فتح العزيز بشرح الوجيز = الشرح الكبير

 (كتاب المساقاة)
(وفيه بابان) (الباب الاول في أركانها) قال (وهى أربعة (الاولى متعلق العقد) وهو الاشجار إذ عليها يستعمل العامل بجزء من الثمار
كما يستعمل عامل القراض إلا أن المساقاة لازمة مؤقتة يستحق (و) الثمار فيها بمجرد الظهور بخلاف القراض * وأصلها ماروى أنه صلى الله عليه وسلم " ساقى أهل خيبر على النصف من الثمر والزرع ") * صورة المساقاة أن يعامل انسانا على نخله ليتعهدها بالسقي والتربية على أن ما رزق الله تعالى

(12/99)


من ثمره تكون بينهما ولفظ المساقاة مأخوذ من السقى لان أنفع الاعمال وأكثرها مؤنة أو تعبا السقى خاصة بالحجاز لان أهلها يسقون من الابار والمعتمد في جوازها أن ابن عمر رضى الله عنه روى أن النبي صلى الله عليه وسلم " عامل أهل خيبر على شطر مايخرج منها من ثمر أو زرع " ومن جهة المعنى أن مالك

(12/100)


الاشجار قد لا يحسن تعهدها ولا يتفرع له ومن يحسن ويتفرغ قد لا يملك الاشجار فيحتاج ذلك إلى الاستعمال وهذا إلى العمل ولو تعاقدا عقد الاجارة للزم المالك غرم الاجرة في الحال وربما لا يحصل له من الاشجار شئ ويتهاون العامل فلم يبذل المجهود في تعهدها لانه لا يتحصل من فوائدها على شئ فدعت الحاجة إلى تجويز هذا العقد وبه قال مالك وأحمد وخالف فيه أبو حنيفة وقد يقيس الاصحاب المساقاة على القراض في الحجاج معه ومسائل الكتاب مذكورة في بابين (أحدهما) في أركان العقد (والثانى) في أحكامه كما ذكر في القراض (وأما) التفاسخ والتنازع فلم يفرد لهما بابا لان حظهما من هذا العقد أما التفاسخ فلانه لازم وسبيل الفسخ

(12/101)


فيه سبيل الاقالات (وأما) التنازع فلانه معلوم مما ذكره في القراض وقد أشار إليه إشارة خفية في آخر الكتاب * (الباب الاول في الاركان) وهى كأركان القراض إلا أنه ذكر العاقدين اكتفاء بما مر في القراض فبقيت أربعة (إحدهما) الاشجار وهى كرأس المال في القراض لانها محل العمل والتصرف كالمال هناك (وقوله) متعلق العقد يمكن أن يطابق فيه فيقال العقد كما يتعلق بالاشجار يتعلق بالثمار ولذلك عد الثمار ركنا للعقد وليس للترجمة اختصاص بالاشجار نعم لو قال متعلق العمل كان قريبا (وقوله) إلا أن المساقاة لازمة
إلى آخره لا يخفي على الناظر أن لفظ الكتاب استثناء محققا ثم الغرض منه بيان أن العقدين يشتركان

(12/102)


في الاكثر ويفترقان في الاقل وذكر في افتراقهما مسائل (إحدهما) المساقاة ليس لاحد المتعاقدين فسخها بخلاف القراض لان العمل في المساقاة يقع في أعيان تبقى بحالها وفي القراض لاتبق الاعيان بعد العمل والتصرف فكان القراض شبيها بالوكالة والمساقاة بالاجارة وأيضا فانا لو حكمنا بالجواز فربما يفسخ المالك بعد العمل وقبل ظهور الثمار وحينئذ فاما أن نقطع حق العامل عنها أو لانقطع إن قطعناه ضاع شقاء العامل مع بقاء تأثيره في الثمار وانه ضرر وان لم نقطعه لم ينتفع المالك بالفسخ بل يتضرر لحاجته إلى القيام ببقية الاعمال ويخالف القراض فان الربح ليس له وقت معلوم ولا تأثيره بالاعمال السابقة فلا يلزم من فسخه ما ذكرناه (الثانية) المساقاة لابد من تأقيتها كالاجارة وسائر

(12/103)


العقود اللازمة وهذا لانها لو تأبدت لتصور من ليس بمالك بصور المالكين وفيه إضرار بالمالكين وأيضا فان المساقاة تفتقر إلى مدة يقع فيها التعهد وخروج الثمار ولحصول الثمار غاية معلومة يسهل ضبطها والقراض يخل به التأقيت لان الربح ليس له وقت معلوم فربما لا يحصل في المدة المقدرة (الثالثة) هل يملك العامل نصيبه من الثمار بالظهور فيه طريقان (إحداهما) انه على القولين في ربح مال القراض (وأظهرهما) القطع بانه يملك والفرق أن الربح وقاية لرأس المال عن الخسران فلا يملك الربح حتى يسلم رأس المال عن الخسران المحوج إلى الجبران والثمر ليست وقاية للاشجار * قال (وللاشجار ثلاث شرائط (الاول) أن يكون نخيلا أو كرما * وفيما عداهما من الاشجار

(12/104)


المثمرة قولان * وكل ما يثبت أصله في الارض فشجر إلا البقل (و) فانه يلتحق بالزرع والبطيخ والباذنجان وقصب السكر وأمثاله) * المساقاة على النخل وردت بها السنة والكرم في معناها (وأما) غيرها من النبات فينقسم إلى ماله ساق والى غيره (القسم الاول) ماله ساق وهو على ضريين الاول ماله ثمر كالتين والجوز
واللوز والمشمش والتفاح ونحوها وفيها قولان القديم وبه قال مالك وأحمد أنه تجوز المساقاة عليها للحاجة كالنخل والكرم وأيضا فقد روى أنه صلى الله عليه وسلم " عامل أهل خيبر بالشطر مما يخرج من النخل والشجر " والجديد المنع لانها أشجار لا زكاة في ثمارها فأشبهت الاشجار الواقعة في الضرب

(12/105)


الثاني وتخالف النخيل والكرم لان ثمارها لاتكاد تحصل الا بالعمل وسائر الاشجار يثمر من غير تعهد وعمل عليها ولان الزكاة تجب في ثمرتها فجوزت المساقاة سعيا في تثميرها ليرتفق بها المالك والعامل والمساكين جميعا ولان الخرص يتأتى في ثمرتها لظهورها وتدلى عنا قيدها وثمار سائر الاشجار تنتشر وتستتر بالاوراق فإذا تعذر الخرص تعذر تضمين الثمار للعامل وربما لا يثق المالك بأمانته فاذن تجويز المساقاة عليها أهم وفي الشجر المقل وجهان تفريعا على الجديد (عن) ابن سريج تجويز المساقاة عليها تخريجا لظهور ثمرتها (وقال) غيره بالمنع لانه لا زكاة فيها (والضرب الثاني) مالا ثمرة له كالدلب والصنوبر وما أشبههما فلا تجوز المساقاة عليها وعن الشيخ أبى على وآخرين انا إذا جوزنا المساقاة

(12/106)


على غير النخل والكرم من الاشجار المثمرة ففى المساقاة على شجر الفرصاد وجهان تنزيلا لاوراقها منزلة ثمار الاشجار المثمرة وكذلك في شجر الخلاف لاغصانها التى تقصد كل سنة أو سنتين (والقسم الثاني) مالا ساق لها من النبات فلا تجوز المساقاة عليه ومنه البطيخ والقثاء وقصب السكر والباذنجان والبقول التى لا تثبت في الارض ولا تجز إلا مرة (وأما) ما يثبت في الارض ويجز مرة بعد أخرى نقل صاحب التتمة فيه وجهين (الاصح) المشهور المنع لان المساقاة جوزت رخصة على خلاف القياس فلا تتعدى إلى غير موردها ومن هذا القبيل الزروع على تنوعها فلا يجوز أن يعامل على الارض ببعض مايخرج من زرعها على ما سنشرحه في الفصل الذي يلى هذا الفصل (وقوله) في الكتاب

(12/107)


وفيما عداه من الاشجار المثمرة قولان فيه لفظان الشجرة والاثمار أما الاثمار ففي التقييد به بيان انه إذا لم يكن الشجر مثمرا لم تجز المساقاة عليه جزما وليس ذلك محل القولين (وأما) الشجر فقد بينه
بقوله وكل ما ثبت أصله فشجر أي هو الذي يجرى فيه القولان (أما) مالا ثبات له فلا يقع عليه اسم الشجر وليس ذلك موضع القولين (وقوله) إلا البقل يعني أنه مع ثبوت عروقه في الارض لا يقع عليه اسم الشجر ولا يجرى فيه القولان فكان اسم الشجر مخصوصا بذي الساق في عرف اللسان قال الله تعالى (والنجم والشجر يسجدان) قيل في التفسير النجم مالا ساق له من النبات والشجر ماله ساق فلا يبعد اعلام قوله إلا البقل بالواو للوجه المروى في التتمة *

(12/108)


قال (ولا يجوز (و) هذه المعاملة عليه لنهيه عليه الصلاة والسلام عن المخابرة وهى أن يكون البذر من العامل * وعن المزارعة وهى (و) أن يكون البذر من المالك * نعم يجوز ذلك على الاراضي المتخللة بين النخيل والكرم تبعا للمساقاة بشرط اتحاد العامل وعسر افراز الاراضي بالعمل * فلو وقعت متغايرة بتعدد الصفقة أو بتفاوت الجزء المشروط من الزرع والثمر أو بكثرة الاراضي وان عسر افرازها بالعمل أو بكون البذر من العامل ففى بقاء حكم التبعية في الصحة خلاف) * المخابرة من الخبير وهو الاكار ويقال هي مشتقة من الخبار وهى الارض الرخوة ثم ذهب بعض الاصحاب إلى أن المخابرة المزارعة عبارتان عن معبر واحد ويوافقه قوله في الصحاح والخبير

(12/109)


الاكار ولفظ المخابرة وهى المزارعة ببعض مايخرج من الارض والصحيح وهو ظاهر نص الشافعي رضى الله عنه انهما عقدان مختلفان فالمخابرة هي المعاملة على الارض ببعض مايخرج منها والبذر من العامل والمزارعة هي هذه المعاملة والبذر من مالك الارض وقد يقال المخابرة اكثراء الارض ببعض مايخرج منها والمزارعة اكتراء العامل ليزرع الارض ببعض مايخرج منها وهذا المعنى لا يختلف ويجوز أن يعلم قوله في الكتاب وهو أن يكون البذر على العامل وكذا وهى أن يكون البذر من المالك بالواو إشارة إلى قول من قال هما عبارتان عن معبر واحد فان عند ذلك القائل ليس واحدا من هذين الخصومين بداخل في واحد من اللفظين بل هما عبارتان عن مجرد المعاملة على الارض

(12/110)


ببعض مايخرج منها وقد اشتهر في الاخبار النهى عن المخابرة " قال ابن عمر كنا نخابر ولا نرى بذلك بأسا حتى أخبرنا رافع بن خديج أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عنه فتركناها لقول رافع " وعن جابر وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم " نهي عن المخابرة " وأما المزارعة فعن رواية ثابت بن الضحاك أن النبي صلى الله عليه وسلم " نهى عن المزارعة " وقال كثيرون لم يرد فيها نهى لكنها شبهت بالمخابرة فأبطلت وساعدنا على ابطال المخابرة والمزارعة معا مالك وأبو حنيفة وأبطل أحمد المخابرة وكذلك المزارعة فيجوز أن يعلم لذلك قوله في الكتاب فلا تجوز هذه المعاملة عليه كذلك بالواو لان ابن سريج فيما حكاه المسعودي جوز المزارعة إذا تقرر ذلك فمهما أفردت الارض مخابرة

(12/111)


أو مزارعة فالعقد باطل ثم ان كان البذر للمالك فالريع له وللعامل أجرة مثل عمله وأجرة مثل الالات والثيران إن كانت له وان كان للعامل فالريع له ولمالك الارض أجرة مثل الارض على العامل وان كان البذر بينهما فالريع بينهما ولكل واحد منهما على الاخر أجرة ما انصرف من المنافع المستحقة له إلى جهة المزارعة وإذا أراد أن يكون الزرع بينهما على وجه مشروع من غير أن يرجع أحدهما على الاخر شئ نظر ان كان البذر بينهما والارض لاحدهما والعامل والالات للثاني فعن الشافعي رضى الله عنه أن صاحب الارض يعير نصف أرضه من العامل ويتبرع العامل بمنفعة بدنه ومنفعة آلاته فيما يتعلق بصاحب الارض وقال المزني يكرى صاحب الارض نصف أرضه من العامل بعشرة مثلا ويكرى

(12/112)


العامل ليعمل على نصيبه بنفسه وآلاته بعشرة ويتقاصان قال الاصحاب يكريه نصف أرضه بنصف منافع العامل ومنافع آلاته المصروفة إلى الزراعة فهذه ثلاث طرق (والثالث) أحوطها وان كان البذر لاحدهما خاصة فان كان لصاحب الارض أقرض نصف البذر من العامل واكترى منه نصف الارض بنصف عمله ونصف منافع الالات وحينئذ لا شئ لاحدهما على الاخر إلا رد القرض وان شاء استأجر العامل بنصف البذر ونصف منفعة تلك الارض ليزرع له النصف الاخر وأعار منه نصف الارض وإن شاء استأجر بنصف البذر بنفقة تلك الارض ليزرع ما يبقى من ذلك البذر في تلك الارض وان
كان البذر للعامل فان شاء أقرض نصف البذر من صاحب الارض واكترى منه نصف الارض بنصف عمله ومنافع الالا ت وان شاء اكترى نصف الارض بنصف البذر ويتبرع بعمله ومنافع الالات وان شاء اكترى منه نصف الارض بنصف البذر ونصف عمله ونصف منافع الالات ولابد في هذه

(12/113)


الاجارات من رعاية الشرائط كرؤية الارض والالات وتقدير المدة وغيرها هذا إذا أفردت الارض بالعقد أما إذا كان بين النخيل بياض تجوز المزارعة عليه مع المساقاة على النخيل وعلى ذلك يحمل ماروى أنه صلى الله عليه وسلم " ساقى أهل خيبر على نصف التمر والزرع " وسببه الحاجة لعسر الافراد ومداخلة البستان وشرط فيه اتحاد العامل فلا يجوز أن يساقى واحد ويزرع آخر لان غرض الاستقلال لا يحصل ويشترط أيضا تعذر افراد النخيل بالسقى وأفراد البياض بالعمل لانتفاع النخيل بسقيه وتغليته فان أمكن الافراد لم تجز المزارعة على البياض واختلفوا في اعتبار أمور أخر (أحدها) اتحاد الصفقة واعلم أن لفظ المعاملة يشمل المساقاة والمزارعة فلو قال عاملتك على هذه النخيل والبياض بينهما بالنصف كفى (وأما) لفظ المساقاة والمزارعة فلا يغنى أحدهما عن الاخر بل يساقى على النخيل ويزارع على البياض وحينئذ فان قدم المساقاة نظر ان أتى بها على الاتصال فقد اتحدت الصفقة وتحقق الشرط وان فصل بينهما

(12/114)


ففى وجه تصرح المزارعة لحصولهما لشخص واحد والاصح المنع لانها تبع ولايجوز افرادها كما لو زارع مع غير عامل زارع المساقاة وان قدم المزارعة فسدت فان البائع لايتقدم على المتبوع كما لو باع بشرط الرهن لا يجوز تقديم شرط الرهن على البيع وفيه وجه أنها تنعقد موقوفة أن ساقاه بعدها على النخيل بأن صحتها وإلا فلا (والثانى) لو شرط للعامل من الثمر النصف ومن الزرع الربع فأحد الوجهين أنه لا يجوز ويشترط تساوى المشروط لان الفضيل يبطل التبعية ألا ترى أنه لو باع شجرة عليها ثمرة لم يبد فيها الصلاح وقال بعتك الشجرة بعشرة والثمرة بدينار لم يجز إلا بشرط القطع (وأصحهما) الجواز لان المزارعة وان جوزت تبعا للمساقاة فكل منهما عقد برأسه (والثالث) لو كثر البياض المتخلل فوجهان وان عسر الافراد (أحدهما) المنع لان الاكثر لايتبع الاقل
(وأصحهما) الجواز لان الحاجة لا تختلف ثم النظر في الكثرة إلى زيادة الثمار والانتفاع أو إلى ساحة

(12/115)


البياض وساحة مغارس الاشجار فيه تردد للائمة (والرابع) لو شرط كون البذر من العامل جاز في أحد الوجهين وكانت المخابرة تبعا للمساقاة كالمزارعة ولم تجز في أصحهما لان الخبر ورد في المزارعة وهى أشبه بالمساقاة لانه لا يتوظف فيهما على العامل إلا العمل وشرط أن يكون البذر من المالك والثور من العامل أو بالعكس فيه وجهان عن أبى عاصم العبادي (والاصح) الجواز إذا كان البذر مشروطا على المالك لانه الاصل فكأنه اكترى العامل وثوره (قال) وان حكمنا بالجواز فيما إذا شرط الثور على المالك والبذر على العامل فينظر ان شرط الحب والتبن بينهما جاز وكذا لو شرط الحب بينهما والتبن لاحدهما لاشتراكهما في المقصود وان شرط التبن لصاحب الثور المالك والحب للاخر لم يجز لان المالك هو الاصل فلا يحرم المقصود وإن شرط التبن لصاحب البذر وهو العامل (فوجهان) وقيل لا يجوز شرط الحب لاحدهما والتبن للاخر أصلا لانه شركة مع الانقسام

(12/116)


فأشبه ما إذا ساقاه على الكروم والاشجار وشرط ثمار الكروم لاحدهما وثمار الاشجار للاخر (واعلم) أنهم أطلقوا القول في المخابرة بوجوب أجرة المثل للارض لكن في فتاوى القفال والتهذيب وغيرهما أنه لو دفع أرضا إلى رجل ليغرس أو يبنى أو يزرع فيه من عنده على أن تكون بينهما على النصف فالحاصل للعامل وفيما يلزمه من أجرة الارض وجهان (أحدهما) أن الواجب نصف الاجرة لان نصف الغراس كأن يغرسه لرب الارض باذنه فكأنه رضى ببطلان نصف منفعته من الارض (وأصحهما) وجوب الجميع لانه لم يرض ببطلان نصف المنفعة إلا إذا حصل له نصف الغراس فاذالم يحصل وانصرف كل المنفعة للعامل استحق كل الاجرة فاذن ما أطلقوه في المخابرة اقتصار منهم على الاصح ثم العامل يكلف نقل البناء والغراس إن لم تنقص قيمتها وان نقصت لم يقلع مجانا للاذن ويتخير مالك الارض فيهما تخير المعير والزرع يبقى إلى الحصاد ولو زرع

(12/117)


العامل البياض بين النخيل من غير عقد قلع زرعه مجانا وعن مالك رضى الله عنه أنه ان كان دون ثلث البستان كان تابعا وإذا لم نجوز المساقاة على ما سوى النخيل والكروم من الاشجار المثمرة على الانفراد ففى جوازها تبعا للمساقاة كالمزارعة وجهان * قال (الثاني أن لا تكون الثمار بارزة * وان ساقى بعد البروز (م) فسد على القديم وصح على الجديد لانه عن الغرر أبعد إذ العوض موثوق به) * لو أخر هذا الشرط إلى الركن الثاني لكان جائزا أو أحسن وفقهه أن في جواز المساقاة بعد خروج الثمار قولين رواية البويطى المنع لان الثمرة إذا ظهرت وملكا رب البستان كأن شرط شئ منها كشرط شئ من النخيل وأيضا مقصود المساقاة أن تخرج الثمار بعمله وفي الام أنه جائز وبه قال مالك وأحمد وهو الاصح لان العقد والحالة هذه أبعد عن الغرر والوثوق بالثمار فهو أولى بالجواز

(12/118)


وفي موضع القولين ثلاثة طرق جمعها من شرح مختصر الجوينى (أظهرها) أن القولين فيما إذا لم يبد الصلاح فيها فأما بعده فلا تجوز بلا خلاف لان تجويز المساقاة لتربية الثمار وتنميتها وهى بعد الصلاح لا تتأثر بالاعمال (والثانى) إجراء القولين فيما إذا بدا الصلاح وفيما إذا لم يبد ما لم يتناه نضجها فان تناه ولم يبق إلا الجذاذ لم يجز بلا خلاف (والثالث) إجراء القولين في جميع الاحوال وهذه قضية إطلاق المصنف فأما إذا كان بين النخيل بياض تجوز المزارعة عليه تبعا فلو كان فيه زرع موجود ففى جواز المزارعة وجهان بناء على هذين القولين ويجوز اعلام قوله في الكتاب فسد بالميم والالف لما

(12/119)


ذكرناه من مذهبهما وتعبيره عن القولين بالقديم والجديد شئ اتبع فيه الامام ولم يتعرض الجمهور لذلك ولا يمكن تنزيل القديم على رواية البويطى فان كتابه معدود من الجديد (وقوله) إذ العوض موثوق به أي عوض العمل وهو الثمار * قال (الثالث أن تكون الاشجار مرئية وإلا فهو باطل للغرر * وقيل انه على قولى بيع الغائب) * هل يشترط في المساقاة رؤية الحديقة والاشجار فيه طريقان (أحدهما) أنه على قولى بيع الغائب
(وثانيهما) القطع بالاشتراط وابطال العقد عند عدم الرؤية لان المساقاة عقد غرر من حيث أن العوض

(12/120)


معدوم في الحال وهما جاهلان بمقدار ما يحصل وبصفته فلا يحتمل فيه غرر عدم الرؤية أيضا وايراد الكتاب يقتضى ترجيح هذه الطريقة * قال (الركن الثاني الثمار وليكن مخصوصا بما شرط على الاستبهام معلوما (و) بالجزئية لا بالتقدير كما في القراض) * ويشترط في الثمار أن تكون مخصوصة بالمتعاقدين ومشتركة بينهما ومعلومة وأن يكون العلم بها من حيث الجزئية دون التقدير وهى بعينها شروط الربح في عقد القراض فلو شرط بعض الثمار لثالث فسد العقد وكذا لو قال ساقيتك على أن كل الثمار لك أو كلها لى وفى استحقاق الاجرة عند شرط الكل للمالك وجهان كما في القراض (قال) المزني وهو الاصح لا أجرة له لانه عمل مجانا (وقال) ابن سريج يستحقها لان المساقاة تقتضي العوض فلا تسقط بالتراضى كالوطئ في النكاح ولو قال ساقيتك على أن لك جزءا من الثمار فسد أيضا ولو قال على أنها بيننا أو على ان نصفها لى

(12/121)


وسكت عن الباقي أو على أن نصفها لك وسكت عن الباقي أو على أن ثمرة هذه النخلة أو النخلات لك أولى والباقى بيننا أو على أن صاعا من الثمرة لك أولى والباقى بيننا فكل ذلك كما في القراض وقوله في الكتاب مشروطه على الاستبهام أي على الاشتراك وقد استعمل الاستبهام والمساهمة بمعنى الاشتراك والمشاركة وان كان الاصل في الاستبهام الاقتراع وهذا بدل قوله في القراض عند ذكر شروط الربح مشتركا وقد تقرأ هذه اللفظة على الاستبهام ذهابا منه إلى أن المراد منه ضد التعيين والتقدير ليخرج عنه ما إذا شرط ثمرة نخلة بعينها لاحدهما والتقدم بصاع وما اشبهه لكن الاول أولى لان هذا معنى قوله بالجزئية لا بالتقدير ويجوز اعلامه بالواو لان صاحب التتمة حكى وجها في صحة المساقاة إذا شرط كل الثمرة للعامل لغرض القيام وتعهد الاشجار وتربيتها * قال (ولو ساقى على ودى غير مغروض ليغرسه فهو فاسد (و) فانه كتسليم البذر * وان كان مغروسا
وقدر العقد بمدة لا يثمر فيها فهو باطل * وان كان يتوهم وجود الثمار فان غلب الوجود صح (و) * وان

(12/122)


غلب العدم فلا (و) * وان تساوى الاحتمالات فوجهان * ثم ان ساقى عشر سنين وكانت الثمرة لا تتوقع إلا في العاشرة جاز فيكون ذلك في مقابلة كل العمل كالاشهر في سنة واحدة) * إذا ساقاه على ودى ليغرسه ويكون الشجر بينهما فالعقد فاسد لانه كتسليم البذر في المزارعة وان قال لتغرسه وتتعهد الشجرة مدة كذا على أن تكون الثمرة الحاصلة بيننا فهو فاسد أيضا لانه قد لا يعلق ولا حاجة إلى احتمال هذا النوع من الضرر وأيضا فالغراس ليس من أعمال المساقاة فضمنه إليها كضمنه غير التجارة إلى عمل القراض وإذا عمل العامل في هذا العقد الفاسد استحق أجرة المثل إن كانت الثمار متوقعة في تلك المدة والا فعلى ما ذكرنا من خلاف المزني وابن سريج وفي المسألة وجه أن الحكم كما لو كان الودى مغروسا وساقاه عليه لان الحاجة قد تدعو إليه في المساقاة وابعد منه وجه عن حكاية صاحب التقريب فيما إذا شرط بعض الشجرة للعامل ولو ساقاه على ودى مغروس نظر إن قد للعقد مدة لا يثمر فيها في العادة لم تصح المساقاة لخلوها عن العوض وكالمساقاة على الاشجار التى لا تثمر وإذا

(12/123)


عمل ففى إستحقاق أجرة المثل الخلاف السابق قال الامام هذا إذا كان عالما بانها لا تثمر فيها وان كان جاهلا قطعنا باستحقاق الاجرة وإن قدرت بمدة يثمر فيها غلبا صح ولا بأس بخلو أكثر سنى المدة عن الثمرة مثل ن يساقيه عشر سنين والثمرة لا تتوقع إلا في العاشرة وتكون هي بمثابة الاشهر من السنة الواحدة ثم ان اتفق انها لم تثمر لم يستحق العامل شيئا كما لو قارضه فلم يربح أو ساقاه على النخيل المثمرة فلم تثمر فان قدره بمدة يحتمل ان لا تثمر فوجهان (أصحهما) المنع وبه قال أبو إسحق لانه عقد على عوض غير موجود ولا غالب الوجود فاشبه السلم في معدوم إلى وقت يحتمل أن يوجد فيه ويحتمل خلافه (والثانى) يصح ويكتفى بالاحتمال ورجاء الوجود فعلى هذا إن اثمرت استحق والا فلا شئ له وعلى الاول يستحق اجرة المثل لانه عمل طامعا هذه الطريقة التى ذكرها عامة الاصحاب وعلوا توقع حصول الثمرة على ثلاث مراتب كما فصلنا ونسب الامام هذه الطريقة إلى القاضى وحكى
طريقتين أخرتين (احداهما) أنه ان غلب عدمها في تلك المدة بطل وإلا فوجهان (الثانية) ان غلب وجودها

(12/124)


صح وإلا فهوجهان فيجوز أن يعلم للاولى قوله فان غلب الوجود صح بالواو وللثانية قوله فان غلب العدم فلا (واعلم) أن صور الفصل مبنية على تجويز المساقاة أكثر من سنة وهو الصحيح وستعرف ما فيه من الخلاف * (فرع) دفع إليه وديا ليغرسه في أرض نفسه على أن يكون الغراس للدافع والثمار بينهما فهو فاسد أيضا ولصاحب الارض أجرتها على العامل * قال (ولو قال ساقيتك على أن لك من الصيحانى نصفه ومن العجوة ثلثه لم يصح إلا إذا عرف مقدار الاشجار * وإن شرط النصف منهما لم يشترط معرفة الاقدار * ولو ساقاه على إحدى الحديقتين لا بعينهما * أو على أنه إن سقى بماء السماء فله الثلث أو بالدالية فله النصف فهو فاسد لتردده بين جهتين) * إذا كان في الحديقة نوعان من الثمر فصاعدا كالصيحاني والعجوة والدقل فساقي مالكها رجلا

(12/125)


على أن له من الصيحانى النصف ومن العجوة السدس أو الثلث نظر ان علما قدر كل نوع جاز كما لو ساقاه على حديقتين على أن له النصف من هذه والثلث من هذه وان جهلا أو أحدهما لم يجز لما فيه الغرر فان المشروط فيه أقل الجزأين قد يكون أكثر النصيبين ومعرفة كل نوع من الاشجار انما يكون بالظن والتخمين دون التحقيق وان ساقاه على أن له النصف أو الثلث من الكل صحت المساقاة وان جهلا أو أحدهما قدر كل نوع قال ابن الصباغ والفرق أن قدر حقه من ثمرة الحديقة ههنا معلوم بالجزئية وانما المجهول النوع والصفة وهناك القدر مجهول أيضا لاحتمال اختلاف ثمرة النوعين في القدر وحينئذ يكون قدر ماله من ثمرة الكل مجهولا لان المستحق على أحد التقديرين نصف الاكثر وثلث الاقل وعلى الثاني ثلث الاكثر ونصف الاقل والاول أكثر من الثاني ومعلوم أن الجهل بالقدر أشد ولو ساقاه على احدى الحديقتين من غير تعيين أو على أنه ان سقى بماء السماء فله الثلث أو بالدالية فله
النصف لم يصح للجهل بالعمل والعوض وهو كما لو قارضه على أنه ان تصرف وربح كذا فله النصف أو

(12/126)


كذا فله الثلث ولو ساقاه على حديقة بالنصف على أن يساقيه على أخرى بالثلث أو سنة أخرى أو على أن يساقيه العامل على حديقته فهو فاسد وهل تصح المساقاة (الثانية) قال في التهذيب ان عقدها على شرط العقد الاول لم تصح والا فتصح وقد مر نظيره في الرهن * قال (ولو ساقى شريكه في الحديقة وشرط له زيادة صح ان استبد بالعمل * وان شارك الاخر بالعمل فلا) * حديقة بين اثنين على السواء ساقى احداهما الاخر وشرط له زيادة على ماكان يستحقه بالملك كما إذا شرط له ثلثى الثمرة فالعقد صحيح وقد دفع إليه نصيبه بثلث ثمرته وإن شرط له نصف الثمار أو ثلثها لم يصح لانه يثبت له عوضا بالمساقاة إذ النصف مستحق له بالملك بل يشترط عليه في الصورة الثانية أن يترك بعض ثمرته أيضا وإذا عمل في الصورتين ففى استحقاقه الاجرة اختلاف المزني وابن سريج ولو شرط له جميع الثمرة فسد العقد وهل له الاجرة فيه وجهان لانه لم يعمل له الا أنه انصرف إليه ولو شرط في المساقاة

(12/127)


مع الشريك بان يتعاونا على العمل فسدت وإن اثبت له زيادة على ما يستحقه بالملك كما لو ساقى اجنبيا على هذا الشرط ثم تعاونا واستويا في العمل فلا اجرة لواحد منهما على الاخر وأن تعاونا فان كان عمل من شرط له زيادة اكثر استحق على الاخر الحصة من عمله وان كان عمل الاخر اكثر ففى استحقاقه الاجرة خلاف المزني وان سريج وقوله في الكتاب صح ان استبد بالعمل وإن شاركه الاخر في العمل فلا ليس فيه تعريض للاشتراك لكنه محمول عليه معناه فان شرط مشاركة الاخر أما المعاونة من غير شرط فهى غير ضائرة وكذا قوله ان استبد بالعمل معناه أن فاده العقد بالاستبداد بشرط الاستبداد أو باطلاق العقد ولو ساقى شريكا الحديقة رجلا وشرطا له جزأ من ثمرة الحديقة جازو ان لم يعلم العامل نصيب كل واحدا منهما وان قالا على أن لك من نصيب احدنا النصف ومن نصيب الاخر الثلث من غير تعين لم يجز فإن عينا فان علم نصيب كل واحد منهما جاز والا فلا *
(فرعان) الاول لو كانت الحديقة لواحد وساقى اثنين على أن لاحدهما نصف الثمرة وللاخر ثلثها أما

(12/128)


في صفقة أوفي صفقتين جاز إذا تميز من له النصف ومن له الثلث (الثاني) حديقة بين ستة اسداسا ساقوا عليها واحدا على أن له من نصيب احدهم النصف ومن نصيب الثاني الربع ومن الثالث ومن الرابع الثلثين ومن الخامس الثلث ومن السادس السدس فحسابه إن مخرج النصف والربع يدخلان في مخرج الثمن ومخرج الثلثين والثلث يدخلان في مخرج السدس فتبقى ستة وثمانية وبينهما موافقة بالنصف نضرب نصف احدهما في جميع الاخر يكون أربعة وعشرين نضربه في عدد الشركاء وهو ستة يبلغ مائة وأربعة واربعين

(12/129)


لكل واحد منهم اربعة وعشرين ياخذ العامل ممن شرط له النصف اثنى عشر ومن الثاني ستة ومن الثالث ثلاثة ومن الرابع ستة عشر ومن الخامس ثمانية ومن السادس اربعة فيجتمع له تسعة وأربعون ويبقى الملاك على تفاوتهم فيه خمسة وسبعون * قال (الركن الثالث العمل وشرطه أن لا يضم إليه عمل ليس من جنس المساقاة * وأن لا يشترط مشاركة المالك معه في اليد بل يستبد العامل باليد * ثم لو شرط دخول المالك أيضا لم يضر (و) * وأن لا يشترط عمل المالك معه بل ينفرد بالعمل * ولو شرط أن يعمل معه غلام المالك صح على النص *

(12/130)


ثم النفقة على المالك إلا إذا شرط على العامل ففى جوازه وجهان * ووجهه المنع أنه قطع نفقة المالك عن الملك * ولو شرط أن يستأجر العامل بأجرة على المالك ولم يبق للعامل الا الدهقنة والتحذق في الاستعمال ففيه وجهان) * شروط عمل المساقاة قريبة من شروط عمل القراض وان اختلفا في الجنس منها أنه لا يشترط عليه عمل ليس من جنس اعمال المساقاة ومنها أن يستبد العامل باليد في الحديقة ليتمكن من العمل متى شاء فلو شرط كونها في يد المالك أو مشاركته في اليد لم تجز ولو سلم المفتاح إليه وشرط المالك الدخول

(12/131)


عليه فوجهان أصحهما وهو المذكور في الكتاب أنه لا يضر بحصول الاستقلال والتمكن من العمل ووجه الثاني أنه إذا دخل كانت الحديقة في يده وقد يتعوق بحضوره عن العمل ومنها إن نفرد العامل بالعمل فلو شرط إن يشاركه المالك في العمل فسد العقد ولو شرط أن يعمل معه غلام المالك فالنص الجواز وللاصحاب فيه طريقان احدهما أنه على وجهين كما ذكرنا في القراض ومن منع حمل النص على ما إذا شرط أن يعمل الغلام ما يتوظف على المالك من الاعمال كحفر الانهار وبناء الحيطان واظهرهما الجواز جزما والفرق بين المساقاة والقراض أن في المساقاة بعض الاعمال على المالك وله باعتبار ذلك يدور مداخلة فجاز ان يشترط

(12/132)


فيه عمل غلامه وفي القراض لاعمل على المالك أصلا فلا يجوز شرط عمل غلامه والمسألة مصورة فيما إذا كان الشرط أن يعاونه ويكون تحت يده اما إذا شرط أن يكون التدبر للغلام ويعمل العامل برأيه أو أن يعملا ما انفق رأيهما عليه لم تجز بلا خلاف ثم ان جوزنا فلابد من معرفة الغلام بالرؤية أو الوصف (وأما) نفقته ففى جواز شرطها على العامل وجهان (أحدهما) المنع لما فيه من قطع نفقة المالك على الملك وبهذا قطع المسعودي (وأظهرهما) الجواز لان العمل في المساقاة على العامل ولا يبعد أن يلتزم مؤنة من يعمل معه ويعاونه كاستئجار من يعمل معه وعلى هذا فهل يجب تقديرها فيه وجهان

(12/133)


(أحدهما) نعم فيبين ما يدفع إليه كل يوم من الخبز وإلا دام (والثانى) لا وبه أجاب الشيخ أبو حامد بل يحمل على الوسط المعتاد لانه يتسامح بمثل ذلك في المعاملات ولو شرط أن تكون النفقة على المالك جاز وعن مالك منعه وان شرطاها في الثمار قال في التهذيب لا يجوز لان ما يبقى يكون مجهولا وقال صاحب الافصاح يجوز لانه قد يكون ذلك من صلاح المال ويشبه أن يكون ذلك يتوسط فيقال إن شرطاهما من جزء معلوم بأن يتعاقدا بشرط أن يعمل الغلام على أن يكون ثلث الثمار للمالك وثلثها للعامل ويصرف الثلث الثالث إلى نفقة الغلام فهو جائز وكان المشروط للمالك ثلثاها وان

(12/134)


شرطاها في الثمار من غير تقدير جزء لم يجز وان لم يتعرضا للنفقة أصلا فالمشهور انها على المالك بحكم
الملك وذكر صاحب الافصاح وراءه احتمالين (أحدهما) أنها تكون من الثمرة (والثانى) أنه يفسد العقد وفي المهذب ذكر وجه أنها تكون على العامل لان العمل عليه وليس للعامل استعمال الغلام في

(12/135)


عمل نفسه إذا فرغ من عمل الحديقة ولو شرط أن يعمل له بطل العقد ولو كان له برسم الحديقة غلمان يعملون فيها لم يدخلوا في مطلق المساقاة لانه ربما يريد تفريغهم لشغل آخر وعن مالك انهم يدخلون فيه ولو شرط استئجار العامل من يعمل معه من الثمرة بطل العقد لان قضية المساقاة أن تكون الاعمال ومؤنانها على العامل ولانه لا يدرى أن الحاصل للعامل كم هو حتى لو شرط له ثلثى

(12/136)


الثمرة ليصرف الثلث إلى الاجراء ويخلص له الثلث فعن القفال أنه يصح فإذا امتنع شرط الاجارة في الثمرة فأولى أن يمتنع شرط أدائها من سائر أموال المالك هذا ما ذكره المزني وعامة الاصحاب ونقل صاحب الكتاب وجهين فيما إذا شرط أن يستأجر بأجرة على المالك وأشار بقوله ولم يبق للعامل إلا الدهقنة والتحذق في الاستعمال إلى توجيه الجواز معناه أن المالك قد لا يهتدى إلى الدهقنة واستعمال الاجراء أولا يجد من يباشر الاعمال أو من لا يأتمنه فتدعو الحاجة إلى أن يساقى من يعرف ذلك لينوب عنه في الاستعمال *

(12/137)


قال (ويشترط تأقيت المساقاة لانها لازمة فيضر التأييد * وليعرف العمل جملة * ثم ليعرف بالسنة العربية * فان عرف بادراك الثمار جاز على الاصح * فان عرف بالعربية فبرزت الثمار في آخر المدة ولم تدرك في المدة فالعامل شريك فيها) * اشتراط التأقيت في المساقاة قد سبق ذكره في أول الباب ويتعلق هذا الركن به من جهة أن العمل يجب تعريفه ببيان المدة دون التعيين والتفصيل ثم إن أقتت بالاشهر أو السنين العربية فذاك وان أقتت بادراك الثمار فوجهان (أحدهما) أنه لا يجوز لانه قد يتقدم تارة ويتأخر أخرى فليقدر بما

(12/138)


تقدر به الاجارات والاجال في العقود (والثانى) لا يجوز لانه المقصود من هذا العقد ألا ترى أنه لو أقت بالزمان كان الشرط أن يعلم أو يظن الادراك فيه فإذا تعرض للمقصود كان أولى وهذا أصح عند صاحب الكتاب والاول أصح عند الاكثرين وهو المذكور في التهذيب وإذا قلنا بالثاني فلو قال ساقيتك سنة وأطلق فيحمل على سنة عربية أو على سنة الادراك فيه (وجهان) زعم الشيخ أبو الفرج السرخسى أن أصحهما الثاني وإذا قلنا بالاول لو أقت بالزمان فأدركت الثمار وبعض المدة باقية وجب على

(12/139)


العامل أن يعمل في تلك البقية ولا أجرة له وان انقضت المدة وعلى الاشجار طلع أو بلح فللعامل نصيبه منها وعلى المالك التعهد إلى الادراك فان حدث الطلع بعد المدة فلا حق له فيه وجواز المساقاة أكثر من سنة على الاقوال التي نذكرها في جواز الاجارة أكثر من سنة وإذا جوزنا فهل يجب أن يعين حصته كل سنة أم يكفى قوله ساقيتك على النصف لاستحقاق النصف كل سنة فيه وجهان أو قولان كما في الاجارة وفي المهذب طريقة أخرى قاطعة بوجوب البيان لان الاختلاف في الثمار يكثر وفي المنافع يقل ولو فاوت بين الجزء المشروط في السنتين لم يضر وفيه وجه أنه على الخلاف فيما إذا

(12/140)


أسلم في جنس إلى أجال ولو ساقاه سنتين وشرط له ثمرة سنة بعينها والاشجار بحيث تثمر كل سنة لم يصح لانها ربما لا تثمر تلك السنة فلا يكون للعامل شئ أو إلا تلك السنة فلا يكون للمالك شئ ويخالف مالو ساقاه على ودى عشر سنين والثمرة لا تتوقع إلا في العاشرة لتكون هي بينهما انه شرط له سهما من جميع الثمرة ولو انه اثمر قبل سنة التوقع لم يستحق العامل منها شيئا (وقوله) في الكتاب وليعرف العامل عمله لا ينبغى ان يقرأ على الامر لانه حينئذ يكون المراد منه أنه لا يشترط تفصيل الاعمال وهذا قد ذكره آخر الباب فيلزم التكرار وأيضا فان المسألة لا تتعلق بركن العمل ولكنه

(12/141)


معطوف على قوله لانها لازمة المعنى أنه يشترط تأقيت المساقاة للزومها وليكون التأقيت معرفا للعمل مقدرا بجملته (وقوله) ثم ليعرف بالسنة العربية المراد ليعرف بالزمان وذكر العربية يجرى على سبيل
التمثيل لا لتخصيص التأقيت بها فان التأقيت بالرومية وغيرها جائز إذا علماها فإذا أطلقا لفظ السنة انصرف إلى العربية وكذا سبيل قوله وان عرفت بالعربية *

(12/142)


قال (الركن الرابع الصيغة (و) فيقول ساقيتك على هذه النخيل بالنصف أو عاملتك فيقول قبلت * فلو عقد بلفظ الاجارة لم يصح على الاظهر (و) لفقد شرط الاجارة * ولا يشترط (و) تفصيل الاعمال فان العرف يعرفها) * يجوز أن يعلم قوله الركن الرابع بالواو للوجه المكتفى به العقود بالتراضى والمعاطاة وكذا في القراض وغيره ثم أشهر صيغ هذا العقد أن يقول ساقيتك على هذه النخيل بكذا أو عقدت معك عقد المساقاة

(12/143)


قال الائمة وتنعقد بكل لفظ يؤدى معناها كقوله سلمت اليك نخلى لتتعدها على أن يكون لك كذا أو عمل هذه النخيل أو تعهد نخيلي بكذا وهذا يجوز أن يكون جوابا على أن مثله من العقود ينعقد بالكتابة ويجوز أن يكون ذهابا إلى أن هذه الالفاظ صريحة ونظيره أنا على رأى يقول صرائح الرجعة غير محصورة ويعتبر القبول في المساقاة ولا تجئ فيها الوجوه المذكورة في القراض والوكالة للزومها هكذا قال الامام وصاحب الكتاب ولو تعاقدا بلفظ الاجارة فقال المالك استأجرتك لتعهد نخيلي

(12/144)


بكذا من ثمارها فيه وجهان جاريان في الاجارة بلفظ المساقاة (أحدهما) الصحة لما بين العقدين من المشابهة واحتمال كل واحد من اللفظين معني الاخر (وأظهرهما) المنع لان لفظ الاجارة صريح في غير المساقاة فان أمكن تنفيذه في موضعه نفذ فيه والا فهو إجارة فاسدة والخلاف نازع إلى أن الاعتبار باللفظ أو المعني ولو قال ساقيتك على هذه النخيل بكذا ليكون أجرة لك فلا بأس لسبق لفظ المساقاة هذا إذا قصد بلفظ الاجارة المساقاة أما إذا قصد الاجارة نفسها فينظر إن لم تخرج الثمرة لم يجز لان الشرط أن تكون الاجرة في الذمة أو موجودة ومعلومة وان خرجت فان بدا الصلاح فيها جاز سواء شرط ثمرة نخلة معينة أو جزء شائعا هكذا أطلقوه لكن يجئ فيه ما سنذكره في مسألة قفيز الطحان

(12/145)


واخواتها فان لم يبد فيها الصلاح فان شرط له ثمرة نخلة بعينها جاز بشرط القطع وكذا لو شرط كل الثمار له وان شرط جزء شائعا لم يجز وان شرط القطع لما سبق في البيع وإن عقد بلفظ المساقاة فالصحيح وهو المذكور في الكتاب أنه لا حاجة إلى تفصيل الاعمال بل يحمل في كل ناحية على عرفها الغالب وفيه وجه أنه يجب تفصيلها لان العرف يكاد يضطرب وما ذكرناه فيما إذا علم المتعاقدان العرف المحمول عليه فان جهلا أو أحدهما وجب التفصيل لا محالة

(12/146)


(الباب الثاني في أحكامها) قال (وحكمها وجوب كل عمل يتكرر في كل سنة وتحتاج إليه الثمار من السقى والتقليب وتنقية الابار (و) والانهار وتنحية الحشيش المضر والقضبان وتصريف الجريد وتسوية الجرين ورد الثمار إليه * ومالا يتكرر في كل سنة ويعد من الاصول فهو على المالك كحفر الابار والانهار الجديدة وبناء الحيطان ونصب الدولاب وأمثاله * وفي أجرة الناطور وجذاذ الثمرة وردم ثلمة يسيرة في طرف الجدار خلاف)

(12/147)


غرض الفصل بيان ما يجب على عامل المساقاة من الاعمال ومالايجب وكل عمل تحتاج إليه الثمار لزيادتها أو اصلاحها ويتكرر كل سنة فهو على العامل وانما اعتبر التكرار كل سنة لان مالا يتكرر كل سنة يبقى أثره وفائدته بعد ارتفاع المساقاة وتكليف العامل مثل ذلك أجحاف به فمن هذا القبيل السقي وما يتبعه من اصلاح طريق الماء والاجاجين التى يقف فيها الماء وتنقية الابار والانهار من الحمأة ونحوها وادارة الدولاب وفتح رأس الساقية وسدها عند السقى على ما يقتضيه الحال وفي تنقية النهر وجهان آخران (أحدهما) أنها على المالك كحفر أصل النهر (والثانى) عن أبى اسحق المروزى أنها على من شرطت عليه من المتعاقدين فان لم يذكراها فسد العقد وعنه تطييب الارض

(12/148)


بالمساحي وتكريتها في المزارعة قال في التتمة وكذا تقويتها بالزبل وذلك بحسب العادة ومنها التلقيح والطلع الذي يلقح به على المالك لانه عين مال وانما يكلف العامل العمل ومنه تنحية الحشيش المضر والقضبان المضرة بالشجر وذكر الشافعي رضى الله عنه تصريف الجريد والجريد سعف النخل وحاصل ماقاله الازهرى وغيره في تصريف الجديد شيئان (أحدهما) قطع ما يضر تركه يابسا وغير يابس (والثانى) ردها عن وجوه العناقيد وتسوية العناقيد بينها لتصيبها الشمس وليتيسر قطعها عند الادراك ومنه تعريش الكرم حيث جرت العادة به قال في التتمة ووضع الحشيش فوق العناقيد صونا لها عن الشمس عند الحاجة وفي حفظ الثمار وجهان (أظهرهما) وهو الذي ذكره ابن الصباغ وغيره أنه على

(12/149)


العامل كما أن حفظ المال في المضاربة على العامل فان لم يحفظ بنفسه فعليه مؤنة من يحفظ وأقيسهما أنه على المالك والعامل جميعا بحسب اشتراكهما في الثمرة وهذا لان الذي يجب على العامل ما يتعلق باستزادة الثمار وتنميتها ويحرى الوجهان في حفظ الثمار عن الطيور والزنابير بان يجعل كل عنقود في قوصرة فيلزمه ذلك على الاظهر عند جريان العادة والقوصرة على المالك وفي جذاذ الثمار وجهان (أحدهما) أنها لا تجب على العامل لوقوعه بعد كمال الثمار (وأصحهما) الوجوب لان الصلاح به يحصل وهذا ما أورده الاكثرون وعن الرقم طرد الوجهين في تجفيف الثمار والظاهر وجوبه إذا اضطردت العادة به أو شرطاه وإذا وجب التجفيف وجب تهيئة موضع التجفيف وتسويته ويسمى البيدر والجرين

(12/150)


ونقل الثمار إليه وتقليبها في الشمس من وجه إلى وجه وأما مالا يتكرر كل سنة ويقصد به حفظ الاصول فهو من وظيفة المالك وذلك كحفر الانهار والابار الجديدة والتى انهارت بها الحيطان ونصب الابواب والدولاب ونحوها وردم الثلم اليسيرة التى تنفق في الجدران فيه وجهان كما في تنقية الانهار والاشبه اتباع العرف وكذلك في وضع الشوك على رؤس الجدران وجهان والالات التى يوفى بها العمل كالفأس والمعول والمنجل والمسحاة والثيران والعدان في المزارعة والثور الذي يدير الدولاب على المالك وفيه وجه أنها على من شرط المتعاقدين ولايجوز السكوت عنها وهذا ما أورده أبو الفرج السرخسى في الامالى
ويحكى عن أبى اسحق وخراج الارض الخراجية على المالك وكذلك كل عين تتلف في العمل بلا خلاف وكل ما يجب على العامل يجوز له استئجار المالك عليه ويجئ فيه وجه آخر ولو شرط على

(12/151)


المالك في العقد بطل العقد وكذلك ما يجب على المالك لو شرط على العامل بطل العقد ولو فعله العامل بغير إذن لم يستحق شيئا وإن فعل باذن المالك استحق الاجرة * واعلم أن جميع ما ذكرناه مبني على الصحيح في أن تفصيل الاعمال لا يجب في العقد فان أوجبناه فالمتبع الشرط إلا أنه لا يجوز أن يكون الشرط مغيرا وضع العقد هذا فقه الفصل وأما ما يتعلق بالكتاب خاصة فليعلم قوله وتنقية الابار والانهار بالواو واعترض من شرح هذا الكتاب في موضعين من الفصل (أحدهما) أن لفظ الكتاب وتصريف الجرين ورد الثمار إليه والشافعي رضى الله عنه إنما ذكر تصريف الجريد بالدال قال والصواب أن يكتب وتصريف الجريد وتسوية الجرين ورد الثمار إليه (والثانى) أنه جعل الجذاذ من المختلف فيه وأنه على العامل بالاتفاق فلك أن تقول (أما الثاني) فدعوى الاتفاق وهم والوجهان

(12/152)


مسطوران في المهذب والتهذيب والرقم وغيرها (وأما الاول) فقد عرفت أن التجفيف قد يحوج إلى تسوية الجرين وحمل التصريف على التسوية ليس يبعد فاذن لاضرورة إلى تغيير نظم الكتاب وغايته أن يكون تصريف الجريد مسكوتا عنه على أن قوله وتنحية الحشيش المضر والقضبان ما يفيد بعض معناه وقوله وفي أجرة الناظور المراد منه مؤنة الحفظ والناظر والناظور حافظ الكروم والجمع النواظر ذكر أن النظرة هي الحفظ بالعين وقد يقال ناطور بالطاء غير المعجمة * قال (وإذا هرب العامل قبل تمام العمل استقرض القاضى عليه أو استأجر من يعمل عليه * فان عمل المالك بنفسه سلم الثمار للعامل وكان هو متبرعا * وكذا لو استأجر عليه إذ ليس له أن

(12/153)


يحكم لنفسه * ولو عجز عن الحاكم فكمثل (و) إن لم يشهد على الاستئجار * وإن أشهد فوجهان * ثم له أن يفسخ إذا عجز ويسلم إلى العامل أجرة مثل ما عمل قبل الهرب فان تبرع أجنبي
بالعمل فله أن يفسخ إذ قد لا يرضى بدخوله ملكه * وإن عمل الأجنبي قبل أن يشعر به المالك سلم الثمار للعامل وكان الأجنبي متبرعا عليه لا على المالك) * نصدر المسألة بقول جملى وهو أن بناء هذا الفصل والذي يليه على أن المساقاة لازمة على ما مر لا كالقراض ثم نقول إذا هرب العامل قبل تمام العمل ينظر إن تبرع المالك بالعمل أو بمؤنته بقى استحقاق العامل مجانا وإلا رفع الامر إلى الحاكم وأثبت عنده المساقاة لينفذ في طلبه فان وجده أجبره

(12/154)


على العمل والا استأجر عليه من يعمل ومم يستأجر إن كان العامل مال فمنه والا فان كان بعد بدو الصلاح باع نصيب العامل كله أو بعضه بحسب الحاجة من المالك أو من غيره واستأجر بثمنه وان كان قبل بدو الصلاح اما قبل خروج الثمرة أو بعده استقرض عليه من مالك أو من أجنبي أو من بيت المال واستأجر به ثم يقضيه العامل إذا رجع أو يقضى من نصيبه من الثمرة بعد بدو الصلاح أو الادراك ولو وجد من يستأجره بأجرة مؤجلة توفى بالاجرة استغى عن الاستقراض وحصل الغرض وان عمل المالك بنفسه أو أنفق عليه ليرجع نظر ان قدر على مراجعة الحاكم فلم يفعل فهو متبرع لا رجوع له وان لم يقدر فان لم يشهد عليه لم يرجع أيضا الا أن لا يمكنه الاشهاد ففيه وجهان وربما

(12/155)


حكى وجه مطلق أنه يرجع فان أشهد فأصح القولين أنه يرجع للضرورة (والثانى) لا يرجع والاصار حاكما لنفسه على غيره وننبه ههنا لفائدتين (احداهما) الوجهان في الرجوع إذا لم يمكنه الاشهاد قريبان من الوجهين فيما إذا أشهد للعجز عن الحاكم للعذر والضرورة لكن الذي رجحه الجمهور انه إذا لم يشهد لا يرجع من غير فرق بين الامكان وعدم الامكان ويجوز ان يكون سببه ان عدم امكان الاشهاد نادر لا يعتد به (والثانية) الاشهاد المعتبر أن يشهد على العمل أو الاستئجار وانه بذل ذلك بشرط الرجوع وأما الاشهاد على ذلك من غير التعرض للرجوع فهو كترك الاشهاد قاله في الشامل وإذا أنفق المالك باذن الحاكم ليرجع فيه وجهان (وجه المنع) انه متهم في حق نفسه فالطريق أن

(12/156)


يسلم المال إلى الحاكم ليأمر غيره بالانفاق ولو استأجره لباقي العمل ففيه وجهان أيضا بناء على مالو أجر داره ثم أكراها من المكترى ومتى تعذر اتمام العمل بالاستقراض تمم بغيره فان لم تخرج الثمرة بعد فللمالك فسخ العقد وعن ابن أبى هريرة أنه لا يفسخ ولكن يطالب الحاكم من يساقى عن العامل فربما يفضل له شئ والمذهب الاول لانه تعذر استيفاء المعقود عليه فأشبه ما إذا أبق العبد المبيع قبل القبض فان خرجت الثمرة فهى مشتركة فان بدا الصلاح فيها بيع نصيب العامل كله أو بعضه بقدر ما يستأجر به من يعمل وإن لم يبد الصلاح وقد تعذر بيع بعضه أو كله لان شرط القطع في الشائع لا يغني فأما أن يبيع المالك نصيبه معه يشترط القطع في الكل وأما أن يشترى المالك نصيبه فيجوز

(12/157)


على أحد الوجهين في أن بيع الثمار قبل بدو الصلاح من صاحب الشجرة يستغنى عن شرط القطع فان لم يرغب في بيع ولاشراء وقف الامر حتى يصطلحا ويتفرع على ثبوت الفسخ قبل خروج الثمرة فرعان (أحدهما) إذا فسخ غرم للعامل أجرة مثل ما عمل ولايقال تتوزع الثمار على أجرة مثل جميع العمل إذا الثمار ليست معلومة عند العقد حتى يقتضى التوزيع فيها (والثانى) لو جاء أجنبي وقال لا تفسح لاعمل نيابة عن العامل لم تلزمه الاجابة لانه قد لا يأتمنه ولا يرضى بدخوله ملكه نعم لو عمل نيابة عنه من غير شعور المالك حتى حصلت الثمار سلم للعامل نصيبه منها وكان الأجنبي متبرعا عليه هذا ما ذكروه وقيل إذا وجد من يتبرع بالعمل كان كما لو وجد مال له يستأجر منه أو وجد من

(12/158)


يقرض حتى لا يجوز للمالك الفسخ لكان قريبا (وقوله) في الكتاب ولو عجز عن الحاكم فكمثل ان لم يشهد يجوز أن يعلم بالواو للوجه المطلق وللوجه المخصوص بما إذا لم يشهد لعدم الامكان (وقوله) ثم له أن يفسخ العقد مطلق لكن موضعه ما إذا لم تخرج الثمرة كما قررناه كذلك أورده الاكثرون وفي المهذب أنه يفسخ فإذا فسخ نظر إن لم تخرج الثمرة فللعامل الاجرة فان خرجت فهى

(12/159)


بينهما وهذا يوافق اطلاق الكتاب لكن لا يكاد يفرض للفسخ بعد خروج الثمار فائدة ثم هو معلم
بالواو لوجه ابن أبى هريرة والعجز عن العمل بالمرض ونحوه كالهرب * قال (فان مات العامل تم (و) الوارث العمل من تركته * فان لم يكن تركة فله أن يتمم من ماله لاجل الثمار * فان أبى (وم) لم يجب عليه شئ إذا لم يكن تركة وسلم إليه أجرة العمل الماضي وفسخ العقد للمستقبل) * إذا مات مالك الاشجار في أثناء المدة لم تنفسخ المساقاة بل يستمر العامل على شغله ويأخذ نصيبه من الثمار وان مات العامل في المساقاة اما أن تكون واردة على عين العامل أو في الذمة ان وردت على عينه انفسخت بموته كما لو مات الاجير المعين تنفسخ الاجارة وان كانت في الذمة فقد

(12/160)


روي وجه انها تنفسخ وكأنه موجه بأنه ربما لا يرضى بيد غيره وتصرفه والصحيح وعليه يتفرع كلام الكتاب لا تنفسخ كالاجارة وعلى هذا فينظر إن خلف العامل تركة يقتسم الوارث العمل بأن يستأجر منها من يعمل وإلا فان اتم الوارث بنفسه أو أستأجر من ماله من يتم فعلى المالك تمكينه إن كان أمينا مهتديا إلى اعمال المساقاة ويسلم له المشروط فأن أبى لم يجبر عليه وعن رواية القاضى أبى حامد وصاحب التقريب وجه آخر انه يجبر عليه لقيامه مقام المورث وحكى هذا عن مالك والمذهب الاول لان منافعه خالص حقه وانما يجبر على توفية ما على المورث من تركته نعم لو خلف تركة وامتنع الوارث من الاستئجار منها استأجر الحاكم وإن لم يخلف تركة فلا يستقرض على الميت

(12/161)


بخلاف الحى إذا هرب ومهما لم يتم العمل فالقول في ثبوت الفسخ وفي الشركة وفصل الامر إذا خرجت الثمار كما ذكرنا في الهرب واعلم ان ما ذكرناه من انقسام المساقاة إلى ما يرد على العين وإلى ما يتعلق بالذمة مبنى على ظاهر المذهب في صحة النوعين وتردد بعضهم في صحة المساقاة على العين لما فيه من التضييق * (فرع) نقل صاحب التتمة أنه إذا لم تثمر الاشجار أصلا أو تلفت الثمار كلها بجائحة أو نصب فعلى العامل اتمام العمل وإن تضرر به كما أن عامل القراض يكلف التنضيض وإن ظهر الخسران

(12/162)


في المال ولم ينل إلا التعب وهذا اشبه مما ذكره في التهذيب أنه إذا هلكت الثمار كلها بالجائحة ينفسخ العقد إلا أن يزيد بعد تمام العمل وتكامل الثمار قال وإن هلك بعضها فالعامل بالخيار بين أن يفسخ العقد ولا شئ له وبين أن يجيز ويتم العمل ويأخذ نصيبه من الباقي * قال (وان ادعى المالك سرقة أو خيانة على العامل فالقول قول العامل فانه أمين * فان ثبتت خيانته ينصب (و) عليه مشرف وعليه (و) أجرته إن ثبت بالبينة خيانته * وإن لم يكن حفظه بالمشرف أزيلت (م و) يده وأستؤجر عليه) *

(12/163)


دعوى المالك الخيانة والسرقة على العامل في الثمار أو السعف لاتقبل حتى يبين قدر ماخان فيه ويحرر الدعوى فإذا حررها وأنكر العامل فالقول قوله مع يمينه وقوله في الكتاب فانه أمين قد يستدرك عليه فان الامانة غير مؤثرة في هذا الحكم بل القول قول المدعى عليه في نفى المدعى أمينا كان أو لم يكن فالذي ذكره المزني في جواب المسائل التى فرعها على أصل الشافعي رضى الله عنه في المختصر أن يستأجر عليه من يعمل عنه وقال في موضع آخر يضم إليه أمين يشرف عليه وبه قال مالك رضى الله عنه فجعلهما بعضهم قولين والجمهور نزلوهما على حالين إن أمكن حفظه بضم

(12/164)


مشرف إليه قنع به وإلا أزيلت يده بالكلية واستؤجر عليه من يعمل عنه وهذا ما أورده في الكتاب ثم إذا استؤجر عليه فالاجرة في ماله لان العمل مستحق عليه (أما) أجرة المشرف فكذلك الجواب فيها على المشهور في التتمة أن ذلك مبنى على أن مؤنة الحفظ على العامل لان المقصود من ضم المشرف إليه الحفظ (اما) إذا قلنا ان الحفظ عليهما فكذلك أجرة المشرف وإذا عرفت ما ذكرناه جاز لك إعلام ازيلت يده واستؤجر عليه بالميم وكذلك بالواو ومع قوله وينصب عليه مشرف لطريقة

(12/165)


القولين وقوله وعليه اجرته لما ذكرناه في التتمة وقوله ان ثبتت بالبينة خيانته غير محتاج إليه إذ
لافرق في وجوب الاجرة عليه بين أن تثبتت خيانته بالبينة أو بالاقرار أو اليمين بعد النكول وقد ذكر في الوسيط أن اجرة المشرف على العامل ان ثبتت خيانته باقراره أو ببينة والا فعلى المالك فسوى بين البينة والاقرار وقوله والا فعلى الملك فيه اشكال لانه إذا لم تثبتت خيانته فما ينبغى أن يتمكن المالك من ضم المشرف إليه لما فيه من ابطال استقلاله باليد *

(12/166)


قال (فان خرجت الاشجار مستحقة فللعامل أجرة عمله على الغاصب فان كانت الثمار باقية أخذها المستحق * فان تلف غرم العامل ما قبضه لنصيبه ضمان (و) المشترى فانه أخذه في معاوضة * ونصيب المساقى * وكذا الاشجار إذا تلفت يطالب بها الغاصب * وفي مطالبة العامل بها وجهان من حيث ان يده لم تثبت عليه مقصودا بخلاف المودع * فان طولب رجع (و) به على الغاصب رجوع المودع) *

(12/167)


الاشجار التي وردت المساقاة عليها إذا خرجت مستحقة أخذها المالك مع الثمار ان كانت باقية وأن جففاها ونقصت القيمة بالتجفيف استحق الارش ايضا ويرجع العامل على الغاصب الذي ساقاه بأجرة المثل كما إذا غصب نقرة فأستأجر رجلا ليضربها دراهم يأخذها المالك ويرجع الضراب بالاجرة على الغاصب وفيه وجه أنه لا أجرة له تخريجا على قولى الغرور لانه هو الذي اتلف منفعة نفسه وتشبيها بفوات الثمار بالاستحقاق بفواتها في المساقاة الصحيحة بجائحة وان اقتسما الثمار واستهلكاها فاما نصيب العامل فالمالك بالخيار بين ان يطالب بضمانه الغاصب أو العامل وقرار

(12/168)


الضمان على العامل لانه أخذه عوضا في معاوضة فاشبه المشترى من الغاصب وذكر في التتمة أن بعض الاصحاب ذكر في المسألة على ما إذا أطعم الغاصب المالك الطعام المغصوب فيجئ من هذا وجه ان القرار على الغاصب (وأما) نصيب الغاصب فللمستحق مطالبته بها وفي مطالبة العامل وجهان (أظهرهما) عند المعظم المطالبة بثبوت يده عليها كما لا يطالب عامل القراض إذا خرج مال القراض مستحقا
وكما يطالب المودع من الغاصب (والثانى) المنع لان يده لم تثبت عليه مقصودا بخلاف المودع بل يد العامل مستدامة حكما وهو نائب في الحفظ والعمل كأجير يعمل في حديقة وعلى الوجهين يخرج ما إذا تلفت جميع الثمار قبل القسمة بجائحة أو غصبت فان اثبتنا يد العامل عليها فهو يطالب بضمانها وإلا فلا ولو تلف شئ من الاشجار ففيه هذان الوجهان (وإذا قلنا) بأن العامل مطالب بنصيب الغاصب فإذا غرمه

(12/169)


ففى رجوعه على الغاصب الخلاف المذكور في رجوع المودع والظاهر انه يرجع وهذا الذي ذكره صاحب الكتاب ومواضع العلامات في الفصل غير خافية (ومنها) قوله ضمان المشترى فانه قصد به الاشارة إلى الاستقرار وفيه ما حكاه صاحب التتمة (وقوله) ونصب المساقى أراد به ههنا الغاصب الذي هو في صورة المالك وقد يسمى العامل مساقيا لان كل واحد من المفاعلة مفاعل ولو حذف لفظ الغاصب من قوله يطالب به الغاصب من لكان أقرب إلى الفهم لانه إذا اختلف اللفظ أذهب الوهم إلى اختلاف المعنى والمراد من المساقى هو الغاصب * قال (وإن اختلف المتعاقدان في قدر الجزء المشروط تحالفا (م) كما في القراض)

(12/170)


إذا اختلف المتعاقدن في قدر المشروط للعامل ولابينة تحالفا كما ذكرنا في القراض وإذا تحالفا وتفاسخا قبل العمل في شئ للعامل وإن كان بعده فللعامل أجرة مثل عمله وعن مالك رضى الله عنه أنهما لا يتحالفان بعد العمل بل القول قوله العامل وعن أحمد إن القول قول المالك وإن كان لاحدهما بينة قضى له فان كان لكل واحد منهما بينة (فان قلنا) بالتهاتر وهو الاصح فكما لو لم تكن بينة فيتحالفان (وان قلنا) بالاستعمال فيقرع بينهما ولا يجرى قول الوقف والقسمة لان الاختلاف في العقد والعقد لا يوقف ولا يقسم وقيل يجئ قول القسمة في القدر المختلف فيه فينقسم بينهما نصفين ولو ساقاه شريكا الحديقة ثم قال العامل شرطنا لى نصف الثمار وصدقه أحدهما (وقال) الثاني بل شرطنا الثلث فنصيب المصدق

(12/171)


يقسم بينه وبين العامل وفي نصيب المكذب الحكم بالتحالف ولو شهد المصدق للمكذب أو للعامل
قبلت شهادته لانه لايجر بها نفعا ولا يدفع بها ضررا وإذا اختلف في قدر الاشجار المعقودة عليها أو في رد شئ من المال أو هلاكه فالحكم على ما ذكرنا في القراض * (فروع) أحدها إذا بدأ الصلاح في الثمرة فان وثق المالك بالعمل تركها في يده إلى وقت الادراك فيقسمان حينئذ إن جوزناها أو يبيع أحدهما نصيبه من الثاني أو يبيعان من ثالث فان لم يثق به وأراد تضمينه التمر أو الزبيب فيبنى على أن غيره أو تضمين ان جعلتا غيره لم يجزو أن جعلنا تضمين فالاصح جوازه كما في الزكاة وقد

(12/172)


روى عن النبي صلى الله عليه وسلم " أنه خرص على أهل خيبر " وقيل لا يجوز لانه بيع الرطب بالتمر مع تأخر أحد العوضين ويخالف الزكاة لانها مبنية على المسامحة وكذا قضية خيبر لانه يتسامح في معاملات الكفار مالا يتسامح في غيرها ويجرى الخلاف فيما لو أراد العامل تضمين المالك بالخرص (الثاني) إذا انقطع ماءا كبستان وأمكن رده ففى تكليف المالك السقى وجهان (أحدهما) لا يكلف كما لا يجبر أحد الشريكين على الضمان وكما لا يجبر المكرى على عمارة الدار المكراة (والثانى) يكلف لانه لا يتمكن العامل من العمل إلا به فاشبه مااذا استأجره لقصارة ثوب بعينه يكلف تسليمه إليه فعلى هذا لو لم يسع في رده لزمه للعامل أجرة عمله فان لم يمكن رد الماء فهو كما لو تلفت الثمار بجائحة (الثالث) السواقط وهي السقف التى تسقط من النخل يختص بها المالك وما يتبع الثمرة فهو بينهما (قال) الشيخ أبو حامد ومنه الشماريخ

(12/173)


(الرابع) دفع بهيمته إلى غيره ليعمل عليها وما رزق الله عزوجل فهو بينهما فالعقد فاسد لان البهيمة يمكن اجارتها فلا حاجة إلى إيراد عقد عليها فيه غرر ولو قال تعهد هذه الاغنام على أن يكون لك درها ونسلها فكذلك لان الدر لا يحصل بعمله ولو قال اعتلف هذه من عندك ولك النصف من درها ففعل وجب بدل العلف على صاحب الشاة والقدر المشروط من الدر لصاحب العلف مضمون في يده لحصوله بحكم بيع فاسد والشاة غير مضمونة لانها غير مقابلة بالعوض ولو قال خذ هذه الشاة واعلفها لتسمن وذلك نصفها ففعل فالقدر المشروط منها لصاحب العلف مضمون عليه دون الباقي (الخامس) قال في التتمة
ان كانت المساقاة في الذمة فالمعامل أن يعامل غيره لينوب عنه ثم أن شرط له من الثمار مثل ما شرط المالك له أو دونه فذاك وان شرط له أكثر من ذلك فعلى الخلاف في تفريق الصفقة ان جوزناه وجبت للزيادة أجرة المثل وان لم نجوزه فالجميع له وان كانت المساقاة على عينه

(12/174)


لم يكن له أن ينيب ويعامل غيره فلو فعل انفسخت المساقاة بشركة العمل وكانت الثمار كلها للمالك ولا شئ للعامل والعامل الثاني ان كان عالما بفساد العقد فلا شئ له والا ففى استحقاقه أجرة المثل ما ذكرناه في خروج الثمار مستحقة