فتح القريب المجيب في شرح ألفاظ التقريب = القول المختار في شرح غاية الاختصار

كتاب بيان أحكام الصيام
وهو والصَوم مصدران، معناهما لغةً الإمساك، وشرعًا إمساك عن مفطر بنية مخصوصة، جميعَ نهار قابل للصوم، من مسلمٍ عاقلٍ طاهر من حيض ونفاس.

• شروط وجوب الصيام
(وشرائط وجوب الصيام ثلاثة أشياء): وفي بعض النسخ «أربعة أشياء»: (الإسلام، والبلوغ، والعقل؛ والقدرة على الصوم). وهذا هو الساقط على نسخة الثلاثة؛ فلا يجب الصوم على المتصف بأضداد ذلك.

• فرائض الصوم
(وفرائض الصوم أربعة أشياء): أحدها (النية) بالقلب؛ فإن كان الصوم فرضًا كرمضانَ أو نذرا فلا بد من إيقاع النية ليلا، ويجب التعيين في صوم الفرض كرمضان؛ وأكمل

(1/136)


نية صومه أن يقول الشخص: «نَوَيتُ صَوْمَ غَدٍ عَن أدَاء فَرْضِ رَمَضَانِ هذِهِ السَّنةِ لِلّهِ تعالى». (و) الثاني (الإمساك عن الأكل والشرب) وإن قل المأكول والمشروب عند التعمد؛ فإن أكل ناسيا أو جاهلا لم يفطر إن كان قريب عهد بالإسلام أو نشأ بعيدا عن العلماء، وإلا أفطر. (و) الثالث (الجماع) عامدا؛ وأما الجماع ناسيا فكالأكل ناسيا. (و) الرابع (تعمد التقيء)؛ فلو غلبه القيء لم يبطل صومُه.

• ما يفطر به الصائم
(والذي يفطر به الصائم عشرة أشياء): أحدها وثانيها (ما وصل عمدا إلى الجوف) المنفتح (أو) غير المنفتح كالوصول من مأمومة إلى (الرأس)؛ والمراد إمساك الصائم عن وصول عين إلى ما يسمى جوفا. (و) الثالث (الحقنة في أحد السبيلين)، وهي دواء يحقن به المريض في قبل أو دبر، المعبر عنهما في المتن بالسبيلين. (و) الرابع (القيء عمدا)؛ فإن لم يتعمد لم يبطل صومه كما سبق.

(1/137)


(و) الخامس (الوطء عمدا في الفرج)؛ فلا يفطر الصائم بالجماع ناسيا كما سبق. (و) السادس (الإنزال) وهو خروج المني (عن مباشرة) بلا جماع محرما كإخراجه بيده أو غيرَ محرم كإخراجه بيد زوجته أو جاريته. واحترز بمباشرة عن خروج المني باحتلام، فلا إفطار به جزما. (و) السابع إلى آخر العشرة (الحيض، والنفاس، والجنون، والردة). فمتى طرأ شيء منها في أثناء الصوم أبطله.

• ما يستحب للصائم
(ويُستحب في الصوم ثلاثة أشياء): أحدها (تعجيل الفطر) إن تحقق الصائمَ غروبُ الشمس؛ فإن شكَّ فلا يعجل الفطرَ. ويسن أن يُفطِر على تمر، وإلا فماء. (و) الثاني (تأخير السحور) مالم يقع في شك، فلا يؤخر. ويحصل السحور بقليل الأكل والشرب. (و) الثالث (ترك الهُجْر) أي الفُحش (من الكلام) الفاحش، فيصون الصائم لسانَه عن الكذب والغِيبة ونحو ذلك، كالشتم. وإن شتمه أحدٌ

(1/138)


فليقل مرتين أو ثلاثا: «إني صائم»، إما بلسانه - كما قال النووي في الأذكار - أو بقلبه - كما نقله الرافعي عن الأئمة. واقتصر عليه.

• الأيام التي يحرم فيها الصوم ويكره
(ويحرم صيام خمسة أيام: العيدان) أي صوم يوم عيد الفطر وعيد الأضحى، (وأيام التشريق) وهي (الثلاثة) التي بعد يوم النحر.
(ويكره) تحريما (صوم يوم الشك) بلا سبب يقتضي صومه. وأشار المصنف لبعض صُوَر هذا السبب بقوله: (إلا أن يوافق عادة له) في تطوعه، كمن عادته صيام يوم وإفطار يوم؛ فوافق صومُه يومَ الشكِّ، وله صيام يوم الشك أيضا عن قضاء ونذر. ويوم الشك هو يوم الثلاثين من شعبان إذا لم ير الهلال ليلتها مع الصحو، أو تحدث الناس برؤيته ولم يعلم عدل رآه، أو شهد برؤيته صبيانٌ أو عبيدٌ أو فسقةٌ.

• الجماع في نهار رمضان
(ومن وطئ في نهار رمضان) حال كونه (عامدا في الفرج) وهو مكلف بالصوم ونوى من الليل وهو آثم بهذا الوطء لأجل الصوم، (فعليه القضاء والكفارة؛ وهي عتق رقبة مؤمنة). وفي بعض النسخ «سليمة من العيوب المضرة بالعمل والكسب»؛ (فإن لم يجدها فصيام

(1/139)


شهرين متتابعين؛ فإن لم يستطع) صومهما (فإطعام ستين مسكينا) أو فقيرا، (لكل مسكين مد) أي مما يجزئ في صدقة الفطر؛ فإن عجز عن الجميع استقرت الكفارة في ذمته؛ فإذا قدر بعد ذلك على خصلة من خصال الكفارة فعلها.

• قضاء الصوم عن الميت
(ومن مات وعليه صيام) فائت (من رمضان) بعذر، كمن أفطر فيه لمرض ولم يتمكن من قضائه، كأن استمر مرضه حتى مات فلا إثم عليه في هذا الفائت، ولا تُدَارك له بالفدية؛ وإن فات بغير عذر ومات قبل التمكن من قضائه (أطعم عنه) أي أخرج الولي عن الميت من تركته (لكل يوم) فات (مُدُّ) طَعامٍ، وهو رطل وثلث بالبغدادي، وهو بالكيل نصف قدح مصري. وما ذكره المصنف هو القول الجديد؛ والقديم لا يتعين الإطعام، بل يجوز للولي أيضا أن يصوم عنه، بل يسن له ذلك - كما في شرح المهذب، وصَوَّب في الروضة الجزم بالقديم.

(1/140)


• صوم الكبير
(والشيخ الهرم) والعجوز والمريض الذي لا يُرجى بُرؤه (إذاعجز) كل منهم (عن الصوم يفطر ويطعم عن كل يوم مدا)، ولا يجوز تعجيل المد قبل رمضان، ويجوز بعد فجر كل يوم.

• صوم الحامل والمرضع
(والحامل والمرضع إن خافتا على أنفسهما) ضررا يلحقهما بالصوم، كضرر المريض (أفطرتا، و) وجب (عليهما القضاء، وإن خافتا على أولادهما) أي إسقاط الولد في الحامل وقلة اللبن في المرضع (أفطرتا، و) وجب (عليهما القضاء) للإفطار (والكفارة) أيضا. والكفارة أن يُخرج (عن كل يوم مد؛ وهو) كما سبق (رطل وثلث بالعراقي). ويعبر عنه بالبغدادي.

• صوم المريض والمسافر
(والمريض والمسافر سفرًا طويلا) مباحا إن تضررا بالصوم (يفطران ويقضيان). وللمريض إن كان مرضه مطبقا تركُ النية من الليل، وإن لم

(1/141)


يكن مطبقا كما لو كان يحُمّ وقتا دون وقت، وكان وقت الشروع في الصوم محموما فله ترك النية، وإلا فعليه النية ليلا؛ فإن عادت الحُمَّى واحتاج للفطر أفطر. وسكت المصنف عن صوم التطوع، وهو مذكور في المطولات، ومنه صوم عرفة وعاشوراء وتاسوعا وأيام البيض وستة من شوال.

• الاعتكاف
{فصل} في أحكام الاعتكاف. وهو لغةً الإقامة على الشيء من خير أو شر، وشرعًا إقامة بمسجد بصفة مخصوصة. (والاعتكاف سنة مستحبة) في كل وقت، وهو في العشر الأواخر من رمضان أفضل منه في غيره لأجل طلب ليلة القدر. وهي عند الشافعي - رضي الله عنه - منحصرة في العشر الأخير من رمضان؛ فكل ليلة منه محتملة لها، لكن ليالي الوتر أرجاها، وأرجى ليالي الوتر ليلة الحادي أو الثالث والعشرين.
(وله) أي للاعتكاف المذكور (شرطان): أحدهما (النية)، وينوي في الاعتكاف المنذور الفرضيةَ أو النذرَ، (و) الثاني (اللبث في المسجد). ولا يكفي في اللبث قدر الطمأنينة،

(1/142)


بل الزيادة عليه بحيث يسمى ذلك اللبث عكوفا.
وشرط المعتكف إسلام وعقل ونقاء عن حيض ونفاس وجنابة؛ فلا يصح اعتكاف كافر ومجنون وحائض ونفساء وجنب. ولو ارتد المعتكف أو سكر بطل اعتكافه.
(ولا يخرج) المعتكف (من الاعتكاف المنذور إلا لحاجة الإنسان) من بول وغائط وما في معناهما كغسل جنابة (أو عذر من حيض) أو نفاس، فتخرج المرأة من المسجد لأجلهما (أو) عذر من (مرض لا يمكن المقام معه) في المسجد، بأن كان يحتاج لفرش وخادم وطبيب أو يخاف تلويث المسجد كإسهال وإدرار بول. وخرج بقول المصنف لا يمكن إلخ المرضُ الخفيف كحُمَّى خفيفةٍ، فلا يجوز الخروج من المسجد بسببها.

• مبطلات الاعتكاف
(ويبطل) الاعتكاف (بالوطء) مختارا ذاكرا للاعتكاف عالما بالتحريم. وأما مباشرة المعتكف بشهوة فتبطل اعتكافه إن أنزل، وإلا فلا

(1/143)