فتح العزيز بشرح الوجيز = الشرح الكبير

 (كتاب العارية)
قال (والنظر في أركانها وأحكامها * أما الاركان فأربعة (الاول المعير) ولا يعتبر فيه الا كونه مالكا للمنفعة غير محجور عليه في التبرع * فيصح من المستأجر ولا يصح من المستعير على الاظهر لانه مستبيح بالاذن كالضيف * نعم له أن يستوفى المنفعة بالوكيل يوكله لنفسه (الثاني المستعير) ولا يعتبر فيه الا كونه أهلا للتبرع) قال في الصحاح العارية بالتشديد كأنها منسوبة إلى العار لان طلبها عار وقال غيره منسوبة إلى العارة وهى مصدر يقال أعار يعير إعارة كما يقال أجاب يجيب إجابة وجابة وأطاق إطاقة وطاقة وقيل هي من عار يعير أي جاء وذهب فسميت عارية لتحويلها من يد إلى يد وقال إنه من التعاور والاعتوار هو أن يتداول القوم الشئ بينهم وذكر الخطابى في الغريب أن لغة العارية بالتشديد وقد تخفف والاصل فيها قوله تعالى (ويمنعون الماعون) فسره بعضهم بما يستعيرة بعض الجيران من بعض كالدلو والفأس والقدر وروى أنه صلى الله عليه وسلم قال (العارية مضمونة والزعيم غارم)

(11/209)


وروى أيضا أنه صلى الله عليه وسلم (أستعار درعا من صفوان فقال اغصبا يا محمد فقال عليه السلام بل عارية مضمونة) قال صاحب الكتاب ولها أركان وأحكام أما الاركان (فاحدها) المعير والمعتبر فيه ملكه المنفعة وأن لا يكون محجورا عليه في التبرعات وانما اعتبرت ملكية المنفعة دون العين لان الاعارة ترد على المنفعة دون العين وانما اعتبر عدم الحجر في التبرعات لان الاعارة تبرع ويتعلق بقيد المالكية صورتان (احداهما) أن المستأجر يجوز له أن يعير لانه مالك المنفعة ألا ترى أنه يجوز له أخذ العوض عنها بعقد الاجارة وكذا الموصى له بخدمة العبد وسكني الدار له أن يعيرهما (والثانيه) أن المستعير هل يعير فيه وجهان (أحدهما) نعم كالمستأجر فان للمستأجر أن يؤجر فكذلك المستعير

(11/210)


له أن يعير ويحكي هذا عن أبى حنيفة (وأصحهما) المنع لانه غير مالك للمنفعة ألا ترى أنه لا يجوز له
أن يؤجر وانما أبيح له الانتفاع والمستبيح لا يملك نقل الملك بالاباحة إلى غيره والضيف الذى أبيح له الطعام ليس له أن يبيح لغيره نعم للمستعير أن يستوفى المنفعة بنفسه وبوكيله (الركن الثاني) في المستعير قال في الكتاب ولا يعتبر فيه الا لكونه أهلا للتبرع أي يتبرع عليه وكأنه أراد التبرع بعقد يشتمل على الايجاب والقبول اما بقول أو فعل والا فالصبي والبهيمة لهما أهلية التبرع والاحسان اليهما ولكن لا يوهل منهما ولا يعار.
قال (الثالث المستعار وشرطه أن يكون منتفعا به مع بقائه.
وفى اعارة الدنانير والدراهم لمنفعة التزيين خلاف لانها منفعة ضعيفة.
فإذا جرت فهى مضمونة لانها عارية فاسدة.
وأن يكون الانتفاع مباحا فلا تستعار الجوارى للاستمتاع.
ويكره الاستخدام الا لمحرم.
وكذا يكره استعارة أحد الابوين للخدمة.
واعره العبد المسلم من الكافر.
ويحرم اعارة الصيد من المحرم) .
(الركن الثالث) المستعار وله شرطان (أحدهما) أن يكون منتفها له مع بقاء عينه كالعبيد والدواب والدور والثياب أما الاطعمة فلا يجوز اعارتها لان منفعتها في استهلاكها وفى اعارة الدراهم والدنانير وجهان (أحدهما) الجواز لانها تصلح للتزين بها على طبعها (وأصحهما) المنع لان

(11/211)


هذه منفعة ضعيفة قلما تقصد ومعظم منفعتها في الانفاق والاخراج قال الامام وما ذكرناه في الدراهم يجرى في استعارة الحنطة والشعير وما في معناهما ولك أن تبحث عن مواضع الخلاف أهو ما إذا صرح بالاعارة للتزين أم إذا أطلق فالجواب ان الاسبق إلى الفهم من كلامهم في مسألة الدراهم ان الخلاف في حالة الاطلاق فاما إذا صرح بغرض التزين فقد اتخذ هذه المنفعة مقصدا وان ضعفت فينبغي أن يصح وبصحته أجاب في التتمة وعلى هذا قوله في الكتاب لمنفعة التزيين ليس هو من كلام المعير وانما هو اشارة إلى صورة الجواز لكن هذا يتفرع على تصحيح الاعارة مطلقا أما إذا شرطنا تعيين جهة الانتفاع فلا بد من التعر ض للتزيين أو غيره وسيأتى الخلاف فيه وحيث قلنا انه لا يصح اعارتها فان جرت فهى مضمونة لان العارية صحيحة مضمونة وللفاسدة حكم الصحيحة في الضمان وفيه وجه أنها غير مضمونة لان العارية صحت أو فسدت تعتمد منفعة معتبره فإذا لم توجد فما جرى بينهما ليس
بعارية لاأنه عارية فاسدة ومن قبض مال الغير باذنه لا لمنفعة كان أمانة في يده (الشرط الثاني) ان تكون المنفعة مباحة فلا يجوز استعارة الجوارى للاستمتاع وأما للخدمة فيحوزان كانت الاعارة من محرم أو امرأة والافلا يجوز لخوف الفتنة الا إذا كانت صغيرة لا تشتهي أو قبيحة ففيها وجهان (وقوله) في الكتاب زيكره الاستخدام الا لمحرم لفظ الكراهية يستعمل للتحريم تارة وللتنزيه أخرى وأراد ههنا التحريم على ما صرح به الوسيط وهو جواب على نفى الفرق بين الصغيرة والكبيرة ثم انه حكم في الوسيط بالصحة وان كانت الاعارة محظورة فيشبه أن يقال بالفساد

(11/212)


فالاجارة للمنفعة المحرمة ويشعر بهما ما أطلقه المعظم من نفى الجواب ويكره استعارة أحد الابويين للخدمة لان استخدمهما مكروة ولفظ الامام في مسألة نفى الحل ويكره اعارة العبد المسلم من الكافر وهى كراهة تنزيه ولا يجوز للحلال اعارة الصيد من المحرم لانه يحرم عليه امساكه فلو فعل وتلف في يد المحرم ضمن الجزاء لله تعالى والقيمة للحلال وان أعار محرم من حلال (فان قلنا) ان المحرم يزول ملكه عن الصيد فلا قيمة له على الحلال لانه أعار ما ليس ملكا له وعلى المحرم الجزاء لو تلف في يد الحلال لانه متعد بالاعارة وكان من حقه الارسال (وان قلنا) لاتزول صحت الاعارة وعلى الحلال القيمة لو تلف الصيد عنده.
(فرع) دفع شاة إلى رجل وقال ملكتك درها ونسلها فهي هبة فاسدة ولما حصل في يده من الدر والنسل كالمقبوض بالهبة الفاسدة والشاة مضمونة عليه بالعارية الفاسدة ولو قال ابحت لك درها ونسلها فهو كما لو قال ملكتك على أحد الوجهين (والثانى) أنها اباحة صحيحة والشاة عارية صحيحة وهذا ما أورده صاحب التتمة وعلى هذا فقد تكون العارية لاستيفاء عين وليس من شرطها أن يكون المقصود مجرد المنفعة بخلاف الاجارة ولو قال ملكت لك درها وأبحته لك على أن تعلفها قال في التهذيب العلف اجره وثمن الدر والنسل والشاة غير مضمونة لانها مقبوضة باجارة فاسدة

(11/213)


والدر والنسل مضمون عليه بالشراء الفاسد وكذلك لو دفع قراضة إلى سقاء وأخذ الكوز ليشرب
فسقط من يده وانكسر ضمن الماء لانه مأخوذ بالشراء الفاسد ولم يضمن الكوز لانه في يده باجارة فاسدة فان أخذه مجانا فالكوز عارية والماء كالمقبوض بالهبة الفاسدة (الثاني) قال في التتمة تعيين المستعار ليس بشرط عند الاستعارة حتى لو قال أعرني دابتك فقال المالك ادخل الاسطبل وخذ ما أردت صحت العارية بخلاف الاجارة تصان عن مثلها لان الغرر لا يحتمل في المعاوضة.
قال (الرابع صيغة الاعارة وهو كل لفظ يدل على الاذن في الانتفاع.
ويكفي القبول بالفعل.
ولو قال أعرتك حماري لتعير لى فرسك فهو أجارة فاسدة غير صحيحة ولا مضمونة.
ولو قال اغسل هذا الثوب فهو استعارة لبدنه.
وان كان الغاسل ممن يعمل بالاجرة اعتياديا استحق الاجرة) في الباب ما يدل على الاذن في الانتفاع لقوله أعرتك أو خذه لتنتفع به وما أشبه ثم ضاهر لفظ الكتاب انه يعتبر اللفظ من جهة المعير وانه لا يعتبر من جهة المستعير وانما يعتبر منه القبول اما باللفظ واما بالفعل كما في الضيف وقد صرح بهذا في الوسيط وقال صاحب التهذيب وغيره المعتبر في الاعارة اللفظ من احد الطرفين والفعل من الآخر حتى لو قال المستعير أعرني فسلمه المالك إليه صحت الاعارة وكان كما لو قال خذه لتنتفع به فأخذه تشبيها للاعارة باباحة الطعام وذكر أبو سعيد المتولي ان اللفظ

(11/214)


لا يعتبر في أحد من الطرفين حتى لو رآه عاريا فاعطاه قميصا فلبسه تمت العارية وكذلك لو فرش لضيفه فراشا أو بساطا أو مصلى أو القى به وسادة فجلس عليها كان ذلك اعارة بخلاف مالو دخل مجلسا على البسط المفروشة لانه لم يقصد بها انتفاع شخص معين ولا بد في العارية من تعين الشخص المستعير وهذا الذي ذكره يشبه تمام الشبة بالضيافة ويوافقه ما ذكره عن الشيخ ابي عاصم انه إذا انتفع بظرف الهدية المبعوثة إليه حيث جرت العادة باستعمالها كل الطعام من القصعة فيها كان عارية لانه منتفع بملك الغير بأذنه والاشهر الرواية الوسطى ولو أعلم قولة في الكتاب وصيغة الاعارة - بالواو - لما ذكره في التتمة لكان صحيحا ثم الفصل مسألتان (الاولى) إذا قال أعرتك حماري لتعيرني فرسك فهو اجارة فاسدة على كل واحد منهما أجرة مثل دابة الآخر وكذلك الحكم إذا اعاره شيئا بعوض مجهول كما لو أعار دابته ليعلفها أو داره ليطين سطحها وكذلك لو كان العوض معلوما ولكن
مدة الاعارة مجهولة كما لو قال لك أعرتك بعشر دراهم أو لتعيرني ثوبك شهرا وفيه وجه أنه عارية فاسدة نظرا إلى اللفظ فعلى هذا تكون مضمونة عليه وعلى الاول لا ضمان ولو بين مدة الاعارة وذكر عوضا معلوما فقال أعرتك هذه الدار شهرا واليوم بعشرة دراهم لتعيرني ثوبك شهرا من اليوم فهى اجارة

(11/215)


صحيحة مضمونه أو إعارة فاسدة فيه وجهان مبنيان على النظر إلى اللفظ أو المعنى ولو دفع دراهم إلى رجل وقال اجلس في هذا الحانوت واتجر عليها بنفسك أو دفع إليه بذرا وقال ازرع به هذه الارض فهو معير الحانوت والارض واما الدراهم والبذر فتكون هبة أو قرضا فيه وجهان (الثانية) لو قال لقصار اغسل هذا الثوب أو لخياط خطه مجانا ففعل فلا أجره له ولو قال اغسله أو خيطه وأنا أعطيك حقك أو أجرتك استحق أجره المثل وهذا اجارة فاسدة ولو أقتصر على قوله اغسله أو خيطه ففيه أوجه نذكرها في الاجارة فان ذلك الموضع أحق بذكرها وصاحب الكتاب قد أعاد المسألة هناك وذكر بعض تلك الاوجه واعرف في هذا المقام سببين (أحدهما) أن قوله فهو استعارة أراد به استعارة بدنه لذلك العمل ولا يعد في أطلاق الاستعارة والاعارة في منافع الحر كالاجارة (والثانى) أن حاصل جوابه في المسألة انه إن كان ممن يعتاد ذلك بالاجرة استحق الاجرة والا فلا وهذا أحد الوجوه المشار إليها لكن ظاهر المذهب غيره على ما سيأتي.

(11/216)


قال (أما أحكامها فأربعة (الاول الضمان) والعارية مضمونة الرد والعين بقيمتها (ح) يوم التلف.
وقيل باقصى القيم من يوم القبض إلى يوم التلف كالغصب.
وما ينمحق من أجزائها بالاستعمال غير مضمون.
والمستعير من المستأجر هل يضمن فيه خلاف.
والمستعير من الغاصب يستقر عليه الضمان إذا تلف تحت يده.
ولو طولب بأجرة المنفعة فما تلف تحت يده فلا خلاف في قرار ضمانه على المعير.
وما تلف باستيفائه فقولان لانه مغرور فيه) .
من أحكام العارية الضمان والكلام في ضمان الرد والعين والاجزاء أما ضمان الرد فمعناه أن مؤنة الرد على المستعير وقوله عليه السلام (على اليد ما أخذت حتى تؤديه) وأيضا فان الاعارة نوع بر
ومعروف فلو لم تجعل مؤنة الرد على المستعير لامتنع الناس من الاعارة (وأما) ضمان العين فانها إذا تلفت في يد المستعير ضمنها سواء تلفت بآفة سماوية أو بغفلة بتقصير أو من غير تقصير وبه قال أحمد

(11/217)


وقال أبو حنيفة لا يضمن الا إذا تعدى فيها وعن رواية الشيخ أبى على ان للشافعي رضى الله عنه قولا مثله في الامالى ووجه ظاهر المذهب الخبر المذكور في صدر هذا الباب وأيضا فانه مال يجب رده إلى مالكه فتجب قيمته عند التلف كالمأخوذ على سبيل السوم وايضا فان المستعير من الغاصب يستقر عليه الضمان ولو كانت العارية أمانة لما استقر كالمودع من الغاصب وذهب مالك إلى ان العارية مضمونة الا ان تكون حيوانا فهو امانة ولو اعار بشرط ان تكون امانة لغى الشرط وكانت مضمونة وإذا وجب الضمان فاى قيمة تجب فيه ثلاثة أوجه وسماها الزجاجي أقوالا وكذلك فعل الوسيط (أحدها) أقصى القيم من يوم القبض إلى التلف لانه لو تلف في حالة زيادة القيمة لوجبت القيمة الزائدة فاشبه المغصوب (والثانى) قيمة يوم القبض تشبيها بالقرض يومئذ (والثالث) وهو الاصح قيمة يوم التلف لان ايجاب أقصى القيم بمثابة ضمان الاجزاء التالفة بالاستعمال وهي غير مضمونة على الصحيح كما سيأتي ومن قال بالاول منع كون تلك الاجزاء غير مضمونة بالاستعمال على الاطلاق وقال انما لا يضمن إذا رد العين وينبنى على هذا الخلاف ان العارية إذا ولدت في يد المستعير هل يكون الولد مضمونا في يده ان قلنا ان العارية مضمونة ضمان الغصب كان مضمونا عليه والا فلا وليس له استعماله بلا خلاف والخلاف المذكور في العارية انها كيف تضمن جار في المأخوذ على سبيل السوم الا ان الاصح هناك على ما ذكره في النهاية ان الاعتبار بقيمة يوم القبض لان تضمين أجزائه غير ممتنع وقال غيره الاصح فيه كهو في العارية وهذا كله فيما إذا تلفت العين لا بالاستعمال اما إذا تلفت بالاستعمال بأن انمحق الثوب

(11/218)


باللبس فوجهان (أصحهما) أنه لا يجب ضمانها كالاجزاء (والثانى) يجب لان حق العارية ان تردد فإذا تعذر الرد لزم الضمان وعلى هذا فما الذى يضمن فيه وجهان (أحدهما) وهو المذكور في النهاية انه يضمن العين بجميع أجزائها (وأصحهما) وهو المذكور في التهذيب انه يضمن في آخر حالات التقويم وصححه
في التتمة (واما) ضمان الاجزاء فما تلف منها بسبب الاستعمال المأذون فيه كانمحاق الثوب باللبس لا يلزم ضمانها لحدوثه عن سبب واذن فيه وفيه وجه ضعيف أنه يلزم لان العارية مؤداة فإذا تلف بعضها فات رده فيضمن بدله وما تلف منها بغير هذا السبب وفيه وجهان مذكوران في التهذيب (أحدهما) انه لا يلزم ضمانها أيضا كما لو تلف بالاستعمال ويكتفى برد الباقي (وأصحهما) اللزوم كما لو تلفت العين كلها وهلاك الدابة بسبب الركوب والحمل المعتاد كانمحاق الثاوب وتعييبها به كالانمحاق كذا ذكره الامام وفيما جمع من فتاوى القفال انه أو قرح ظهرها بالحمل وتلفت منه يضمن سواء كان متعديا بما حمل أو لم يكن لانه انما اذن في الحمل لافى الجراحة وردها إلى المالك لا يخرجه عن الضمان لان السراية تولدت من مضمون فصار كما لو جرح دابة الغير في يده وهذا في الجمل الذى هو غير متعد به جوابا على وجوب الضمان في صورة تفسير الانمحاق والله أعلم.
وجميع ما ذكرنا فيما إذا أستعار من المالك ووراءه صورتان (إحداهما) إذا استعار من المستأجر أو الموصى له بالمنفعة فاحد الوجهين انه يضمن كما لو استعار من المالك (وأصحهما) أنه لا يضمن لان المستأجر لا يضمن وهو نائب المستأجر الا ترى أنه إذا أنقضت مدة الاجارة ارتفعت

(11/219)


الاعارة وانه استقرت الاجرة على المستأجر بانتفاع المستعير ومؤنة الرد في هذه الاستعارة على المستعير إن رد على المستأجر وعلى المالك إن رد عليه كما لو رد عليه المستأجر (الثانية) إذا استعار المغصوب من الغاصب وتلف في يده غرم المالك قيمته يوم التلف من شاء منهما فان الضمان على المستعير لان المال حصل في يده بجهة مضمونة وان كانت قيمته يوم التلف أكثر نظران كانت الزيادة في يد المعير الغاصب لم يطالب بها غيره وان كانت في يد المستعير (فان قلنا) العارية تضمن ضمان العصب فهو كقيمته يوم التلف (وان قلنا) لا تضمن ضمان المغصوب فغرامة الزياة كغرامة المنافع وإذا طالبه المالك فغرامة المنافع وغرمها بالمنفعة التى تلفت في يده قرار ضمانها على المعير لان يد المستعير في المنافع ليست يد ضمان والتى استوفاها بنفسه فيها قولان مشروحان في الغصب النظر في احدهما إلى تغرير المعير اياه وفى الثاني إلى مباشرة الاتلاف وهو الاظهر والمستعير من المستأجر من الغاصب حكمه حكم المستعير من الغاصب إن ضمنا المستعير من المستأجر والا فليرجع بالقيمة التى غرمها على المستأجر ويرجع
المستأجر على الغاصب.
قال (والمستعير كل طالب أخذ المال لغرض نفسه من غير استحقاق.
فلو اركب وكيله المستعمل في شغله دابته فتلفت فلا ضمان عليه.
ولو أركب في الطريق فقير اتصدقا عليه فالاظهر أنه لا يضمن) .

(11/220)


ذكر حد المستعير ليبنى عليه مسائل فقال والمستعير كل طالب اخذ المال لغرض نفسه من غير استحقاق وزاد بعضهم فقال من غير استحقاق وتملك وقصد بهذه الزيادة الاحتراز عن المستقرض (وأما) نفى الاستحقاق والقصد منه الاحتراز عن المستأجر والحد مع هذه الزيادة ودونها معترض من وجهين (أحدهما) أنه منقوض بالمستام من الغاصب (والثانى) أن التعرض لكونه طالبا غير محتاج إليه إذ لافرق بين أن يلتمس المستعير حتى يعير وبين أن يبتدئ المعير بالاعارة (وأما) المسائل المشار إليها (فمنها) أنه لو أركب وكيله الذى استعمله في أشغاله دابته وسيره إلى موضع فتلفت الدابة في يده من غير تعد فلا ضمان عليه لانه لم يأخذها لغرض نفسه وكذلك لو سلمها إلى رائض ليروضها أو كان عليها متاع نفيس فاركب انسانا فوقه احرازا للمال (ومنها) لو وجد من أعيى في الطريق فأركبه فالمشهور أنه يضمن سواء التمس المعيى أو أبتدأ المركب وقال الامام انه لا يضمن لان القصد من هذه العارية التصدق والقربة والصدقات في الاعيان تفارق الهبات ألا ترى أنه يرجع في الهبة ولا يرجع بالصدقة وكذلك يجوز أن تفارق العارية التى هي صدقة سائر العوارى في الضمان وأقام صاحب الكتاب هذا وجها وحكم بانه أظهر.
ولو أركبه مع نفسه فعلى الرديف نصف الضمان ورأى الامام أنه لا يلزمه شئ تشبيها بالضيف وعلى الاول لو وضع متاعه على دابة غيره وأمره أن يسير الدابة ففعل كان صاحب المتاع مستعيرا للدابة بقسط متاعه مما عليها حتى لو كان عليها مثل متاعة وتلف ضمن

(11/221)


نصف الدابة ولو لم يقل صاحب المتاع سيرها ولكن سيرها المالك لم يكن صاحب المتاع مستعيرا ودخل المتاع في ضمان صاحب الدابة لانه كان من حقه أن يطرحها وان كان لاحد الرفيقين في السفر متاع
وللآخر دابة فقال صاحب المتاع للآخر احمل متاعى على دابتك فاجابه فصاحب المتاع مستعير لها ولو قال صاحب الدابة اعطني متاعك لاضعه على الدابة فهو مستودع متاعه ولا تدخل الدابة في ضمان صاحب المتاع أورده في التهذيب.
(فرع) لو استعار دابة ليركبها إلى موضع فجاوزه فهو متعد من وقت المجاوزة وعليه أجرة المثل ذهابا ورجوعا إلى ذلك الموضع وفى لزوم الاجرة من ذلك الموضع إلى أن يرجع إلى البلد الذي استعار منه وجهان (وجه المنع) أنه مأذون فيه من جهة المالك (ووجه) اللزوم ان ذلك قد انقطع بالمجاوزة وعلى هذا فليس له الركوب من ذلك الموضع بل يسلمه إلى حاكم الموضع الذى استعار إليه (فرع) أودعه ثوبا وقال ان شئت تلبسه فالبسه فهو قبل اللبس وديعة وبعده عارية وعن صاحب التقريب تخريج وجه آخر من السوم لانه مقبوض على توقع عقد ضمان قال ولو قيل لا ضمان في السوم أيضا تخريجا مما نحن فيه لم يبعد.

(11/222)


(فرع) استعار صندوقا فوجد فيه دراهم فهى أمانة عنده كما لو طير الريح الثوب في داره.
قال (الحكم الثاني التسلط على الانتفاع وهو بقدر التسليط فان أذن له في زراعة الحنطة لم يزرع ما ضرره فوقها وزرع ما ضرره مثلها أو دونها إلا إذا نهاه.
ولو أذن في الغراس فبني أو في البناء فغرس فوجهان لاختلاف جنس الضرر.
ولو أعار الارض ولم يعين فسدت العارية فان عين جنس الزراعة كفاه) من أحكام العارية تسلط المستعير على الانتفاع بحسب اذن المعير وتسليطه وفيه مسائل (الاولى) إذا أعار أرضا للزراعة فاما يبين ما يزرعه أو يطلق كما إذا قال أعرتكها لزراعة الحنطة نظر ان لم ينه عن زراعة غيرها فله أن يزرع الحنطة وما ضرره مثل ضرر الحنطة أو دونه وليس له أن يزرع ما ضرره فوق ضرره كالذرة والقطن فان نهاه عن زراعة غيرها لم يكن له زراعة غيرها وحيث زرع ما ليس له أن يزرعه فلصاحب الارض قلعه مجانا وان أطلق ذكر الزراعة ولم يبين المزروع فوجهان
(أصحهما) وهو المذكور في الكتاب ان الاعارة صحيحة وله أن يزرع ما شاء لاطلاق اللفظ (والثانى) أنها لا تصح للتفاوت الظاهر بين أنواع المزروع ولو قيل تصح الاعارة ولا يزرع إلا أقل الانواع ضررا لكان مذهبا (الثانية) إذا أعار للزراعة لم يكن له البناء ولا الغراس لان ضررهما أكثر والقصد منهما الدوام ولو أعار للغراس هل له أن يبني أو للبناء هل له أن يغرس فيه وجهان (أحدهما) نعم

(11/223)


لتقارب ضررهما فان كلا منهما للابد (وأصحهما) لا لاختلاف جنس الضرر فان ضرر الغراس في باطن الارض أكثر لانتشار عروقه وضرر البناء في ظاهرها أكثر (الثالثة) ان كان المستعار لا ينتفع به إلا بجهة واحدة كالبساط الذى لا يصلح الا أن يفرش فلا حاجة في اعارته إلى التعرض للانتفاع وان كان ينتفع به بجهتين فصاعدا كالارض تصلح للزراعة والبناء والغراس والدابة تصلح للحمل والركوب فهل تصلح اعارته مطلقا أم لابد من التعرض لجهة الانتفاع فيه وجهان (أحدهما) وهو الذى أورده الروياني وصاحب التهذيب انها تصح ولا يضر ما فيها من الجهالة بخلاف الاجارة يشترط فيها التعيين لانه يحتمل في العارية ما لا يحتمل في الاجارة (وأظهرهما) عند الامام وهو المذكور في الكتاب انه لابد من تعيين نوع المنفعة لان الاعارة معونة شرعية جوزت للحاجة فلتكن على حسب الحاجة ولا حاجة إلى الاعارة المرسلة وعلى هذا فلو قال اعرتك كذا لتفعل به ما بدا لك أو لتنتفع به كيف شئت فوجهان على الوجه الاول للمستعير أن ينتفع به كيف شاء لاطلاق الاذن وقال القاضي الرويانيى ينتفع به على العادة فيه وهذا أحسن.
قال (الحكم الثالث جواز الرجوع عن العارية.
الا إذا أعار لدفن ميت فيمتنع نبش القبر إلى أن يندرس أثر المدفون.
وإذا أعار جدارا لوضع الجذوع عليه فلا يستفيد بالرجوع قبل الانهدام شيئا إذ لا أجرة له حتى يطالب به ولا يمكن هدمه والطرف الآخر في خاص ملك الجار.

(11/224)


الاصل في العارية الجواز حتى يجوز للمعير الرجوع متى شاء وللمستعير الرد متى شاء لانه مبرة وتبرع فلا يليق بها الالتزام فيما يتعلق بالمستقبل ولا فرق بين العارية المطلقة والمؤقتة وعن مالك أنه لا يجوز
الرجوع في المؤقتة واستثني الاصحاب من الاصل المذكور صورتين (احداهما) إذا أعار أرضا لدفن ميت قال في النهاية وله سقى الاشجار التى فيها ان لم يفض إلى ظهور شئ من بدن الميت وله الرجوع قبل الحفر وبعده ما لم يوضع فيه الميت قال في التتمة كذا بعد الوضع ما لم يواره لتراب وذكر أن مؤنة الحفر إذا رجع بعد الحفر وقبل الدفن على ولى الميت ولا يلزمه الطم.
واعلم أن الدفن في الارض احدى منافعها كالبناء والغراس وقد ذكرنا خلافا في أن التعرض للمنفعة يشترط في الاعارة أم اطلاق الاعارة تسليط عليه لما فيه من ضرر اللزوم ولو قدر تسليطه عليه لكان ذلك ذريعة إلى الزام عارية الارضين (الثانية) إذا أعار جدارا لوضع الجذوع عليه ففى جوز الجذوع وجهان (ان جوزناه) ففائدته طلب الاجرعة للمستقبل أو التخيير بينه وبين القلع وضمان أرش النقصان فيه وجهان وكل ذلك بالشرح مذكور في كتاب الصلح والذى أجاب به صاحب الكتاب هناك جواز الرجوع وأورد تفريعا عليه الوجهين في فائدة الرجوع (وقوله) ههنا فلا يستفيد بالرجوع قبل الانهدام شيئا حاصله الجواب منع الرجوع لان أثر الرجوع اما طلب الاجرة أو الهدم أو ضمان النقصان وقد تفاهما جميعا في هذا الموضع وكان ذلك منعا من الرجوع الا ترى انه لما امتنع في الصورة السابقة طلب الاجرة والنبش أطلقنا القول بمنع الرجوع إذا كان كذلك جاز اعلام قوله فلا يستفيد بالرجوع قبل الانهدام شيئا - بالواو - وكذلك قوله أذ لا أجرة له وقوله ولا يمكن هدمه وقد بين في الصلح الاصح من الوجهين ماذا وحاول بعض

(11/225)


من شرح هذا الكتاب الجمع بين كلامه ههنا وبين قوله في الصلح فمهما رجع كان له النقص بشرط أن يغرم النقض فحمل ما ذكره في الصلح على ما إذا كان طرف الجذوع على المستعار وما ذكره ههنا على ما إذا كان أحد الطرفين على خاص ملك المستعير لكن فيه نظر من حيث ان الوجه الثاني هناك وهو قوله وقيل فائدة الرجوع المطالبة بالاجرة للمستقبل موجه في الوسيط وغيره بأن الطرف الآخر من خالص ملك المستعير فلا يمكن تمكينه من نقضه فلو كان التصوير هناك فيما إذا كان الطرفان على ملك المعير انتظم ذلك وبالجملة فالائمة لم يفرقوا في حكاية الوجهين في ثبوت الرجوع والوجهين في فائدة الرجوع إذا أثبتناه بين أن يكون على ملك المعير أحد طرفي
الجذوع أو كلاهما قال (فان أعار البتاء والغراس مطلقا لم يكن له نقضه مجانا لانه محترم بل يتخير بين أن يبقى باجرة أو ينقض بأرش أو يتملك ببدل فأيها أراد أجير المستعير عليه.
فان أبى كلف تفريغ الملك.
فان بادر إلى التفريغ بالقلع ففى وجوب تسوية الحفر خلاف لانه كالمأذون في القلع بأصل العارية.
ويجوز للمعير دخول الارض وبيعها قبل التفريغ.
ولايجوز للمستعير الدخول بعد الرجوع الا لمرمة البناء على وجه.
وفى جواز بيعه البناء خلاف لانه معرض للنقض.
ولو قال أعرتك سنة فإذا مضت قلعت مجابا فله ذلك.
ولو لم يشترط القلع لم يكن له الا التخيير بين الخصال الثلاثة كما في العارية المطلقة.
وأذا أعار للزراعة ورجح قبل الادراك لزمه الابقاء إلى الادراك.
وله أخذ الاجرة من وقت الرجوع.
وأذا حمل السيل نواة إلى أرض فأنبتت فالشجرة لمالك النواة.
والظاهر أن لمالك الارض قلعها مجانا إذ لا تسليط من جهته) .

(11/226)


اعارة الارض للبناء والغراس تنقسم إلى مطلقة وهى التى لم تبين لها مدة والى مؤقتة وهو التى بين لها مدة (القسم الاول) المطلقة للمستعير فيها ان يبنى ويغرس ما لم يرجع المعير فإذا رجع لم يكن له البناء والغراس ولو فعل وهو عالم بالرجوع قلع مجانا وكلف تسوية الارض كالغاصب وان كان جاهلا فوجهان كالوجهين فيما لو حمل السيل تواة إلى أرض فنبتت وربما شبهها بالخلاف في تصرف الوكيل جاهلا بالعزل وأما ما بني وغرس قبل الرجوع فان أمكن رفعه من غير نقصان يدخله رفع والا فينظر إن كان قد شرط عليه قلعه مجانا عند رجوعه وتسوية الحفر ألزم ذلك فان امتنع قلعة المعير مجانا وان كان قد شرط القلع دون التسوية لم يجب على المستعير التسوية لان شرط القلع رضاء بالحفر وان لم يشترط القلع أصلا نظر ان أراد المستعير القلع مكن منه لانه ملكه فله نقله عنه فإذا قلع فهل عليه التسوية فيه وجهان (أحدهما) لا لان الاعارة مع العلم بان للمستعير أن يقلع رضى بما يحدث من القلع (وأظرهما) نعم لانه قلع باختياره ولو امتنع منه لم يجبر عليه ويلزمه رد الارض إلى ما كانت عليه وإن لم يختر المستعير القلع لم يكن للمعير قلعه مجانا لانه بناء محترم ولكنه يخير بين ثلاثة خصال (احدها) أن يبقيه باجرة
يأخذها (والثانية) أن يقلع ويضمن أرش النقصان وهو قدر التفاوت بين قيمته ثابتا ومقلوعا (الثالثة) أن يتملكه عليه بقيمته فان اختار القلع وبذل ارش النقص فله ذلك والمستعير يجبر عليه وان اختار احد الخصلتين الاخريين أجبر المستعير عليه أيضا فيما رواه جماعة منهم الامام وأبو الحسين العبادي وصاحب الكتاب وفى التهذيب أنه لابد فيها من رضى المستعير لان احداهما بيع والاخرى إجارة ويمكن أن يقرر وجه ثالث فارق بين التملك بالقيمة فيقال إذا اختاره المعير أجبر المستعير وهو كتملك الشفيع الشقص بهذا وبين الابقاء بالاجرة فيقال إنه لابد فيه من رضى المستعير واستخرج هذا الفرق

(11/227)


من قول من يقول من الاصحاب بتخير المعير بين خصلتين القلع وضمان الارش والتمليك بالقيمة وهذا ما ذكره القاضى أبو على وأكثر العراقيين وغيرهم ويشبه أن يكون هذا أظهر في المذهب والمعنى المرجوع إليه في الباب ان العارية مكرمة ومبرة فلا يليق بها منع المعير من الرجوع ولا تضييع مال المستعير فأثبتنا الرجوع على وجه لا يتضرر به المستعير وربطنا الامر لاختيار المعير لانه الذى صدرت منه هذه المكرمة ولان ملكه الارض وهى أصل والبناء والغراس فرع تابع لها وكذلك يتبعها في البيع.
فإذا عرفت ما ذكرنا أعلمت قوله فايها أراد أجبر المستعير عليه - بالواو - (وأ ما) قوله فان أبى كللف تفريغ الملك فاعلم أن من فوض الامر إلى أتيار المعير في الخصال الثلاثة قال منه الاختيار ومن المستعير الرضى واسعافه بما طلب فان لم يسعفه كلفناه تفريغ أرضه ومن أختار رضى المستعير والتمليك بالقيمة والابقاء بالاجرة فلا يكلفه التفريغ بل يكون الحكم عنده كالحكم فيما إذا لم يختر المستعير شيئا مما خيرناه فيه وسيأتى فليكن قوله فان أبى كلف تفريغ الملك معلما - بالواو - أيضا ثم من قصر خيرة المعير على خصلتي القلع بشرط ضمان الارش والتمليك لاقيمة قالوا لو أمتنع من بذل الارش أو القيمة وبذل المستعير الاجره لم يكن للمعير القلع مجانا وان لم يبذلها فوجهان (أظهرهما) أنه ليس له ذلك أيضا وبه أجاب الذين خيروه بين الخصال الثلاثة إذا امتنع منها جميعا وما الذي يفعل فال بعض الاصحاب منهم أبو على الزجاجي يبيع الحاكم الارض مع البناء والغراس ليفاصل الامر وقال الاكثرون ويحكي عن المزني إنه يعرض الحاكم عنهما إلى أن يختارا شيئا ويجوز للمعير دخول الارض والانتفاع بها والاستضلال

(11/228)


بالبناء والشجر لانه جالس على ملكه وليس للمستعير دخولها للتفرج بغير اذن المعير ويجوز لسقي الاشجار على أصح الوجهين صيانة لملكه عن الضياع ووجه المنع أنه يشغل ملك الغير إلى أن ينتهي إلى ملكه وعلى الاول لو تعطلت المنفعة على صاحب الارض لدخوله قال في التتمة لا يمكن الا بالاجرة ولكل واحد من المعير والمستعير بيع ملكه من الآخر وللمعير بيع الارض من ثالث ثم يتخير المشترى تخير المعير وهل للمستعير بيع البناء من ثالث فيه وجهان (أحدهما) لا لانه في معرض النقض والهدم ولان ملكه عليه مستقر لان المعير بسبيل من تملكه (وأصحهما) لانه مملوك في الحال ولا اعتبار بمكنة تمليك الغير كتمكن الشفيع من تملك الشقص وعلى هذا فيزل المشترى منزلة المستعير وللمعير الخيرة على ما ذكرنا وللمشترى فسخ البيع ان كان جاهلا بالحال.
ولو أن المعير والمستعير اتفقا على بيع الارض بما فيها بثمن واحد فقد قيل هو كما لو كان لهذا عبد ولهذا عبد فباعهما بثمن واحد (والاظهر) الجواز للحاجة ثم كيف يوزع الثمن ههنا وفيما إذا باعاهما على أحد الوجهين في التتمة أنه على الوجهين المذكورين فيما إذا غرس الراهن في الارض المرهونة أشجارا والذى أورده في التهذيب أمه يوزع على الارض مشغوله بالغراس والبناء وعلى ما فيها وحده فحصة الارض للمعير وحصة ما فيها للمستعير وحكم الذخول والانتفاع والبيع على ما ذكرناه في أبتداء الرحوع إلى الاختيار فيما إذا امتنعا من الاختيار واعراض القاضى عنهما على وتيرة واحدة (القسم الثاني) المقيدة بمدة فللمستعير البناء والغراس في المدة الا أن يرجع المعير وله أن يجدد كل يوم غرسا كذا قاله في التهذيب وبعد مضى المدة ليس له إحداث البناء والغراس وإذا رجع المعير عن العارية إما قبل مضى المدة أو بعده فالحكم كما لو رجع في القسم

(11/229)


الاول ويختص هذا القسم بشيئين (أحدهما) أن فيما قبل مضى المدة وجها أنه لا يتمكن من الرجوع كما قدمناه عن مالك (والثانى) أن أبا حنيفة والمزنى جوزا له القلع مجانا فإذا رجع بعد المدة ذهابا إلى أن فائدة ذهاب المدة القلع بعد مضيها مضبوطة ونقل أبو على الزجاجي قولا مثله عن رواية الساجى وهو اختيار القاضى الرويانى ووجه ظاهر المذهب أنه مخير ما لم يشترط نقضه فلا ينقض مجانا كما في
العارية المطلقة وبيان المدة كما يجوز أن يكون المنع من إحداث البناء والغراس بعدها أو طلب الاجرة (وقوله) في الكتاب بل يتخير بين أن يبقى بأجره وينقض بأرش أو يمتلك ببدل المراد من الارش ما مر والتفاوت بين قيمته ثابتا ومقلوعا ومن الاجرة أجرة المثل ومن البدل القيمة عند من يقول باختيار المستعير على ما اختاره المعير منها وما يتفقان عليه ومن الاجرة والابدال عند من يعتبر رضى المستعير (وقوله) لانه معرض للنقل يمكن حمله على نقض الملك بأن يملكه المعير وعلى نقض البناء بأن يقلعه وهو الذي اراد صاحب الكتاب (وقوله) لم يكن له الا التخيير بين الخصال الثلاثة معلم - بالحاء والواو والزاى - وسائر ما يحتاج إلى ذكره من الفاظ الكتاب قد اندرج في اثناء الكلام.
(فرع) قال أبو سعيد المتولي أحد الشريكين إذا بني أو غرس في الارض المشتركة باذن صاحبه ثم رجع صاحبه لم يكن له أن ينقض ويغرم ارش النقصان لانه يتضمن نقض بناء المالك في ملكه ولا أن يمتلك بالقيمة في الارض مثل حقه فلا يمكننا ان نقول الاصل للمعير والبناء تابع له نعم له التقرير بالاجرة فان لم يبذلها الثاني يباع أو يعرض عنهما فيه ما سبق قال الرافعى رحمه الله تعالى في الفصل صورتان إذا أعار أرضا للزراعة فزرعها ثم رجع قبل ادراك الزرع نظر ان كان مما يعتاد

(11/230)


قطعه كلف قطعه والا فقد ذكرنا للمعير خصالا عند رجوعه في البناء والغراس واختلف الاصحاب ههنا فعن صاحب التقريب وجه أن له أن يقلع ويغرم ارش النقصان تخريجا مما إذا رحع في العارية المؤقتة للبناء قبل مضى المدة وعن الطبري انه يملكه بالقيمة وظاهر المذهب أنه ليس كالبناء في هاتين الخصلتين لان للزرع أمدا ينتظر والغراس للتأييد فعلى المعير ابقاؤه للمستعير إلى أوان الحصاد ثم فيه وجهان (أحدهما) ويحكى عن المزني واختاره القاضى الرويانى أنه يبقيه بالاجرة لانه انما أباح المنفعة إلى وقت الرجوع فصار كما إذا أعاره دابة إلى بلد ثم رجع في الطريق عليه نقل متاعه إلى مأمن بأجرة المثل ولو عين المعير للزراعة مدة فانقضت المدة غير مدرك نظر ان كان ذلك لتقصيرة في الزراعة بألتأخير قلع مجانا والا فهو كما لو أعاره مطلقا وان أعار للفسيل قال الشيخ أبو محمد ان كان ذلك مما يعتاد نقله فهو كالزرع والا فكالبناء.
(فرع) قال في التهذيب إذا أعار للزراعة مطلقا لم يزرع الا زرعا واحدا وكذا لو اعار للغراس فغرس وقلع لا يغرس بعده الا باذن من جديد وهذا بين أن المعنى من قولنا فيما إذا أعار للبناء والغراس مطلقا يبنى ويغرس ما لم يرجع المعير لان البناء المأذون فيه جائز له ما لم يرجع والماذون فيه هو البناء مرة واحدة الا إذا كان قد صرح له بالتجديد مرة بعد أخرى (الثانية) إذا حمل السيل حبات أو نويات لغيره إلى أرضه فعليه ردها إلى مالكها ان عرفه والا دفعها إلى القاضى فلو نبتت في أرضه فوجهان (أحدهما) ان مالكها لا يجبر على قلعها لانه لم يوجد منه تعد وعلى هذا هو كالمستعير فينظر في النابت أهو شجر أم زرع ويكون الحكم على ما سبق (وأصحهما) الاجبار لان المالك لم يأذن فيه كما لو انتشرت

(11/231)


أغصان شجره المعير الى هواء داره له قطعها ولو حمل مالا قيمة له من نواة واحدة أو حبة فنبتت فهى لمالك الارض في وجه لان التقويم والمالية حصل في أرضه ولمالك الاصل في وجه لانها كانت محرمة الا خذ فعلى هذا في قلع النابت الوجهان ولو قلع صاحب الشجرة الشجرة فعليه تسوية الارض لانه قصد تخليص ملكه.
قال (الحكم الرابع فصل الخصومة فإذا قال راكب الدابة لمالكها أعرتنيها وقال المالك أجرتكها فالقول قول الراكب.
ولو قال ذلك زارع الارض لمالكها فالقول قول المالك لان عارية الارض نادرة وقيل في المسألتين قولان بالنقل والتخريج.
ولو قال بل عصبتنيها فالقول قول المالك إذا الاصل عدم الاذن.
ولو قال الراكب أركبتنيها وقال المالك أعرتكها فالقول قول المالك إذا الاصل عدم الاجارة فيحلف حتى يستحق القيمة عند التلف وجواز الرجوع عند القيام) .
في ترجمة تساهل فان فصل الخصومة ليس حكما للعارية بخلاف الاحكام السابقة والمقصود بيان مسائل (احداها) إذا قال راكب الدابة لمالكها أعرتنى هذه الدابة وقال المالك أجرتكها مدة كذا بكذا فاما أن يقرض هذا الخلاف والدابة باقية أو هالكة (الحالة الاولى) أن تكون باقية فاما أن يقع الاختلاف بعد مضى مدة لمثلها أجرة والنص في المختصر أن القول قول الراكب مع يمينه ونص في باب الزراعة انه إذا زرع أرض الغير ثم اختلفا هكذا أن القول قول المالك مع يمينه وللاصحاب فيها طريقان (أحدهما) تقرير النصين لان الدواب يغلب فيها الاعارة وفى الاراضي يندر فصدق في كل صورة

(11/232)


من الظاهر معه وذكر في الرقم أن هذا أظهر القفال (وأصحهما) عند الجمهور وبه قال الربيع والمزني وابن سريح أن الصورتين على القولين ثم منهم من يقول بحصولهما على النقل والتخريج ومنهم من يقول خما منصوصان في كل واحد من الصورتين (أصحهما) تصديق المالك وبه قال مالك وكما لو أكل طعام الغير وقال كنت أبحته لى فأنكر المالك فالقول قوله (والثانى) تصديق الراكب والزارع ويحكى هذا عن أبى حنيفة لانهما اتفقا على أن المنفعة مباحة له والمالك يدعى عليه الاجرة والاصل برائة ذمته عنها والى هذا مال السيخ أبو حامد وفرق الائمة بين هذه المسألة وبين ما إذا غسل ثوبه غسال أو خاطه خياط ثم قال فعلته بالاجرة وقال المالك بل مجانا حيث كان القول قول مالك مع يمينه قولا واحدا فان الغسال فوت منفعة نفسه ثم ادعى لها عوضا على الغير وههنا المتصرف فوت منغعة مال الغير واراد أسقاط الصمان عن نفسه فلم يقبل (التفريع) ان صدقنا المالك فعلى ما يحلف حكي الامام عن شيخه في طائفة أنه إنما يحلف على نفى الاعارة التى تدعى عليه ولا يتعرض لاثبات الاجارة مع نفي الاعارة وكان السبب فيه أن ينكر أصل الادلة حتى يتوصل إلى أثبات المال بنفى الاذن ونسبته إلى الغصب وإذا اعترف باصل الاذن فانما يثبت بطريق الاجارة فملكناه الحلف على أثباته

(11/233)


(فان قلنا) لا يتعرض الا لنفى الاعارة فإذا حلف أستحق أقل الامرين من اجرة المثل أو المسمى لانه ان كان أجر المثل أقل لم تقم حجة على الزيادة وان كان المسمى أقل فقد أقر أنه لا يستحق الزيادة (وان قلنا) يتعرض لهما ففيما يستحقه وجهان (أحدهما) المسمى اتماما لتصديقه (وأظهرهما) ويحكي نصا في الام أجرة المثل لانهما لو اتفقا على الاجارة وأختلفا في الاجرة كان الواجب أجرة المثل وإذا أختلفا في أصل الاجارة كان أولى والامام لم يحك الوجه الثاني هكذا ولكن حكى بدله أنه يستحق أقل الامرين كما سبق والتعرض للاجارة على هذا ليس لاثبات المال الذى يدعيه ولكن لينتظم كلامه من حيث انه اعترف باصل الاذن فحصل فيما يستحقه ثلاثة أوجه كما ترى وان نكل المالك عن اليمين المعروضة عليه لم ترد اليمين على الراكب والزارع لانهما لا يدعيان حقا
على المالك حتى يثبتا اليمين وانما يدعيان الاعارة وليست هي حقا لازما على المعير وعن أبى الحسين رمز إلى انها ترد يخلص من الغرم ولو صدقنا الراكب والزارع فإذا حلف على نفى الاجارة كفاه وبرئ وان نكل رد اليمين على المالك واستحق بيمينه المسمى لان اليمين المردودة كالبينة أو كالاقرار وأيهما كان يثبت به المسمى وفيه وجه ضعيف أنه يستحق أجره المثل لان الناكل ينفي أصل الاجارة فيقع المدعى على أثباته (القسم الثاني) أن يقع الاختلاف قبل مضى مدة لمثلها أجرة بل عقب العقد والقول قول الراكب مع يمينه فإذا حلف على نفى الاجارة سقط دعوى الاجارة وردت

(11/234)


اليمين إلى المالك فان نكل حلف المالك اليمين المردودة ويستق الاجرة وانما لم يجئ القولان في هذه الصورة لان الراكب لا يدعى لنفسه حقا ولم يتلف المنافع على المالك فالمدعى على الحقيقة هو المالك وهناك تلفت المنافع تحت يد الراكب بعد القول باحاطتها فهو الذى جر الخلاف (الحالة الثانية) أن تكون الدابة هالكة فان تلفت عقب الاخذ قبل أن يثبت لمثلها أجرة فالراكب يقر بالقيمة والمالك ينكرها ويدعي الاجرة فتخرج على خلاف ما تقدم في ان اختلاف الجهة هل يمنع الاخذ (إن قلنا) نعم سقطت القيمة برده والقول قول من رد الاجرة فيه الطريقان المذكوران في الحالة الاولى (وان قلنا) لا فان كانت الاجرة مثل القيمة أو أقل اخذها بلا يمين وان كانت اكثر أخذ قدر القيمة وفى المصدق في الزيادة الخلاف السابق (وقوله) في الكتاب فالقول قول الراكب معلم - بالميم والزاى - (وقوله) والقول قول المالك معلم - بالحاء - ولا يخفى بعدما ذكرنا في لفظ الكتاب في المسألة وأن كان مطلقا فالمراد منه القسم الاول من الحالة الاولى (المسألة الثانية) إذا قال المتصرف أعرتني هذه الدابة والارض وقال المالك بل غصبتنيها فان لم تمض مدة لمثلها أجرة فلا معنى لهذه المنازعة إذ لم تفت العين ولا المنفعة ويرد المال إلى المالك وان كان النزاع بعد مضي مدة لمثلها أجرة نقل المزني أن القول قول المستعير وللاصحاب فيه طرق ثلاثة (أظهرها) أن الحكم على ما ذكرنا في المسألة الاولى فيفرق بين الدابة وبين الارض على طريق ويجعلان على قولين في طريق لان المالك ادعى أجرة المثل

(11/235)


هاهنا كما يدعى المسمى هناك والاصل براءة لذمة (والثانى) القطع بأن القول قول المالك بخلاف تلك المسألة لانهما متفقان على الاذن هناك وههنا المالك منكر له والاصل عدمه ومن قال بهذا خطأ المزني في النقل قال أبو حامد لكنه ضعيف لان الشافعي رضى الله عنه نص في الام على ما نقله المزني (والثالث) القطع بأن القول قول المتصرف لان الظاهر من حاله أنه لا يتصرف إلا على وجه جائز هذا إذا تنازعا والعين باقية أما إذا كانت هالكة نظر إن هلكت بعد مضى مدة لمثلها أجرة فالمالك يدعى أجرة المثل والقيمة بجهة الغصب والمتصرف ينكر الاجرة ويقر بالقيمة بجهة العارية فالحكم في الاجرة على ما ذكرنا عند بقاء العين (وأما) القيمة فقد قال في التهذيب (إن قلنا) إن اختلاف الجهة يمنع الاخذ فلا يأخذها إلا باليمين (وان قلنا) لايمنع فان قلنا العارية تضمن ضمان الغصب أو لم نقل به ولكن كانت قيمته يوم التلف أكثر أخذها باليمين وان كانت قيمته يوم التلف أقل أخذ بلا يمين وفى الزيادة يحتاج إلى اليمين وان هلكت عقيب القبض وقبل مضى مدة يثبت لمثلها أجرة لزمه القيمة ثم قياس ما نقلناه عن التهذيب الآن أن يقال (ان جعلنا) اختلاف الجهة مانعا من الاخذ حلف والا أخذ من غير يمين وقضية ما ذكره الامام أنه لا تخريج على ذكر الخلاف لا هذه الصورة ولا ما إذا كان الاختلاف بعد مضى مدة يثبت لمثلها أجرة قال لان العين متحدة ولا وقع الاختلاف في الجهة

(11/236)


مع اتحاد العين (والظاهر) الاول (وقوله) في الكتاب والقول قول المالك معلم - بالواو - لما ذكرنا من اضطراب الطرق وربما أعلم - بالزاي - لانه قال في الوسيط قال المزني والقول قول الراكب وهذا ليس بقويم لان المزني لم يقل ذلك ولا صار إليه وانما نقله عن الشافعي رضى الله عنه كما تقدم ثم أخذ يعترض عليه واختياره في المسألة تصديق المالك كما اختار في المسألة الاولى ولو قال المالك غصبتنيها وقال المتصرف بل أجرتني (فالجواب) تفريعا على الاصح أنه ان كانت العين باقية ولم تمض مدة لمثلها أجرة فالمصدق المالك فان حلف استرد المال وان مضت مدة لمثلها أجرة فالمالك يدعى أجرة المثل والمتصرف يقر بالمسمى فان استويا أو كانت أجرة المثل أقل أخذ بلا يمين وان كانت أجرة المثل أكثر أخذ قدر المسمى بلا يمين والزيادة باليمين قال صاحب التهذيب ولا يجئ ههنا خلاف اختلاف الجهة
كما لو ادعى المالك فساد الاجارة والمتصرف صحتها يحلف المالك ويأخذ أجرة المثل وان كان بالاختلاف بعد بقاء العين مدة في يد المتصرف وتلفها فالمالك يدعي اجرة المثل والقيمة والمتصرف يقر بالمسمى وينكر القيمة فللمالك أخذ ما يقر به بلا يمين وأخذ ما ينكره باليمين ولو قال المالك غصبني وقال صاحب اليد بل أودعتني فيحلف المالك على الاصح ويأخذ القيمة ان تلف المال وأجرة المثل ان مضت مدة لمثلها أجرة (الثالثة) قال راكب الدابة أكريتنيها وقال المالك بل أعرتكها فان اختلفا والدابة باقية

(11/237)


فالمصدق المالك في نفى الاجارة لان الراكب يدعي استحقاق المنفعة عليه والاصل عدمه فإذا حلف استردها فان نكل الراكب واستحق الامساك ثم ان كان قد مضى مدة لمثلها أجرة فالراكب يقر له بالاجرة والمالك ينكرها ولا يخفى حكمه وان كان الاختلاف بعد هلاك الدابة فان هلكت عقيب القبض فالمذهب أن المالك يحلف ويأخذ القيمة لان الراكب أتلف عليه ماله ويدعى أنه أباحه له والاصل عدمه وخرج قول مما مر في المسألة الاولى أن المصدق الراكب لان الاصل براءة ذمته وان هلكت بعد مدة لمثلها أجرة فالمالك يدعى القيمة وينكر الاجرة والراكب يقر بالاجرة وينكر القيمة (فان قلنا) اختلاف الجهة يمنع الاخذ حلف وأخذ القيمة ولاعبرة باقرار الراكب (وان قلنا) لايمنع وهو الاصح فان كانت القيمة والاجرة سواء أو كانت القيمة أقل أخذها بلايمين وان كانت القيمة أكثر أخذ الزياد باليمين.
(فرع) إذا استعمل المستعير العارية بعد رجوع المعير وهو جاهل بالرجوع لم تلزمه الاجرة ذكره القفال.
(فرع) إذا مات المستعير.
وجب على ورثته الرد وان لم يطالب المعير.

(11/238)