كفاية الأخيار في حل غاية الإختصار

كتاب الْفَرَائِض والوصايا
الْفَرَائِض جمع فَرِيضَة مَأْخُوذَة من الْفَرْض وَهُوَ التَّقْدِير قَالَ الله تَعَالَى {فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ} أَي قدرتم هَذَا فِي اللُّغَة
وَأما فِي الشَّرْع فالفرض نصيب مُقَدّر شرعا لمستحقه وَكَانُوا فِي الْجَاهِلِيَّة يورثون الرِّجَال دون النِّسَاء والكبار دون الصغار وبالحلف فنسخ الله تَعَالَى ذَلِك وَكَذَا كَانَت الْمَوَارِيث فِي ابْتِدَاء الْإِسْلَام فنسخت فَلَمَّا نزلت آيَات النِّسَاء قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ((إِن الله عز وَجل قد أعْطى كل ذِي حق حَقه أَلا لَا وَصِيَّة لوَارث)) واشتهر من الصَّحَابَة فِي علم الْفَرَائِض أَرْبَعَة عَليّ وَابْن عَبَّاس وَابْن مَسْعُود وَزيد رَضِي الله عَنْهُم أَجْمَعِينَ وَاخْتَارَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ مَذْهَب زيد رَضِي الله عَنهُ لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ((أفرضكم زيد)) وَلِأَنَّهُ أقرب إِلَى الْقيَاس وَمعنى اخْتِيَاره لمَذْهَب زيد أَنه نظر فِي أدلته فَوَجَدَهَا مُسْتَقِيمَة فَعمل بهَا لَا أَنه قَلّدهُ وَالله أعلم قَالَ
بَاب الْوَارِثين
(والوارثون من الرِّجَال عشرَة الابْن وَابْن لِابْنِ وَإِن سفل وَالْأَب وَالْجد وَإِن علا وَالْأَخ وَابْن الْأَخ وَإِن تراخيا وَالْعم وَابْن الْعم وَإِن تباعدا وَالزَّوْج وَالْمولى الْمُعْتق والوارثات من النِّسَاء سبع

(1/327)


الْبِنْت وَبنت الابْن وَالأُم وَالْجدّة وَالْأُخْت وَالزَّوْجَة والمولاة الْمُعتقَة)
وَالْوَرَثَة قد يكونُونَ مختلطين وَقد يكونُونَ متميزين فَبَدَأَ الشَّيْخ بِنَوْع المتميزين فَقَالَ والوارثون من الرِّجَال وعدهم وَلِلنَّاسِ فِي عدهم طَرِيقَانِ طَرِيق الإيجاز وَهُوَ الَّذِي ذكره الشَّيْخ وَمِنْهُم من يعدهم على سَبِيل الْبسط فَيَقُول الوارثون من الرِّجَال خَمْسَة عشر الابْن وَابْن الابْن وَإِن سفل وَالْأَب وَالْجد وَإِن علا وَالْأَخ من الْأَبَوَيْنِ وَالْأَخ من الْأَب وَالْأَخ من الْأُم وَابْن الْأَخ من الْأَبَوَيْنِ وَابْن الْأَخ من الْأَب وَالْعم لِلْأَبَوَيْنِ وَالْعم لأَب وَابْن الْعم لِلْأَبَوَيْنِ وَابْن الْعم للْأَب وَالزَّوْج وَالْمُعتق وَهَؤُلَاء مجمع على توريثهم وَالْمرَاد بالجد أَبُو الْأَب وَإِذا اجْتَمعُوا لم يَرث مِنْهُم إِلَّا ثَلَاثَة الْأَب وَالِابْن وَالزَّوْج
وَأما النِّسَاء فالوارثات مِنْهُنَّ سبع الْبِنْت وَبنت الابْن إِلَى آخِره وَمَا ذكره على سَبِيل الإيجاز وَأما على سَبِيل الْبسط فعشرة الْبِنْت وَبنت الابْن وَإِن سفلت وَالأُم وَالْجدّة للْأَب وَالْجدّة للْأُم وَإِن علتا وَالْأُخْت لِلْأَبَوَيْنِ وَالْأُخْت للْأَب وَالْأُخْت للْأُم وَالزَّوْجَة والمعتقة وَهَؤُلَاء أَيْضا مجمع على توريثهم وَإِذا اجْتَمعْنَ جَمِيعهنَّ لم يَرث مِنْهُنَّ إِلَّا خَمْسَة الزَّوْجَة وَالْبِنْت وَبنت الابْن وَالأُم وَالْأُخْت من الْأَبَوَيْنِ وَإِذا اجْتمع من يُمكن اجتماعه من الصِّنْفَيْنِ أَعنِي الرِّجَال وَالنِّسَاء ورث الأبوان وَالِابْن وَالْبِنْت وَمن يُوجد من الزَّوْجَيْنِ وَالدَّلِيل على أَن من ذكرنَا وَارِث الاجماع كَمَا مر والنصوص الْآتِيَة وَالدَّلِيل على عدم تَوْرِيث غَيرهم التَّمَسُّك بِالْأَصْلِ
وَاعْلَم أَن كل من انْفَرد من الرِّجَال حَاز جَمِيع التَّرِكَة إِلَّا الزَّوْج وَالْأَخ للْأُم وَمن انْفَرَدت من النِّسَاء لم تحز جَمِيع التَّرِكَة إِلَّا من كَانَ لَهَا الْوَلَاء وَالله أعلم قَالَ
(وَمن لَا يسْقط بِحَال خَمْسَة الزَّوْجَانِ والأبوان وَولد الصلب)
اعْلَم أَن الْحجب نَوْعَانِ حجب نُقْصَان كحجب الْوَلَد للزَّوْج من النّصْف إِلَى الرّبع وَالزَّوْجَة من الرّبع إِلَى الثّمن وَالأُم من الثُّلُث إِلَى السُّدس وحجب حرمَان ثمَّ الْوَرَثَة قِسْمَانِ قسم لَيْسَ بَينهم وَبَين الْمَيِّت وَاسِطَة وهم الزَّوْجَانِ والأبوان وَالْأَوْلَاد فَهَؤُلَاءِ لَا يحجبهم أحد لعدم الْوَاسِطَة بَينهم وَبَين الْمَيِّت وَالله أعلم قَالَ
(وَمن لَا يَرث بِحَال سَبْعَة العَبْد وَالْمُدبر وَأم الْوَلَد وَالْمكَاتب وَالْقَاتِل وَالْمُرْتَدّ وَأهل الملتين)
اعْلَم أَن الْإِرْث يمْتَنع بِأَسْبَاب مِنْهَا الرّقّ فَلَا يَرث الرَّقِيق لِأَنَّهُ لَو ورث لَكَانَ الْمَوْرُوث لسَيِّده وَالسَّيِّد أَجْنَبِي من الْمَيِّت فَلَا يُمكن توريثه وكما لَا يَرث لَا يُورث لِأَنَّهُ ملك لَهُ كَمَا قَالَ الله

(1/328)


تَعَالَى {عَبْداً مَمْلُوكاً لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ} وَسَوَاء فِي ذَلِك الْمُدبر وَالْمكَاتب وَأم الْوَلَد لوُجُود الرّقّ وَفِي الْمبعض خلاف الصَّحِيح وَنَصّ عَلَيْهِ الشَّافِعِي وَقطع بِهِ الْجُمْهُور أَنه لَا يَرث لِأَنَّهُ لَو ورث لَكَانَ بعض المَال لمَالِك الْبَاقِي وَهُوَ أَجْنَبِي عَن الْمَيِّت وَقَالَ الْمُزنِيّ وَابْن سُرَيج يَرث بِقدر مَا فِيهِ من الْحُرِّيَّة وَهل يُورث قَولَانِ الْأَظْهر نعم وَهُوَ الْجَدِيد لِأَنَّهُ تَامّ الْملك فعلى هَذَا يُورث عَنهُ جَمِيع مَا جمعه بِنصفِهِ الْحر وَالله أعلم
وَمن الْأَسْبَاب الْمَانِعَة للإرث الْقَتْل فَلَا يَرث الْقَاتِل سَوَاء قتل بِمُبَاشَرَة أَو بِسَبَب وَسَوَاء كَانَ الْقَتْل مَضْمُونا بِالْقصاصِ أَو الدِّيَة أَو الْكَفَّارَة أَو غير مَضْمُون ألبته كوقوع عَن حد أَو قصاص سَوَاء صدر عَن مُكَلّف أَو من غَيره كَالصَّبِيِّ وَالْمَجْنُون أم لَا وَسَوَاء كَانَ الْقَاتِل مُخْتَارًا أَو مكْرها لعُمُوم قَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ((لَيْسَ للْقَاتِل مِيرَاث)) وَلقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ((لَا يَرث الْقَاتِل من الْمَقْتُول شَيْئا)) وَفِي رِوَايَة ((لَيْسَ للْقَاتِل من الْمِيرَاث شي)) ء وَأما الْمُرْتَد فَلَا يَرث وَلَا يُورث وَمَا لَهُ فَيْء وَعَن أبي بردة رَضِي الله عَنهُ قَالَ ((بَعَثَنِي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى رجل عرس بِامْرَأَة أَبِيه فَأمرنِي أَن أضْرب عُنُقه وأخمس مَاله وَكَانَ مُرْتَدا)) لِأَنَّهُ اسْتحلَّ ذَلِك وَلَا فرق فِي الْمُرْتَد بَين الْمُعْلن والزنديق وَهُوَ الَّذِي يتجمل بِالْإِسْلَامِ ويخفي الْكفْر كَذَا فسره الرَّافِعِيّ هُنَا قَالَ ابْن الرّفْعَة وَكَونه لَا يَرث وَلَا يُورث مَحَله إِذا مَاتَ على الرِّدَّة فَإِن عَاد إِلَى الْإِسْلَام تَبينا إِرْثه وَمَا قَالَه سَهْو وَقد صرح أَبُو مَنْصُور بِالْمَسْأَلَة وَحكى بِالْإِجْمَاع على عدم إِرْثه فِي هَذِه الْحَالة وَوَجهه أَنه كَانَ كَافِرًا فِي تِلْكَ الْحَالة حَقِيقَة وَهُوَ غير مقرّ على الْكفْر وَالْإِسْلَام إِنَّمَا حدث بعد ذَلِك وَفِي توريثه مصادمة للنصوص الْمَانِعَة لَهُ من التوريث وَالله أعل وَقَوله وَأهل الملتين يشْتَمل على صور مِنْهَا أَنه لَا يَرث الْمُسلم الْكَافِر وَعَكسه لاخْتِلَاف الملتين قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ((لَا يَرث الْمُسلم الْكَافِر وَلَا الْكَافِر الْمُسلم)) وَلَا فرق بَين النّسَب وَالْمُعتق وَالزَّوْج وَلَا بَين أَن يسلم قبل الْقِسْمَة أَو بعْدهَا وَهل يَرث الْيَهُودِيّ من النَّصْرَانِي وَعَكسه فِيهِ خلاف الصَّحِيح نعم وَهَذَا إِذا كَانَا ذميين أَو حربيين سَوَاء اتّفقت دارهما أَو اخْتلفت فَلَو كَانَ أَحدهمَا ذِمِّيا وَالْآخر حَرْبِيّا فَفِيهِ خلاف أَيْضا وَالْمذهب الْقطع بِعَدَمِ التَّوَارُث لانْقِطَاع الْمُوَالَاة قَالَ الرَّافِعِيّ وَالنَّوَوِيّ وَرُبمَا نقل بعض الفرضيين الاجماع على ذَلِك وَالله أعلم

(1/329)


والمعاهد والمستأمن كالذمي على الصَّحِيح الْمَنْصُوص لِأَنَّهُمَا معصومان بالعهد والأمان وَقيل هما كالحربي وَالله أعلم
(فرع) شككنا فِي موت إِنْسَان بِأَن غَابَ شخص وَانْقطع خَبره أَو جهل حَاله بعد أَن دخل فِي دَار الْحَرْب أَو انْكَسَرت سَيْفه هُوَ فِيهَا وَلم يعرف حَاله فَهَذَا لَا يُورث حَتَّى تقوم بَيِّنَة أَنه مَاتَ فَإِن لم تقم بَيِّنَة أَنه مَاتَ فَقيل لَا يقسم مَاله حَتَّى يتَحَقَّق مَوته لاخْتِلَاف النَّاس فِي الْأَعْمَار وَالصَّحِيح أَنه إِذا مَضَت مُدَّة يحكم القَاضِي فِيهَا بِأَن مثله لَا يعِيش فِيهَا قسم مَاله بَين الْوَرَثَة حَالَة الحكم ثمَّ فِي قدرَة الْمدَّة أوجه أَصَحهَا يَكْفِي مُدَّة يغلب على الظَّن أَنه لَا يعِيش أَكثر مِنْهَا وَالله أعلم قَالَ
(وَأقرب الْعصبَة الابْن ثمَّ ابْنه ثمَّ الْأَب ثمَّ أَبوهُ ثمَّ الْجد ثمَّ الْأَخ للْأَب وَالأُم ثمَّ الْأَخ للْأَب ثمَّ ابْن الْأَخ للْأَب وَالأُم ثمَّ ابْن الْأَخ للْأَب ثمَّ الْعم على هَذَا التَّرْتِيب ثمَّ إِذا عدمت الْعَصَبَات فالمولى الْمُعْتق)
الْعصبَة مُشْتَقَّة من التَّعْصِيب وَهُوَ الْمَنْع سميت بذلك لتقوى بَعضهم بِبَعْض وَمِنْهَا الْعِصَابَة لِأَنَّهَا تشد الرَّأْس وَقيل غير ذَلِك وَلِلنَّاسِ فِي تَعْرِيف الْعصبَة أَلْفَاظ مِنْهَا أَنه كل من لَيْسَ لَهُ سهم مُقَدّر من الْمجمع على توريثهم وَيَرِث كل المَال لَو انْفَرد أَو مَا فضل عَن أَصْحَاب الْفُرُوض ثمَّ أولى الْعَصَبَات الابْن لقَوْله تَعَالَى {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ} الْآيَة بَدَأَ بالأولاد لِأَن الْعَرَب تبدأ بأولادهم وَلِأَن الله تَعَالَى أسقط بِهِ تعصيب الْأَب لقَوْله تَعَالَى {وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ} وَإِذا سقط بِهِ تعصيب الْأَب فَغَيره أولى لِأَنَّهُ إِمَّا مدل بالابن أَو بِالْأَبِ ثمَّ ابْن الابْن بعد الابْن وَإِن سفل كالابن فِي سَائِر الْأَحْكَام ثمَّ الْأَب لِأَنَّهُ يعصبه وَله الْولَايَة عَلَيْهِ بِنَفسِهِ وَمن عداهُ يُدْلِي بِهِ فَقدم لقُرْبه ثمَّ الْجد أَبُو الْأَب وَإِن علا مَا لم يكن أخوة لِأَنَّهُ كَالْأَبِ أما إِذا كَانَ مَعَه أخوة فَلم يذكرهُ الشَّيْخ ثمَّ يقدم ابْن الْأَب وَهُوَ الْأَخ من الْأَبَوَيْنِ ثمَّ الْأَخ من الْأَب يقدم على ابْن الْأَخ من الْأَبَوَيْنِ ثمَّ يقدم بَنو الْأُخوة من الْأَبَوَيْنِ ثمَّ من الْأَب على الْأَعْمَام وَإِن تباعدوا لِأَن الْقَرِيب من نوع مقدم على نوع مُتَأَخّر عَنهُ وَإِن كَانَ أقرب مِنْهُ فَلهَذَا يقدم ابْن الْأَخ وَإِن تبَاعد على الْعم ثمَّ بعد بني الْأُخوة يقدم الْعم لِلْأَبَوَيْنِ ثمَّ الْأَب ثمَّ بَنو الْعم كَذَلِك ثمَّ يقدم عَم الْأَب من الْأَبَوَيْنِ ثمَّ من الْأَب ثمَّ بنوهما كَذَلِك ثمَّ يقدم عَم الْجد من الْأَبَوَيْنِ ثمَّ من الْأَب كَذَلِك إِلَى حَيْثُ يَنْتَهِي فَإِن لم يُوجد أحد من عصبات النّسَب وَالْمَيِّت عَتيق فالعصوبة لمن أعْتقهُ رجلا كَانَ أَو امْرَأَة لِأَن رجلا أَتَى بِرَجُل إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ يَا رَسُول الله إِنِّي اشْتَرَيْته وأعتقته فَمَا أَمر مِيرَاثه فَقَالَ عَلَيْهِ

(1/330)


الصَّلَاة وَالسَّلَام ((إِن ترك عصبَة فالعصوبة أَحَق وَإِلَّا فالولاية)) وَفِي حَدِيث آخر ((الْوَلَاء لمن أعتق)) فَإِن لم يكن وَارِث انْتقل مَاله إِلَى بَيت المَال بِشَرْط أَن تكون مصارفه مُسْتَقِيمَة على مَا جَاءَ بِهِ الشَّرْع الشريف فَإِن لم يستقم لكَون السُّلْطَان جائراً أَو لم تَجْتَمِع فِيهِ شُرُوط الْإِمَامَة كزماننا هَذَا فَقَالَ الشَّيْخ أَبُو حَامِد لَا يصرف على ذَوي الْفُرُوض وَلَا إِلَى ذَوي الْأَرْحَام لِأَنَّهُ مَال الْمُسلمين فَلَا يسْقط بِفَوَات الامام الْعَادِل
وَالثَّانِي يرد وَيصرف إِلَى ذَوي الْأَرْحَام لِأَن المَال مَصْرُوف إِلَيْهِم أَو إِلَى بَيت المَال بالاجماع فَإِذا تعذر أَحدهمَا تعين الآخر قَالَ الرَّافِعِيّ وَهَذَا أَي الرَّد وَالصرْف إِلَى ذَوي الْأَرْحَام أفتى بِهِ أكَابِر الْمُتَأَخِّرين قَالَ النَّوَوِيّ وَهُوَ الْأَصَح أَو الصَّحِيح عِنْد محققي أَصْحَابنَا وَمِمَّنْ صَححهُ وَأفْتى بِهِ ابْن سراقَة وَصَاحب الْحَاوِي وَالْقَاضِي حُسَيْن وَالْمُتوَلِّيّ وَآخَرُونَ وَقَالَ ابْن سراقَة وَهُوَ قَول عَامَّة مَشَايِخنَا وَعَلِيهِ الْفَتْوَى الْيَوْم فِي الْأَمْصَار وَنَقله الْمَاوَرْدِيّ عَن مَذْهَب الشَّافِعِي وَقَالَ وَغلط الشَّيْخ أَبُو حَامِد فِي مُخَالفَته وَإِنَّمَا مَذْهَب الشَّافِعِي فِي مَنعهم إِذا استقام أَمر بَيت المَال وَالله أعلم
قلت قَالَ الْمَاوَرْدِيّ وَأجْمع عَلَيْهِ الْمُحَقِّقُونَ وَمُقْتَضى كَلَام الْجَمِيع أَنه لَا يجوز الدّفع إِلَى الامام الجائر فَلَو دفع إِلَيْهِ عصى وَلَزِمَه الضَّمَان لتعديه فعلى الصَّحِيح يرد المَال على أهل الْفُرُوض على الْأَصَح غير الزَّوْجَيْنِ على قدر فروضهم بِأَن كَانَ هُنَاكَ أهل فرض فَإِن لم يكن هُنَاكَ غير الزَّوْجَيْنِ صرف إِلَى ذَوي الْأَرْحَام فِي الْأَصَح وَهل يخْتَص بِهِ الْفُقَرَاء أَو يصرف إِلَى الأحوج فالأحوج أم لَا الصَّحِيح أَنه يصرف على جَمِيعهم وَهل هُوَ على سَبِيل الْمصلحَة أم على سَبِيل الارث وَجْهَان قَالَ الرَّافِعِيّ أشبههما بِأَصْل الْمَذْهَب أَنه على سَبِيل الْمصلحَة وَقَالَ النَّوَوِيّ الصَّحِيح الَّذِي عَلَيْهِ جُمْهُور الْأَصْحَاب أَنه يصرف إِلَى جَمِيعهم على سَبِيل الْإِرْث وَالله أعلم
وذوو الْأَرْحَام كل قريب لَيْسَ بِذِي فرض وَلَا عصبَة وتفصيلهم كل جد وَجدّة ساقطين وَأَوْلَاد الْبَنَات وَبَنَات الْأُخوة وَأَوْلَاد الْأَخَوَات وَبَنُو الْإِخْوَة للْأُم وَالْعم للْأُم وَبَنَات الْأَعْمَام والعمات والأخوال والخالات فَإِذا قُلْنَا بِالرَّدِّ أَولا على ذَوي الْفُرُوض وَهُوَ الْأَصَح فمقصود الْفَتْوَى أَنه إِن لم يكن مِمَّن يرد عَلَيْهِ من ذَوي الْفُرُوض إِلَّا صنف فَإِن كَانَ شخصا وَاحِدًا دفع إِلَيْهِ الْفَرْض وَالْبَاقِي بِالرَّدِّ كالبنت لَهَا النّصْف بِالْفَرْضِ وَالْبَاقِي بِالرَّدِّ وَإِن كَانُوا جمَاعَة فالباقي بَينهم على قدر فروضهم وَإِن اجْتمع صنفان فَأكْثر رد الْفَاضِل عَلَيْهِم بِنِسْبَة سِهَامهمْ

(1/331)


وَأما تَوْرِيث ذَوي الْأَرْحَام فَمن ذهب إِلَيْهِ اخْتلفُوا فِي كيفيته فَأخذ بَعضهم بِمذهب أهل التَّنْزِيل وَمِنْهُم من أَخذ بِمذهب أهل الْقَرَابَة وسمى الْأَولونَ أهل التَّنْزِيل لتنزيلهم كل فرع منزلَة أَصله وسمى الْآخرُونَ أهل الْقَرَابَة لأَنهم يورثون الْأَقْرَب فَالْأَقْرَب كالعصبات قَالَ النَّوَوِيّ الْأَصَح والأقيس مَذْهَب أهل التَّنْزِيل وَالله أعلم وَاتفقَ المذهبان على أَن من انْفَرد من ذَوي الْأَرْحَام يجوز جَمِيع المَال ذكرا كَانَ أَو أُنْثَى وَإِنَّمَا يظْهر الِاخْتِلَاف عِنْد اجْتِمَاعهم قَالَ
بَاب الْفُرُوض الْمقدرَة وأصحابها
(والفروض الْمقدرَة فِي كتاب الله تَعَالَى سِتَّة النّصْف وَالرّبع وَالثمن وَالثُّلُثَانِ وَالثلث وَالسُّدُس)
اعْلَم أَن أَصْحَاب هَذِه الْفُرُوض أَصْنَاف مِنْهُم من لَهُ النّصْف وهم خَمْسَة الْبِنْت إِذا انْفَرَدت قَالَ الله تَعَالَى {وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ} وَكَذَا بنت الابْن لَهَا النّصْف عِنْد عدم بنت الصلب بالاجماع وَأما الْأُخْت فَإِن كَانَت من الْأَبَوَيْنِ فلهَا النّصْف إِذا انْفَرَدت لقَوْله تَعَالَى {وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ} وَكَذَا الْأُخْت من الْأَب عِنْد عدم الْأُخْت من الْأَبَوَيْنِ لظَاهِر الْآيَة وتتمة الْخَمْسَة الزَّوْج وَله النّصْف إِذا لم يكن للْمَيت ولد وَلَا ولد ابْن لقَوْله تَعَالَى {وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ} فَثَبت النّصْف فِي ولد الصلب
وَأما ولد الابْن فَإِن وَقع اسْم الْوَلَد عَلَيْهِ فقد تنَاوله النّصْف وَيدل لتنَاوله قَوْله تَعَالَى {يَا بَنِي آدَمَ} وَقَوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ((أَنا ابْن عبد الْمطلب)) وَإِن لم يتَنَاوَلهُ فولد الابْن بِمَنْزِلَة الابْن للاجماع على ذَلِك فِي الارث والتعصيب وَالله أعلم قَالَ
(وَالرّبع فرض اثْنَيْنِ الزَّوْج مَعَ الْوَلَد وَولد الابْن وَالزَّوْجَة والزوجات مَعَ عدم الْحجب)
حجَّة ذَلِك قَوْله تَعَالَى {فَإِنْ كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ}

(1/332)


وَاعْلَم أَن الْأَفْصَح أَن الْمَرْأَة زوج بِلَا هَاء كَالرّجلِ وبالهاء لُغَة قَليلَة واستعمالها فِي الْفَرَائِض حسن ليحصل الْفرق وَعدم الالتباس ثمَّ الزَّوْجَة والزوجتان والأربع فِي ذَلِك سَوَاء لأَنا لَو جعلنَا لكل وَاحِدَة الرّبع لاستغرقن المَال ولزاد نصيبهن على نصيب الزَّوْج قَالَ الرَّافِعِيّ وَهَذَا تَوْجِيه اقناعي وَكفى بِالْإِجْمَاع حجَّة وَالله أعلم قَالَ
(وَالثمن فرض الزَّوْجَة والزوجات مَعَ الْوَلَد أَو ولد الابْن)
حجَّة ذَلِك قَوْله تَعَالَى {فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ} والاجماع مُنْعَقد على ذَلِك وَالله أعلم قَالَ
(وَالثُّلُثَانِ فرض أَرْبَعَة البنتين وبنتي الابْن)
للبنتين فَأكْثر الثُّلُثَانِ لقَوْله تَعَالَى {فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ} وَالْآيَة ظَاهِرَة الدّلَالَة فِيمَا زَاد على اثْنَتَيْنِ وَالِاسْتِدْلَال مِنْهَا أَن الْآيَة وَردت على سَبَب خَاص ((وَهُوَ أَن امْرَأَة من الْأَنْصَار أَتَت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَمَعَهَا ابنتان فَقَالَت يَا رَسُول الله هَاتَانِ ابنتا سعد بن الرّبيع قتل أَبوهُمَا مَعَك يَوْم أحد وَأخذ عَمهمَا مَاله وَلَا ينكحان وَلَا مَال لَهما فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يقْضِي الله فِي ذَلِك فَنزلت هَذِه الْآيَة فَدَعَا النَّبِي الْمَرْأَة وصاحبها فَقَالَ ((أعْط البنتين الثُّلثَيْنِ وَالْمَرْأَة الثّمن وَخذ الْبَاقِي)) وَاحْتج بَعضهم أَن كلمة فَوق زَائِدَة كَقَوْلِه تَعَالَى {فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ} وَقيل الْمَعْنى اثْنَتَيْنِ فَمَا فَوق وَاحْتج لَهُ أَيْضا بِأَن الْأَخَوَات أَضْعَف من الْبَنَات وَقد جعل الله تَعَالَى للأختين الثُّلثَيْنِ فالبنات أولى وَالله أعلم قَالَ (والأختين من الْأَب وَالأُم والأختين من الْأَب)
للأختين فَصَاعِدا من الْأَبَوَيْنِ أَو من الْأَب الثُّلُثَانِ لقَوْله تَعَالَى {فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ} وَقَالَ جَابر رَضِي الله عَنهُ اشتكيت وَعِنْدِي سبع أَخَوَات فَدخل عَليّ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم

(1/333)


فَقلت مَا أصنع بِمَالي وَلَيْسَ من يَرِثنِي إِلَّا كَلَالَة فَخرج رَسُول الله ثمَّ رَجَعَ فَقَالَ قد أنزل الله فِي أخواتك وَبَين وَجعل لَهُنَّ الثُّلثَيْنِ فَقَالَ جَابر رَضِي الله عَنهُ فِي نزلت آيَة الْكَلَالَة فَدلَّ على أَن المُرَاد بِالْآيَةِ الاثنتان فَمَا فَوْقهمَا قَالَ
(وَالثلث فرض اثْنَتَيْنِ فرض الْأُم إِذا لم تحجب)
للْأُم الثُّلُث إِذا لم يكن للْمَيت ولد وَلَا ولد ابْن وَلَا اثْنَان من الْأُخوة وَالْأَخَوَات سَوَاء كَانُوا من الْأَبَوَيْنِ أَو من الْأَب أَو من الْأُم حجَّة ذَلِك قَوْله تَعَالَى {فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ} وَقد مر أَن ولد الابْن كالابن وَإِنَّمَا اكتفينا بالأخوين مَعَ أَن الْآيَة وَردت بِصِيغَة الْجمع فِي قَوْله تَعَالَى {فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ} لِأَن الْجمع قد يعبر بِهِ عَن اثْنَيْنِ وَقَالَ ابْن عَبَّاس لعُثْمَان رَضِي الله عَنْهُم كَيفَ تردها إِلَيّ السُّدس بأخوين فَقَالَ عُثْمَان رَضِي الله عَنهُ لَا أَسْتَطِيع رد شَيْء كَانَ قبلي وَمضى فِي الْبلدَانِ وتوارث النَّاس بِهِ فَأَشَارَ إِلَى إجتماعهم عَلَيْهِ قبل أَن أظهر ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا الْخلاف
وَاعْلَم أَن أَوْلَاد الْأُخوة لَا يقومُونَ مقَام الْأُخوة فِي رد الْأُم من الثُّلُث إِلَى السُّدس لأَنهم لَا يسمون أخوة فَلم يندرجوا فِي الْآيَة الْكَرِيمَة
وَاعْلَم أَن للْأُم ثلث مَا بَقِي بعد فرض الزَّوْج أَو الزَّوْجَة فِي صُورَتَيْنِ إِحْدَاهمَا زوج وأبوان فَللزَّوْج النّصْف وَللْأُمّ ثلث الْبَاقِي وَهُوَ السُّدس وَالْبَاقِي للْأَب وَهُوَ الثُّلُث وَالثَّانيَِة زَوْجَة وأبوان فللزوجة الرّبع وَللْأُمّ ثلث الْبَاقِي وَهُوَ الرّبع وَالْبَاقِي للْأَب لِأَنَّهُ يُشَارك الْأَبَوَيْنِ صَاحب فرض فَكَانَ للْأُم ثلث مَا فضل عَن الْفَرْض كَمَا لَو شاركها بنت وَهَذَا هُوَ الْمَذْهَب وَذهب ابْن سُرَيج إِلَى أَن لَهَا الثُّلُث كَامِلا فِي الصُّورَتَيْنِ الظَّاهِر الْآيَة وَقيل غير ذَلِك وَالله أعلم قَالَ
(وللاثنين فَصَاعِدا من الْأُخوة وَالْأَخَوَات من ولد الْأُم ذكورهم وإناثهم فِيهِ سَوَاء)
لقَوْله تَعَالَى {فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ} وَهَذِه الْآيَة نزلت فِي ولد الْأُم بِدَلِيل قِرَاءَة سعد وَابْن مَسْعُود وَله أَخ أَو أُخْت من أم وَالْقِرَاءَة الشاذة كالخبر عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَيجب الْعَمَل بهَا وَالله اعْلَم قلت وَفِي الِاسْتِدْلَال بذلك نظر لِأَن الشادة لَا تكون قُرْآنًا لعدم

(1/334)


التَّوَاتُر وَلَا خَبرا لِأَنَّهُ لم يقْصد بهَا الْخَبَر وَقد صرح بِهَذَا النَّوَوِيّ فِي شرح مُسلم فاعرفه وَالله أعلم قَالَ
(وَالسُّدُس فرض سَبْعَة الْأُم مَعَ الْوَلَد أَو ولد الابْن أَو الِاثْنَيْنِ فَصَاعِدا من الْأُخوة وَالْأَخَوَات)
حجَّة ذَلِك قَوْله تَعَالَى {وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ} وَقَوله {فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ} وَقد تقدم أَن ولد الابْن كَالْوَلَدِ وَتقدم الْجَواب عَن لفظ الْجمع فِي الْأُخوة وَالله أعلم قَالَ
(وَهُوَ للجدة عِنْد عدم الْأُم)
الْجدّة إِن كَانَت أم الْأُم وَإِن علت أَو أم الْأَب وَإِن علت فلهَا السُّدس لما رُوِيَ قبيصَة بن ذُؤَيْب قَالَ جَاءَت الْجدّة إِلَى أبي بكر رَضِي الله عَنهُ تسأله عَن مِيرَاثهَا فَقَالَ ((مَالك فِي كتاب الله شَيْء وَمَا علمت لَك فِي سنة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم شَيْئا فارجعي حَتَّى أسأَل النَّاس)) فَسَأَلَ فَقَالَ الْمُغيرَة بن شُعْبَة شهِدت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَعْطَاهَا السُّدس فَقَالَ هَل مَعَك غَيْرك فَقَامَ مُحَمَّد بن مُسلم فَقَالَ مثله فأنفذ لَهَا السُّدس ثمَّ جَاءَت الْجدّة الْأُخْرَى إِلَى عمر رَضِي الله عَنهُ تسأله فَقَالَ مَالك فِي كتاب الله شَيْء وَمَا كَانَ الْقَضَاء الَّذِي قضى بِهِ إِلَّا لغيرك وَمَا أَنا بزائد فِي الْفَرَائِض شَيْئا وَلَكِن هُوَ ذَلِك السُّدس فَإِن اجتمعتما فَهُوَ بَيْنكُمَا وأيتكما خلت بِهِ فَهُوَ لَهَا وَعَن زيد رَضِي الله عَنهُ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جعل للجدة السُّدس إِذا لم يكن دونهَا أم فَإِن اجْتمع جدتان متحاذيتان فالسدس بَينهمَا للأثر وَإِن كَانَت احداهما أقرب من الْأُخْرَى فَإِن كَانَت الْقُرْبَى من جِهَة الْأُم كَأُمّ الْأُم أسقطت البعدى من الْجِهَتَيْنِ أم الْأُم وَأم أَب الْأَب لِأَن أمهَا تدلي بهَا وَالْأُخْرَى إِنَّمَا أسقطتها وَهِي أم أَب الْأَب لِأَنَّهَا أبعد والقربى تسْقط البعدى وَإِن كَانَت الْقُرْبَى من جِهَة الْأَب كَأُمّ الْأَب وَأم أَب الْأُم فَهَل تسقطها فِيهِ قَولَانِ الصَّحِيح أَنَّهَا لَا تسقطها بل يَشْتَرِكَانِ فِي السُّدس بِخِلَاف الْعَكْس لِأَن الْأَب لَا يحجب الْجدّة من قبل الْأُم فَلِأَن لَا تحجبها الْجدّة الَّتِي تدلي بِهِ أولى بِخِلَاف عَكسه فَإِن الْأُم تحجب الْجدّة من قبل الْأَب فحجبتها بهَا وَالله أعلم
(فرع) أم أم وَأم أَب وَمَعَهَا أَب فَأم الْأَب سَاقِطَة وَأم الْأُم لَهَا السُّدس كَامِلا على الصَّحِيح وَالله أعلم قَالَ

(1/335)


(ولبنت الابْن مَعَ بنت الصلب)
حجَّة ذَلِك أَن أَبَا مُوسَى سُئِلَ عَن بنت وَبنت ابْن وَأُخْت فَقَالَ للْبِنْت النّصْف وَللْأُخْت النّصْف وأتى ابْن مَسْعُود فَاسْأَلْهُ يَعْنِي فَسئلَ ابْن مَسْعُود فَأخْبر بِمَا قَالَ أَبُو مُوسَى وَقَالَ قد ضللت إِذا وَمَا أَنا من المهتدين لأقضين فِيهَا بِمَا قضى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ((للْبِنْت النّصْف ولبنت الابْن السُّدس وَمَا بَقِي فللأخت)) فأتينا أَبَا مُوسَى فَأخْبرنَا بقول ابْن مَسْعُود فَقَالَ لَا تَسْأَلُونِي مَا دَامَ هَذَا الحبر فِيكُم وَلَو كَانَت بَنَات الابْن أَكثر من وَاحِدَة فالسدس بَينهُنَّ بِالسَّوِيَّةِ وَلَو استكملت بَنَات الصلب الثُّلثَيْنِ فَلَا شَيْء لبنات الابْن وَالله أعلم قَالَ
(وَللْأُخْت من الْأَب مَعَ الْأُخْت من الْأَب وَالأُم)
لِأَن الْأَخَوَات يتساوين فِي الدرجَة وتفضل الشَّقِيقَة بِالْقَرَابَةِ فَتكون الْأُخْت من الْأَب مَعَ الْأُخْت من الْأَبَوَيْنِ كَبِنْت الابْن مَعَ بنت الصلب وتستوي الْأُخْت الْوَاحِدَة وَالْأَخَوَات فِي السُّدس كبنات الابْن فِي السُّدس وَالله أعلم قَالَ
(وَهُوَ فرض الْأَب مَعَ الْوَلَد أَو ولد الابْن)
للْأَب السُّدس مَعَ الابْن وَابْن الابْن لقَوْله تَعَالَى {وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ} وَالْمرَاد بِالْوَلَدِ هُنَا الابْن وألحقنا بِهِ ابْنه كَمَا تقدم وَالله أعلم قَالَ
(وَهُوَ فرض الْجد مَعَ عدم الْأَب)
الْجد كَالْأَبِ لَهُ السُّدس مَعَ الابْن وَابْن الابْن بالاجماع وَالله أعلم قَالَ
(وللواحد من ولد الْأُم)
ولد الْأُم هُوَ الْأَخ من الْأُم فللواحد من الْأُخوة من الْأُم السُّدس ذكرا كَانَ أَو أُنْثَى لقَوْله تَعَالَى {وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْت فَلِكُل وَاحِد مِنْهُمَا السُّدس} وَهَذَا الْآيَة نزلت فِي ولد الْأُم بِدَلِيل قِرَاءَة سعد بن أبي وَقاص وَابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنْهُمَا وَله أَخ أَو أُخْت من أم وَالْقِرَاءَة الشاذة كالخبر كَمَا مر وَالله أعلم قَالَ

(1/336)


(وَتسقط الْجدَّات بِالْأُمِّ)
أعلم أَن الْأُم تحجب كل جدة سَوَاء كَانَت من جِهَتهَا كأمها وَإِن علت أَو من جِهَة الْأَب كَمَا يحجب الْأَب كل من يَرث بالأبوة وَوجه عدم إرثهن مَعَ وجودهَا أَنَّهُنَّ إِنَّمَا يَأْخُذن مَا تَأْخُذهُ فَلَا يرثن مَعَ وجودهَا كالجد مَعَ الْأَب وَالله أعلم قَالَ
(وَيسْقط ولد الْأُم بأَرْبعَة بِالْوَلَدِ وَولد الابْن وَالْأَب وَالْجد)
لَا يَرث الْأَخ للْأُم مَعَ أَرْبَعَة الْوَلَد ذكرا كَانَ أَو أُنْثَى وَكَذَا ولد الابْن وَالْأَب وَالْجد لِأَن الله تَعَالَى جعل ارثه فِي الْكَلَالَة والكلالة اسْم للْوَرَثَة مِمَّا عدا الْوَالِدين والمولودين وَقيل اسْم للمورث الَّذِي لَا ولد لَهُ وَلَا وَالِد وَقيل الْكَلَالَة اسْم لكليهما وَالله أعلم قَالَ
(وَيسْقط ولد الْأَب بأَرْبعَة بِالْأَبِ وَالِابْن وَابْن الابْن وبالأخ للْأَب وَالأُم)
وَالْأَخ للْأَب يسْقط بِهَذِهِ الْأَرْبَعَة لقَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ألْحقُوا الْفَرَائِض بِأَهْلِهَا فَمَا أبقت الْفَرَائِض فَلأولى عصبَة ذكر وَقد فسر الأولى بالأقرب وَلَا شكّ فِي قرب الْأَب وَالِابْن وَابْنه على الْأَخ وَأما تَقْدِيم الْأَخ من الْأَبَوَيْنِ فلقربه أَيْضا بِزِيَادَة الأمومة وَقد قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام أَعْيَان بني آدم يتوارثون دون بني العلات وَبَنُو الْأَعْيَان هم الأشقاء لأَنهم من عين وَاحِدَة وَبني العلات هم الْأُخوة من الْأَب لِأَن أم كل وَاحِد لم تعل الْأُخْرَى بلبنها وَبَنُو الأخياف هم الْإِخْوَة للْأُم والأخياف الأخلاط لأَنهم من اخْتِلَاط الرِّجَال وَالله أعلم قَالَ
(وَيسْقط ولد الْأَب وَالأُم بِثَلَاثَة بالابن وَابْن الابْن وَالْأَب)
لأَنهم أقرب فَدَخَلُوا فِي عُمُوم أولى عصبَة ذكر وَالله أعلم قَالَ
(وَأَرْبَعَة يعصبون أخواتهم الابْن وَابْن الابْن وَالْأَخ من الْأَب وَالأُم وَالْأَخ من الْأَب)
لَا يعصب أَخُو الْأُخْت إِلَّا هَذِه الْأَرْبَعَة فَإِنَّهُم يعصبون أخواتهم للذّكر مثل حَظّ الانثيين أما

(1/337)


تعصيب الابْن لأخته فَلقَوْله تَعَالَى {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ} الْآيَة وَأما ابْن الابْن فَإِن أطلق عَلَيْهِ ابْن فَلَا كَلَام وَإِلَّا ثَبت بِالْقِيَاسِ على الابْن وَأما الْأَخ فَلقَوْله تَعَالَى {وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالاً وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} وَأما امْتنَاع ذَلِك فِي غَيرهم فَلِأَن أُخْته لَا أرث لَهَا لكَونهَا من ذَوي الْأَرْحَام
وَاعْلَم أَن ابْن الابْن يعصب من يحاذيه من بَنَات عَمه لِأَنَّهَا فِي دَرَجَته فأشبهن أخواته وَكَذَا يعصب ابْن الابْن من فَوْقه من عماته وَبَنَات عماته وَبَنَات عَم أَبِيه إِذا لم يكن لَهُنَّ فرض صُورَة تعصيب عماته أَن يَمُوت شخص ويخلف بنتين وَبَنَات ابْن يُسَمِّي أبوهن زيدا أَو ابْن ابْن ابْن يُسمى أَبوهُ عمرا وَإِنَّمَا عصبهن لِأَنَّهُ لَا يُمكن اسقاطه لِأَنَّهُ عصبَة ذكر وَإِذا لم يسْقط فَلَا يُمكن اسقاطه لعماته وَبَنَات عَم أَبِيه لِأَنَّهُ لَا يسْقط من فِي دَرَجَته وَهن بَنَات عَمه فَمن فَوْقه أولى فَتعين مشاركته لَهُنَّ بالفريضة أما إِذا كَانَ لَهُنَّ فرض كَمَا إِذا كَانَ للْمَيت بنت وَاحِدَة وَبنت ابْن فَإِن ابْن أَخِيهَا أَو ابْن ابْن عَمها لَا يعصبها لِأَنَّهَا ذَات فرض وَمن ورث بِالْفَرْضِ بِقرَابَة لَا يَرث بهَا بِالتَّعْصِيبِ فينفرد ابْن الابْن بِالْبَاقِي كَذَا أطلقها الْأَصْحَاب قَالَ ابْن الرّفْعَة وَيظْهر نقضه بالجد فَإِنَّهُ يَرث بِالْفَرْضِ والتعصيب فِيمَا إِذا كَانَ للْمَيت بنت وجد فَيَأْخُذ السُّدس بِالْفَرْضِ وللبنت النّصْف وَالْبَاقِي للْجدّ بِالتَّعْصِيبِ وَحكم أَوْلَاد ابْن ابْن ابْن الابْن مَعَ بَنَات ابْن ابْن الابْن كَمَا ذكرنَا وَاعْلَم أَنه لَيْسَ فِي الْفَرَائِض من يعصب أُخْته وَعَمَّته وعمة أَبِيه وجده وَبَنَات أَعْمَامه وَبَنَات أعمام أَبِيه إِلَى بَنَات أعمام جده إِلَى عمَّة جده وجده إِلَّا المستقل من أَوْلَاد الابْن إِلَى النَّازِل وَالله أعلم قَالَ
(وَأَرْبَعَة يَرِثُونَ دون أخواتهم وهم الْأَعْمَام وَبَنُو الْأَعْمَام وَبَنُو الْأُخوة وعصبات الْمُعْتق)
أما إِرْث الْأَعْمَام من الْأَبَوَيْنِ أَو من الْأَب وَكَذَا بَنو الْأَعْمَام وَكَذَا بَنو الْأُخوة فلأنهم عصبَة وَأما أخواتهن فلأنهن من ذَوي الْأَرْحَام وَأما عصبات الْمُعْتق فإرثهم بقوله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ((الْوَلَاء لحْمَة كلحمة النّسَب لَا يُبَاع وَلَا يُوهب)) وَفِي رِوَايَة ((وَلَا يُورث)) وَلَام اللحمة تضم وتفتح وَالنّسب الْعَصَبَات دون غَيرهم وَلَو انْتقل إِلَى غَيرهم لَكَانَ موروثا فَلهَذَا لَا تَرث النِّسَاء فَإِذا ثَبت لشخص الْوَلَاء فَمَاتَ انْتقل ذَلِك إِلَى عصابته

(1/338)


وَضَابِط من يَرث بولاء الْمُعْتق هُوَ كل ذكر يكون عصبَة للْمُعْتق فَإِذا مَاتَ الْعَتِيق بعد موت الْمُعْتق وللمعتق ابْن وَبنت أَو أَب وَأم أَو أَخ وَأُخْت ورث الذّكر فَقَط دون الْإِنَاث وَالله أعلم
(فرع فِي مِيرَاث الْجد مَعَ الْأُخوة) فَإِذا اجْتمع مَعَ الْجد من قبل الْأَب أخوة وأخوات من الْأَبَوَيْنِ أَو من الْأَب لِأَن الْأُخوة من الْأُم يسقطون بِهِ فَتَارَة يكون مَعَهم ذُو فرض وَتارَة لَا يكون فَإِن لم يكن مَعَه صَاحب فرض فَلهُ الأحظ من الْمُقَاسَمَة وَثلث جَمِيع المَال ثمَّ إِن قَاسم كَانَ كأخ وَإِن أَخذ الثُّلُث فالباقي بَين الْأُخوة وَالْأَخَوَات للذّكر مثل حَظّ الْأُنْثَيَيْنِ وَقد تستوي لَهُ الْمُقَاسَمَة وَثلث جَمِيع المَال وَقد يكون الثُّلُث خيرا لَهُ وَالضَّابِط فِي ذَلِك أَنه إِن كَانَ مَعَه أقل من مثلَيْهِ فالمقاسمة خير لَهُ وَإِن كَانَ مَعَه مثلاه اسْتَوَت الْمُقَاسَمَة وَثلث المَال وَإِن كَانَ أَكثر من مثلَيْهِ فَالثُّلُث خير لَهُ فهم ثَلَاثَة أَحْوَال
الْحَالة الأولى إِذا كَانَ مَعَه أُخْت أَو أختَان أَو ثَلَاث أَخَوَات أَو أَخ أَو أَخ وَأُخْت فَهِيَ خمس صور
الْحَالة الثَّانِيَة بِأَن يكون أَخَوان أَو أَخ وأختان أَو أَربع أَخَوَات فَهِيَ ثَلَاث صور
الْحَالة الثَّالِثَة بِأَن يكون مَعَ أَزِيد من مثلَيْهِ كثلاث أَخَوَات وَنَحْوه فَهُنَا يَأْخُذ الثُّلُث لِأَنَّهُ الأحظ لِأَن بالمقاسمة ينقص عَنهُ هَذَا إِذا لم يكن مَعَه صَاحب فرض كَمَا ذكرنَا فَإِن كَانَ مَعَه صَاحب فرض وهم سِتَّة يَرِثُونَ مَعَ الْجد والأخوة الْبِنْت وَبنت الابْن وَالأُم وَالْجدّة وَالزَّوْج وَالزَّوْجَة فَينْظر إِن لم يبْق بعد الْفُرُوض شَيْء فرض لَهُ السُّدس كَمَا إِذا كَانَ فِي الْمَسْأَلَة بنتان وَأم وَزوج فيفرض للْجدّ السُّدس وَيُزَاد فِي الْعَوْل وَإِن بَقِي السُّدس فَقَط فيفرض لَهُ السُّدس كبنتين وَأم وَإِن بَقِي دون السُّدس كبنتين وَزوج فيفرض لَهُ السُّدس وتعال الْمَسْأَلَة على هَذِه التقديرات الثَّلَاثَة تسْقط الْأَخَوَات والأخوة وَإِن كَانَ الْبَاقِي أَكثر من السُّدس فللجد خير أُمُور ثَلَاثَة أما مقاسمة الْأُخوة وَالْأَخَوَات أَو ثلث مَا بَقِي أَو سدس جَمِيع المَال وَقد علمت أَن الْجد كَأحد الْأُخوة فَإِذا كَانَ مَعَه إخْوَة أَو أَخَوَات لِأَبَوَيْنِ أَو لأَب عَادل الْأُخوة لِلْأَبَوَيْنِ والأخوة للْأَب فِي الْقِسْمَة فَإِذا أَخذ الْجد حِصَّته فَإِن كَانَ الْبَاقِي من الْإِخْوَة لِلْأَبَوَيْنِ ذُكُورا فالباقي لَهُم أَو تمحضوا ذُكُورا وَتسقط الْأُخوة للْأَب وَإِن لم يكن فِي الْأُخوة من الْأَبَوَيْنِ عصبَة بل تمحضوا إِنَاثًا فَإِن كن اثْنَتَيْنِ فَصَاعِدا أخذن الثُّلثَيْنِ فَلَا يبْقى شَيْء فَتسقط الْأُخوة للْأَب وَإِن كَانَت أُخْتا وَاحِدَة أخذت النّصْف فَإِن بَقِي شَيْء فللأخوة للْأَب ذُكُورا كَانُوا أَو إِنَاثًا للذّكر مثل حَظّ الْأُنْثَيَيْنِ
وَاعْلَم أَن الْأُخْت من الْأَبَوَيْنِ أَو من الْأَب فَللزَّوْج النّصْف وَللْأُمّ الثُّلُث وللجد السُّدس ويفرض للْأُخْت النّصْف أَصْلهَا من سِتَّة وتعول إِلَى تِسْعَة ثمَّ يضم نصيب الْأُخْت إِلَى نصيب الْجد وَيجْعَل بَينهمَا أَثلَاثًا لَهُ الثُّلُثَانِ وَلها الثُّلُث لِأَنَّهَا لَا يُمكن أَن تفوز بِالنِّصْفِ لِئَلَّا تفضل عَلَيْهِ فَيضْرب

(1/339)


مخرج الثُّلُث فِي الْمَسْأَلَة بعولها وَهِي تِسْعَة تبلغ سَبْعَة وَعشْرين للزَّوْج تِسْعَة وَللْأُمّ سِتَّة وَللْأُخْت أَرْبَعَة وللجد ثَمَانِيَة وَسميت الأكدرية لأمور مِنْهَا أَنَّهَا كدرت على زيد مذْهبه لِأَنَّهُ لَا يعيل مسَائِل الْجد وَلَا يفْرض للْأُخْت مَعَه وَلَو كَانَ بدل الْأُخْت أَخ سقط أَو ختان لم تعل الْمَسْأَلَة وَكَانَ للزَّوْج النّصْف وَللْأُمّ السُّدس وَالْبَاقِي للْجدّ والأختين للذّكر مثل حَظّ الْأُنْثَيَيْنِ لِأَنَّهُ لم تنقصه الْمُقَاسَمَة عَن السُّدس وَالله أعلم قَالَ
بَاب الْوَصِيَّة فصل فِي الْوَصِيَّة وَتجوز الْوَصِيَّة بالمعلوم والمجهول وَالْمَوْجُود والمعدوم
الْوَصِيَّة مَأْخُوذَة من وصيت الشَّيْء أوصيه إِذا وصلته فالموصى وصل مَا كَانَ لَهُ فِي حَيَاته بِمَا بعد مَوته وَهِي فِي الشَّرْع تَفْوِيض تصرف خَاص بعد الْمَوْت وَكَانَت فِي إبتداء الاسلام وَاجِبَة بِجَمِيعِ المَال للأقربين لقَوْله تَعَالَى {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ} ثمَّ نسخت بِآيَة الْمَوَارِيث وَبَقِي استحبابها فِي الثُّلُث فَمَا دونه فِي حق غير الْوَارِث قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا حق امْرِئ مُسلم لَهُ شَيْء يُوصي فِيهِ يبيت لَيْلَتَيْنِ إِلَّا ووصيته مَكْتُوبَة عِنْد رَأسه وَفِي لفظ يبيت ثَلَاث لَيَال وَأجْمع الْمُسلمُونَ على استحبابها نعم الصَّدَقَة فِي حَال الْحَيَاة أفضل للأحاديث الْمَشْهُورَة إِذا عرفت هَذَا فَاعْلَم أَن الْوَصِيَّة لَهَا أَرْكَان
أَحدهَا الْمُوصى بِهِ وَيشْتَرط فِيهِ كَونه غير مَعْصِيّة فَلَو أوصى بِبِنَاء كَنِيسَة للتعبد أَو كتب التَّوْرَاة وَألْحق الْمَاوَرْدِيّ بذلك كتب النُّجُوم والفلسفة وَألْحق القَاضِي حُسَيْن بذلك كِتَابَة الْغَزل فَإِنَّهَا مُحرمَة وَوجه عدم الصِّحَّة أَن الْوَصِيَّة شرعت اجتلاباً للحسنات واستدراكاً لما فَاتَ وَذَلِكَ يُنَافِي الْمَقْصُود وَلَو أوصى بِمَال ليسرج بِهِ فِي الْكَنَائِس إِن قصد تعظيمها لم يجز وَإِن قصد الضَّوْء على مَا يأوي إِلَيْهَا صَحَّ كَذَا قَالَه جمَاعَة وَقد ذكرنَا فِي نَظِيره فِي الْوَقْف أَنه لَا يجوز قَالَ ابْن الرّفْعَة وَلَا يبعد مَجِيئه هُنَا
وَاعْلَم أَن الْمَمْنُوع مِنْهُ فِي الْوَصِيَّة يمْتَنع على الْحَيّ أَيْضا صرف المَال إِلَيْهِ وكل مَا يحرم

(1/340)


الِانْتِفَاع بِهِ فَلَا تصح الْوَصِيَّة بِهِ لِأَن مَنَافِعه مَعْدُومَة شرعا وَلَا يشْتَرط فِي الْمُوصى بِهِ أَن يكون طَاهِرا نعم الشَّرْط كَونه يجوز الِانْتِفَاع بِهِ كالزبل وَالْكَلب الَّذِي يجوز اقتناؤه وَالزَّيْت النَّجس لِأَن هَذِه الْأُمُور اختصاصات تنْتَقل إِلَى الْوَرَثَة فَيجوز نقلهَا إِلَى الْمُوصى لَهُ بِخِلَاف الْكَلْب الْعَقُور وَالْخمر وَالْخِنْزِير لِأَنَّهُ يحرم الِانْتِفَاع بهَا وَلَا تقر فِي الْيَد وَلَا يشْتَرط كَون الْمُوصى بِهِ عينا بل تجوز الْوَصِيَّة بالمنافع فَتَصِح الْوَصِيَّة بِمَنْفَعَة هَذَا العَبْد وَنَحْوه دَار وَلآخر برقبتها وكما تجوز الْوَصِيَّة بالمنافع كَذَلِك تجوز بِالْمَجْهُولِ كَمَا ذكره الشَّيْخ كَالْوَصِيَّةِ بِشَاة من شياهه واحدى دوابه وَكَذَا بالأعيان الغائبة وَبِمَا لَا يقدر على تَسْلِيمه كالطير فِي الْهَوَاء وَالْعَبْد الْآبِق وكما تجوز الْوَصِيَّة بِالْمَجْهُولِ تجوز أَيْضا بالمعدوم كَالْوَصِيَّةِ بِمَا تحمله هَذِه النَّاقة وَنَحْوهَا أَو بِمَا تحمله هَذِه الْأَشْجَار وَنَحْو ذَلِك وَوجه ذَلِك بِأَن الْمَعْدُوم يجوز أَن يملك بالمساقاة والاجارة مَعَ أَنَّهُمَا عقدا مُعَارضَة فبالوصية أولى لِأَن بَاب الْوَصِيَّة أوسع من غَيره وَقيل لَا تصح مُطلقًا وَقيل تصح بالثمرة دون الْوَلَد وَفرق بَينهمَا بِأَن الثَّمَرَة تحدث بِلَا صنع بِخِلَاف الْوَلَد وَإِذا صحت الْوَصِيَّة بِالْحملِ الَّذِي سيحدث فَتَصِح بِالْحملِ الْمَوْجُود أولى وَشرط اسْتِحْقَاقه تحقق وجوده حَال الْوَصِيَّة
(فرع) أوصى لَهُ بِحمْل جَارِيَة فَأَلْقَت جَنِينهَا بِجِنَايَة جَان فالأرش للْمُوصى لَهُ بِخِلَاف الْبَهِيمَة فَإِنَّهُ لَا شَيْء للْمُوصى لَهُ وَالْفرق أَن أرش الْجَنِين بدله أَي بدل الْحمل وَمَا وَجب فِي جَنِين الْبَهِيمَة بدل مَا نقص من قيمَة الْأُم وَالله أعلم
(فرع) قَالَ أوصيت لَك بِهَذِهِ الدَّابَّة وَهِي ملك غَيره أَو قَالَ أوصيت لَك بِهَذَا العَبْد أَن ملكته فَهَل تصح الْوَصِيَّة فِيهِ وَجْهَان قطع الْغَزالِيّ بِعَدَمِ الصِّحَّة لِأَن هَذِه الْعين يملك مَالِكهَا الْوَصِيَّة بهَا فَلَو صححنا الْوَصِيَّة لَأَدَّى إِلَى أَن الشَّيْء الْوَاحِد يكون محلا لتصرف اثْنَيْنِ وَهُوَ مُمْتَنع
وَالثَّانِي أَنه يَصح لِأَنَّهُ إِذا صحت الْوَصِيَّة بالمعدوم فَبِهَذَا أولى قَالَه النَّوَوِيّ فِي الرَّوْضَة وَهَذَا أفقه وأجرى على قَوَاعِد الْبَاب
قلت وَهُوَ الَّذِي جرى عَلَيْهِ الشَّيْخ فِي التَّنْبِيه وَأقرهُ النَّوَوِيّ فِي التَّصْحِيح وَالله أعلم قَالَ
(وَهِي من الثُّلُث فَإِن زَاد وقف على إجَازَة الْوَرَثَة وَلَا تجوز الْوَصِيَّة للْوَارِث إِلَّا أَن يجيزها بَاقِي الْوَرَثَة)
تجوز الْوَصِيَّة بِثلث المَال بعد الدّين (لِأَن الْبَراء بن معْرور رَضِي الله عَنهُ أوصى للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِثلث مَاله فَقبله النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ورده على ورثته) وَسَوَاء كَانَ الْمُوصي عَالما بِقدر مَاله أَو جَاهِلا فَإِن زَاد

(1/341)


على الثُّلُث كَمَا إِذا أوصى بِنصْف مَاله فَهَل تصح الْوَصِيَّة وَجْهَان قيل لَا تصح لِأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام نهي سَعْدا عَن الزَّائِد وَالنَّهْي يَقْتَضِي الْفساد وَالصَّحِيح الصِّحَّة وَيُوقف على إجَازَة الْوَرَثَة فَإِن أَجَازُوا صحت فِي الزَّائِد وَإِلَّا بطلت فِيهِ وَوجه الصِّحَّة أَنَّهَا وَصِيَّة صادفت ملكه وَإِنَّمَا تعلق بهَا حق الْغَيْر فَأشبه بيع الشّقص الْمَشْفُوع ثمَّ الرَّد وَالْإِجَازَة لَا يكونَانِ إِلَّا بعد الْمَوْت إِذْ لَا حق للْوَارِث قبله فَأشبه عَفْو الشَّفِيع قبل البيع وَلَو لم يكن لَهُ وَارِث بطلت الْوَصِيَّة فِيمَا زَاد على الثُّلُث (لِأَن الْأنْصَارِيّ أعتق سِتَّة أعبد فجزأهم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثَلَاثَة أَجزَاء فَأعتق اثْنَيْنِ وأرق أَرْبعا) قَالَ الْأَصْحَاب لم يكن لَهُ وَارِث إِذْ لَو كَانَ لَهُ وَارِث لوقفه على إجازتهم وَهل تسْتَحب الْوَصِيَّة بِالثُّلثِ نظر إِن كَانَ ورثته أَغْنِيَاء إِمَّا بمالهم أَو بِمَا يحصل من ثُلثي التَّرِكَة اسْتحبَّ أَن يَسْتَوْفِي الثُّلُث وان كَانُوا فُقَرَاء اسْتحبَّ أَن لَا يَسْتَوْفِي الثُّلُث لقضية سعد قَالَ ابْن الصّباغ فِي هَذِه الْحَالة يُوصي بِالربعِ فَمَا دونه وَقَالَ القَاضِي أَبُو الطّيب إِن كَانَ ورثته لَا يفضل مَاله عَن غناهم فَالْأَفْضَل أَن لَا يُوصي وَأطلق الرَّافِعِيّ النَّقْص عَن الثُّلُث لخَبر سعد وَلقَوْل عَليّ رَضِي الله عَنهُ لِأَن أوصِي بالخمس أحب إِلَيّ من أَن أوصِي بِالربعِ وبالربع أحب إِلَيّ من أَن أوصِي بِالثُّلثِ وَالتَّفْصِيل الأول هُوَ الَّذِي جزم بِهِ فِي التَّنْبِيه وَأقرهُ عَلَيْهِ النَّوَوِيّ فِي التَّصْحِيح وَجزم بِهِ فِي شرح مُسلم وَحَكَاهُ عَن الْأَصْحَاب وَالله أعلم وَهل تصح الْوَصِيَّة للْوَارِث فِيهِ خلاف قيل لَا تصح أَلْبَتَّة لقَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام لَا وَصِيَّة لوَارث وَالأَصَح الصِّحَّة وَتوقف على إجَازَة الْوَرَثَة لقَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام لَا تجوز الْوَصِيَّة لوَارث إِلَّا أَن يَشَاء الْوَرَثَة قَالَ عبد الْحق الْمَشْهُور أَنه مُنْقَطع وَوَصله بَعضهم فعلى الصَّحِيح إجَازَة الْوَرَثَة تنفيد على الصَّحِيح لَا يحْتَاج إِلَى إِيجَاب وَقبُول وتكفي الْإِجَازَة وَالله أعلم
(فرع) الْهِبَة للْوَارِث كَالْوَصِيَّةِ لَهُ وَكَذَلِكَ ضَمَان الدّين عَنهُ لأَجْنَبِيّ وَأطلق الْعِرَاقِيُّونَ أَن الْوَصِيَّة لعبد الْوَارِث كَالْوَصِيَّةِ لَهُ وَالله أعلم
(فرع) الِاعْتِبَار بِكَوْنِهِ وَارِثا عِنْد الْمَوْت فَلَو أوصى لأجنبية ثمَّ تزَوجهَا أَو لأخ وَله ابْن فَمَاتَ الابْن فَهِيَ وَصِيَّة لوَارث وَلَو أوصى لأخ وَلَا ولد لَهُ ثمَّ ولد لَهُ ولد نفذت الْوَصِيَّة وَالله أعلم قَالَ

(1/342)


(وَتَصِح الْوَصِيَّة من كل مَالك عَاقل لكل ممتلك أَو فِي سَبِيل الله)
من أَرْكَان الْوَصِيَّة الْمُوصي وَالْمُوصى لَهُ فالموصي إِن كَانَ جَائِز التَّصَرُّف فِي مَاله جَازَ وَصيته للْأَخْبَار وَإِن لم يكن جَائِز التَّصَرُّف كَالْمَجْنُونِ والمبرسم وَالْمَعْتُوه فَلَا تصح وَصيته لِأَن صِحَة الْوَصِيَّة تتَعَلَّق بالْقَوْل وَقَول من هَذِه صفته ملغى والبرسام والعته نَوْعَانِ من اختلال الْعقل كَالْمَجْنُونِ وَالصَّبِيّ غير الْمُمَيز كَالْمَجْنُونِ وَأما الْمُمَيز فَلَا تصح أَيْضا وَصيته وتدبيره كإعاقته وهبته إِذْ لَا عبارَة لَهُ كَالْمَجْنُونِ وَفِي السَّفِيه خلاف الْمَذْهَب صِحَة وَصيته لِأَنَّهُ صَحِيح الْعبارَة بِخِلَاف الصَّبِي وَالله أعلم
وَقَوله (لكل متملك) إِشَارَة إِلَى الْمُوصى لَهُ فالموصى لَهُ إِن كَانَ جِهَة عَامَّة فَالشَّرْط أَن لَا تكون جِهَة مَعْصِيّة سَوَاء أوصى بِهِ مُسلم أَو ذمِّي فَلَو أوصى مُسلم بِبِنَاء بقْعَة لبَعض الْمعاصِي كَمَا إِذا أوصى شخص بشرَاء بقْعَة ليقام فِيهَا سَماع فُقَرَاء الرجس الَّذين يتضلعون من أَمْوَال الظلمَة ويتقربون إِلَى الله تَعَالَى بالرقص على آله اللَّهْو مَعَ الْأَحْدَاث وَالنِّسَاء ويتواجدون بِسَبَب ذَلِك فَهَذِهِ الْوَصِيَّة بَاطِلَة كَمَا لَو أوصى ذمِّي بِبِنَاء كَنِيسَة حَتَّى لَو حكم بِصِحَّة ذَلِك نقض وَإِن كَانَت الْوَصِيَّة لمُعين فَيَنْبَغِي أَن يتَصَوَّر لَهُ الْملك فَلَو أوصى بِحمْل جَارِيَة نظر أَن قَالَ أوصيت بِحمْل فُلَانَة أَو بحملها الْمَوْجُود الْآن فَلَا بُد لنفوذ هَذِه الْوَصِيَّة من شرطين
أَحدهمَا أَن يعلم وجوده حَال الْوَصِيَّة بِأَن ينْفَصل لأَقل من سِتَّة أشهر فَإِن انْفَصل لسِتَّة أشهر فَأكْثر نظر إِن كَانَت الْمَرْأَة فراشا للسَّيِّد أَو لزوج لم يسْتَحق شَيْئا لاحْتِمَال علوقه بعد الْوَصِيَّة وَإِن لم تكن فراشا بِأَن فَارقهَا زَوجهَا أَو سَيِّدهَا قبل الْوَصِيَّة نظر أَن كَانَ الِانْفِصَال لأكْثر من أَربع سِنِين من وَقت الْوَصِيَّة لم يسْتَحق شَيْئا فَلَو انْفَصل لدوّنَ ذَلِك فَفِيهِ خلاف وَالرَّاجِح أَنه يسْتَحق لِأَن الظَّاهِر وجوده
وَالشّرط الثَّانِي أَن ينْفَصل حَيا فَإِن انْفَصل مَيتا فَلَا شَيْء لَهُ وَالله أعلم وَلَو أوصى فِي سَبِيل الله تَعَالَى أَو لسبيل الله تَعَالَى صرف إِلَى الْغُزَاة من أهل الصَّدقَات لِأَنَّهُ الْمَفْهُوم شرعا وَأَقل من تصرف إِلَيْهِ ثَلَاثَة وَيجوز للْمُسلمِ وَالذِّمِّيّ الْوَصِيَّة لعمارة الْمَسْجِد الْأَقْصَى وَغَيره من الْمَسَاجِد وَكَذَا لعمارة قُبُور الْأَنْبِيَاء وَالصَّالِحِينَ وَالْعُلَمَاء لما فِي ذَلِك من إحْيَاء الزياة والتبرك بهَا وَالله أعلم قَالَ
(وَتجوز الْوَصِيَّة إِلَى من اجْتمعت فِيهِ خمس خِصَال الاسلام وَالْبُلُوغ وَالْعقل وَالْحريَّة وَالْأَمَانَة)
قَالَ الرَّافِعِيّ الْوَصِيَّة مُسْتَحبَّة فِي رد الظَّالِم وَقَضَاء الدُّيُون وتنفيذ الْوَصَايَا وَأُمُور الْأَطْفَال قَالَ النَّوَوِيّ هِيَ فِي رد الْمَظَالِم وَقَضَاء الدُّيُون الَّتِي يعجز عَنْهَا فِي الْحَال وَاجِبَة وَالله أعلم

(1/343)


فَإِذا علم هَذَا فيشرط فِي الْوَصِيّ أُمُور
أَولهَا الاسلام فَلَا يجوز أَن يُوصي الْمُسلم إِلَى ذمِّي لِأَن الْوِصَايَة أَمَانَة وَولَايَة فَاشْترط فيهمَا الاسلام
الثَّانِي الْبلُوغ فَلَا يجوز أَن يكون الصَّبِي وَصِيّا لِأَنَّهُ لَيْسَ من أهل الْولَايَة وَلِأَنَّهُ مولى عَلَيْهِ فَكيف يَلِي أم غَيره وَالْمَجْنُون كَالصَّبِيِّ لِأَنَّهُ لَا يَهْتَدِي إِلَى التَّصَرُّف وَلِأَنَّهُ عَاجز عَن التَّصَرُّف لنَفسِهِ فَكيف يكون متصرفاً لغيره وَأما اشْتِرَاط الْحُرِّيَّة فَلِأَن العَبْد نَاقص عَن مرتبَة الْولَايَة مَعَ اشْتِغَاله بِخِدْمَة السَّيِّد وَلِأَنَّهُ لَا يصلح أَن يتَصَرَّف فِي مَال ابْنه فَكيف يصلح أَن يكون وَصِيّا كَالْمَجْنُونِ وَالْمُدبر وَالْمكَاتب والمبغض وَأم الْوَلَد كَذَلِك وَفِي الْمُدبر والمستولدة خلاف وَأما الْأَمَانَة فَلَا بُد مِنْهَا فَيشْتَرط فِي الْوَصِيّ الْعَدَالَة فَلَا تجوز الْوَصِيَّة إِلَى فَاسق لما فِيهَا من معنى الْولَايَة ومقصودها الْأَعْظَم الْأَمَانَة فالفاسخ غير مَأْمُون
وأهمل الشَّيْخ شُرُوطًا مِنْهَا عدم عَجزه فَلَا تجوز الْوَصِيَّة إِلَى عَاجز عَن التَّصَرُّف لهرم أَو غَيره وَمِنْهَا أَن تكون لَهُ هِدَايَة فِي التَّصَرُّف فَلَا يُوصي إِلَى السَّفِيه وَهَذَا هُوَ الصَّحِيح فيهمَا وَمِنْهَا أَن لَا يكون الْوَصِيّ عدوا للطفل الْمُفَوض إِلَيْهِ أمره وَهَذَا الشَّرْط ذكره الرَّوْيَانِيّ وَآخَرُونَ
وَاعْلَم أَن كل مَا يعْتَبر من الشُّرُوط فَفِي وَقت اعْتِبَاره أوجه أَصَحهَا حَالَة الْمَوْت وَقيل عِنْد الْوِصَايَة وَالْمَوْت جَمِيعًا وَتجوز الْوَصِيَّة إِلَى الْمَرْأَة وَإِذا حصلت الشُّرُوط فِي أم الْأَطْفَال فَهِيَ أولى من غَيرهَا وَتجوز إِلَى الْأَعْمَى فِي الْأَصَح
وَاعْلَم أَن الْوَصِيّ إِذا علم من نَفسه الْأَمَانَة وَالْقُدْرَة فالمختار لَهُ الْقبُول وَإِن علم خلاف ذَلِك فالمختار لَهُ الرَّد قَالَه الرَّوْيَانِيّ فِي الْبَحْر وَالله أعلم
(فرع) إِذا أوصى لجيرانه صرف إِلَى أَرْبَعِينَ دَارا من كل جَانب من الجوانب الْأَرْبَع على الصَّحِيح وَقيل يصرف للملاصق دَاره وَقَالَ النَّوَوِيّ وَيصرف إِلَى عدد الدّور دون عدد سكانها وَالله أعلم
(فرع) إِذا أوصِي لأعقل النَّاس فِي الْبَلَد صرف إِلَى أزهدهم فِي الدُّنْيَا نَص عَلَيْهِ الشَّافِعِي وَلَو أوصى لأجهل النَّاس حكى الرَّوْيَانِيّ أَنه يصرف لعبدة الْأَوْثَان فَإِن قَالَ من الْمُسلمين فَيصْرف إِلَى من سبّ الصَّحَابَة رَضِي الله عَنْهُم أَجْمَعِينَ وَقَالَ الْمُتَوَلِي يصرف إِلَى الأمامية المنتظرة للقائم وَإِلَى المجسمة قَالَه النَّوَوِيّ وَقيل يصرف إِلَى من ارْتكب الْكَبَائِر من الْمُسلمين لِأَنَّهُ لَا شُبْهَة لَهُم وَالله أعلم قلت وعَلى هَذَا القَوْل أولاهم بِالصرْفِ الْفُقَهَاء الَّذين يؤازرون أُمَرَاء الْجور لأَنهم يقرونهم على أَحْكَام الْجَاهِلِيَّة إِذْ يلْزم من السُّكُوت اندراس الشَّرِيعَة المطهرة مَعَ أَن الْفَرْع مُشكل وَالله أعلم

(1/344)