فتح القريب المجيب في شرح ألفاظ التقريب = القول المختار في شرح غاية الاختصار

كتاب أحكام الفرائض والوصايا
والفرائض جمع فريضة، بمعنى مفروضة من الفرض بمعنى التقدير؛ والفريضة شرعًا اسم نصيب مقدر لمستحقه. والوصايا جمع وَصِيَّة مِنْ وَصيتُ الشيءَ بالشيء إذا وصلته به. والوصية شرعًا تبرعٌ بحق مضاف لما بعد الموت.
(والوارثون من الرجال) المجمع على إرثهم (عشرة): بالاختصار، وبالبسط خمسةَ عشر. وعَدَّ المصنف العشرة بقوله: (الابن، وابن الابن وإن سفل، والأب، والجد وإن علا، والأخ، وابن الأخ وإن تراخى، والعم، وابن العم وإن تباعدا، والزوج، والمولى المعتق) إلخ. ولو اجتمع كل الرجال وَرِثَ منهم ثلاثةٌ: الأب، والإبن، والزوج فقط، ولا يكون الميت في هذه الصورة إلا امرأة.
(والوارثات من النساء) المجمع على إرثهن (سبعٌ): بالاختصار،

(1/214)


وبالبسط عشرةٌ. وعَدَّ المصنف السبعَ في قوله: (البنت، وبنت الابن) وإن سفلت، (والأم، والجدة) وإن علت، (والأخت، والزوجة، والمولاة المعتقة) إلخ. ولو اجتمع كل النساء فقط وَرِث منهن خمس: البنت، وبنت الإبن، والأم، والزوجة، والأخت الشقيقة؛ ولا يكون الميت في هذه الصورة إلا رجلا.
(ومن لا يسقط) من الورثة (بحالٍ خمسةٌ: الزوجان) أي الزوج والزوجة، (والأبوان) أي الأب والأم، (وولد الصلب) ذكرا كان أو أنثى.
(ومن لا يرث بحال سبعة: العبد) والأمة. ولو عبر بالرقيق لكان أولى. (والمدبر، وأم الولد، والمكاتب). وأما الذي بعضه حُرٌّ إذا مات عن مال ملكه ببعضه الحرُّ ورِثه قريبُه الحر وزوجته ومعتق بعضه، (والقاتل) لا يرث ممن قتله، سواء كان قتله مضمونا أم لا، (والمرتد). ومثله الزنديق، وهو من يُخفي الكفرَ ويُظهر الإسلامَ، (وأهل مِلَّتين)؛

(1/215)


فلا يرث مسلم من كافر، ولا عكسه. ويرِث الكافرُ من الكافر وإن اختلف ملتهما، كيهودي ونصراني. ولا يرث حربي من ذمي، وعكسه. والمرتد لا يرث من مرتد ولا من مسلم ولا من كافر.
(وأقرب العصبات). وفي بعض النسخ «العصبةُ». وأريد بها من ليس له حال تعصيبه سهم مقدر من المجمع على توريثهم. وسبق بيانهم. وإنما اعتبر السهم حالَ التعصيب ليدخل الأبُ والجَد؛ فإن لكل منهما سهما مقدرا في غير التعصيب، ثم عدَّ المصنف الأقربية في قوله: (الابن، ثم ابنه، ثم الأب، ثم أبوه، ثم الأخ للأب والأم، ثم الأخ للأب، ثم ابن الأخ للأب والأم، ثم ابن الأخ للأب) إلخ. وقوله: (ثم العم على هذا الترتيب، ثم ابنه) أي فيقدم العم للأبوين ثم للأب، ثم بنو العم كذلك، ثم يقدم عم الأب من الأبوين ثم من الأب، ثم بنوهما كذلك، ثم يقدم عم الجد من الأبوين، ثم من الأب، وهكذا.
(فإن عَدِمَت العصبات) من النسب، والميت عتيق (فالمولى المعتق)

(1/216)


يرثه بالعصوبة، ذكرا كان المعتق أو أنثى. فإن لم يوجد للميت عصبة بالنسب، ولا عصبة بالولاء فماله لبيت المال.

• الفروض المقدرة
{فصل} (والفروض المذكورة). وفي بعض النسخ «والفروض المقدرة» (في كتاب الله تعالى ستة): لا يُزاد عليها، ولا يُنقص منها إلا لعارض كالعول. والستة هي: (النصف، والرُبع، والثمن، والثلثان، والثلث، والسدس). وقد يُعبَّر الفرضيون عن ذلك بعبارة مختصرة، وهي الربع والثلث، وضعف كل ونصف كل.
(فالنصف فرض خمسة: البنت، وبنت الابن) إذا انفرد كل منهما عن ذكر يعصبها، (والأخت من الأب والأم، والأخت من الأب) إذا انفرد كل منهما عن ذكر يعصبها، (والزوج إذا لم يكن معه ولدٌ)، ذكرا كان الولد أو أنثى،

(1/217)


ولا ولد ابن.
(والرُّبع فرض اثنين: الزوج مع الولد أو ولد الابن)، سواء كان ذلك الولد منه أو من غيره. (وهو) أي الربع (فرض الزوجة) والزوجتين (والزوجات مع عدم الولد أو ولد الابن). والأفصح في الزوجة حذف التاء، ولكن إثباتها في الفرائض أحسن للتمييز.
(والثمن فرض الزوجة) والزوجين (والزوجات مع الولد أو ولد الابن) يشتركن كلهن في الثمن.
(والثلثان فرض أربعة: البنتين) فأكثر، (وبنتي الابن) فأكثر. وفي بعض النسخ «وبنات الابن»، (والأختين من الأب والأم) فأكثر، (والأختين من الأب) فأكثر. وهذا عند انفراد كل منهما عن إخوتهن؛ فإن كان معهن ذكر فقد يزدن على الثلثين، كما لو كُنَّ عشرا والذكر واحدا فلهن عشرة

(1/218)


من اثني عشر، وهي أكثر من ثلثيها، وقد ينقصن كبنتين مع ابنين.
(والثلث فرض اثنين: الأم إذا لم تحجب). وهذا إذا لم يكن للميت ولد، ولا ولد ابن أو اثنان من الإخوة والأخوات، سواء كن أشقاء أو لأب أو لأم. (وهو) أي الثلث (للاثنين فصاعدا من الإخوة والأخوات من ولد الأم)، ذكورا كانوا أو إناثا أو خناثى، أو البعض كذا، والبعض كذا.
(والسدس فرض سبعة: الأم مع الولد، أو ولد الابن، أو اثنين فصاعدا من الإخوة والأخوات)، ولا فرق بين الأشقاء وغيرهم، ولا بين كون البعض كذا، والبعض كذا. (وهو) أي السدس (للجدة عند عدم الأم). وللجدتين والثلاث، (ولبنت الابن مع بنت الصلب) لتكملة الثلثين، (وهو) أي السدس (للأخت من الأب مع الأخت من الأب والأم) لتكملة الثلثين؛ (وهو) أي السدس (فرض الأب مع الولد أو ولدِ الابن). ويدخل في كلام المصنف ما لو خلف الميتُ بنتا وأبا فللبنت النصف،

(1/219)


وللأب السدس فرضا، والباقي تعصيبا، (وفرض الجد) الوارث (عند عدم الأب). وقد يُفْرَض للجد السدس أيضا مع الإخوة، كما لو كان معه ذو فرض، وكان سدس المال خيرا له من المقاسمة، ومن ثلث الباقي كبنتين وجد وثلاثة إخوة. (وهو) أي السدس (فرض الواحد من ولد الأم) ذكرا كان أو أنثى.
(وتسقط الجدات) سواء قرُبْن أو بعُدن (بالأم) فقط، (و) تسقط (الأجدادُ بالأب، ويسقط ولدُ الأم) أي الأخ للأم (مع) وجود (أربعة الولدِ) ذكرا كان أو أنثى (و) مع (ولدِ الابن) كذلك (و) مع (الأبِّ والجدّ) ِ وإن علا.
(ويسقط الأخ للأب والأم مع ثلاثة الابن، وابنِ الابن) وإن سفل، (و) مع (الأبّ) ِ.
(ويسقط ولد الأب) بأربعة: (بهؤلاء الثلاثة) أي الابن، وابن الابن، والأب، (وبالأخ للأب والأم).

(1/220)


(وأربعة يعصبون أخواتِهم): أي الإناث، للذكر مثل حظ الأنثيين: (الابن، وابن الابن، والأخ من الأب والأم، والأخ من الأب). أما الأخ من الأم فلا يعصب أخته، بل لهما الثلث.
(وأربعة يرثون دون أخواتهم؛ وهم: الأعمام، وبنو الأعمام، وبنو الأخ، وعصبات المولى المعتق). وإنما انفردوا عن أخواتهم لأنهم عصبة وارثون وأخواتهم من ذوي الأرحام لا يرثون.

• الوصية
{فصل} في أحكام الوصية. وسبق معناها لغةً وشرعًا أوائلَ كتاب الفرائض. ويشترط في الموصَى به أن يكون معلوما وموجودا. (و) حينئذ (تجوز الوصية بالمعلوم والمجهول) كاللبن في الضرع، (وبالموجود والمعدوم) كالوصية بثمر

(1/221)


هذه الشجرة قبل وجود الثمرة.
(وهي) أي الوصية (من الثلث) أي ثلث مال الموصِي؛ (فإن زاد) على الثلث (وقف) الزائد (على إجازة الورثة) المطلقين التصرف؛ فإن أجازوا فإجازتهم تنفيذ للوصية بالزائد، وإن ردوه بطلت في الزائد. (ولا تجوز الوصية لوارث) وإن كانت ببعض الثلث (إلا أن يجيزها باقي الورثة) المطلقين التصرف.
وذكر المصنف شرط الموصي في قوله: (وتصح) وفي بعض النسخ «وتجوز» (الوصية من كل بالغ عاقل) أي مختار حر وإن كان كافرا أو محجورا عليه بسفه؛ فلا تصح وصية مجنون ومغمى عليه وصبي ومكرَه. وذكر شرط المُوصَى له إذا كان معينا في قوله: (لكل متمَلِّك) أي لكل من يتصور له الملك من صغير وكبير، وكامل ومجنون، وحَملٍ موجودٍ عند الوصية، بأن ينفصل لِأَقلَّ مِن ستة أشهر من وقت الوصية. وخرج بمعين ما إذا كان الموصى له جهة عامة؛ فإن الشرط في هذا أن لا تكون الوصية جهة معصية، كعمارة كنيسة من مسلم أو كافر للتعبد

(1/222)


فيها. (و) تصح الوصية (في سبيل الله تعالى). وتصرف للغزاة.
وفي بعض النسخ بدل سبيل الله «وفي سبيل البر»، أي كالوصية للفقراء أو لبناء مسجد.
(وتصح الوصية) أي الإيصاء بقضاء الديون وتنفيذ الوصايا والنظر في أمر الأطفال (إلى من اجتمعت فيه خمس خصال: الإسلام، والبلوغ، والعقل، والحرية، والأمانة). واكتفى بها المصنف عن العدالة؛ فلا يصح الإيصاء لأضداد من ذكر، لكن الأصح جواز وصية ذمي إلى ذمي عَدْل في دينه على أولاد الكفار. ويشترط أيضا في الوصي أن لا يكون عاجزا عن التصرف؛ فالعاجز عنه لكِبر أو هرم مثلا، لا يصح الإيصاء إليه. وإذا اجتمعت في أم الطفل الشرائط المذكورة فهي أولى من غيرها.

(1/223)