فتح العزيز بشرح الوجيز = الشرح الكبير

صلاة العيد (الرابعة) قال الشافعي رضي الله عنه في المختصر وسائر الكتب الجديدة يجوز للمنفرد في بيته وللمسافر والمرأة والعبد صلاة العيد وقال في القديم لا يصلي العيد الا في الموضع الذى يصلى فيه
الجمعة فظاهره يقتضي أن لا يصلي هؤلاء العيد كما لا يصلون الجمعة الا تبعا للقوم واختلف الا صحاب على طريقين (أحدهما) وهو المذكور في الكتاب أن المسألة على قولين (الجديد) أنه لا يشترط فيها بشروط الجمعة لانها نافلة فاشبهت صلاة الاستسقاء والخسوف (والقديم) يشترط وبه قال أبو حنيفة وكذلك احمد في رواية واستشهدوا بان النبي صلي الله عليه وسلم (لم يصل العيد بمنى لانه كان مسافرا كما لم يصل الجمعة) فعلى هذا تشترط الجماعة والعدد بصفات الكمال وغيرهما الا انه يستثنى اقامتها في خطة البلدة والقرية فلا يشترط ذلك علي هذا القول ايضا لتطابق الناس علي اقامتها بارزين كذلك ذكره الشيخ أبو حامد وكثيرون وعن الشيخ ابى محمد انه لا يستثنى ولا يجوز اقامتها علي هذا القول الا حيث تجوز الجمعة وهذا هو الموافق لظاهر لفظ الكتاب واستثنى بعضهم عدد الاربعين ايضا ويفترقان ايضا في

(5/9)


ان خطبتي الجمعة مشروطتان قبل الصلاة وخطبتا العيد بعد الصلاة قال امام الحرمين ولو فرض اخلال بالخطبة فيبعد جدا في التفريع على هذا القول انعطاف البطلان على الصلاة هذا احد الطريقين (والثاني) وبه قال أبو اسحاق القطع بما ذكر في الجديد وحمل كلامه في القديم علي ان صلاة العيد لا تقام في مساجد المحال كصلاة الجمعة فيجوز أن يعلم لهذه الطريقة قوله على الجديد بالواو لانه اثبات للخلاف ومن قال بالطريقة الثانية نفى ذلك وقوله ولا يشترط معلم بالحاء والالف لما تقدم وإذا فرعنا علي الصحيح فإذا صلاها المنفرد لم يخطب وحكي الفاضى ابن كج وجها آخر انه يخطب وهو قريب من الخلاف في ان المنفرد هل يؤذن وان صلي مسافرون صلي بهم واحد وخطب

(5/10)


قال (وإذا غربت الشمس ليلة العيد ين استحب التكبيرات المرسلة ثلاثا نسقا حيث كان في الطريق وغيرها إلى ان يتحرم الامام بالصلاة وفي استحبابها عقيب الصلوات الثلاث وجهان) * التكبير الذى يذكر في هذا الباب ضربان (احدهما) ما يشرع في الصلاة والخطبة وسيأتي في موضعه (والثاني) غيره والمسنون في صيغته أن يكبر ثلاثا نسقا وبه قال مالك خلافا لابي حنيفة واحمد حيث قالا يكبر مرتين وحكى صاحب التتمة قولا عن القديم مثل مذهبهما * لنا الرواية عن جابر وابن
عباس رضى الله عنهم وأيضا فانه تكبير شرع شعارا للعيد فكان وترا كتكبير الصلاة ثم قال الشافعي

(5/11)


رضى الله عنه وما زاد من ذكر الله محسن واستحسن في الام ان تكون زيادته ما نقل عن رسول الله صلي الله عليه وسلم انه قاله علي الصفا وهو (الله اكبر كبيرا والحمد لله كثيرا وسبحان الله بكرة واصيلا لا اله الا الله ولا نعبد الا اياه مخلصين له الدين ولو كره الكافرون لا اله الا الله وحده صدق وعده ونصر عبده وهزم الاحزاب وحده لا اله الا الله والله اكبر) وحكي الصيدلانى وغيره عن القديم أنه يقول بعد الثلاث الله اكبر كبيرا والحمد لله كثيرا الله اكبر على ما هدانا والحمد لله

(5/12)


علي ما أبلانا وأولانا قال في الشامل والذى يقوله الناس لا بأس به أيضا وهو (الله اكبر الله اكبر) الله اكبر لا اله الا الله والله اكبر الله اكبر ولله الحمد ثم هدا الضرب (نوعان) مرسل ومقيد (فالمرسل) هو الذى لا يتقيد ببعض الاحوال بل يؤتي به في المنازل والمساجد والطرق ليلا ونهارا (والمقيد) هو الذى يؤتى به في أدبار الصلوات خاصة (فاما) التكبير المرسل فهو مشروع في العيدين خلافا لا بى حنيفة رحمه الله حيث قال في رواية لا يسن في عيد الفطر لنا ما روى (أن النبي صلي الله عليه وسلم

(5/13)


وسلم كان يخرج يوم الفطر والاضحى رافعا صوته بالتهليل والتكبير حيث يأتي المصلي وأول وقته في العيدين جميعا غروب الشمس ليلة العيد وعن مالك واحمد انه لا يكبر ليلة العيد وانما يكبر في يومه * لنا قوله تعالى (ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم) قال الشافعي سمعت من أرضى به من أهل العلم بالقرآن يقول (لتكملوا العدة) أي عدة صوم رمضان (ولتكبروا الله علي ما هداكم) أي عند اكمالها واكمالها بغروب الشمس آخر يوم من رمضان وفي آخر وقته طريقان (أظهرها) وبه قال ابن سريج وابو إسحاق أن المسألة علي ثلاثة أقوال (أصحها) وهو رواية البويطي واختيار المزني أنهم يكبرون الي أن يتحرم الامام بصلاة العيد لان الكلام يباح الي تلك الغاية والتكبير أولي ما يقع به الاشتغال به فانه ذكر الله تعالي وشعار اليوم (والثانى) إلى أن يخرج الامام الي الصلاة لانه إذا برز احتاج
الناس إلى أن يأخذوا اهبة الصلاة ويشتغلوا بالقيام إليها ويحكي هذا عن الام (والثالث) الي أن

(5/14)


يفرغ الامام من الصلاة لما روى (أنه صلى الله عليه وسلم كان يكبر في العيد حتى يأتي المصلي ويقضى الصلاة) وهذا القول منقول عن القديم وانما يحبئ في حق من الا يصلى مع الامام ونقله آخرون علي وجه آخر فقالوا إلى أن يقرغ من الصلاة والخطبتين جميعا وروى مثل ذلك عن مالك

(5/15)


واحمد (والطريق الثاني) القطع بالقول الاول وتأويل غيره بحمل الخروج في القول الثاني على

(5/16)


التحرم لما بينهما من التواصل والتقارب وحمل الكبير في الثالث علي جنس التكبير الذى يؤتى به في الصلاة وقبلها ولا فرق في التكبير المرسل بين عيد الفطر والاضحى برفع الناس أصواتهم به في الليلتين في المنازل والمساجد والطرق والاسواق سفرا كانوا أو حاضرين وفي اليومين في طريق المصلي وبالمصلي إلى الغاية المذكورة ويستثنى عن ذلك الحاج فلا يكبر ليلة الاضحى وانما ذكره التلبية وحكى القاضي الروياني وغيره قولين في أن التكبير ليلة الفطر آكد أم ليلة الاضحى وقالوا الجديد الاول والقديم الثاني وأما النوع الثاني وهو التكبير المقيد بادبار الصلاة فحكمه في عيد الاضحى مذكور بعد هذا الفصل في الكتاب (وأما) في عيد الفطر فوجهان (أظهر هما) عند الاكثرين ولم يذكر في التهذيب سواه انه لا يستحب لانه لم ينقل ذلك عن فعل رسول الله صلي الله عليه وسلم ولا اصحابه (والثاني) يستحب لانه عيد استحب فيه الكببر المطلق فيسن فيه التكببر المقيد كلاضحى فعلى هذا يكبر عقيب ثلاث صلوات وهى المغرب والعشاء ليلة الفطر والصبح يوم الفطر وحكم الفوائت

(5/17)


والنوافل في هذه المدة علي هذا الوجه تقاس بما سنذكره في عيد الاضحى وصاحب التتمة نقل هذا الخلاف قولين وجعل الجديد الاول والقديم الثاني هذا فقه الفصل ولا بأس بالتنصيص علي المواضع المستحقة للعلامات من لفظ الكتاب (فقوله) إذا غربت الشمس معلم بالميم والالف اشارة الي أنه لا تكبير
عندهما إذا غربت الشمس وانما التكبير بالنهار (وقوله) ليلة العيد بالحاء لانه مطلق وقد حكينا خلافه في التكبير في عيد الفطر (وقوله) ثلاثا نسقا بالحاء والالف والواو وقوله الي ان يتحرم الامام بالصلاة بالميم والالف والواو ثم يجوز أن يكون هو جوابا علي أصح الاقوال علي الطريقة الاولي ويجوز أن يكون ذهابا الي الطريقة الثانية وكلامه في الوسيط إليها أميل

(5/18)


قال (ويستحب أحياء ليلي العيد لقوله صلي الله عليه وسلم (من أحى ليلتي العيد لم يمت قلبه يوم تموت القلوب *

(5/19)


أحياء ليلتى العيد بالعبادة محثوث عليه للحديث الذى رواه قال الصيدلانى وقد قيل لم يرد فيه شئ من الفضائل مثل هذا لان موت القلب اما للكفر في الدنيا واما للفزع في القيامة وما اضيف الي القلب فهو أعظم لقوله تعالى جده (فانه آثم قلبه) والله اعلم * قال (ويستحب الغسل بعد طلوع الفجر وفي اجزائه ليلة العيد لحاجة أهل السواد وجهان) * روى عن النبي صلي الله عليه وسلم انه (كان يغتسل للعيدين) وأيضا فهما يومان

(5/20)


يجتمع فيها الكافة للصلاة فسن لهما الغسل كالجمعة ولا خلاف في أجزائه بعد الفجر وأما قبله فقد حكي الجمهور فيه قولين (أحدهما) لا يجزئ كغسل الجمعة وبه قال احمد (وأصحهما) وهو نصه في البويطي أنه يجزئ لان أهل السواد يبتكرون إليها من قراهم فلو لم يجز الغسل قبل الفجر لعسر الامر عليهم والفرق بينه وبين غسل الجمعة قد ذكرناه في باب الجمعة والصيد لانى في آخرين حكوا الخلاف في المسألة وجهين وتابعهم صاحب الكتاب وقد أورد هذه المسألة في كتاب الجمعة مرة وزاد

(5/21)


ههنا التنبيه علي وجه الجواز وإذا جوزنا فهل يختص بالنصف الثاني من الليل كاذان الصبح أم يجوز في جميع الليل كنية الصوم عن القاضى أبى الطيب أنه يختص بالنصف الثاني وهذا ما ذكره في
المهذب وقال الامام المحفوظ أن جميع ليلة العيد وقت له وهذا أبداه صاحب الشامل علي سبيل الاحتمال وهو الموافق للفط الكتاب

(5/22)


قال (ثم التطيب والتزين بثياب بيض مستحب للقاعد والخارج من الرجال والنساء وأما العجائز فيخرجن في بذلة الثياب) * يستحب التطيب يوم العيد لما روى عن الحسن بن علي كرم الله وجههما قال (أمرنا رسول الله صلي الله عليه وسلم أن نتطيب بأجود ما نجده في العيد) وكذلك

(5/23)


يستحب التنظف بحلق الشعر وقلم الاظفار وقطع الروائح الكريهة وأن يلبس أحسن ما يجده من الثياب ويتعمم والبيض في الثياب أحب من غيرها وان لم يجد الا ثوبا واحدا فيستحب أن يغسله للجمعة وللعيدين ويستوى في استحباب جميع ذلك القاعد في بيته والخارج إلى الصلاة العيد كما ذكرناه في الغسل هذا في حق الرجال * وأما النساء فيكره لذوات الهيئة والجمال الحضور

(5/24)


لخوف الفتنة بهن ويستحب للعجائز الحضور ويتنظفن بالماء ولا يتطيبن روى أنه صلي الله عليه وسلم قال (لا تمنعوا اماء الله مساجد الله وليخرجن تفلات) أي غير متطيبات وكذلك إذا خرجن فلا يلبسن من الثياب ما يشهرهن بل يخرجن في بذلتهن وعن ابى حنيفة رحمه الله أن

(5/25)


النساء لا يشهدن العيدين ولا المكتوبات الا الصبح والعشاء فليكن قوله فيخرجن معلما بالحاء وذكر الصيدلانى أن الرخصة في خروجهن وردت في ذلك الوقت فاما اليوم فيكره لهن الخروج إلى

(5/26)


مجمع المسلمين لان الناس قد تغيروا وروي هذا المعنى عن عاشة رضى الله عنها وهذا يقتضى اعلام قوله فيخرجن بالواو أيضا *
قال (ويحرم علي الرجال التزين بالحرير والمركب من الابريسم وغيره حرام ان كان الابريسم

(5/27)


ظاهرا وغالبا في الوزن فان وجد احد المعنين دون الثاني فوجهان ولا بأس بالمطرف بالديباج وبالمطرز وبالمحشو بالابريسم فان كانت البطانة من حرير لم يجز وفي جواز افتراش الحرير للنساء خلاف وفي جواز لبس الديباج للصبيان خلاف ويجوز للغازي لبس الحرير وكذا للمسافر لخوف القمل والحكة وهل يجوز بمجرد الحكة فيه في الحضر وجهان) * والتزين بالديباج والحرير حرام على الرجال دون النساء لما روى عن علي رضي الله عنه أن النبي صلي الله عليه وسلم وآله و (خرج يوما وفى يمينه قطعة حرير وفي شماله قطعة ذهب فقال هذان حرامان علي ذكور أمتى حل لاناثها) ويحرم علي الخنثي أيضا لاحتمال كونه رجلا حكاه في البيان ويجوز ان ينازع

(5/28)


فيه وعد الائمة القز من الحرير وحرموه على الرجال وان كان كمد اللون وادعي صاحب النهاية وفاق الاصحاب فيه لكن في بحر المذهب والتتمة حكاية وجه انه لا يحرم لانه ليس من ثياب الزينة ثم في الفصل مسائل (احداها) لو لم يتمحض الثوب حريرا بل كان مركبا من الابريسم وغيره ففيه طريقان قال جمهور الاصحاب ان كان ذلك الغير أكثير في الوزن لم يحرم لبسه وذلك كالخز سداه الابريسم ولحمته صوف فان اللحمة اكثر من السدى وان كان الابريسم اكثر يحرم وان كانا نصفين فهل يحرم وجهان (أصحهما) لا يحرم لانه لا يسمى ثوب حرير والاصل الحل (والثاني) وبه قال صاحب الحاوى يحرم تغليبا للتحريم (والطريق الثاني) وبه قال القفال وطائفة من أصحابه لا ننظر الي الكثرة والقلة ولكن ننظر الي الظهور فان لم يظهر الابريسم حل كالخز الذى سداه ابريسم وهو لا يظهر وان ظهر الا بريسم لم يحل وان كان قدره في الوزن اقل فيخرج من هاتين الطريقتين القطع بالتحريم ان كان الابريسم ظاهرا وغالبا في الوزن كما ذكر في الكتاب لاجتماع المعنيين المنظور اليهما وان وجد الظهور دون غلبة الوزن حرم عند القفال ولم يحرم عند الجمهور وان وجد غلبة الوزن

(5/29)


دون الظهور انعكس المذهبان (الثانية) يجوز لبس الثياب المطرفة بالديباج والمطرزة به لما روى انه صلي الله عليه وسلم (كان له جبة مكفوفة الجيب والكمين والفرجين بالديباج) قال الشيخ أبو محمد وغيره الشرط فيه الاقتصار على عادة التطريف فان جوز العادة فيه كان سرفا محرما والترقيع

(5/30)


بالديباج كالتطريز به وشرط في التهذيب ان يكون الطراز بقدر اربع اصابع فما دونها فان زاد لم يجز ويدل عليه ما روى عن علي رضى الله عنه قال " نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الحرير

(5/31)


إلا في موضع اصبع أو اصبعين أو ثلاث أو اربع) ولو خاط ثوبا بابريسم جاز لبسه ويفارق الذهب يحرم كثيره وقليله في الدرع المنسوجة بالذهب والقباء بازرار الذهب لان الخيلاء فيه

(5/32)


اكثر وكل احد يعرفه ولا يخرج على التفصيل في الاناء المضبب فان امر الحرير اهون من امر الاواني الا ترى انه يحرم علي النساء الا واني ولا يحرم عليهن لبس الحرير والقباء المحشو بالابريسم أو القز لا يحرم حكي ذلك عن نصه في الام لان الحشو ليس ثوبا منسوجا ولا يعد صاحبه لا بس حرير واثبت في التهذيب خلافا فيه فقال ولو لبس جبة محشوة بالقز أو الابريسم جاز على الاصح فليكن قوله وبالمحشو بالابريسم معلما بالواو لذلك ولو كانت بطانة الجبة من حرير لم يجز لبسها لانه لا بس حرير وقد روى انه صلي الله عليه وسلم قال (احرم لباس الحرير والذهب على ذكور امتى) قال امام الحرمين وكأن معنى الفخر والخيلاء وان كان مرعيا في الحرير ولكن فيه شئ آخر وهو انه ثوب رفاهية وزينة وابداء زى يليق بالنساء دون شهامة الرجال وهذا حسن الا أن هذا القدر لا يقتضى التحريم عند الشافعي رضى الله عنه لانه قال في الام ولا اكره لبس

(5/33)


اللؤلؤ الا للادب فانه من زى النساء لا للتحريم (الثالثة) تحريم الحرير على الرجال لا يختص باللبس بل اقتراشه والتدثر به واتخاذه سترا وسائر وجوه الاستعمال في معنى اللبس خلافا لابي حنيفة
حيت قال لا يحرم الا للبس ولا بي الفضل العراقي من اصحابنا حيث قال فيما حكاه أبو العاصم العبادي انه يجوز لهم الجلوس عليه لناما روى عن حذيقة رضي الله عنه (نهانا رسول الله صلي الله عليه وسلم وسلم عن لبس الحرير والديباج وان نجلس عليه) ولان السرف والخيلاء في سائر وجوه الاستعمال اظهر منه في اللبس فيكون بالتحريم اولى وهل يحرم افتراش الحرير على النساء فيه وجهان (احدهما) لا

(5/34)


كاللبس و (اظهرها) ولم يورد في التهذيب سواه نعم كاستعمال الا وانى للسرف والخيلاء بخلاف اللبس فانه للزينة فصار كالتحلي (الرابعة) هل للقوم الباس الصبيان الحرير ام لا فيه وجهان (احد هما) لا لتغليظ ورد فيه عن عمر رضى الله عنه بل عليهم ان يمنعوهم من لبسه (والثاني) نعم لان ثوب الحرير لائق بحال الصبيان إذ ليس لهم شهامة تناقضها وحكى في البيان وجها ثالثا وهو الفرق بين أن يكون دون سبع سنين فلا يمنع منه وبين ان يكون له سبع سنين فصاعدا فيمنع منه كيلا يعتاده وهذا الوجه اظهر ولم يذكر في التهذيب سواه (الخامسة) حيث قلنا بتحريم لبس الحرير فذلك عند عدم الضرورة والحاجة فاما عند الضرورة فلا بأس بلبسه كما إذا فاجأه القتال ولم يجد غيره وهذا قد سبق ذكره في صلاة الخوف وقوله ويجوز للغازي لبس الحيرير محمول علي هذه الحالة وليس

(5/35)


الغزو عذرا على الاطلاق فهو اذن مكرر ومن الضرورة لبسه لحر أو برد مهلك واما الحاجة فهو أن يكون به جرب أو حكة فله لبس الحرير لذلك لما روى أنه صلى الله عليه وسلم (رخص لعبد الرحمن بن عوف والزبير بن العوام رضى الله عنهما في لبس الحرير لحكة كانت بهما) وفي التنبيه حكاية وجه أنه لا يجوز والمشهور الاول وكذلك يجوز لبسه لدفع القمل لان في بعض الروايات أن ابن الزبير وعبد الرحمن رضي الله عنهما شكيا القمل في بعض الاسفار فرخص رسول الله صلى

(5/36)


الله عليه وسلم لهما في لبس الحرير) وهل يشترط السفر في ذلك أم يجوز لمجرد الحكة في الحضر فيه وجهان أصحهما لا يشترط لاطلاق الخبر (والثانى) نعم لان السفر شاغل عن التفقد والمعالجة
وفي الرواية الثانية ما يقتضي اعتباره في دفع القمل والله أعلم * قال (ثم إذا تزين فليقصد الصحراء ماشيا والصحراء أولا من المسجد الا بمكة وليكن الخروج في عيد الاضحى أسرع قليلا)

(5/37)


لما تكلم في استحباب التزين لصلاة العيد اعترض النظر في التزين المباح والممنوع منه فعاد بعد الفراغ منه الي ترتيب السنن وقال ثم إذا تزين فليقصد الصحراء والفصل يتضمن أمورا (احدها) أن الخروج لصلاة العيد إلى الصحراء أولي أم اقامتها في المسجد الجامع فيه * أما بمكة فاقامتها في المسجد اولي لان الائمة كانوا يصلون صلاة العيد فيه والمعني فيه فضيلة البقعة ومشاهدة الكعبة وغيرهما وألحق الصيد لاني بيت المقدس به * واما سائر البلاد فينظر ان كان هناك عذر من مطر أو ثلج فاقامتها في المسجد أولي لما روى عن ابى هريرة رضي الله عنه قال

(5/38)


(أصابنا مطر في يوم عيد فصلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في السمجد) وان لم يكن عذر نظر ان كان المسجد ضيقا فالخروج إلى الصحراء أولي بل يكره اقامتها في المسجد لو قوع الناس في الزحام وعسر الامر عليهم وان كان المسجد واسعها ففيه وجهان حكهما الامام عن صاحب التقريب (أحدهما) وهو الموافق لمطلق لفظ الكتاب أن اقامتها في الصحراء أولى لان ذلك ارفق بالناس

(5/39)


فان صلاة العيد يحضرها الداني والقاصى والفرسان والرجالة وكذلك يحضرها النساء الحيض ولا يتأتي لهن دخول المسجد (وأظهرهما) وهو الذى ذكره العراقيون وتابعهم صاحب التهذيب وغيره أن المسجد اولى لشرف المسجد وتسهيل الامر علي الناس عند سعته والحيض ان حضرن وقفن على باب المسجد وفي كلام الائمة ما يفهم بناء هذا التردد علي ان اقامتهم الصلاة بمكة كان لخصوص فضيلة المسجد الحرام أو لسعة الخطة فان قلنا بالثاني فالمسجد أولى في سائر البلاد أيضا وان قلنا

(5/40)


بالاول فلا * ومهما خرج الامام إلى الصحراء فينبغي أن يستخلف في البلد من يصلى بضعفة الناس كالشيوخ والزمني والمرضي وهذا على الصحيح في أن صلاة العيد لا يشترط فيها شروط الجمعة فان شرطناها ولم نستثن؟ اقامتها خارج البلدة فلا معنى لهذا التفصيل والاختلاف ولا تقام في الصحراء أصلا وان استثنينا هذا الشرط عن الاعتبار امتنع استخلاف من يصلي بالضعفة ولم تقم الا في موضع واحد كالجمعة (والثانى) أن المستحب للساعي إلى صلاة العيد المشى دون الركوب لما روى أن النبي صلى الله عليه وسلم (ما ركب في عيد ولا جنازة قط) فان عجز أو ضعف لكبر أو مرض فله أن يركب وأما في الرجوع فان شاء مشى وان شاء ركب والله أعلم (والثالث) أنه يستحب

(5/41)


للامام أن يؤخر الخروج في عيد الفطر قليلا ويعجل في عيد الاضحى لما روى أنه صلي الله عليه وسلم (كتب الي عمرو بن حزم حين ولاه البحرين ان عجل الاضحي وآخر الفظر وذكر الناس) والمعنى فيه أن شغل الناس وهو امر الاضاحي يكون بععد الصلاة فالتعجيل أولى ليشتغلوا به وشغلهم يوم الفطر قبل الصلاة وهو تفريق صدقة الفطر فالتأخير أولي ليفرغوا عنه ويستحب للقوم أن يبتكروا إذا صلوا الصبح ليأخذوا مجالسهم وينتظروا الصلاة إذا عرفت ذلك ونظرت في قوله في الكتاب وليكن الخروج في عيد الاضحي أسرع قليلا وجدت نظم

(5/42)


الكتاب يقتضي كون هذا الكلام في خروج القوم لانه عقبه بقوله ثم ليخرج الامام لكن الذى قاله الجمهور ودل عليه سياق النص في المختصر أن سنة القوم الابتكار بلا فرق بين العيدين وتعجيل الخروج وتأخيره محبوبان في حق الامام خاصة * قال (ثم ليخرج الامام وليتحرم بالصلاة في الحال والينادى (الصلاة جامعة) * السنة للامام أن لا يخرج الا بعد خروج القوم لثلا يحتاج الي انتظارهم فان انتظارهم اياه أليق

(5/43)


من انتظاره اياهم وكما يحضر يشتغل بالصلاة لما روى أنه صلي لما روى أنه صلي الله عليه وسلم (كان يخرج في العيد
الي المصلي ولا يبتدئ الا بالصلاة) ويكره للامام ان يتنفل قبلها أو بعدها * روي أن النبي صلي الله عليه وسلم (صلي ركعتي العيد ولم يتنفل قبلها ولا بعدها) ولا يكره للمأموم التنفل لا قبلها ولا بعدها) خلافالا حمد في الحالتين ولمالك كذلك في المصلي وعنه في المسجد روايتان ولا بى حينفة فيما بعدها لنا قياس التنفل في هذا الوقت علي التنفل في سائر الايام ويستحب في عيد الفطر أن

(5/44)


يطعم شيئا قبل الخروج الي الصثلاة ولا يطعم في عيد الاضحى حتى يرجع رواه أنس وبريدة وغيرهما رضي الله عنهما عن فعل رسول الله صلي الله عليه وسلم * وأما قوله وليناد الصلاة جامعة فقد سبق مرة في باب الاذان وقد روى عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم

(5/45)


وسلم (صلي اخطيب بغير أذان ولا اقامة) وذكر في العدة أنه لو نودى لصلاة العيد حي علي الصلاة فلا بأس بل هو مستحب * قال (وليقرأ أولا دعاء الاستفتاح ويكبر سبع (ح) تكبيرات زائدة (م) في الاولى وخمسا (ح) في الثانية ويقول بين كل تكبيرتين سبحان الله والحمد لله ولا اله الا الله والله أكبر ثم يقرأ الفاتحة بعد التكبير والتعوذ ويقرأ سورة ق في الاولي وأقتربت في الثانية ويرفع اليدين (ح) في هذه التكبيرات) ذكر في هذا الفصل الكيفية المخصوصة بصلاة العيد ولا فرق فيها بين الامام وغيره وان كان كلام الكتاب يختص بالامام فنقول: المتحرم بصلاة العيد يستفتح عقيب التحرم كما في سائر الصلوات ويجوز أن يعلم قوله وليقرأ أولا دعاء الاستفتاح بالواو لان صاحب البيان روى عن بعضهم حكاية قول أنه يأتي به بعد التكبيرات الزوائد ثم يكبر في الركعة الاولي سبع تكبيرات سوى تكبيرة الافتتاح والهوى إلى الركوع وفي الثانية خمس تكبيرات سوى تكبيرة القيام من السجود والهوى الي الركوع خلافا لا بى حنيفة حيث قال التكبيرات الزائدة في كل ركعة ثلاث ولمالك واحمد رحمهما الله حيث قالا التكبيرات الزوائد في الركعة الاولى ست وبه قال المزني وساعدونا في الركعة الثانية وعن احمد

(5/46)


رواية أخرى مثل مذهبنا مطلقا * لنا ما روى أن النبي صلي الله عليه وسلم (كان يكبر في الفطر أو لاضحي في الاولي سبعا وفى الثانية خمسا (ويروى أنه (كان يكبر اثنى عشرة تكبيرة سوى تكبيرة

(5/47)


الافتتاح وتكبيرة الركوع (وإذا عرفت ما نقلناه من المذاهب أعلمت قوله سبع تكبيرات بالحاء وقوله زائدة بالميم والالف والزاى لان عندهم الزائدة ست لا سبع (وقوله) وخمسا بالحاء وحده ويقف بين كل تكبيرتين بقدر قراءة آية لا طويلة ولا قصيرة يهلل الله ويكبره ويمجده هذا لفظ الشافعي رضي الله عنه وقد روى نحو ذلك عن ابن مسعود قولا وفعلا) وأيضا فان سائر التكبيرات المشروعة في

(5/48)


الصلاة يتعقبها ذكر مسنون فكذلك هذه التكبيرات ثم الذى ذكره الاكثرون وأورده في الكتاب أنه يقول (سبحان الله والحمد لله ولا اله الا الله والله اكبر) ولو زاد جاز قال الصيدلاني وعن بعض الاصحاب أنه يقول (لا اله الا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد بيده الخير وهو على كل شئ قدير) قل ابن الصباغ ولو قال ما اعتاده الناس وهو (الله اكبر كبيرا والحمد لله كثيرا وسبحان الله بكرة وأصيلا وصلي الله علي محمد وسلم تسليما كثيرا كان حسنا أيضا (وقوله) بين كل تكبيرتين مر قوم بالحاء لان عنده يوالى بين التكبيرات ولا يقف وبالميم لان أصحابنا حكوا عن مالك أنه يقف بينهما ولا يذكر شيئا ثم ينبغى أن يعرف أن قوله بين كل تكبيرتين راجع الي التكبيرات الزوائد فلا يأتي بهذا الذكر بين تكبيرة الافتتاح والاولى من الزوائد نص عليه في الام بل يكفى بينهما دعاء الاستفتاح وكذلك لا يأتي به بعد التكبيرة السابعة والخامسة بل يتعوذ بعد السابعة وكذا بعد الخامسة ان قلنا يستحب التعوذ

(5/49)


في كل ركعة وعن أبى يوسف أنه يتعوذ قبل التكبيرات وذكر الروياني أنه قال قيل أنه مذهب ابى حنيفة رحمه الله لنا أن التعوذ لافتتاح القراءة فليكن عقيبها وأشار الصيد لاني إلى تردد في المسألة فقال الاشبه بالمذهب ان التعوذ بعد التكبيرات وقبل القراءة ثم يقرأ الفاتحة كما في سائر
الصلوات وعند أبي حنيفة أن القراءة في الركعة الاولى بعد التكبيرات الزوائد وفي الثانية قبل التكبيرات ويوالى بين القرائتين لنا ما روى أن النبي صلي الله عليه وسلم (كان يكبر في الفطر والاضحى في الاولي سبع تكبيرات قبل القراءة وفي الثانية خمس تكبيرات قبل القراءة) فليعلم قوله بعد التكبير بالحاء لما حكينا من مذهبه وبالالف لان عند احمد رواية مثل مذهبه (والصحيح) عنه مثل مذهبنا ثم يقرأ في الاولى بعد الفاتحة سورة ق وفي الثانية اقتربت الساعة خلافا لا بي حنيفة رحمه الله حيث قال ليس بعض السور أولي من بعض ولما لك واحمد رحمهما الله حيث قالا يقرأ في الاولي (سبح اسم ربك) وفي الثانية (هل أتاك حديث الغاشية) لنا ما روي عن أبي واقد الليثى رضي الله عنه أن النبي صلي الله عليه وسلم (كان يقرأ يوم الفطر والاضحي بق والقرآن المجيد

(5/50)


واقتربت الساعة ويستحب رفع اليدين في التكبيرات وبه قال أبو حنيفة ويروى ذلك عن فعل عمر رضى الله عنه وقال مالك لا يرفع وإذا شك في عدد التكبيرات أخذ بالاقل ولو كبر ثمان تكبيرات وشك في أنه هل نوى التحرم بواحدة منها فعليه استئناف الصلاة ولو شك في التكبيرة التى نوى التحرم بها أخذ بأنه تحرم بالا خيرة فيعيد التكبيرات ولو صلى خلف من يكبر ثلاثا أو ستا تابعه في فعله ولا يزيد عليه في أصح القولين وعند أبي حنيفة رحمه الله لو صلى خلف من يكبر سبعا تابعه وينبغي أن يضع اليمنى علي اليسرى بين كل تكبيرتين وحكى عن العمدة ما يشعر بخلاف في المسألة * قال (ثم يخطب بعد الصلاة كخطبة الجمعة لكن يكبر تسعا قبل الخطبة الاولي وسبعا قبل الثانية علي مثال الركعتين) * إذا فرغ الامام من صلاة العيد صعد المنبر واقبل بوجهه على الناس وسلم وهل يجلس قبل الخطبة فيه وجهان قال أبو اسحق لا بخلاف ما في خطبة الجمعة يجلس قبلها ليؤذن المؤذن ولا اذان

(5/51)


في هذه والاصح المنصوص انه يجلس ليستريح من تعب الصعود ويتأهب الناس للاستماع ثم يخطب
خطبتين اركانهما كار كأنهما في الجمعة يقوم فيهما ويجلس بينهما كما في الجمعة لكن لا يجب القيام ههنا بل يجوز القعود مع القدرة على القيام كما في نفس الصلاة وقد روى (أن النبي صلى الله عليه وسلم

(5/52)


خطب علي راحلته يوم العيد) ويستحب ان يعلمهم في عيد الفطر احكام صدقة الفطر وفي عيد الاضحى احكام الاضحية ويستحب ان يفتتح الخطبة الاولي بتسع تكبيرات تترى والثانية بسبع تترى روى عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود رضي الله عنهم انها من السنة ولو ادخل

(5/53)


بينهما الحمد والتهليل ولا ثناء جاز وذكر بعضم ان كيفيتها ما سبق في التكبيرات المرسلة والمقيدة ويستحب للناس استماع الخطبة ومن حضر والامام يخطب فان كان في المصلى جلس واستمع الخطبة ولم يصل التحية ثم ان شاء صلى صلاة العيد في الصحراء وان شاء صلاها إذا انصرف الي بيته وان كان في المسجد يستحب له التحية ثم قال أبو اسحق ولو صلي صلاة العيد والحالة هذه كان اولى وحصلت التحية كما لو دخل المسجد وعليه مكتوبة يفعلها ويحصل بها لتحية وقال ابن ابى هريرة ويصلى التحية ويؤخر صلاة العيد إلى ما بعد الخطبة فانها تطول فيفوت عليه الاستماع والاول اصح عند الاكثرين * واما ما يتعلق بلفظ الكتاب فقوله ثم يخطب بعد الصلاة كخطبة الجمعة لو حذف

(5/54)


بعد الصلاة لكان الباقي دالا على الغرض لان كلمة ثم تفيد التراخي وانما اخذ كون هذه الخطبة بعد الصلاة من فعل النبي صلي الله عليه وسلم وخلفائه الراشدين رضوان الله عليهم اجمعين فلو قدمها خطيب اساء وهل يعتد بخطبته فيه احتمال عند امام الحرمين (وقوله) كخطبة الجمعة لكن يكبر تسعا غير مجرى على اطلاقه لانه لم يستدرك الا افتراق الخطبتين في التكبير وهما يفترقان في امور أخر

(5/55)


(منها) انه لا يجب القيام في خطبة العيد (ومنها) استحباب التعرض لصدقة الفطر والاضحية فيها وقوله علي مثال لركعتين؟ أي إذا حسبنا تكبيرة التحرم والهوى الي الركوع مع الزوائد في الاولى وحسبنا
تكبيرة الانتهاض والهوى إلى الركوع مع الزوائد في الثانية ويجوز ان يريد بقوله على مثال الركعتين انه يجعل التفاوت بين عدد التكبيرات في الخطبة الاولي وعددها في الثانية كالتفاوت بينهما في الركعتين فان فضل التسعة على السبعة كفضل السبعة علي الخمسة * قال (ثم إذا خطب رجع إلى بيته من طريق آخر) روى ان النبي صلي الله عليه وسلم (كان يغدو يوم الفطر والاضحي في طريق ويرجع في طريق) واختلفوا في سببه قيل ليتبرك به أهل الطريقين وقيل ليستفتى فيهما وقيل ليتصدق على فقرائهما وقيل ليزور قبور أقار به فيهما وقيل ليشهد له الطريقان وقيل ليزداد غيظ المنافقين وقيل لئلا تكثر الزحمة وقيل كان يتوخي اطول الطريقين في الذهاب وأقصرهما في الرجوع وهو اظهر المعاني ثم من شاركه من الائمة في المعني استحب له ذلك وفيمن لا يشارك وجهان (قال) أبو اسحق لا يستحب له ذلك (وقال) ابن ابي هريرة يستحب كالرمل والاضطباع يؤمر بهما مع زوال المعنى والي هذا ميل الاكثرين وهو الموافق لاطلاق لفظ الكتاب ويستوى في هذه السنة الامام والقوم نص عليه في المختصر ولم يتعرض في الكتاب الا للامام

(5/56)


قال (ويستحب في عيد النحر رفع الصوت بالتكبير عقيب خمس عشرة مكتوبة اولها الظهر من يوم العيد وآخرها الصبح آخر ايام التشريق ثم قيل يستحب عقيب كل صلاة تؤدى في هذه الايام وإن كاهن نفلا أو قضاء وقيل لا يستحب الا عقيب الفرض وقيل لا يستحب الا عقيب فرض من فرائض هذه الايام صليت في هذه الايام قضاء وأداء) * سبق الوعد بالكلام في التكبير المقيد في عيد النحر وهو غرض هذا الفصل فنقول أولا لا فرق في هذا التكبير بين المنفرد ومن يصلي جماعة ولا ببن الرجال وبين انساء والمقيم والمسافر وعند أبى حنيفة لا يكبر المنفرد ولا المرأة ولا المسافر ثم الناس ينقسمون إلى الحجيج وغيرهم (اما) الحجيج فيبتدئون التكببر عقيب الظهر يوم النحر ويختمونه عقيب الصبح آخر ايام التشريق قاله العراقيون وغيرهم ووجهوا الابتداء بان ذكر الحجيج التلبية وإنما يبدلونها بالتكبير مع أول حصاة يرمونها
يوم النحر فالظهر أول صلاة ينتهون إليها من وقت قطع التلبية قالوا والختم لان صبح اليوم الثالث آخر صلاة يصلونها بمنى قال الامام ولا شك فيما ذكروه في الابتداء وفي الانتهاء تردد (واما غير الحاج فخلف كم صلاة يكبرون فيه طريقان (أظهرهما) أن المسألة علي أقوال (أصحها) وهو منقول

(5/57)


عن المزني والبويطى والزعفراني رحمهم الله أنهم يكبرون عقيب خمس عشرة مكتوبة أولها ظهر يوم النحر وآخرها صبح اليوم الثالث من أيام التشريق كالحجاج وسائر الناس تبع لهم في ذلك ويروى هذا عن عثمان وابن عمر وابن عباس وزيد بن ثابت رضى الله عنهم (والقول الثاني) أنهم يبتدئون التكببر عقيب المغرب ليلة النحر كما أن في عيد الفطر يبتدئ التكبير عقيب المغرب ولم يبين الانتهاء في هذا النص وحمله الاصحاب على ما ذكر في القول الاول وعلى هذا يكون مكبرا عقيب ثمان عشرة صلاة (والثالث) أنهم يبتدئون عقيب الصبح يوم عرفة ويختمونه عقيب العصر آخر ايام التشريق خلف ثلاث وعشرين صلاة لما روى أنه صلي الله عليه وسلم وسلم (كبر بعد صلاة الصبح يوم عرفة ومد التكبير إلي العصر آخر أيام التشريق) وبهذا قال احمد واختاره المزني وابن سريج قال الصيد لانى وغيره وعليه العمل في الامصار ولم ينسب ابن الصباغ هذا القول إلى اختيار المزني ولكن قال عنده يكبر من الظهر يوم النحر إلي الظهر من اليوم الثالث (والطريق الثاني) القطع بالقول الاول وحمل ما عداه على حكاية مذهب الغير وقال أبو حنيفة يكبر من الصبح يوم عرفة إلى العصر من يوم

(5/58)


النحر وهى ثمان صلوات وروى بعض أصحابنا عن مالك مثل القول الاول وروى بعضهم عنه مثل القول الثالث وقوله في الكتاب عقيب خمس عشرة معلم بالحاء والميم والالف والزاى والواو لما حكينا من الاختلافات وجميع ما ذكرناه في وظائف الوقت ولو فاتته فريضة من فرائض صلاة الايام فقضاها في غير هذه الايام لم يكبر عقيها لان التكبير شعار هذه الايام ولو قاتته في غير هذه الايام أو في هذه الايام وقضاها في هذه الايام ففيه قولان (أحدهما) لا يكبر خلفهما لانها غير مؤداة في وقتها (وأصحهما) أنه يكبر لانه شعار الوقت وعلي هذين القولين السنن الرواتب (ومنها) صلاة العيد وكذلك
النوافل المطلقة ومنهم من قطع بانه لا يكبر بعدها لانها ابعد عن مشابهة الفرائض ومنهم من فرق بين المشروع في هذه الايام كالسنن الرواتب وصلاة العيدين وبين مالا يختص بها كالنوافل المطلقة وبنى طائفة من الائمة الاختلاف في هذه الصور كلها على أن المعني في التكبير عقيب وظائف الوقت ماذا وذكروا فيه ثلاثة معان (أحدها) أنها فرائض موادة في وقتها من أيام التكبير (والثاني)

(5/59)


أنها صلوات مشروعة في أيام التكبير (والثالث) أنها صلوات مفعولة في أيام التكبير ولا يخفى تخريج الاختلافات عليها وإذا سئلت عن مطلق ما يكبر خلفه من الصلوات فقل فيه وجوه (أظهرها) أنه يكبر عقيب كل صلاة مفعولة في هذه الايام (والثاني) لا يكبر إلا عقيب الفرائض منها سواء كانت مؤداة هذه الايام أو فائتتها أو فائتة غيرها (والثالث) لا يكبر إلا عقيب فرائض هذه الايام قضاء كانت أو أداء وهذه الوجوه هي المذكورة في الكتاب وتخرج مما سبق وجه رابع وهو أنه لا يكبر إلا عقيب الفرائض أو السنن الرواتب (وقوله) في العبارة عن الوجه الاول عقيب كل صلاة يشمل صلاة الجنازة أيضا لكن قال في التتمة لا يكبر خلفها لانها بنيت علي التخفيف (وقوله) وان كانت نفلا معلم بالميم والحاء والالف لان عند هم لا يكبر خلف النوافل قال امام الحرمين وجميع ما ذكرناه في التكبير الذى يرفع به الصوت ويجعله شعارا أما لو استغرق عمره بالتكبير في نفسه فلا منع منه ولو نسى التكبير خلف الصلاة ثم تذكر والفصل قريب كبر وإن فارق مصلاه وإن طال الفصل فكذلك في اصح الوجهين والمسبوق لا يكبر مع الامام وإنما يكبر إذا أتم صلاة نفسه والله أعلم * قال (ولو نسى التكبيرات في ركعة فلا يتداركها على الجديد إذا تذكرها بعد القراءة لفوات وقتها) *

(5/60)


لو نسي التكبيرات الزوائد في احدى ركعتين ثم تذكر نظر إن تذكرها في الركوع أو بعده مضى في صلاته ولم يكبر ولم يسجد للسهو كما لو ترك القعود أو السورة ولو عاد إلى القيام ليكبر بطلت صلاته ولو تذكرها قبل الركوع وبعد القراءة وهذه مسألة الكتاب ففيه قولان (الجديد)
أنه لا يكبر لفوات وقته كما لو نسي دعاء الاستفتاح فتذكر بعد القراءة لا يعيد (والقديم) أنه يكبر وبه قال أبو حنيفة فيما حكاه صاحب البيان لان محله باق وهو القيام وعلى هذا القول لو تذكرها في أثناء الفاتحة قطع القراءة وكبر ثم يستأنف وإذا كبر بعدها يستحب الاستئناف ولا يجب وحكى وجه آخر انه يجب ولو أدرك الامام بعد ما كبر بعض التكبيرات أو في حال قراءته فعلي الجديد لا يكبر ما فاته وعلى القديم يكبر وبه قال أبو حنيفة رحمه الله وإذا أدركه وهو راكع يركع معه ولا يكبر قولا واحدا وقال أبو حنيفة رحمه الله يكبر تكبيرات العيد في حال الركوع ولو أدركه في الركعة الثانية كبر معه خمسا على الجديد فإذا قام للثانية كبر خمسا أيضا لان سنة الركعة الثانية خمس بلا زيادة

(5/61)


قال (وإذا فاتت صلاة العيد بزوال الشمس فقد قيل لا تقضي وقيل تقضى (ح م) أبدا وقيل لا تقضى الا في الحادى والثلاثين وقيل تقضي في شهر العيد كله واذ شهد الشهود علي الهلال قبل الزوال أفطرنا وصلينا وان شهدوا بعد الغروب يوم الثلاثين لم نصغ إليهم إذ لا فائدة الا ترك صلاة العيد وان شهدوا بين الزوال والغروب أفطرنا وبان فوات صلاة العيد على الاصح ثم قضاؤها في بقية اليوم أولي أو في الحادى والثلاثين فيه خلاف وان شهدوا نهارا وعدلوا ليلا فالعبرة بوقت التعديل أو الشهادة فيه خلاف) مما يجب معرفته في هذا الفصل أصل قدمناه وهو أن في قضاء النوافل المؤقتة قولين ومن جملتها صلاة العيد وأصل آخر وهو أن صلاة العيد هل تنزل منزلة صلاة الجمعة ويعتبر فيها شرائطها أم لا إذا تذكرت ذلك فنقول: لو شهد شاهدان يوم الثلاثين من رمضان انا رأينا الهلال البارحة وكان ذلك قبل الزوال وقد بقي من الوقت ما يمكن جمع الناس فيه واقامة الصلاة أفطروا وصلوا وكانت الصلاة اداء وان شهدوا بعد غروب الشمس يوم الثلاثين لم تقبل شهادتهم كما لو

(5/62)


شهدوا في اليوم الحادى والثلاثين لان شوالا قد دخل يقينا وصوم التلاثين قد تم فلا فائدة في
قبول شهادتهم الا المنع من صلاة العيد فلا يصغى إليها ويصلون من الغد وتكون صلاتهم اداء هكذا نقله الائمة وأطبقوا عليه وفي قوله لا فائدة الا ترك صلاة العيد اشكال فان لا ستهلال الهلال فوائد أخر كوقوع الطلاق والعتق المعلقين علي استهلال شوال واحتساب العدة من انقضاء التاسع والعشرين ونحو ذلك فوجب أن تقبل الشهادة لمثل هذه الفوائد ولعل مراد هم عدم الاصغاء فيما يرجع إلى صلاة العيد وجعلها فائتة لا عدم القبول علي الاطلاق وان أطلقوا ذلك في عباراتهم والله أعلم وان شهدوا بعد الزوال وقبل الغروب أو قبل الزوال بزمان يسير لا يمكن الصلاة فيه فالشهادة مقبولة لتعلق فائدة الافطار بها وهل تفوت الصلاة حكي في النهاية قولا انها لا تفوت ويصلونها غدا اداء لان التردد في الهلال مما يكثر وصلاة العيد من شعائر الاسلام فيقبح ان لا تقام على النعت المعهود في كل سنة فاشبه هذا غلط الحجيج في الوقوف فانه يقام وقوفهم يوم العاشر مقام الوقوف يوم التاسع وظاهر المذهب ولم يذكر الجمهور سواه ان صلاة العيد فائتة لخروج وقتها ثم قضاؤها مبنى على أن النوافل المؤقتة هل تقضى ام لا إن قلنا لا تقضي فلا كلام وان قلنا تقضي

(5/63)


فيبنى على أنها هل هي بمثابة الجمعة أم لا إن قلنا هي بمثابتها في الشرائط والاحكام لم تقض والا فلهم قضاؤها من الغد وهو الصحيح وقد روى (ان ركبا جاؤا إلى النبي صلي الله عليه وسلم يشهدون انهم رأوا الهلال بالامس فأمرهم ان يفطروا وإذا اصبحوا ان يغدوا الي مصلاهم) وهل

(5/64)


لهم ان يصلوها في بقية اليوم وجهان مبنيان على ان اقامتها في الحادى والثلاثين اداء ام قضاء ان قلنا اداء فلا وان قلنا قضاء وهو الصحيح فيجوز ثم هو اولى ام التأخير إلى ضحوة الغد فيه وجهان (أحدهما) ان التأخير اولي لان اجتماع الناس فيها امكن والضحوة بالضحوة اشبه (واصحهما) ان التقديم اولي مبادرة الي القضاء وتقريبا له من وقته وهذا إذا سهل جمع الناس بان كانوا في قرية أو بلدة صغيرة اما إذا عسر ذلك فالاولي التأخير إلى الغد كيلا يفوت الحضور علي الناس وإذا قلنا انهم يقيمونها في الحادى والثلاثين قضاء فهل يجوز تأخيرها عنه فيه قولان ومنهم من يقول وجهان
(اصحهما) نعم كالفرائض إذا فاتت لا يتعين وقت قضائها (والثانى) لا لان الحادى والثلاثين يجوز ان يكون عيدا بان يخرج الشهر كملا بخلاف ما بعده من البان ثم حكي امام الحرمين عن بعض الاصحاب انا إذا قلنا تقضي بعد الحادى والثلاثين فيمتد إلى شهر فان وقع بعد شهر فعلي وجهين قال ولعله في شهر شوال نقص أو كمل وفي بقية ذى الحجة ولا اعتد به من المذهب وجميع ما ذكرناه فيما إذا شهد عدلان مقبولان أو مستوران وعدلا في الاوقات المذكورة فاما إذا شهدا قبل الغروب وعدلا بعد الغروب فقولان ويقال وجهان (احدهما) ان العبرة بوقت الشهادة لان التعديل وان بان اخيرا فهو مستند إلى الشهادة (واصحهما) ان العبرة بوقت التعديل لانه وقت جواز الحكم بالشهادة فعلي هذا يصلون من الغد بلا خلاف وتكون اداء وعلي الاول تعود الاختلافات المذكورة فهذا هو الذى اورده معظم الاصحاب وايضاحه ولنعد إلى ما يتعلق بلفظ الكتاب (اما قوله) وإذا فاتت صلاة العيدين بزوال الشمس الي آخره فاعلم ان الاختلافات المذكورة عبر عنها في الوسيط

(5/65)


بالاقوال وايراده في الكتابين يقتضي طردها في فوات صلاة العيد للناس كلهم وفواتها في حق الافراد وفيما إذا كان الفوات لاشتباه الهلال وغيره لكن المفهوم من كلام الاصحاب تخصيص الاختلاف المذكور بصورة اشتباه الهلال وفوات العيد علي جميع الناس فاما إذا اختص الفوات بالافراد فلا يجري الا قولان منع القضاء وجوازه على التأبيد ولا يتجه التخصيص بالحادي والثلاثين لما ذكره امام الحرمين فقال هذا اليوم يجوز أن يفرض عيدا فاقامة شعار الصلاة فيه لا يبعد وفيما بعده من الايام اقامة الشعار المعهود مما يستنكره الناس الا خواصهم وتعطيل الشعار أهون من ذلك ومعلوم أن هذا لا امتناع له في قضاء الافراد واما المصير الي القضاء في شهر العيد كله فلم أر نقله للامام ولم ينقله الي في اشتباه الهلال فاعرف ذلك ثم قوله لا تقضى معلم بالالف لان عند احمد هي مقضية وقوله تقضى ابدا بالميم والحاء فان عندهما لا تتقضي وبالزاى لان اختيار المزني مثله (فان قيل) حيث قلنا بتخصيص القضاء بالحادي والثلاثين فلا شك أن ذلك في عيد الفطر فهل يختص بالحادي عشر إذا فرض ذلك في عيد الاضحي قلنا نعم لانه يجوز أن يفرض يوم عيد الا ان يقال ان الشهادة
بعد دخول ذى الحجة غير مسموعة على قياس ما ذكروه في الحادى والثلاثين والله اعلم (وقوله) وإذا شهد الشهود علي الهلال قبل الزوال افطرنا وصلينا المراد منه ما إذا سبقت الشهادة الزوال بقدر ما يسع الصلاة فان لم يسع فالحكم كما لو شهدوا بين الزوال والغروب (وقوله) ثم قضاؤها في بقية اليوم أولي أو في الحادى والثلاثين فرض الخلاف في الاولوية جواب منه على الاصح وهو أن قضاؤها قى بقية اليوم جائز وفيه خلاف تقدم والله اعلم * قال (وإذا كان العيد يوم الجمعة فلاهل السواد الرجوع قبل الجمعة وان كان النداء يبلغهم علي الصحيح للخبر)

(5/66)


إذا وافق العيد يوم الجمعة وحضر اهل القرى الذين يبلغهم النداء لصلاة العيد وعلموا أنهم لو انصرفوا لفاتتهم الجمعة فهل عليهم ان يصبروا الجمعة ام لهم أن ينصرفوا ويتركوها فيه وجهان (احد هما) عليهم الصبر كأهل المصر وكسائر الايام (واصحهما) ان لهم أن ينصرفوا ويتركوها ويحكى هذا عن نصه قديما وجديدا لما روى (انه اجتمع عيدان على عهد رسول الله صلي الله عليه وسلم في يوم واحد فصلي العيد في أول النهار وقال أيها الناس ان هذا يوم اجتمع لكم فيه عيدان فمن أحب منكم أن يشهد معنا الجمعة فليفعل ومن أحب أن ينصرف فليفعل) وأراد به أهل السواد وهذا هو الخبر الذى أبهم ذكره في الكتاب *

(5/67)


قال * (كتاب صلاة الخسوف) * (وهى سنة مؤكدة ولا تكره الا في اوقات الكراهية واقلها ركعتان في كل ركعة ركوعان (ح) وقيامان فان تمادى الكسوف فهل يجوز ركوع ثالث فيه وجهان وان اسرع الاهجلاء فهل يقصر علي واحدة فيه وجهان) * قال الله سبحانه وتعالي (فلا تسجدوا للشمس ولا للقمر واسجدوا لله الذى خلقهن) قال بعض المفسرين أراد به صلاة الخوف والكسوف وقال أبو بكرة (كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم

(5/68)


فانكسفت الشمس فقام النبي صلي الله عليه وسلم يجر ردائه حتى دخل المسجد فدخلنا فصلي بنا ركعتين حتي انجلت الشمس فقال ان الشمس والقمر لا ينكسفان لموت أحد فإذا رأيتموهما فصلوا وادعوا حتى ينكشف ما بكم) صلاة الكسوف والخسوف سنة مؤكدة ولا فرق في استحبابها بين أوقات الكراهة وغيرها لان لها سببا خلافا لمالك وأبي حنيفة وتفصيل مذهبهما ما قدمناه في فصل الاوقات المكروهة ثم الكلام في أقل هذه الصلاة وأكملها (أما) أقلها فهو أن يتحرم بنية صلاة الكسوف ويقرأ الفاتحة ويركع ثم يرفع فيقرأ الفاتحة ثم يركع مرة أخرى ثم يرفع ويطمئن ثم يسجد وكذلك يفعل في الركعة الثانية فهي إذا ركعتان في كل ركعة قيامان وركوعان كما ذكر في الكتاب وقراءة الفاتحة في كل ركعة مرتين من حد الاقل أيضا (وقوله) ركوعان وقيامان معلم بالحاء والالف (اما) الحاء فلان أبا حنيفة يقول ركعتان كسائر الصلوات لكن يطول فيها القراءة (وأما) الالف فلان في رواية عن احمد يركع في كل ركعة ثلاث مرات والاظهر عنه مثل مذهبنا * لنا ما روى عن ابن عباس رضى الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم (ركع أربع ركعات في ركعتين

(5/69)


وأربع سجدات) وقد اشتهرت الرواية عن فعل رسول الله صلي الله عليه وسلم وسلم ولو تمادى الكسوف فهل يزيد ركوعا ثالثا فيه وجهان (أحدهما) نعم ويحكى عن ابن خزيمة وابى سليمان الخطابي وأبى بكر الضبعي من أصحابنا وعلى هذا الوجه لا يختص الجواز بالثالث بل له أن يزيد ركعة أربع ركوعات) ويروى (خمس ركوعات ولا محمل له الا حالة التمادي) (وأظهرها) أنه لا تجوز الزيادة كسائر الصلوات لا يزاد على أركانها وروايات الركوعين أشهر وأصح فيؤخذ بها كذلك

(5/70)


ذكره الائمة ولو كان في القيام الاول فانجلي الكسوف لم تبطل الصلاة ولكن هل يجوز أن يقتصر على قومة واحدة وركوع واحد في كل ركعة فيه (وجهان) بنوهما على جواز الزيادة عند التمادي إن جوزنا الزيادة جوزنا النقصان بحسب مدة الخسوف وإلا فلا ولو تحلل من صلاته والخسوف باق فهل له
أن يستفتح صلاة الخسوف مرة أخرى فيه وجهان خرجوهما على جواز الزيادة في عدد الركوع والمذهب المنع (وقوله) فهل تجوز الزيادة بثالث أي بركوع ثالث وقيام ثالث وكذا قوله فهل يقتصر على واحد وفى بعض النسخ ثالثة وواحدة علي تأويل الركعة والقومة والله أعلم

(5/71)


قال (وأكملها أن يقرأ في القيام الاول بعد الفاتحة سورة البقرة وفي الثانية آل عمران وفي الثالثة النساء وفي الرابعة المائدة أو مقدارها وكل ذلك بعد الفاتحة ويسبح في الركوع الاول بقدر مائة آية وفي الثاني بقدر ثمانين وفي الثالث بقدر سبعين وفي الرابع بقدر خمسين ولا يطول السجدات ولا القعدة بينهما) * لو اقتصر في كل قومة علي قراة الفاتحة وفي كل ركوع علي قدر الطمأنينة جاز كما في سائر الصلوات ليكن المستحب أن يقرأ في القيام الاول بعد الفاتحة وسوابقها سورة البقرة أو مقدارها ان لم يحسنها وفى الثاني آل عمران أو مقدارها وفى الثالثة النساء أو مقدارها وفى الرابعة المائدة

(5/72)


أو مقدارها وكل ذلك بعد الفاتحة هذا ما ذكره في الكتاب وعزاه الاصحاب إلى رواية البوبطي قال المزني في المختصر يقرأ في القيام الاول البقرة أو مقدارها إن لم يحفظها وفي الثانية قدر مائتي آية من سورة البقرة وفي الثالثة قدر مائة وخمسين آية منها وفي الرابع قدر مائة آية منها وكل ذلك بعد الفاتخة وهذه الرواية هي التى أوردها الاكثرون وليستا على الاختلاف المحقق بل الامر فيه علي التقريب وهما متقاربتان وقد روى الشافعي عن ابن عباس رضى الله عنهما باسناده قال (خسفت الشمس علي عهد رسول الله صلي الله عليه وسلم فصلي والناس معه فقام قياما طويلا فقرأ نحوا من سورة البقرة ثم ركع ركوعا طويلا ثم رفع فقام قياما طويلا وهو دون القيام الاول ثم ركع ركوعا طويلا وهو دون الركوع الاول ثم سجد ثم قام قياما طويلا وهو دون القيام الاول ثم ركع ركوعا طويلا وهو دون الركوع الاول ثم رفع فقام قياما طويلا وهو دون القيام الاول ثم ركع ركوعا طويلا وهو دون الركوع الاول ثم سجد ثم انصرف) وأما قدر مكثه في الركوع فينبغي أن يسبح في الركوع الاول بقدر مائة آية من البقرة وفي الثاني
بقدر ثمانين منها وفي الثالث بقدر سبعين وفي الرابع بقدر خمسين والامر فيه على التقريب ولذلك قال كثير من الاصحاب يسبح في الركوع الثاني بقدر ثمانين آية الي تسعين وقال صاحب الافصاح يسبح في الثالث بقدر خمسين وسبعين آية ويقول في الاعتدال عن كل ركوع سمع الله لمن حمده ربنا لك الحمد وهل يطول الجود في هذه الصلاة فيه قولان وبقال وجهان (أظهرهما) وهو المذكور في الكتاب لا كما لا يزيد في التشهد ولا يطول القعدة بين السجدتين (والثانى) وبه قال ابن سريج نعم لانه

(5/73)


منقول في بعض الروايات مع تطويل الركوع أورده مسلم في الصحيح ويحكي هذا القول عن رواية البويطى ونقله أبو عيسى الترمذي في جامعه عن الشافعي رضى الله عنه أيضا قال (ويستحب أن تؤدى بالجماعة وأن يخطب الامام بعدها خطبتين كما في العيد ولا يجهر (م) في صلاة الكسوف ويجهر في الخسوف) * في الفصل ثلاث مسائل (أحداها) انه يستحب الجماعة في صلاة الخسوفين (أما) في خسوف الشمس فقد اشتهر اقامتها بالجماعة عن فعل رسول الله صلي الله عليه وسلم وكان ينادى لها الصلاة جامعة (واما) في خسوف القمر فلما روى عن الحسن البصري قال (خسف القمر وابن عباس رضى الله عنهما بالبصرة فصلي بنا ركعتين في كل ركعة ركوعان فلما فرغ ركب وخطبنا وقال صليت

(5/74)


بكم كما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بنا وانما تقام الجماعة لهما في المسجد دون الصحراء لما قدمنا من حديث أبي بكرة رضى الله عنه ولان هذه الصلاة بعرض الفوات بالانجلاء واعلم قوله ويستحب ان تؤدى بالجماعة بالحاء والميم لان عند ابى حنيفة لا تؤدى صلاة خسوف القمر بالجماعة بل يؤدونها منفردين وعند مالك رحمه الله لا يصلون له اصلا واللفظ يشمل الصلاتين جميعا ويجوز ان يعلم بالوار ايضا لان امام الحرمين قال ذكر شيخنا الصيد لاني من ائمتنا من خرج في صلاة الخسوفين وجها ان الجماعة تشترط فيها كالجمعة ولم أجده في كتابه هكذا لكن قال خرج اصحابنا وجهين في أنها هل تصلي في كل
مسجد أو لا تكون الا في جماعة واحدة كالقولين في العيد (الثانية) يستحب للامام ان يخطب بعد الصلاة خطبتين باركانهما وشرائطهما المذكورة في صلاة الجمعة ولا فرق بين أن يقيموا الجماعة في مصر أو يقيمها المسافرون في الصحراء وقال مالك وأبو حنيفة واحمد رحمهم الله لا خطبة

(5/75)


في هذا الباب أصلا * لنا ما روى عن عائشة رضى الله عنها أن النبي صلي الله عليه وسلم (لما خسفت الشمس صلي فوصفت صلاته ثم قالت فاما انجلت انصرف وخطب الناس وذكر الله تعالي جده واثنى عليه) وينبغى للامام ان يحث الناس في هذه الخطبة على الخير والوبة عن المعاصي ومن صلي منفردا لم يخطب فان الغرض من الخطبة تذكير الغير (فان قلت) قضية التشبيه في قوله كما في العيد أن يكبر في أول الخطبتين كما يفعل في خطبتى العيد فهل هو كذلك أم لا (فالجواب) أن كتب الاصحاب ساكتة عن التصريح بذك مع تعرضهم لاذكارها المفروضة والمندوبة على التفصيل وأعادها ههنا ولو كان التكبير مشروعا ههنا لا عادوا ذكره سيما في المطولات فإذا المراد تشبيهها بخطبتى العيد في تأخيرها عن الصلاة لا على الاطلاق والله اعلم (الثالثة) يستحب الجهر بالقراءة في صلاة خسوف القمر والاسرار في خسوف الشمس وبه قال مالك وابو حنيفة خلافا لاحمد رحمهم الله حيث قال يجهر فيها ايضا وبه قال أبو يوسف وفيما ذكره الصيدلانى أن مثله يروى عن أبي حنيفة لنا ما روى

(5/76)


ابن عباس رضي الله عنهما أنه حكى صلاة النبي صلي الله ععليه وسلم في خسوف الشمس فقال (قرأ نحوا من سورة البقرة) ولو جهر لكان لا يقدره وروى عنه انه قال (كنت الي جنب النبي صلى الله عليه وسلم فما سمعت منه حرفا) وقوله في الكتاب ولا يجهر في صلاة الكسوف ويجهر في صلاة الخسوف تخصيص للفظ الكسوف بالشمس والخسوف بالقمر وقد قيل بذلك لكن استعمال كل واحد من اللفظين فيهما صحيح سائغ في اللغة ويجوز أن يعلم قوله ولا يجهر بالواو مع الالف لان ابا سليمان الخطابي ذكر أن الذى يحبئ علي مذهب الشافعي رضي الله عنه الجهر فيهما * واحتج له

(5/77)


بما روى عن عائشة رضي الله عنها (أن النبي صلي الله عليه وسلم صلي بهم في كسوف الشمس وجهر بالقراءة) والله أعلم * قال (فروع المسبوق إذا ادرك الركوع الثاني لم يدرك الركعة لان الاصل هو الاول) * عد في الوسيط المسائل من هذا الموضع الي قريب من آخر الباب ثلاثة فروع وهذا الفصل يشتمل علي أولها وغرض الكلام في المسبوق في هذه الصلاة فنقول ان ادرك الامام في الركوع الاول من الركعة الاولي فقد أدرك الصلاه ولو أدركه في الركوع الاول من الركعة الثانية كان مدركا للركعة فإذا سلم الامام قام وصلي ركعة بر كوعين ولو ادركه في الركوع الثاني من احدى الركعتين فالمنقول عن نصه في البويطى انه لا يكون مدركا لشئ من الركعة أصلا وعن صاحب التقريب حكاية قول آخر أنه بادراك الركوع الثاني يصير مدركا للقومة التى قبلها فعلي هذا لو أدرك الركوع الثاني من الركعة الاولي قام عند سلام الامام وقرأ وركع واعتدل وجلس وتشهد وتحلل ولا يسجد لان ادراك الركوع إذا أثر في ادراك القيام الذى قبله كان السجود بعده محسوبا لا محالة واتفق الاصحاب على أن الصحيح هو الاول ووجهوه بان الركوع الاول هو الاصل والثانى في حكم التابع له الا ترى أنه لا يصير بادراكه

(5/78)


مدركا لجميع الركعة ولو صار مدركا بادراكه لصار مدركا لجميع الركعة كما لو أدرك جزءا من الركوع في سائر الصلوات وأيضا فان الامر بقيام وركوع من غير سجود مخالف لنظم الصلوات كلها وعلى القول الصحيح لو ادرك القيام الثاني لا يكون مدركا لشئ من الركعة أيضا إذا عرفت ذلك فقوله في الكتاب لم بدرك الركعة ان أراد به انه غير مدرك لشئ من الركعة فينبغي أن يعلم بالواو وان أراد به أنه غير مدرك بجملتها فلا يجوز أعلامه لان القولين متفقان عليه * قال (وتفوت صلاة الكسوف بالانجلاء وبغروب الشمس كاسفة ويفوت الخسوف بالانجلاء وبطلوع قرص الشمس ولا يفوت بغروب القمر خاسفا لان الليل كله سلطان القمر ولا يفوت بطلوع الصبح علي الجديد لبقاء الظلمة) * الفرع الثاني فيما يفوت به هذه الصلاة (اما) صلاة خسوف الشمس فتفوت بطريقين (أحد هما)
الانجلاء فإذا لم يصل حتى انجلت لم يصل * واحتج له بما روى انه صلي الله عليه وسلم قال (إذا رأيتم ذلك فصلوا حتى تنجلي) دل أنه لا يصلي بعده ثم الاعتبار بانجلاء الكل اما انجلاء البعض فلا أثر له وله ان يشرع في الصلاة للباقى كما لو لم ينكسف الا ذلك القدر ولو حال سحاب ولم يدرها انجلت ام لافله ان يصلي لان الاصل بقاء الكسوف وعلي عكسه لو كانت تحت الغمام فظن الكسوف لم يصل حتى

(5/79)


يستيقن (والثانى) ان تغرب كاسفة فلا يصلي لان سلطان الشمس النهار وقد ذهب وبطل الانتفاع بضوءها نيرة كانت أو منكسفة (واما) صلاة خسوف القمر فتفوت بطريقين أيضا (أحد هما) الانجلاء كما سبق (والثاني) طلوع الشمس فإذا طلعت والقمر بعد خاسف لم يصل لان سلطان القمر الليل وقد ذهب وبطلت منفعته بطلوع الشمس ولو غاب القمر خاسفا لم يؤثر وجازت الصلاة لان سلطان القمر باق وهو الليل فغروبه كغيبوبته تحت سحاب خاسفا ولو طلع الفجر وهو خاسف أو خسف بعد طلوع الفجر فقولان (القديم) انه ليس له أن يصلي الذهاب الليل بطلوع الفجر (والجديد) ان له ذلك لبقأء ظلمة الليل والانتفاع بضوء القمر في هذا الوقت وعلي هذا لو شرع في الصلاة بعد طلوع الفجر وطلعت الشمس في اثنائها لم تبطل صلاته كما لو شرع قبل طلوع الفجر وكما لو اتفق الانجلاء في اثناء الصلاة وذكر القاضى ابن كج ان هذا الانجلاء مخصوص بما إذا غاب القمر خاسفا بعد طلوع الفجر وقبل طلوع الشمس فاما إذا لم يغب وبقي خاسفا فلا خلاف في ان الشروع في الصلاة جائز * قال (ولو اجتمع عيد وكسوف قدم العيد ان خيف فواته وإلا فقولان في التقديم والتأخير ولو اجتمع كسوف وجمعة قدمت الجمعة عند خوف الفوات وإلا فقولان ولو اجتمع جنازة مع هذه الصلوات فهي مقدمة الا الجمعة فانها تقدم عند ضيق وقتها ويكفيه للكسوف والجمعة خطبة واحدة وكذا للعيد والكسوف ولا يبعد اجتماع العيد والكسوف فان الله علي كل شئ قدير) *

(5/80)


(الفرع الثالث) فيما إذا اجتمعت صلاتان في وقت واحد والاصل فيه تقديم ما يخاف فواته ويتعلق أيضا بالنظر إلى الاوكد فالاوكد من الصلاة وفيه صور (أحدها) إذا اجتمع عيد وكسوف
نظر ان خيف فوات صلاة العيد لضيق وقتها قدمت صلاة العيد وان لم يخف فقولان (أحدهما) وهو رواية البويطي يبدأ بصلاة العيد لانها أوكد لمشابهتها الفرائض بانضباط وقتها (وأصحهما) انه يبدأ بصلاة الكسوف لانه يعرض الفوات بالانجلاء (الثانية) لو اجتمع كسوف وجمعة نظر ان خيف فوات الجمعة فهي مقدمة وان لم يخف فواتها فقولان (أحدهما) تقدم الجمعة لا فتراضها (وأصحهما) يقدم الكسوف لخطر الفوات ولو اجتمع الكسوف مع فريضة أخرى فالحكم كما لو اجتمع مع الجمعة ولو وجد الخسوف في وقت الوتر والتروايح قدم صلاة الخسوف وان خيف فوات الوتر لان صلاة الخسوف آوكد؟ ولانها إذا فاتت لا تقضي (الثالثة) لو اجتمع عيد وجنازة أو كسوف وجنازة قدمت صلاة الجنازة لما يخشى من حدوث التغير في الميت ثم لا يتبعها الامام إذا قدمها بل يشتغل بعدها بغيرها من الصلوات ولو لم تحضر الجنازة بعد أو حضرت ولم يحضر الولى افرد الامام جماعة ينتظرونها واشتغل بغيرها ثم بعد الجنازة يقدم العيد أو الكسوف فيه الكلام الذى سبق ولو حضر وقت الجمعة جنازة ولم يضف وقت الجمعة قدمت الجنازة وان ضاق قدمت

(5/81)


الجمعة فتراضها وقال في النهاية قطع شيخي بتقديم صلاة الجنازة لان للجمعة خلفا وهو الظهر والذى يحذر وقوعه من الميت لو فرض لم يجبره شئ وليكن قوله في الكتاب الا الجمعة فانها تقدم معلما بالواو لهذا الوجه وتختم هذه الصورة بفصلين (احد هما) في الخطبة المأتى بها للصلاتين المجتمعتين اما إذا اجتمع العيد والكسوف فيخطب لهما بعد الصلاتين خطبتين ويذكر فيهما شأن العيد والكسوف واما إذا اجتمع الجمعة والكسوف فان اقتضي الحال تقديم الجمعة خطب لها ثم صلي الجمعة ثم صلي الكسوف ثم خطب لها وان اقتضي الحال تقديم صلاة الكسوف بدأ بها ثم خطب للجمعة وذكر فيها شأن السكوف كما أن النبي صلي الله عيه وسلم (استسقى في خطبته للجمعة ثم صلي الجمعة) واعرف في قوله ويكفيه للجمعة والكسوف خطبة واحدة شيئين (أحدهما) ان المراد من هذا الكلام انه يكفيه من الخطبة ما كان يكفيه لو لم يصل الا واحدة من الصلاتين وهو خطبتان ولا يحتاج الي اربع خطب وليس المراد أنه تكفى خطبة فردة (وثانيهما) ان كلام الاصحاب
ينازع في اللفظ الذي ذكره فانهم قالوا لا يخطب للجمعة والكسوف لان الخطبة فرض في الجمعة

(5/82)


ولا يجوز التشريك بين الفرض والنفل ولكن يخطب للجمعة ثم يذكر فيها امر الحسوف بخلاف العيد والخسوف يجوز ان يقصد بخطبته كلتيهما لانهما سببان قالوا ولهذا قال الشافعي رضى الله عنه في المختصر في مسألة اجتماع العيد والخسوف ثم يخطب للعيد والخسوف وقال في مسألة اجتماع الجمعة والخسوف ثم يخطب للجمعة ويذكر فيها الخسوف فإذا اللفظ مؤول والمعنى انه لا يحتاج الي خطبتين لكل صلاة (والفصل الثاني) ان طائفة اعترضت علي تصوير الشافعي رضي الله عنه اجتماع العيد والخسوف وقالت هذا محال لان العيد اما الاول من الشهر واما العاشر والكسوف لا يقع الا في الثامن والعشرين أو التاسع والعشرين وأجاب الاصحاب عنه بوجوه (أحدها) ان هذا قول اهل التنجيم وأما نحن فنجوز وقوع الكسوف في غير اليومين المذكورين فان الله تعالي علي كل شئ قدير وقد نقل وقوع مثل ذلك إذا صح أن الشمس خسفت يوم مات ابراهيم بن رسول الله صلي عليه وسلم وروى الزبير ابن بكار رضي الله عنه في كتاب الانساب انه توفى في العاشر من ربيع اول وروى البيهقى مثله عن الواقدي باسناده وكذلك اشتهر أن قتل الحسين ابن علي رضي الله عنهما كان يوم عاشوراء وروى البيهقى عن أبى قبيل أنه لما قتل الحسين رضى الله عنه كسفت

(5/83)


الشمس كسفة بدت الكواكب نصف النهار حتى ظننا أنها هي و (الثاني) هب أن الكسوف لا يقع الا في الثامن والعشرين أو التاسع والعشرين لكن يجوز أن يوافق العيد اليوم الثامن والعشرين بان يشهد شاهدان علي نقصان رجب ويفرض مثل ذلك في شعبان ورمضان وكانت في الحقيقة كاملة فان اليوم الاول المحسوب من شعبان بناء على شهادتهما يكون من رجب ويومان من أول رمضان يكونان من شعبان فيبقي سبعة وعشرون ويوافق العيد اليوم الثامن والعشرين (والثالث) هب أن ذلك لا يقع أصلا لكن الققيه قد يصور ما لا يتوقع وقوعه لتشحيذا الخاطر وتحصيل الدربة في مجارى النظر واستخراج التفاريع الدقيقة والله أعلم *
قال (ولا يصلي صلاة الكسوف للزلازل وغيرها من الآيات) * ما سوى كسوف النيرين من الآيات كالزلازل والصواعق والرياح الشديدة لا يصلي له بالجماعة

(5/84)


إذ لم يثبت ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكن يستحب له الدعاء والتضرع روى عن ابن عباس رضى الله عنهما قال (ما هبت ريح قط الاجثا النبي صلي الله عليه وسلم على ركبتيه وقال اللهم اجعلها رحمة ولا تجعلها عذابا اللهم اجعلها رياحا ولا تجعلها ريحا) وكذلك يستحب لكل أحد أن يصلى منفردا لئلا يكون على غفلة ان حدثت حادثة فلذلك قال في الكتاب ولا يصلى صلاة الكسوف أي كما يصلي للكسوف ولم يقل ولا يصلى مطالقا وليكن قوله ولا يصلى

(5/85)


معلما بالالف لان عند احمد يصلي جماعة في كل آية وبالواو لانه ذكر أن الشافعي رضى الله عنه روى أن عليا رضي الله عنه صلي في زلزلة جماعة ثم قال ان صح قلت به فمن الاصحاب من قال هذا قول آخر

(5/86)


له في الزلزلة وحدها ومنهم من عممه في جميع الآيات) * * (كتاب صلاة الاستسقاء) * قال (وهى سنة عند انقطاع المياه ولو انقطع عن طائفة من المسلمين استحب لغيرهم أيضا هذه الصلاة ولا باس بتكريرها إذا تأخرت الاجابة وان سقينا قبل الصلاة خرجنا للشكر والدعاء والوعظ وهل تصلي للشكر فيه خلاف) * المراد من الاستسقاء في الباب مسألة الله تعالي سقيا عباده عند حاجتهم إليه وله أنواع (أدناها) الدعاء المجرد من غير صلاة ولا خلف صلاة اما فرادى أو مجتمعين لذلك (وأوسطها) الدعاء خلف الصلوات وفي خطبة الجمعة وهن (حو ذلك (وأفضلها) الاستسقاء بركعتين وخطبتين كما سنصفه والاخبار

(5/87)


وردت يجميع ذلك وأنكر أبو حنيفة رحمه الله استحباب النوع الثالث وقال المسنون في
الاستسقاء هو الدعاء والخطبة والصلاة لهما بدعة * لنا ما روي عن عباد بن تميم عن عمه أن رسول الله صلي الله عليه وسلم (خرج بالناس يستسقي فصلى بهم ركعتين جهر بالقراءة فيهما وحول رداءه ورفع يديه ودعا واستقبل القبلة) وعن ابن عباس رضي الله عنهما ان النبي صلي الله عليه وسلم (خرج الي المصلي متبذلا متواضعا فصلي ركعتين كما يصلى العيد) ولا فرق

(5/88)


في استحباب الاستسقاء بين أهل القرى والبوادى والامصار ولا بين المقيمين والمسافرين ويسن لهم جميعا الصلاة والخطبة له لاستواء الكل في الحاجة (وقوله) في الكتاب وهى سنة أعلم بالحاء لرجوعه إلي ترجمة الباب وهى صلاة الاستسقاء وقد حكينا عن أبي حنيفة ان الصلاة غير مسنونة وقوله عند انقطاع المياه بيان للسبب الداعي الي الاستسقاء وعمم به ما إذا انقطع المطر وما إذا غارت العيون في ناحية أو انبثقت الانهار ونحوها لحصول الضرار بجميع ذلك ولا بد من قيد في قوله عند انقطاع المياه وهو أن تمس الحاجه البها في ذلك الوقت والا فلا يستسقون ثم في الفصل مسائل (أحدها) إذا انقطع المياه عن طائفة من المسلمين استحب لغيرهم أن يصلوا ويستسقوا لهم ويسألوا الزيادة لا نفسهم روى انه صلي الله عليه وسلم قال (أرجى الدعاء دعا الاخ للاخ بظهر الغيب) وقد أثنى الله تعالي جده علي الداعين لاخوانهم بقوله (ربنا اغفر لنا ولاخواننا) (الثانية) إذا استسقوا فسقوا فذاك وان تأخرت الاجابة استسقوا وصلوا ثانيا وثالثا حتى يسقيهم الله تعالى جده فان الله يجب الملحين في الدعاء وحكى القاضي بن كج وجها آخر انهم لا يفعلون ذلك الا مرة إذ لم ينقل زيادة

(5/89)


عليها ثم علي الاول الصحيح هل يعودون من الغدام يصومون ثلاثة ايام فبل يوم الخروج كما سيأتي استحباب ذلك للخروج الاول قال في المختصر يعود ون من الغد وحكى عن القديم أنهم يقدمون صوم ثلاثة أيام واختلفوا فيهما علي طريقين منهم من قال هم (قولان) وبه قال ابن القطان وزعم انه ليس في الاستسقاء مسألة فيها قولان سوى هذه (والاول) منهما أظهر وقال الشيخ أبو حامد وغيره هما منزلان علي حالين ان لم يشق علي الناس ولم ينقطعوا عن مصالحم عادوا غدا وبعد غد وإن
اقتضي الحال التأخير اياما استأنفوا للخروج صوم ثلاثة أيام (وقوله) في الكتاب ولا بأس بتكريرها هذه الكلمة لا توجب الا نفي الخروج والكراهة لكن الذى قاله الجمهور ان التكرير مستحب نعم الاستحباب في المرة الاولي اكد (الثالثة) لو تأهبوا للخروج لصلاة الاستسقاء فسقوا قبل موعد الخروج خرجوا للوعظ والدعاء والشكر على اعطاء ما عزموا على سؤاله وهل يصلون شكرا حكي المصنف وامام الحرمين فيه وجهين (أحدهما) لا لان النبي صلي الله عليه وسلم (ما صلي هذه الصلاة إلا عند الحاجة) (وأصحهما) وهو الذى ذكره الاكثرون وحكاه المحاملي عن نصه في الام أنهم يصلون للشكر كما يجتمعون ويدعون وأجرى الوجهان فيما إذا لم تنقطع المياه وأرادوا أن يصلوا للاستزادة (وقوله) خرجنا للشكر تبين أن صلاة الاستسقاء تقام في الصحراء بخلاف صلاة الخسوف لان النبي صلى الله عليه وسلم (كان يخرج للاستسقاء الي الصحراء) أو لان الناس يكثرون فيه فلا يسعهم المسجد غالبا *

(5/90)


قال (والاحب أن يأمر الامام الناس قبل يوم الميعاد بصوم ثلاثة أيام وبالخروج من المظالم ثم يخرج بهم في ثياب بذلة وتخشع مع الصبيان والبهائم وأهل الذمة) * الفصل يشتمل علي آداب لهذا الصلاة (منها) أن يأمر الامام الناس بصوم ثلاثة أيام قبل اليوم الذى هو ميعاد الخروج وبالخروج عن المظالم في الدم والعرض والمال وبا لتقرب الي الله تعالي

(5/91)


جده بما يستطيعون من الخير ثم يخرجون في اليوم الرابع صياما ولكل واحدة من هذه الامور أثرفى اجابة الدعاء علي ما ورد في الاخبار ومنها يخرج بهم في ثياب بذلة وتخشع ولا يتزينون ولا يتطيبون لما قدمناه من حديث ابن عباس رضي الله عنهما لكن يتنظفون بالماء والسواك وما يقطع الروائح الكريهة ويخالف العيد لان ذلك يوم زينة وهذا وقت مسألة واستكانة فاللائق به التواضع ولبس

(5/92)


بذلة الثياب دون جديدها (ومنها) يستحب اخراج الصبيان والمشايخ لان دعاء هم إلى الاجابة أقرب
وكذلك اخراج من لا هيئة له من النساء وفي اخراج البهائم قصدا وجهان ذكرهما صاحب النهاية وغيره (أحدهما) لا يستحب إذ ليس لها سؤال وأهلية طلب لكن لو أخرجت فلا بأس (وأصحهما)

(5/93)


أنه يستحب اخراجها لما روى أنها تستسقى وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم انه قال (لولا رجال ركع وصبيان رضع وبهائم رتع لصب عليكم العذاب صبا) وقوله في الكتاب والبهائم جواب علي

(5/94)


هذا الوجه وادراج له في حد الاحب وليكن معلما بالواو للوجه الاول (واما) خروج أهل الذمة فقد نص الشافعي رضى الله عنه علي كراهته والمنع منه ان حضروا مستسقي المسلمين لانهم ربما كانوا سبب القحط واحتباس القطر وان تميزوا ولم يختلطوا بالمسلمين لم يمنعوا لانهم مسترزقة وقد تعجل اجابة دعاء الكافر استدراجا له وحكي القاضى الروياتي وجها آخر أنهم يمنعون وان امتازوا الا ان يخرجوا في غير يوم المسلمين وهذا يقتضى أعلام قوله وأهل الذمة بلواو على أن ايراد

(5/95)


الكتاب يقتضى ادراج الخروج بهم في حد الاحب لكن الجمهور ساكتون عنه والتفصيل في أنهم يمنعون ام لا ومن الآداب أن يذكر كل واحد من القوم في نفسه ما فعل من خير فيجعله شافعا ومن الآداب أن يستسقي بالاكابر واهل الصلاح سيما من اقارب رسول الله صلي الله عليه وسلم

(5/96)


(استسقي عمر بالعباس ومعاوية بيزيد بن الاسود رضي الله عنهم * قال (ويصلي بهم ركعتين كصلاه العيد ويقرأ في احدى الركعتين انا أرسلنا نوحا) * قد روينا عن ابن عباس رضي عنهما أن رسول الله صلي الله عليه وسلم (صلي ركعتين كما يصلي العيد) وفي رواية صنع في الاستسقاء ما صنع في الفطر والاضحى) فينبغي أن ينادى لها الصلاة جامعة ويكبر في الاولى سبع تكبيرات زائدة وفي الثانية خمسا ويجهر فيهما بالقراءة ويقرأ في الاولي سورة ق وفي الثانية اقتربت وعن بعض الاصحاب أنه يقرأ في احدى الركعتين (انا أرسلنا) حكاه الصيد لانى
وغيره وهو المذكور في الكتاب ولتكن تلك الركعة هي الثانية ويقرأ في الاولي ق رعاية لنظم السور وهكذا حكاه في التهذيب ثم روى المحاملى عن لفظ الشافعي رضي الله عنه أنه يقرأ فيها ما يقرأ في العيدين وان قرأ (انا أرسلنا) كان حسنا وهذا يشعر بانه لا خلاف في المسألة وان كلا

(5/97)


سائغ ومنهم من اثبت خلافا في أن الاحب ماذا وقال (الاصح) أنه يقرأ فيها ما يقرأ في العيد وعلى هذه الطريقة اعلم قوله (انا ارسلنا) بالواو وسبب تعيين هذه السورة انا لائقة بالحال لما فيها من ذكر الاستسقاء قال الله تعالي جده (فقلت استغفروا ربكم انه كان غفارا يرسل السماء عليكم مدرارا) (واما) وقت اقامة هذه الصلاة فمنهم من قال هي كصلاة العيد في الوقت لان النبي صلي الله عليه وسلم (صلاها في هذا الوقت) وهذا ما ذكره صاحب التهذيب وحكاه الامام عن الشيخ ابى علي واستغر به وذكر الروياني وآخرون ان وقتها يبقي بعد الزوال ما لم يصل العصر ولك ان تقول قدمنا وجهين ذكر هما الائمة في أن صلاة الاستسقاء هل تكره في أوقات الكراهية أم لا ومعلوم أن الاوقات المكروهة غير داخلة في وقت صلاة العيد ولا فيه مع انضمام ما بين الزوال والعصر إليه فيلزم أن لا يكون وقت الاستسقاء منحصرا في ذلك وليس لحامل أن يحمل الوجهين في أوقات الكراهية على قضائها فان صلاة الاستسقاء لا تقضي وقد صرح صاحب التتمة بان صلاة الاستسقاء لا تختص بوقت دون وقت بل أي وقت صلاها من ليل أو نهار جاز وقوله ويصلى ركعتين معلم بالحاء لما سبق انه لا تستحب الصلاة وقوله كصلاة العيد بالميم والالف لان عند مالك ليس في هذه الصلاة تكبير.
زائد وبه قال أحمد في رواية * قال (ثم يخطب كخطبة العيد ولكن يبدل التكبيرات بالاستغفار ثم يبالغ في الدعاء في الخطبة

(5/98)


الثانية ويستقبل القبلة فيهما ويحول رداءه تفاؤلا بتحويل الحال فيقلب الاعلي الي الاسفل واليمين إلي اليسار والظاهر إلى الباطن ويتركه كذلك إلى ان ينزع ثيابه) * قوله ثم يخطب مرقوم بالالف لان عنده لا خطبة لصلاة الاستسقاء ولكن يدعوا لامام ويكثر
في دعائه من الاستغفار وهو مخير بين أن يدعو قبل الصلاة أو بعدها وعند يخطب له لما روى ابن عباس رضى اللله عنهما أن النبي صلي الله عليه وسلم (صنع في الاستسقاء كما صنع في العيد) وعن أبي هريرة رضي الله عنه أنه صلى الله عليه وسلم (خرج إلى الاستسقاء فصلى ركعتين وخطب) إذا ثبت ذلك

(5/99)


فينبغي أن يخطب خطبتين وهما في الاركان والشرائط كما تقدم ويبدل التكبيرات المشروعة في أول خطبتى العيد بالاستغفار فيقول (استغفر الله الذى لا إله إلا هو الحى القيوم واتوب إليه) ويختم كلامه بالاستغفار أيضا ويكثر منه في الخطبة ومن قول (استغفروا ربكم انه كان غفارا يرسل المساء عليكم مدرارا) ويجوز أن يعلم قوله يبدل التكبيرات بالاستغفار بالواو لان صاحب البيان حكى عن المحاملى انه يكبر في أول الخطبتين كما يكبر في أول خطبتى العيد وقوله لكن يبدل استدراك واستثناء عن تشبيه هذه الخطبة بخطبة العيد لكن افتراقهما غير منحصر فيه بل يفترقان في أمور أخر (منها) أنه يستقبل القبلة في الخطبة الثانية كما سنذكر (ومنها) أن يدعوا في الاول بما روي عن ابن عمر رضى الله عنهما أن النبي صلي الله عليه وسلم (كان إذا استسقى قال اللهم اسقنا غيثا معيثا هنيئا مريئا مريعا غدقا مجللا سحا طبقا دائما اللهم استقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين اللهم ان بالعباد والبلاد من اللاواء والجهد والضنك ما لا نشكوا الا اليك اللهم انبت لنا الزرع وأدر لنا الضرع واسقنا من بركات السماء وانبت لنا من بركات الارض اللهم ارفع عنا الجهد والجوع والعرى واكشف عنا من البلاء ما لا يشفه غيرك اللهم انا نستغفرك انك كنت غفارا فارسل السماء علينا مدرارا) ويكون في الخطبة الاولى وصدر

(5/100)


الثانية مستقبلا للناس مستدبرا للقبلة كما في الجمعة والعيد ثم يستقبل القبلة ويبالغ في الدعاء سرا وجهرا قال لله تعالي جده (ادعوا ربكم تضرعا وخفية) وإذا أسر دعا الناس سرا ورفعوا أيديهم في الدعاء

(5/101)


وقد روى عن أنس رضى الله عنه أن النبي صلي الله عليه وسلم (استسقي فاشار بظهر كفيه الي السماء) قال العلماء وهكذا السنة من دعا لدفع البرء جعل ظهر كفيه الي السماء وإذا سأل الله تعالى شيئا جعل بطن
كفه إلى السماء قال الشافعي رضي الله عنه وليكن من دعائم في هذه الحالة اللهم انت امرتنا بدعائك ووعدتنا اجابتك وقد دعوناك كما امرتنا فاجبنا كما وعدتنا اللهم فامنن ععلينا بمغفرة ما قارفنا وإجابتك في سقيانا وسعة رزقنا وقوله في الكتاب ويستقبل القبلة فيها ربما أوهم استحباب الاستقبال في جميعها وليس كذلك بل المراد أنه يستقبل القبلة في أثنائها ثم إذا فرغ من الدعاء مستقبلا أقبل بوجهه علي الناس وحضهم على طاعة ربهم ويصلوا علي النبي صلي الله عليه وسلم وسلم ويدعو المؤمنين والمؤمنات ويقرأ آية أو آيتين ويقول استغفر الله لي ولكن ثم ينزل هذا لفظ الشافعي رحمه الله ويستحب عند تحوله إلى القياسم أن يحول رداءه وهل ينكسه مع التحويل فيه قولان (الجديد) نعم (والقديم) لا وبه قال مالك واحمد وعند أبى حنيفة رحمهم الله لا يفعل واحدا منهما والتحويل أن يجعل ما علي عاتقه الايمن

(5/102)


على عاتقه الايسر وبالعكس والتنكيس أن يجعل أعلاه أسفله وبالعكس اما التحول فهو منقول عن فعل رسول الله صلي الله عليه وسلم واما التنكيس فقد نقل انه هم به لكن كان على خميصة فثقلت عليه فقلبها من الاعلى الي الاسفل فرأى الشاقعي رضي الله عنه في الجديد اتباعه فيما هم به لظهور السبب الداعي الي الترك ومتي جعل الطرف الاسفل الذى علي شقه الايسر على عاتقه الايمن والطرف الاسفل الذي علي شقه الايمن علي عاتقه الايسر فقد حصل التحويل والتنكيس جميعا وهذا كله في الرداء المربع فاما المقور والمثلث فليس فيه الا التحويل والناس يفعلون بارديتهم مثل ما فعل الامام والسبب في ذلك التفاؤل بتحويل الحال من الجدوبة إلي الخصب وكان النبي صلي الله عليه وسلم يحب التفاؤل وإذا حولوا الاردية تركوهها كذلك الي ان ينزعوا الثياب (وقوله) ويحول رداءه مرقوم بالحاء لما ذكرنا وقوله فيقلب مرقوم به أيضا وبالميم والالف والواو للقول القديم الصائر الي انه لا يقلب الا على إلى الاسفل وهذا الكلام تفسير منه للتحويل والتنكيس مندرج فيه فقد

(5/103)


أخذ في التفسير قلب الظاهر إلي الباطن وإنما قلد فيه امام الحرمين رحمه الله فانه حكي عن الجديد أنه يقلب اسفل الرداء الي الاعلى ويقلب ما كان من جانب اليمين إلى اليسار ويقلب ما كان باطنا
يلى الثياب منه إلى الظاهر فتحصل ثلاثة أوجه من التقليب (وأعلم) أن هذا الوجه الثالث لم يذكره الجهور وليس في لفظ الشافعي رضي الله عنه تعرض له والوجه حذفه لان الامور الثلاثة لا يمكن اجتماعها الا بوضع ما كان منسد لا علي الرأس أو لفه عليه ومعلوم أن هذه الهيئة غير مأمور بها وليست هي من الارتداء في شئ وفيما عدا ذلك لا يجتمع من الامور الثلاثة الا اثنان أما قلب اليمين إلى اليسار مع قلب الظاهر الي الباطن أو قلب اليمين إلي اليسار مع قلب الاعلي الي الاسفل أو قلب الظاهر إلى الباطن مع قلب الاعلى إلى الاسفل فان شككت فيه فجربه يزل شكك