فتح القريب المجيب في شرح ألفاظ التقريب = القول المختار في شرح غاية الاختصار

كتاب أحكام الصلاة
وهي لغةً الدعاءُ، وشرعا - كما قال الرافعي: أقوالٌ وأفعال مُفتَتحَةٌ بالتكبير، مختتمةٌ بالتسليم بشَرائطَ مخصوصةٍ.

• الصلوات المفروضات
(الصلاة المفروضة) وفي بعض النسخ «الصلوات المفروضات» (خمس) يجب كل منها بأول الوقت وجوبا موسعا إلى أن يبقى من الوقت ما يسعها، فضيق حينئذ:
(الظهر) أي صلاته. قال النووي: سميت بذلك لأنها ظاهرة وسط النهار. (وأول وقتها زوال) أي ميل (الشمس) عن وسط السماء، لا بالنظر لنفس الأمر بل لما يظهر لنا. ويعرف ذلك الميل بتحول الظل إلى جهة المشرق بعد تناهي قصره الذي هو غاية ارتفاع الشمس؛ (وآخره) أي وقت الظهر (إذا صار ظل كل شيء مثلَه

(1/66)


بعد) أي غير (ظل الزوال). والظلُّ لغةً الستر، تقول: أنا في ظل فلان، أي ستره. وليس الظل عدم الشمس، كما قد يتوهم، بل هو أمر وجودي يخلقه الله تعالى لنفع البدن وغيره.
(والعصر) أي صلاتها، وسميت بذلك لمعاصرتها وقتَ الغروب. (وأول وقتها الزيادة على ظل المثل). وللعصر خمسة أوقات، أحدها وقت الفضيلة، وهو فعلها أولَ الوقت؛ والثاني وقت الاختيار، وأشار له بقوله: (وآخره في الاختيار إلى ظل المثلين)، والثالث وقت الجواز، وأشار له بقوله: (وفي الجواز إلى غروب الشمس)؛ والرابع وقت جواز بلا كراهة، وهو من مصير الظل مثلين إلى الاصفرار؛ والخامس وقت تحريم، وهو تأخيرها إلى أن يبقى من الوقت ما لا يسعها.
(والمغرب) أي صلاتها، وسميت بذلك لفعلها وقتَ الغروب. (ووقتها واحد، وهو غروب الشمس) أي بجميع قرصها. ولا يضر بقاء شُعاع بعدَه. (وبمقدار ما يؤذن) الشخص (ويتوضأ) أو يتيمم (ويستر العورة،

(1/67)


ويقيم الصلاة ويصلي خمس ركعات). وقوله: «وبمقدار» إلخ، ساقط في بعض نسخ المتن. فإن انقضى المقدارُ المذكور خرج وقتُها. وهذا هو القول الجديد والقديم. ورجحه النووي أن وقتها يمتد إلى مغيب الشفق الأحمر.
(والعِشاء) بكسر العين ممدودا اسم لأول الظلام، وسميت بذلك لفعلها فيه. (وأول وقتها إذا غاب الشفق الأحمر). وأما البلد الذي لا يغيب فيه الشفقُ فوقت العشاء في حق أهله أن يمضي بعد الغروب زمنٌ يغيب فيه شفقُ أقربِ البلاد إليهم. ولها وقتان: أحدهما اختيار، وأشار له المصنف بقوله: (وآخره) يمتدّ (في الاختيار إلى ثلُث الليل)؛ والثاني جواز، وأشار له بقوله: (وفي الجواز إلى طلوع الفجر الثاني) أي الصادق، وهو المنتشر ضَوؤه معترضا بالأفق. وأما الفجر الكاذب فيطلع قبل ذلك لا معترضا، بل مستطيلا ذاهبا في السماء، ثم يزول وتعقبه ظلمة، ولا يتعلق به حكم. وذكر الشيخ أبو حامد - الغزالي - أن للعشاء وقت كراهة، وهو ما بين الفجرين.

(1/68)


(والصبح) أي صلاته، وهو لغةً أول النهار، وسميت الصلاة بذلك لفعلها في أوله. ولها - كالعصر - خمسة أوقات: أحدها وقت الفضيلة، وهو أول الوقت؛ والثاني وقت الاختيار، وذكره المصنف في قوله: (وأول وقتها طلوع الفجر الثاني، وآخره في الاختيار إلى الإسفار)، وهو الإضاءة؛ والثالث وقت الجواز، وأشار له المصنف بقوله: (وفي الجواز) أي بكراهة (إلى طلوع الشمس)؛ والرابع جواز بلا كراهة إلى طلوع الحمرة؛ والخامس وقت تحريم، وهو تأخيرها إلى أن يبقى من الوقت ما لا يسعها.

• شروط وجوب الصلاة
{فصل} (وشرائط وجوب الصلاة ثلاثة أشياء): أحدها (الإسلام)؛ فلا تجب الصلاة على الكافر الأصلي، ولا يجب عليه قضاؤها إذا أسلم؛ وأما المرتدّ فتجب عليه الصلاة وقضاءها

(1/69)


إن عاد إلى الإسلام. (و) الثاني (البلوغ)؛ فلا تجب على صبي وصبية، لكن يؤمران بها بعد سبع سنين إن حصل التمييز بها، وإلا فبعد التمييز، ويضربان على تركها بعد كمال عشر سنين. (و) الثالث (العقل)؛ فلا تجب على مجنون. وقوله: (وهو حد التكليف) ساقط في بعض نسخ المتن.

• الصلوات المسنونة والرواتب
(والصلوات المسنونة) وفي بعض النسخ «المسنونات» (خمس: العيدان) أي صلاة عيد الفطر وعيد الأضحى، (والكسوفان) أي صلاة كسوف الشمس وخسوف القمر، (والاستسقاء) أي صلاته.

(1/70)


• السنن التابعة للفرائض
(والسنن التابعة للفرائض) ويعبر عنها أيضا بالسنة الراتبة، وهي (سبعة عشر ركعة: ركعتا الفجر، وأربع قبل الظهر، وركعتان بعده، وأربع قبل العصر، وركعتان بعد المغرب، وثلاث بعد العشاء يوتر بواحدة منهن) الواحدة هي أقل الوتر، وأكثره إحدى عشرة ركعة. ووقته بعد صلاة العشاء وطلوع الفجر؛
فلو أوتر قبل العشاء عمدا أو سهوا لم يعتد به. والراتب المؤكد من ذلك كله عشر ركعات: ركعتان قبل الصبح وركعتان قبل الظهر وركعتان بعدها وركعتان بعد المغرب وركعتان بعد العشاء.

• النوافل المؤكدات
(وثلاث نوافل مؤكدات) غير تابعة للفرائض: أحدها (صلاة الليل). والنفل المطلق في الليل أفضل من النفل المطلق في النهار، والنفل وسطَ الليل أفضل، ثم آخرَه أفضل. وهذا لمن قسم الليل أثلاثا.
(و) الثاني (صلاة الضحى) وأقلها ركعتان، وأكثرها اثنتا عشرة

(1/71)


ركعة، ووقتها من ارتفاع الشمس إلى زوالها - كما قال النووي في التحقيق وشرح المهذب.
(و) الثالث (صلاة التراويح) وهي عشرون ركعة بعشر تسليمات في كل ليلة من رمضان، وجملتها خمس ترويحات. وينوي الشخص في كل ركعتين منها سنة التراويح أو قيام رمضان. ولو صلى أربع ركعات منها بتسليمة واحدة لم تصح. ووقتها بين صلاة العشاء وطلوع الفجر

• شروط الصلاة
{فصل} (وشرائط الصلاة قبل الدخول فيها خمسة أشياء): والشروط جمع شرط، وهو لغةً العلامةُ، وشرعًا ما تتوقف صحة الصلاة عليه وليس جزأ منها. وخرج بهذا القيد الركن، فإنه جزء من الصلاة.

(1/72)


الشرط الأول (طهارة الأعضاء من الحدث) الأصغر والأكبر عند القدرة؛ أما فاقد الطهورين فصلاته صحيحة مع وجوب الإعادة عليه؛ (و) طهارة (النجس) الذي لا يعفى عنه في ثوب وبدن ومكان. وسيذكر المصنف هذا الأخير قريبا.
(و) الثاني (ستر) لون (العورة) عند القدرة ولو كان الشخص خاليا أو في ظلمة. فإن عجز عن سترها صلى عاريا، ولا يومئ بالركوع والسجود، بل يتمهما، ولا إعادة عليه. ويكون ستر العورة (بلباس طاهر). ويجب سترها أيضا في غير الصلاة عن الناس وفي الخلوة إلا لحاجة من اغتسال ونحوه. وأما سترها عن نفسه فلا يجب لكنه يكره نظره إليها.
وعورة الذكر ما بين سرته وركبته، وكذا الأَمة؛ وعورة الحُرَّة في الصلاة ما سوى وجهها وكفيها ظهرا وبطنا إلى الكوعين؛ أما عورة الحُرَّة خارجَ الصلاة فجميع بدنها، وعورتها في الخلوة كالذكر.
والعورة لغةً النقص، وتطلق شرعا على ما يجب ستره، وهو المراد هنا وعلى ما يحرم نظره. وذكره الأصحاب في كتاب النكاح.
(و) الثالث (الوقوف على مكان طاهر)؛ فلا تصح صلاة شخص يلاقي بعضُ بدنه أو لباسه نجاسةً في قيام أو قعود أو ركوع أو سجود.

(1/73)


(و) الرابع (العلم بدخول الوقت) أو ظن دخوله بالاجتهاد؛ فلو صلى بغير ذلك لم تصح صلاته وإن صادف الوقت.
(و) الخامس (استقبال القبلة) أي الكعبة. سميت قبلةً لأن المصلي يقابلها، وكعبةً لارتفاعها. واستقبالها بالصدر شرط لمن قدر عليه.

• جواز ترك استقبال القبلة
واستثنى المصنف من ذلك ما ذكره بقوله: (ويجوز ترك) استقبال (القبلة) في الصلاة (في حالتين: في شدة الخوف) في قتال مباح، فرضا كانت الصلاة أو نفلا؛ (وفي النافلة في السفر على الراحلة). فللمسافر سفرًا مباحا ولو قصيرا التنفلُ صوب مقصده. وراكب الدابة لا يجب عليه وضع جبهته على سرجها مثلا، بل يومئ بركوعه وسجوده؛ ويكون سجوده أخفضَ من ركوعه، وأما الماشي فيتم ركوعه وسجوده، ويستقبل القبلة فيهما، ولا يمشي إلا في قيامه وتشهده.

(1/74)


• أركان الصلاة
{فصل} في أركان الصلاة. وتقدم معنى الصلاة لغة وشرعا. (وأركان الصلاة ثمانية عشر ركنا): أحدها (النية)، وهي قصد الشيء مقترنا بفعله. ومحلها القلب؛ فإن كانت الصلاة فرضا وجب نية الفرضية، وقصد فعلها، وتعيينها من صبح أو ظهر مثلا، أو كانت الصلاة نفلا ذات وقت كراتبة، أو ذات سبب كاستسقاء وجب قصد فعلها وتعيينها، لا نية النفلية.
(و) الثاني (القيام مع القدرة) عليه؛ فإن عجز عن القيام قعد كيف شاء، وقعوده مفترشا أفضل.
(و) الثالث (تكبيرة الإحرام)، فيتعين على القادر النطقُ بها، بأن يقول: الله أكبر؛ فلا يصح الرحمنُ أكبر ونحوه، ولا يصح فيها تقديم الخبر على المبتدأ كقوله: أكبر الله. ومن عجز عن النطق بها بالعربية ترجم عنها بأي لغة شاء، ولا يعدل عنها إلى ذكر آخر. ويجب قرن النية بالتكبير. وأما النووي فاختار الاكتفاء بالمُقارنة العُرفِية، بحيث يعد عُرفًا أنه مستحضر للصلاة.

(1/75)


(و) الرابع (قراءة الفاتحة) أو بدلها لمن لم يحفظها، فرضا كانت الصلاة أو نفلا. (وبسم اللهِ الرحمن الرحيم آيةٌ منها) كاملة. ومن أسقط من الفاتحة حرفا أو تشديدة أو أبدل حرفا منها بحرف لم تصح قراءته ولا صلاته إن تعمد، وإلا وجب عليه إعادة القراءة، ويجب ترتيبها بأن يقرأ آياتها على نظمها المعروف، ويجب أيضا موالاتها، بأن يصل بعض كلماتها ببعض من غير فصل إلا بقدر التنفس. فإن تخلل الذكر بين موالاتها قطعها إلا أن يتعلق الذكر بمصلحة الصلاة كتأمين المأموم في أثناء فاتحته لقراءة إمامه، فإنه لا يقطع الموالاة.
ومن جهل الفاتحة أو تعذرت عليه لعدم معلم مثلا وأحسن غيرها من القرآن وجب عليه سبع آيات متوالية عوضا عن الفاتحة أو متفرقة؛ فإن عجز عن القرآن أتى بذكر بدلا عنها بحيث لا ينقص عن حروفها؛ فإن لم يحسن قرآنا ولا ذكرا وقف قدر الفاتحة. وفي بعض النسخ «وقراءة الفاتحة بعد بسم الله الرحمن الرحيم، وهي آية منها».
(و) الخامس (الركوع)، وأقل فرضه لقائم قادر على الركوع معتدلِ الخِلقة سليمِ يديه وركبتيه أن ينحنى بغير انخناس قدر بلوغ راحتيه رُكبتيه

(1/76)


لو أراد وضعهما عليهما؛ فإن لم يقدر على هذا الركوع انحنى مقدوره وأومأ بطرفه. وأكمل الركوع تسوية الراكع ظهرَه وعنقَه بحيث يصيران كصفيحة واحدة، ونصب ساقيه وأخذ ركبتيه بيديه.
(و) السادس (الطمأنينة) وهي سكون بعد حركة (فيه) أي الركوع. والمصنف يجعل الطمأنينة في الأركان ركنا مستقلاًّ؛ ومشى عليه النووي في التحقيق. وغيرُ المصنف يجعلها هيئة تابعة للأركان.
(و) السابع (الرفع) من الركوع، (والاعتدال) قائما على الهيئة التي كان عليها قبل ركوعه من قيامِ قادرٍ وقُعودِ عاجزٍ عن القيام؛ (و) الثامن (الطمأنينة فيه) أي الاعتدال.
(و) التاسع (السجود) مرتين في كل ركعة. وأقله مباشرة بعض جبهة المصلي موضعَ سجوده من الأرض أو غيرها. وأكمله أن يكبر لهويه للسجود بلا رفع يديه، ويضع ركبتيه ثم يديه ثم جبهته وأنفه؛ (و) العاشر (الطمأنينة فيه) أي السجود، بحيث ينال مَوضعَ سُجوده ثِقَلُ رأسه. ولا يكفي إمساس رأسه موضعَ سجوده، بل يتحامل بحيث لو كان تحته قطن مثلا لاَنكَبس وظهر أثره على يدٍ لو فُرضت تحته.

(1/77)


(و) الحادي عشر (الجلوس بين السجدتين) في كل ركعة، سواء صلى قائما أو قاعدا أو مضطجعا. وأقله سكونٌ بعد حركة أعضائه. وأكمله الزيادة على ذلك بالدعاء الوارد فيه؛ فلو لم يجلس بين السجدتين بل صار إلى الجلوس أقرب لم يصح؛ (و) الثاني عشر (الطمأنينة فيه) أي الجلوس بين السجدتين.
(و) الثالث عشر (الجلوس الأخير) أي الذي يعقبه السلام؛ (و) الرابع عشر (التشهد فيه) أي في الجلوس الأخير. وأقل التشهد «التَّحِيَّاتُ لِلّهِ، سَلاَمٌ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللهِ وبَرَكَاتُه، سَلاَمٌ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ الله الصَّالِحِينَ؛ أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلهَ إِلاَّ الله، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ». وأكمل التشهد «التَّحِيَّاتُ الْمُبَارَكَاتُ الصَّلوَاتُ الطَّيِّبَاتُ لِلّهِ، السَّلاَمُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللهِ وبَرَكَاتُه، السَّلاَمُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللهِ الصَّالِحِينَ؛ أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلهَ إِلاَّ الله، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ».
(و) الخامس عشر (الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - فيه) أي في الجلوس الأخير بعد الفراغ من التشهد. وأقل الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - «اللهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ». وأشعر كلام المصنف أن الصلاة على الآل لا تجب، وهو كذلك بل هي سنة.

(1/78)


(و) السادس عشر (التسليمة الأولى) ويجب إيقاع السلام حال القعود. وأقله «السَّلامُ عَلَيْكُمْ» مرةً واحدة؛ وأكمله «السَّلامُ عَلَيْكُمْ ورَحمَةُ اللهِ» مرتين يمينا وشمالا.
(و) السابع عشر (نية الخروج من الصلاة) وهذا وجه مرجوح، وقيل لا يجب ذلك أي نية الخروج. وهذا الوجه هو الأصح.
(و) الثامن عشر (ترتيب الأركان) حتى بين التشهد الأخير والصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - فيه. وقوله: (على ما ذكرناه) يستثنى منه وجوب مقارنة النية لتكبيرة الإحرام ومقارنة الجلوس الأخير للتشهد والصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم.

• سنن الصلاة
(و) الصلاة (سننها قبل الدخول فيها شيئان: الأذان) وهو لغةً الإعلامُ، وشرعا ذكرٌ مخصوص للإعلام بدخول وقت صلاة مفروضة. وألفاظه مثنى إلا التكبير أوَّلَه فأربعٌ، وإلا التوحيد آخرَه فواحد؛ (والإقامة) وهي مصدرُ «أقَامَ»، ثم سمي بها الذكر المخصوص لأنه يقيم إلى الصلاة. وإنما يُشرَع كل من الأذان والإقامة للمكتوبة، وأما غيرها فينادى لها «الصلاةُ جَامِعة».

(1/79)


(و) سننها (بعد الدخول فيها شيئان: التشهد الأول، والقنوت في الصبح) أي في اعتدال الركعة الثانية منه؛ وهو لغةً الدعاء، وشرعًا ذكرٌ مخصوص، وهو «اللهُمَّ اهْدِنِي فِيمَنْ هَدَيْتَ، وعَافِنِي فِيمَنْ عَافَيْتَ» (1) إلخ. (و) القنوت (في) آخر (الوتر في النصف الثاني من شهر رمضان). وهو كقنوت الصبح المتقدم في محله ولفظِه. ولا تتعين كلمات القنوت السابقة؛ فلو قنت بآية تتضمن دعاءً وقصد القنوت حصلت سنة القنوت.

• هيئات الصلاة
(وهيئاتها) أي الصلاة. وأراد بهيئاتها ما ليس رُكنًا فيها ولا بعضًا يُجبر بسجود السهو (خمسةَ عشرَ خصلة: رفع اليدين عند تكبيرة الإحرام) إلى حذو منكبيه، (و) رفع اليدين (عند الركوع و) عند (الرفع منه،
__________
(1) وأكمله كما روي عن الْحَسَن بنُ عَلِيٍّ - رضي الله عنهما - قال: عَلَّمَنِي رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - كلِمَاتٍ أَقُولُهُنَّ في الْوِتْرِ. قال ابنُ جَوَّاسٍ: في قُنُوتِ الْوتْرِ: «اللَّهُمَّ اهْدِنِي فِيمَنْ هَدَيْتَ، وَعَافِنِي فِيمَنْ عَافَيْتَ، وَتَوَلَّنِي فِيمَنْ تَوَلَّيْتَ، وَبَارِكْ لِي فِيمَا أَعْطَيْتَ، وَقِنِي شَرَّ مَا قَضَيْتَ، إِنَّكَ تَقْضِي وَلَا يُقْضَى عَلَيْكَ، وَإِنَّهُ لَا يَذِلُّ مَنْ وَالَيْتَ، وَلَا يَعِزُّ مَنْ عَادَيْتَ، تَبَارَكْتَ رَبَّنَا وَتَعَالَيْتَ» [سنن أبي داود:2/ 63 (1425)، وسنن الترمذي:1/ 478 - 479 (464)].

(1/80)


ووضع اليمين على الشمال)، ويكونان تحت صدره وفوق سرته.
(والتوجه) أي قول المصلي عقبَ التحرم، {وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [الأنعام: 79]. والمراد أن يقول المصلي بعد التحرم دعاءَ الافتتاح هذه الآية أو غيرها مما ورد في الاستفتاح. (1)
(والاستعاذة) بعد التوجه. وتحصل بكل لفظ يشتمل على التعوذ؛ والأفضل «أَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ».
(والجهر في موضعه) وهو الصبح وأولتا المغرب والعشاء والجمعة والعيدان؛ (والإسرار في موضعه) وهو ما عدا الذي ذكر.
(والتأمين) أي قول «آمين» عقبَ الفاتحة لقارئها في صلاة وغيرها، لكن في الصلاة آكد. ويُؤَمِّن المأمومُ مع تأمين إمامه، ويجهر به.
(وقراءة السورة بعد الفاتحة) لإمامٍ ومنفرد في ركعتي الصبح وأولتي غيرها. وتكون قراءة السورة بعد الفاتحة؛ فلو قدم السورة عليها لم يحسب؛ (والتكبيرات عند الخفض) للركوع (والرفع) أي رفع الصلب من الركوع.
________________________
(1) كما أخرجه مسلم في صحيحه عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ كَانَ إِذَا قَامَ إِلَى الصَّلَاةِ، قَالَ: «وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا، وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ، إِنَّ صَلَاتِي، وَنُسُكِي، وَمَحْيَايَ، وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، لَا شَرِيكَ لَهُ، وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ، اللهُمَّ أَنْتَ الْمَلِكُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ أَنْتَ رَبِّي، وَأَنَا عَبْدُكَ، ظَلَمْتُ نَفْسِي، وَاعْتَرَفْتُ بِذَنْبِي، فَاغْفِرْ لِي ذُنُوبِي جَمِيعًا، إِنَّهُ لَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْتَ، وَاهْدِنِي لِأَحْسَنِ الْأَخْلَاقِ لَا يَهْدِي لِأَحْسَنِهَا إِلَّا أَنْتَ، وَاصْرِفْ عَنِّي سَيِّئَهَا لَا يَصْرِفُ عَنِّي سَيِّئَهَا إِلَّا أَنْتَ، لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ وَالْخَيْرُ كُلُّهُ فِي يَدَيْكَ، وَالشَّرُّ لَيْسَ إِلَيْكَ، أَنَا بِكَ وَإِلَيْكَ، تَبَارَكْتَ وَتَعَالَيْتَ، أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتُوبُ إِلَيْكَ». (صحيح مسلم: 1/ 534 - 535 (771)

(1/81)


(وقول «سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَهُ») حين يرفع رأسه من الركوع. ولو قال: «مَنْ حمِد اللهَ سمع لَهُ» كفى. ومعنى «سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَهُ» تقبل الله منه حمده وجازاه عليه. وقولُ المصلي: («رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ») إذا انتصب قائما؛ (والتسبيح في الركوع) وأدنى الكمال في هذا التسبيح «سُبحَانَ رَبِيَ العَظِيمِ» ثلاثا؛ (و) التسبيح في (السجود)، وأدنى الكمال فيه «سُبحَانَ رَبِيَ الأَعلَى» ثلاثا؛
والأكمل في تسبيح الركوع والسجود مشهورٌ.
(ووضع اليدين على الفخذين في الجلوس) للتشهد الأول والأخير (يبسط) اليد (اليُسرَى) بحيث تسامَت رؤوسُ أصابعها الرُكبةَ، (ويقبض) اليد (اليمنى) أي أصابعها (إلا المسبحة) من اليمنى، فلا يقبضها؛ (فإنه يشير بها) رافعا لها حال كونه (مُتشهدا)؛ وذلك عند قوله: «إلاَّ الله»، ولا يحركها؛ فإن حرَّكها كره، ولا تبطل صلاتُه في الأصح.
(والافتراش في جميع الجلسات) الواقعة في الصلاة، كجلوس الاستراحة والجلوس بين السجدتين وجلوس التشهد الأول. والافتراس أن يجلس الشخص على كعب اليسرى جاعلاً ظهرَها للأرض وينصب قدمه اليمنى

(1/82)


ويضع بالأرض أطراف أصابعها لجهة القبلة.
(والتورك في الجلسة الأخيرة) من جلسات الصلاة، وهي جلوس التشهد الأخير. والتورك مثل الافتراش إلا أن المصلي يُخرِج يساره على هيئتها في الافتراش من جهة يمينه، ويلصق وركه بالأرض. أما المسبوق والساهي فيفترشان ولا يتوركان. (والتسليمة الثانية). أما الأولى فسبق أنها من أركان الصلاة.

• ما تخالف المرأة فيه الرجل
{فصل} في أمور تخالف فيها المرأةُ الرجُلَ في الصلاة. وذكر المصنف بقوله: (والمرأة تُخالف الرجلَ في خمسة أشياء: فالرجل يجافي) أي يرفع (مرفقيه عن جنبيه، ويقل) أي يرفع (بطنه عن فخذيه في الركوع والسجود،

(1/83)


ويجهر في موضع الجهر). وتقدم بيانه في موضعه، (وإذا نابه) أي أصابه (شيء
في الصلاة سبَّح)؛ فيقول: «سُبْحَانَ الله» بقصد الذكر فقط، أو مع الإعلام أو أطلق لم تبطل صلاته، أو الإعلام فقط بطلت. (وعورةُ الرجل ما بين سرته وركبته)؛ أما هما فليسا من العورة، ولا ما فوقهما.
(والمرأة) تخالف الرجلَ في الخمس المذكورة، فإنها (تضم بعضها إلى بعض)، فتلصق بطنها بفخذيها في ركوعها وسجودها (وتخفض صوتها) إن صلت (بحضرة الرجال الأجانب). فإن صلت منفردة عنهم جهرت؛ (وإذا نابها شيء في الصلاة صفقت) بضرب بطن اليمنى على ظهر اليسرى؛ فلو ضربت بطنا ببطن بقصد اللعب ولو قليلا مع علم التحريم بطلت صلاتُها. والخنثى كالمرأة. (وجميع بدن) المرأة (الحُرَّة عورة إلا وجهها وكفيها). وهذه عورتها في الصلاة؛ أما خارجَ الصلاة فعورتها جميع بدنها.

(1/84)


(والأمة كالرجل في الصلاة)؛ فتكون عورتها ما بين سرتها وركبتها.

• مبطلات الصلاة
{فصل} في عدد مبطلات الصلاة. (والذي يبطل الصلاة أحدَ عشرَ شيئا: الكلام العمد) الصالح لخطاب الآدميين، سواء تعلق بمصلحة الصلاة أو لا، (والعمل الكثير) المتوالي كثلات خطوات، عمدا كان ذلك أو سهوا؛ أما العمل القليل فلا تبطل الصلاة به. (والحدث) الأصغر والأكبر، (وحُدوث النجاسة) التي لا يعفى عنها. ولو وقع على ثوبه نجاسة يابسة فنفض ثوبه حالا لم تبطل صلاته. (وانكِشاف العورة) عمدا؛ فإن كشفها الريح فسترها في الحال لم تبطل صلاته،

(1/85)


(وتغيير النية) كأن ينوي الخروج من الصلاة. (واستدبار القبلة) كأن يجعلها خلف ظهره. (والأكل، والشرب) كثيرا كان المأكول والمشروب
أو قليلا، إلا أن يكون الشخص في هذه الصورة جاهلاً تحريمَ ذلك، (والقهقهة) ومنهم من يعبِّر عنها بالضحك. (والردة) وهي قطع الإسلام بقول أو فعل.

• ركعات الفرائض
{فصل} في عدد ركعات الصلاة. (وركعات الفرائض) أي في كل يوم وليلة في صلاة الحضر إلا يوم الجمعة (سبعةَ عشرَ ركعة). أما يوم الجمعة فعدد ركعات الفرائض في يومها خمسةَ عشر ركعةً. وأما عدد ركعات صلاة السفر في كل يوم للقاصر فإحدى عشرة ركعة.

(1/86)


وقوله: (فيها أربع وثلاثون سجدةً، وأربع وتسعون تكبيرة، وتسع تشهدات، وعشر تسليمات، ومائة وثلاث وخمسون تسبيحة).
(وجملة الأركان في الصلاة مائة وستة وعشرون ركنا: في الصبح ثلاثون ركنا، وفي المغرب اثنان وأربعون ركنا، وفي الرباعية أربعة وخمسون ركنا) إلى آخره ظاهر غني عن الشرح.

• من عجز عن القيام في صلاة الفرض
(ومن عجز عن القيام في الفريضة) لمشقة تلحقه في قيامه (صلى جالسا) على أي هيئة شاء، ولكن افتراشه في موضع قيامه أفضل من تَرَبُّعِه في الأظهر.

(1/87)


(ومن عجز عن الجلوس صلى مضطجعا)؛ فإن عجز عن الاضطجاع صلى مستلقيا على ظهره ورجلاه للقبلة؛ فإن عجز عن ذلك كله أومأ بطرفه ونوى بقلبه، ويجب عليه استقبالها بوجهه بوضع شيء تحت رأسه ويومئ برأسه في ركوعه وسجوده؛ فإن عجز عن الإيماء برأسه أومأ بأجفانه؛ فإن عجز عن الإيماء بها أجرى أركان الصلاة على قلبه، ولا يتركها ما دام عقله ثابتا.
والمصلي قاعدا لا قضاء عليه، ولا ينقص أجره، لأنه معذور. وأما قوله - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ صَلَى قَاعِدًا فَلَهُ نِصْفُ أَجْرِ الْقَائِمِ، وَمَنْ صَلَى نَائِمًا فَلَهُ نِصْفُ أَجْرِ الْقَاعِدِ»، فمحمول على النفل عند القدرة.

• أنواع المتروك من الصلاة
{فصل} (والمتروك من الصلاة ثلاثة أشياء: فرض) ويسمى بالركن أيضا، (وسُنة وهيئة)؛ وهما ما عدا الفرض.

(1/88)


وبيَّنَ المصنف الثلاثة في قوله: (فالفرض لا ينوب عنه سجودُ السهو، بل إن ذكره) أي الفرض وهو في الصلاة أتى به وتمت صلاته، أو ذكره بعد السلام (والزمان قريب أتى به، وبنى عليه) ما بقي من الصلاة، (وسجد للسهو). وهو سنة -كما سيأتي- لكن عند ترك مأمور به في الصلاة أو فعل منهي عنه فيها.
(والسنة) إن تركها المصلي (لا يعود إليها بعد التلبس بالفرض)؛ فمن ترك التشهد الأول مثلا فذكره بعد اعتداله مستويا لا يعود إليه؛ فإن عاد إليه عالما تحريمه بطلت صلاته، أو ناسيا أنه في الصلاة أو جاهلا فلا تبطل صلاته، ويلزمه القيام عند تذَكُّره. وإن كان مأموما عاد وجوبا لمتابعة إمامه (لكنه يسجد للسهو عنها) في صورة عدم العود، أو العود ناسيا. وأراد المصنف بالسنة هنا الأبعاضَ الستة، وهي: التشهد الأول وقعوده، والقنوت في الصبح وفي آخر الوتر في النصف الثاني من رمضان، والقيام للقنوت، والصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - في التشهد الأول، والصلاة على الآل في التشهد الأخير.

(1/89)


(والهيئة) كالتسبيحات ونحوها مما لا يجبر بالسجود (لا يعود) المصلي (إليها بعد تركها، ولا يسجد للسهو عنها) سواء تركها عمدا أو سهوا.
(وإذا شكَّ) المصلي (في عدد ما أتى به من الركعات) كمن شَكَّ هل صلى ثلاثا أو أربعا (بنى على اليقين، وهو الأقل) كالثلاثة في هذا المثال، وأتى بركعة (وسجد للسهو)، ولا ينفعه غلبة الظنِّ أنه صلى أربعا، ولا يعمل بقول غيره له أنه صلى أربعا، ولو بلغ ذلك القائل عددَ التواتر.
(وسجود السهو سنة) كما سبق، (ومحله قبل السلام)؛ فإن سلم المصلي عامدا عالما بالسهو أو ناسيا وطال الفصلُ عُرفًا فات محله، وإن قصر الفصلُ عُرفًا لم يفت، وحينئذ فله السجود وتركه.

(1/90)


• الأوقات التي تكره فيها الصلاة
{فصل} في الأوقات التي تكره الصلاة فيها تحريما - كما في الروضة وشرح المهذب هنا - وتنزيها - كما في التحقيق وشرح المهذب في نواقض الوضوء. (وخمسة أوقات لا يصلى فيها إلا صلاة لها سبب) إما متقدمٌ كالفائتة، أو مقارنٌ كصلاة الكسوف والاستسقاء. فالأول من الخمسة الصلاةُ التي لا سبب لها إذا فعلت (بعد صلاة الصبح) وتستمر الكراهة (حتى تطلع الشمس. و) الثاني الصلاة (عند طلوعها)؛ فإذا طلعت (حتى تتكامل وترتفعَ قدر رمح) في رأي العين. (و) الثالث الصلاة (إذا استوت حتى تزول) عن وسط السماء. ويستثنى من ذلك يوم الجمعة؛ فلا تكره الصلاة فيه وقتَ الاستواء، وكذا حرمُ مكةَ، المسجد وغيره؛ فلا تكره الصلاة فيه في هذه الأوقات كلها، سواء صلى سنة الطواف أو غيرها. (و) الرابع (بعد صلاة العصر حتى تغرب الشمس.

(1/91)


و) الخامس (عند الغروب) للشمس، فإذا دنت للغروب (حتى يتكامل غروبها).

• صلاة الجماعة
{فصل} (وصلاة الجماعة) للرجال في الفرائض غير الجُمُعَةِ (سنة مؤكدةٌ) عند المصنف والرافعي. والأصح عند النووي أنها فرض كفاية. ويُدْرِك المأمومُ الجماعةَ مع الإمام في غير الجمعة مالم يسلم التسليمة الأولى وإن لم يقعد معه. وأما الجماعة في الجمعة ففرض عين، ولا تحصل بأقل من ركعة.
(و) يجب (على المأموم أن ينوي الائتمام) أو الاقتداء بالإمام، ولا يجب تعيينه، بل يكفي الاقتداء بالحاضر إن لم يعرفه؛ فإن عيَّنه وأخطأ بطلت صلاته إلا إن انضمت إليه إشارةٌ كقوله: نويت الاقتداء بزيد هذا، فبان عمرا، فتصح. (دون الإمام)؛ فلا يجب في صحة الاقتداء به في غير الجمعة نية الإمامة، بل هي مستحبة في حقه، فإن لم ينو فصلاته فرادى.

(1/92)


(ويجوز أن يأتم الحُرُّ بالعبد، والبالغ بالمُراهق). أما الصبي غير المميز فلا يصح الاقتداء به. (ولا تصح قدوةُ رجلٍ بامرأة) ولا بخنثى مشكل، ولا خنثى مشكل بامرأة ولا بمشكل، (ولا قارئ) وهو من يحسن الفاتحة، أي لا يصح اقتداؤه (بأمي) وهو من يخل بحرف أو تشديدة من الفاتحة.
ثم أشار المصنف لشروط القدوة بقوله: (وأي موضع صلى في المسجد بصلاة الإمام فيه) أي في المسجد (وهو) أي المأموم (عالم بصلاته) أي الإمام بمشاهدة المأموم له أو بمشاهدة بعض صف (أجزأه) أي كفاه ذلك في صحة الاقتداء به (مالم يتقدم عليه)؛ فإن تقدم عليه بعقبه في جهته لم تنعقد صلاته، ولا تضر مساواته لإمامه، ويندب تخلفه عن إمامه قليلا، ولا يصير بهذا التخلف منفردا عن الصف حتى لا يحوز فضيلة الجماعة.
(وإن صلى) الإمام (في المسجد والمأموم خارجَ المسجد) حال كونه (قريبا منه) أي الإمام، بأن لم تزد مسافة ما بينهما على ثلاث مئة ذراع

(1/93)


تقريبا، (وهو) أي المأموم (عالم بصلاته) أي الإمام (ولا حائل هناك) أي بين الإمام والمأموم (جاز) الاقتداء به، وتعتبر المسافة المذكورة من آخر المسجد. وإن كان الإمام والمأموم في غير المسجد، إما فضاء أو بناء فالشرط أن لا يزيد ما بينهما على ثلثمائة ذراع، وأن لا يكون بينهما حائل.

• صلاة المسافر
{فصل} في قصر الصلاة وجمعها. (ويجوز للمسافر) أي الملتبس بالسفر (قصرُ الصلاة الرباعية) لا غيرها، من ثنائية وثلاثية. وجواز قصر الصلاة الرباعية (بخمس شرائط): الأول (أن يكون سفره) أي الشخص (في غير معصية) هو شامل للواجب كقضاء دين، وللمندوب كصلة الرحم، وللمباح كسفر تجارة.

(1/94)


أما سفر المعصية كسفر لقطع الطريق، فلا يترخص فيه بقصر ولا جمع.
(و) الثاني (أن تكون مسافته) أي السفر (ستةَ عشرَ فرسَخًا) تحديدا في الأصح، ولا تحسب مدةُ الرجوع منها. والفرسخ ثلاثة أميال؛ وحينئذ فمجموع الفراسخ ثمانية وأربعون مِيلاً، والميلُ أربعة آلاف خُطوة، والخُطوة ثلاثة أقدام. والمراد بالأميال الهاشمية.
(و) الثالث (أن يكون) القاصر (مؤديًا للصلاة الرباعية). أما الفائتة حضرا فلا تقضى فيه مقصورة. والفائتة في السفر تقضى فيه مقصورة، لا في الحضر.
(و) الرابع (أن ينوي) المسافر (القصر) للصلاة (مع الإحرام) بها؛ (و) الخامس (أن لا يأتَمَّ) في جزء من صلاته (بمقيم) أي بمن يصلي صلاة تامة ليشمل المسافر المتم.

• جمع الصلاة للمسافر
(ويجوز للمسافر) سفرا طويلا مباحا (أن يجمع بين) صلاتَي (الظهر

(1/95)


والعصر) تقديما وتأخيرا، وهو معنى قوله: (في وقت أيهما شاء، و) أن يجمع (بين) صلاتَي (المغرب والعشاء) تقديما وتأخيرا، وهو معنى قوله: (في وقت أيهما شاء).
وشروط جمع التقديم ثلاثة: الأول أن يبدأ بالظهر قبل العصر، وبالمغرب قبل العشاء؛ فلو عكس كأن بدأ بالعصر قبل الظهر مثلا لم يصح، ويعيدها إن أراد الجمع.
والثاني نية الجمع أولَ الصلاة الأولى، بأن تُقترَن نيةُ الجمع بتحرمها، فلا يكفي تقديمها على التحرم ولا تأخيرها عن السلام من الأولى. وتجوز في أثنائها على الأظهر.
والثالث الموالاة بين الأولى والثانية، بأن لا يطول الفصل بينهما؛ فإن طال عُرفًا ولو بعذر كنوم وجب تأخير الصلاة الثانية إلى وقتها. ولا يضر في الموالاة بينهما فصل يسير عرفا. وأما جمع التأخير فيجب فيه أن يكون نية الجمع، وتكون النية هذه في وقت الأولى. ويجوز تأخيرها إلى أن يبقى من وقت الأولى زمنٌ لو ابتُدِئت فيه كانت أداء. ولا يجب في جمع التأخير ترتيبٌ ولا موالاة

(1/96)


ولا نية جمع على الصحيح في الثلاثة.
(ويجوز للحاضر) أي المقيم (في) وقت (المطر أن يجمع بينهما) أي الظهر والعصر، والمغرب والعشاء، لا في وقت الثانية، بل (في وقت الأولى منهما) إن بَلَّ المطرُ أعلى الثوب وأسفل النعل، ووجدت الشروط السابقة في جمع التقديم. ويشترط أيضا وجود المطر في أول الصلاتين، ولا يكفي وجوده في أثناء الأولى منهما. ويشترط أيضا وجوده عند السلام من الأولى، سواء استمر المطر بعد ذلك أم لا. وتختص رُخصة الجمع بالمطر بالمصلي في جماعة بمسجد أو غيره من مواضع الجماعة بعيد عرفا، ويتأذى الذاهب للمسجد أو غيره من مواضع الجماعة بالمطر في طريقه.

(1/97)


• صلاة الجمعة
{فصل} (وشرائط وجوب الجمعة سبعة أشياء: الإسلام، والبلوغ، والعقل)؛ وهذه شروط أيضا لغير الجمعة من الصلوات، (والحرية، والذكورية، والصحة، والاستيطان)؛ فلا تجب الجمعة على كافر أصلي وصبي ومجنون ورقيق وأنثى ومريض ونحوه ومسافر.
(وشرائط) صحة (فعلها ثلاثة): الأول دار الإقامة التي يستوطنها العدد المجمعون، سواء في ذلك المُدُن والقُرى التي تتخذ وطنا. وعبر المصنف عن ذلك بقوله: (أن تكون البلد مصرا) كانت البلد (أو قرية).
(و) الثاني (أن يكون العدد) في جماعة الجمعة (أربعين) رجلا (من أهل الجمعة)، وهم المكلفون الذكور الأحرار المستوطِنون، بحيث لا يظعَنون عما استوطنوه شِتاءً ولا صيفا إلا لحاجة.
(و) الثالث (أن يكون الوقت باقيًا) وهو وقت الظهر؛ فيشترط أن تقع

(1/98)


الجمعة كلها في الوقت؛ فلو ضاق وقتُ الظهر عنها بأن لم يبق منه ما لا يسع الذي لا بد منه فيها من خطبتيها وركعتيها صليت ظهرا.
(فإن خرج الوقت أو عدمت الشروط) أي جميعُ وقت الظهر يقينا أو ظنا وهم فيها (صُليت ظهرا) بناءً على ما فعل منها، وفاتت الجمعة، سواء أدركوا منها ركعة أم لا. ولو شكوا في خروج وقتها وهم فيها أتموها جمعة على الصحيح.
(وفرائضها) ومنهم من عبر عنها بالشروط (ثلاثة): أحدها وثانيها (خطبتان يقوم) أي الخطيب (فيهما ويجلس بينهما). قال المتولي: بقدر الطمأنينة بين السجدتين. ولو عجز عن القيام وخطب قاعدا أو مضطجعا صح وجاز الاقتداء به ولو مع الجهل بحاله. وحيث خطب قاعدًا فصل بين الخطبتين بسكتة، لا باضطجاع.
وأركان الخطبة خمسة: حمد الله تعالى، ثم الصلاة على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. ولفظهما متعين، ثم الوصية بالتقوى، ولا يتعين لفظها على الصحيح، وقراءة آية في إحداهما، والدعاء للمؤمنين والمؤمنات في الخطبة الثانية. ويشترط أن يُسمِع الخطيبُ أركانَ الخطبة لأربعين تنعقد بهم

(1/99)


الجمعةُ. ويشترط الموالاة بين كلمات الخطبة، وبين الخطبتين؛ فلو فرق بين كلماتها ولو بعذر بطلت. ويشترط فيهما ستر العورة وطهارة الحدث والخبث في ثوب وبدن ومكان.
(و) الثالث من فرائض الجمعة (أن تُصلَّى) بضم أوله (ركعتين في جماعة) تنعقد بهم الجمعةُ. ويشترط وقوع هذه الصلاة بعد الخطبتين، بخلاف صلاة العيد، فإنها قبل الخطبتين.
(وهيآتها) وسبق معنى الهيئة (أربع خصال): أحدها (الغسل) لمن يريد خضورها من ذكر أو أنثى، حُرٍّ أو عبد، مقيم أو مسافر. ووقت غسلها من الفجر الثاني؛ وتقريبه من ذهابه أفضل. فإن عجز عن غسلها تيمم بنية الغسل لها. (و) الثاني (تنظيف الجسد) بإزالة الريح الكريه منه كصُنَان، فيتعاطى ما يزيله من مرتك ونحوه.

(1/100)


(و) الثالث (لبس الثياب البِيض)، فإنها أفضل الثياب. (و) الرابع (أخذ الظفر) إن طال، والشعر كذلك، فينتف إبطه ويقص شاربه، ويحلق عانته، (والتطيب) بأحسن ما وجد منه.
(ويستحب الإنصات) وهو السكوت مع الإصغاء (في وقت الخطبة). ويستثنى من الإنصات أمور مذكورة في المطولات. منها إنذار أعمى أن يقع في بئر، ومن دَبَّ إليه عقربٌ مثلا.
(ومن دَخَل) المسجدَ (والإمام يخطب صلى ركعتين خفيفتين ثم يجلس). وتعبير المصنف بـ «دَخَل» يفهم أن الحاضر لا ينشئ صلاة ركعتين، سواء صلى سنة الجمعة أم لا. ولا يظهر من هذا المفهوم أن فعلهما حرام أو مكروه، لكن النووي في الشرح المهذب صرح بالحرمة، ونقل الإجماع عليها عن الماوردي.

(1/101)


• صلاة العيدين
{فصل} (وصلاة العيدين) أي الفطر والأضحى (سنةٌ مؤكدة). وتُشرع جماعةً، ولمنفرد ومسافر، وحُرٍّ وعبد، وخنثى وامرأة، لا جميلة، ولا ذات هيئة. أما العجوز فتحضر العيد في ثياب بيتها بلا طيب. ووقت صلاة العيد ما بين طلوع الشمس وزوالها.
(وهي) أي صلاة العيد (ركعتان) يحرم بهما بنية عيد الفطر أو الأضحى، ويأتي بدعاء الافتتاح؛ و (يكبر في) الركعة (الأولى سبعا سوى تكبيرة الإحرام)، ثم يتعوذ ويقرأ بعدها سورة «ق» جهرًا، (و) يكبر (في) الركعة (الثانية خمسا سوى تكبيرة القيام) ثم يتعوذ، ثم يقرأ الفاتحة وسورة «اقتَرَبَت» جهرا.
(ويخطب) ندبا (بعدهما) أي الركعتين (خطبتين، يكبر في) ابتداء (الأولى تسعا) ولاء، (و) يكبر (في) ابتداء (الثانية سبعا) ولاء. ولو فصل بينهما بتحميد وتهليل وثناء كان حسنا.

• التكبير للعيدين
والتكبير على قسمين: مرسل، وهو ما لا يكون عقِبَ صلاة؛ ومقيد، وهو ما يكون عقبها.

(1/102)


وبدأ المصنف بالأول فقال: (ويكبر) ندبا كلٌّ من ذكر وأنثى، وحاضر ومسافر، في المنازل والطرُق، والمساجد والأسواق (من غروب الشمس من ليلة العيد) أي عيد الفطر، ويستمر هذا التكبير (إلى أن يدخل الإمام في الصلاة) للعيد.
ولا يسن التكبير ليلةَ عيد الفطر عقب الصلاة، ولكن النووي في الأذكار اختار أنه سنة. ثم شرع في التكبير المقيد فقال: (و) يكبر (في) عيد (الأضحى
خَلف الصلوات المفروضات) من مؤداة وفائتة؛ وكذا خلف راتبة ونفل مطلق وصلاة جنازة، (مِن صُبح يوم عرفةَ إلى العصر من آخر أيام التشريق).

• صيغة التكبير
وصيغة التكبير: «اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، لاَ إِلهَ إلاَّ اللهَ، وَاللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أكبَرُ، وَلِلّهِ الْحَمْدُ، اللهُ أَكبَرُ كَبِيرًا، وَالْحَمْدُ لِلّهِ كَثِيرًا، وَسُبْحَانَ اللهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً، لاَ إِلهَ إلاَّ اللهَ وَحْدَهُ، صَدَقَ وَعْدَهُ، وَنَصَرَ عَبْدَهُ، وَأَعَزَّ جُنْدَهُ، وَهَزَّمَ الأَحْزَابَ وَحْدَهُ».

(1/103)


• صلاة الكسوف والخسوف
{فصل} (وصلاة الكسوف) للشمس، وصلاة الخسوف للقمر، كل منهما (سنة مؤكدة، فإن فاتت) هذه الصلاة (لم تقض) أي لم يُشرَع قضاؤُها. (ويصلي لكسوف الشمس وخسوف القمر ركعتين) يحرم بنية صلاة الكسوف، ثم بعد الافتتاح والتعوذ يقرأ الفاتحة، ويركع، ثم يرفع رأسه من الركوع، ثم يعتدل، ثم يقرأ الفاتحة ثانيا، ثم يركع ثانيا أخف من الذي قبله، ثم يعتدل ثانيا، ثم يسجد السجدتين بطمأنينة في الكل، ثم يصلي ركعة ثانية بقيامين وقراءتين وركوعين واعتدالين وسجودين. وهذا معنى قوله: (في كل ركعة) منهما (قيامان يطيل القراءة فيهما) كما سيأتي، (و) في كل ركعة (ركوعان يطيل التسبيح فيهما، دون السجود)؛ فلا يطوله، وهو أحد وجهين، لكن الصحيح أنه يطوله نحو الركوع الذي قبله، (ويخطب) الإمام (بعدهما) أي بعد صلاة الكسوف والخسوف (خطبتين) كخطبتي الجمعة في الأركان والشروط، ويحث الناسَ في الخطبتين على التوبة من الذنوب وعلى فعل الخير من صدقة وعتق

(1/104)


ونحو ذلك.
(ويُسِرُّ) بالقراءة (في كسوف الشمس، ويجهر) بالقراءة (في خسوف القمر). وتفوت صلاة كسوف الشمس بالانجلاء للمنكسف وبغروبها كاسفة، وتفوت صلاة خسوف القمر بالانجلاء وطلوع الشمس، لا بطلوع الفجر ولا بغروبه خاسفا، فلا تفوت الصلاة.

• صلاة الاستسقاء
{فصل} في أحكام صلاة الاستسقاء، أي طلب السُقْيَا مِن الله تعالى. (وصلاة الاستسقاء مسنونة) لمقيم ومسافر عند الحاجة من انقطاع غيث أو عين ماء ونحو ذلك. وتُعاد صلاة الاستسقاء ثانيا وأكثر من ذلك إن لم يُسقَوا حتى يسقيهم الله؛ (فيأمرهم الإمامُ) ونحوه (بالتوبة) ويلزمهم امتثال أمره - كما أفتى به النووي. والتوبة من الذنب واجبة. أمر الإمام بها أو لا،

(1/105)


(والصدقة، والخروج من المظالم) للعباد (ومصالحة الأعداء، وصيام ثلاثة أيام) قبل ميعاد الخروج، فيكون به أربعة أيام، (ثم يخرج بهم في اليوم الرابع) صياما غير متطيبين ولا متزينين، بل يخرجون (في ثياب بِذْلَة) بموحدة مكسورة وذال معجمة ساكنة، وهي ما يلبس من ثياب المهنة وقتَ العمل، (واستكانة) أي خشوع (وتضرع) أي خضوع وتذلل. ويخرجون معهم الصبيانُ والشيوخ والعجائز والبهائم.
(ويصلي بهم) الإمام أو نائبه (ركعتين كصلاة العيدين) في كيفيتهما من الافتتاح والتعوذ والتكبير سبعا في الركعة الأولى، وخمسا في الركعة الثانية برفع يديه، (ثم يخطب) ندبا خطبتين كخطبتي العيدين في الأركان وغيرها، لكن يستغفر اللهَ تعالى في الخطبتين بدل التكبير أولهما في خطبتي العيدين؛ فيفتتح الخطبة الأولى بالاستغفار تسعا، والخطبة الثانية سبعا. وصيغة الاستغفار «أَسْتَغْفِرُ اللهَ الْعَظِيمَ الَّذِي لاَ إِلهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيَّ الْقَيُّومَ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ».

(1/106)


وتكون الخطبتان (بعدهما) أي الركعتين. (ويُحَوّل) الخطيب (رداءه)؛ فيجعل يمينه يساره، وأعلاه أسفله، ويُحَوِّل الناس أردِيتهم مثل تحويل الخطيب، (ويُكثر من الدعاء) سرا وجهرا، فحيث أسر الخطيب أسر القوم بالدعاء، وحيث جهر أمنوا على دعائه. (و) يكثر الخطيب من (الاستغفار) ويقرأ قوله تعالى: {اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا} [نوح: 10 - 11].
وفي بعض نسخ المتن زيادة وهي: (ويدعو بدعاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وهو: «اللهُمَّ اجْعَلْهَا سُقْيَا رَحْمَةٍ، وَلاَ تَجْعَلْهَا سُقْيَا عَذَابٍ، وَلاَ مَحْقٍ، وَلاَ بَلاَءٍ، وَلاَ هَدْمٍ، وَلاَ غَرقٍ؛ اللهُمَّ عَلَى الظِّرَابِ وَالآكَامِ وَمَنَابِتِ الشَّجَرِ، وبُطُونِ الأَوْدِيَةِ؛ اللهُمَّ حَوَالَيْنَا وَلاَ عَلَيْنَا، اللهُمَّ اسْقِنا غَيْثًا مُغيثًا، مَرِيئًا مَرِيعًا، سَحَّا عَامًّا، غَدَقًا طَبَقًا، مُجَلِّلاً دَائِمًا إلَى يَوْمِ الدِّينِ؛ اللهُمَّ اسْقِنَا الغَيْثَ، وَلاَ تَجْعَلْنَا مِنَ الْقَانِطِينَ؛ اللهُمَّ إِنَّ بِالْعِبَادِ وَالبِلاَدِ مِنَ الْجُهْدِ وَالْجُوعِ وَالضَّنْكِ

(1/107)


مَا لاَ نَشْكُو إِلاَّ إِلَيكَ؛ اللهُمَّ أَنْبِتْ لَنَا الزَّرْعَ، وَأَدِرَّ لَنَا الضَّرْعَ، وَأَنْزِلْ عَلَيْنَا مِنْ بَرَكَاتِ السَّمَاءِ، وَأَنْبِتْ لَنَا مِنْ بَرَكَاتِ الأَرْضِ، وَاكْشِفْ عَنَّا مِنَ الْبَلاَءِ مَا لاَ يَكْشِفُهُ غَيْرُكَ؛ اللهُمَّ إِنَّا نَسْتَغْفِرُكَ، إِنَّكَ كُنْتَ غَفَّارًا، فَأَرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْنَا مِدْرَارًا». ويغتسل في الوادي إذا سال، ويسبح للرعد والبرق). انتهت الزيادة، وهي لطولها لا تناسب حال المتن من الاختصار. والله أعلم.

• صلاة الخوف
{فصل} في كيفية صلاة الخوف. وإنما أفردها المصنف عن غيرها من الصلوات بترجمة لأنه يحتمل في

(1/108)


إقامة الفرض في الخوف ما لا يحتمل في غيره.

• أنواع صلاة الخوف
(وصلاة الخوف) أنواع كثيرة تبلغ ستة أضرب - كما في صحيح مسلم - اقتصر المصنف منها (على ثلاثة أضرب: أحدها أن يكون العدو في غير جهة القبلة)، وهو قليل، وفي المسلمين كثرة بحيث تُقَاوِم كل فرقة منهم العدوَ؛ (فيفرقهم الإمام فرقتين: فرقة تقف في وجه العدو) تحرسه، (وفرقة تقف خلفه) أي الإمام؛ (فيصلي بالفرقة التي خلفه ركعةً، ثم) بعد قيامه للركعة الثانية (تتم لنفسها) بقية صلاتها، (وتمضي) بعد فراغ صلاتها (إلى وجه العدو) تحرسه، (وتأتي الطائفة الأخرى) التي كانت حارسة في الركعة الأولى، (فيصلي) الإمام (بها ركعة)، فإذا جلس الإمام للتشهد تفارقه (وتتم لنفسها) ثم ينتظرها الإمام (ويسلم بها). وهذه صلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بذات الرقاع. سميت بذلك لأنهم رقعوا فيها راياتهم؛ وقيل غير ذلك.

(1/109)


(والثاني أن يكون في جهة القبلة) في مكان لا يسترهم عن أعين المسلمين شيء، وفي المسلمين كثرة تحتمل تفرقهم، (فيصفّهم الإمام صَفَّين) مثلا، (ويحرم بهم) جميعا؛ (فإذا سجد) الإمام في الركعة الأولى (سجد معه أحدُ الصفين) سجدتين، (ووقف الصفُّ الآخر يحرسهم؛ فإذا رفع) الإمام رأسه (سجدوا ولحقوه) ويتشهد بالصفين، ويسلم بهم. وهذه صلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعُسْفان، وهي قرية في طريق الحاج المصري، بينها وبين مكة مرحلتان؛ سميت بذلك لعسف السيول فيها.
(والثالث أن يكون في شدة الخوف والتحام الحرب)، هو كناية عن شدة الاختلاط بين القوم بحيث يلتصق لحم بعضهم ببعض، فلا يتمكنون من ترك القتال، ولا يقدرون على النزول إن كانوا ركبانا، ولا على الانحراف إن كانوا مشاة؛ (فيصلي) كل من القوم (كيف أمكنه، راجلا) أي ماشيا (أو راكبا، مستقبل القبلة وغير مستقبل لها). ويعتذرون في الأعمال

(1/110)


الكثيرة في الصلاة كضربات متوالية.

• اللباس
{فصل} في اللباس (ويحرم على الرجال لبسُ الحرير والتخَتُّم بالذهب) والقز في حال الاختيار، وكذا يحرم استعمال ما ذكر على جهة الافتراش وغير ذلك من وجوه الاستعمالات. ويحل للرجال لبسه للضرورة، كحَرٍّ وبَرد مهلكين.
(ويحل للنساء) لبس الحرير وافتراشه، ويحل للولي إلباس الصبي الحريرَ قبل سبع سنين وبعدها.
(وقليل الذهب وكثيره) أي استعمالهما (في التحريم سواء. وإذا كان بعض الثوب إبريسما) أي حريرا (وبعضه) الآخر (قُطنا أو كَتَّانًا) مثلا (جاز) للرجل (لبسه مالم يكن الإبريسم غالبا) على غيره؛ فإن كان غير الإبريسم غالبا حل؛ وكذا إن استويا في الأصح.

(1/111)


• ما يلزم في الميت
{فصل} فيما يتعلق بالميت من غسله وتكفينه والصلاة عليه ودفنه. (ويلزم) على طريق فرض الكفاية (في الميت) المسلم غير المُحرِم والشهيد (أربعة أشياء: غسله، وتكفينه، والصلاة عليه، ودفنه). وإن لم يعلم بالميت إلا واحد تعيَّن عليه ما ذكر. وأما الميت الكافر فالصلاة عليه حرام، حربيا كان أو ذميا؛ ويجوز غسله في الحالين. ويجب تكفين الذمي ودفنه، دون الحربي
والمرتد. وأما المُحرِم إذا كُفن فلا يُستَر رأسُه، ولا وجهُ المُحرِمة؛ وأما الشهيد فلا يصلى عليه كما ذكره المصنف بقوله:
(واثنان لا يغسلان ولا يصلى عليهما): أحدهما (الشهيد في معركة المشركين)، وهو من مات في قتال الكفار بسببه، سواء قتله كافر مطلقا أو مسلم خطأ، أو عاد سلاحه إليه أو سقط عن دابته أو نحو ذلك. فإن مات بعد انقضاء القتال بجراحة فيه يقطع بموته منها فغير شهيد في الأظهر؛ وكذا لو مات في قتال البغاة أو

(1/112)


مات في القتال لا بسبب القتال. (و) الثاني (السقط الذي لم يستهل) أي لم يرفع صوته (صارخا). فإن استهل صارخا أو بكى فحكمه كالكبير. والسِّقْط بتثليث السين الولد النازل قبل تمامه، مأخوذ من السقوط.
(ويغسل الميت وِترا) ثلاثا أو خمسا أو أكثر من ذلك، (ويكون في أول غسله سدر) أي يسن أن يستعين الغاسل في الغسلة الأولى من غسلات الميت بسدر أو خطمي، (و) يكون (في آخره) أي آخر غسل الميت غير المحرم (شيءٌ) قليل (من كافور) بحيث لا يغير الماء.
واعلم أن أقل غسل الميت تعميم بدنه بالماء مرة واحدة؛ وأما أكمله فمذكور في المبسوطات.
(ويكفن) الميت، ذكرا كان أو أنثى، بالغا كان أو لاَ (في ثلاثة أثواب بيض)، وتكون كلها لفائف متساوية طولا وعرضا، تستر كل واحدة منها

(1/113)


جميعَ البدن (ليس فيها قميص ولا عمامة). وإن كفن الذكر في خمسة فهي الثلاثة المذكورة وقميص وعمامة، أو المرأة في خمسة، فهي إزار وخمار وقميص ولفافتان.
وأقل الكفن ثوب واحد يستر عورة الميت على الأصح في الروضة وشر ح المهذب. ويختلف قدره بذكورة الميت وأنوثته. ويكون الكفن من جنس ما يلبسه الشخص في حياته.

• الصلاة على الجنازة
(ويكبر عليه) أي الميت إذا صُلي عليه (أربع تكبيرات)، منها تكبيرة الإحرام؛ ولو كبّر خمسا لم تبطل، لكن لو خمَّس إمامه لم يتابعه بل يسلم أو ينتظره ليسلم معه، وهو أفضل. و (يقرأ) المصلي (الفاتحة بعد) التكبيرة (الأولى)، ويجوز قراءتها بعد غير الأولى؛ (ويصلى على النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد) التكبيرة (الثانية). وأقل الصلاة عليه - صلى الله عليه وسلم - اللهُمَّ صَلِّ على مُحَمَّدٍ. (ويدعو للميت بعد الثالثة، فيقول): وأقل الدعاء للميت: «اللهُمَّ اغْفِرْ لَهُ»؛ وأكمله مذكور في قول المصنف في بعض نسخ المتن، وهو: «اللهُمَّ إِنَّ

(1/114)


هذَا عَبْدُكَ وَابنُ عَبْدَيْكَ، خَرَجَ مِنْ رَوْحِ الدُّنْيَا وَسَعَتِهَا، وَمَحْبُوبُهُ وَأَحِبَّاؤُهُ فِيهَا إِلَى ظُلْمَةِ الْقَبْرِ وَمَا هُوَ لاَقِيهِ، كَانَ يَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلهَ إِلاَّ أَنْتَ وَحْدَكَ، لاَ شَرِيكَ لَكَ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُكَ وَرَسُولُكَ، وَأنتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنَّا؛ اللهُمَّ إِنَّهُ نَزَلَ بِكَ وَأَنْتَ خَيْرُ مَنْزُولٍ بِهِ، وَأَصْبَحَ فَقِيرًا إِلَى رَحْمَتِكَ، وَأَنْتَ غَنِيٌّ عَنْ عَذَابِهِ، وَقَدْ جِئْنَاكَ رَاغِبِينَ إِلَيكَ شُفَعَاءَ لَهُ؛ اللهُمَّ إِنْ كَانَ مُحْسِنًا فَزِدْ فِي إِحْسَانِهِ، وَإِنْ كَانَ مُسِيئًا فَتَجَاوَزْ عَنْهُ، وَلَقِهِ بِرَحْمَتِكَ رِضَاكَ، وَقِهِ فِتْنَةَ الْقَبْرِ وَعَذَابَهُ، وَافْسَحْ لَهُ فِي قَبْرِهِ، وَجَافِ الأَرْضَ عَنْ جَنْبَيْهِ، وَلَقِهِ بِرَحْمَتِكَ الأَمْنَ مِنْ عَذَابِكَ، حَتَّى تَبْعَثَهُ آمِنًا إِلَى جَنَّتِكَ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ

(1/115)


الرَّاحِمِينَ».
ويقول في الرابعة: «اللهُمَّ لاَ تَحْرِمْنَا أَجْرَهُ، وَلاَ تَفْتِنَّا بَعْدَهُ، وَاغْفِرْ لَنَا وَلَهُ». ويسلم بعد الرابعة.

• دفن الميت
(ويُدفن) الميت (في لحد مستقبلَ القبلة). واللَّحْد بفتح اللام وضمها وسكون الحاء ما يحفر في أسفل جانب القبر من جهة القبلة قدر ما يسع الميت ويستره. والدفن في اللحد أفضل من الدفن في الشق إن صلبت الأرض. والشق أن يحفر في وسط القبر كالنهر، ويبنى جانباه، ويوضع الميت بينهما ويسقف عليه بلبن ونحوه، ويوضع الميت عند مؤخر القبر. وفي بعض النسخ بعد مستقبل القبلة زيادة، وهي:
(ويُسَلُّ من قِبَل رأسه) سلا (برفق)، لا بعنف (ويقول الذي يلحده: «بِسْمِ الله وَعَلَى مِلَّةِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم».

(1/116)


ويضجع في القبر بعد أن يعمق قامة وبسطة)، ويكون الاضطجاع مستقبل القبلة على جنبه الأيمن؛ فلو دُفن مستدبرَ القبلةِ أو مستلقيا نُبش، ووُجِّهَ للقبلة مالم يتغير. (ويسطح القبر) ولا يسنم، (ولا يبنى عليه ولا يجصص)، أي يكره تجصيصه بالجص وهو النورة المسماة بالجير.

• البكاء على الميت والتعزية على أهله
(ولا بأس بالبكاء على الميت) أي يجوز البكاء عليه قبل الموت وبعده؛ وتركه أولى، ويكون البكاء عليه (من غير نَوح)، أي رفع صوت بالندب (ولا شق ثوب) - وفي بعض النسخ «جيب» بدل ثوب. والجيب طوق القميص.
(ويعزى أهله) أي أهل الميت صغيرهم وكبيرهم، ذكرهم وأنثاهم إلا الشابة؛ فلا يعزيها إلا محارمها. والتعزية سنة قبل الدفن وبعده (إلى ثلاثة أيام من) بعد (دفنه) إن كان المعزِي والمعزَى حاضرَين؛ فإن كان أحدهما غائبا امتدت التعزية إلى حضوره.
والتعزية لغةً التسلية لمن أصيب بمن يعزّ عليه، وشرعًا الأمر بالصبر والحث عليه بوعد الأجر والدعاء

(1/117)


للميت بالمغفرة وللمصاب بجبر المصيبة.
(ولا يدفن اثنان في قبر) واحد (إلا لحاجة) كضيق الأرض وكثرة الموتى.

(1/118)