فتح القريب المجيب في شرح ألفاظ التقريب = القول المختار في شرح غاية الاختصار

كتاب أحكام النكاح وما يتعلق به من الأحكام والقضايا
وفي بعض النسخ «وما يتصل به» (من الأحكام والقضايا). وهذه الكلمة ساقطة من بعض نسخ المتن. والنكاح يطلق لغةً على الضم والوطء والعقد، ويطلق شرعًا على عقد مشتمل على الأركان والشروط. (والنكاح مُستحَبٌّ لمن يحتاج إليه) بتَوقَان نفسه للوطء، ويجد أُهْبَته كمَهر ونفقة؛ فإن فقد الأُهبَة لم يُستحَب له النكاح.
(ويجوز للحُرِّ أن يجمع بين أربع حرائر) فقط إلا أن تتعين الواحدةُ في حقه، كنكاح سفيه ونحوه مما يتوقف على الحاجة. (و) يجوز (للعبد) ولو مدبرا أو مبعضا أو مكاتبا أو معلقا عتقُه بصفة (أن يجمع بين اثنتين) أي زوجتين فقط.
(ولا ينكح الحرُّ أَمةً) لغيره (إلا بشرطين: عدم صداق الحرة) أو فقد الحرة أو عدم

(1/224)


رضاها به، (وخوف العنت) أي الزنا مدةَ فَقْدِ الحرة. وترك المصنف شرطين آخرين: أحدهما أن لا يكون تحته حرة مسلمة أو كتابية تصلح للاستمتاع، والثاني إسلام الأَمة التي ينكحها الحرُّ؛ فلا يحل لمسلم أمةٌ كتابية. وإذا نكح الحر أمةً بالشروط المذكورة ثم أيسر ونكح حرةً لم ينفسخ نكاح الأمة.

• نظر الرجل إلى المرأة
(ونظر الرجل إلى المرأة على سبعة أضرب: أحدها نظره) ولو كان شيخا هرما عاجزا عن الوطء (إلى أجنبية لغير حاجة) إلى نظرها (فغير جائز)؛ فإن كان النظر لحاجة كشهادة عليها جاز.
(والثاني نظره) أي الرجل (إلى زوجته وأمته؛

(1/225)


فيجوز أن ينظر) من كل منها (إلى ما عدا الفرج منهما). أما الفرج فيحرم نظره؛ وهذا وجه ضعيف، والأصح جواز النظر إليه لكن مع الكراهة.
(والثالث نظره إلى ذوات محارمه) بنسب أو رضاع أو مصاهرة (أو أمته المزوَّجة، فيجوز) أن ينظر (فيما عدا ما بين السرة والركبة). أما الذي بينهما فيحرم نظره.
(والرابع النظر) إلى الأجنية (لأجل) حاجة (النكاح؛ فيجوز) للشخص عند عزمه على نكاح امرأة النظرُ (إلى الوجه والكفين) منها ظاهرا وباطنا وإن لم تأذن له الزوجة في ذلك، وينظر من الأمة على ترجيح النووي عند قصد خطبتها ما ينظره من الحرة.
(والخامس النظر للمداواة؛ فيجوز) نظر الطبيب من الأجنبية (إلى المواضع التي يحتاج إليها) في المُداواة حتى مداواة الفرج. ويكون ذلك بحضور محرم أو زوج أو سيد، وأن لا تكون هناك امرأة تُعالجها.
(والسادس النظر للشهادة) عليها فينظر الشاهد فرجها عند شهادته بزناها أو ولادتها؛ فإن تعمد النظر لغير الشهادة فسق، ورُدَّت شهادتُه (أو) النظر (للمعاملة) للمرأة في بيع وغيره؛ (فيجوز النظر) أي نظره لها. وقوله: (إلى الوجه) منها (خاصة) يرجع للشهادة وللمعاملة.

(1/226)


(والسابع النظر إلى الأمة عند ابتياعها) أي شرائها؛ (فيجوز) النظر (إلى المواضع التي يحتاج إلى تقليبها)؛ فينظر أطرافها وشعرها، لا عورتها.

• ما لا يصح النكاح إلا به
{فصل} فيما لا يصح النكاح إلا به. (ولا يصح عقد النكاح إلا بوليّ) عدل. وفي بعض النسخ «بوليّ ذكر»، وهو احتراز عن الأنثى؛ فإنها لا تُزوِّج نفسَها ولا غيرَها. (و) لا يصح عقد النكاح أيضا إلا بحضور (شاهدَي عدل).
وذكر المصنف شرط كل من الولي والشاهدين في قوله: (ويفتقر الولي والشاهدان إلى ستة شرائط): الأول (الإسلام)؛ فلا يكون وليُّ المرأةِ كافرًا إلا فيما يستثنيه المصنف بعدُ. (و) الثاني (البلوغ)؛ فلا يكون وليّ المرأة صغيرا.

(1/227)


(و) الثالث (العقل)؛ فلا يكون وليّ المرأة مجنونا، سواء أطبق جنونُه أو تقطع. (و) الرابع (الحرية)؛ فلا يكون الوليّ عبدا في إيجاب النكاح. ويجوز أن يكون قابلا في النكاح. (و) الخامس (الذكورة)؛ فلا تكون المرأة والخنثى وليين. (و) السادس (العدالة)؛ فلا يكون الوليّ فاسقا. واستثنى المصنف من ذلك ما تضمنه قوله: (إلا أنه لا يفتقر نكاح الذمية إلى إسلام الولي، ولا) يفتقر (نكاح الأمة إلى عدالة السيد)؛ فيجوز كونه فاسقا. وجميع ما سبق في الولي يعتبر في شاهدي النكاح. وأما العمى فلا يقدح في الولاية في الأصح.

• ترتيب الولاية
(وأولى الولاة) أي حق الأولياء بالتزويج (الأب، ثم الجد أبو الأب) ثم أبوه وهكذا. ويقدم الأقرب من الأجداد على الأبعد، (ثم الأخ للأب والأم) ولو عبر بالشقيق لكان أحصر، (ثم الأخ للأب، ثم ابن

(1/228)


الأخ للأب والأم) وإن سفل، (ثم ابن الأخ للأب) وإن سفل، (ثم العم) الشقيق ثم العم للأب، (ثم ابنه) أي ابن كل منهما وإن سفل (على هذا الترتيب)، فيقدم ابن العم الشقيق على ابن العم للأب.
(فإذا عدمت العصبات) من النسب (فالمولى المعتق) الذكر، (ثم عصابته) على ترتيب الإرث. أما المولاة المعتقة إذا كانت حيةً فيزوج عتيقتها مَن يزوِّج المعتقة بالترتيب السابق في أولياء النسب. فإذا ماتت المعتقة زوَّج عتيقتها من له الولاء على المعتقة ثم ابنه ثم ابن ابنه، (ثم الحاكم) يزوج عند فقد الأولياء من النسب والولاء.

• خِطبة المعتدة
ثم شرع المصنف في بيان الخِطبة بكسر الخاء، وهي التماس الخاطب من المخطوبة النكاح؛ فقال: (ولا يجوز أن يصرح بخطبة معتدة) عن وفاة أو طلاق بائن أو رجعي. والتصريح ما يقطع بالرغبة في النكاح كقوله للمعتدة: «أريد نكاحكِ». (ويجوز) إن لم تكن المعتدة عن طلاق رجعي (أن يعرض لها) بالخِطبة (وينكحها بعد انقضاء عدتها). والتعريض ما لا يقطع بالرغبة في النكاح، بل يحتملها كقول الخاطب للمرأة:

(1/229)


«رُبَّ راغبٍ فيكِ». أما المرأةُ الخلية من موانع النكاح وعن خطبة سابقة فيجوز خطبتها تعريضا وتصريحا.
(والنساء على ضربين: ثيبات، وأبكار). والثيب من زالت بكارتها بوطء حلال أوحرام، والبكر عكسها؛ (فالبكر يجوز للأب والجد) عند عدم الأب أصلا أو عدم أهليته (إجبارها) أي البكر (على النكاح) إن وُجدت شروطُ الإجبار بكون الزوجة غير موطوأة بقبل وأن تزوج بكفء بمهر مثلها من نقد البلد. (والثيب لا يجوز) لوليها (تزويجها إلا بعد بلوغها وإذنها) نطقا، لا سكوتًا.

• المحرمات
{فصل} (والمحرمات) أي المحرم نكاحهن (بالنص أربع عشرة): وفي بعض النسخ «أربعة عشر»: (سبع بالنسب؛ وهن: الأم وإن

(1/230)


علت، والبنت وإن سفلت). أما المخلوقة من ماء زنا شخص فتحِلُّ له على الأصح، لكن مع الكراهة، وسواء كانت المُزنَى بها مطاوعة أو لا. وأما المرأة فلا يحل لها ولدُها من الزنا، (والأخت) شقيقة كانت أو لأب أو لأم، (والخالة) حقيقة أو بتوسط كخالة الأب والأم، (والعمة) حقيقة أو بتوسط كعمة الأب، (وبنت الأخ) وبنات أولاده من ذكر أو أنثى، (وبنت الأخت) وبنات أولادها من ذكر أو أنثى. وعطف المصنف على قوله سابقا «سبع» قوله هنا:
(واثنتان) أي المحرمات بالنص اثنتان (بالرضاع) وهما: (الأم المرضِعة، والأخت من الرضاع). وإنما اقتصر المصنف على الاثنتين للنص عليهما في الآية، وإلا فالسبع المحرمة بالنسب تحرم بالرضاع أيضا كما سيأتي التصريح به في كلام المتن.
(و) المحرمات بالنص (أربع بالمصاهرة) وهن: (أم الزوجة) وإن علت أمها، سواء من نسب أو رضاع، سواء وقع دخول الزوج بالزوجة أم لا، (والربيبة) أي بنت الزوجة (إذا دخل بالأم، وزوجة الأب) وإن علا، (وزوجة الابن) وإن سفل. والمحرمات السابقة حرمتها على التأبيد،

(1/231)


(وواحدة) حرمتُها لا على التأبيد، بل (من جهة الجمع) فقط. (وهي أخت الزوجة)؛ فلا يُجمَع بينها وبين أختها من أب أو أم وبينهما نسبٌ أو رضاعٌ، ولو رضيت أختُها بالجمع.
(ولا يجمع) أيضا (بين المرأة وعمتها، ولا بين المرأة وخالتها)؛ فإن جمع الشخص بين من حرم الجمع بينهما بعقد واحد نكحهما فيه بطل نكاحهما، أو لم يجمع بينهما، بل نكحهما مرتبا، فالثاني هو الباطل إن علمت السابقة؛ فإن جهلت بطل نكاحهما، وإن علمت السابقة ثم نسيت منع منهما. ومن حرم جمعهما بنكاح حرم جمعهما أيضا في الوطء بملك اليمين، وكذا لو كانت إحداهما زوجةً والأخرى مملوكة. فإن وطئ واحدة من المملوكتين حرمت الأخرى حتى يحرم الأولى بطريق من الطرق كبيعها أو تزويجها. وأشار لضابط كلي بقوله:
(ويحرم من الرضاع ما يحرم من النسب). وسبق أن الذي يحرم من النسب سبع، فيحرم بالرضاع تلك السبع أيضا.

• العيوب التي تجوز رد المرأة والرجل
ثم شرع في عيوب النكاح المثبتة للخيار فيه، فقال: (وترد المرأة) أي الزوجة (بخمسة عيوب): أحدها (بالجنون)، سواء أطبق أو تقطع قبل العلاج أو لا، فخرج

(1/232)


الإغماء؛ فلا يثبت به الخيار في فسخ النكاح ولو دام، خلافا للمتولي. (و) ثانيها بوجود (الجُذام) بذال المعجمة، وهو علة يحمر منها العضو ثم يسود ثم يتقطع ثم يتناثر. (و) الثالث بوجود (البرص)، وهو بياض في الجلد يذهب دم الجلد وما تحته من اللحم؛ فخرج البهق، وهو ما يُغيِّر الجلد من غير إذهاب دمِّه؛ فلا يثبت به الخيار. (و) الرابع بوجود (الرتق)، وهو انسداد محل الجماع بلحم. (و) الخامس بوجود (القَرن)، وهو انسداد محل الجماع بعَظْم. وما عدا هذه العيوب كالبخر والصنان لا يثبت به الخيار.
(ويرد الرجل) أيضا أي الزوج (بخمسة عيوب: بالجنون، والجذام، والبرص). وسبق معناها. (و) بوجود (الجَبِّ)، وهو قطع الذكر كله أو بعضه والباقي منه دون الحشفة؛ فإن بقي قدرها فأكثر فلا خيار. (و) بوجود (العُنة) بضم العين، وهو عجز الزوج عن الوطء في القبل لسقوط القوة الناشرة لضعف في قلبه أو آلته.

(1/233)


ويشترط في العيوب المذكورة الرفع فيها إلى القاضي. ولا ينفرد الزوجان بالتراضي بالفسخ فيها كما يقتضيه كلام الماوردي وغيره، لكن ظاهر النص خلافه.

• تسمية المهر
{فصل} في أحكام الصَّداق. وهو بفتح الصاد أفصح من كسرها، مشتقٌ من الصَدق بفتح الصاد، وهو اسم لشديد الصلب؛ وشرعا اسم لمال واجب على الرجل بنكاح أو وطء شبهة أو موت.
(ويستحب تسمية المهر في) عقد (النكاح) ولو في نكاح عبد السيد أمته. ويكفي تسمية أي شيء كان، ولكن يسن عدم النقص عن عشرة دراهم وعدم الزيادة على خمسمائة درهم خالصة. وأشعر قوله: «يستحب» بجواز إخلاء النكاح عن المهر، وهو كذلك. (فإن لم يُسَمَّ) في عقد النكاح مهرٌ (صح العقد). وهذا معنى التفويض. ويصدر تارةً من الزوجة البالغة الرشيدة كقولها لوليها: «زَوِّجْني بلا مهر» أو «على أن

(1/234)


لا مهر لي»؛ فيزوِّجها الولي وينفي المهر أو يسكت عنه. وكذا لو قال سيد الأمة لشخص: «زوَّجتُك أمتي» ونفى المهر أو سكت. (و) إذا صح التفويض (وجب المهر) فيه (بثلاثة أشياء): وهي (أن يفرضه الزوج على نفسه) وترضى الزوجة بما فرضه، (أو يفرضه الحاكم) على
الزوج ويكون المفروض عليه مهرَ المثل. ويشترط علم القاضي بقدره. أما رضا الزوجين بما يفرضه فلا يشترط، (أو يدخل) أي الزوج (بها) أي الزوجة المُفوِّضة قبل فرض من الزوج أو الحاكم؛ (فيجب) لها (مهر المثل) بنفس الدخول. ويعتبر هذا المهر بحال العقد في الأصح. وإن مات أحد الزوجين قبل فرض ووطء وجب مهر مثل في الأظهر. والمراد بمهر المثل قدر ما يرغب به في مثلها عادةً.
(وليس لأقل الصداق) حدٌّ معيَّن في القلة (ولا لأكثره حد) معين في الكثرة، بل الضابط في ذلك أن كل شيء صح جعله ثمنا من عين أو منفعة صح جعله صداقا. وسبق أن المستحب عدم النقص عن عشرة دراهم وعدم الزيادة على خمسمائة درهم.

(1/235)


(ويجوز أن يتزوجها على منفعة معلومة) كتعليمها القرآن.
(ويسقط بالطلاق قبلَ الدخول بها نصفُ المهر). أما بعد الدخول ولو مرةً واحدة فيجب كل المهر ولو كان الدخول حراما كوطء الزوج زوجته حالَ إحرامها أو حيضها. ويجب كل المهر كما سبق بموت أحد الزوجين، لا بخلوة الزوج بها - في الجديد. وإذا قتلت الحرة نفسها قبل الدخول بها لا يسقط مهرها، بخلاف ما لو قتلت الأمة نفسها أو قتلها سيدها قبل الدخول فإنه يسقط مهرها.

• الوليمة
{فصل} (والوليمة على العُرس مستحبة). والمراد بها طعام يتخذ للعرس. وقال الشافعي: تصدق الوليمة على كل دعوة لحادث سرور. وأقلها للمكثر شاةٌ، وللمقل ما تيسر. وأنواعها كثيرة مذكورة في المطولات. (والإجابة إليها) أي وليمة العرس (واجبة) أي فرض عين في

(1/236)


الأصح. ولا يجب الأكل منها في الأصح. أما الإجابة لغير وليمة العرس من بقية الولائم فليست فرض عين، بل هي سنة. وإنما تجب الدعوة لوليمة العرس أو تسن لغيرها بشرط أن لا يخص الداعي الأغنياء بالدعوة، بل يدعوهم والفقراء وأن يدعوهم في اليوم الأول. فإن أَوْلَم ثلاثةَ أيام لم تجب الإجابة في اليوم الثاني، بل تستحب، وتكره في اليوم الثالث. وبقية الشروط مذكورة في المطولات. وقوله (إلا من عذر) أي مانع من الإجابة للوليمة، كأن يكون في موضع الدعوة من يتأذي به المدعو أو لا تليق به مجالسته.

• التسوية في القسم بين الزوجات
{فصل} في أحكام القسم والنشوز. الأول من جهة الزوج، والثاني من جهة الزوجة. ومعنى نشوزها ارتفاعها عن أداء الحق الواجب عليها. وإذا كان في عصمة شخص زوجتان فأكثر لا يجب عليه القسم بينهما أو بينهن حتى لو أعرض عنهن أو عن الواحدة؛ فلم يبت عندهن أو عندها لم يأثم، ولكن يستحب أن لا يعطلهن من المبيت، ولا الواحدة أيضا، بأن يبيت عندهن أو عندها. وأدنى درجات الواحدة أن لا يخليها كل أربع ليال عن ليلة.

(1/237)


(والتسوية في القسم بين الزوجات واجبة). وتعتبر التسوية بالمكان تارةً، وبالزمان أخرى. أما المكان فيُحرم الجمع بين الزوجتين فأكثر في مسكن واحد إلا بالرضا. وأما الزمان فمن لم يكن حارسا مثلا فعماد القسم في حقه الليلُ، والنهارُ تبع له. ومن كان حارسا فعماد القسم في حقه النهارُ، والليلُ تبع له. (ولا يدخل) الزوج ليلاً (على غير المقسوم لها لغير حاجة). فإن كان لحاجة كعيادة ونحوها لم يمنع من الدخول؛ وحينئذ إن طال مكثه قضى من نوبة المدخول عليها مثل مكثه؛ فإن جامع قضى زمن الجماع إلا أن يقصر زمنه فلا يقضيه. (وإذا أراد) من في عصمته زوجات (السفرَ أقرع بينهن وخرج) أي سافر (بالتي تخرج لها القرعةُ). ولا يقضي الزوج المسافر للمتخلفات مدةَ سفره ذهابا؛ فإن وصل مقصده وصار مقيما بأن نوى إقامة مؤثرة أول سفره أو عند وصول مقصده أو قبل وصوله قضى مدة الإقامة إن ساكن المصحوبة معه في السفر - كما قاله الماوردي؛ وإلا لم يقض. أما مدة الرجوع فلا يجب على الزوج قضاؤها بعد إقامته.
(وإذا تزوج) الزوج (جديدةً خصَّها) حتما ولو كانت أمةً، وكان عند الزوج غير الجديدة وهو يبيت

(1/238)


عندها (بسبع ليال) متواليات (إن كانت) تلك الجديدة (بِكرا). ولا يقضي للباقيات، (و) خصها (بثلاث) متواليات (إن كانت) تلك الجديدة (ثيبا). فلو فرق الليالي بنومه ليلةً عند الجديدة وليلةً في مسجد مثلا لايحسب لها ذلك، بل يوفى الجديدة حقها متواليا ويقضي ما فرقه للباقيات.

• نشوز المرأة
(وإذا خاف) الزوج (نشوزَ المرأة). وفي بعض النسخ «وإذا بَانَ نشوزُ المرأة»، أي ظهر (وَعَظَها) زوجُها بلا ضرب ولا هجر لها، كقوله لها: «اتقي الله في الحق الواجب لي عليك، واعلمي أن النشوز مُسقِط للنفقة والقسم». وليس الشتم للزوج من النشوز، بل تستحق به التأديب من الزوج في الأصح، ولا يرفعها إلى القاضي. (فإن أبت) بعد الوعظ (إلا النشوز هجرها) في مضجعها، وهو فراشها؛ فلا يضاجعها فيه. وهجرانها بالكلام حرام فيما زاد على ثلاثة أيام. وقال في الروضة: أنه في الهجر بغير عذر شرعي؛ وإلا فلا تحرم الزيادة على الثلاثة. (فإن أقامت عليه) أي النشوز بتكرره منها (هجرها وضربها) ضرب تأديب لها. وإن أفضى ضربها إلى التلف وجب الغرم. (ويسقط بالنشوز قسمُها ونفقتها).

(1/239)


• الخلع
{فصل} في أحكام الخُلع. وهو بضم الخاء المعجمة مشتق من الخَلع بفتحها، وهو النزع، وشرعًا فُرقةٌ بعوض مقصود؛ فخرج الخلع على دم ونحوه. (والخلع جائز على عوض معلوم) مقدور على تسليمه؛ فإن كان على عوض مجهول، كأن خالعها على ثوب غير معين بَانَت بمهر المثل. (و) الخلع الصحيح (تملك به المرأة نفسها، ولا رجعةَ له) أي الزوج (عليها) سواء كان العوض صحيحا أو لا. وقوله: (إلا بنكاح جديد) ساقط في أكثر النسخ. (ويجوز الخلع في الطهر وفي الحيض). ولا يكون حراما. (ولا يلحق المختلعة الطلاق) بخلاف الرجعية فيلحقها.

(1/240)


• أنواع الطلاق
{فصل} في أحكام الطلاق. وهو لغةً حَلُّ القَيد، وشرعًا اسم لحَلِّ قَيد النكاح. ويشترط لنفوذه التكليف والاختيار. وأما السكران فينفذ طلاقه عقوبةً له.
(والطلاق ضربان: صريح، وكناية)؛ فالصريح ما لا يحتمل غير الطلاق، والكناية ما تحتمل غيره. ولو تلفظ الزوج بالصريح، وقال: «لم أُرِد به الطلاقَ»، لم يقبل قولُه؛ (فالصريح ثلاثة ألفاظ: الطلاق) وما اشتق منه، كطلقتك، وأنت طالقٌ ومطلقةٌ، (والفراق، والسراح) كفارقتك، وأنت مفارقة، وسرحتك، وأنت مسرحة. ومن الصريح أيضا الخلع إن ذكر المال. وكذا المفاداة. (ولا يفتقر صريح الطلاق إلى النية). ويستثنى المُكرَه على الطلاق؛ فصريحه كناية في حقه، إن نوى وقع، وإلا فلا.
(والكناية كل لفظ احتمل الطلاق وغيره، ويفتقر إلى النية)؛ فإن نوى بالكناية الطلاق وقع، وإلا فلا. وكناية الطلاق كأنتِ بَرية خلية، الحَقِي بأهلكِ، وغير ذلك مما هو في المطولات.

• أنواع المطلقات
(والنساء فيه) أي الطلاق (ضربان:

(1/241)


ضرب في طلاقهن سُنةٌ وبدعة، وهن ذواتُ الحيض). وأراد المصنف بالسُنة الطلاق الجائز، وبالبدعة الطلاق الحرام؛ (فالسنة أن يُوقِع) الزوج (الطلاق في طهر غير مُجامَع فيه؛ والبدعة أن يوقع) الزوج (الطلاقَ في الحيض أو في طهر جامَعَها فيه).
(وضرب ليس في طلاقهن سنة ولا بدعة؛ وهن أربع: الصغيرة، والآيسة)، وهي التي انقطع حيضها، (والحامل، والمختلعة التي لم يدخل بها) الزوجُ. وينقسم الطلاق باعتبار آخر إلى واجب كطلاق المُولي، ومندوب كطلاق امرأة غير مستقمية الحال كسيئة الخُلُق، ومكروه كطلاق مستقمية الحال، وحرام كطلاق البدعة وقد سبق. وأشار الإمام للطلاق المباح بطلاق

(1/242)


من لا يهواها الزوج ولا تسمح نفسه بمؤنتها بلا استمتاع بها.

• حكم طلاق الحر والعبد وغير ذلك
{فصل} في حكم طلاق الحر والعبد وغير ذلك. (ويملك) الزوج (الحُر) على زوجته ولو كانت أَمةً (ثلاث تطليقات، و) يملك (العبد) عليها (تطليقتين) فقط، حرةً كانت الزوجة أو أمة. والمبعض والمكاتب والمدبر كالعبد القن.
(ويصح الاستثناء في الطلاق إذا وصله به) أي وصل الزوج لفظ المستثنى بالمستثنى منه اتصالًا عُرفيا، بأن يُعدَّ في العرف كلاما واحدا. ويشترط أيضا أن ينوي الاستثناء قبل فراغ اليمين. ولا يكفي التلفظ به من غير نية الاستثناء. ويشترط أيضا عدم استغراق المستثنى المستثنى منه؛ فإن استغرق كـ «أنتِ طالق ثلاثا إلا ثلاثا» بطل الاستثناء. (ويصح تعليقه) أي الطلاق (بالصفة والشرط) كـ «إن دخلتِ الدارَ فأنتِ طالقٌ»؛ فتطلق إذا دخلَت. (و) الطلاق لا يقع إلا على زوجة. وحينئذ (لا يقع الطلاق قبل النكاح)؛ فلا يصح طلاق الأجنبية تنجيزا كقوله لها: «طلقتُكِ».

(1/243)


ولا تعليقا كقوله لها: «إن تزوجتكِ فأنتِ طالق». «وإن تزوجت فلانة فهي طالق».

• من لا يقع طلاقه
(وأربع لا يقع طلاقهم: الصبي، والمجنون). وفي معناه المغمى عليه، (والنائم، والمكرَه) أي بغير حق؛ فإن كان بحق وقع. وصورته كما قال جمعٌ إكراه القاضي للمُولي بعد مدة الإيلاء على الطلاق. وشرط الإكراه قدرة المُكرِه - بكسر الراء - على تحقيق ما هدد به المُكرَه - بفتحها- بولاية أو تغلب، وعجز المكرَه - بفتح الراء - عن دفع المكرِه - بكسرها - بهرب منه أو استغاثة بمن يخلصه ونحو ذلك، وظنه أنه إن امتنع مما أكره عليه فعل ما خوَّفه. ويحصل الإكراه بالتخويف بضرب شديد أو حبس أو إتلاف مال ونحو ذلك. وإذا ظهر من المكرَه - بفتح الراء - قرينة اختيار، بأن أكرهه شخصٌ على طلاق ثلاث فطلق واحدةً وقع الطلاق. وإذا صدر تعليق الطلاق بصفة من مكلف ووجدت تلك الصفة في غير تكليف فإن الطلاق المعلق بها يقع بها. والسكران ينفذ طلاقه كما سبق.

(1/244)


• البائن والرجعي
{فصل} في أحكام الرَجْعة. الرَّجعة بفتح الراء، وحكي كسرها. وهي لغةً المرة من الرجوع، وشرعًا رد الزوجة إلى النكاح في عدة طلاق غير بائن على وجه مخصوص. وخرج بطلاقٍ وطءُ الشبهة والظهارُ؛ فإن استباحةَ الوطء فيهما بعد زوال المانع لا تسمى رجعة. (وإذا طلق) شخص (امرأته واحدة أو اثنتين فله) بغير إذنها (مراجعتُها مالم تنقض عدتُها). وتحصل الرجعة من الناطق بألفاظ، منها «راجعتُكِ» وما تصرف منها. والأصح أن قول المرتجع: «رددتُك لنكاحي، وأمسكتك عليه» صريحان في الرجعة. وأن قوله: «تزوجتُك أو نكحتُك» كنايتان. وشرط المرتجع إن لم يكن محرما أهليةُ النكاح بنفسه؛ وحينئذ فتصح رجعة السكران، لا رجعة المرتد، ولا رجعة الصبي والمجنون؛ لأن كلا منهم غيرُ أهلٍ للنكاح بنفسه، بخلاف السفيه والعبد فرجعتهما صحيحة من غير إذن الولي والسيد وإن توقف ابتداء نكاحهما على إذن الولي والسيد.
(فإن انقضت عدتها) أي الرجعية (حل له) أي زوجها (نكاحها بعقد جديد، وتكون معه) بعد العقد (على ما بقي من الطلاق)، سواء اتصلت بزوج غيره أم لا.

(1/245)


(فإن طلقها) زوجها (ثلاثا) إن كان حرا، أو طلقتين إن كان عبدا قبل الدخول أو بعده (لم تحل له إلا بعد وجود خمس شرائط): أحدها (انقضاء عدتها منه) أي المطلق. (و) الثاني (تزويجها بغيره) تزويجا صحيحا. (و) الثالث (دخوله) أي الغير (بها، وإصابتها) بأن يولج حشفته أو قدرها من مقطوعها بقُبل المرأة، لا بدبرها بشرط الانتشار في الذكر، وكون المُولِج ممن يمكن جِماعُه، لا طفلا. (و) الرابع (بينونتها منه) أي الغير. (و) الخامس (انقضاء عدتها منه).

• أحكام الإيلاء
{فصل} في بيان أحكام الإيلاء. وهو لغةً مصدر آلى يوليّ إيلاءً إذا حلف، وشرعًا حلف زوجٍ يصح طلاقُه ليمتنع من وطء زوجته في قُبُلها مطلقا، أو فوق أربعةَ أشهر.

(1/246)


وهذا المعنى مأخوذ من قول المصنف: (وإذا حلف أن لا يطأ زوجتَه) وطأ (مطلقا أو مدةً) أي وطأ مقيدا بمدة (تزيد على أربعة أشهر؛ فهو) أي الحالف المذكور (مُولٍ) من زوجته، سواء حلف بالله تعالى أو بصفة من صفاته أو علق وطء زوجته بطلاق أو عتق، كقوله: «إن وطئتُك فأنتِ طالق أو فعبدي حرٌّ». فإذا وطئ طلقت وعتق العبد. وكذا لو قال: «إن وطئتك فلله عليَّ صلاةٌ أو صوم أو حجٌّ أو عتقٌ» فإنه يكون موليا أيضا. (ويؤجل له) أي يمهل المولي حتما، حرا كان أو عبدا في زوجة مطيقة للوطء. (إن سألت ذلك أربعة أشهر) وابتداؤها في الزوجة من الإيلاء، وفي الرجعية من الرجعة، (ثم) بعد انقضاء هذه المدة (يخير) المولي (بين الفيئة) بأن يولج المولي حشفته أو قدرها من مقطوعها بقُبل المرأة (والتكفير) لليمين إن كان حلفه بالله تعالى على ترك وطئها (أو الطلاق) للمحلوف عليها.
(فإن امتنع) الزوج من الفيئة والطلاق (طلق عليه الحاكمُ) طلقة واحدة رجعية؛ فإن طلق أكثر منها لم يقع؛ فإن امتنع من الفيئة فقط أمره الحاكم بالطلاق.

(1/247)


• أحكام الظهار
{فصل} في بيان أحكام الظهار. وهو لغةً مأخوذ من الظَهر، وشرعًا تشبيه الزوج زوجتَه غير البائن بأنثى لم تكن حِلاًّ له. (والظهار أن يقول الرجل لزوجته: «أنتِ عليَّ كظهر أمي»). وخص الظهر دون البطن مثلا، لأن الظهر موضع الركوب، والزوجة مركوب الزوج. (فإذا قال لها ذلك) أي أنتِ عليَّ كظهر أمي، (ولم يتبعه بالطلاق صار عائدا) من زوجته، (ولزمته) حينئذ (الكفَّارة) وهي مُرَتَّبةٌ. وذكر المصنف بيانَ ترتيبها في قوله:
(والكفارة عتق رقبة مؤمنة) مسلمة ولو بإسلام أحد أبويها (سليمة من العيوب المضرة بالعمل والكسب) إضرارا بيِّنا، (فإن لم يجد) المُظاهر الرقبة المذكورة، بأن عجز عنها حسا أو شرعا (فصيام شهرين متتابعين). ويعتبر الشهران بالهلال، ولو نقص كل منهما عن ثلاثين يوما. ويكون صومهما بنية الكفارة من الليل. ولا يشترط نية تتابع في الأصح، (فإن لم يستطع) المظاهر صوم الشهرين

(1/248)


أو لم يستطع تتابعها (فإطعام ستين مسكينا) أو فقيرا؛ (كل مسكين) أو فقير (مدّ) من جنس الحَبِّ المخرَج في زكاة الفطر؛ وحينئذ فيكون من غالب قوت بلد المُكفِّر كبُرٍّ وشعير، لا دقيق وسويق. وإذا عجز المكفر عن الخصال الثلاث استقرت الكفارة في ذمته. فإذا قدر بعد ذلك على خصلة فعلها، ولو قدر على بعضها كمُد طعام أو بعض مد أخرجه. (ولا يحل للمظاهر وطؤها) أي زوجته التي ظَاهَر منها (حتى يُكفّر) بالكفارة المذكورة.

• أحكام القذف واللعان
{فصل} في بيان أحكام القذف واللعان. وهو لغةً مصدر مأخوذ من اللعن أي البعد، وشرعا كلمات مخصوصة جعلت حُجَّةً للمضطر إلى قذف من لطخ فراشه، وألحق العار به.
(وإذا رمى) أي قذف (الرجل زوجته بالزنا فعليه حدُّ القذفِ)،

(1/249)


وسيأتي أنه ثمانون جلدة (إلا أن يقيم) الرجل القاذف (البيّنةَ) بزنا المقذوفة، (أو يُلاعن) زوجته المقذوفة. وفي بعض النسخ «أو يلتعن» أي بأمر الحاكم أو من في حكمه كالمحكم؛ (فيقول عند الحاكم في الجامع على المنبر في جماعة من الناس) أقلُّهم أربعة: (أشهد بالله إنني لمن الصادقين فيما رميتُ به زوجتي) الغائبة (فلانة من الزنا). وإن كانت حاضرةً أشار لها بقوله: «زوجتي هذه». وإن كان هناك ولد ينفيه ذكره في الكلمات فيقول: (وأن هذا الولد من الزنا، وليس مني). ويقول الملاعن هذه الكلمات (أربع مرات. ويقول في) المرة (الخامسة بعد أن يعِظه الحاكمُ) أو المحكم بتخويفه له من عذاب الله تعالى في الآخرة وأنه أشدُّ من عذاب الدنيا: («وعليَّ لعنةُ الله إن كنتُ من الكاذبين»). فيما رميتُ به هذه من الزنا. وقول المصنف على المنبر في جماعة ليس بواجب في اللعان، بل هو سنة.
(ويتعلق بلعانه) أي الزوج وإن لم تلاعن الزوجة (خمسةُ أحكام):

(1/250)


أحدها (سقوط الحد) أي حد القذف للملاعنة (عنه) إن كانت محصنة وسقوط التعزير عنه إن كانت غير محصنة. (و) الثاني (وجوب الحد عليها) أي حد زناها مسلمة كانت أو كافرة إن لم تلاعن. (و) الثالث (زوال الفراش). وعبّر عنه غيرُ المصنف بالفُرقة المؤبدة، وهي حاصلة ظاهرا وباطنا وإن كذب الملاعن نفسه. (و) الرابع (نفي الولد) عن الملاعن. أما الملاعنة فلا ينتفي عنها نسب الولد. (و) الخامس (التحريم على الأبد)؛ فلا يحل للملاعن نكاحها ولا وطؤها بملك اليمين لو كانت أمة واشتراها. وفي المطولات زيادة على هذه الخمسة، منها سقوطُ حصانتها في حق الزوج إن لم تلاعن حتى لو قذفها بزنا بعد ذلك لا يحد.
(ويسقط الحد عنها بأن تلتعن) أي تلاعن الزوج بعد تمام لعانه (فتقول) في لعانها إن كان الملاعن حاضرا: («أشهد بالله، أن فلانا هذا لَمِن الكاذبين، فيما رماني به من الزنا»). وتكرر الملاعنة هذا الكلام (أربع

(1/251)


مرات، وتقول في المرة الخامسة) من لعانها (بعد أن يعظها الحاكم) أو المحكم بتخويفه لها من عذاب الله في الآخرة، وأنه أشد من عذاب الدنيا: («وعليَّ غضبُ الله إن كان من الصادقين») فيما رماني به من الزنا. وما ذكر من القول المذكور محله في الناطق. أما الأخرس فيلاعن بإشارة مفهمة؛ ولو أبدل في كلمات اللعان لفظ الشهادة بالحلف كقول الملاعن: «أحلف بالله»، أو لفظ الغضب باللعن وعكسه كقولها: «لعنة الله عليَّ». وقوله: غضب الله عليَّ، أو ذكر كل من الغضب واللعن قبل تمام الشهادات الأربع لم يصح في الجميع.

• أحكام العدة وأنواع المعتدة
{فصل} في أحكام العدة وأنواع المعتدة. وهي لغة الاسم من اعتَدَّ، وشرعا ترَبُّص المرأة مدةً يعرف فيها براءة رحمها بأقراء أو أشهر أو وضع حمل.
(والمعتدة على ضربين: متوفى عنها) زوجُها، (وغير متوفى عنها؛

(1/252)


فالمتوفى عنها) زوجها (إن كانت) حرة (حاملا فعدتها) عن وفاة زوجها (بوضع الحمل) كله حتى ثاني توأمين مع إمكان نسبة الحمل للميت ولو احتمالا، كمنفي بلعان. فلو مات صبي لا يولد لمثله عن حامل فعدتها بالأشهر، لا بوضع الحامل؛ (وإن كانت حائلا فعدتها أربعة أشهر وعشر) من الأيام بلياليها. وتعتبر الأشهر بالأهلة ما أمكن، ويكمل المنكسر ثلاثين يوما.
(وغير المتوفى عنها) زوجها (إن كانت حاملا فعدتها بوضع الحمل) المنسوب لصاحب العدة، (وإن كانت حائلا وهي من ذوات) أي صواحب (الحيض فعدتها ثلاثة قروء، وهي الأطهار). وإن طلقت طاهرا حائضا بأن بقي من زمن طهرها بقية بعد طلاقها انقضت عدتها بالطعن في حيضة ثالثة، أو طلقت حائضا أو نفساء انقضت عدتها بالطعن في حيضة رابعة، وما بقي من حيضها لا يحسب قرءا. (وإن كانت) تلك المعتدة (صغيرة) أو

(1/253)


كبيرة لم تحض أصلا ولم تبلغ سِنَّ اليأس أو كانت متحيرة (أو آيسة فعدتها ثلاثة أشهر) هلالية إن انطبق طلاقها على أول الشهر. فإن طلقت في أثناء شهر فبعده هلالان، ويكمل المنكسر ثلاثين يوما من الشهر الرابع؛ فإن حاضت المعتدة في الأشهر وجب عليها العدة بالأقراء، أو بعد انقضاء الأشهر لم تجب الأقراء.
(والمطلقة قبل الدخول بها لا عدة عليها) سواء باشرها الزوج فيما دون الفرج أم لا.

• عدة الأمة
(وعدة الأمة) الحامل إذا طلقت طلاقا رجعيا أو بائنا (بالحمل) أي بوضعه بشرط نسبته إلى صاحب العدة. وقوله: (كعدة الحرة) الحامل أي في جميع ما سبق، (وبالأقراء أن تعتد بقرأين). والمبعضة والمكاتبة وأم الولد كالأمة، (وبالشهور عن الوفاة أن تعتد بشهرين وخمس ليال، و) عدتها (عن الطلاق أن تعتد بشهر ونصف) على النصف، وفي قول شهران. وكلام الغزالي يقتضي ترجيحه. وأما المصنف فجعله

(1/254)


أولى حيث قال: (فإن اعتدت بشهرين كان أولى). وفي قول عدتها ثلاثة أشهر، وهو الأحوط - كما قال الشافعي - رضي الله عنه - وعليه جمع من الأصحاب.

• أنواع المعتدة وأحكامها
{فصل} في أنواع المعتدة وأحكامها. (ويجب للمعتدة الرجعية السكنى) في مسكن فراقها إن لاق بها، (والنفقة) والكسوة إلا أن تكون ناشزةً قبل طلاقها أو في أثناء عدتها. وكما يجب لها النفقة يجب لها بقية المُؤن إلا آلة التنظيف. (ويجب للبائن السكنى دون النفقة إلا أن تكون حاملا)؛ فتجب النفقة لها بسبب الحمل على الصحيح. وقيل إن النفقة للحمل.
(ويجب على المتوفى عنها) زوجها (الإحداد؛ وهو) لغة مأخوذ من الحد، وهو المنع، وشرعًا (الامتناع من الزينة) بترك لبس مصبوغ يقصد

(1/255)


به الزينة كثوب أصفر أو أحمر. ويباح غير المصبوغ من قطن وصوف وكتان وإبريسم، ومصبوغ لا يقصد لزينة، (و) الامتناع من (الطيب) أي من استعماله في بدن أو ثوب أو طعام أو كُحْل غير محرم، أما المحرم كالاكتحال بالأثمد الذي لاَ طيب فيه فحرام إلا لحاجة كرمد، فيرخص فيه للمحدة، ومع ذلك فتستعمله ليلا وتمسحه نهارا إلا إن دعت ضرورة لاستعماله نهارا. وللمرأة أن تحد على غير زوجها من قريب لها أو أجنبي ثلاثة أيام فأقل، وتحرم الزيادة عليها إن قصدت ذلك؛ فإن زادت عليها بلا قصد لا يحرم.

• ملازمة البيت على المتوفى عنها زوجها والمبتوتة
(و) يجب (على المتوفى عنها زوجها والمبتوتة ملازمة البيت) أي وهو المسكن الذي كانت فيه عند الفُرقة إن لاق بها، وليس لزوج ولا لغيره إخراجها من مسكن فراقها، ولا لها خروج منه. وإن رضي زوجها (إلا لحاجة) فيجوز لها الخروج، كأن تخرج في النهار لشراء طعام أو كتان وبيع غزل أو قطن ونحو ذلك. ويجوز لها الخروج ليلا إلى دار جارتها لغزل وحديث ونحوهما بشرط أن ترجع وتبيت في بيتها، ويجوز لها الخروج أيضا إذا خافت على نفسها أو ولدها وغير ذلك مما هو مذكور في المطولات.

(1/256)


• أحكام الاستبراء
{فصل} في أحكام الاستبراء. وهو لغةً طلب البراءة، وشرعا تربص المرأة مدةً بسبب حدوث المِلك فيها أو زواله عنها تعبدا أو لبراءة رحمها من الحمل. والاستبراء يجب بشيئين: أحدهما زوال الفراش، وسيأتي في قول المتن: «وإذا مات سيد أم الولد…» إلخ. والسبب الثاني حدوث الملك. وذكره المصنف في قوله: (ومن استحدث ملك أمة) بشراء لاَ خيارَ فيه أو بإرث أو وصية أو هِبَّة أو غير ذلك من طرق الملك لها ولم تكن زوجته (حرُم عليه) عند إرادة وطئها (الاستمتاع بها حتى يستبرئها. إن كانت من ذوات الحيض بحيضة) ولو كانت بكرا، ولو استبرأها بائعُها قبل بيعها، ولو كانت منتقلة من صبي أو امرأة. (وإن كانت) الأمة (من ذوات الشهور) فعدتها (بشهر فقط، وإن كانت من ذوات الحمل) فعدتها (بالوضع). وإذا اشترى زوجته سُنَّ له استبراؤها. وأما الأمة المزوجة أو المعتدة إذا اشتراها شخص فلا يجب

(1/257)


استبراؤها حالا. فإذا زالت الزوجية والعدة كأن طلقت الأمة قبل الدخول أو بعده وانقضت العدة وجب الاستبراء حينئذ.
(وإذا مات سيد أم الولد) وليست في زوجية ولا عدة نكاح (استبرأت) حتما (نفسها كالأمة) أي فيكون استبراؤها بشهر إن كانت من ذوات الأشهر، وإلا فبحيضة إن كانت من ذوات الأقراء. ولو استبرأ السيد أمته الموطوأة ثم أعتقها فلا استبراء عليها، ولها أن تتزوج في الحال.

• أحكام الرضاع
{فصل} في أحكام الرضاع. بفتح الراء وكسرها، وهو لغةً اسم لمصّ الثدي وشرب لبنه، وشرعًا وصول لبن آدمية مخصوصة لجوف آدمي مخصوص على وجه مخصوص. وإنما يثبت الرضاع بلبن امرأة حية بلغت تسع سنين قمريةً بكرا كانت أو ثيبا، خليةً كانت أو مزوجة.
(وإذا أرضعت المرأة بلبنها ولدا) سواء شرب منها اللبن في حياتها أو بعد موتها، وكان محلوبا في حياتها (صار الرضيع ولدَها بشرطين:

(1/258)


أحدهما أن يكون له) أي الرضيع (دون الحولين) بالأهلة. وابتداؤهما من تمام انفصال الرضيع. ومن بلغ سنتين لا يؤثر ارتضاعه تحريما، (و) الشرط (الثاني أن ترضعه) أي المرضعة (خمس رضعات متفرقات) واصلة جوفَ الرضيع. وضبطهن بالعُرف؛ فما قُضِي بكونه رضعة أو رضعات اعتبر، وإلا فلا. فلو قطع الرضيع الارتضاع بين كل من الخمس إعراضا عن الثدي تعدد الارتضاع. (ويصير زوجها) أي المرتضعة (أبًا له) أي الرضيع.
(ويحرم على المُرضَع) بفتح الضاد (التزويج إليها) أي المرضعة (وإلى كل من ناسبها) أي انتسب إليها بنسب أو رضاع، (ويحرم عليها) أي المرضعة (التزويج إلى المُرضَع وولده) وإن سفل، ومن انتسب إليه وإن علا، (دون من كان في درجته) أي الرضيع كإخوته الذين لم يرضعوا معه (أو أعلى) أي ودون من كان أعلى (طبقة منه) أي الرضيع كأعمامه. وتقدم

(1/259)


في فصل محرمات النكاح ما يحرم بالنسب والرضاع مفصلا؛ فارجع إليه.

• أحكام نفقة الأقارب
{فصل} في أحكام نفقة الأقارب. وفي بعض نسخ المتن تأخير هذا الفصل عن الذي بعده. والنفقة مأخوذة من الإنفاق، وهو الإخراج. ولا يستعمل إلا في الخير. وللنفقة أسباب ثلاثة: القرابة وملك اليمين والزوجية. وذكر المصنف السبب الأول في قوله: (ونفقة العمودين من الأهل واجبة للوالدين، والمولودين) أي ذكورا كانوا أو إناثا، اتفقوا في الدين أو اختلفوا فيه، واجبة على أولادهم.
(فأما الوالدون) وإن علوا (فتجب نفقتهم بشرطين: الفقر) لهم. وهو عدم قدرتهم على مال أو كسب، (والزمانة، أو الفقر والجنون). والزَّمانة هي مصدر زَمِنَ الرجلُ زَمانةً إذا حصل له آفةٌ؛ فإن قدروا على مال أو كسب لم تجب نفقتهم.
(وأما المولودون) وإن سفلوا (فتجب نفقتهم) على الوالدين (بثلاثة شرائط): أحدها (الفقر والصِغر)؛ فالغني الكبير لا تجب نفقته، (أو الفقر والزمانة)؛ فالغني القوي لا تجب تفقته،

(1/260)


(أو الفقر والجنون) فالغني العاقل لا تجب نفقته. وذكر المصنف السبب الثاني في قوله:
(ونفقة الرقيق والبهائم واجبة)؛ فمن ملك رقيقا عبدا أو أمة، أو مدبرا أو أم ولد، أو بهيمةً وجب عليه نفقته؛ فيطعم رقيقه من غالب قوت أهل البلد.
ومن غالب أدمهم بقدر الكفاية، ويكسوه من غالب كسوتهم. ولا يكفي في كسوة رقيقه سترُ العورة فقط. (ولا يكلفون من العمل ما لا يطيقون). فإذا استعمل المالك رقيقه نهارا أراحه ليلا وعكسه، ويريحه صيفا وقت القيلولة، ولا يكلف دابته أيضا ما لا تطيق حمله. وذكر المصنف السبب الثالث في قوله:
(ونفقة الزوجة الممكنة من نفسها واجبة) على الزوج. ولما اختلفت نفقة الزوجة بحسب حال الزوج بيَّن المصنف ذلك في قوله: (وهي مقدرة؛ فإن) وفي بعض النسخ «إن» (كان الزوج موسرا)، ويعتبر يساره بطلوع فجر كل يوم (فمدان) من طعام، واجبان عليه كل يوم مع ليلته المتأخرة عنه لزوجته، مسلمةً كانت أو ذميةً، حرةً كانت أو رقيقة. والمدان (من غالب قوتها). والمراد غالب قوت البلد من حنطة أو شعير أو غيرهما حتى الأقط في أهل بادية

(1/261)


يقتاتونه. (ويجب) للزوجة (من الأدم والكسوة ما جرت به العادة) في كل منهما. فإن جرت عادة البلد في الأدم بزيت وشيرج وجبن ونحوها اتبعت العادة في ذلك؛ وإن لم يكن في البلد أدم غالب فيجب اللائق بحال الزوج. ويختلف الأدم باختلاف الفصول؛ فيجب في كل فصل ما جرت به عادة الناس فيه من الأدم. ويجب للزوجة أيضا لحم يليق بحال زوجها. وإن جرت عادة البلد في الكسوة لمثل الزوج بكتان أو حرير وجب.
(وإن كان) الزوج (معسرا)؛ ويعتبر إعساره بطلوع فجر كل يوم (فمد) أي فالواجب عليه لزوجته مد طعام (من غالب قوت البلد) كل يوم مع ليلته المتأخرة عنه (وما يأتدم به المعسرون) - وفي بعض النسخ «وما يتأدم» - مما جرت به عادتهم من الأدم (ويكسونه) مما جرت به عادتهم من الكسوة.
(وإن كان) الزوج (متوسطا)؛ ويعتبر توسطه بطلوع فجر كل يوم مع ليلته المتأخرة عنه (فمد) أي فالواجب عليه لزوجته مدٌّ (ونصف) من طعام غالب قوت البلد. (ويجب) لها (من الأدم) الوسط (و) من (الكسوة الوسط) وهو ما بين ما يجب على الموسر والمعسر. ويجب على الزوج تمليك زوجته الطعام حَبًّا؛ وعليه طحنه وخبزه. ويجب لها آلة أكل وشرب وطبخ، ويجب لها

(1/262)


مسكن يليق بها عادة؛ (وإن كانت ممن يخدم مثلها فعليه) أي الزوج (إخدامها) بحرة أو أمة له أو أمة مستأجرة أو بالإنفاق على من صحب الزوجة من حرة أو أمة لخدمة إن رضي الزوج بها.
(وإن أعسر بنفقتها) أي المستقبلة (فلها) الصبر على إعساره وتنفق على نفسها من مالها أو تقترض ويصير ما أنفقته دينا عليه، ولها (فسخ النكاح). وإذا فسخت حصلت المفارقة، وهي فُرقة فسخ، لا فرقة طلاق. وأما النفقة الماضية فلا فسخ للزوجة بسببها، (وكذلك) للزوجة فسخ النكاح (إن أعسر) زوجها (بالصداق قبل الدخول) بها، سواء علمت يساره قبل العقد أم لا.

• أحكام الحَضَانة
{فصل} في أحكام الحَضَانة. وهي لغةً مأخوذة من الحِضن بكسر الحاء، وهو الجنب لضم الحاضِنة الطفلَ إليه، وشرعًا حفظ من لا يستقِلُّ بأمر نفسه عما يؤذيه لعدم تمييزه كطفل وكبير ومجنون.

(1/263)


(وإذا فارق الرجل زوجته وله منها ولد؛ فهي أحق بحضانته) أي بتربيته بما يصلحه بتعهده بطعامه وشرابه وغسل بدنه وثوبه وتمريضه وغير ذلك من مصالحه. ومؤنة الحضانة على من عليه نفقة الطفل. وإذا امتنعت الزوجة من حضانة ولدها انتقلت الحضانة لأمهاتها، وتستمر حضانة الزوجة (إلى) مُضي (سبع سنين). وعبر بها المصنف لأن التمييز يقع فيها غالبا، لكن المدار إنما هو على التمييز، سواء حصل قبل سبع سنين أو بعدها، (ثم) بعدها (يُخَيَّر) المميز (بين أبويه، فأيهما اختار سلم إليه). فإن كان في أحد الأبوين نقص كجنون فألحق للآخر مادام النقص قائما به؛ وإذ لم يكن الأب موجودا خُيِّر الولد بين الجد والأم. وكذا يقع التخيير بين الأم ومن على حاشية النسب كأخ وعم.
(وشرائط الحضانة سبع): أحدها (العقل)؛ فلا حضانة لمجنونة أطبق جنونُها أو تقطع؛ فإن قلَّ جنونها كيوم في سنة لم يبطل حق الحضانة بذلك. (و) الثاني (الحرية)؛ فلا حضانةَ لرقيقة وإن أذن لها سيدها في الحضانة.

(1/264)


(و) الثالث (الدِّين)؛ فلا حضانة لكافرة على مسلم. (و) الرابع والخامس (العفة، والأمانة) فلا حضانة لفاسقة. ولا يشترط للحضانة تحقق العدالة الباطنة، بل تكفى العدالة الظاهرة، (و) السادس (الإقامة) في بلد المميز، بأن يكون أبواه مقيمين في بلد واحد. فلو أراد أحدهما سفر حاجة كحج وتجارة طويلا كان السفر أو قصيرا، كان الولد المميز وغيره مع المقيم من الأبوين حتى يعود المسافر منهما. ولو أراد أحد الأبوين سفر نقلة فالأب أولى من الأم حضانته فينزعه منها،

(1/265)


(و) الشرط السابع (الخلو) أي خلو أم المميز (من زوج) ليس من محارم الطفل. فإن نكحت شخصا من محارمه كعم الطفل أو ابن عمه أو ابن أخيه ورضي كل منهم بالمميز فلا تسقط حضانتها بذلك، (فإن اختل شرط منها) أي السبعة في الأم (سقطت) حضانتها كما تقدم شرحه مفصلا.

(1/266)