فتح العزيز بشرح الوجيز = الشرح الكبير

 (كتاب الشركة)
قال (شركة العنان معاملة صحيحة وأركانها ثلاثة (الاول) العاقدان ولا يشترط فيهما الا أهلية التوكيل والتوكل فان كل واحد متصرف في مال نفسه ومال صاحبه باذنه) * عن أبي هريرة رضى الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال (يقول الله تعالى انا ثالث الشريكين ما لم يخن أحدهما صاحبه فإذا خانه خرجت من بينهما) يعني ان البركة تنزع من ماليهما وروى (ان السائب كان شريك النبي صلى الله عليه وسلم قبل المبعث وافتخر بشركته بعد المبعث فلم ينكر عليه وأن البراء بن عازب وزيد بن أرقم كانا شريكين) واعلم أن كل حق ثابت بين شخصين فصاعدا على الشيوع يقال انه مشترك بينهم وذلك
__________
(كتاب الشركة) (حديث) أبى هريرة أن رسول الله صلى الله عليه سلم قال يقول الله تعالى أنا ثالث الشريكين ما لم يخن؟ أحدهما صاحبه فا؟ اخان أحد هما صاحبه خرجت من بينهما أبو داود من حديث أبى هريرة وصححه الحاكم وأعله ابن القطان بالجهل بحال سعيد بن حيان والد ابى حيان وقد ذكره ابن حبان في الثقات وذكر أنه روى عنه أيضا الحرث بن يزيد لكن أعله الدارقطني بالارسال فلم يذكر فيه ابا هريرة وقال إنه الصواب ولم يسنده غير ابن همام بن الزبر قان وفي الباب عن حكيم بن حزام رواه أبو القاسم الاصبهاني في الترغيب والترهيب * (حديث) أن السائب بن يزيد كان شريك النبي صلى الله عليه وسلم قبل المبعث وافتخر بشركته بعد المبعث كذا وقع عنده وقوله بن يزيد وهم وإنما هو السائب بن أبى السائب رواه ابو داود والنسائي وابن ماجه والحاكم عنه إنه كان شريك النبي صلى الله عليه وسلم في أول الاسلام في التجارة فلما كان يوم الفتح قال مرحبا باخى وشريكي لا يدارى ولا يمارى لفظ الحاكم وصححه ولابن ماجه كنت شريكا في الجاهلية ورواه أبو نعيم في المعرفة والطبراني في الكبير من طريق قبس = >

(10/404)


ينقسم إلى ما لا يتعلق بمال كالقصاص وحد القذف وكمنفعة كلب الصيد المتلقى من مورثهم والى ما يتعلق بمال وذلك اما عين مال ومنفعة كما لو غنموا مالا أو اشتروه أو ورثوه (واما) مجرد المنفعة كما لو استأجروا عبدا أو وصى لهم بمنفعة كما لو ورثوا عبدا موصى بمنافعه (واما) حق يتوصل به إلى مال كالشفعة الثابتة بجماعة وكل شركة اما أن تحدث بلا اختيار كما في الارث أو باختيار في الشراء وليس مقصود الباب الكلام في كل شركة بل في الشركة التى تحدث باختيار ولا في كل ما تحدث بالاختيار بل في التى تتعلق بالتجارات وتحصيل الفوائد والارباح وهى اربعة أنواع (منها) شركة العنان ومما أخذت اللفظة (قيل) من عنان الدابة اما لاستواء الشريكين في ولاية الفسخ والتصرف واستحقاق الربح على قدر رأس المال كاستواء طرفي العنان (واما) لان الآخذ بعنان الدابة حبس إحدى يديه على العنان والاخرى مطلقة يستعملها كيف شاء كذلك الشريك منع بالشركة نفسه عن التصرف في المشترك كما يشتهى وهو مطلق اليد والتصرف في سائر أمواله (وقيل) هي من قولهم عن الشئ إذا ظهر اما لانه ظهر لكل واحد منهم مال صاحبه وأما لانه أظهر وجوه الشركة ولذلك اتفقوا على صحتها وقيل من المعانة وهى المعاوضة لان كل واحد منهما يخرج ماله في معاوضة اخراج الآخر ثم تكلم صاحب الكتاب على عادته في أركان هذه الشركة ثم في أحكامها (فاحدها) المتعاقدان والمعتبر فيهما أهلية التوكيل والتوكل على ما سيذكر في باب الوكالة فان كل واحد من الشريكين متصرف في جميع المال في ماله بحق الملك وفى غيره بحق اذنه فهو وكيل عن صاحبه وموكل له بالتصرف وتكره مشاركة الذمي ومن لا يحترز عن الربا * قال (الثاني الصيغة وهى ما تدل على الاذن في التصرف والاظهر أنه يكفى قولهما اشتركتا إذا كان يفهم المقصود منه عرفا) *
__________
= > ابن السائب وروى أيضا عن عبد الله بن السائب قال أبو حاتم في العلل وعبد الله ليس بالقويم

(10/405)


لا بد من لفظ يدل على الاذن في التصرف والتجارة فان اذن كل واحد منهما لصاحبه صريحا فذاك ولو قالا اشتركنا واقتصر عليه فهل يكفى ذلك لتسطلهما على التصرف من الجانبين فيه وجهان (أحدهما)
ويحكى عن أبى على الطبري نعم لفهم المقصود عرفا وبهذا قال أبو حنيفة (والثانى) لا لقصور اللفظ عن الاذن واحتمال كونه اخبارا عن حصول الشركة في المال ولا يلزم من حصول الشركة جواز التصرف الا ترى أنهما لو ورثا مالا لا يتصرف فيه أحدهما الا باذن صاحبه والوجه الاول أظهر عند صاحب الكتاب (والثانى) أصح عند القاضى ابن كج وصاحب التهذيب والاكثرين ولو أذن أحدهما للآخر في التصرف في جميع المال ولم يأذن الآخر تصرف المأذون في جميع المال ولم يتصرف الآخر الا في نصيبه وكذا لو أذن لصاحبه في التصرف في الجميع وقال أنا لاتصرف الا في نصيبي ولو شرط أحدهما على الآخر أن لا يتصرف في نصيبه لم يصح العقد لما فيه من الحجر على المالك في ملكه ثم ينظر في المأذون فيه ان عين جنسا لم يصح تصرف المأذون في نصيب الآذن من غير ذلك الجنس وان قال تصرف واتجر فيما شئت من أجناس الاموال جاز وفيه وجه أنه لا يجوز الاطلاق بل لا بد من التعيين *

(10/406)


قال (الثالث المال واشارة النص إلى أنه لا بد وأن يكون نقدا كالقراض لان مقصوده التجارة والا قيس أنه يجوز في كل مال مشترك * والاشتراك بالشيوع هو الاصل ويقوم مقامه الخلط الذى يعسر معه التمييز فانه يوجب الشيوع * ولا يكفى (ح) خلط الصحيح بالقراضة * ولا السمسم بالكتان * ولا عند (ح) اختلاف السكة * وكذا (ح) كل اختلاف يمكن معه التمييز فان الشيوع لا يحصل معه * وليتقدم (ح) الخلط على العقد * فلو تراخى ففيه خلاف * ولا يشترط (و) تساوى المالين في القدر ولا العلم بالمقدار حالة العقد) * الركن الثالث المال المعقود عليه وفيه مسائل (احداها) لا خلاف في جواز الشركة في النقدين (وأما) سائر الاموال فالمتقومات لا تجوز الشركة عليها وفى المثليات قولان وقيل يقال وجهان (أحدهما) المنقول عن رواية البويطى وأبى حنيفة أنه لا يجوز كما لا يجوز في المتقومات وكما لا يجوز القراض الا في النقدين (وأصحهما) وبه قال ابن سريج وأبو إسحق يجوز لان المثلى إذا اختلط بجنسه ارتفع معه التمييز فاشبه النقدين وليس المثلى كالمتقوم لانه لا يمكن الخلط في المتقومات وربما يتلف مال أحدهما ويبقى مال الآخر فلا يمكن الاعتداد بتلفه عنهما وفى المثليات يكون التالف بعد
الخلط تالفا عنهما جميعا ولان قيمتهما ترتفع وتنخفض وربما تنقص قيمة مال احدهما دون الآخر وتزيد فيؤدى إلى ذهاب الربح في رأس المال أو دخول بعض رأس المال في الربح ويخالف القراض لان حق العامل محصور في الربح فلا بد من تحصيل رأس المال لتوزيع الريح وفى الشركة لا حاجة بل كل المال موزع عليهما على قدر ماليهما ولفظ النقدين عند اطلاقنا تجوز الشركة فيهما نعنى به الدراهم والدنانير المضروبة وأما غير المضروبة من التبر والحلى والسبائك فقد أطلقوا منع الشركة فيها وبمثله أجاب

(10/407)


القاضى الرويانى في الدراهم المغشوشة وحكى فيها خلاف ابى حنيفة لكن يجوز بناء الحكم في التبر على انه مثلى أم لا وفيه خلاف ستعرفه ومأخذه في كتاب الغصب فان جعل متقوما لم تجز الشركة عليه والا ففيه الخلاف في المثليات (وأما) الدراهم المغشوشة فقد حكى صاحب التتمة في جواز القراض عليها خلافا مبنيا على جواز التعامل بها فقد الحقنا المغشوش بالخالص فإذا جاء الخلاف في القراض ففى الشركة أولى على أن صاحب العدة ذكر أن الفتوى أنه تجوز الشركة فيها إذا استمر في البلد رواجها * واعلم أن ما ذكرنا في المسألة من تجويز الشركة ومنعها نريد فيما إذا أخرج هذا قدرا من ماله وذاك قدرا جعلاهما رأس المال ويمكن فرض الشركة على غير هذا الوجه في جميع الاموال على ما سيأتي (المسألة الثانية) إذ أخرج رجلان كل واحد منهما قدار من المال الذى تجوز الشركة فيه فارادا الشركة فلا بد أن يخلطا المالين لا يتأتى معه التمييز والا فلو تلف مال أحدهما قبل التصرف تلف على صاحبه ويقدر اثبات الشركة في الباقي فلا تجوز الشركة عند اختلاف الجنس ان يكون من أحدهما دراهم والآخر دنانير ولا عند اختلاف الصفة كما إذا اختلفت السكة أو أخرج احدهما صحاحا والآخر مكسرة أو صحاحا متقومة أو أخرج أحدهما دراهم عتيقة أو بيضاء والاخر جديدة أو سوداء وفى البيض والسود وجه عن الاصطخرى وإذا جوزنا الشركة في المثليات وجب تساويهما جنسا ووصفا أيضا فلا تكفى خلطة الحنطة البيضاء بالحمراء لامكان التمييز وان عسر وعن الشيخ أبى على أن الاستاذ أبا اسحق ذكر وجها في الاكتفاء به لعد الناس مثل ذلك خلطا وينبغى أن يقدم الخلط على العقد والاذن فان تأخر فالاظهر المنع إذ لا اشتراك عند العقد (والثانى) يجوز إذا وقع في مجلس العقد لان
المجلس كنفس العقد فان تأخر لم يجر على الوجهين ومال الامام رحمه الله إلى تجويزه لما سبق أن

(10/408)


الشركة توكيل وتوكل ولو وجد التوكيل والتوكل والملكان متميزان ثم فرض الاختلاط لم تنقطع الوكالة نعم لو قيد الاذن بالتصرف في المال المنفرد فلا بد من تجديد الاذن ولو ورثا عروضا أو اشترياها فقد ملكاها شائعة وذلك أبلغ من الخلط بل الخلط انما اكتفى به لافادة الشيوع فإذا انضم إليه الاذن في التصرف تم العقد ولهذا قال المزني والاصحاب الحيلة في الشركة في العروض المتقومة ان ايبيع كل واحد منهما نصف عرضه بنصف عرض صاحبه تجانس العرضان أو اختلفا ليصير كل واحد منهما مشتركا بينهما فيتقابضان ويأذن كل واحد منهما لصاحبه في التصرف وفى التتمة أنه يصير العرضان مشتركين ويملكان التصرف بحكم الاذن الا أنه لا تثبت أحكام الشركة في الثمن حتى يستأنفا عقدا وهو ناض وقضية اطلاق الجمهور ثبوت الشركة واحكامها على الاطلاق وهو المذهب ولو لم يتبايعا العرضين ولكن باعاهما بعرض أو نقد ففى صحة البيع قولان قد مر ذكرهما في تفريق الصفقة ويعودان باكثر من ذلك الشرح في الصداق فان صاحب الكتاب ذكر المسألة هناك

(10/409)


فان صححنا كان الثمن مشتركا بينهما إما على التساوى أو التفاوت بحسب قيمة الغرضين فاذن كل واحد منهما للآخر في التصرف (الثالثة) ظاهر المذهب أنه لا يشترط تساوى المالين في القدر بل تثبت الشركة مع التفاوت على نسبة المالين وعن الانماطى أنه يشترط التساوى لان الربح يحصل بالمال والعمل وكما لا يجوز الاختلاف في الربح مع تساوى المالين لا يجوز الاختلاف في الربح مع التساوى في العمل وهل يشترط العلم حالة العقد بمقدار النصيبين بأن يعرف أن المال بينهما نصفان أو على نسبة أخرى فيه الوجهان (أظهرهما) أنه لا يشترط إذا أمكن معرفة من بعد وهو المذكور في الكتاب ومأخذ الخلاف انه إذا كان بين رجلين مال مشترك وكل واحد منهما جاهل بقدر حصته فاذن كل واحد متهما لصاحبه في التصرف في جميع المال أو في نصيبه هل يصح الاذن فيه وجهان (أحدهما) لا لانه لا يدرى فيما يأذن والمأذون لا يدرى ماذا يستفيد بالاذن (وأظهرهما) نعم لان الحق
لا يعدوهما وقد تراضيا وعلى هذا تكون الاثمان بينهما مبهمة كالمثمنات (واما) لفظ الكتاب فقوله

(10/410)


واشارة النص الا أنه لا بد وأن يكون نقدا يجوز حمله على ما قدمنا ذكره في رواية البويطى رحمه الله الا أن الظاهر انه قصد به ما ذكره الامام من أن منقول المزني المنع والمراد منه قوله في المختصر والذى يشبه مذهب الشافعي رضى الله عنه أن الشركة لا تصح في العروض ولا فيما يرجع عند المفاضلة إلى قيمته وهذا له اشعار بالمنع لكن بعضهم حمل لفظ العروض على المتقومات وعلى هذا الكلام ذهاب إلى

(10/411)


جواز الشركة في المثليات لانه يرجع عند المفاضلة إلى مثله لا إلى القيمة (وقوله) والاقيس أنه يجوز في كل مال مشترك أي عروض كانت أو غيرها وأراد بالمشترك ما يثبت فيه الحقان على الشيوع وذلك تارة يثبت ابتداء كما في الموروث بالخلط الدافع للتمييز لايجابه الشيوع ولو كان لهما ثوبان والتبسا عليهما لم يكف ذلك لعقد الشركة فان المالين متميزان وإنما أبهم الامر بينهما (وقوله) فلو تراخا ففيه خلاف والاشبه أنه لم يرد به الوجهين فيما إذا وقع الخلط في المجلس وانما أراد اقامة وجهين مما ذكره المعظم ومال إليه الامام رحمه الله لانه لم يتعرض للمجلس ههنا ولا في لوسيط ولاله ذكر في النهاية *

(10/412)


(فرع) قال أصحابنا العراقيون ومن تابعهم إذا جوزنا الشركة في المثليات فان استوت القيمتان كانا شريكين على السواء وان اختلفا كما إذا كان لاحدهما كرحنطة قيمته مائة والآخر قيمته خمسون فهما شريكان الثلثين والثلث وهذا مبني على قطع النظر في المثليات عن تساوى الاجزاء في القيمة والا فليس هذا الكر مثلا فذلك الكر والكلام في المثليات مستوفى في الغصب * (فرع) لاحدهما دنانير ولآخر دراهم وابتاعا شيئا بهما يقوم ما ليس بنقد البلد منهما بما هو نقد البلد فان استويا في القيمة فالشركة علي التساوى والا فعلى الاختلاف * قال (ولا تصح شركة الابدان (م ح) وهى شركة الدلالين والحمالين إذ كل واحد متميز
بملك منفعته فاختص بملك بدلها، ولا شركة المفاوضة (ح م) وهى أن يشتركا فيما يكتسبان من مال ويلتزمان من غرم بغصب أو بيع فاسد إذ كل من اختص بسبب اختص بحكمه غرما وغنما *

(10/413)


ولا شركة الوجوه (ح) وهى أن يبيع الوجيه مال الخامل بزيادة ربح ليكون له بعضه * بل كل الثمن لمالك المثمن * وله أجر المثل) * غرض الفصل الكلام فيما سوى شركة العنان من الشرك وهى ثلاثة (أحدها) شركة الابدان وهى أن يشترك الدلالان أو الحمالان أو غيرهما من المحترفة على ما يكتسبان ليكون بينهما على تساو أو تفاوت وهى باطلة سواء اتفقا في الصنعة أو اختلفا كالخياط والنجار لان كل واحد منهما مميز ببدنه ومنافعه فيختص بفوائده وهكذا لو اشتركاه في ماشيتهما وفى متميزة ليكون الدر والنسل بينهما فانه لا يصح وعند أبى حنيفة يصح اتفقت الصنعتان أو اختلفتا وعن صاحب التقريب أن لبعض الاصحاب وجها كمذهبه وقال مالك رحمه الله تصح بشرط اتحاد الصنعة وسلم أبو حنيفة

(10/414)


ومالك أنه لا تجوز الشركة في الاصطياد والاحتطاب وأحمد جوزهما أيضا وإذا قلنا بظاهر المذهب وهو البطلان فإذا اكتسبا شيئا نظر إن انفرد عمل أحدهما عن الآخر فلكل واحد منهما كسبه وإلا فالحاصل مقسوم بينهما علي قدر أجرة المثل لا كما شرط (الثانية) شركة المفاوضة وهى أن يشتركا ليكون بينهما ما يكتسبان ويربحان ويلزمان من غرم ويحصل لهما من غنم وهى باطلة خلافا لابي حنيفة رحمه الله حيث قال تصح بشرط أن يستعملا لفظ المفاوضة فيقولا تفاوضنا أو اشتركنا شركة المفاوضة وإن استويا في الدين والحرفة فلو كان أحدهما مسلما والآخر ذميا أو أحدهما حرا والاخر مكاتبا لم يصح وإن استويا في قدر رأس المال وأن لا يملك واحد منهما من جنس رأس المال الا ذلك القدر ثم حكمها عنده أن ما اشتراه أحدهما يقع مشتركا إلا ثلاثة أشياء قوت يومه وثياب بدنه وجارية يتسرى بها وإذا ثبت لاحدهما شفعة شارك صاحبه وما ملكه أحدهما بارث أو هبة لا يشاركه الآخر فيه فان كان فيه شئ من جنس رأس المال فسدت شركة المفاوضة وانقلبت إلى شركة العنان وما لزم احدهما بغصب أو بيع فاسد
أو اتلاف كان مشتركا الا الجناية على الحر وكذا بدل الخلع والصداق إذا لزم أحدهما لم يؤاخذ به الآخر ووجه المذهب في المسألة ظاهر قال الشافعي رضى الله عنه في اختلاف العراقيين ولا أعرف شيئا في الدنيا يكون باطلا ان لم تكن شركة المفاوضة باطلة يعني لما فيها من أنواع الغرر والجهالة الكثيرة

(10/415)


(فرع) لو استعملا لفظ المفاوضة وأراد اشركة العنان جاز نص عليه وهذا يقوى تصحيح العقود بالكنايات (الثالثة) شركة الوجوه وقد فسرت بمعان (أشهرها) أن صورتها أن يشترك رجلان وجيهان عند الناس ليبتاعا في الذمة إلى أجل على أن ما يبتاعه كل واحد منهما يكون بينهما فيبتعاه ويؤديا الاثمان فما حصل فهو بينهما (والثانى) أن يبتاع وجيه في الذمة ويفوض بيعه إلى خامل وشرط أن يكون الربح بينهما (والثالث) أن يشترك وجيه لا مال له وخامل ذو مال ليكون العمل من الوجيه والمال من الخامل ويكون المال في يده ولا يسلمه إلى الوجيه والربح بينهما وهذا تفسير القاضى ابن كج والامام ويقرب منه ما ذكره صاحب الكتاب وهو أن يبيع الوجيه مال الخامل بزيادة ربح ليكون بعض الربح له وهي على المعاني باطلة إذ ليس بينهما مال مشترك يرجع إليه عند المفاصلة ثم ما نشتريه أحدهما في الصورة الاولى والثانية فهو له يختص به وربحه وخسر انه ولا يشاركه فيه الاخر الا إذا كان قد صرح بالاذن في الشراء بما هو شرط التوكيل في الشراء وقصد المشترى توكيله وعند

(10/416)


أبى حنيفة رحمه الله يقع المشترى مشتركا بمجرد الشركة وان لم يوجد قصد من المشتري ولا اذن من صاحبه (وأما) الصورة الثالثة فهى ليست بشركة في الحقيقة وانما هي قراض فاسد لاستبداد المالك باليد فان لم يكن المال نقدا زاد الفساد وجها آخر وأما ما أورده في الكتاب فحاصله الاذن في البيع بعوض فاسد فيصح البيع من المأذون ويكون له أجرة المثل وجميع الثمن للمالك واعلم أنه انما عقب أركان شركة العنان بذكر أنواع الشركة الفاسدة لانه قد تبين في خلال الاركان اشتراط شيوع رأس المال وارتفاع التمييز فأراد الاشارة إلى فساد هذه الانواع لاختلال هذا الشرط وتميز ما هو رأس المال فيها أو ما هو في شبه رأس المال ويتعلق بهذه القاعدة صور اخر مغصوصة؟ في البويطى (منها)

(10/417)


لواحد بغلة ولآخر راوية تشار كامع ثالث ليسقى الثالث الماء ويكون الحاصل بينهم؟ فهو فاسد لانها منافع أبدان متميزة فلو جروا عليه وأسقى الثالث الماء فلمن يكون الماء نقل صاحب التخليص وآخرون فيه اختلاف قول ولم يحمد المعظم تلك الطريقة وانما ارتضوا تفصيلا ذكره ابن سريج وهو ان كان الماء مملوكا للمستقى أو مباحا لكنه قصد به نفسه فهو له وعليه لكل واحد من صاحبيه أجرة المثل أيضا وان قصد به الشركة فهو على الخلاف في جواز النيابة في تملك المباحات وسنذكره في الوكالة فان لم تجوز فهو للمستقى وعليه أجرة المثل لصاحبه أيضا وان جوزنا وهو الاصح فالماء بينهم وفى كيفية الشركة وجهان (أحدهما) أنه يقسم بينهم على نسبة أجور أمثالهم لانه حصل بالمنافع المختلفة وهذا

(10/418)


ما أورده الشيخ أبو حامد ويحكى عن نصه في البويطى (وأصحهما) عند الشيخ أبى علي ولم يورد القفال غيره انه يقسم بينهم بالسوية اتباعا لقصده فعلى هذا للمستقى أن يطالب كل واحد من صاحبيه بثلث أجرة منفعته لانه لم ينصرف منها إليه الا الثلث وكذلك يرجع كل واحد من صاحبي البغلة والزاوية على كل واحد من الاخير والمستقى بثلث أجرة منفعة ملكه وعلى الوجه الاول لا تراجع بينهم في الاجرة ولو استأجر رجل راويته من صاحبها والبغلة من صاحبها والمستقى يحمل الماء وهو مباح نظر ان انفرد كل واحد بعقد صح والماء للمستأجر وان جمع بين الكل في عقد واحد ففى صحة الاجارة قولان كما لو اشترى عرضا لرجل وعرضا لآخر منهما يثمن؟ واحد ان صححنا وزعت الاجرة المسماة على أجور

(10/419)


الامثال والا فلكل واحد أجرة المثل عليه ويكون الماء للمستأجر صححنا الاجارة أو أفسدناها (أما) إذا صححناها فظاهر (وأما) إذا أفسدناها فلان منافعهم مضمونة بأجرة المثل ذكره الامام فان نوى المستقى نفسه وفرعنا على فساد الاجارة فعن الشيخ أبى على أنها تكون للمستأجر أيضا وتوقف الامام فيه لان منفعته غير مستحقة للمستأجرين وقد قصد نفسه فليكن الحاصل له وموضع القولين ما إذا وردت الاجارة على عين المستقي والبغلة والراوية فأما إذا ألزم ذمتهم نقل الماء صحت الاجارة
لا محالة إذ ليست ههنا اعيان مختلفة يفرض جهالة في أجورها وانما على كل واحد منهم ثلث العمل (ومنها) لو اشترك أربعة لاحدهم بيت ولآخر حجر رحا ولآخر بغلة تديره والرابع يعمل في الرحا على

(10/420)


أن الحاصل من أجرة الطحن بينهم فهو فاسد ثم إن أستأجر مالك الحنطة العامل والآلات من مالكها وأفرد كل واحد بعقد لزمه ما سمى لكل واحد مهنم وان جمع بين الكل في عقد واحد فان ألزم ذمتهم الطحن صح العقد وكانت الاجرة بينهم أرباعا يتراجعون بأجرة المثل لان المنفعة المملوكة لكل واحد منهم قد استوفى ربعها حيث أخذ ربع المسمى وانصرف ثلاثة أرباعها إلى أصحابه يأخذ منهم ثلاثة أرباع أجرة المثل وان استأجر عين العامل وأعيان الآلات ففيه القولان المذكوران في أن الصورة السابقة إن أفسدنا الاجارة فلكل واحد أجرة مثله وان صححناها وزع المسمى عليهم ويكون التراجع بينهم على ما سبق وان ألزم المالك للحنطة ذمة العامل الطحن لزمه وعليه إذا استعمل

(10/421)


مالاصحابه أجرة المثل لهم إلا أن يستأجرها بعقد صحيح فعليه للمسمى (ومنها) لواحد البذر ولآخر آلة الحرث ولآخر الارض واشتركوا مع رابع ليعمل ويكون الزرع بينهم فالزرع لصاحب البذر وعليه لاصحابه أجرة المثل قال في التتمة فلو أصاب الزرع آفة ولم يحصل من الغلة شئ فلا شئ لهم لانهم لم يحصلوا له شيئا ولا يخفى عدول هذا الكلام عن القياس الظاهر * قال (وحكم الشركة تسليط كل واحد على التصرف بشرط الغبطة مع الجواز حتى يقدر كل واحد على العزل * وتنفسخ بالجنون والموت) * هذا أول القول في أحكام الشركة والفصل ينظم حكمين (أحدهما) أن الشركة بالمعني المعقود لهذا الباب إذا تمت ووجد الاذن من الطرفين تسلط كل واحد من الشريكين على التصرف وسبيل تصرف الشريك كسبيل تصرف الوكيل فلا يبيع نسيئة ولا بغير نقد البلد ولا يبيع ولا يشترى بالغبن الفاحش إلا إذا اذن الشريك فان خالف وباع بالغبن الفاحش لم يصح في نصيب الشريك

(10/422)


وفى نصيبه قولا تفريق الصفقة إن لم نفرقها بقى المبيع على ملكهما والشركة بحالها وان فرقناها انفسخت الشركة في المبيع وصار مشتركا بين المشترى والشريك الذى بطل في نصيبه وان اشترى بالغبن نظر ان اشترى بعين مال الشركة فهو كما لو باع وان اشترى في الذمة لم يقع وعليه توفير الثمن من خالص ماله * وليس لاحدهما أن يسافر بمال الشركة ولا أن يبضعه بغير اذن صاحبيه فان فعل ضمن (الثاني) الشركة جائزة ولكل واحد منهما فسخها متى شاء لما سبق أن حقيقتها التوكل فلو قال أحدهما للآخر عزلنك عن التصرف أولا تتصرف في نصيبي انعزل المخاطب ولا ينعزل العازل عن التصرف في نصيب المعزول ولو قال فسخت الشركة انفسخ العقد قال الامام ينعزلان عن التصرف لارتفاع العقد وأشار إلى أن ذلك مجزوم به لكن صاحب التتمة ذكر ان انعزالهما مبنى على أنه يجوز التصرف بمجرد عقد الشركة أم لا بد من التصريح بالاذن (ان قلنا) بالاول فإذا ارتفع العقد انعزلا (وان قلنا) بالثاني وكانا قد صرحا بالاذن فلكل واحد منها التصرف إلى أن يعزلا وكيف ما كان فلائمة متطابقون على ترجيح القول بانعزالهما وأيد الامام الوجه الذاهب إلى أن لفظ

(10/423)


الشركة يمجردة يسلطهما على التصرف فيه وكما تنفسخ الشركة بالفسخ بموت أحد المتعاقدين وجنونه واغمائه كالوكالة ثم في صورة الموت ان لم يكن على الميت دين ولا هناك وصية فللوارث الخيار بين القسمة وتقرير الشركة ان كان بالغا رشيدا وان كان موليا عليه لصغر أو جنون فعلى وليه ما فيه الحظ والمصلحة من الامرين وانما يقرر الشركة بعقد مستأنف وان كان على الميت دين فليس للوارث تقرير الشركة الا إذا قضى الدين من موضع آخر وان كان هناك وصية نظر ان كانت الوصية لمعين فهو كاحد الورثة وان كانت لغير معين كالفقراء لم يجز تقرير الشركة حتى تخرج الوصية ثم هو كما لو لم تكن وصية * قال (ويتوزع الربح والخسران على قدر المال * فلو شرطا تفاوتا بطل الشرط وفسد العقد * ومعنى الفساد أن كل واحد يرجع على صاحبه بأجرة عمله في ماله ولو صح لما رجع * ولو شرط زيادة ربح لمن اختض بمزيد عمل ففى صحة الشرط خلاف * ومن حكمها كون كل واحد أمينا القول
قوله فيما يدعيه من تلف وخسران * إلا إذا ادعى هلاكا بسبب ظاهر فعليه إقامة البنة على السبب * ثم هو مصدق في الهلاك به * والقول قوله فيما اشتراه اقصد به نفسه أو مال الشركة * (فان قال) كان من مال الشركة فخلص لى بالقسمة فالقول قول صاحبه في انكار القسمة *

(10/424)


من أحكام الشركة كون الربح بينهما على قدر المالين شرطا أو لم يشرطا تساويا في العمل أو تفاوتا فان شرطا التساوى في الربح مع التفاوت في المال فهو فاسد وكذا لو شرطا التفاوت في الربح مع التساوى في المال نعم لو اختص أحدهما بمزيت عمل وشرط له مزيد ربح ففيه وجهان (أحدهما) صحة الشركة ويكون القدر الذي يناسب ملكه له بحق الملك والزائد يقع في مقابلة العمل ويتركب

(10/425)


العقد من الشركة والقراض (وأصحهما) المنع كما لو شرطا التفاوت في الخسران فانه يلغو أو يتوزع الخسران علي المال ولا يمكن جعله مشتركا وقراضا فان العمل في القراض بيع مختص بمال المالك وههنا يتعلق بملكه وملك صاحبه * وعند أبى حنيفة رضى الله عنه يجوز تغيير نسبة الربح بالشرط ويكون الشرط متبعا لنا القياس على طرود الخسران فانه يسلم توزيعه على قدر المالين وان شرط خلافه وإذا

(10/426)


فسد لم يؤثر ذلك في فساد التصرفات لوجود الاذن ويكون * الربح على نسبة المالين ويرجع كل واحد منهما على صاحبه بأجرة مثل عمله في ماله على ما ذكره في الكتاب وتفصيله أنهما إما أن يكونا متساويين في المالين أو متفاوتين ان تساويا فاما أن يتساويا في العمل أيضا فنصف عمل كل واحد منهما يقع في ماله فلا يستحق به أجرة والنصف الآخر الواقع في مال صاحبه يستحق عليه

(10/427)


مثل بدله عليه فيقع في التقاص وان تفاوتا في العمل بأن كان عمل أحدهما يساوى مائة وعمل الآخر مائتين فان كان عمل المشروط له الزيادة أكثر فنصف عمله مائة ونصف عمل صاحبه خمسون فبقى له خمسون بعد التقاص وان كان عمل صاحبه أكثر ففى رجوعه بالخمسين على المشروط
له الزيادة وجهان (أحدهما) الرجوع وهو ظاهر ما أجاب به الشيخ أبو حامد كما لو فسد القراض

(10/428)


فيستحق العامل أجرة المثل (وأصحهما) المنع ويحكى عن أبى حنيفة رحمه الله لانه عمل وجد من أحد الشريكين لم يشترط عليه عوض والعمل في الشركة لا يقابله عوض بدليل ما إذا كانت الشركة صحيحة فزاد عمل أحدهما فانه لا يستحق على الآخر شيئا ويجرى الوجهان فيما إذا فسدت الشركة واختص أحدهما باصل التصرف والعمل هل يرجع بنصف أجرة عمله علي الآخر (وأما)

(10/429)


إذا تفاوتا في المال بان كان لاحدهما الف ولآخر الفان فاما أن يتفاوتا في العمل أو يتساويا فان تفاوتا بان كان عمل صاحب الاكثر أكثر بان كان عمله يساوى مائتين وعمل الآخر مائة فثلثا عمله في ماله وثلثه في مال صاحبه وعمل صاحبه على العكس فيكون لصاحب الاكثر ثلث المائتين على صاحب الاقل ولصاحب الاقل ثلث المائة على صاحب الاكثر وقدرهما واحد فيقع في التقاص فان كان عمل

(10/430)


صاحب الاقل في ماله وثلثاه في مال شريكه وثلثا عمل صاحبه الاكثر في ماله وثلثه في مال شريكه فلصاحب الاقل ثلثا المائتين على صاحب الاكثر وهو مائة وثلاثة وثلاثون درهما وثلث درهم ولصاحب الاكثر ثلث المائة على صاحب الاقل وهو ثلاثة وثلاثون وثلث فيبقى بعد التقاص لصاحب الاقل مائة على الآخر وان تساويا في العمل فلصاحب الاقل ثلثا المائة على صاحب الاكثر

(10/431)


ولصاحب الاكثر ثلث المائة عليه فيكون الثلث بالثلث قصاصا يبقى لصاحب ثلث المائة ثلاثة وثلاثون وثلث (وقوله) في الكتاب فلو شرطا تفاوتا بطل الشرط معلم بالحاء لما عرفت أن أبا حنيفة رحمه الله يصححه (وقوله) فسد العقد هذا المشهور ونقل الامام رحمه الله اختلافا للاصحاب

(10/432)


رحمهم الله في أن الشركة تقصد بهذا الشرط أو يطرح الشرط والشركة بحالها لنفوذ التصرفات
ويوزع الربح على المالين ولم يتعرض غيره لحكاية الخلاف بل جزموا بنفوذ التصرفات ويوزع الربح علي المالين ولوجوب الاجرة في الجملة ولعل الخلاف راجع إلى الاصطلاح فبعضهم يطلق

(10/433)


لفظ الفساد وبعضهم يمنع منه لبقاء أكثر الاحكام (وقوله) ومعني الفساد إلى آخره أشار به إلى أن أثر الفساد بالرجوع بالاجرة فان الشركة لو كانت صحيحة لما ثبت استحقاق الاجرة ويجوز إعلام قوله يرجع بالاجرة بالحاء لان عنده لا رجوع بها لصحة الشرط وما ذكرنا من معني الفساد عند تعيين

(10/434)


نسبة الربح جار في سائر أسباب الشركة نعم قال الامام رحمه الله لو لم يكن بين المالين شيوع وخلط فلا شركة ههنا على التحقيق وثمن كل واحد من المالين يختص بمالكه ولا يقع مشتركا والكلام في الصحة والفساد إنما يكون بعد حصول تعيين الشركة فان جرى توكيل من الجانبين لم يخف حكمه وينبني على الخلاف المذكور فيما إذا شرط زيادة ربح لمن اختص بمزيد عمل *

(10/435)


(فرعان) أحدهما إذا جوزنا ذلك فلو لم يشترطاه ولا اشترط توزيع الربح على قدر المالين بل أطلقا فعن صاحب التقريب والشيخ أبى محمد ذكر خلاف في أن الربح يتوزع على المالين وتكون زيادة العمل تبرعا منه أو يثبت للزيادة أجرة تخريجا على ما إذا استعمل صانعا ولم يذكر له أجرة

(10/436)


(الثاني) إذا شرطا زيادة ربح لمن زاد عمله ففى اشتراط استبداده باليد وجهان وكذا لو شرطا انفراد أحدهما بالعمل في وجه يشترط كما في القراض وفى وجه لا جريا على قضية الشركة والخلاف في جواز اشتراط زيادة ربح بمن زاد عمله جار فيما إذا اشترطا انفراد أحدهما بالتصرف وجعلا له زيادة ربح وفى وجه يجوز ههنا ولا يجوز فيما إذا اشتركا في أصل العمل لانه لا يدري بأى عمل حصل فيحال به على المال أورده في الوسيط *

(10/437)


قال (ومن حكمها كون كل واحد أمينا القول قوله فيما يدعيه من تلف وخسران * الا إذا ادعى هلاكا بسبب ظاهر فعليه اقامة البينة على السبب * ثم هو مصدق في الهلاك به * والقول قوله فيما اشتراه أقصد به نفسه أو مال الشركة * فان قال كان من مال الشركة فخلص لى بالقسمة فالقول قول صاحبه في انكار القسمة) *

(10/438)


في الفصل مسألتان (إحداهما) من أحكام الشركة أن يد كل واحد من الشريكين يد أمانة كيد المودع والوكيل ولو ادعى رد المال إلى شريكه قبل قوله كالمودع والوكيل بغير جعل ولو ادعى خسرانا أو تلفا فكذلك كالمودع إذا ادعي التلف وكل واحد من الشريكين والمودع إذا أسند التلف إلى سبب ظاهر طولب بالبينة

(10/439)


عليه فلو أقاماها صدقا في الهلاك به وسيأتى ذكره في الوديعة فإذا ادعى أحد الشريكين خيانة على الآخر لم تسمع الدعوى حتى يبين قدر ما خان به فإذا تبين سمعت والقول قول المنكر مع يمينه (الثانية) في يد أحد الشريكين مال واختلفا فقال من في يده انه لى وقال الآخر بل هو من مال الشركة وهذا

(10/440)


يقع عند ظهور الريح فيه أو قال المشترى اشتريته من الشركة وقال الآخر بل لنفسك وهذا يقع عند ظهور الخسران فالصدق المشتري لانه أعرف بمقصده ولو قال صاحب اليد قسمنا مال الشركة وهذا مختص بى وقال الآخر لم نقسم بعد وهو مشترك فالقول قول نافى القسمة لان الاصل بقاء الشركة وعلى مدعى القسمة البينة ولو كان في أيديهما أو في أيديهما أو في يد أحدهما مال وقال كل واحد منهما هذا نصيبي من

(10/441)


مال الشركة وأنت أخذت نصيبك حلف كل واحد منهما وجعل المال بينهما فان حلف أحدهما دون الآخر قضى له * قال (وإذا باع أحد الشريكين باذن الآخر عبدا مشتركا ثم أقر الذى لم يبع أن البائع قبض الثمن كله وهو جاحد فالمشترى برئ من نصيب المقر لاقراره * وللبائع طلب نصيبه من المشترى * فان
استحلفه المقر فحلف أنه لم يقبض سلم له ما قبض * وان نكل حلف الخصم واستحق * ولو كانت

(10/442)


المسألة بحالها ولكن أقر البائع أن الذى لم يبع قبض الثمن كله لم يقبل اقرار الوكيل على الموكل وبرئ المشترى من مطالبة المقر بان شريكي قبض إذا كان شريكه أيضا مأذونا من جهته * ولم يبرأ من مطالبة الجاحد فله أخذ نصيبه من المشترى) * إذا كان بين اثنين عبد فباعه أحدهما باذن الآخر وكان البائع مأذونا في قبض الثمن أيضا أو قلنا إن الوكيل بالبيع يملك قبض الثمن ثم اختلف الشريكان في القبض فذلك يصور على وجهين

(10/443)


(أحدهما) أن يقول الشريك الذى لم يبع للذى باع قبضت الثمن كله فسلم إلى نصيبي ويساعد المشترى على أن البائع قبض وينكر البائع فيبرأ المشتري عن نصيب الذى لم يبع لاعترافه بأن البائع الذى هو وكله بالقبض قد قبض ثم ههنا خصومة بين البائع والمشترى وخصومة بين الشريكين وربما تقدمت الاولى على الثانية وربما تأخرت فان تقدمت خصومة البائع والمشترى فطالب البائع المشترى بنصيبه من الثمن وادعي المشترى أنه أداه نظر ان قامت للمشترى بينة على الاداء اندفعت المطالبة عنه فان شهد له الشريك الذى لم يبع لم تقبل شهادته في نصيبه لانه لو ثبت ذلك لطالب المشهود عليه

(10/444)


بحقه وذلك جر نفع ظاهر وفى قبولها نصيب الآخر قولان بناء على أن الشهادة هل تتبعض كما لو شهد أنه قذف أمه وأجنبية هل تقبل في حق الاجنبية وان لم تكن بينة فالقول قول البائع مع يمينه أنه لم يقبض فان حلف أخذ نصيبه من المشترى ولا يشاركه الذى لم يبع فيه لاقراره بأنه أخذ الحق من قبل وزعمه أن ما أخذه الآن أخذه ظلما وان نكل وحلف المشترى انقطعت الطلبة عنه وان نكل المشترى أيضا فعن ابن القطان وجه أنه لا يؤاخذه بنصيب البائع لانا لا نحكم بالنكول والمذهب خلافه وليس هذا حكم بالنكول وأن ما هو مؤاخذة له باقراره بلزوم المال بالشراء ابتداء ثم إذا انفصلت خصومة البائع والمشترى فلو جاء الشريك

(10/445)


الذى لم يبع يطالب الذى باع بحقه بزعمه أنه قبض الثمن فعليه البينة ويصدق البائع أنه لم يقبض الا نصيبه بعد الخصومة الجارية بينهما فان نكل البائع حلف الذى لم يبع وأخذ منه نصيب نفسه ولا يرجع البائع به على المشترى لان بزعمه أن شريكه ظلمه بما فعل ولا يمنع البائع من الحلف ونكوله عن اليمين في الخصومة مع المشترى لانها خصومة أخرى مع خصم آخر هذا إذا تقدمت خصومة البائع والمشترى وتلتها خصومة الشريكين فإذا تقدمت خصومة الشريكين فادعي الذى لم يبع قبض الثمن على البائع وطالبه بحقه فعليه البينة ولا تقبل شهادة المشترى له بحال لانه يدفع عن نفسه فان لم

(10/446)


يكن له بينة حلف البائع أنه ما قبض فان نكل حلف الذى لم يبع وأخذ نصيبه من البائع ثم إذا انفصلت خصومة الشريكين فلو طالب البائع المشترى بحقه وادعى المشترى الاداء فعليه البينة فان لم تكن بينة حلف البائع وقبض حقه فان نكل حلف المشتري وبرئ ولا يمنع البائع من أن يحلف ويطلب من المشترى حقه نكوله في الخصومة الاولى مع شريكه وعن حكاية الشيخ أبى على أنه يمنعه بناء على أن يمين الرد كالبينة أو كاقرار المدعى عليه ان كانت كالبينة فكأنه قامت البينة على قبضة جميع الثمن وإن كانت كالاقرار فكأنه أقر بقبض جميع الثمن وعلى التقديرين يمتنع عليه مطالبة المشتري وهذا ضعيف باتفاق الائمة لان اليمين انما تجعل كالبينة أو كالاقرار في حق المتخاصمين وفيما فيه تخاصمهما لاغير ومعلوم أن الشريك انما يحلف على أنه قبض نصيبه فانه الذى يطالب به فكيف

(10/447)


يؤثر يمينه في غيره وعلى ضعفه فقد قال الامام رحمه الله القياس طرده فيما إذا تقدمت خصومة البائع والمشتري ونكل البائع وحلف المشترى اليمين المردودة حتى يقال ثبت للذى لم يبع مطالبة البائع بنصيبه من غير تجديد خصومة لكون يمين الرد بمنزلة البينة أو الاقرار والله أعلم * فهذا أحد وجهى اختلاف الشريكين في القبض (والوجه الثاني) أن يقول الشريك البائع للذى لم يبع قبضت الثمن كله وصدقه المشترى فأنكر الذى لم يبع فله حالتان (إحداهما) أن يكون الذى لم يبيع مأذونا من جهة البائع في قبض الثمن فيبرأ المشترى عن نصيب البائع لا عترافه بأن وكيله قد قبض ثم تعرض
خصومتان كما في النزاع الاول فأن تخاصما الذى لم يبع والمشترى فالقول قول الذي لم يبع في نفى القبض فيحلف ويأخذ نصيبه ويسلم له المأخوذ وان تخاصم البائع والذى لم يبع حلف الذى لم يبيع فان نكل حلف البائع وأخذ منه نصيبه ولا رجوع له على المشترى وكل ذلك كما مر في النزاع الاول ولو شهد البائع للمشترى على القبض لم تقبل لانه يشهد لنفسه على الذى لم يبع والحالة الثانية أن لا يكون الذى لم يبع مأذونا من جهة البائع في القبض فلا تبرأ ذمة المشترى عن شئ من الثمن أما عن حق الذى لم يبع فلانه منكر في القبض ومصدق في انكاره بيمينه وأما عن الذى باع فلانه لم يعترف

(10/448)


بقبض صحيح ثم لا يخلو إما أن يكون البائع مأذونا من جهة الذى لم يبع في القبض أولا يكون مأذونا ايضا (القسم الاول) أن يكون مأذونا فله مطالبة المشترى بنصيبه من الثمن ولا يتمكن من مطالبته بنصيب الذى لم يبع لانه لما أقر بقبض الذى لم يبع نصيبه فقد صار معزولا عن وكالته ثم إذا تخاصم الذى لم يبع والمشتري فعلى المشترى البينة على القبض وان لم تكن البينة فالقول قول الذى لم يبع فإذا حلف ففيمن يأخذ حقه منه وجهان (قال) المزني وابن القنص وآخرون إن شاء أخذ تمام حقه من المشترى وان شاء شارك البائع في المأخوذ وأخذ الباقي من المشترى لان الصفقة واحدة فكل جزء من الثمن شائع بينهما فان أخذ بالحصة الثانية لم يبق مع البائع إلا ربع الثمن ويفارق هذا ما إذا كان الذي لم يبع مأذونا في القبض حيث لا يشاركه البائع فيما يأخذه من المشترى لان زعمه أن الذى لم

(10/449)


يبع ظالم فيما أخذه فلا يشاركه فيما ظلم به قال ابن سريج وغيره ليس له الا أخذ حقه من المشتري ولا يشارك البائع فيما أخذه لان البائع قد انعزل عن الوكالة بأقراره وأن الذي لم يبع قبض حقه فما يأخذه بعد الانعزال ياخذه لنفسه خاصة وهذا الكلام استحسنه الشيخ أبو حامد والشيخ أبو على لكن أبو على قال انه وان انعزل فالمسألة تحتمل وجهين بناء على أن مالكي السلعة إذا باعاها بصفقة واحدة هل ينفرد أحدهما بقبض حصته من الثمن وجهان (أحدهما) لا بل إذا انفرد بأخذ شئ يشاركه

(10/450)


الاخر فيه كما أن الحق الثابت للوراثة لا ينفرد بعضهم باستيفاء حصته منه ولو فعل شاركه الآخرون فيه وكذلك لو كاتبا عبدهما صفقة واحدة لم ينفرد أحدهما باخذ حقه من النجوم (والثانى) نعم كما لو باع كل واحد منهما نصيبه بعقد مفرد ويخالف الميراث والكتابة فانهما لا يثبتان في الاصل بصفة التجزئ إذ لا ينفرد بعض الورثة ببعض أعيال التركة ولا تجوز كتابة بعض العبد فلذلك لم يجز التجزئ في القبض ولو شهد البائع للمشترى على أن الذى لم يبع قد قبض الثمن فعلى المزني

(10/451)


لا تقبل شهادته لان يدفع بها شركة صاحبه فيما أخذه وعلى ما ذكره ابن سريج تقبل (والقسم الثاني) أن لا يكون البائع ماذونا في القبض قال أصحابنا العراقيين للبائع مطالبة المشترى بحقه ههنا وما يأخذه يسلم له وتقبل ههنا شهادة البائع للمشترى على الذى لم يبع وقياس البناء الذى ذكره الشيخ أبو على عود الخلاف في مشاركة صاحبه فيما أخذه تخريج قبول الشهادة على الخلاف ويجوز أن يستفاد من جوابهم ترجيح الوجه الصائر إلى الاصل المبني عليه أن كل شريك ينفرد بقبض

(10/452)


حصته على أنى رأيت في فتاوي الحناطى حكاية وجه أن أحد الموارثين أيضا إذا قبض من الدين قدر حصته لم يشاركه الآخر الا أن ياذن له المديون في الرجوع عليه أولا يجد ما لا سواه هذا فقه السمألة واعلم ان المزني أجاب في الوجه الثاني من اختلاف الشريكين بان المشترى يبرأ من نصف الثمن باقرار البائع أن شريكه قد قبض لانه في ذلك أمين وظاهر هذا يشعر بسقوط نصيب الذى لم يبع

(10/453)


كما أن في الوجه الاول من اختلافهما يسقط نصيب الذى لم يبع والاصحاب فيما اطلقه فرقتان فغلطه فرقة منها ابن سريج وابو اسحق وقالت إنه نقل هذه المسألة من كتب أهل العراق فانهم يقبلون إقرار الوكيل على الموكل باستيفاء الثمن والبائع وكيل الذى لم يبع فيسقط باقراره أن الموكل قد قبض حقه (فأما) قول أصل الشافعي رضى الله عنه فان اقرار الوكيل على الموكل غير مقبول فلا يسقط باقرار البائع حق لدى لم يبع (وفرقة) أولت كلامه وهم قو لان عن ابن أبى هريرة وغيره أنه ما أراد بقوله
برئ المشترى من نصف الثمن البراءة المطلقة وانما أراد براءة المطلقة وانما أراد براءة مطالبة البائع بالنصف لان زعمه أن شريكه قد قبض حقه فلا يمكنه المطالبة به (ومنهم) من حمله على ما إذا كان الذى لم يبع مأذونا من جهة البائع في القبض أيضا فإذا أقر البائع بان شريكه قبض وقد أقر بقبض وكيله فعلى هذا فالنصف الساقط هو نصيب المقر كما في الاختلاف الاول * واعلم أن المسألة لا اختصاص لها بالشركة المعقود لها الباب وانما هي موضوعة في مطلق الشركة (وقوله) في الكتاب فان نكل حلف الخصم واستحق

(10/454)


أي نكل البائع وحلف الذى لم يبع واستحق نصيبه على شريكه (وقوله) في الصورة الثانية لم يقبل اقرار الوكيل على الموكل الوكيل ههنا هو الذى باع والموكل هو الذى لم يبع وقوله برئ المشترى من مطالبة المقر بان شريكي قبض إلى آخره قد يوهم مغايرة هذه اللفظة لقوله في الصورة السابقة المشترى يبرأ من نصيب المقر لاقراره فرق بينهما في هذا الحكم ولا فرق وليس في تغاير اللفظين فقه (وقوله) ولم يبرأ من مطالبة الجاحد كالشرح والايضاح لما مر والا ففى قوله لم يقبل اقرار الوكيل على الموكل ما يفيده فأنه إذا لم يقبل اقرار البائع عليه ففى حقه ومطالبته بحالهما ويجوز أن يقال قوله يقبل اقرار الوكيل على الموكل إشارة إلى القاعدة الكلية في الوكلاء والموكلين (وقوله) ولم يبرأ من مطالبة الجاحد بيان قياس تلك القاعدة وثمرتها فيما نحن فيه *

(10/455)


(فرع) نتأسى في ختم الكتاب به المزني والاصحاب وإن لم يكن له كبير اختصاص بالباب عبد بين رجلين غصب غاصب نصيب أحدهما بأن نزل نفسه منزلته وأزال يد صاحبه يصح من الذى لم يغصب نصيبه بيع نصيبه ولا يصح من الاخر بيع نصيبه إلا من الغاصب ولو باع الغاصب والذى لم يغصب نصيبه جميع العبد في عقد واحد بطل في نصيب الغاصب وصح في نصيب المالك لا يخرج على الخلاف في تفريق الصفقة لان الصفقة تتعدد بتعدد البائع وسهم من قال ينبني القول في نصيب المالك على أن أحد الشريكين إذا باع نصف العبد مطلقا ينصرف إلى نصيبه أو يشيع وفيه وجهان وهذه المسألة مذكورة في الكتاب في باب العتق (فأن قلنا) ينصرف إلى نصيبه صح بيع المالك في نصيبه (وإن قلنا) بالشيوع يبطل البيع في ثلاثة أرباع العبد وفى ربعه قولان ولا ينظر إلى هذا البناء فيما إذا باع المالكان معا وأطلقا ولا يجعل كما إذا أطلق واحد منهما بيع نصف العبد لان هناك تناول العقد الصحيح جميع العبد *

(10/456)