فتح القريب المجيب في شرح ألفاظ التقريب = القول المختار في شرح غاية الاختصار

كتاب أحكام الزكاة
وهي لغةً النماء، وشرعًا اسم لمَالٍ مخصوصٍ، يُؤخذ من مال مخصوص، على وجه مخصوص، يصرف لطائفة مخصوصة.

• ما تجب فيه الزكاة
(تجب الزكاة في خمسة أشياء، وهي: المواشي). ولو عبَّر بالنَّعَم لكان أولى، لأنها أخص من المواشي. والكلام هنا في الأخص. (والأثمان) وأريد بها الذهب والفضة، (والزروع) وأريد بها الأقوات، (والثمار، وعروض التجارة)، وسيأتي كل من الخمسة مفصلا.

• زكاة المواشي
(فأما المواشي فتجب الزكاة في ثلاثة أجناس منها، وهي: الإبل، والبقر، والغنم)؛ فلا تجب في الخيل والرقيق والمتولَّد مثلا بين غنم وظباء.

(1/119)


• شروط وجوب زكاة المواشي
(وشرائط وجوبها ستة أشياء). وفي بعض نسخ المتن سِتُّ خصال: (1 - الإسلام)؛ فلا تجب على كافر أصلي. وأما المرتد فالصحيح أن ماله موقوف؛ فإن عاد إلى الإسلام وجبت عليه، وإلا فلا. (2 - والحرية)، فلا زكاة على رقيق. وأما المبعض فتجب عليه الزكاة فيما ملكه ببعض الحُرّ. (3 - والمِلْكُ التام) أي فالملك الضعيف لا زكاة فيه، كالمشتري قبل قبضه لا تجب فيه الزكاة كما يقتضيه كلام المصنف تبعا للقول القديم، لكن الجديد الوجوب. (4 - والنصاب، 5 - والحَول)؛ فلو نقص كل منهما فلا زكاة. (6 - والسوم) وهو
الرعي في كلاء مباح؛ فلو علفت الماشية معظمَ الحول فلا زكاة فيها، وإن علفت نصفه فأقل قدرا تعيش بدونه بلا ضرر بيِّن وجبت زكاتها؛ وإلا فلا.

• زكاة الذهب والفضة
(وأما الأثمان فشيئان: الذهب، والفضة) مضروبين كانا أو لا، وسيأتي نصابهما.

• شروط وجوب زكاة الذهب والفضة
(وشرائط وجوب الزكاة فيها) أي الأثمان (خمسة أشياء:

(1/120)


الإسلام، والحرية، والمِلك التام، والنصاب، والحول). وسيأتي بيان ذلك.

• زكاة الزروع والثمار
(وأما الزروع) وأراد المصنف بها المقتات من حنطة وشعير وعدس وأرز؛ وكذا ما يُقتات اختيارا كذرة وحمص؛ (فتجب الزكاة فيها بثلاثة شرائط: أن يكون مما يزرعه) أي يستنبته (الآدميون)؛ فإن نبت بنفسه بحمل ماءٍ أو هواء فلا زكاة فيه، (وأن يكون قوتا مدخرا). وسبق قريبا بيان المقتات. وخرج بالقوت ما لا يقتات من الأبزار نحو الكمون، (وأن يكون نصابا، وهو خمسة أوسق لا قشرَ عليها). وفي بعض النسخ «وأن يكون خمسة أوسق» بإسقاط نصاب.
(وأما الثمار فتجب الزكاة في شيئين، منها: ثمرة النخل، وثمرة الكرم). والمراد بهاتين الثمرتين التمر والزبيب.

(1/121)


• شروط وجوب زكاة الزروع والثمار
(وشرائط وجوب الزكاة فيها) أي الثمار (أربعة أشياء: الإسلام، والحرية، والملك التام، والنصاب). فمتى انتفى شرط من ذلك فلا وجوبَ.

• زكاة التجارة
(وأما عروض التجارة فتجب الزكاة فيها بالشرائط المذكورة) سابقا (في الأثمان). والتجارة وهي التقليب في المال لغرض الربح.

(1/122)


• نصاب الإبل
{فصل} (وأول نصاب الإبل خمس؛ وفيها شاة) أي جدعة ضأن، لها سنة ودخلت في الثانية، أو ثنية معز، لها سنتان ودخلت في الثالثة. وقوله: (وفي عشر شاتان، وفي خمسة عشر ثلاثُ شياه، وفي عشرين أربعُ شياه، وفي خمس وعشرين بنتُ مخاض من الإبل، وفي ست وثلاثين بنت لبون، وفي ست وأربعين حقةٌ، وفي إحدى وستين جذعة، وفي ست وسبعين بنتا لبون، وفي إحدى وتسعين حقتان، وفي مائة وإحدى وعشرين ثلاث بنات لبون) إلى آخره ظاهر غني عن الشرح. وبنت المخاض لها سنة ودخلت في الثانية. وبنت اللبون لها سنتان ودخلت في الثالثة. والحقة لها ثلاث سنين ودخلت في الرابعة. والجذعة لها أربع سنين ودخلت في الخامسة. وقوله: (ثم في كل) أي ثم بعد زيادة التسع على مائة وإحدى

(1/123)


وعشرين وزيادة عشر بعد زيادة التسع وجملة ذلك مائة وأربعون يستقيم الحساب على أن في كل (أربعين بنت لبون، وفي كل خمسين حقة) ففي مائة وأربعين حقتان وبنت لبون وفي مائة وخمسين ثلاث حقاق وهكذا.

• نصاب البقر
{فصل} (وأول نصاب البقر ثلاثون، و) يجب (فيها) وفي بعض النسخ «وفيه» - أي النصاب (تبيع) ابن سنة ودخل في الثانية. سُمي بذلك لتبعية أمه في المرعى. ولو أخرج تبيعة أجزأت بطريق الأولى. (و) يجب (في أربعين مُسِنَّةٌ)
لها سنتان ودخلت في الثالثة. سميت بذلك لتكامل أسنانها. ولو أخرج عن أربعين تبيعين أجزأه على الصحيح. (وعلى هذا أبَدًا فقِسْ). وفي مائة وعشرين ثلاث مسنات أو أربعة أتبعة.

(1/124)


• نصاب الغنم
{فصل} (وأول نصاب الغنم أربعون، وفيها شاة جذعة من الضأن أو ثنية من المعز)، وسبق بيان الجذعة والثنية. وقوله: (وفي مائة وإحدى وعشرين شاتان، وفي مائتين وواحدة ثلاث شِياه، وفي أربعمائة أربع شياه، ثم في كل مائة شاة) إلى آخره ظاهر غني عن الشرح.

• زكاة المال المشترك
{فصل} (والخليطان يزكِّيان) بكسر الكاف (زكاةَ) الشخص (الواحد). والخِلطة قد تفيد الشريكين تخفيفا، بأن يملكا ثمانين شاة بالسوية بينهما فيلزمهما شاةٌ، وقد تفيد تثقيلا، بأن يملكا أربعين شاة بالسوية بينهما فيلزمهما شاة، وقد تفيد تخفيفا على أحدهما وتثقيلا على الآخر، كأن

(1/125)


يملكا ستين، لأحدهما ثلثها وللآخر ثلثاها، وقد لا تفيد تخفيفا ولا تثقيلا، كأن يملكا مائتي شاة بالسوية بينهما.
وإنما يزكيان زكاة الواحد (بسبع شرائط: إذا كان) وفي بعض النسخ «إن كان» (المُراح واحدا)، وهو بضم الميم مأوى الماشية ليلا (والمَسرح واحدا). والمراد بالمسرح الموضع الذي تسرح إليه الماشية، (والمَرعَى) والراعي (واحدا، والفَحل واحدا) أي إن اتحد نوع الماشية؛ فإن اختلف نوعها كضأن ومعز فيجوز أن يكون لكل منهما فحل يطرق ماشيته، (والمشرب) أي الذي تشرب منه الماشية، كعين أو نهر أو غيرهما (واحدا). وقوله: (والحالب واحدا) هو أحد الوجهين في هذه المسألة،

(1/126)


والأصح عدم الاتحاد في الحالب؛ وكذا المِحْلَب بكسر الميم، وهو الإناء الذي يحلب فيه، (وموضع الحلَب) بفتح اللام (واحدا). وحكى النووي اسكان اللام، وهو اسم اللبن، ويطلق على المصدر. قال بعضهم هو المراد هنا.

• نصاب الذهب والفضة
{فصل} (ونصاب الذهب عشرون مثقالا) تحديدا بوزن مكة، والمثقال درهم وثلاثة أسباع درهم، (وفيه) أي نصاب الذهب (ربع العشر، وهو نصف مثقال، وفيما زاد) على عشرين مثقالا (بحسابه) وإن قل الزائد.

(1/127)


(ونصاب الوَرِق) بكسر الراء، وهو الفِضَّة (مائتا درهم، وفيه ربع العشر، وهو خمسة دراهم وفيما زاد) على المائتين (بحسابه) وإن قل الزائد، ولا شيء في المغشوش من ذهب أو فضة حتى يبلغ خالصه نصابا. (ولا يجب في الحلي المباح زكاة). أما المحرم كسوار وخلخال لرجل وخنثى فتجب الزكاة فيه.

• نصاب الزروع والثمار
{فصل} (ونصاب الزروع والثمار خمسة أوسق) من الوسق، مصدر بمعنى الجمع، لأن الوسق يجمع الصيعان، (وهي) أي الخمسة أوسق (ألف وستمائة رطل بالعراقي)؛ وفي بعض النسخ «بالبغدادي»، (وما زاد

(1/128)


فبحسابه). ورطل بغداد عند النووي مائة وثمانية وعشرون درهما وأربعة أسباع درهم، (وفيها) أي الزروع والثمار (إن سُقِيَت بماء السماء) وهو المطر ونحوه كالثلج (أو السَيْح) وهو الماء الجاري على الأرض بسبب سد النهر فيصعد الماء على وجه الأرض فيسقيها (العشر، وإن سُقيت بدُولاب) بضم الدال وفتحها، مَا يديره الحيوان (أو) سقيت (بنضح) من نهر أو بئر بحيوان كبعير أو بقرة (نصف العشر). وفيما سقي بماء السماء والدولاب مثلا سواء ثلاثة أرباع العشر.

• تقويم عروض التجارة
{فصل} (وتُقوَّم عروضُ التجارة عند آخر الحول بما اشتريت به) سواء كان ثمن مال التجارة نصابا أم لا؛ فإن بلغت قيمةُ العروض آخر الحول نصابا زكَّاها، وإلا فلا (ويُخرَج من ذلك) بعد بلوغ قيمة مال التجارة نصابا (ربع العشر) منه.

(1/129)


• زكاة المعدن والركاز
(وما استخرج من معادن الذهب والفضة يخرج منه) إن بلغ نصابا (ربعُ العشر في الحال) إن كان المُستخرِج من أهل وجوب الزكاة. والمعادن جمع مَعدَِن بفتح داله وكسرها، اسم لمكانٍ خلق الله تعالى فيه ذلك من موات أو ملك. (وما يوجد من الركاز) وهو دفين الجاهلية، وهي الحالة التي كانت عليها العرب قبل الإسلام من الجهل بالله ورسوله وشرائع الإسلام (ففيه) أي الركاز (الخمس). ويُصرَف مصرف الزكاة على المشهور، ومقابله أنه يصرف إلى أهل الخمس المذكورين في آية الفيء.

• زكاة الفطر
{فصل} (وتجب زكاة الفطر) ويقال لها زكاة الفطرة أي الخلقة (بثلاثة أشياء:

(1/130)


الإسلام)؛ فلا فطرة على كافر أصلي إلا في رقيقه وقريبه المسلمين، (وبغروب الشمس من آخر يوم من شهر رمضان). وحينئذ فتُخرَج زكاة الفطر عمن مات بعد الغروب دون من وُلد بعده، (ووجود الفضل) وهو يسار الشخص بما يفضل (عن قوته وقوت عياله في ذلك اليوم)، أي يوم عيد الفطر وكذا ليلته أيضا.
(ويزكي) الشخص (عن نفسه وعمن تلزمه نفقته من المسلمين)؛ فلا يلزم المسلمَ فطرةُ عبد وقريب وزوجة كفارٍ وإن وجبت نفقتهم، وإذا وجبت الفطرة على الشخص فيخرج (صاعا من قُوت بلده) إن كان بلديا. فإن كان في البلد أقوات غلب بعضها وجب الإخراج منه. ولو كان الشخص في بادية لا قوت فيها أخرج من قوت أقرب البلاد إليه. ومن لم يوسر بصاع بل ببعضه لزمه ذلك البعض.

(1/131)


(وقدره) أي الصاع (خمسة أرطال وثلث بالعراقي)، وسبق بيان الرطل العراقي في نصاب الزروع.

• من تدفع له الزكاة
{فصل} (وتدفع الزكاة إلى الأصناف الثمانية الذين ذكرهم الله تعالى في كتابه العزيز في قوله تعالى: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ} [التوبة: 60]، هو ظاهر غني عن الشرح إلا معرفة الأصناف المذكورة. فالفقير في الزكاة هو الذي لا مال له ولا كسب يقع موقعا من حاجته؛ أما الفقير العرايا فهو من لا نقد بيده.

(1/132)


والمسكين من قدر على مال أو كسب يقع كل منهما موقعا من كفايته ولا يكفيه، كمن يحتاج إلى عشرة دراهم وعنده سبعة. والعامل من استعمله الإمام على أخذ الصدقات ودفعها لمستحقيها. والمؤلفة قلوبهم وهم أربعة أقسام: أحدها مؤلفة المسلمين، وهو من أسلم ونيته ضعيفة في الإسلام فتألف بدفع الزكاة له، وبقية الأقسام مذكورة في المبسوطات. وفي الرقاب وهم المكاتبون كتابة صحيحة؛ أما المكاتب كتابة فاسدة فلا يعطى من سهم المكاتبين. والغارم على ثلاثة أقسام: أحدها من استدان دينا لتسكين فتنة بين طائفتين في قتيل لم يطهر قاتله، فتحمل دينا بسبب ذلك فيقضى دينه من سهم الغارمين، غنيا كان أو فقيرا. وإنما يعطى الغارم عند بقاء الدين عليه؛ فإن أداه من ماله أو دفعه ابتداء لم يعط من سهم الغارمين؛ وبقية أقسام الغارمين في المبسوطات. وأما سبيل الله فهم الغزاة الذين لا سهم لهم في ديوان المرتزقة، بل هم متطوعون بالجهاد. وأما ابن سبيل فهو من ينشئ سفرا من بلد الزكاة أو يكون مجتازا ببلدها، ويشترط فيه الحاجة وعدم المعصية.

(1/133)


وقوله: (وإلى من يوجد منهم) أي الأصناف فيه إشارة إذا فقد بعض الأصناف ووجد البعض تصرف لمن يوجد منهم؛ فإن فقدوا كلهم حفظت الزكاة حتى يوجدوا كلهم أو بعضهم. (ولا يقتصر) في إعطاء الزكاة (على أقل من ثلاثة من كل صنف) من الأصناف الثمانية (إلا العامل)؛ فإنه يجوز أن يكون واحدا إن حصلت به الحاجة - وفي بعض النسخ «الكفاية» - فإن صرف لاثنين من كل صنف غرم للثالث أقل متمول. وقيل يغرم له الثلث.

• من لا تدفع له الزكاة
(وخمسة لا يجوز دفعها) أي الزكاة (إليهم: الغني بمال أو كسب، والعبد، وبنو هاشم، وبنو المطلب) سواء منعوا حقهم من خمس الخمس أم لا، وكذا عتقاؤهم لا يجوز دفع الزكاة إليهم. ويجوز لكل منهم أخذ صدقة التطوع على المشهور، (والكافر). وفي بعض النسخ «ولا تصح للكافر».
(ومن تلزم المزكيَ نفقتُه لا يدفعها) أي الزكاة (إليهم باسم

(1/134)


الفقراء والمساكين). ويجوز دفعها إليهم باسم كونهم غُزاةً وغارمين مثلا.

(1/135)