل الميت وفيه قولان نقل عن القديم أنه واجب وكذا الوضوء من مسه لما روى انه صلي الله عليه وسلم قال " من غسل

(4/616)


ميتا فليغتسل ومن مسه فليتوضأ " والجديد انه مستحب وهو المذكور في الكتاب والخبر إن صح محمول علي الاستحباب لما روى انه صلي الله عليه وسلم " قال لا غسل عليكم من غسل ميتكم " وليكن قوله والغسل من غسل الميت معلما بالواو لانه علي القديم غير معدود من الاغسال المستحبة بل هو من الاغسال الواجبة وايضا بالحاء والزاى لان الصيدلاني وغيره حكوا أن أبا حنيفة والمزني لا يريان استحباب هذا الغسل فضلا عن الايجاب وإذا قلنا بالجديد الصحيح فهذا
الغسل غسل الجمعة آكد الاغسال المسنونة وما الآكد منهما فيه قولان (الجديد) أن هذا الغسل آكد لانه متردد بين الوجوب والاستحباب وغسل الجمعة قد ثبت استحبابه (والقديم) ان غسل الجمعة آكد لان الاخبار فيه اصح وائبت وهذا ارجح عند صاحب التهذيب والروياني والاكثرين علي خلاف قياس القديم والجديد ورجح صاحب المهذب وآخرون الجديد علي القياس وحكي الحناطى وغيره وجها انهما سواء (واعلم) ان ما نقلناه يقتضى تردد قوله في وجوب هذا الغسل في القديم لانه لو جزم بوجوبه في القديم لما انتظم منه القول بان غسل الجمعة آكد منه (ومنها) غسل الكافر إذا اسلم ولا يخلو حاله اما ان يعرض له في الكفر ما يجب الغسل من حيض أو جنابة أو لا يعرض فان عرض ذلك فيلزمه الغسل بعد الاسلام ولا عبرة باغتساله في الكفر علي الاصح كما سبق في موضعه وان لم يعرض له ذلك فيستحب له الغسل ولا يجب خلافا لاحمد حيث أوجبه وبه قال ابن المنذر * لنا " انه اسلم خلق كثيرا ولم يامرهم النبي صلي الله عليه وسلم بالاغتسال وامر به ثمامة الحنفي وقيس بن عاصم لما اسلما " فدل انه مستحب لا واجب ثم يغتسل بعد الاسلام ام قبله فيه وجهان (احدهما) قبله

(4/617)


تنظيفا للاسلام وتعظيما (واصحهما) بعده لان النبي صلى الله عليه وسلم امرهما بالغسل بعد الاسلام " ولا سبيل الي تأخير الاسلام بحال ومنها الغسل للافاقة من زوال العقل ظاهر المذهب انه مستحب لانه قد قيل ان من زال عقله انزل فإذا افاق اغتسل احتياطا ولا يجب لان الاصل استصحاب الطهارة السابقة والناقض غير معلوم ونقل القاضى ابن كج عن ابن ابي هريرة انه يجب الغسل علي من افاق من الجنون دون الاغماء وحكي الحناطي في وجوب الغسل علي من افاق منهما جميعا وجهين ووجه الوجوب التشبيه بالنوم من جهة ان النائم قد يخرج منه حدث وهو لا يدرى فجعل النوم حدثا كذلك من زال عقله قد ينزل ولا يدرى وليكن قوله والغسل من الافاقة من زوال العقل مرقوما بالواو لهذا الوجه فانه غير معدود علي هذا الوجه من الاغسال المستحبة (ومنها) الغسل عن الحجامة والخروج من الحمام ذكر صاحب التلخيص عن القديم انه مندوب إليه وذكر الصيمري في الكفاية ان الغسل عن الحجامة وحسن الاكثرون اهملوا ذكرهما فان قلنا بالقديم فقد قال في التهذيب قيل ان المراد
من غسل الحمام ما إذا تنور قال وعندي ان المراد منه ان يدخل الحمام فيعرق فيستحب ان لا يخرج من غير غسل وذكر ان في غسل الحجامة اثرا والله اعلم *

(4/618)


قال (الثاني البكور الي الجامع) * عن ابي هريرة رضى الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال " من اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة ثم راح فكانما قرب بدنة ومن راح في الساعة الثانية فكانما قرب بقرة ومن راح في الساعة الثالثة فكانما قرب كبشا ومن راح في الساعة الرابعة فكانما قرب دجاجة ومن راح في الساعة الخامسة فكانما قرب بيضة فإذا خرج الامام حضرت الملائكة يستمعون الذكر " قال المفسرون للخبر قوله غسل الجنابة أي كغسلها وقيل أي جامع واغتسل ومن متي تعتبر الساعات المذكورة حكى اصحابنا العراقيون فيه وجهين (أحدهما) أنها تعتبر من أول طلوع الشمس لان أهل الحساب منه يحسبون اليوم ويعدون الساعات (واصحهما) من اول طلوع الفجر الثاني لانه اول اليوم شرعا وبه يتعلق جواز الغسل للجمعة ونقل صاحب التهذيب والرويانى وجها ثالثا وهو الاعتبار من وقت الزوال لان الامر بالحضور حينئذ يتوجه عليه ويبعد أن يكون الثواب في وقت لم يتوجه عليه الامر فيه أعظم وايضا فان الرواح اسم للخروج بعد الزوال ومن قال باحد الوجهين الاولين قال انما ذكر لفظ الرواح لانه خروج لامر يؤتى به بعد الزوال ثم ليس المراد من الساعات على اختلاف الوجوه الاربع والعشرين التى قسم اليوم واليلة عليها وانما المراد ترتيب الدرجات وفضل السابق علي الذى يليه * واحتج القفال عليه بوجهين (احدهما) انه لو كان المراد الساعات المذكورة لاستوى الجانبان في الفضيلة في ساعة واحدة مع تعاقبهما في المجئ (والثانى) انه لو كان كذلك لاختلف الامر باليوم الشاتى والصائف ولفاتت الجمعة في اليوم الشاتي لمن جاء في الساعة الخامسة * قال (الثالث لبس الثياب البيض واستعمال الطيب والترجل في المشى مع الهينة والتؤدة ولا بأس بحضور والعجائز من غير زينة وتطيب) روى انه صلي الله عليه وسلم قال " من اغتسل يوم الجمعة ولبس احسن ثيابه ومس من طيب ان
كان عنده ثم اتى الجمعة فلم يتخط اعناق الناس ثم صلى ما كتب الله له ثم انصت إذا خرج امامه حتي يفرغ من صلاته كانت له كفارة لما بينها وجمعته التى قبلها " يستحب التزين للجمعة باخذ الشعر والظفر والسواك

(4/619)


وقطع الروائح الكريهة ولبس احسن الثياب واولاها البياض لما روى انه صلي الله عليه وسلم قال " البسوا البياض فانه خير ثيابكم " وان لبس مصبوغا لبس ما صبغ غزله ثم نسج كالبرود ولا يلبس ما صبغ نوبة * قال اصحابنا العراقيون لان النبي صلى الله عليه واله وسلم لم يلبس ذلك " ويستحب ايضا ان يتطيب بأطيب ما عنده ويزيد الامام في حسن الهيئة ويتعمم ويرتدى " كان رسول الله صلي الله عليه وسلم كذلك يفعل " ويستحب ان يأتي الجمعة ماشيا ولا يركب الا لعذر وكذلك في اتيان

(4/620)


العيد والجنازة وعيادة المريض روى " ان رسول الله صلي الله عليه وسلم ما ركب في عيد ولا جنازة " قال الائمة ولم يذكر الجمعة لان باب حجرته كان في المسجد وينبغى ان يمشى في سكون وتؤدة ما لم يضق الوقت ولا يسعى وليس هذا من خاصية الجمعة " قال صلي الله عليه وسلم إذا اقيمت الصلاة فأتوها تمشون ولا تأتوها تسعون وعليكم السكينة " ولو ركب لعذر فينبغي ان يسيرها علي هينة ايضا

(4/621)


والهينة السكون ولا بأس للعجائز بحضور الجمعة إذا اذن ازواجهن ويحترزن عن التطيب والتزين فذلك استر لهن * قال (الرابع يستحب قراءة سورة الجمعة في الركعة الاولي وفى الثانية إذا جاءك المنافقون فلو نسي الجمعة في الاولي قرأها مع سورة المنافقين في الثانية) يستحب أن يقرأ في الركعة الاولى من صلاة الجمعة بعد الفاتحة سورة الجمعة وفى الثانية سورة المنافقين لانه روى عن أبى هريرة رضي الله عنه أن النبي صلي الله عليه وسلم " كان يقرأهما فيهما " وروى ذلك من فعل على رضي الله عنه وأبى هريرة وعلي هذا فلو نسي سورة الجمعة في الاولي قرأها في الثانية مع المنافقين ولو قرأ سورة المنافقين في الاولي قرأ الجمعة في الثانية كيلا تخلو صلاته
عن هاتين الصورتين كذلك ذكره في البيان وينبغي أن يعلم قوله ويستحب سورة الجمعة بالحاء لان عنده يكره تعيين سورة في الصلاة وبالواو لان الصيدلانى نقل عن القديم أنه يقرأ في الاولى سبح وفى الثانية وهل أتاك حديث الغاشية وقال رواه النعمان بن بشير رضي الله عنه وقوله في الثانية إذا جاءك المنافقون معلم بهما وبالميم لان عند مالك يقرأ في الثانية هل اتاك وفى الاولي الجمعة

(4/622)


ويتعلق بالجمعة مندوبات أخرى (منها) ان يحترز عن تخطي رقاب الناس إذا حضر المسجد ورد الخبر بذلك ويستثني عنه ما إذا كان إماما وما إذا كان بين يديه فرجة لا يصل إليها إلا بان يتخطي الرقاب ولا يجوز أن يقيم أحدا من مجلسه ليجلس فيه ويجوز أن يبعث من يأخذ له موضعا فإذا جاء تنحى المبعوث وان فرش لرجل ثوبا فجاء آخر لم يجز له أن يجلس عليه وله أن ينحيه ويجلس مكانه قال في البيان ولا يرفعه حتى لا يدخل في ضمانه (ومنها) إذا حضر قبل الخطبة اشتغل بذكر الله تعالى وقراءة

(4/623)


القرآن والصلاة علي النبي صلى الله عليه وسلم ويستحب الاكثار من الصلاة عليه يوم الجمعة وليلة الجمعة وقراءة سورة الكهف ويكثر من الدعاء يوم الجمعة رجاء ان يصادف ساعة الاجابة (ومنها) الاحتراز عن البيع قبل الصلاة وبعد الزوال فهو مكروه إن لم يظهر الامام على المنبر وحرام ان ظهر وأذن المؤذن بين يديه قال الله تعالى (إذا نودى للصلاة من يوم الجمعة) الآية ولو تبايع اثنان أحدهما من أهل فرض الجمعة دون الآخر أثما جميعا ما الاول فظاهر وأما الثاني فلاعانته علي الحرام ولا يكره البيع قبل الزوال بحال وحيث حكمنا بحرمة البيع فلو خالف وباع صح خلافا لمالك واحمد (ومنها) ان لا يصل صلاة الجمعة بنافلة بعدها لا الراتبة ولا غيرها ويفصل بينها وبين الراتبة بالرجوع إلي

(4/624)


منزله أو بالتحويل إلي موضع آخر أو بكلام ونحوه ذكره في التتمة وثبت في الخبر عن رسول

(4/625)


الله صلي الله عليه وسلم " *
قال (كتاب صلاة الخوف) (وهي أربعة أنواع الاول أن لا يكون العدو في جهة القبلة فيصدع الامام أصحابه صدعين ويصلى باحدهما ركعتين والطائفة الثانية تحرسه ويسلم ثم يصلى بالطائفة الاخرى ركعتين أخريين هما له سنة ولهم فريضة وذلك جائز من غير خوف ولكنه كذلك صلي رسول الله صلى الله عليه وسلم وسلم ببطن النخل) * ليس المراد من ترجمة الباب أن الخوف يقتضي صلاة علي حيالها كقولنا صلاة العيد ولا أنه يؤثر في تغيير فعل الصلاة أو وقتها كقولنا صلاة السفر وإنما المراد أنه يؤثر في كيفية اقامة الفرائض ويقتضى احتمال امور فيها كانت لا تحتمل لولا الخوف ثم هو في الاكثر لا يؤثر في مطلق اقامة الفرائض بل في اقامتها بالجماعة علي ما سنفصله إذا عرف ذلك فالاصل في الباب قوله تعالى وإذا كنت فيهم فاقمت لهم الصلاة الآية والاخبار التي نذكرها في أثناء الباب واعلم قوله كتاب صلاة الخوف بالزاى لان المزني رحمه الله ذهب الي نسخ صلاة الخوف * واحتج عليه بان النبي صلي

(4/626)


الله عليه وسلم لم يصلها في حرب الخندق وأجاب الاصحاب عنه بان حرب الخندق كان قبل نزول آية صلاة الخوف وكان المسلمون قبل نزولها يؤخرون الصلاة في الخوف عن وقتها ثم يقضونها كما فعلوا في حرب الخندق ثم علموا بالآية وشاع ذلك بين الصحابة وروى عن علي رضى الله عنه أنه صلي بأصحابه صلاة الخوف ليلة الهرير " 1 وعن أبي موسي وحذيفة وغيرهما رضى الله عنهم أنهم فعلوها " (وقوله) وهي أربعة أنواع سبيل ضبطها أن يقال للخوف حالتان (احداهما) أن يشتد الخوف بحيث لا يتمكن أحد من ترك القتال وفيها يقع النوع الرابع (والثانية) أن لا يبلغ الخوف هذا الحد فاما أن يكون العدو في وجه القبلة أو لا يكون فان كان فيصلي فيها النوع الثاني وهو صلاة عسفان وان لم يكن فيجوز أن يصلي فيها صلاة بطن النخل وهى النوع الاول ويجوز ان يصلي فيها صلاة ذات الرقاع وهى النوع الثالث وايتهما اولي (الاظهر) ان صلاة ذات الرقاع أولى لوجهين احدهما انها اعدل بين الطائفتين (والثانى) ان في صلاة بطن النخل تكون الفرقة الثانية مصلية الفريضة خلف النافلة وفى
جواز ذلك اختلاف بين العلماء وحكي القاضي الروياني وجها عن ابى اسحق ان صلاة بطن النخل اولى ليحصل لكل واحدة من الطائفتين فضيلة الجماعة علي التمام فهذا ضبط الانواع * (النوع الاول) صلاة بطن النخل وهي ان يجعل الناس فرقتين فيصلى بفرقة جميعها وفرقة في وجه العد أو تحرس فإذا سلم بالفرقة التى خلفه ذهبت إلى وجه العدو وجاءت الطائفة الاخرى فيصلى بهم مرة ثانية تكون له سنة ولهم فريضة روى عن ابي بكرة وجابر رضي الله عنهما " ان النبي صلي الله عليه وسلم صلى ببطن النخل بالناس " هكذا قال اصحابنا العراقيون وانما يصلى الامام هذه الصلاة بثلاثة شروط (احدها) ان يكون العدو في غير جهة القبلة (والثاني) ان يكون في المسلمين كثرة وفي العدو قلة والثالث ان لا يأمنوا من انكباب العدو عليهم في الصلاة ولا شك ان اعتبار هذه الامور ليس علي معنى اشتراطها في الصحة فان الصلاة علي هذا الوجه جائزة وان لم يكن خوف اصلا إذ ليس فيه الاقتداء مفترض بمتنفل في المرة الثانية فإذا المعنى ان اقامة الصلاة هكذا انما يختار ويندب إليه عند اجتماع هذه الامور (وقوله) فيصدع الامام اصحابه صدعين أي يفرقهم فرقتين ويجوز فيصدع من الصدع وهو الشق (وقوله) ويصلي باحدهما ركعتين مفروض فيما إذا كانت الصلاة ركعتين مقصورة كانت أو غير مقصورة فان كانت اكثر من ذلك صلاها بتمامها مرتين ولا فرق

(4/627)


قال (النوع الثاني: ان يكون العدو في جهة القبلة فيرتبهم الامام صفين فإذا سجد في الاولى حرسه الصف الاول فإذا اقام سجدوا ولحقوا به وكذلك يفعل الصف الثاني في الركعة الثانية هكذا صلي رسول الله صلى الله عليه وسلم بعسفان " وليس فيه الا تخلف عن الامام بركنين وذلك جائر لحاجة الخوف ثم لا بأس لو اختص بالحراسة فرقتان من احد الصفين ولو تولي الحراسة في الركعتين طائفة واحدة لم يجز على احد القولين لتضاعف التخلف في حقهم عن الامام والحراسة بالصف الاول اليق فلو تقدم الصف الثاني في الركعة الثانية إلى الصف الاول وتاخر الصف الاول ولم تكثر افعالهم كان ذلك حسنا) * النوع الثاني صلاة عسفان: وهى ان يرتب الامام الناس صفين ويحرم بهم جميعا فيصلون
معا إلى ان ينتهى الي الاعتدال عن ركوع الركعة الاولي فإذا سجد سجد معه الصف الثاني ولم يسجد الصف الاول بل حرسوهم قائمين فإذا قام الامام والساجدون سجد اهل الصف الاول ولحقوه وقرأ الكل معه وركعوا واعتدلوا فإذا سجد سجد معه الحارسون في الركعة الاولى وحرس الساجدون معه في الاولى فإذا جلس للتشهد سجدوا ولحقوه وتشهد الكل معه وسلم بهم

(4/628)


هذه الكيفية ذكرها الشافعي رضي الله عنه في المختصر واختلف الاصحاب فأخذ كثيرون بها منهم اصحاب القفال وقالوا انها منقولة عن فعل النبي صلي الله عليه وسلم ومن معه بعسفان وعلي ذلك جرى حجة الاسلام رضى الله عنه في الكتاب وقال الشيخ أبو حامد ومن تابعه ما ذكره الشافعي رضي الله عنه خلاف الترتيب الثابت في السنة فان الثابت في السنة ان اهل الصف الاول يسجدون معه في الركعة الاولي واهل الصف الثاني يسجدون معه في الثانية والشافعي رضي الله عنه عكس ذلك قالوا والمذهب ما ورد في الخبر لان الشافعي رضى الله عنه قال إذا رأيتم قولى مخالفا للسنة فاطرحوه (واعلم) ان مسلما وابا داود وابن ماجه وغيرهم من اصحاب المسانيد لم يوردوا الا الترتيب الذى ذكره أبو حامد نعم في بعض الروايات ان طائفة سجدت معه ثم في الركعة الثانية سجد معه الذين كانوا قياما وهذا يحتمل الترتيبين جميعا ولم يقل الشافعي رضى الله عنه أن الكيفية التى ذكرتها صلاة النبي صلى الله عليه وسلم بعسفان ولكن قال هذا نحو صلاته يوم عسفان فاشبه تجويز كل واحد منهما إذ لا فرق في المعنى وقد صرح به الرويانى وصاحب التهذيب وغيرهما قالوا واختار الشافعي رضي الله عنه ما ذكره لامور (احدها) ان الصف الاول اقرب من العدو فهم امكن من الحراسة (والثانى) انهم إذا حرسوا كان جنة لمن ورائهم فان رماهم المشركون تلقوهم بسلاحهم (والثالث) انهم يمنعون ابصار

(4/629)


المشركين عن الاطلاع علي عدد المسلمين وعدتهم إذا عرفت ذلك فيجوز أن يعلم قوله في الكتاب حرسه الصف الاول بالواو اشارة إلى قول من قال ان في الركعة الاولي يحرسه الصف الثاني وهو هالذى أورده في المهذب (وقوله) هكذا صلى رسول الله صلي الله عليه وسلم بعسفان فيه نزاع من
جهة النقل فان الروايات المشهورة علي خلاف ما ذكره كما بينا ثم المشهوران الكل يركعون معه في الركعتين وانما التخلف في السجود وذكر في معناه أن الركوع لا يمنع من النظر والحراسة بخلاف السجود وحكى أبو الفضل بن عبدان أن من أصحابنا من قال يحرسون في الركوع أيضا وفى بعض الروايات ما يدل عليه فهذا هو الكلام في كيفية هذا النوع وأما موضعه فقد قال الائمة لهذه الصلاة ثلاثة شروط (أحدها) أن يكون العدو في جهة القبلة ليتمكن الحارسون من رؤيتهم (والثاني) أن يكونوا علي قلة جبل أو مستو من الارض لا يمنعهم شئ من أبصار المسلمين (والثالث) أن يكون في المسلمين كثرة لتمكن جعلهم فرقتين أحداهما يصلي معه والثانية يحرس ولم يتعرض في الكتاب الا للشرط الاول وقوله وليس فيه الا تخلف عن الامام بركنين الي آخره اشارة الي أنهم لو أرادوا الصلاة في حالة الامن هكذا لم يجز صلاة المتخلفين وانما احتمل ههنا لحاجة الخوف وظهور العذر وظاهر قوله الا بركنين حصر للتخلف فيهما وعنى بهما السجدتين لكن التخلف غير منحصر فيهما فانهم متخلفون بالجلسة بين السجدتين أيضا وهى ركن ثالث (فان قيل) الجلسة بين السجدتين ليس ركنا مقصودا علي ما سبق والتخلف المؤثر هو التخلف بالاركان المقصودة فلهذا اقتصر علي ذكر الركعتين (الجواب) أن هذا كلام حسن قد قدمناه في موضعه لكن الاظهر عند المصنف أن الجلسة بين السجدتين ركن طويل كسائر الاركان ويكون التخلف الحاصل ههنا حاصلا باركان وهكذا ذكر في الوسيط والامام في النهاية ثم ذكر في الفصل فروعا نذكرها وما يحتاج إليه (الاول) ليس من الشرط أن لا يزيد على صفين بل لو رتبهم صفوفا كثيرة جاز ثم يحرس صف كما سبق ولا يشترط ان يحرس كل من في الصف بل لو حرست فرقتان من صف واحد في الركعتين على المناوبة ودام من سواهم علي المتابعة جاز لحصول الغرض بحراستهم (الثاني) لو تولي الحراسة في الركعتين طائفة واحدة ثم سجدت ولحقت ففي صحة صلاتها وجهان (أحدهما) لا تصح لان ذلك يوجب تضاعف التخلف بالاضافة الي ما كان يوجد لو تناوبوا والنص ورد في ذلك القدر من التخلف فلا يحتمل الزيادة عليه

(4/630)


(وأظهرهما) ولم يذكر جماعة سواه انه يصح لان هذا القدر من التخلف محتمل في ركعة لمكان العذر
فمثله في ركعة أخري مضموما إليه لا يضر الا يرى ان القدر الذى يحتمل من التخلف بلا عذر لا يفترق الحالين أن يتفق في ركعة أو في ركعات كثيرة وفى بعض نسخ الكتاب ذكر قولين في المسألة بدل الوجهين وهو قريب لان الخلاف علي ما ذكره صاحب التهذيب وغيره مبنى علي القولين فيما إذا زاد الامام علي الانتظارين في النوع الثالث من صلاة الخوف وسيأتي ذلك (الثالث) لو تأخر الحارسون أولا إلى الصف الثاني في الركعة الثانية وتقدمت الطائفة الثانية ليحرسوا جاز إذا لم يكثر فعالهم وذلك بان يتقدم كل واحد من أهل الصف الثاني خطوتين ويتأخر كل واحد من أهل الصف الاول خطوتين وينفذ كل واحد منهم بين رجلين وهل هذا أولي ام الاولي ان يلازم كل منهم مكانه أشار في الكتاب إلي أن التقدم والتأخر أحسن وأولي لان الحراسة بالصف الاول اليق وقد سبق وجهه وهكذا ذكر الصيدلانى والمسعودي وآخرون وقال أصحابنا العراقيون الاولي ان يلازم كل منهم مكانه فلا يضطرب ولا ينتقل ولفظ الشافعي رضى الله عنه في المختصر علي هذا أدل وهذا كله مبنى علي ما ذكره الشافعي رضى الله عنه ان في الركعة الاولى يحرس الصف الاول فاما علي ما اختاره أبو حامد واشتهر في الخبر أن الصف الثاني يحرسون في الركعة الاولي ففى الركعة الثانية يتقدم أهل الصف الثاني ويتأخر أهل الصف الاول فتكون الحراسة في الركعتين ممن خلف الصف الاول لا من الصف الاول كذلك ورد في الخبر وقوله في الكتاب فإذا سجد في الاولي حرسه الصف الاول يجوز ان يعلم بالحاء وكذا قوله سجدوا ولحقوا به وكذا يفعل الصف الثاني في الركعة الثانية لان أصحابنا حكوا عن أبي حنيفة انه إذا كان العدو في جهة القبلة لم يصل بهم الا كما يصلى والعدو في غير جهة القبلة وتفصيله على ما سيأتي في النوع الثالث ورسموا هذه مسألة خلافية بيننا وبينه * قال (النوع الثالث ان يلتحم القتال ويحتمل الحال اشتغال بعضهم بالصلاة فيصدع الامام اصحابه صدعين وينحاز بطائفة الي حيث لا تبلغهم سهام العدو فيصلي بهم ركعة فإذا قام الي الثانية

(4/631)


انفردوا بالثانية وسلموا واخذوا مكان اخوانهم في الصف وانحاز الفئة المقاتلة الي الامام وهو ينتظرهم
واقتدوا به في الثانية فإذا جلس للتشهد قاموا وأتموا الثانية ولحقوا به قبل السلام وسلم بهم هكذا صلي رسول الله صلى الله عليه وسلم بذات الرقاع في رواية خوات بن جبير وليس فيها الا الانفراد عن الامام في الركعة الثانية وانتظار الامام بالطائفة الثانية مرتين وهذا أولي من رواية ابن عمر فان فيها كثرة الافعال مع الاستغناء عنها) * (النوع الثالث) صلاة ذات الرقاع في كيفيتها في الصبح والصلاة المقصورة في السفر ثم في الصلاة الثلاثية والرباعية اما في ذات الركعتين فيفرق الامام القوم فرقتين ووقف طائفة جهة العدو وينحاز بطائفة الي حيث لا تبلغهم سهام العدو فيفتتح بهم الصلاة ويصلى بهم ركعة هذا القدر اتفقت الرواية عليه ثم فيما يفعل بعد ذلك روايتان فصل في الكتاب أحداهما واجمل ذكر الاخرى اما المفصلة فهي انه إذا قام الي الثانية خرج المقتدون عن متابعته واتموا الثانية لانفسهم وتشهدوا وسلموا وذهبوا الي وجاه العدو وجاء أولئك واقتدوا به في الثانية وهو يطيل القيام الي لحوقهم فإذا لحقوه صلي بهم الثانية فإذا جلس للتشهد قاموا وأتموا الثانية وهو ينتظرهم فإذا لحقوه سلم بهم " هكذا روى مالك عن يزيد بن رومان عن صالح عن خوات بن جبير عمن صلى مع النبي صلي الله عليه وسلم صلاة يوم ذات الرقاع " ورواه ابو داود والنسائي عن صالح عن سهل ابن حثمة عن النبي صلي الله عليه وسلم وأما الرواية التى أجملها فهى أن الامام إذا قام الي الثانية لا يتم المقتدون به الصلاة بل يذهبون الي مكان اخوانهم وجاه العدو وهم في الصلاة فيقفوا سكوتا وتجئ تلك الطائفة فتصلي مع الامام الركعة الثانية فإذا سلم ذهبت الي وجاه العدو وجاء الاولون الي مكان الصلاة واتموا لانفسهم وذهبوا إلى وجاه العدو وجاءت الطائفة الثانية الي مكان الصلاة وأتمت ايضا وهذه رواية ابن عمر رضي الله عنهما * إذا عرفت ذلك فاعلم ان الشافعي رضى الله عنه اختار الرواية الاولى لانها أوفق

(4/632)


للقرآن قال الله تعالي جده (ولتأت طائفة اخرى لم يصلوا) وذلك يشعر بان الطائفة الاولى قد صلت ولانها اليق بحال الصلاة لما في الرواية الاخرى من زيادة الذهاب والرجوع وكثرة الافعال والاستدبار ولا ضرورة الي احتمال جميع ذلك ولانها أحوط لامر الحرب فانها أخف علي الطائفتين جميعا إذ الحراسة
خارج الصلاة أهون واختار مالك واحمد أيضا ما اختاره الشافعي رضى الله عنه لكن مالكا رحمة الله عليه قال في رواية إذا صلى الامام بالطائفة الثانية الركعة الئانية تشهد بهم وسلم ثم يقومون الي تمام صلاتهم كالمسبوق في غير صلاة الخوف ونقل الصيدلانى قولا عن القديم مثل ذلك وحكي صاحب الافصاح والعراقيون قولا قريبا من ذلك فقالوا يقومون في قول إذا بلغ الامام موضع السلام ولم يسلم بعد وذهب أبو حنيفة إلى اختيار رواية ابن عمر رضي الله عنهما وقال الطائفة الاولى يتمون الصلاة بعد سلام الامام بغير قراءة لانهم أدركوا التحريمة فسقط عنهم القراءة في جميع الصلاة والطائفة الثانية يتمونها بقراءة لانهم ما ادركوا التحريمة (واعلم) ان اقامة الصلاة علي الوجه المذكور ليس عزيمة لا بد منها بل لو صلي الامام بطائفة وأمر غيره فصلي بالآخرين وصلي بعضهم أو كلهم منفردين جاز لكن كان اصحاب النبي صلي الله عليه وسلم لا يسمحون بترك فضيلة الجماعة ويتنافسون في الاقتداء به فأمره الله تعالى جده بترتيبهم هكذا لتحوز احدي الطائفتين فضيلة التكبيرة معه والاخرى فضيلة التسليم معه " وهل تصح الصلاة علي الوجه الذى رواه ابن عمر رضى الله عنهما ذكروا فيه قولين (أحدهما) وتحتمل تلك الرواية علي النسخ لخبر سهل فانها مطلقة ورواية سهل مقيدة بذات الرقاع وهى آخر الغزوات (وأصحهما) نعم وبه قال أحمد لصحة الرواية وعدم العلم بالنسخ ولا

(4/633)


سبيل إلى المصير إليه بمجرد الاحتمال وارجع بعد هذا إلى ما يتعلق بنظم الكتاب: فاقول قد سبق أن موضع هذا النوع ما إذا لم يكن العدو في جهة القبلة ثبت ذلك من جهة النقل ونص عليه الاصحاب وان لم يتعرض له لفظ الكتاب وفى معناه ما إذا كانوا في جهة القبلة لكن كان بينهم وبين المسلمين حائل يمنع من رؤيتهم لو هجموا وقوله ان يلتحم القتال ليس مذكورا علي سبيل الاشتراط بل لو كان العدو قارين في معسكرهم في غير جهة القبله ولم يلتحم القتال بعد وكان يخاف هجومهم فالحكم كما لو التحم فيجعلهم طائفتين واحدة تحرس وأخرى تقتدي به وإذا التحم القتال فانما تمكن هذه الصلاة إذا كثر القوم وامكن الانحياز بطائفة وحصل الكفاية بالباقين فان لم يكن كذلك فالحال حال شدة الخوف وسنذكرها فلهذا قال ويحتمل الحال اشتغال بعضهم بالصلاة (وقوله) فإذا قام الي
الثانية انفردوا بالثانية مرقوم بالحاء لانه عنده لا ينفرد بالثانية إذا قام الامام إليها بل بعد سلامه ثم في هذا الفصل شيئان ينبغي ان يتنبه لهما (احدهما) ان قوله انفردوا بالثانية ليس المراد منه انفرادهم بالفعل فحسب بل ينوون مفارقته وينفردون بالفعل وفى حق الطائفة الثانية قال قاموا وأتموا الركعة الثانية ولم يقل وانفردوا بها

(4/634)


لانهم لا يخرجون عن المتابعة كذا قاله الجمهور وفيه شئ آخر سيأتي (والثانى) أنه قال فإذا قام الامام إلى الثانية ولم يقل فإذا أتم الاولي لان الاولي أن ينووا مفارقته بعد الانتصاب لا عند رفع رأسه من السجود الثاني فانهم صائرون إلى القيام كالامام ولو فارقوه عند رفع الرأس من السجود جاز أيضا ذكره في التهذيب وغيره وقوله وانحاز الفئة المقاتلة انما سماها مقاتلة لانه فرض الكلام فيما إذا التحم القتال فاما إذا كان يخاف هجومهم ويتوقع القتال فليست هي بمقاتلة في الحال ويجوز أن يقرء الفئة المقابلة بالباء فيشمل الحالتين لانهما علي التقديرين مقابلة للعدو (وقوله) فإذا جلس للتشهد قاموا وأتموا معلم بالحاء لان عنده إنما يقومون إذا سلم الامام لا إذا جلس للتشهد وبالميم والواو لما سبق (وقوله) هكذا صلى رسول الله صلي الله عليه وسلم بذات الرقاع اختلفوا في اشتقاق هذه اللفظة قيل كان القتال في سفح جبل فيه جدد بيض وحمر وصفر كالرقاع وقيل كانت الصحابة رضوان الله عليهم حفاة لفوا علي أرجلهم الخرق والجلود لئلا تحترق وقوله في رواية خوات بن جبير أشتهر في كتب الفقه نسبة هذه الرواية الي خوات والمنقول في أصول الحديث رواية صالح عن سهل وعمن صلي مع النبي صلى الله عليه وسلم فلعل هذا المبهم ذكر خوات أبو صالح والله أعلم وقوله وليس فيها الا الانفراد عن الامام في الركعة

(4/635)


الثانية هذا الانفراد ظاهر في حق الطائفة الاولى فاما الطائفة الثانية فهم على متابعته بعد الركعة الثانية وفى الركعة الثانية كلام سيأتي ذكره من بعد والمقصود منه بيان رجحان هذه الرواية علي رواية ابن عمر رضي الله عنهما وفيه اشارة إلى مسألة لا بد من ذكرها وهى أنه لو أقام الصلاة بهم علي هذه الهيئة في حالة الامن هل يجوز ذلك أم لا أما صلاة الامام فمنهم من قال تصح قولا واحدا لانه تطويل صلاة بالقراءة أو التشهد وذلك مما لا منع فيه وقال الاكثرون فيه قولان لانه انتظر المأمومين بغير عذر
وبنى القاضي أبو الطيب القولين على القولين فيما إذا فرقهم أربع فرق في الصلاة الرباعية لانه في الصورتين انتظر في غير محل الحاجة وأما الطائفة الاولي ففى صحة صلاتها قولان لانها فارقت الامام بغير عذر وأما الطائفة الثانية فان قلنا صلاة الامام تبطل امتنع عليهم الاقتداء والاصح اجزاؤهم ثم تبني صلاتهم إذا قاموا إلى الركعة الثانية علي خلاف يأتي في أنهم منفردون بها ام حكم الاقتداء باق عليهم (إن قلنا) بالاول ففي قولهم صلاتان مبنيان على أصلين (أحدهما) انهم انفردوا من غير عذر (والثانى) أنهم اقتدوا بعد الانفراد (وان قلنا) بالثاني بطلت صلاتهم لانفرادهم بركعة مع بقاء القدوة ولو فرضت الصلاة في حالة الامن علي الوجه الذى رواه ابن عمر رضي الله عنه فصلاة المأمومين باطلة قطعا وقوله وهذا أولي يجوز أن يريد أنه أولي بان يفعله الامام مما رواه ابن عمر رضى الله عنهما فيكون جوابا علي تجويز اقامة الصلاة على ذلك الوجه أيضا ويجوز أن يريد به ان الاخذ به والمصير إليه أولى فلا يلزم تجويز ذلك الوجه وعلي التقديرين هو معلم بالحاء * قال (ثم الصحيح أن الامام في الثانية يقرأ الفاتحة قبل لحوق الفرقة الثانية لكن يمد القراءة عند لحوقهم ونقل المزني رحمه الله أنه يؤخر الفاتحة الي وقت لحوقهم وكذا هذا الخلاف في انتظاره في التشهد قبل لحوقهم) * إذا قام الامام الي الثانية فهل يقرأ الفاتحة في انتظاره الفرقة الثانية أم يؤخر الي لحوقها نقل الربيع أنه يقرؤها ثم بعد لحوقهم يقرأ بقدر الفاتحة سورة قصيرة ونقل المزني أنه يقرأ بعد لحوقهم بام القرآن وسورة وهذا قول بتأخير القراءة إلى لحوقهم لان الفاتحة لا تكرر واختلف الاصحاب علي طريقتين (أصحهما) ان المسألة على قولين (أحدهما) أنه لا يقرأ إلى لحوقها لانه قرأ في الركعة الاولي بالطائفة الاولى فليقرأ في يا لثانية بالطائفة الثانية تسوية بينهما (وأصحهما) وبه قال احمد أنه يقرأ أولا ولا يؤخر * واحتجوا عليه بانه لو لم بقرأ فاما أن يسكت أو يقرأ غير الفاتحة من القرآن وكل واحد منهما خلاف السنة أو يشتغل بذكر

(4/636)


وتسبيح وليس القيام محلا لذلك وهذا لا يسلمه من صار الي القول الاول على الاطلاق بل ذكروا تفريعا عليه انه يسبح ويذكر اسم الله تعالى جده بما شاء (والطريق الثاني) انها ليست علي القولين ثم اختلفوا فعن أبى
اسحق أن النصين منزلان علي حالتين حيث قال يقرأ اراد إذا كان الامام يريد قراءة سورة قصيرة فتفوت القراءة علي الطائفة الثانية فهنا يستحب الانتظار ومنهم من قطع بما رواه الربيع وغلط المزني في النقل وقال لفظ الشافعي رضى الله عنه ويقرأ بعد اتيانهم بقدر ام الكتاب وسورة قصيرة لا بام القرآن وانما أمر بذلك لينالوا فضيلة القراءة فلو لم يفعل وأدركوه في الركوع كانوا مدركين للركعة وقوله في الكتاب لكنه يمد القراءة عند لحوقهم اشارة الي ما ذكرنا وهو أنه يمكث في قراءته بعد لحوقهم قدر قراءة أم القرآن وسورة وفى بعض النسخ لكنه يمد القراءة الي وقت لحوقهم وعلي هذا ففرض الكلام انه لا يؤخر القراءة إلى لحوقهم لا انه يقطع القراءة كما لحقوه واما قوله وكذا هذا علي الخلاف في انتظاره في التشهد قبل لحوقهم فاعلم انه مبني على أن الطائفة الثانية يقومون إلى الركعة الثانية إذا جلس الامام للتشهد وهو المذكور في الكتاب والمشهور وقد حكينا قولا آخر أنهم يقومون إليها بعد سلامه فعلي ذلك القول ليس له انتظار في التشهد وعلي المشهور هل يتشهد قبل لحوقهم اما القاطعون في الانتظار الاول بانه يقرأ الفاتحة فقد قطعوا ههنا بانه يتشهد بطريق الاولي واما المثبتون للخلاف ثم فقد اختلقوا ههنا منهم من طرد القولين ومنهم من قطع بانه يتشهد لان الامر بتأخير القراءة في قول انما كان ليقرأ بالطائفة الثانية كما قرأ بالطائفة الاولى وهذا المعنى لا يفرض في التشهد إذا عرفت ذلك فلا يخفي عليك ان قوله وكذا هذا الخلاف وجواب علي طريقة طرد القولين في التشهد ويجب ان يعلم بالواو للطريقة الاخرى على أنها اظهر عند الاكثرين * قال (ثم هذه الحاجة ان وقعت في صلاة المغرب فليصل الامام بالطائفة الاولي ركعتين وبالثانية ركعة لان في عكسه تكليف الطائفة الثانية تشهد غير محسوب ثم الامام ان انتظرهم في التشهد الاول فجائز وان انتظرهم في القيام الثالث فحسن) * ما سبق كلام في الصلاة الثنائية كيف تؤدى بالناس في الموضع الذى بيناه فاما إذا كانت الصلاة معربا وفرض الخوف كذلك فلا بد من تفصيل أحدى الطائفتين علي الاخرى فيجوز ان يصلي

(4/637)


بالاولى ركعة وبالثانية ركعتين ويجوز ان يصلي بالاولى ركعتين وبالثانية ركعة وأيهما أولي فيه
قولان (اصحهما) ان الافضل ان يصلي بالطائفة الاولي ركعتين وبالثانية ركعة لان الطائفة الاولي سابقون فهم اولى بالتفضيل ولانه لو عكس فصلى بالطائفة الاولي ركعة وبالثانية ركعتين لزاد في صلا الطائفة الثانية تشهدا غير محسوب لانهم حينئذ يحتاجون الي الجلوس مع الامام في الركعة الثانية وهو غير محسوب لهم فانها اولاهم والاليق بالحال التخفيف دون التطويل (والثانى) ان الافضل ان يصلي بالاولي ركعتين وبالثانية ركعتين لان عليا رضى الله عنه صلي ليلة الهرير بالناس هكذا ثم ان فعل هكذا فالطائفة الاولي تفارقه إذا قام إلى الثانية وتتم لنفسها علي ما ذكرنا في ذات الركعتين وان صلى بالاولى ركعتين فيجوز ان ينتظر الثانية في التشهد الاول ويجوز ان ينتظرهم في القيام الثالث وأيهما اولي فيه قولان (احدهما) ان انتظارهم في التشهد الاول اولي ليدركوا معه الركعة من اولها وينقل هذا عن الاملاء (واصحهما) ان انتظارهم في القيام الثالث اولي لان القيام مبنى علي التطويل والجلسة الاولي مبنية علي التخفيف ولان في ذات الركعتين ينتظر قائما فكذلك ههنا لانه إذا انتظرهم في الجلوس لا تدرى الطائفة الاولى متى يقومون ثم إذا انتظرهم في القيام فهل يقرأ الفاتحة ام يصير الي لحوق الفرقة الثانية فيه الخلاف المتقدم (وقوله) في الكتاب فليصل بالطائفة الاولي ركعتين وبالثانية ركعة جواب على القول الاول ويجوز ان يكون جزما بانه يفعل كذلك لان القاضي الروياني حكى طريقة جازمة به مع طريقة القولين وعلي التقديرين فلفظ الركعة والركعتين معلمان بالواو (وقوله) فليصل امر استحباب وفضيلة وليس ذلك بلازم (وقوله) وان انتظرهم في القيام الثالث فحسن هو لفظ الشافعي رضي الله عنه في المختصر وقد حملوه علي ان الافضل الانتظار فيه وإذا كان كذلك فيجوز ان يعلم بالواو اشارة إلى القول المنقول عن الاملاء * قال (وان كان في صلاة رباعية في الحضر فليصل بكل طائفة ركعتين فان فرقهم اربع فرق فالانتظار الثالث زائد على المنصوص وفى تحريمه قولان قال ابن سريج الانتظار في الركعة الثالثة هو الانتظار الثاني في حق الامام فلا منع منه) * إذا كان الخوف في السفر فسبيل الصلاة الرباعية ان تقصر وتؤدى كما سبق فلو ارادوا اتمامها وكانوا في الحضر وقد جاءهم العدو فينبغي ان يفرق الامام الناس فرقتين ويصلي بكل طائفة ركعتين
ثم الافضل ان ينتظر الثانية في التشهد الاول أو في القيام الثالث فيه الخلاف المذكور في المغرب

(4/638)


ويتشهد بكل واحدة من الطائفتين بلا خلاف لانه موضع تشهدهما ويتضح بما ذكرناه ان قوله وإن كان في صلاة رباعية في الحضر ليس الحضر مذكورا علي سبيل الاشتراط لجواز الاتمام في السفر لكن الغالب أن الاتمام لا يكون الا في الحضر لان القصر افضل مطلقا عند الامكان على الاصح واليق بحالة الخوف فلهذا قال في الحضر وقوله فليصل بكل طائفة ركعتين معلم بالميم لان في رواية عن مالك لا يجوز أن يصلي بهم الصلاة الرباعية كذلك * لنا قوله تعالى (وإذا كنت فيهم فاقمت لهم الصلاة) الآية لا فرق فيها بين السفر والحضر ولو فرقهم أربع فرق وصلي بكل فرقة ركعة وذلك بان يصلى بفرقة ركعة وينتظر قائما في الثانية وينفردوا هم بثلاث ويسلموا ويذهبون ثم يصلى الركعة الثانية بفرقة ثانية وينتظر جالسا في التشهد الاول أو قائما في الثالثة ويتموا لانفسهم ثم يصلي الثالثة بفرقة ثالثة وينتظر في قيام الرابعة ويتموا صلاتهم ثم يصلي الرابعة بالفرقة الرابعة وينتظرهم في التشهد الاخير الي ان يتموا صلاتهم ويسلم بهم فهل يجوز ذلك فيه قولان (أحدهما) لا لان الاصل أن لا يحتمل الانتظار في الصلاة اصلا لما فيه من شغل القلب والاخلال بالخشوع وقد ورد عن فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم انتظاران فلا يزاد عليهما (واصحهما) نعم لان جواز انتظارين انما كان للحاجة وقد تقتضي الحاجة اكثر من ذلك بأن لا يكون في وقوف نصف الجند في وجه العدو كفاية بل يحتاج إلى وقوف ثلاثة ارباعهم بكل حال (التفريع) ان جوزنا فقد قال امام الحرمين شرطه ان تمس الحاجة إليه فأنا إذا لم تكن حاجة فالحكم كما لو جرى ذلك في حالة الاختيار والطائفة الرابعة علي هذا القول كالطائفة الثانية في ذات الركعتين فيعود الخلاف في أنهم يفارقونه قبل التشهد أو يتشهدون معه ويقومون بعد سلام الامام إلى ما عليهم كالمسبوق وتتشهد الطائفة الثانية معه في أظهر الوجهين (والثانى) تفارقه قبل التشهد وعلى هذا القول تصح صلاة الامام وفى صلاة الطوائف قولان المنقول عن

(4/639)


الام ان صلاتهم صحيحة وعن الاملاء ان صلاتهم باطلة سوى صلاة الطائفة الرابعة وبنوا ذلك على
ان المأموم إذا أخرج نفسه عن صلاة الامام بغير عذر هل تبطل صلاته ام لا وقالوا الطوائف الثلاث خرجوا عن صلاة الامام بغير عذر لان وقت المفارقة ما نقل عن فعل المقتدين بالنبي صلى الله عليه وسلم وهو نصف الصلاة وكل طائفة من الثلاث قد فارقته قبل تمام النصف وأما الطائفة الرابعة فانها لم تخرج عن صلاة الامام بل اتمت صلاة علي حكم المتابعة وليس هذا البناء والفرق صافيا عن الاشكال والله أعلم * وإن فرعنا على أن لا يجوز ذلك فصلاة الامام باطلة ومتي تبطل فيه وجهان قال ابن سريج تبطل بالانتظار الثالث وهو الواقع في الركعة الرابعة ولا تبطل بالانتظار الواقع في الركعة الثالثة لانه انتظر مرة للطائفة الثانية في الركعة الثانية وانتظاره في الركعة الثالثة هو انتظاره الثاني إذا لم يكن له في الاولى انتظار وقد ثبت من فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم انتظاران فلا بأس بهما ولا فرق في الفصلين سوى ان المنتظر ثم في المرتين الطائفة الثانية والمنتظر ههنا في المرة الثانية طائفة أخرى لكن هذا لا يضر إذا لم يزد عدد الانتظار كما لا يضر زيادة قدر الانتظار لو فرقهم فرقتين وصلي بكل واحدة ركعتين وقال جمهور الاصحاب تبطل صلاته بالانتظار الواقع في الركعة الثالثة لمخالفته الانتظار الثاني الذى ورد النقل به في المنتظر وفى القدر فاما المنتظر فقد وضح واما في القدر فلان النبي صلي الله عليه وسلم انتظر في الركعة الثانية فراغ الطائفة الثانية فقط والامام ههنا ينتظر فراغ الثانية وذهابها إلي وجه العدو ومجئ الثالثة والذى قاله الجمهور وهو ظاهر النص ولذلك قد يعبر عن هذا الخلاف بقولين منصوص ومخرج لابن سريج ثم حكى في البيان وجهين تفريعا على ظاهر النص (أحدهما) ان صلاته تبطل بمضي الطائفة الثانية لان النبي صلي الله عليه وسلم لم ينتظرهم في المرة الثانية إلا قدر ما أتمت

(4/640)


صلاتها فإذا زاد بطل (والثاني) وبه قال الشيخ أبو حامد انها تبطل بمضي قدر ركعة من انتظاره الثاني لان النبي صلي الله عليه وسلم لم ينتظر الطائفتين جميعا إلا بقدر الصلاة التى هي فيها مع الذهاب والمجئ هذا وقد انتظر في المرة الاولي قدر ما صلت الطائفة الاولي ثلاث ركعات وذهبت وجاءت الثانية فإذا مضى قدر ركعة فقد تم قدر الانتظار المنقول فتبطل صلاته بالزيادة عليه هذا هو الكلام في صلاة الامام تفريعا علي قول المنع وأما صلاة الطوائف فتبنى علي صلاته فتصح صلاة
الطائفة الاولي والثانية علي ظاهر النص وقول ابن سريج معا لانهم فارقوه قبل بطلان صلاته وصلاة الطائفة الرابعة باطلة إن علمت بطلان صلاة الامام وإن لم تعلم فلا وحكم الطائفة الثالثة حكم الرابعة ظاهر النص وحكم الطائفتين الاوليين علي قول ابن سريج ولو فرق القوم في صلاة المغرب ثلاث فرق وصلي بكل فرقة ركعة وقلنا لا يجوز ذلك فصلاة جميع الطوائف صحيحة عند ابن سريج وعلي على ظاهر النص صلاة الطائفة الثالثة باطلة إلا أن لا تعلم بطلان صلاة الامام وإذا عرفت ما ذكرناه ولخصت ما في المسألة من الخلاف قلت فيها أربعة أقوال (أصحها) صحة صلاة الامام والقوم جميعا (والثانى) صحة صلاة الامام والطائفة الرابعة لا غير (والثالث) بطلان صلاة الامام وصحة صلاة الطائفة الاولي والثانية والفرق في حق الثالثة والرابعة بين أن تعلم بطلان صلاة الامام أو لا تعلم (والرابع) صحة صلاة الثالثة لا محالة (والثانى) كما ذكرنا في القول الثالث وهو قول ابن سريج وقوله في الكتاب فالانتظار الثالث زائد على المنصوص أي علي نص الشارع وما ثبت من فعله واراد بالانتظار الثالث الانتظار الواقع في الركعة الرابعة بطريق الاولي وهو الثالث في الحقيقة ولو أراد الانتظار الثالث حقيقة لكان ذلك عين قول ابن سريج ولما انتظم منه أن يقول بعد ذلك وقال ابن سريج ورتب في الوسيط الخلاف في بطلان الصلاة بالانتظار الثالث علي الخلاف في تحريمه فقال في تحريمه قولان إن قلنا يحرم ففى بطلان الصلاة به قولان ولم يذكر المعظم هذا الترتيب وإنما تكلموا في الصحة والبطلان وذكر الشافعي رضى الله عنه مع القول بصحة صلاة الجميع انهم مسيئون بذلك وهذا يشعر بالجزم بالتحريم والله أعلم *

(4/641)


قال (وفى اقامة الجمعة علي هذه الهيئة وجهان (م) ووجه المنع أن العدد فيها شرط فيؤدى إلى الانفضاض في الركعة الثانية) * إذا كان الخوف في بلد ووافق ذلك يوم الجمعة وأرادوا إقامة صلاة الجمعة علي هيئة صلاة ذات الرقاع فقد نقل المصنف فيه وجهين (أحدهما) الجواز كسائر الصلوات الثنائية (والثاني) المنع لان العدد شرط فيها وتجويز ذلك يفضي إلي انفراد الامام في الركعة الثانية والاول هو الذى حكاه
أصحابنا العراقيون عن نصه في الام ثم ذكروا فيه طريقتين (أحداهما) أن ذلك جواب علي أحد الاقوال في مسألة الانفضاض وهو أنه إذا نفض القوم عنه وبقي وحده يصلى الجمعة فانا إذا لم نقل بذلك امتنع اقامة الجمعة علي هذا الوجه (والثانية) القطع بالجواز بخلاف صورة الانفضاض لانه معذور ههنا بسبب الخوف ولانه يترقب مجئ الطائفة الثانية ويجوز ان يرتب فيقال ان جوزنا الانفضاض فتجويز اقامة الجمعة علي هذه الهيئة اولي والا فوجهان والفرق العذر وايراد الكتاب إلى هذا الترتيب اقرب وكيف ما كان فالاظهر عند الاكثرين الجواز ثم له شرطان (أحدهما) ان يخطب بهم جميعا ثم يفرقهم فرقتين أو يخطب بطائفة ويجعل فيها مع كل واحدة من الفرقتين اربعين فصاعدا فاما لو خطب بفرقة وصلى باخرى فلا يجوز (والثاني) ان تكون الفرقة الاولى اربعين فصاعدا فلو نقص عددهم عن الاربعين لم تنعقد الجمعة ولو نقصت الفرقة الثانية عن اربعين فقد حكى ابن الصباغ عن الشيخ ابى حامد انه لا يضر ذلك بعد انعقداها بالاولي وعن غيره انه علي الخلاف في الانفضاض ولو خطب الامام بالناس واراد أن يقيم الجمعة بهم علي هيئة صلاة عسفان فهي اولي بالجواز ان جوزناها علي هيئة صلاة ذات الرقاع ولا يجوز اقامتها علي هيئة صلاة بطن النخل إذ لا تقام جمعة بعد جمعة * قال (ثم يجب حمل السلاح في هذه الصلاة وصلاة عسفان ان كان في وضعه خطر وان كان الظاهر السلامة واحتمل الخطر فيستحب الاخذ في الوجوب قولان) * قال الشافعي رضى الله عنه في المختصر وغيره واحب للمصلى أي في الخوف أن يأخذ سلاحه وقال في موضع ولا اجيز وضعه واختلف الاصحاب على طرق (اظهرها) وبه قال ابو اسحاق ن في

(4/642)


المسألة قولين (احدهما) انه يجب لظاهر قوله (وليأخذوا اسلحتهم) وقال تعالي جده (ولا جناح عليكم ان كان بكم اذى من مطر أو كنتم مرضى ان تضعوا اسلحتكم) اشعر ذلك بقيام الجناح إذا وضع من غير عذر (واصحهما) وبه قال أبو حنيفة واحمد انه لا يجب والآية محمولة علي الاستحباب * واحتجوا لهذا القول بانه لا خلاف ان وصفه لا يفسد الصلاة فوجب ان لا يجب حمله كسائر ما لا يفسد تركه الصلاة ولا يجب
فعله (والطريق الثاني) القطع بالاستحباب (والثالث) القطع بالايجاب (والرابع) ما يدفع به عن نفسه كالسيف والسكين يجب حمله وما يدفع به عن نفسه وغيره كالرمح والقوس لا يجب حمله لان الدفع عن النفس اولى بالوجوب وهؤلاء حملوا النصين علي هذين النوعين والخلاف في المسألة مشروط بشروط (أحدها) أن يكون طاهرا فاما السلاح النجس فلا يجوز حمله بحال ومنه السيف الذى سقى السم النجس والنبل المريش بريش طائر لا يؤكل أو طائر ميت لانه نجس على الصحيح (والثانى) ان لا يكون مما يمنع من بعض أركان الصلاة كالحديد المانع من الركوع والبيضة المانعة من مباشرة المصلى بالجبهة فان كان كذلك لم يحمل بلا خلاف (والثالث) ان لا يتأذى به الغير كالرمح فان حمله في وسط الصف يؤذى القوم فيكره الا ان يكون في حاشية الصف فلا يتأذى بحمله أحد (والرابع) قال الامام موضع الخلاف أن يخاف من وضع السلاح وتنحيته خطر علي سبيل الاحتمال فاما اكان يتعرض للهلاك ظاهرا لو لم يأخذ السلاح فيجب القطع بوجوب الاخذ والا فهو استسلام للكفار وهذا الشرط قد ذكره في الكتاب فأوجب الحمل إذا كان في الموضع خطر وخص الخلاف بما إذا ظهرت السلامة واحتمل الخطر * واعلم أن ترجمة المسألة هي حمل السلاح قال امام الحرمين وليس الحمل معينا لعينه بل لوضع السيف بين يديه وكان مد اليد إليه في اليسر والسهولة كمدها إليه وهو محمول متقلد كان ذلك بمثابة الحمل قطعا وأما لفظ السلاح فقد قال القاضى ابن كج انه يقع على السيف والسكين والرمح والنشاب ونحوها اما الترس فليس بسلاح وكذا لو لبس درعا لم يكن حاملا سلاح والله اعلم * ثم في لفظ الكتاب شيئان (احدهما) انه خص الكلام بصلاة ذات الرقاع وصلاة عسفان واشعر ذلك بنفى الوجوب في صلاة بطن النخل لكن معني الخوف يشملها جميعا والجمهور اطلقوا القول في صلاة الخوف اطلاقا (والثاني) انه قال في آخر الفصل فيستحب الاخذ وفى الوجوب قولان وقضية هذا الكلام الجزم بالاستحباب وقصر

(4/643)


الخلاف على الوجوب وانما يكون كذلك ان لو اشتمل الوجوب على الاستحباب اشتمال العام علي الخاص وفيه كلام لاهل الاصول فان لم يحكم باشتماله عليه فالصائر الي الوجوب ناف للاستحباب فلا يكون الاستحباب إذا مجزوما به *
قال (فرع: سهو الطائفتين محمول في وقت موافقتهم الامام وسهو الطائفة الاولي غير محمول في ركعتهم الثانية وذلك لانقطاعهم عن الامام ومبدأ الانقطاع الاعتدال في قيام الثانية أو رفع الامام رأسه في سجود الاولي فيه وجهان واما سهو الطائفة الثانية في الركعة الثانية ففى حمله وجهان لانهم سيلتحقون بالامام قبل السلام وهو جار في المزحوم إذا سها وقت التخلف وفيمن انفرد بركعة وسها ثم اقتدى في الثانية) * اصل الفرع ان سهو المأموم يحمله الامام وهذه قاعدة شرحناها في باب سجود السهو إذا تذكرت ذلك فنقول إذا سها بعض المأمومين في صلاة ذات الرقاع علي الرواية المختارة فينظر ان سهت الطائفة الاولي فسهوها في الركعة الاولي محمول لانها مقتدية بالامام وسهوها في الثانية غير محمول لانقطاعها عن الامام وما مبدأ الانقطاع فيه وجهان حكاهما الامام عن شيخه (احدهما) ان مبدأ الانقطاع الاعتدال في الركعة الثانية لان القوم والامام جميعا صائرون إلى القيام فلا تنقطع القدوة ما لم يعتدلوا قائمين (والثاني) ان مبدأ الانقطاع رفع الامام رأسه من السجود الثاني لان الركعة تنتهى بذلك فعلي هذا لو رفع الامام رأسه وهم بعد في السجود وفرض منهم سهو لم يكن محمولا ولك ان تقول قد نصوا على انهم ينوون المفارقة عن الامام وانه يجوز عند رفع الرأس وعند الاعتدال كما سبق وإذا كان كذلك فلا معني لفرض الخلاف في ان الانقطاع يحصل بهذا أو بذاك فانه ليس شيئا يحصل بنفسه بل هو منوط بنية المفارقة فوجب قصر النظر علي وقتها * واما الطائفة الثانية فسهوها في ركعتها الاولي محمول ايضا لانها علي حقيقة المتابعة وفى سهوها في الركعة الثانية وجهان (احدهما) وينسب إلى ابن خيران وابن سريج انه غير محمول لانهم منفردون بها في الحقيقة (واصحهما) انه محمول لان حكم القدوة

(4/644)


باق بدليل انهم مقتدون به إذا حصلوا معه في التشهد والا لما كان لانتتظاره أياهم معني وإذا كان كذلك فلولا استمرار حكم القدوة لاحتاجوا إلى اعادة نية القدوة إذا جلسوا للتشهد ولا يحتاجون إليه والوجهان جاريان في المزحوم في الجمعة إذا سها في وقت تخلفه وأجروهما أيضا فيما كان يصلى منفردا فسها في صلاته ثم اقتدى بامام وجوزنا ذلك علي أحد القولين واستبعد الامام اجراء الخلاف في هذه
الصورة وقال الوجه القطع بان حكم السهو لا يرتفع بالقدوة اللاحقة فان السهو كان وهو منفرد لا يخطر له أمر القدوة فلا ينعطف حكمها علي ما تقدم من الانفراد وقوله لانهم سيلحقون بالامام يجوز ان يريد به التحاقهم في الصورة مصيرا الي أن حكم القدوة مستمر في الحال ويجوز أن يريد به أنهم سيصيرون مقتدين وان كانوا منفردين في الحال فيؤخذ بآخر الامر والضمير في قوله وهو جار عائد الي الخلاف وان لم يكن مذكورا (وقوله) فيمن انفرد بركعة وسها ثم اقتدى في الثانية لانه ليس للتقييد وانه لا فرق بين أن يقتدى في الاولي أو الثانية بعد السهو منفردا (واعلم) أن جميع ذلك مبنى على أن الطائفة الثانية يقومون الي الركعة الثانية إذا جلس الامام للتشهد فاما إذا قلنا أنهم يقومون إليها إذا سلم الامام علي ما نقل عن القديم فسهوهم في الثانية غير محمول لا محالة كالمسبوق هذا حكم سهو المأمومين أما لو سها الامام نظر ان سها في الركعة الاولي لحق سهوه الطائفتين فالطائفة الاولي يسجدون إذا أتموا صلاتهم ولو سها بعضهم في الركعة الثانية فهل يقتصر علي سجدتين أم يسجد أربعا فيه خلاف تقدم نظائره والاصح الاول والطائفة الثانية يسجدون مع الامام في آخر صلاته وإن سها في الركعة الثانية لم يلحق سهوه الطائفة الاولي لانهم فارقوه قبل السهو وتسجد الثانية معه في آخر الصلاة ولو سها في انتظاره اياهم فهل يلحقهم ذلك السهو فيه الخلاف المذكور في أنه هل يتحمل سهوهم والحالة هذه * قال (النوع الرابع صلاة شدة الخوف وذلك إذا التحم الفريقان ولم يمكن ترك القتال لاحد فيصلون رجالا وركبانا مستقبلي القبلة وغير مستقبليها ايماء بالركوع والسجود محترزين عن الصيحة وعن موالات الضربات من غير حاجة فان كثرت مع الحاجة في اشخاص فيحتمل وفى

(4/645)


شخص واحد لا يحتمل لندوره وقيل يحتمل في الموضعين وقيل لا يحتمل فيها فان تلطخ سلاحه بالدم فليلقه وان كان محتاجا إلى امساكه فالاقيس انه لا يجب عليه القضاء والاشهر وجوبه لندور العذر) * إذا التحم القتال ولم يتمكنوا من تركه بحال لقتلهم وكثرة العدو أو اشتداد الخوف وان لم يلتحم
القتال فلم يأمنوا أن يركبوا اكتافهم لو ولوا عنهم أو انقسموا فيصلون بحسب الامكان وليس لهم التأخير عن الوقت وعن أبى حنيفة أن لهم ذلك ثم في كيفية هذه الصلاة مسائل (أحداها) لهم أن يصلوا ركبانا علي الدواب أو مشاة علي الاقدام قال الله تعالي جده (فان خفتم فرجالا أو ركبانا) ويجوز أن يعلم لفظ الرجال في قوله فيصلون رجالا بالحاء لان أصحابنا حكوا عن أبى حنيفة رضي الله عنه انه ليس للراجل أن يصلي بل يؤخر (الثانية) لهم أن يتركوا الاستقبال إذا لم يجدوا بدا عنه قال ابن عمر رضى الله عنهما في تفسير الآية " مستقبلي القبلة وغير مستقبليها " قال نافع لا اراه ذكر ذلك الا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ويجوز أن يأتم بعضهم ببعض مع اختلاف الجهة كالمصلي حول الكعبة وفيها وانما يعفى عن الانحراف عن القبلة إذا كان بسبب العدو فاما إذا انحرف لجماح الدابة وطال الزمان بطلت صلاته كما في غير حالة الخوف ويجوز أن يعلم قوله غير مستقبليها بالحاء لانهم حكوا عن ابى حنيفة انه لا يجوز ترك الاستقبال (الثالثة) إذا لم يتمكنوا من اتمام الركوع والسجود اقتصروا على الايماء بهما وجعلوا السجود أحفض من الركوع ولا يجب علي الماشي استقبال القبلة في الركوع والسجود ولا عند التحرم ولا وضع الجبهة علي الارض فانه تعرض للهلاك بخلاف ما ذكرنا في المتنفل

(4/646)


ماشيا في السفر (الرابع) يجب عليهم الاحتراز عن الصياح فانه لا حاجة إليه قال الامام بل الكمى المقنع السكوت اهيب في نفوس الاقران ولا بأس بالاعمال القليلة فانها محتملة من غير خوف فعند الخوف أولى وأما الاعمال الكثيرة كالطعنات والضربات المتوالية فهي مبطلة ان لم يكن محتاجا إليها وان كان محتاجا إليها فوجهان (احدهما) انها مبطلة وقد حكاه العراقيون وغيرهم عن ظاهر نصه في الام لان الآية وردت في المشى والركوب وانضم ترك الاستقبال إليه فيما ورد من التفسير فما جاوز ذلك يبقى علي المنع (والثاني) وبه قال ابن سريج انها غير مبطلة لمكان الحاجة كالمشى وترك الاستقبال وتوسط بعض الاصحاب بين الوجهين فقال يحتمل في اشخاص لان الضربة الواحدة لا تدفع عن المضروب فيحتاج الي التوالي لكثرتهم ولا تحتمل في الشخص الواحد لندرة الحاجة الي توالي الضربات فيه وايراد الكتاب يشعر بترجيح هذا الوجه المتوسط لكن الاكثرين رجحوا
الوجه المنسوب إلي ابن سريج وقطع به القفال فيما حكاه الروياني ومنهم من عبر عن الوجوه بالاقوال وكذلك فعل في الوسيط (وقوله) من غير حاجة تقييد لموالاة الضرب دون الصيحة ولاحتراز عنها واجب بكل حال وليست هي من ضروريات القتال هكذا ذكر الائمة (وقوله) فيحتمل وكذا قوله وقيل لا يحتمل يجوز ان يعلما بالحاء لان الصيدلاني حكي عن أبي حنيفة أنه يجوز فيها العمل الكثير (الخامسة) لو تلطخ سلاحه بالدم فينبغي ان يلقيه أو يجعله في قرابه تحت ركابه ان احتمل الحال ذلك وان احتاج إلي امساكه فله الامساك ثم هل يقضي حكى امام الحرمين عن الاصحاب أنه يقضى لندور العذر ثم منعه وقال تلطخ السلاح بالدم من الاعذار العامة في حق المقاتل ولا سبيل الي تكليفه تنحية السلاح فتلك النجاسة ضرورية في حقه كنجاسة المستحاضة في حقها ثم جعل المسألة على

(4/647)


قولين مرتبين على القولين فيما إذا صلي في حصن أو موضع آخر نجس وهذه الصورة أولي بنفي القضاء لالحاق الشرع القتال بسائر مسقطات القضاء في سائر المحتملات كالاستدبار والايماء بالركوع والسجود فليكن أمر النجاسة كذلك ويتبين بما ذكرنا انه لم جعل الاقيس نفى القضاء والاشهر وجوبه ويجوز اقامة الصلاة عند شدة الخوف بالجماعة خلافا لابي حنيفة ومقام صلاة العيدين والخسوفين في شدة الخوف الانهما بعرض الفوات ولا تقام صلاة الاستسقاء * قال (ثم هذه الصلاة تقام في كل قتال مباح ولو في الذب عن المال وكذا في الهزيمة المباحة عن الكفار ولا تقام في اتباع اقفية الكفار عند انهزامهم ويقيمها الهارب من الحرق والغرق والسبع والمطالب بالدين إذا أعسر وعجز عن البينة والمحرم إذا خاف فوات الوقوف قبل يصلى مسرعا في مشيه وقيل لا يجوز ذلك) * مقصود الفصل الكلام فيما يرخص في هذه الصلاة إذ لا شك في انها غير جائزة عند الامن والسلامة وفيه صور (أحداها) تجوز هذه الصلاة في كل ما ليس بمعصية من أنواع القتال دون ما هو معصية لان الرخص لا تناط بالمعاصى فيجوز في قتال الكفار ولاهل العدل في قتال اهل البغي وللرفقة في مال قطاع الطريق ولا يجوز لاهل البغي والقطاع ولو قصد نفس رجل أو حريمه أو نفس غيره أو حرمه فاشتغل
بالدفع كان له ان يصلي هذه الصلاة في الدفع ولو قصد اتلاف ماله نظر ان كان حيوانا فكذلك الحكم والا فقولان (أحدهما) لا يجوز لان الاصل المحافظة علي أركان الصلاة وشرائطها خالفناه فيما عدا المال لانه أعظم حرمة (وأصحهما) وهو المذكور في الكتاب أنه يجوز لان الذب بالقتال عن المال جائز كالذب عن النفس قال صلي الله عليه وسلم " من قتل دون ماله فهو شهيد " (الثانية) لو ولوا ظهورهم عن الكفار منهزمين

(4/648)


نظر ان كان يحل لهم ذلك بان يكون في مقاتلة كل مسلم اكثر من كافرين فلهم أن يصلوا صلاة شدة الخوف لتعرضهم للهلاك لو أتوا بالصلاة علي الكمال وان لم يحل كما إذا كان في مقابلة كل مسلم كافران فليس لهم ذلك لانهم عاصون بالانهزام والرخص لا تناط بالمعاصى فان كان فيهم متحرف لقتال أو متحيز إلى فئة فله الترخص لجواز الانهزام له ولو انهزم الكفار واتبع المسلمون اقفيتهم ولو اكملوا الصلاة وثبتوا لفاتهم العدو فليس لهم صلاة شدة الخوف لانهم لا يخافون محذورا بل غاية الامر فوات مطلوب والرخص لا يتعدى بها مواضعها فلو خافوا كمينا أو كرة كان لهم ان يصلوها (الثالثة) الرخصة في الباب لا تتعلق بخصوص القتال بل تتعلق بعموم الخوف فلو هرب من حريق يغشاه أو من سيل منحدر إلي موضعه ولم يجد في عرض الوادي ما يقدر علي اللبث فيه والصعود فغدا في طوله أو هرب من سبع قصده فله أن يصليها لانه خائف من الهلاك والمديون المعسر إذا عجز عن بينة الاعسار ولم يصدقه المستحق ولو ظفر به لحبسه كان له أن يصليها هاربا دفعا لضرر الحبس ويجوز ان يعلم قوله والمطالب بالدين بالواو لان الحناطى حكي عن الامام انه لو طلب رجل لا ليقتل لكن ليحبس أو يؤخذ منه شئ لا يصلي صلاة الخوف وغاية المحذور ههنا هو الحبس ولو كان عليه قصاص يرجو العفو عنه إذا سكن الغليل وانطفأ الغضب فقد جوز الاصحاب ان له ان يهرب وقالوا له أن يصلي صلاة شدة الخوف في هربه واستبعد الامام جواز الهرب من المستحق بهذا التوقع (الرابعة) المحرم إذا ضاق وقت وقوفه بعرفة وخاف فوت الحج لو صلى متمكنا ما الذى يفعل حكي الشيخ أبو محمد عن القفال فيه وجهان (أحدهما) أنه يؤخر الصلاة فان

(4/649)


قضاءها هين وأمر الحج خطير وقضاؤه عسير (والثانى) أنه يقيمها كما تقدم في شدة الخوف ويحتمل فيها العذر لان الحج في حق المحرم كالشئ الحاصل والفوات طارئ عليه فاشبه ما لو خاف هلاك مال حاصل لو لم يهرب ولان الضرر الذى يلحقه بفوات الحج لا ينقص عن ضرر الحبس أياما في حق المديون (والثالث) أنه تلزمه الصلاة على سبيل التمكن والاستقرار لان الصلاة تلو الايمان ولا سبيل إلى اخلاء الوقت عنها لعظم حرمتها ولا سبيل الي اقامتها كما تقام في شدة الخوف لانه لا يخاف فوت حاصل ههنا فاشبه فوت العدو عند انهزامهم ويشبه أن يكون هذا الوجه أوفق لكلام الائمة والله أعلم وقوله قيل يصلى مسرعا في مشيه هو الوجه الثاني وقوله وقيل لا يجوز ذلك يمكن ادراج الاول والثالث فيه * قال (ولو رأى سوادا فظنه عدوا ففي وجوب القضاء قولان ومهما فاجأه في أثناء صلاته خوف فبادر الي الركوب وكان يقدر علي اتمام الصلاة راجلا فأخذ بالحزم لم يصح بناء الصلاة ولو انقطع الخوف فنزل واتم الصلاة صح وإذا أرهقه الخوف فركب وقل فعله جاز البناء ولو كثر الفعل مع الحاجة فوجهان كما في الضربات المتوالية) *

(4/650)


في الفصل مسألتان (احداهما) لو رأوا سوادا أو ابلا أو اشجارا فظنوها عدوا فصلوا صلاة شدة الخوف ثم تبين الحال ففي وجوب القضاء قولان (اصحهما) وهو قوله في الام وبه قال أبو حنيفة أنه يجب لانه ترك في صلاته فروضا بسبب هو مخطي فيه فيقضى كما لو اخطأ في الطهارة (والثاني) نقله المزني عن الاملاء انه لا يجب لقيام الخوف عند الصلاة وهو أصح عند صاحب المهذب والجمهور علي ترجيح الاول ثم اختلفوا في محل القولين فمنهم من قال القولان فيما إذا كانوا في دار الحرب لغلبة الخوف والعدو فيها فاما إذا كانوا في دار الاسلام وجب القضاء لا محالة وحكى هذا الفرق صاحب التهذيب عن نصه في القديم وأصحاب هاتين الطريقتين نسبوا المزني إلي السهو فيما أطلقه عن الاملاء وادعت كل فرقة أنه إنما نفى الاعادة في الاملاء بالشرط المذكور ومن الاصحاب من عمم القولين في الاحوال وهذا أظهر وهو الموافق لمطلق لفظ الكتاب ويجوز أن يعلم قوله قولان
بالواو إشارة الي الطريقتين الاولتين ولو تحققوا العدو فصلوا صلاة شدة الخوف ثم بان أنه كان

(4/651)


دونهم حائل من خندق أو نار أو ماء أو بان أنه كان بقربهم حصن يمكنهم التحصن به أو ظنوا أن بازاء كل مسلم اكثر من مشركين فصلوها منهزمين ثم بان خلافه فحيث أجرينا القولين في الصورة السابقة نجريهما أيضا في هذه الصورة ونظائرها ومنهم من قطع بوجوب القضاء ههنا لانهم قصروا بترك البحث عما بين أيديهم قال في التهذيب ولو صلوا في هذه الاحوال صلاة عسفان اطرد القولان ولو صلوا صلاة ذات الرقاع فان جوزناها في حال الامن فههنا أولي والاجرى القولان (الثانية) لو كان يصلي متمكنا علي الارض متوجها الي القبلة فحدث خوف في أثناء صلاته فركب نص الشافعي رضي الله عنه علي انه تبطل صلاته وعليه أن يستأنف ونقل عن نصه في موضع آخر انه يبنى على صلاته واختلفوا فيهما علي طريقتين حكاهما أصحابنا العراقيون (احدهما) ان المسألة على قولين (احدهما) ان الركوب يبطل الصلاة لانه عمل كثير (والثاني) لا يبطلها لان العمل الكثير بعذر شدة الخوف لا يقدح (واظهرهما) وبه قال ابن سريج وابو اسحق ان النصين محمولان علي حالين حيث قال يستأنف الصلاة أراد ما لم يكن مضطرا إلى الركوب وكان يقدر على القتال واتمام الصلاة راجلا فركب احتياطا وأخذا بالحزم وحيث قال يبنى اراد ما إذا صار مضطرا الي الركوب ثم قال

(4/652)


هؤلاء إذا قل فعله في الركوب لحذقه بنى بلا خلاف وان كثر فعله ففيه الوجهان المذكوران في العمل الكثير للحاجة والمذكور في الكتاب هو الطريق الثاني فقوله ومهما فاجأه في أثناء الصلاة خوف عبارة عن الحالة الاولي وقوله وان ارهقه الخوف فركب عبارة عن الحالة الثانية وحينئذ لا يخفي ان قوله لم يصح بناء الصلاة وقوله جاز البناء ينبغى ان يعلما بالواو اشارة إلى الطريقة الاولى وقد أدخل بين الكلامين صورة وهى عكس هذه المسألة وهى أنه لو كان يصلي راكبا في شدة الخوف فانقطع الخوف نص الشافعي رضى الله عنه علي أنه ينزل ويبني علي صلاته وفرق بينه وبين الركوب على قوله بانه إذا ركب استأنف بان قال النزول اخف وأقل عملا من الركوب واعترض
المزني عليه بأن هذا لا ينضبط وقد يكون الفارس أخف ركوبا وأقل شغلا لفروسيته من نزول ثقيل غير فارس واختلف الاصحاب في الجواز بحسب اختلافهم في الركوب فمن أثبت الخلاف في الركوب علي الاطلاق فرق بين الركوب علي أحد القولين وبين النزول بان قال نزول كل فارس اخف من ركوبه وإن امكن أن يكون أثقل من ركوب فارس آخر ومن نزل النصين في الركوب علي الحالين المذكورين قال لا فرق بين الركوب والنزول ان حصلا بفعل قليل بني وان كثر الفعل فوجهان وتبين من هذا الحاجة إلى أعلام قوله فنزول واتم الصلاة صح بالواو لانه مطلق وفى الصحة عند كثرة الفعل اختلاف وذكر صاحب الشامل وغيره أنه يشترط في بناء النازل أن لا يستدبر القبلة في نزوله فان استدبر بطلت صلاته والله اعلم * قال (ويجوز لبس الحرير وجلد الكلب والخنزير عند مفاجأة القتال ولا يجوز في حالة

(4/653)


الاختيار بخلاف الثياب النجسة ويجوز تسميد الارض بالزبل لعموم الحاجة وفى لبس جلد الشاة الميتة وتجليل الخيل بجل من جلد الكلب وجهان وفى الاستصباح بالزيت النجس قولان) * ختم الشافعي رضي الله عنه صلاة الخوف بباب فيما له لبسه وفيما ليس له فاقتدى الاكثرون من الاصحاب به وأوردوا احكام الملابس في هذا الموضع ومنهم من أوردها في صلاة العيد لانا نستحب التزين يوم العيد فتكلموا في التزين الجائز والذى لا يجوز وصاحب الكتاب أورد بعضها ههنا في صلاة العيد والمذكور ههنا يشتمل علي مسألتين (أحداهما) سنذكر أن لبس الحرير حرام علي الرجال لكن يجوز لبسه في حالة مفاجأة القتال إذا لم يجد غيره وذلك في حكم الضرورة وكذلك يجوز ان يلبس منه ما هو جنة القتال كالديباج الصفيق الذى لا يقوم غيره مقامه وجوز القاضي ابن كج اتخاذ القباء ونحوه مما يصلح في الحرب من الحرير ولبسه فيها علي الاطلاق لما فيه من حسن الهيئة وزينة الاسلام لينكسر قلب الكفار منه كتحلية السيف ونحوه والمشهور الاول وقوله ولا يجوز في حالة الاختيار مطلق لكن احوالا يجوز فيهما لبس الحرير في حال الاختيار
مستثناة عنه على ما سيأتي في صلاة العيد الثانية للشافعي رضى الله عنه نصوص مختلفة في جواز استعمال الاعيان النجسة وحكى صاحب التهذيب وغيره فيها طريقتين منهم من طرد قولين في وجوه الاستعمال كلها (أحدها) المنع لقوله تعالي (والرجز فاهجر) (والثانى) يجوز كما يجوز لبس ثوب أصابه نجاسة ومنهم من فصل وقال لا يجوز استعمال النجاسات في البدن والثوب الا لضرورة

(4/654)


وفى غيرها يجوز ان كانت النجاسة مخففة وان كانت مغلظة وهى نجاسة الكلب والخنزير فلا ونزلوا النصوص علي هذا التفصيل وهذا أظهر وبه قال أبو بكر الفارسى والقفال واصحابه والفرق بين استعمالها في البدن والثوب وغيرهما ما ذكره الشافعي رضى الله عنه وهو أن علي الانسان تعبدا في اجتناب النجاسات لاقامة الصلوات وسائر العبادات ولا تعبد علي الفرس والاداة وغيرهما فلا يمنع من استعمالها فيها والفرق بين نجاسة الكلب والخنزير وسائر النجاسات غلظ حكمها ولذلك لا يجوز الانتفاع بالخنزير في حياته أصلا وبالكلب أيضا إلا في اغراض مخصوصة فاولي أن لا يجوز الانتفاع بهما بعد الموت إذا تقرر ذلك فنقول: لا يجوز له لبس جلد الكلب والخنزير في حالة الاختيار بخلاف الثياب النجسة يجوز لبسها والانتفاع بها في غير الصلاة ونحوها لان نجاستها عارضة سهلة الازالة فان فاجأه قتال ولم يجد سواه أو خاف علي نفسه من حر أو برد كان له أن يلبس جلد الكلب والخنزير كما له أكل الميتة عند الاضطرار ولا بأس لو أعلم قوله ولا يجوز في حالة الاختيار بالواو إشارة إلي الطريقة الطاردة للقولين في وجوه الاستعمال في جميع النجاسات وهل يجوز لبس جلد الشاة الميتة وسائر الميتات في حالة الاختيار فيه وجهان بنوهما علي ان حكمنا بتحريم لبس جلد الكلب والخنزير لنجاسة العين أم لما خصا به من التغليظ (واظهر) الوجهين المنع ويجوز أن يلبس هذه الجلود فرسه واداته والمنع في البدن وجلد الكلب والخنزير كما لا يستعمل في البدن لا يستعمل في غيره نعم لو جلل كلبا أو خنزيرا بجلد كلب أو خنزير فهل يجوز ذلك فيه وجهان (أحدهما) لا فانه المستعمل ولا ضرورة (واظهرهما) الجواز لاستوائهما في تغلظ النجاسات وأما تسميد الارض بالزبل فهو جائز قال الامام ولم يمنع منه للحاجة الحاقه القريبة من الضرورة وقد نقله الاثبات عن اصحاب النبي صلي الله عليه وسلم وفى كلام الصيدلاني ما يقتضي
من استعمالها فيها والفرق بين نجاسة الكلب والخنزير وسائر النجاسات غلظ حكمها ولذلك لا يجوز الانتفاع بالخنزير في حياته أصلا وبالكلب أيضا إلا في اغراض مخصوصة فاولي أن لا يجوز الانتفاع بهما بعد الموت إذا تقرر ذلك فنقول: لا يجوز له لبس جلد الكلب والخنزير في حالة الاختيار بخلاف الثياب النجسة يجوز لبسها والانتفاع بها في غير الصلاة ونحوها لان نجاستها عارضة سهلة الازالة فان فاجأه قتال ولم يجد سواه أو خاف علي نفسه من حر أو برد كان له أن يلبس جلد الكلب والخنزير كما له أكل الميتة عند الاضطرار ولا بأس لو أعلم قوله ولا يجوز في حالة الاختيار بالواو إشارة إلي الطريقة الطاردة للقولين في وجوه الاستعمال في جميع النجاسات وهل يجوز لبس جلد الشاة الميتة وسائر الميتات في حالة الاختيار فيه وجهان بنوهما علي ان حكمنا بتحريم لبس جلد الكلب والخنزير لنجاسة العين أم لما خصا به من التغليظ (واظهر) الوجهين المنع ويجوز أن يلبس هذه الجلود فرسه واداته والمنع في البدن وجلد الكلب والخنزير كما لا يستعمل في البدن لا يستعمل في غيره نعم لو جلل كلبا أو خنزيرا بجلد كلب أو خنزير فهل يجوز ذلك فيه وجهان (أحدهما) لا فانه المستعمل ولا ضرورة (واظهرهما) الجواز لاستوائهما في تغلظ النجاسات وأما تسميد الارض بالزبل فهو جائز قال الامام ولم يمنع منه للحاجة الحاقه القريبة من الضرورة وقد نقله الاثبات عن اصحاب النبي صلي الله عليه وسلم وفى كلام الصيدلاني ما يقتضي اثبات خلاف فيه والله اعلم وهل يجوز الاستصباح بالزيت النجس فيه قولان (احدهما) لا لان

(4/655)


السراج قد يقرب من الانسان ويصيب الدخان بدنه وثيابه (وأظهرهما) نعم لما روى أنه صلي الله عليه وسلم " سئل عن الفأرة تقع في السمن والودك فقال استصبحوا به ولا تأكلوه " وأما الدخان فقد لا يصيب وبتقدير أن يصيب فللاصحاب وجهان في نجاسته فان لم نحكم بنجاسته فلا بأس به

(4/656)


كبخار المعدة لا ينجس الفم وان حكمنا بنجاسته وهو الاظهر كالرماد فقليله معفو عنه والذى يصيب في الاستصباح قليل لا ينجس غالبا (واعلم) انه لا فرق للاستصباح بين ان ينجس بعارض وبين أن يكون نجس العين كودك الميتة ويطرد القولان في الحالتين قاله صاحب النهاية وغيره *

(4/657)


فتح العزيز - عبد الكريم الرافعي ج 5
فتح العزيز عبد الكريم الرافعي ج 5

(5/)


فتح العزيز شرح الوجيز وهو الشرح الكبير للامام ابي القاسم عبد الكريم بن محمد الرافعي المتوفى سنة 623 هـ..الجزء الخامس دار الفكر بسم الله الرحمن الرحيم

(5/1)


قال * (كتاب صلاة العيدين) * (وهى سنة وليست بفرض كفاية وأقلها ركعتان كسائر الصلوات ووقتها ما بين طلوع الشمس إلى روالها ولا يشترط فيها شروط الجمعة في الجديد) قال الله تعالي (فصل لربك وانحر) قيل اراد به صلاة الاضحى ويروى ان اول عيد صلى فيه رسول

(5/2)


الله صلي الله عليه وسلم عيد الفطر في السنة الثانية من الهجرة ثم لم يزل يواظب علي صلاة العيدين حتى فارق الدنيا) وفي الفصل صور هي مقدمات الباب (أحداها) صلاة العيد سنة أم فرض كفاية اختلفوا

(5/3)


فيه علي وجهين قال الاكثرون هي سنة وقد نص عليه في باب صلاة التطوع حيث عدها من جملة التطوعات الني شرعت الجماعة فيها واحتجوا عليه بانها صلاة ذات ركوع وسجود لم يسن لها الآذان فلا تكون واجبة كصلاة الاستسقاء وهذا الوجه هو الذى ذكره في الكتاب وقال الاصطخرى هي فرض كفاية وبه قال احمد لانها من شعار الاسلام وفي تركها تهاون بالدين فعلي هذا لو اتفق أهل بلدة علي تركها قوتلوا وعلي الوجه الاول هل يقاتلون فيه وجهان (احدهما) وبه قال أبو اسحاق نعم (واظهرهما) لا وقد ذكرنا وجههما في الآذان وقوله هي سنة معلم بالواو والالف وكذا قوله وليست بفرض كفاية ولو اقتصر على احدى الفظتين لحصل الغرض ويجوز ان يعلم قوله وهي سنة بالحاء ايضا لان عند ابى حنيفة رحمه

(5/4)


الله هي واجبة وان لم تكن مفروضة وما نقل المزني عن الشافعي رضى الله عنه أن من وجب عليه حضور الجمعة وجب عليه حضور العيدين فهذه اللفظة مأولة باتفاق الاصحاب اما الجمهور فقالوا معناه من وجب عليه حضور الجمعة فرضا وجب عليه حضور العيدين سنة وقد يعبر عن الاستحباب المؤكد بالوجوب واما الا صطخرى فانه قال معناه من وجب عليه حضور الجمعة عينا وجب عليه حضور العيدين كفاية (الثانية) القول في كيفية هذه الصلاة تعلق بالاكمل والاقل * فاما الاكمل فتبين ببيان سننها وهى مذكورة

(5/5)


من بعد * واما الاقل فقد قال وأقلها ركعتان كسائر الصلوات وليس المراد منه ان الاكمل فوق الركعتين وانما المراد منه ان الركعتين بصفة كونها كسائر الصلوات هو الاقل والاكمل ركعتان لا بهذه الصفة بل مع خواص شرعت فيهما ثم قوله كسائر الصلوات غير مجرى على اطلاقه فانها تختص بنية صلاة العيد

(5/6)


وبالوقت الذى نذكره وانما المراد أنها كهي في الافعال والاركان ويخرج عنه التكبيرات الزائدة فليست هي من اركان الصلاة ولا يجبر تركها بالسجود كالتعوذ وقراءة السورة (الثالثة) لفظ الكتاب يقتضي دخول وقت هذه الصلاة بطلوع الشمس فانه قال ووقتها ما بين طلوع الشمس الي زوالها وصرح بذلك كثير من الاصحاب منهم صاحب الشامل والمهذب والقاضى الروياني قالوا ان وقتها إذا طلعت الشمس

(5/7)


ويستحب تأخيرها إلى ان ترتفع قيد رمح وايراد جماعة يقتضى دخول الوقف بالا رتفاع قيد رمح منهم الصيد لانى وصاحب التهذيب والله اعلم * ولا خلاف في انه إذا زالت الشمس خرج وقتها * واحتجوا عليه بان سنى المواقيت علي انه إذا دخل وقت صلاة خرج وقت التى قبلها وبالزوال يدخل وقت الظهر فيخرج وقت

(5/8)