كفاية الأخيار في حل غاية الإختصار

كتاب النِّكَاح وَمَا يتَّصل بِهِ من الْأَحْكَام والقضايا
النِّكَاح فِي اللُّغَة الضَّم وَالْجمع يُقَال نكحت الاشجار إِذا التف بَعْضهَا على بعض
وَفِي الشَّرْع عبارَة عَن العقد الْمَشْهُور الْمُشْتَمل على الاركان والشروط وَيُطلق على العقد وعَلى الْوَطْء لُغَة قَالَه الزّجاج وَقَالَ الْأَزْهَرِي أصل النِّكَاح فِي كَلَام الْعَرَب الْوَطْء وَقيل للتزوج نِكَاح لِأَنَّهُ سَبَب الْوَطْء قَالَ الْفَارِسِي فرقت الْعَرَب بَينهمَا بفرق لطيف فَإِذا قَالُوا نكح فُلَانَة أَو بنت فلَان أَو أُخْته أَرَادوا عقد عَلَيْهَا وَإِذا قَالُوا نكح إمرأته أَو زَوجته لم يُرِيدُوا إِلَّا الْوَطْء وَقَالَ الْجَوْهَرِي النِّكَاح الْوَطْء وَقد يكون العقد
وَاخْتلف الْعلمَاء فِي أَنه حَقِيقَة فِيمَا ذَا على أوجه حَكَاهَا القَاضِي حُسَيْن
أَحدهَا أَنه حَقِيقَة فِي الْوَطْء مجَاز فِي العقد
وَالثَّانِي أَنه حَقِيقَة فِي العقد مجَاز فِي الْوَطْء وَهَذَا هُوَ الصَّحِيح وَصَححهُ القَاضِي أَبُو الطّيب وَأَطْنَبَ فِي الِاسْتِدْلَال لَهُ وَبِه قطع الْمُتَوَلِي وَغَيره وَبِه جَاءَ الْقُرْآن الْعَظِيم وَالسّنة قَالَ الله تَعَالَى {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} وَغَيرهَا من الْآيَات وَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام (أنكحوا الْوَلُود) وَغَيره من الحَدِيث
وَالثَّالِث أَنه حَقِيقَة فيهمَا بِلَا اشْتِرَاك وَقَوله وَمَا يتَّصل بِهِ من الْأَحْكَام الْأَحْكَام جمع حكم وَالْحكم خطاب الله تَعَالَى الْمُتَعَلّق بِأَفْعَال الْمُكَلّفين سَوَاء كَانَ طلب فعل كالواجب وَالْمَنْدُوب أَو طلب كف كالحرام وَالْمَكْرُوه أَو كَانَ فِيهِ تَخْيِير كالاباحة وَقَوله والقضايا القضايا

(1/345)


جمع قَضِيَّة والقضية قَول يُقَال لقائله بِأَنَّهُ صَادِق فِيهِ أَو كَاذِب وَالله أعلم قَالَ
(وَالنِّكَاح مُسْتَحبّ لمن احْتَاجَ إِلَيْهِ)
الأَصْل فِي مَشْرُوعِيَّة النِّكَاح الْكتاب وَالسّنة وَإِجْمَاع الْأمة قَالَ الله تَعَالَى {وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ} الْآيَة وَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ((تناكحوا تكثروا فَإِنِّي أباهي بكم الْأُمَم)) وَنَحْوه ثمَّ النَّاس ضَرْبَان تائق إِلَى النِّكَاح وَغير تائق فالتائق هُوَ الَّذِي عبر الشَّيْخ عَنهُ بِأَنَّهُ مُحْتَاج إِلَيْهِ تَارَة يَد أهبة النِّكَاح وَتارَة لَا يجدهَا فَإِن وجد أهبة النِّكَاح يسْتَحبّ لَهُ أَن يتَزَوَّج سَوَاء كَانَ متعبداً أَو غير متعبد لقَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام يَا معشر الشَّبَاب من اسْتَطَاعَ مِنْكُم الْبَاءَة فليتزوج فَإِنَّهُ أَغضّ لِلْبَصَرِ وَأحْصن لِلْفَرجِ وَمن لم يسْتَطع فَعَلَيهِ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَهُ وَجَاء والباءة فِي اللُّغَة الْجِمَاع مَأْخُوذ من المباءة وَهِي الْمنزل ثمَّ قيل لعقد النِّكَاح باهة لِأَن من نكح إمرأة بوأها منزله وَاخْتلف فِي مَعْنَاهَا فَقيل المُرَاد بالباه الْجِمَاع وَتَقْدِير الْكَلَام من اسْتَطَاعَ مِنْكُم الْجِمَاع لقدرته على مُؤَن النِّكَاح فليتزوج وَمن لم يسْتَطع الْجِمَاع لعَجزه عَن المؤونة فليصم ليقطع شَرّ منيه كَمَا يقطعهُ الوجاء والوجاء بِالْمدِّ ترضيض الخصية وَقيل إِن المُرَاد بِالْبَاءَةِ مؤونة النِّكَاح وَفِي الحَدِيث الْأَمر بِالنِّكَاحِ لمن لَهُ استطاعة وتاقت نَفسه إِلَيْهِ وَهُوَ أَمر ندب عِنْد الشَّافِعِيَّة وكافة الْعلمَاء قَالَه النَّوَوِيّ وَعند أَحْمد يلْزمه الزواج أَو التَّسَرِّي إِذا خَافَ الْعَنَت وَهُوَ الزِّنَا وَهُوَ وَجه لنا وَحجَّة من قَالَ بِعَدَمِ الْوُجُوب قَوْله عز وَجل {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} أناط الحكم باختيارنا واستطابتنا وَالْوَاجِب لَيْسَ كَذَلِك وَأما التائق وَلكنه عَاجز عَن مُؤَن النِّكَاح مثل الصَدَاق وَغَيره فَالْأولى فِي حَقه عدم الزواج وَيكسر شَهْوَته بِالصَّوْمِ للْخَبَر فَإِن لم تنكسر بِهِ فَلَا يكسرها بالكافور وَنَحْوه بل يتَزَوَّج فَلَعَلَّ الله أَن يُغْنِيه من فَضله الضَّرْب الثَّانِي غير التائق إِلَى النِّكَاح وَله حالتان
الأولى أَن لَا يجد أهبة النِّكَاح فَهَذَا يكره لَهُ النِّكَاح لما فِيهِ من الْتِزَام مَا لَا يقدر على الْقيام

(1/346)


بِهِ من غير حَاجَة وَفِي قَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام (يَا معشر الشَّبَاب) إِشَارَة إِلَى مثل ذَلِك
الْحَالة الثَّانِيَة أَن يجد مُؤَن النِّكَاح وَلكنه غير مُحْتَاج إِلَيْهِ إِمَّا لعَجزه يجب أَو تعنين أَو كَانَ بِهِ مرض دَائِم وَنَحْوه فَهَذَا أَيْضا يكره لَهُ النِّكَاح وَإِن لم يكن بِهِ عِلّة وَهُوَ وَاجِد الأهبة فَهَذَا لَا يكره لَهُ النِّكَاح نعم التخلي لِلْعِبَادَةِ لَهُ أفضل فَإِن لم يكن مشتغلاً بِالْعبَادَة فَمَا الْأَفْضَل فِي حَقه فِيهِ خلاف الرَّاجِح أَن النِّكَاح أفضل لِئَلَّا تُفْضِي بِهِ البطالة والفراغ إِلَى الْفَوَاحِش وَالله أعلم قَالَ
(وَيجوز للْحرّ أَن يجمع بَين أَربع حرائر وَالْعَبْد بَين اثْنَتَيْنِ)
يحرم على الرجل الْحر أَن يجمع بَين أَكثر من أَربع نسْوَة لِأَن غيلَان أسلم على عشر نسْوَة فَقَالَ لَهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أمسك عَلَيْك أَرْبعا وَفَارق سائرهن فَلَو كَانَ يجوز الْجمع بَين أَكثر من أَربع نسْوَة لما أمره بذلك وَأسلم نَوْفَل بن مُعَاوِيَة على خمس فَقَالَ لَهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أمسك أَرْبعا وَفَارق الْأُخْرَى وَأما العَبْد فَلقَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام لَا يتَزَوَّج العَبْد فَوق اثْنَتَيْنِ رَوَاهُ عبد الْحق وَنقل غَيره عَن إِجْمَاع الصَّحَابَة وَالْآيَة مُخْتَصَّة بالأحرار بِدَلِيل قَوْله {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} وَالله أعلم
(فرع) الْمبعض إِذا اشْترى أمة بِمَا ملكه بِبَعْضِه الْحر قَالَ فِي التَّتِمَّة ظَاهر الْمَذْهَب الْمَنْصُوص يحرم وَطْؤُهَا وَالله أعلم قَالَ
(وَلَا ينْكح الْحر أمة إِلَّا بِشَرْطَيْنِ عدم صدَاق الْحرَّة وَخَوف الْعَنَت)
لَا يحل للْحرّ أَن ينْكح أمة الْغَيْر إِلَّا بِشُرُوط
الأول وَالثَّانِي مَا ذكره الشَّيْخ
وَالثَّالِث أَن لَا يقدر على نِكَاح حرَّة مسلمة أَو كِتَابِيَّة على الصَّحِيح فَإِن قدر على حرَّة مسلمة أَو كِتَابِيَّة لم تحل لَهُ الْأمة فَإِن فقدت الْحرَّة بِالْكُلِّيَّةِ أَو وجدت وَلَكِن كَانَ بهَا مَانع ككونها رتقاء أَو قرناء أَو مجذومة أَو رضيعة أَو مُعْتَمدَة عَن غَيره فَلهُ نِكَاح الْأمة على الْأَصَح وَحجَّة ذَلِك قَوْله تَعَالَى {وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ} إِلَى قَوْله {ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ} فَذكر الله تَعَالَى الطول وَذكر الْمُحْصنَات وَهن الْحَرَائِر

(1/347)


ذكر الْعَنَت أما الطول فَهُوَ الصَدَاق وَلِهَذَا قَالَ جَابر رَضِي الله عَنهُ من وجد صدَاق حرَّة لَا ينْكح أمة وَمثله عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فَمن وجد صدَاق حرَّة فِي مَوْضِعه لم يحل لَهُ نِكَاح الْأمة فَلَو قدر على صدَاق حرَّة لَكِن بِهِ عِلّة لَا ترْضى بِهِ حرَّة أصلا بِسَبَبِهَا فَلهُ نِكَاح الْأمة للضَّرُورَة وَلَو كَانَ قَادِرًا على صدَاق حرَّة لَكِن فِي غير مَوْضِعه بِأَن كَانَ الصَدَاق فِي بَلْدَة أُخْرَى فَلهُ نِكَاح الْأمة كَمَا تصرف إِلَيْهِ الزَّكَاة فَقَوْل الشَّيْخ عدم صدَاق الْحرَّة أَي فِي مَوْضِعه وَلَو رضيت الْحرَّة بِلَا مهر أَو بمؤجل وَغلب على ظَنّه قدرته عَلَيْهِ عِنْد الْمحل أَو بيع مِنْهُ شيئ بالأجل بِقدر مَا يَفِي بصداقها أَو وجد من يستأجره بِأُجْرَة حَالَة أَو كَانَ لَهُ مسكن أَو خَادِم يَفِي ثمنه بِالصَّدَاقِ وَهُوَ مُحْتَاج إِلَيْهِ حلت لَهُ الْأمة فِي الْأَصَح وَلَو وجد من يقْرضهُ الْمهْر جلت لَهُ الْأمة فِي الْأَصَح وَلَو وهب لَهُ مَال أَو جَارِيَة لم يلْزمه الْقبُول وحلت لَهُ الْأمة لِكَثْرَة الْمِنَّة فِي ذَلِك وَلَو لم يجد إِلَّا حرَّة لم ترض إِلَّا بِأَكْثَرَ من مهر مثلهَا وَهُوَ قَادر عَلَيْهِ فَقَالَ الْبَغَوِيّ لَا ينْكح الْأمة نَقله الرَّافِعِيّ قلت وَقَالَهُ الْقفال والطبري وَالله أعلم وَنقل الْمُتَوَلِي جَوَازه وَالله أعلم وَقَالَ الإِمَام الْغَزالِيّ إِن كَانَت زِيَادَة بعد بذلها إسرافاً حلت الْأمة وَإِلَّا فَلَا قَالَ النَّوَوِيّ قطع آخَرُونَ بموافقة الْمُتَوَلِي وَهُوَ الْأَصَح
(فرع) لَو كَانَ للشَّخْص ولد يلْزمه إعفاف أَبِيه وبذل مهر حرَّة لَهُ لَا يحل لَهُ نِكَاح الْأمة وَكَذَا لَو وجد دون مهر الْمثل فَقَط وَوجد حرَّة ترْضى بِهِ لم تحل لَهُ الْأمة فِي الْأَصَح وَالله أعلم وَأما الْعَنَت فِي الأَصْل فَهُوَ الْمَشَقَّة والهلاك وَالْمرَاد بِهِ هُنَا الزِّنَا لِأَنَّهُ سَبَب مشقة الْجلد أَو الرَّجْم الَّذِي فِيهِ هَلَاكه وَلَيْسَ المُرَاد بخوف الزِّنَا أَن يغلب على ظَنّه الْوُقُوع فِيهِ بل المُرَاد أَن يتوقعه لَا على وَجه الندور وَلَيْسَ غير الْخَائِف من علم أَنه يتَجَنَّب الزِّنَا وَلَكِن غَلَبَة الظَّن بالتقوى والإجتناب يُنَافِي الْخَوْف فَمن غلبته شَهْوَته ورق تقواه فَهُوَ خَائِف وَمن ضعفت شَهْوَته وَهُوَ يستشبع الزِّنَا لدين أَو مُرُوءَة أَو حَيَاء فَهُوَ غير خَائِف الْعَنَت وَإِن غلبت شَهْوَته وقوى تقواه فَفِيهِ تردد لإِمَام الْحَرَمَيْنِ وَالأَصَح أَنه لَا يجوز لَهُ نِكَاح الْأمة وَبِه قطع الْغَزالِيّ لِأَنَّهُ لَا يخَاف الْوُقُوع فِي الزِّنَا وخائف الْعَنَت لَو قدر على شِرَاء أمة لم يحل لَهُ نِكَاح الْأمة فِي الْأَصَح وَلَو كَانَ فِي ملكه أمة لم يحل لَهُ نِكَاح الْأمة وَالله أعلم
الشَّرْط الرَّابِع فِي جَوَاز نِكَاح الْأمة أَن لَا تكون تَحْتَهُ حرَّة يُمكنهُ الِاسْتِمْتَاع بهَا فَإِن كَانَ متزوجاً بحرة كَذَلِك فَلَيْسَ لَهُ نِكَاح الْأمة سَوَاء كَانَت زَوجته مسلمة أَو كِتَابِيَّة حرَّة أَو أمة لِأَنَّهُ غير خَائِف الْعَنَت أما لَو كَانَت لَا يُمكنهُ الِاسْتِمْتَاع بهَا لصغرها أَو هرمها أَو غيبتها أَو جنونها أَو جذامها أَو برصها أَو رتق أَو قرن أَو إفضاء بهَا فَفِيهِ خلاف وَالصَّحِيح الْحل لعدم فَائِدَة هَذِه الزوجه إِذا لَا تمنع خوف الْعَنَت

(1/348)


الشَّرْط الْخَامِس أَن تكون الْأمة الْمَنْكُوحَة مسلمة لقَوْله تَعَالَى {فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ}
وَاعْلَم أَن سَبَب منع نِكَاح الْأمة إرقاق الْوَلَد لِأَن الْوَلَد يتبع الْأُم فِي الرّقّ وَالْحريَّة والشارع متشوف إِلَى دفع الرّقّ فَلَو كَانَت الْأمة الْمسلمَة لكافرفهل يجوز أم لَا وَجْهَان
أَحدهمَا لَا يجوز وَيشْتَرط كَون الْأمة لمُسلم لِئَلَّا يملك الْكَافِر الْوَلَد الْمُسلم وَالأَصَح الْجَوَاز لحُصُول الْإِسْلَام فِي الْأمة الْمَنْكُوحَة وَالله أعلم
(فرع) للْحرّ الْمُسلم أَن يطَأ أمته الْكِتَابِيَّة دون الْمَجُوسِيَّة والوثنية إعتباراً بِالنِّكَاحِ وَالله أعلم
(فرع) من اجْتمعت فِيهِ الشُّرُوط لَيْسَ لَهُ نِكَاح أمة صَغِيرَة لَا تُوطأ على الْأَصَح لِأَن لَا يَأْمَن الْعَنَت وَمن بَعْضهَا حر كالرقيقة فَلَا ينْكِحهَا حر إِلَّا لوُجُود الشُّرُوط وَلَو قدر على نِكَاح المبعضة فَهَل يُبَاح لَهُ نِكَاح الرقيقة الْمَحْضَة فِيهِ تردد لإِمَام الْحَرَمَيْنِ لِأَن إرقاق بعض الْوَلَد أَهْون من إرقاقه كُله وَإِذا جَاءَ ولد من الْأمة الْمَنْكُوحَة فَالْوَلَد رَقِيق لمَالِكهَا سَوَاء كَانَ الزَّوْج حرا عَرَبيا أَو غَيره وَفِي الْقَدِيم أَن الْعَرَب لَا يجْرِي عَلَيْهِم الرّقّ فيكُن ولد الْعَرَبِيّ على هَذَا حرا وَهل على الزَّوْج قِيمَته كالمغرور أم لَا شَيْء عَلَيْهِ لِأَن السَّيِّد حِين زَوجهَا عَرَبيا رَضِي فِيهِ قَولَانِ وَالْحَاصِل أَن شُرُوط نِكَاح الْأمة أَرْبَعَة أَن لَا يجد صدَاق حرَّة وَأَن يخَاف الزِّنَا وَأَن لَا يكون تَحْتَهُ حرَّة صَالِحَة للاستمتاع وَأَن تكون الْأمة مسلمة وَالله أعلم
(فرع) نكح الْحر الْأمة بِالشُّرُوطِ ثمَّ أيسر ونكح حرَّة لَا يَنْفَسِخ نِكَاح الْأمة على الصَّحِيح لِأَنَّهُ يغْتَفر فِي الدَّوَام مَالا يغْتَفر فِي الِابْتِدَاء وَالله أعلم
(فرع) نقل الرَّافِعِيّ عَن فَتَاوَى القَاضِي حُسَيْن لَو أَن الشَّخْص زوج أمته يواجه صدَاق حرَّة فأولادها أرقاء لِأَن شُبْهَة النِّكَاح كَالنِّكَاحِ الصَّحِيح وَالله أعلم قَالَ
(وَنظر الرجل إِلَى الْمَرْأَة على سَبْعَة أضْرب
أَحدهَا نظرة إِلَى أَجْنَبِيَّة لغير حَاجَة فَغير جَائِز)
وَقَالَ صَاحب الْمَنْظُومَة
وَنظر الْفَحْل إِلَى النِّسَاء
على ضروب سَبْعَة فالرائي ... إِن كَانَ قد قيل لأجنبية
فامنع لغير حَاجَة مرضية

(1/349)


وَالرجل هُوَ الْبَالِغ من الذُّكُور وَكَذَا الْمَرْأَة هِيَ الْبَالِغَة من الْإِنَاث إِن لم يرد بِالْألف وَاللَّام الْجِنْس ثمَّ إِن النّظر قد لَا تَدْعُو إِلَيْهِ الْحَاجة وَقد تَدْعُو إِلَه الْحَاجة
الضَّرْب الأول أَن لَا تمس إِلَيْهِ الْحَاجة فَحِينَئِذٍ يحرم نظر الرجل إِلَى عَورَة الْمَرْأَة الْأَجْنَبِيَّة مُطلقًا وَكَذَا يحرم إِلَى وَجههَا وكفيها إِن خَافَ فتْنَة فَإِن لم يخف فَفِيهِ خلاف الصَّحِيح التَّحْرِيم قَالَه الاصطخري وَأَبُو عَليّ الطَّبَرِيّ وَاخْتَارَهُ الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد وَبِه قطع الشَّيْخ أَبُو إِسْحَاق الشِّيرَازِيّ وَالرُّويَانِيّ وَوَجهه الإِمَام بِاتِّفَاق الْمُسلمين على منع النِّسَاء من الْخُرُوج حاسرات سافرات وَبِأَن النّظر مَظَنَّة الْفِتْنَة وَهُوَ محرك الشَّهْوَة فالأليق بمحاسن الشَّرْع سد الْبَاب والاعراض عَن تفاصيل الْأَحْوَال كَمَا تحرم الْخلْوَة بالأجنبية ويحتج لَهُ بِعُمُوم قَوْله تَعَالَى {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ} وَهل للمراهق النّظر وَجْهَان أصَحهمَا أَن نظره كنظر الْبَالِغ لظُهُوره فِيهِ على عورات النِّسَاء فعلى هَذَا الْمَعْنى أَنه كَالْبَالِغِ وَيجب على الْمَرْأَة أَن تحتجب عَنهُ كَمَا أَنه أَيْضا يلْزمهَا الاحتجاب من الْمَجْنُون قطعا وَيلْزم الْوَلِيّ أَن يمنعهُ من النّظر كَمَا يلْزمه أَن يمنعهُ من الزِّنَا وَسَائِر الْمُحرمَات وَأما حكم الْمَمْسُوح وَهُوَ الطواشي قَالَ الْأَكْثَرُونَ نظره إِلَى الْمَرْأَة الْأَجْنَبِيَّة كنظر الرجل إِلَى مَحَارمه وَعَلِيهِ يحمل قَوْله تَعَالَى {أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْأِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ}
وَالثَّانِي أَنه كالفحل مَعَ الْأَجْنَبِيَّة وَلِأَنَّهُ يحل لَهُ نِكَاحهَا قَالَ النَّوَوِيّ الْمُخْتَار فِي تَفْسِير غير أولي الإربة أَنه الْمُغَفَّل فِي عقله الَّذِي لَا يكترث بِالنسَاء أَو لَا يشتهيهن كَذَا قَالَه ابْن عَبَّاس وَغَيره رَضِي الله عَنْهُم وَالله أعلم
وَاعْلَم أَن من جب ذكره فَقَط أوسلت خصيتاه فَقَط والعنين وَالشَّيْخ الْهَرم حكمهم كَحكم الْفَحْل على مَا قَالَه الْأَكْثَرُونَ وَأما مَمْلُوك الْمَرْأَة وعبدها فَهَل هُوَ كالمحرم فِيهِ خلاف قَالَ الرَّافِعِيّ الْأَصَح نعم قَالَ النَّوَوِيّ وَنَصّ عَلَيْهِ الشَّافِعِي وَهُوَ ظَاهر الْكتاب وَالسّنة وَفِيه نظر من جِهَة الْمَعْنى وَالله أعلم
قلت صحّح النَّوَوِيّ فِي نكت الْمُهَذّب أَنه كَالرّجلِ الْأَجْنَبِيّ فَيحرم عَلَيْهِ النّظر وَيجب عَلَيْهَا الاحتجاب مِنْهُ كَذَا صَححهُ ابْن الرّفْعَة فِي الْمطلب وَهُوَ قوي حسن فلتكن الْفَتْوَى عَلَيْهِ والقائلون بِالْجَوَازِ شرطُوا أَن يكون العَبْد ثِقَة ذكره الْبَغَوِيّ وَكَذَا الْمَرْأَة قَالَه الْهَرَوِيّ وَهُوَ ظَاهر مُتَعَيّن وَتَسْمِيَة بَعضهم لَهُ بِأَنَّهُ محرم لَهَا فِيهِ تساهل وَلِهَذَا لَو لمسها أَو لمسته انْتقض وضوؤهما قطعا وَالْمحرم

(1/350)


لَا ينْتَقض وضوؤه وَلَا ينْقض وضوؤها فإطلاق الْمَحْرَمِيَّة مَعَ ذَلِك مَمْنُوع وَالله أعلم وَهَذَا الَّذِي ذَكرْنَاهُ من نظر الرجل إِلَى الْمَرْأَة هُوَ فِيمَا إِذا كَانَت حرَّة وَأما إِذا كَانَت الْمَرْأَة أمة فَمَاذَا ينظر مِنْهَا فِيهِ أوجه قَالَ الرافع أَصَحهَا فِيمَا ذكره الْبَغَوِيّ وَالرُّويَانِيّ يحرم النّظر إِلَى مَا بَين سرتها وركبتها وَفِيمَا سواهُ يكره وَالثَّانِي حرم مَا لَا يَبْدُو حَال الْخدمَة دون غَيره وَالثَّالِث أَنَّهَا كَالْحرَّةِ وَهَذَا غَرِيب لَا يكَاد يُوجد لغير الْغَزالِيّ انْتهى قَالَ النَّوَوِيّ قد صرح العمراني وَغَيره بِأَن الْأمة كَالْحرَّةِ وَهُوَ مُقْتَضى إِطْلَاق الْأَكْثَرين وَهُوَ أرجح دَلِيلا وَالله أعلم
قلت يَنْبَغِي أَن يفصل فَيُقَال إِن كَانَت الْأمة شوهاء فَالْمُتَّجه مَا قَالَه الرَّافِعِيّ وَإِن كَانَت جميلَة كبعض جواري التّرْك فَالصَّوَاب الْجَزْم بِالتَّحْرِيمِ فَإِن بعض الْجوَار لَهَا حسن تَامّ وَالْبَعْض بِالْعَكْسِ وَالْمعْنَى الْمحرم للنَّظَر الْجمال لِأَنَّهُ مَظَنَّة الافتتان وَالله أعلم وَلَو كَانَت الْحرَّة عجوزاً فألحقها الْغَزالِيّ بالشابة قَالَ لِأَن الشَّهْوَة لَا تنضبط وَهِي مَحل الْوَطْء وَقَالَ الرَّوْيَانِيّ إِن بلغت مبلغا يُؤمن الافتتان بِالنّظرِ إِلَيْهَا جَازَ النّظر إِلَى وَجههَا وكفيها لقَوْله تَعَالَى {وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا يَرْجُونَ نِكَاحاً} الْآيَة
(فرع) مَا حكم الصَّغِيرَة حكى الرَّافِعِيّ فِي النّظر إِلَيْهَا وَجْهَيْن وَقَالَ الْأَصَح الْجَوَاز وَلَا فرق بَين عورتها وَغَيرهَا غير أَنه لَا ينظر إِلَى الْفرج قَالَ النَّوَوِيّ جزم الرَّافِعِيّ بِأَنَّهُ لَا ينظر إِلَى فرج الصَّغِيرَة وَنقل صَاحب الْعدة الِاتِّفَاق على هَذَا وَلَيْسَ كَذَلِك بل قطع القَاضِي حُسَيْن بِجَوَاز النّظر إِلَى فرج الصَّغِيرَة الَّتِي لَا تشْتَهي وَالصَّغِير وَقطع بِهِ فِي الصَّغِير الْمروزِي وَذكر الْمُتَوَلِي فِيهِ وَجْهَيْن وَالصَّحِيح الْجَوَاز لتسامح النَّاس بذلك قَدِيما وحديثاً وَأَن إِبَاحَة ذَلِك تبقى إِلَى بُلُوغه سنّ التَّمْيِيز ومصيره بِحَيْثُ يُمكنهُ ستر عَوْرَته عَن النَّاس وَالله أعلم
(فرع) مَا حكم نظر الْمَرْأَة إِلَى الرجل الْأَجْنَبِيّ فِيهِ أوجه أَصَحهَا عِنْد الرَّافِعِيّ أَنَّهَا تنظر إِلَى جَمِيع بدنه إِلَّا مَا بَين سرته وركبته
الثَّانِي لَا ترى مِنْهُ إِلَّا مَا يرى مِنْهَا قَالَ النَّوَوِيّ وَهَذَا هُوَ الْأَصَح عِنْد جمَاعَة وَقطع بِهِ صَاحب الْمُهَذّب وَغَيره لقَوْله تَعَالَى {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ} وَلقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ((أفعمياوان أَنْتُمَا ألستما تبصرانه)) وَالله أعلم قَالَ

(1/351)


(وَالثَّانِي نظره إِلَى زَوجته وَأمته فَيجوز أَن ينظر إِلَى مَا عدا الْفرج مِنْهُمَا)
يجوز للرجل أَن ينظر إِلَى جَمِيع بدن زَوجته لِأَنَّهُ يجوز لَهُ الِاسْتِمْتَاع بهَا نعم فِي النّظر إِلَى فرجهَا وَجه أَنه يحرم لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ((النّظر إِلَى الْفرج يُورث الطمس)) أَي الْعَمى وَقَالَ فِي الْعدة يُولد الْوَلَد أعمى وَمِنْهُم من قَالَ يُورث الْعَمى للنَّاظِر والْحَدِيث قَالَ ابْن الصّلاح فِيهِ أَن ابْن عدي وَالْبَيْهَقِيّ روياه بِإِسْنَاد جيد وَالصَّحِيح أَنه لَا يحرم النّظر إِلَى الْفرج لِأَنَّهُ يجوز الِاسْتِمْتَاع بِهِ بل هُوَ مَحل الِاسْتِمْتَاع الْأَعْظَم فالنظر أولى وَالْخَبَر إِن صَحَّ فَمَحْمُول على الْكَرَاهَة وَالنَّظَر إِلَى بَاطِن الْفرج أَشد كَرَاهَة وَلِهَذَا يكره للْإنْسَان أَن ينظر إِلَى فرجه لغير حَاجَة وَنظر السَّيِّد إِلَى أمته الَّتِي يجوز لَهُ الِاسْتِمْتَاع بهَا كنظر الزَّوْج إِلَى زَوجته سَوَاء كَانَت قنة أَو مُدبرَة أَو مُسْتَوْلدَة أَو عرض مَانع قريب الزَّوَال كالحيض وَالرَّهْن وَإِن كَانَت مُزَوّجَة أَو مُكَاتبَة أَو مُشْتَركَة بَينه وَبَين غَيره أَو مَجُوسِيَّة أَو وثنية أَو مرتدة حرم نظره إِلَى مَا بَين سرتها وركبتها وَلَا يحرم مَا زَاد على الصَّحِيح
وَاعْلَم أَن نظر الزَّوْجَة إِلَى زَوجهَا كنظره إِلَيْهَا وَقيل يجوز نظرها إِلَى فرجه قطعا وَنظر الْأمة إِلَى سَيِّدهَا كنظره إِلَيْهَا وَالله أعلم قَالَ
(وَالثَّالِث نظره إِلَى ذَوَات مَحَارمه أَو أمته الْمُزَوجَة فَيجوز أَن ينظر فِيمَا عدا مَا بَين السُّرَّة وَالركبَة)
الرجل لَا ينظر من محرمه مَا بَين سرتها وركبتها قطعا لِأَنَّهُ عَورَة وَهل لَهُ النّظر إِلَى غير ذَلِك من بدنهَا الْمَذْهَب نعم لقَوْله تَعَالَى {وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لبعولتهن أَو آبائهن} الْآيَة وَلِأَن الْمَحْرَمِيَّة معنى يُوجب حُرْمَة المناكحة فيكونان كالرجلين أَلا ترى أَنه لَا ينْتَقض وضوؤه بلمسها فِي الْأَظْهر وَسَوَاء فِي ذَلِك الْمحرم بِنسَب أَو مصاهرة أَو رضَاع على الصَّحِيح وَقيل لَا ينظر من مَحَارمه إِلَّا مَا يَبْدُو عِنْد المهنة وَهِي الْخدمَة وَهل الثدي مِمَّا يَبْدُو عِنْد المهنة فِيهِ وَجْهَان وكما يجوز للْمحرمِ النّظر يجوز لَهُ الْخلْوَة بمحرمه والمسافرة بهَا وَحكم الْأمة قد مر وَالله أعلم
(فرع) الأول نظر الرجل إِلَى الرجل جَائِز فِي جَمِيع الْبدن إِلَّا مَا بَين السُّرَّة وَالركبَة عِنْد أَمن الْفِتْنَة فَإِن خشى الافتتان بِهِ حرم وَكَذَا يحرم النّظر إِلَى الْمَحَارِم بِشَهْوَة بِلَا خلاف وَكَذَا يحرم النّظر إِلَى الْأَمْرَد بِشَهْوَة بِلَا خلاف وَهُوَ أولى بِالتَّحْرِيمِ من النّظر إِلَى النِّسَاء وَهَذَا لَو لم يكن بِشَهْوَة وَلم

(1/352)


يخف من النّظر فتْنَة قَالَ الرَّافِعِيّ لَا يحرم فَإِن لم تكن شَهْوَة وَخَافَ الْفِتْنَة حرم على الصَّحِيح وَهُوَ قَول الْأَكْثَرين قَالَ النَّوَوِيّ فِي غير مَوضِع من شرح الْمُهَذّب الصَّحِيح تَحْرِيم النّظر إِلَى الْأَمْرَد مُطلقًا وَنَصّ عَلَيْهِ الشَّافِعِي وَمعنى مُطلقًا أَي سَوَاء كَانَ بِشَهْوَة أَو بِغَيْر شَهْوَة نعم شَرط فِي الرياض أَن يكون حسنا وَالله أعلم
قلت الْحسن أَمر نسبي يخْتَلف باخْتلَاف الطباع وَلَا شكّ أَن الْأَمْرَد مَظَنَّة الْفِتْنَة كَمَا أَن الْمَرْأَة كَذَلِك وَإِذا كَانَت الْحِكْمَة غير منضبطة فالقاعدة إلغاؤها وإناطة الحكم بِمَا يَنْضَبِط أَلا ترى أَن الْمَشَقَّة فِي السّفر هِيَ الْحِكْمَة فِي جَوَاز الْقصر فَلَمَّا لم تكن منضبطة ألغيناها وأنطنا الحكم بالمظنة وَهُوَ السّفر فَكَذَلِك هَهُنَا فَالْوَجْه الْمَنْع مُطلقًا وَكَذَا أطلقهُ غير وَاحِد من الْأَصْحَاب بل نَص الشَّافِعِي إِطْلَاقه وَالله أعلم
الْفَرْع الثَّانِي إِن نظر الْمَرْأَة إِلَى الْمَرْأَة كنظر الرجل إِلَى الرجل وَهَذَا فِي نظر الْمسلمَة إِلَى الْمسلمَة وَأما نظر الذِّمِّيَّة إِلَى الْمسلمَة فَفِيهِ خلاف قَالَ الْغَزالِيّ الْأَصَح أَنَّهَا كالمسلمة وَقَالَ الْبَغَوِيّ الصَّحِيح الْمَنْع فعلى هَذَا لَا تدخل مَعَ المسلمات إِلَى الْحمام وَمَا الَّذِي ترى من الْمسلمَة قيل ترى مَا يرى الرجل وَقيل مَا يَبْدُو عِنْد المهنة قَالَ الرَّافِعِيّ وَهَذَا أشبه قَالَ النَّوَوِيّ الصَّحِيح مَا صَححهُ الْبَغَوِيّ وَسَائِر الكافرات كالذمية فِي هَذَا ذكره العمراني وَالله أعلم
قلت وَاحْتج الْبَغَوِيّ لما قَالَه بقوله تَعَالَى {أَوْ نِسَائِهِنَّ} وَلَيْسَت الكافرات من نسائهن أَي من نسَاء الْمُؤْمِنَات بل قَالَ الإِمَام الْعَلامَة الشَّيْخ عز الدّين بن عبد السَّلَام إِن الْمَرْأَة الفاسقة فِي ذَلِك حكمهَا حكم الذِّمِّيَّة فَيجب على وُلَاة الْأُمُور منع الذميات والفاسقات من دُخُول الحمامات مَعَ الْمُحْصنَات من الْمُؤْمِنَات فَإِن تعذر ذَلِك لقلَّة مبالاة وُلَاة الْأُمُور بإنكار ذَلِك فلتحترز المؤمنة الْحرَّة عَن الْكَافِرَة والفاسقة
الْفَرْع الثَّالِث أَنه كل مَا لَا يجوز النّظر إِلَيْهِ مُتَّصِلا كالذكر وساعد الجرة وَشعر رَأسهَا وقلامة ظفر رجلهَا وَشعر عانة الرجل وَمَا أشبه ذَلِك فَيحرم النّظر إِلَيْهِ بعد الِانْفِصَال على الصَّحِيح فَيَنْبَغِي لمن حلق عانته وَكَذَا الْمَرْأَة الْحرَّة إِن مشطت رَأسهَا أَن يواريا ذَلِك
وَاعْلَم أَنه حَيْثُ حرم النّظر حرم الْمس بطرِيق الأولى لِأَنَّهُ أبلغ لَذَّة فَيحرم على الرجل مس فَخذ الرجل بِلَا حَائِل فَإِن كَانَ من فَوق حَائِل وَخَافَ فتْنَة حرم أَيْضا وَقد يحرم الْمس وَإِن لم يحرم النّظر فَيحرم مس الْمَحَارِم حَتَّى يحرم على الشَّخْص مس بطن أمه وظهرها وَكَذَلِكَ يحرم عَلَيْهِ أَن يكبس سَاقهَا ورجلها وَكَذَا يحرم تَقْبِيل وَجههَا قَالَه الْقفال وَكَذَا لَا يجوز للرجل أَن يَأْمر ابْنَته أَو أُخْته أَن تكبس رجله وَلِهَذَا قَالَ القَاضِي حُسَيْن الْعَجَائِز اللَّاتِي يكحلن الرِّجَال يَوْم عَاشُورَاء مرتكبات الْحَرَام وَالله أعلم

(1/353)


الْفَرْع الرَّابِع يحرم على الرجل أَن يضاجع الرجل وَكَذَا يحرم على الْمَرْأَة أَن تضاجع الْمَرْأَة فِي فرَاش وَاحِد وَإِن كَانَ كل وَاحِد مِنْهُمَا فِي جَانب الْفراش كَذَا أطلقهُ الرَّافِعِيّ وَتَبعهُ النَّوَوِيّ على ذَلِك فِي الرَّوْضَة وَقيد النَّوَوِيّ التَّحْرِيم فِي شرح مُسلم بِمَا إِذا كَانَا عاريين وَهَذَا الْقَيْد صرح بِهِ القَاضِي حُسَيْن والهروي وَغَيرهمَا وَقد ورد فِي بعض الرِّوَايَات ذَلِك وَإِذا بلغ الصَّبِي والصبية عشر سِنِين وَجب التَّفْرِيق بَينه وَبَين امهِ وَأَبِيهِ وَأُخْته وأخيه فِي المضجع للنصوص الْوَارِدَة فِي ذَلِك وَالله أعلم قَالَ
(وَالرَّابِع النّظر لأجل النِّكَاح فَيجوز إِلَى الْوَجْه وَالْكَفَّيْنِ)
تقدم أَن النّظر قد لَا تَدْعُو إِلَيْهِ الْحَاجة وَقد تمس الْحَاجة إِلَيْهِ وَقد مضى الضَّرْب الأول الضَّرْب الثَّانِي مَا تمس الْحَاجة إِلَيْهِ وَالْحَاجة أُمُور مِنْهَا قصد النِّكَاح فَإِذا أَرَادَ الرجل أَن يتَزَوَّج امْرَأَة وَرغب فِي نِكَاحهَا فَلَا شكّ فِي جَوَاز النّظر إِلَيْهَا وَهل يسْتَحبّ لِئَلَّا ينْدَم لِأَن النِّكَاح يُرَاد بِهِ الدَّوَام أَو يُبَاح الصَّحِيح أَنه يسْتَحبّ لقَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام للْمُغِيرَة بن شُعْبَة انْظُر فَإِنَّهُ أَحْرَى أَن يُؤْدم بَيْنكُمَا وَغَيره من الْأَخْبَار وَيجوز تَكْرِير النّظر ليتبين لَهُ وَسَوَاء نظر بِإِذْنِهَا أَو بِغَيْر إِذْنهَا فَإِن لم يَتَيَسَّر لَهُ بعث امْرَأَة تتأملها وتصفها لَهُ لِأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام بعث أم سليم إِلَى امْرَأَة وَقَالَ انظري إِلَى عرقوبها وشمي معاطفها وَالْمَرْأَة أَيْضا إِذا رغبت فِي نِكَاح رجل تنظر إِلَيْهِ فَإِنَّهُ يعجبها مِنْهُ مَا يُعجبهُ مِنْهَا قَالَه عمر رَضِي الله عَنهُ ثمَّ المنظور إِلَيْهِ الْوَجْه والكفان ظهرا وبطناً وَلَا ينظر إِلَى غير ذَلِك وَفِي وَجه ينظر إِلَيْهَا كنظر الرجل إِلَى الرجل وَهَذَا المنظر مُبَاح وَإِن خافا فتْنَة لغَرَض التَّزْوِيج وَوقت النّظر بعد الْعَزْم على نِكَاحهَا وَقبل الْخطْبَة لِئَلَّا يَتْرُكهَا بعد الْخطْبَة فيؤذيها هَذَا هُوَ الصَّحِيح وَقيل ينظر حِين يَأْذَن فِي عقد نِكَاحهَا وَقيل عِنْد ركون كل وَاحِد إِلَى صَاحبه وَإِذا نظر وَلم تعجبه فليسكت وَلَا يَقُول إِنِّي لَا أريدها لِأَنَّهُ إِيذَاء وَالله أعلم قَالَ
(وَالْخَامِس النّظر للمداواة فَيجوز إِلَى الْمَوَاضِع الَّتِي يحْتَاج إِلَيْهَا)
من مَوَاضِع الْحَاجة النّظر إِلَى الْمَرْأَة الْأَجْنَبِيَّة لاحتياجها إِلَى الْقَصْد والحجامة ومعالجة الْعلَّة لِأَن أم سَلمَة رَضِي الله عَنْهَا اسْتَأْذَنت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الْحجامَة فَأمر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَبَا طيبَة أَن

(1/354)


يحجمها وَليكن ذَلِك بِحَضْرَة محرم أَو زوج خشيَة الْخلْوَة بِشَرْط أَن لَا تكون هُنَاكَ امْرَأَة تعالجها وَكَذَلِكَ يشْتَرط فِي معالجة الْمَرْأَة الرجل أَن لَا يكون هُنَاكَ رجل قَالَه الزبيرِي وَالرُّويَانِيّ قَالَ النَّوَوِيّ وَهُوَ الْأَصَح وَبِه قطع القَاضِي حُسَيْن وَالْمُتوَلِّيّ قَالَا وَالْأولَى أَن لَا يكون ذِمِّيا مَعَ وجود مُسلم
وَاعْلَم أَن أصل الْحَاجة كَاف فِي النّظر إِلَى الْوَجْه وَالْيَدَيْنِ وَفِي النّظر إِلَى بَقِيَّة الْأَعْضَاء يعْتَبر تَأَكد الْحَاجة وَفِي النّظر إِلَى السوءتين يعْتَبر مزِيد تَأَكد الْحَاجة قَالَ الْغَزالِيّ وَذَلِكَ بِأَن تكون الْحَاجة بِحَيْثُ لَا يعد التكشف بِسَبَبِهَا هتكاً للمروءة وتعذراً فِي الْعَادة وَالله أعلم قَالَ
(وَالسَّادِس النّظر للشَّهَادَة والمعاملة فَيجوز إِلَى الْوَجْه خَاصَّة)
من مَوَاضِع الْحَاجة جَوَاز النّظر إِلَى ثدي الْمَرْأَة الْمُرضعَة لأجل الشَّهَادَة على الرَّضَاع وَكَذَا النّظر إِلَى فرجهَا لأجل الشَّهَادَة على الْولادَة وَكَذَا النّظر إِلَى فرج الزَّانِيَيْنِ لأجل الشَّهَادَة عَلَيْهِمَا لِأَن الْحَاجة تَدْعُو إِلَى ذَلِك وَقيل لَا يجوز كل ذَلِك لِأَن الزِّنَا مَنْدُوب إِلَى ستره والولادة وَالرّضَاع بِشَهَادَة النِّسَاء مَقْبُولَة فيهمَا وَالصَّحِيح الأول لِأَنَّهُ بِالزِّنَا هتك حُرْمَة الشَّرْع فَجَاز أَن تهتك حرمته وَأما الرَّضَاع والولادة فَفِي الْجَواب عَنْهُمَا وَقْفَة وكما يجوز النّظر لهَذِهِ الْأُمُور كَذَا يجوز النّظر لأجل الْمُعَامَلَة لِأَن الْحَاجة قد تَدْعُو إِلَى ذَلِك وَتَقْيِيد الشَّيْخ بِالْوَجْهِ فَقَط لِأَن الْحَاجة بِهِ تنْدَفع وَالْبَاقِي مَمْنُوع مِنْهُ فَبَقيَ على أَصله وَالله أعلم قَالَ
(وَالسَّابِع النّظر إِلَى الْأمة عِنْد ابتياعها فَيجوز إِلَى الْموضع الَّذِي يحْتَاج إِلَيْهِ فِي تقليبها)
من مَوَاضِع الْحَاجة النّظر لأجل الشِّرَاء وَقد ذَكرْنَاهُ فِي البيع فَرَاجعه وَالله أعلم قَالَ
بَاب شُرُوط عقد النِّكَاح فصل وَلَا يَصح عقد النِّكَاح إِلَّا بولِي ذكر وشاهدي عدل ويفتقر الْوَلِيّ والشاهدان إِلَى سِتَّة شُرُوط
الْوَلِيّ أحد أَرْكَان النِّكَاح فَلَا يَصح إِلَّا بولِي لقَوْله تَعَالَى {فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ} نزلت فِي معقل بن يسَار حِين حلف أَن لَا يُزَوّج أُخْته من مُطلقهَا فَلَو كَانَ للْمَرْأَة أَن

(1/355)


تعقد لما نهي عَن عضلها وَلقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ((لَا نِكَاح إِلَّا بولِي وشاهدي عدل وَمَا كَانَ من نِكَاح غير ذَلِك فَهُوَ بَاطِل)) وَعَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ ((لَا تزوج الْمَرْأَة الْمَرْأَة وَلَا تزوج نَفسهَا)) وَكُنَّا نقُول ((الَّتِي تزوج نَفسهَا هِيَ الزَّانِيَة)) وَعَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ ((أَيّمَا امْرَأَة نكحت بِغَيْر إِذن وَليهَا فنكاحها بَاطِل ثَلَاث مَرَّات)) وَقَالَ ابْن معِين إِنَّه أصح مَا فِي الْبَاب وَقَوله ذكر احْتَرز بِهِ عَن الْخُنْثَى وَالْمَرْأَة فَلَا تصح عبارَة الْمَرْأَة فِي النِّكَاح إِيجَابا وقبولاً فَلَا تزوج نَفسهَا بِإِذن الْوَلِيّ وَلَا بِغَيْر إِذْنه وَلَا غَيرهَا لَا بِولَايَة وَلَا بوكالة للْأَخْبَار ثمَّ شَرط الْوَلِيّ والشاهدين مَا ذكره وَالله أعلم
(فرع) روى يُونُس بن عبد الْأَعْلَى أَن الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ قَالَ إِذا كَانَ فِي الرّفْقَة امْرَأَة لَا ولي لَهَا فَوَلَّتْ أمرهَا رجلا حَتَّى زَوجهَا جَازَ لِأَن هَذَا من قبيل التَّحْكِيم والمحكم يقوم مقَام الْحَاكِم قَالَ النَّوَوِيّ ذكر الْمَاوَرْدِيّ فِيمَا إِذا كَانَت امْرَأَة فِي مَوضِع لَيْسَ فِيهِ ولي وَلَا حَاكم ثَلَاثَة أوجه
أَحدهَا لَا تزوج
الثَّانِي تزوج نَفسهَا للضَّرُورَة
وَالثَّالِث تولي أمرهَا رجلا يُزَوّجهَا وَحكى الشَّاشِي أَن صَاحب الْمُهَذّب كَانَ يَقُول فِي هَذَا تحكم فَقِيها مُجْتَهدا وَهَذَا الَّذِي ذكره فِي التَّحْكِيم صَحِيح بِنَاء على الْأَظْهر فِي جَوَازه فِي النِّكَاح وَلَكِن شَرط الْمُحكم أَن يكون صَالحا للْقَضَاء وَهَذَا يعسر فِي مثل هَذِه الْحَال وَالَّذِي نختاره صِحَة النِّكَاح إِذا ولت أمرهَا عدلا وَإِن لم يكن مُجْتَهدا وَهُوَ ظَاهر نَصه الَّذِي نَقله يُونُس وَهُوَ ثِقَة وَالله أعلم قَالَ
(الْإِسْلَام وَالْبُلُوغ وَالْعقل وَالْحريَّة والذكورة وَالْعَدَالَة إِلَّا أَنه لَا يفْتَقر نِكَاح الذِّمِّيَّة إِلَى إِسْلَام الْوَلِيّ وَلَا نِكَاح الْأمة إِلَى عَدَالَة السَّيِّد)
لَا يجوز أَن يكون ولي الْمسلمَة كَافِرًا قَالَ الله تَعَالَى {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بعض}

(1/356)


فالكافر لَيْسَ بناصر لَهَا لاخْتِلَاف الدّين فَلَا يكون وليا وَكَذَا أَيْضا لَا يجوز لمُسلم أَن يكون وليا لكافرة لقَوْله تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} فَقطع سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى الْمُوَالَاة بَين الْمُؤمنِينَ والكافرين وَهَذَا هُوَ الْمَذْهَب وَيُؤْخَذ من الْآيَة ولَايَة الْكَافِر للكافرة كَمَا ذكره الشَّيْخ فِي قَوْله إِلَّا أَنه لَا يفْتَقر نِكَاح الذِّمِّيَّة إِلَى إِسْلَام الْوَلِيّ وَهُوَ كَذَلِك على الصَّحِيح وَلَا بُد أَن يكون عدلا فِي دين فَلَو كَانَ يرتكب الْمُحرمَات قَالَ الرَّافِعِيّ فتزويجه إِيَّاهَا كتزويج الْمُسلم الْفَاسِق ابْنَته وَقَالَ الْحَلِيمِيّ إِن الْكَافِر لَا يَلِي التَّزْوِيج وَإِن الْمُسلم إِذا أَرَادَ أَن يتَزَوَّج بذمية زَوْجَة القَاضِي وَالصَّحِيح أَن الْكَافِر يَلِي لِلْآيَةِ ثمَّ شَرط هَذَا أَن لَا يكون الْوَلِيّ قَاضِيا فَإِن كَانَ ولي الذِّمِّيَّة قَاضِيا فَلَا يجوز للْمُسلمِ أَن يقبل نِكَاحهَا من قاضيهم على الْمَذْهَب
وَاعْلَم أَنه يسْتَثْنى من قَوْلنَا إِن الْمُسلم لَا يَلِي الْكَافِرَة السُّلْطَان فَإِنَّهُ يُزَوّج نسَاء أهل الذِّمَّة إِذا لم يكن لَهُنَّ ولي نسيب ويتولى السُّلْطَان أَمرهم بِالْولَايَةِ الْعَامَّة وَقَوله وَالْبُلُوغ وَالْعقل احْتَرز بِهِ عَن الصَّبِي وَالْمَجْنُون فَلَا يجوز أَن يكون الصَّبِي وَالْمَجْنُون وليين لِأَنَّهُ مولى عَلَيْهِمَا لاختلال نظرهما فِي مصلحتهما فَكيف يكونَانِ وليين لغَيْرِهِمَا ثمَّ هَذَا فِي الْجُنُون المطبق أما المتقطع فَفِيهِ خلاف وَالصَّحِيح أَيْضا أَنه كالمطبق فعلى هَذَا تنْتَقل الْولَايَة إِلَى الْأَبْعَد لَا إِلَى القَاضِي ويزوج يَوْم جُنُونه دون يَوْم إِفَاقَته
اعْلَم أَن اختلال الْعقل لهرم أَو خبل أَو عَارض يمْنَع الْولَايَة أَيْضا وينقلها إِلَى الْأَبْعَد وَكَذَا الْحجر بالسفه على الْمَذْهَب لاختلال نظره فِي حق نَفسه فَغَيره أولى وَلِهَذَا ولي عَلَيْهِ فَأشبه الصَّبِي وَفِي معنى ذَلِك كَثْرَة الأسقام والآلام الشاغلة عَن معرفَة مَوَاضِع النّظر والمصلحة فتنتقل الْولَايَة إِلَى الْأَبْعَد نَص عَلَيْهِ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ وَتَبعهُ عَلَيْهِ الْأَصْحَاب رَضِي الله عَنْهُم وَأما الْإِغْمَاء فَإِن كَانَ لَا يَدُوم غَالِبا فَهُوَ كالنوم ينْتَظر إِفَاقَته وَإِن كَانَ يَدُوم يَوْمَيْنِ أَو ثَلَاثَة فَقيل كالجنون وَالصَّحِيح الْمَنْع فعلى هَذَا قَالَ الْبَغَوِيّ وَغَيره ينْتَظر إِفَاقَته كالنائم وَجزم بِهِ فِي الْمُحَرر وَالله أعلم وَقَوله وَالْحريَّة احْتَرز بِهِ عَن الرّقّ فَلَا يجوز أَن يكون العَبْد وليا لِأَنَّهُ لَا يَلِي على نَفسه فَكيف يُزَوّج غَيره نعم لَو وَكله غَيره فِي قبُول نِكَاح فَإِن كَانَ باذن سَيّده صَحَّ قطعا وَإِن كَانَ بِغَيْر إِذن السَّيِّد جَازَ أَيْضا على الْأَصَح وَهل يجوز أَن يكون وَكيلا فِي جَانب الْإِيجَاب قيل نعم كَمَا يجوز أَن يكون وَكيلا فِي جَانب الْقبُول وَالصَّحِيح عِنْد الْجُمْهُور الْمَنْع وَالْفرق أَن جَانب الْإِيجَاب ولَايَة وَهُوَ غير أهل للولاية وَقَوله والذكورة احْتَرز بِهِ عَن غَيرهَا فَلَا تكون الْمَرْأَة وَالْخُنْثَى وليين للْأَخْبَار

(1/357)


السَّابِقَة وَقَوله وَالْعَدَالَة احْتَرز بِهِ عَن غَيرهَا فالفاسق هَل يَلِي تَزْوِيج موليته فِيهِ خلاف منتشرالمذهب أَنه لَا يَلِي كولاية المَال وَلقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ((لَا نِكَاح إِلَى بولِي مرشد)) أَي رشيد لِأَن الْفسق يقْدَح فِي الشَّاهِد فَكَذَا فِي الْوَلِيّ كالرق وَيسْتَثْنى من هَذَا السَّيِّد فَإِنَّهُ يُزَوّج أمته وَلَو كَانَ فَاسِقًا لِأَنَّهُ يُزَوّج بِالْملكِ على الْأَصَح لَا بِالْولَايَةِ وَاعْلَم أَن الرَّافِعِيّ قَالَ إِن أَكثر الْمُتَأَخِّرين أفتى بِأَن الْفَاسِق يَلِي لَا سِيمَا الخراسانيون وَاخْتَارَهُ الرَّوْيَانِيّ قَالَ النَّوَوِيّ وَسُئِلَ الْغَزالِيّ فِي ولَايَة الْفَاسِق فَقَالَ إِنَّه لَو سلبناه الْولَايَة لانتقلت إِلَى حَاكم يرتكب مَا نفسقه بِهِ ولي وَإِلَّا فَلَا قَالَ النَّوَوِيّ وَهَذَا الَّذِي قَالَه حسن فَيَنْبَغِي أَن يكون الْعَمَل بِهِ وَالله أعلم
(فرع) إِذا فرعنا على أَن الْفسق يسلب الْولَايَة فَلَو تَابَ قَالَ الْبَغَوِيّ يُزَوّج فِي الْحَال وَقَالَ الرَّافِعِيّ الْقيَاس الظَّاهِر وَهُوَ الْمَذْكُور فِي الشَّهَادَات أَنه لَا بُد من استبرائه لعود ولَايَته حَيْثُ يعْتَبر الشَّهَادَة وَالله أعلم
(فرع) يجوز للأعمى أَن يتَزَوَّج بِلَا خلاف وَله أَن يُزَوّج على الْأَصَح وَأما الْأَخْرَس فَإِن كَانَ لَهُ كِتَابَة أَو إِشَارَة مفهمة فَفِيهِ الْخلاف فِي الْأَعْمَى وَإِلَّا فَلَا ولَايَة لَهُ وَالله أعلم وَاعْلَم أَن هَذِه الشُّرُوط كَمَا تعْتَبر فِي الْوَلِيّ كَذَلِك تعْتَبر فِي الشَّاهِدين فَلَا يَصح عقد النِّكَاح إِلَّا بِحَضْرَة شَاهِدين مُسلمين وَإِن كَانَت الزَّوْجَة ذِمِّيَّة مكلفين حُرَّيْنِ ذكرين عَدْلَيْنِ يَعْنِي فِي الظَّاهِر وَيشْتَرط مَعَ ذَلِك أَن يَكُونَا مِمَّن تقبل شَهَادَتهمَا لكل وَاحِد من الزَّوْجَيْنِ وَعَلِيهِ وَأَن يَكُونَا سميعين بصيرين عارفين بِلِسَان الْمُتَعَاقدين متيقظين فَلَا ينْعَقد بِحَضْرَة الْمُغَفَّل الَّذِي لَا يضْبط وَحجَّة ذَلِك قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ((لَا نِكَاح إِلَّا بولِي مرشد وشاهدي عدل)) وَالْمعْنَى فِي ذَلِك الِاحْتِيَاط للأبضاع وصيانة النِّكَاح عَن الْجُحُود ولحفظ الْأَنْسَاب فَلَو عقد بِحَضْرَة الْفَاسِقين كشهود قُضَاة الرشا وشهود قسم الظلمَة وشبههم فَالنِّكَاح بَاطِل كَمَا لَو عقد بِحَضْرَة كَافِرين أَو عَبْدَيْنِ فَيَنْبَغِي أَن يتَنَبَّه لمثل ذَلِك ويتحرى مُرِيد النِّكَاح شُهُودًا عُدُولًا كَمَا جَاءَ فِي التَّنْزِيل وَأخْبر بِهِ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالله أعلم
(فرع) يشْتَرط فِي صِحَة عقد النِّكَاح حُضُور أَرْبَعَة ولي وَزوج وشاهدي عدل وَيجوز أَن يُوكل الْوَلِيّ وَالزَّوْج فَلَو وكل الْوَلِيّ وَالزَّوْج أَو أَحدهمَا أَو حضر الْوَلِيّ ووكيله وَعقد الْوَكِيل لم يَصح النِّكَاح لِأَن الْوَكِيل نَائِب الْوَلِيّ وَالله أعلم قَالَ
(وَأولى الْوُلَاة الْأَب ثمَّ الْجد أَبُو الْأَب ثمَّ الْأَخ للْأَب وَالأُم ثمَّ الْأَخ للْأَب ثمَّ ابْن الْأَخ للْأَب وَالأُم ثمَّ ابْن الْأَخ للْأَب ثمَّ الْعم ثمَّ ابْنه على هَذَا التَّرْتِيب)

(1/358)


أولى الْوُلَاة الْأَب لِأَن من عداهُ يُدْلِي بِهِ ثمَّ الْجد أَي أَبُو الْأَب وَإِن علا لِأَن لَهُ ولَايَة وعصوبة فَقدم على العاصب فَقَط ثمَّ الْأَخ من الْأَبَوَيْنِ أَو من الْأَب ثمَّ ابْنه وَإِن سفل لادلائهم بِالْأَبِ ثمَّ الْعم لِأَبَوَيْنِ أَو لأَب ثمَّ ابْنه وَإِن سفل ثمَّ سَائِر الْعَصَبَات وَالتَّرْتِيب فِي التَّزْوِيج كالترتيب فِي الْإِرْث إِلَّا فِي الْجد فَإِنَّهُ يقدم على الْأَخ هُنَا بِخِلَاف الْإِرْث وَإِلَّا فِي الابْن فَإِنَّهُ لَا يُزَوّج بالبنوة وَإِن قدم فِي الْإِرْث وَوجه عدم ولَايَته فِي النِّكَاح أَنه لَا مُشَاركَة بَينه وَبَين الْأُم فِي النّسَب فَلَا يعتني بِدفع الْعَار عَنهُ فَلَو شَارك الْأُم فِي النّسَب كَابْن هُوَ ابْن ابْن عَمها فَلهُ الْولَايَة بذلك لَا بالبنوة وَكَذَا إِذا كَانَ معتقاً أَو قَاضِيا أَو ولدت قرَابَة من وَطْء الشُّبْهَة بِأَن كَانَ ابْنهَا أخاها أَو ابْن أَخِيهَا أَو ابْن عَمها وَلَا تَمنعهُ الْبُنُوَّة التَّزْوِيج بالجهة الْأُخْرَى وَالله أعلم قَالَ
(فَإِن عدمت الْعَصَبَات فالمولى الْمُعْتق ثمَّ عصباته)
أَي الرجل ثمَّ عصبَة الْمولى وَهَكَذَا على تَرْتِيب الْإِرْث لقَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ((الْوَلَاء لحْمَة كلحمة النّسَب)) فَإِن كَانَ الْمُعْتق امْرَأَة فَالْأَصَحّ أَنه يُزَوّجهَا من يُزَوّج الْمُعتقَة لَكِن بِرِضا العتيقة وَلَا يشْتَرط رضَا الْمُعتقَة بِكَسْر التَّاء على الْأَصَح وَأما بعد موت الْمُعتقَة فيزوج من لَهُ الْوَلَاء فَيقدم ابْن الْمُعتقَة وَفِي وَجه تبقى ولَايَة الْأَب وَالله أعلم
(فرع) تزوج عَتيق بحرة الأَصْل فَأَتَت بابنة زَوجهَا بعد الْعَصَبَات الْحَاكِم وَقيل مولى الْأَب وَالله أعلم
(فرع) لَو خلف الْمُعْتق ابْنَيْنِ قَالَ ابْن الْحداد يُزَوّجهَا كل مِنْهُمَا على الِانْفِرَاد كالنسب وَالله أعلم
(ثمَّ الْحَاكِم)
أَي حَاكم الْموضع الَّذِي هِيَ فِيهِ لقَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ((السُّلْطَان ولي من لَا ولي لَهُ)) فَلَو أَذِنت لحَاكم بلد آخر لم يَصح قَالَه الْغَزالِيّ وَالله أعلم
(فرع) هَذَا التَّرْتِيب الَّذِي ذَكرْنَاهُ فِي الْأَوْلِيَاء مُعْتَبر فِي صِحَة النِّكَاح فَلَا يُزَوّج أحد وَهُنَاكَ

(1/359)


من هُوَ أقرب مِنْهُ لِأَنَّهُ حق مُسْتَحقّ بِالتَّعْصِيبِ فَأشبه الْإِرْث فَلَو زوج أحد مِنْهُم على خلاف التَّرْتِيب الْمَذْكُور لم يَصح النِّكَاح وَالله أعلم قَالَ
(وَلَا يجوز أَن يُصَرح بِخطْبَة مُعْتَدَّة وَيجوز أَن يعرض نِكَاحهَا قبل انْقِضَاء الْعدة)
الْخطْبَة بِكَسْر الْخَاء هِيَ التمَاس النِّكَاح ثمَّ الْمَرْأَة إِن كَانَت خلية عَن النِّكَاح وَالْعدة جَازَت خطبتها تَصْرِيحًا وتعريضاً قطعا وَإِن كَانَت مُزَوّجَة حرما قطعا وَإِن كَانَت مُعْتَدَّة حرم التَّصْرِيح بخطبتها وَأما التَّعْرِيض فَإِن كَانَت رَجْعِيَّة حرم التَّعْرِيض لِأَنَّهَا زَوْجَة وَإِن كَانَت فِي عدَّة الْوَفَاة وَمَا فِي مَعْنَاهَا كالبائن والمفسوخ نِكَاحهَا فَلَا يحرم التَّعْرِيض لقَوْله تَعَالَى {وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ} لِأَن فَاطِمَة بنت قيس طَلقهَا زَوجهَا فَبت طَلاقهَا فَقَالَ لَهَا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ((إِذا حللت فآذنيني)) وَفرق بَين التَّصْرِيح والتعريض بِأَنَّهُ إِذا صرح تحققت الرَّغْبَة فِيهَا فَرُبمَا كذبت فِي انْقِضَاء الْعدة لغَلَبَة الشَّهْوَة أَو غَيرهَا وَفِي التَّعْرِيض لَا يتَحَقَّق ذَلِك وَهَذَا الْفرق يَصح فِيمَا إِذا كَانَت عدتهَا بالاقراء دون الْأَشْهر مَعَ أَن الصَّحِيح أَنه لَا فرق بَين الْعدة بالإقراء أَو بِالْأَشْهرِ ثمَّ أَلْفَاظ التَّصْرِيح مَا كَانَ نصا فِي إِرَادَة التَّزْوِيج نَحْو أُرِيد أَن أنكحك وَإِذا حللت نكحتك والتعريض مَا يحْتَمل الرَّغْبَة وَعدمهَا كَقَوْلِه رب رَاغِب فِيك وَإِذا حللت فآذنيني وَمن يجد مثلك وَنَحْو ذَلِك ثمَّ هَذَا كُله فِيمَا إِذا خطبهَا غير صَاحب الْعدة أما صَاحبهَا الَّذِي يحل لَهُ نِكَاحهَا فِيهَا فَلهُ التَّصْرِيح وبخطبتها وَالله أعلم قَالَ
(وَالنِّسَاء على ضَرْبَيْنِ ثيبات وأبكار فالبكر يجوز للْأَب وَالْجد إجبارها على النِّكَاح وَالثَّيِّب لَا يجوز تَزْوِيجهَا إِلَّا بعد بُلُوغهَا وإذنها)
قد تقدم لَك تَرْتِيب الْأَوْلِيَاء من النّسَب وَغَيره وَلَا شكّ أَن أقوى أَسبَاب الْولَايَة الْأُبُوَّة ثمَّ الجدودة لكَمَال شفقتهما فَلهَذَا كَانَ للْأَب وَالْجد تَزْوِيج الْبكر من كُفْء بِغَيْر إِذْنهَا صَغِيرَة كَانَت أَو كَبِيرَة بِمهْر الْمثل لقَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام الثّيّب أَحَق بِنَفسِهَا من وَليهَا وَالْبكْر تستأمر وإذنها صماتها وَفِي رِوَايَة وإذنها سكُوتهَا والإجبار مَنُوط بالبكارة لَا بالصغر عندنَا خلافًا لأبي حنيفَة ثمَّ هَذَا إِذا لم يكن بَين الْأَب وَالْجد عَدَاوَة ظَاهِرَة فَإِن كَانَ فَفِي جَوَاز إجبارها وَجْهَان قَالَ ابْن كج

(1/360)


وَابْن الْمَرْزُبَان لَيْسَ لَهُ إجبارها وعَلى ذَلِك جرى الرَّافِعِيّ وَالنَّوَوِيّ قَالَ الحناطي وَيحْتَمل الْجَوَاز
قلت جزم الْمَاوَرْدِيّ وَالرُّويَانِيّ بِبَقَائِهِ على ولَايَته وأوردا على أَنفسهمَا بِأَن الْأَب إِذا كَانَ عدوا ووضعها تَحت غير كُفْء وَأجَاب بِأَن خوف الْعَار يرشد إِلَى دفع هَذَا التَّوَهُّم وَالله أعلم وَيسْتَحب أَن تستأذن الْبَالِغَة للْخَبَر وَلَو أقرّ الْأَب أَو الْجد بِالنِّكَاحِ حَيْثُ لَهُ الْإِجْبَار قبل على الْأَصَح لِأَنَّهُ يقدر على الْإِنْشَاء وَمن قدر على الْإِنْشَاء قدر على الاقرار وَفِي وَجه لَا يقبل حَتَّى تشاهده الْبَالِغَة وَلَو استأذنها فِي دون مهر الْمثل فَسَكَتَتْ لم يكف أَو فِي أَن يُزَوّجهَا بِغَيْر كُفْء فَسَكَتَتْ كفى فِي أصح الْوَجْهَيْنِ وَإِن زوج غير الْأَب وَالْجد فَلَا بُد من إِذن الْبكر بعد الْبلُوغ وَيَكْفِي السُّكُوت على الْأَصَح لعُمُوم الْخَبَر ثمَّ حَيْثُ يَكْفِي السُّكُوت فَسَوَاء ضحِكت أَو بَكت إِلَّا أَن تبْكي بصياح أَو ضرب خد فَلَا يَكْفِي وَلَا يكون رضَا وَالله أعلم وَأما الثّيّب أَي الْعَاقِلَة فَلَا يجوز تَزْوِيجهَا إِلَّا بِإِذْنِهَا بعد الْبلُوغ وإذنها النُّطْق لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الثّيّب تستنطق وَلَا استنطاق إِلَّا بعد الْبلُوغ بِالْإِجْمَاع فَإِن كَانَت مَجْنُونَة أَو صَغِيرَة جَازَ للْأَب وَالْجد تَزْوِيجهَا لَا لغَيْرِهِمَا لِأَن الْجُنُون إِذا انْضَمَّ إِلَى الصغر تأكدت الْولَايَة وَلَيْسَ لَهَا حَالَة تستأذن فِيهَا وَلَهُمَا ولَايَة الْإِجْبَار فِي الْجُمْلَة فاقتضت الْمصلحَة تَزْوِيجهَا وَيَكْفِي ظُهُور الْمصلحَة وَإِن لم يكن بهَا حَاجَة إِلَى النِّكَاح لِأَن النِّكَاح يفيدها الْمهْر وَالنَّفقَة هَذَا هُوَ الصَّحِيح وَقيل لَا تزوج الثّيّب الصَّغِيرَة الْمَجْنُونَة وَلَو كَانَت كَبِيرَة وَقد بلغت مَجْنُونَة جَازَ للْأَب وَالْجد تَزْوِيجهَا وَكَذَا يجوز للْحَاكِم عِنْد عدم الْأَب وَالْجد وَإِن كَانَ لَهَا قريب من أَخ وَغَيره هَذَا هُوَ الصَّحِيح لِأَن ولَايَته عَامَّة وَله ولَايَة على مَالهَا ويرجى شفاؤها وَبِهَذَا فَارَقت الصَّغِيرَة وَقيل يُزَوّجهَا الْقَرِيب كالأخ وَهل يلْزمه مُرَاجعَة أقاربها أَو يسْتَحبّ وَجْهَان ثمَّ الْحَاكِم إِنَّمَا يُزَوّجهَا بِظُهُور الْحَاجة بِأَن تظهر مخايل شهوتها أَو لقَوْل الْأَطِبَّاء إِن شفاءها يتَوَقَّع بِهِ فَيجب حينئذوفال ابْن الصّباغ لَا يُزَوّجهَا الْحَاكِم إِلَّا إِذا فال الْأَطِبَّاء إِن شفاءها فِيهِ فَلَو انْتَفَى ذَلِك فزوج لأجل النَّفَقَة أَو لمصْلحَة أُخْرَى لم يجز فِي الْأَصَح لِأَن تَزْوِيجهَا يَقع إجبارا وَغير للْأَب وَالْجد لَا يجْبر وَقيل يجوز كَمَا يُزَوّج الْأَب للْمصْلحَة أما إِذا بلغت عَاقِلَة ثمَّ جنت فَهَل للْأَب وَالْجد تَزْوِيجهَا إِذْ قُلْنَا لَا تعود ولَايَة المَال إِلَيْهِمَا وَجْهَان أصَحهمَا نعم وَفِي التَّتِمَّة يُزَوّجهَا الْأَب بِلَا خلاف وَالصَّحِيح أَنه تعود ولَايَة من لَهُ الْولَايَة بالجنون وَلَا يَلِي القَاضِي فعلى هَذَا الْأَب وَالْجد يُزَوّج لَا محَالة وَقَول الشَّيْخ وَالثَّيِّب لَا تزوج إِلَّا بعد بُلُوغهَا وإذنها يسْتَثْنى الصغيرى والمجنونة الثّيّب على مَا تقدم وَالله أعلم وَاعْلَم أَن الْبكارَة تَزُول بِوَطْء حَلَال أَو شُبْهَة أَو زنا وَفِي الْقَدِيم أَن الزَّانِيَة حكمهَا حكم الْبكر وَهُوَ ضَعِيف وَلَو حصلت الثيوبة بالسقطة أَو بإصبع أَو خدة الطمث وَهُوَ

(1/361)


الْحيض أَو طول التعنيس وَهُوَ بَقَاؤُهَا زَمَانا بعد أَن بلغت حد التَّزْوِيج وَلم تزوج فَالصَّحِيح أَنَّهَا كالأبكار وَلَو وطِئت مُكْرَهَة أَو نَائِمَة أَو مَجْنُونَة فَالْأَصَحّ أَنَّهَا كالثيب فَلَا بُد من نطقها وَقيل كالبكر قَالَ الصَّيْمَرِيّ وَلَو خلقت الْمَرْأَة بِلَا بكارة فَهِيَ بكر وَالله أعلم
(فرع) ادَّعَت الْمَرْأَة الْبكارَة أَو الثيوبة فَقطع الصَّيْمَرِيّ وَالْمَاوَرْدِيّ بِأَن القَوْل قَوْلهَا وَلَا يكْشف حَالهَا لِأَنَّهَا أعلم قَالَ الْمَاوَرْدِيّ وَلَا تسْأَل عَن الْوَطْء وَلَا يشْتَرط أَن يكون لَهَا زوج قَالَ الشَّاشِي وَفِي هَذَا نظر لِأَنَّهَا رُبمَا أذهبت بَكَارَتهَا بأصبعها فَلهُ أَن يسْأَلهَا فَإِن اتهمها حَلفهَا قلت طبع النِّسَاء نزاع إِلَى ادِّعَاء نفي مَا يجر إِلَى الْعَار فَيَنْبَغِي مُرَاجعَة القوابل فِي ذَلِك وَإِن كَانَ الأَصْل الْبكارَة لِأَن الزَّمَان قد كثر فَسَاده فَلَا بُد من مُرَاجعَة القوابل وَلَا يَكْفِي السُّكُوت احْتِيَاطًا للأبضاع والأنساب وَالله أعلم
(فرع) فِي أصل الرَّوْضَة أقرَّت لزوج وَأقر وَليهَا المقبول إِقْرَاره لآخر فَهَل المقبول إِقْرَارهَا أَو إِقْرَاره فِيهِ وَجْهَان بِلَا تَرْجِيح وَالله أعلم قلت وَفِي الْكِفَايَة لِابْنِ الرّفْعَة إِذا أقرَّت الْمَرْأَة بِالنِّكَاحِ وصدقها الزَّوْج قبل على الْجَدِيد فعلى هَذَا لَا يَكْفِي الاطلاق على الْأَصَح فَلَا بُد أَن تَقول زَوجنِي وليي بعد لين ورضاي حَيْثُ يعْتَبر وَكَذَا لَو ادّعى الزَّوْج فَهَل يشْتَرط عدم تَكْذِيب الْوَلِيّ وَالشُّهُود لَهَا فِيهِ أوجه أَصَحهَا لَا ثمَّ قَالَ فَإِذا قبلنَا إِقْرَارهَا وَإِن كذبهَا الْوَلِيّ فَلَو أقرَّت لشخص وَأقر الْمُجبر لآخر فَهَل يقبل إِقْرَاره أم إِقْرَارهَا وَجْهَان وَحكى الإِمَام عَن الْأَصْحَاب تردداً فِي قبُول إِقْرَار الْبكر وَمَعَهَا مجبر وَرجح عدم الْقبُول انْتهى مُلَخصا وَالله أعلم قَالَ
بَاب الْمُحرمَات
والمحرمات بِالنَّصِّ أَربع عشرَة سبع من جِهَة النّسَب وَهن الْأُم وَإِن علت وَالْبِنْت وَإِن سفلت وَالْأُخْت والعمة وَالْخَالَة وَبنت الْأَخ وَبنت الْأُخْت)
اعْلَم أَن أَسبَاب الْحُرْمَة المؤبدة للنِّكَاح ثَلَاث قرَابَة ورضاع ومصاهرة السَّبَب الأول الْقَرَابَة وَيحرم بهَا سبع كَمَا ذكرهن الشَّيْخ لقَوْله تَعَالَى {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ} إِلَى قَوْله {وَبَنَاتُ الْأُخْتِ} فَهَؤُلَاءِ مُحرمَات بِالنَّصِّ وَلَا تحرم بَنَات الْأَعْمَام والعمات والأخوال والخالات قربن أم بعدن عكس السابقات قَالَ الْأُسْتَاذ أَبُو مَنْصُور وَيحرم نسَاء الْقَرَابَة إِلَّا من دخلت فِي اسْم ولد العمومة أَو ولد الخؤولة وَالله أعلم قَالَ

(1/362)


(وَاثْنَتَانِ بِالرّضَاعِ وهما الْمُرضعَة وَالْأُخْت من الرَّضَاع)
هَذَا هُوَ السَّبَب الثَّانِي من الْمحرم وَهُوَ الرضَاعَة لقَوْله تَعَالَى {وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ} وَاعْلَم أَن كل مَا حرم بِالنّسَبِ حرم بالرضاعة كَمَا ذكره الشَّيْخ بعد لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يحرم من الرَّضَاع مَا يحرم من النّسَب وَفِي رِوَايَة مَا يحرم من الْولادَة
وَيسْتَثْنى من ذَلِك صور مِنْهَا أم أَخِيك أَو أختك من الرَّضَاع فَإِنَّهَا قد لَا تحرم كَمَا إِذا أرضعت أَجْنَبِيَّة أَخَاك أَو أختك فَإِنَّهَا لَا تحرم عَلَيْك وَفِي النّسَب تحرم لِأَنَّهَا إِمَّا أمك أَو زَوْجَة أبيَّة وَمِنْهَا أم نافلتك أَي أم ولد ولدك وَهِي فِي النّسَب حرَام لِأَنَّهَا إِمَّا بنتك أَو زَوْجَة ابْنك وَفِي الرَّضَاع قد لَا تكون بِنْتا وَلَا زَوْجَة ابْن بِأَن أرضعت أَجْنَبِيَّة ولد ولدك وَمِنْهَا جدة ولدك حرَام فِي النّسَب لِأَنَّهَا أم أمك أَو أم زَوجتك وَفِي الرَّضَاع قد لَا تكون كَذَلِك بِأَن أرضعت أَجْنَبِيَّة ولدك فَإِن أمهَا جدته وَلَيْسَت بأمك وَلَا بِأم زَوجتك وَمِنْهَا أُخْت ولدك حرَام بِالنّسَبِ لِأَنَّهَا إِمَّا بنتك أَو ربيبتك وَإِذا أرضعت أَجْنَبِيَّة ولدك فبنتها أُخْته وَلَيْسَت بنتك وَلَا ربيبتك
وَاعْلَم أَن أُخْت الْأَخ فِي النّسَب وَالرّضَاع لَا تحرم وَصورته فِي النّسَب أَن يكون لَك أُخْت لأم وَأَخ لأَب فَيجوز لَهُ نِكَاحهَا لِأَنَّهَا لَيست بأخته من أَبِيه وَلَا أُخْته من أمه بل هِيَ من رجل آخر وَأم أُخْرَى فَهِيَ أَجْنَبِيَّة وَصورته من الرَّضَاع أَن امْرَأَة أَرْضَعتك وأرضعت صَغِيرَة أَجْنَبِيَّة مِنْك يجوز لأخيك نِكَاحهَا وَهِي أختك من الرَّضَاع وَقد ذكر الرَّافِعِيّ هَذِه الْمسَائِل الْأَرْبَع فِي كونهن لَا يحرمن من الرَّضَاع ويحرمن من النّسَب وَقد نظمها بَعضهم فَقَالَ
أَربع فِي الرَّضَاع هن حَلَال
وَإِذا مَا ناسبهن حرَام ... جدة ابْن أُخْته ثمَّ أم
لِأَخِيهِ وحاقد وَالسَّلَام
وَقَالَ فِي الرَّوْضَة قلت كَذَا قَالَ جمَاعَة من أَصْحَابنَا تستثنى الْأَرْبَع وَقَالَ الْمُحَقِّقُونَ لَا حَاجَة إِلَى إستثنائها لِأَنَّهَا لَيست دَاخِلَة فِي الضَّابِط لهَذَا لم يستثنها الشَّافِعِي انْتهى وَكَذَا لم يسْتَثْن فِي الحَدِيث الصَّحِيح وَهُوَ (يحرم من الرَّضَاع مَا يحرم من النّسَب) وَبَيَان كَونهَا لم تدخل فِي الضَّابِط

(1/363)


أَن أم الْأَخ فِي النّسَب لم تحرم لكَونهَا أم أَخ بل لكَونهَا أما أَو حَلِيلَة أَب وَلَا كَذَلِك الرَّضَاع وَقس الْبَاقِي وَالله أعلم
وَزَاد ابْن الرّفْعَة أم الْعم وَأم الْعمة وَأم الْخَال وَأم الْخَالَة من الرَّضَاع لَا يحرمن فَلَا تحرم عَلَيْك أم عمك وَلَا أم عَمَّتك وَلَا أم خَالك وَلَا أم خالتك من الرَّضَاع وَالله أعلم قَالَ
(وَأَرْبع بالمصاهرة وَهن أم الزَّوْجَة والربيبة إِذا خلا بِالْأُمِّ وَزَوْجَة الْأَب وَزَوْجَة الابْن)
هَذَا هُوَ السَّبَب الثَّالِث وَهُوَ الْمُصَاهَرَة فَيحرم بهَا على التأييد أَربع إِحْدَاهُنَّ أم امْرَأَتك وَكَذَا جداتها بِمُجَرَّد العقد سَوَاء فِي ذَلِك من النّسَب أَو الرَّضَاع لقَوْله تَعَالَى {وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ} وَفِي وَجه لَا تحرم إِلَّا بِالدُّخُولِ كالربيبة وَهُوَ ضَعِيف الثَّانِيَة بنت الزَّوْجَة سَوَاء بنت النّسَب أَو الرَّضَاع وَكَذَا بَنَات أَوْلَادهَا بِشَرْط أَن يدْخل بِالْأُمِّ فَإِن بَانَتْ مِنْهُ قبل الدُّخُول بهَا حللن لَهُ وَإِن دخل بهَا حرمن عَلَيْهِ على التَّأْبِيد لقَوْله تَعَالَى {وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ} وَقَول الشَّيْخ إِذا خلا بِالْأُمِّ المُرَاد الْخلْوَة الدُّخُول بهَا لِأَنَّهُ اصْطِلَاح عرفي والربيبة بنت الزَّوْجَة من غَيره وَإِن لم تكن فِي حجره وَذكر الحجور ورد على الْغَالِب
فَإِن قلت لم حرمت أم الزَّوْجَة بِمُجَرَّد العقد بِخِلَاف الْبِنْت فَإِنَّهَا لَا تحرم إِلَّا بِالدُّخُولِ على أمهَا فَالْجَوَاب أَن الزَّوْج يبتلى فِي الْعَادة بمعاملة أم الزَّوْجَة عقب العقد لِأَنَّهَا ترَتّب أَمر بَيتهَا فَحرمت بِمُجَرَّد العقد لتمكن من الْخُلُو بهَا لذَلِك بِخِلَاف الْبِنْت
وَاعْلَم أَنه لَا يحرم على الرجل بنت زوج الْأُم وَلَا أمه وَلَا بنت زوج الْبِنْت وَلَا ابْنَته وَلَا أم زَوْجَة الْأَب وَلَا ابْنَتهَا وَلَا أم زَوْجَة الابْن وَلَا ابْنَتهَا وَلَا زَوْجَة الربيب وَلَا زَوْجَة الراب الثَّالِثَة زَوْجَة الْأَب حرَام وَكَذَا زَوْجَة الأجداد سَوَاء فِي ذَلِك من جِهَة الْأَب أَو الْأُم وَسَوَاء فِي ذَلِك من النّسَب أَو الرَّضَاع لقَوْله تَعَالَى {وَلا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} فاسم الْأُبُوَّة صَادِق على الْكل بِاعْتِبَار الْحَقِيقَة وَالْمجَاز أَو بِاعْتِبَار الْحَقِيقَة مُطلقًا وَالله أعلم الرَّابِعَة زَوْجَة الابْن حرَام وَكَذَا بَنو الابْن وَإِن سلفوا سَوَاء فِي ذَلِك النّسَب وَالرّضَاع لقَوْله تَعَالَى {وَحَلائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ} وَالْمرَاد أَنه لَا تحرم زَوْجَة الْوَلَد الَّذِي تبناه وَهَذَا التَّحْرِيم بِالْعقدِ وَالله أعلم

(1/364)


وَاعْلَم أَن هَذَا التَّحْرِيم مَحَله فِي العقد الصَّحِيح أما بِالنِّكَاحِ الْفَاسِد فَلَا تتَعَلَّق بِهِ حُرْمَة الْمُصَاهَرَة لِأَنَّهُ لَا يُفِيد حل الْمَنْكُوحَة نعم وَطْء الشُّبْهَة يحرم فَإِذا تزوج امْرَأَة وَوَطئهَا أَبوهُ أَو ابْنه بِشُبْهَة انْفَسَخ نِكَاحهَا لِأَنَّهُ معنى يؤبد الْحُرْمَة فَإِذا طَرَأَ أبطل النِّكَاح كالرضاع وَقَول الشَّيْخ يحرم من الرَّضَاع مَا يحرم من النّسَب قد تقدم وَمَا يسْتَثْنى مِنْهُ وَالله أعلم قَالَ
(وَاحِدَة من جِهَة الْجمع وَهِي أُخْت الزَّوْجَة وَلَا يجمع بَين الْمَرْأَة وعمتها وَلَا بَين الْمَرْأَة وخالتها)
يحرم على الرجل أَن يجمع فِي نِكَاح بَين الْمَرْأَة وَأُخْتهَا سَوَاء فِي ذَلِك الْأخْتَان من الْأَبَوَيْنِ أَو من الْأَب أَو من الْأُم وَسَوَاء فِي ذَلِك الْأُخْت من النّسَب أَو لرضاع لقَوْله تَعَالَى {وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ} عطف سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى تَحْرِيم الْجمع على تَحْرِيم الْمُحرمَات الْمَذْكُورَات فِي أول الْآيَة وَفِي الحَدِيث مَلْعُون من جمع مَاءَهُ فِي رحم الْأُخْتَيْنِ وَكَذَلِكَ يحرم الْجمع بَين الْمَرْأَة وعمتها وَبَين الْمَرْأَة وخالتها لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ((لَا يجمع بَين الْمَرْأَة وعمتها وَلَا بَين الْمَرْأَة وخالتها)) وَالْمعْنَى فِي منع الْجمع فِيمَا تقدم أَنه يُؤَدِّي إِلَى قطع الرَّحِم وكما يحرم الْجمع بَين الْمَرْأَة وعمتها كَذَلِك يحرم الْجمع بَين الْمَرْأَة وَبنت أَخِيهَا وَبَنَات أَوْلَاد أَخِيهَا وَكَذَلِكَ بَين الْمَرْأَة وَبنت أُخْتهَا وَبَنَات أَوْلَاد أُخْتهَا سَوَاء فِي ذَلِك النّسَب وَالرّضَاع وَضَابِط من يحرم الْجمع بَينهمَا كل امْرَأتَيْنِ لَو قدرت إِحْدَاهمَا ذكر لما حل لَهُ نِكَاح الْأُخْرَى لأجل الْقَرَابَة واحترزنا بِالْقَرَابَةِ عَن الْمَرْأَة وَأم زَوجهَا وَعَن الْمَرْأَة وَابْنَة زَوجهَا فَإِنَّهُ يجوز الْجمع بَينهمَا وَإِن كَانَت إِحْدَاهمَا لَو كَانَت ذكرا لم تحل لِلْأُخْرَى وَالله أعلم
(فرع) ملك أمة فادعت أَنَّهَا أُخْته من الرَّضَاع فَإِن كَانَ ذَلِك قبل أَن يملكهَا لم تحل لَهُ وَإِن ادَّعَتْهُ بعد أَن مكنته من الْوَطْء لم تحرم عَلَيْهِ وَإِن ادَّعَتْهُ بعد الْملك وَقبل الْوَطْء فَوَجْهَانِ جاريان فِيمَا إِذا ادَّعَت أَنَّهَا مَوْطُوءَة أَبِيه وَلَو ادَّعَت إخْوَة نسب لم تحرم عَلَيْهِ لِأَن النّسَب لَا يثبت بِالنسَاء فَلَا يثبت بِهن التَّحْرِيم بِالنّسَبِ بِخِلَاف الرَّضَاع قَالَه القَاضِي حُسَيْن وَالله أعلم
(فرع) كل امْرَأتَيْنِ يحرم الْجمع بَينهمَا فِي النِّكَاح يحرم الْجمع بَينهمَا فِي الْوَطْء بِملك الْيَمين لَكِن يجوز الْجمع بَينهمَا فِي أصل الْملك وَالله أعلم قَالَ

(1/365)


بَاب عُيُوب الْمَرْأَة وَالرجل
(وَترد الْمَرْأَة بِخَمْسَة عُيُوب بالجنون والجذام والبرص والرتق والقرن وَيرد الرجل أَيْضا بِخَمْسَة عُيُوب بالجنون والجذام والبرص والجب والعنة)
لَا شكّ أَن النِّكَاح يُرَاد للدوام ومقصوده الْأَعْظَم الِاسْتِمْتَاع وَهَذِه الْعُيُوب مِنْهَا مَا يمْنَع الْمَقْصُود الْأَعْظَم وَهُوَ الْوَطْء كالجب وَهُوَ قطع الذّكر والعنة فَإِنَّهَا تمنع الْجِمَاع أَو الرتق وَهُوَ انسداد مَحل الْجِمَاع بِاللَّحْمِ وَكَذَا الْقرن لِأَنَّهُ عظم فِي الْفرج يمْنَع الْجِمَاع أَو مَا يشوش النَّفس فَيمْنَع كَمَال الِاسْتِمْتَاع كالجنون والجذام وَهُوَ عِلّة صعبة يحمر مِنْهَا الْعُضْو ثمَّ يسود ثمَّ يَنْقَطِع ويتناثر نسْأَل الله الْكَرِيم الْعَافِيَة والبرص فَيثبت الْخِيَار بِسَبَب ذَلِك لأَنا لَو لم نثبت الْخِيَار فِي الْفَسْخ بذلك لَأَدَّى إِلَى دوَام الضَّرَر وَلَا ضَرَر فِي الْإِسْلَام
وَالْأَصْل فِي ذَلِك مَا رُوِيَ أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام تزوج امْرَأَة من غفار فَلَمَّا دخلت عَلَيْهِ رأى بكشحها بَيَاضًا فَقَالَ البسي ثِيَابك والحقي بأهلك وَقَالَ لأَهْلهَا دلستم عَليّ رُوِيَ عَن ابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ والكشح الْجنب فَثَبت فِي البرص النَّص وَقس الْبَاقِي عَلَيْهِ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَاهُ فِي الْمَنْع من كَمَال الِاسْتِمْتَاع وَأولى وروى ابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ ((ايما رجل تزوج امْرَأَة بهَا جُنُون أَو جذام أَو برص فمسها فلهَا صَدَاقهَا وَذَلِكَ لزَوجهَا على وَليهَا)) وَلِأَن النِّكَاح عقد مُعَاوضَة قَابل للرفع فَجَاز رَفعه بِسَبَب الْعُيُوب المؤثرة فِي الْمَقْصُود كَالْبيع وَلَا فرق فِي الْجُنُون بَين المطبق والمتقطع وَسَوَاء كَانَ يقبل العلاج أم لَا وَلَا يلْحق بِهِ الْإِغْمَاء إِلَّا أَن يَزُول الْمَرَض وَيبقى زَوَال الْعقل وَبِالْجُمْلَةِ فَهَذِهِ الْعُيُوب سَبْعَة ثَلَاثَة يشْتَرك فِيهَا الزَّوْجَانِ وَهِي الْجُنُون والجذام والبرص وَاثْنَانِ يختصان بِالزَّوْجِ وهما الْجب والعنة وَاثْنَانِ يختصان بِالْمَرْأَةِ وهما الرتق والقرن وَيُمكن حُصُول خَمْسَة فِي كل من الزَّوْجَيْنِ كَمَا ذكره الشَّيْخ رَحمَه الله تَعَالَى قَالَ الرَّافِعِيّ والعبارة للروضة وَمَا سواهَا من الْعُيُوب لَا خِيَار بِهِ على الصَّحِيح الَّذِي قطع بِهِ الْجُمْهُور فَلَا يثبت الْخِيَار بالصنان والبخر وَإِن لم يقبلا العلاج وَلَا بدوام الاستيحاضة والقروح السائلة وَمَا فِي معنى ذَلِك وَقيل يثبت فِي ذَلِك لحُصُول التنفير ثمَّ إِن الرَّافِعِيّ ذكر فِي بَاب الدِّيات أَن الْمَرْأَة إِن كَانَت لَا تتحمل الْوَطْء إِلَّا بالافضاء لم يجز للزَّوْج وَطْؤُهَا قَالَ الْغَزالِيّ إِن كَانَ سَببه ضيق المنفذ بِحَيْثُ

(1/366)


يُخَالف الْعَادة فَلهُ الْخِيَار وَالْمَشْهُور من كَلَام الْأَصْحَاب أَنه لَا يثبت الْخِيَار بِمثل هَذَا ثمَّ قَالَ وَيُشبه أَن يُقَال إِن كَانَت الْمَرْأَة تتحمل وَطْء نحيف مثلهَا فَلَا فسخ وَإِن كَانَ بِسَبَب ضيق المنفذ بِحَيْثُ يحصل بِهِ الافضاء من كل وَطْء فَهَذَا كالرتق وَينزل مَا قَالَه الْأَصْحَاب على الْحَالة الأولى وَمَا قَالَه الْغَزالِيّ على الْحَالة الثَّانِيَة قَالَ الرَّافِعِيّ
وَلَا خِيَار بِكَوْن الزَّوْج أَو الْمَرْأَة عقيماً وَلَا بِكَوْنِهَا مفضاة والافضاء هُوَ رفع الْحَاجة بَين مخرج الْبَوْل ومدخل الذّكر وَالله أعلم قَالَ
بَاب الصَدَاق فصل وَيسْتَحب تَسْمِيَة الْمهْر فِي النِّكَاح فَإِن لم يسم صَحَّ العقد وَوَجَب مهر الْمثل بِثَلَاثَة أَشْيَاء أَن يفرضه الْحَاكِم أَو يفرضه الزَّوْجَانِ أَو يدْخل بهَا فَيجب مهر الْمثل
الصَدَاق بِفَتْح الصَّاد وَكسرهَا هُوَ اسْم لِلْمَالِ الْوَاجِب للْمَرْأَة على الرجل بِالنِّكَاحِ أَو الْوَطْء وَله اسماء صدَاق ونحلة وفريضة وَأجر وَهَذِه فِي الْقُرْآن الْعَزِيز وَمهر وعقيلة وعقر وَهَذِه فِي السّنة الشَّرِيفَة وَالصَّدَاق مَأْخُوذ من الصدْق وَهُوَ الشَّديد الصلب لِأَنَّهُ أَشد الأعواض ثبوتاً فَإِنَّهُ لَا يسْقط بِالتَّرَاضِي وَالْأَصْل فِي الْكتاب وَالسّنة قَالَ الله تَعَالَى {وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً} والنحلة الْهِبَة وَسمي نحلة لِأَن الْمَرْأَة تستمتع بِالزَّوْجِ كَهُوَ بل هِيَ أَكثر فَكَأَنَّهَا تَأْخُذ الصَدَاق من غير مُقَابلَة شَيْء وَمن السّنة قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ((التمس وَلَو خَاتمًا من حَدِيد)) ثمَّ إِنَّه لم يجده فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ((زوجتكما بِمَا مَعَك من الْقُرْآن)) إِذا عرفت هَذَا فالمستحب أَن لَا يعْقد النِّكَاح إِلَّا بِصَدَاق اقْتِدَاء برَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَإِنَّهُ لم يعْقد إِلَّا بمسمى وَلِأَنَّهُ أدفَع للخصومة وَمُقْتَضى كَلَام الشَّيْخ أَن الْمهْر لَيْسَ ركنا فِي النِّكَاح وَهُوَ كَذَلِك قَالَ الْأَصْحَاب لَيْسَ الْمهْر ركنا فِي النِّكَاح بِخِلَاف البيع فَإِن ذكر الثّمن ركن فِيهِ وَالْفرق أَن الْمَقْصُود الْأَعْظَم من النِّكَاح الِاسْتِمْتَاع وتوابعه وَهُوَ قَائِم بالزوجين فَلهَذَا لم يكن ركنا فِي النِّكَاح بِخِلَاف البيع فَإِن الْعِوَض مَقْصُود فِيهِ وَيدل على مَا ذَكرْنَاهُ فِي النِّكَاح بِاعْتِبَار جَوَاز اخلائه عَن ذكر الصَدَاق قَوْله تَعَالَى {لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَة} وَهُوَ دَلِيل لمسألة التفريض الَّتِي ذكرهَا الشَّيْخ بقوله فَإِن لم يسم صَحَّ العقد وَمعنى التفريض إخلاء النِّكَاح عَن ذكر الصَدَاق وَصورته أَن يصدر من مُسْتَحقّ الْمهْر وَذَلِكَ

(1/367)


بِأَن تَقول الْبَالِغَة الرشيدة ثَيِّبًا كَانَت أوبكرا زَوجنِي بِلَا مهر أَو على أَن لَا مهر لي فيزوجها الْوَلِيّ وينفي الْمهْر أَو يسكت وَمن التَّفْوِيض الصَّحِيح أَيْضا أَن يَقُول سيد الْأمة زوجتكها بِلَا مهر أَو يسكت لِأَنَّهُ مُسْتَحقّ الْمهْر فَإِذا وَقع العقد صَحِيحا لم يجب بِهِ مهر على الْجَدِيد الْأَظْهر كَمَا هُوَ مُقْتَضى كَلَام الشَّيْخ رَحمَه الله وَوجه عدم ثُبُوته بِالْعقدِ أَنه حَقّهَا فَإِذا رضيت بِعَدَمِ ثُبُوته لم يثبت وَلِأَن الصَدَاق لَو وَجب بِالْعقدِ لتنصف بِالطَّلَاق وعَلى الْأَظْهر هَل يَقُول ملكت بِالْعقدِ أَن تملك مهر الْمثل أَو أَن تملك مهْرا مَا فِيهِ قَولَانِ وَبِالْجُمْلَةِ فلهَا مُطَالبَة الزَّوْج بِفَرْض مهر قبل الْمس وَهُوَ الْوَطْء لِأَن خلو العقد عَن الْمهْر خَاص بِالنَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ولتكن على تثبت مِمَّا تسلم نَفسهَا بِهِ
وَله طرق كَمَا ذكره الشَّيْخ
أَحدهَا أَن يفرضه القَاضِي وَذَلِكَ عَن امْتنَاع الزَّوْج من الْفَرْض أَو عِنْد تنازعهما فِي الْقدر الْمَفْرُوض فيفرض الْحَاكِم مهر الْمثل بِنَقْد الْبَلَد حَالا وَلَا يزِيد على مهر الْمثل وَلَا ينقص كَمَا فِي قيم الْمُتْلفَات نعم الزِّيَادَة وَالنَّقْص اليسيران الْوَاقِع مِنْهُمَا فِي مَحل الِاجْتِهَاد لَا اعْتِبَار بِهِ وَيشْتَرط علم الْحَاكِم بِقدر مهر الْمثل وَإِذا فرض لم يتَوَقَّف لُزُومه على رضَا الْخَصْمَيْنِ لِأَنَّهُ حكم مِنْهُ وَحكم القَاضِي لَا يفْتَقر لُزُومه إِلَى رضَا الْخَصْمَيْنِ
الطَّرِيق الثَّانِي أَن يفرضه الزَّوْجَانِ فَإِن قدرا قدر مهر الْمثل وهما يعلمَانِهِ فَلَا كَلَام وَإِن جهلا قدر مهر الْمثل أَو أَحدهمَا وَقدرا فرضا فَقَوْلَانِ أظهرهمَا عِنْد الْجُمْهُور صِحَة مَا قدراه نَص عَلَيْهِ فِي الْأُم سَوَاء كَانَ قدر مهر الْمثل أَو دونه أَو فَوْقه وَسَوَاء كَانَ من جنسه أَو من غير جنسه وَسَوَاء كَانَ من نقد أَو عرض وَسَوَاء كَانَ حَالا أَو مُؤَجّلا لِأَن الْفَرْض بِمَنْزِلَة الاصداق وَلَو تَرَاضيا على صدَاق عِنْد العقد كَذَلِك صَحَّ وَلِهَذَا لَو طَلقهَا قبل الدُّخُول يشطر مَا فرضاه لِأَنَّهُ كالمسمى فِي العقد
الطَّرِيق الثَّالِث أَن يدْخل بهَا قبل فرض من الْحَاكِم وَقبل تراضيهما على شَيْء فَيجب لَهَا بِهِ مهر الْمثل لِأَن الْوَطْء بِلَا مهر خَاص بِالنَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلِأَن الْبضْع فِيهِ حق الله وَلِهَذَا لَا يُبَاح بِالْإِبَاحَةِ فيصان عَن صُورَة الاباحة ثمَّ الْمُعْتَبر مهر مثلهَا وَقت الْوَطْء أم وَقت العقد أم أَكثر مهْرا من يَوْم العقد إِلَى الْوَطْء فِيهِ أوجه اصحهما فِي الْمُحَرر والمنهاج أَن الِاعْتِبَار بِيَوْم العقد وَهَذَا الْوَجْه لم يحكه فِي الرَّوْضَة بِالْكُلِّيَّةِ بل صحّح أَن الْوَاجِب أَكثر مهْرا من يَوْم العقد إِلَى الْوَطْء وَنَقله الرَّافِعِيّ عَن المعتبرين ثمَّ نقل الرَّافِعِيّ فِي بَاب الْعتْق أَن الْأَكْثَرين على إعتبار يَوْم العقد ذكره عِنْد شِرَائِهِ نصيب الشَّرِيك وَالله أعلم وَلَو مَاتَ أحد الزَّوْجَيْنِ قبل الْفَرْض وَالْوَطْء فَهَل يجب مهر الْمثل أم لَا يجب شَيْء فِيهِ خلاف مَبْنِيّ على حَدِيث بروع بنت واشق فَإِنَّهَا نكحت بِلَا مهر فَمَاتَ زَوجهَا قبل أَن يفْرض لَهَا فقضي لَهَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِمهْر نسائها وَالْمِيرَاث فَاخْتلف الْأَصْحَاب فِي ذَلِك على

(1/368)


طرق فَقيل إِن ثَبت الحَدِيث وَجب الْمهْر وَإِلَّا فَقَوْلَانِ وَقيل إِن لم يثبت فَلَا مهر وَقيل إِن ثَبت وَجب الْمهْر وَإِلَّا فَلَا يجب وَقيل قَولَانِ مُطلقًا وَهُوَ الْأَصَح وَبِه قطع الْعِرَاقِيُّونَ وَاخْتلفُوا فِي الْأَرْجَح من الْقَوْلَيْنِ فَقَالَ الرَّافِعِيّ رجح صَاحب التَّقْرِيب وَالْمُتوَلِّيّ الْوُجُوب وَرجح الْعِرَاقِيُّونَ وَالْإِمَام وَالْبَغوِيّ وَالرُّويَانِيّ أَنه لَا يجب وَمُقْتَضَاهُ رُجْحَان الثَّانِي وَهُوَ أَنه لَا يجب وَصرح بِتَصْحِيحِهِ فِي الْمُحَرر وَقَالَ النَّوَوِيّ فِي الْمِنْهَاج الْأَظْهر وُجُوبه وَلَفظ الرَّوْضَة
قلت الرَّاجِح تَرْجِيح الْوُجُوب والْحَدِيث صَحِيح رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَغَيرهم وَقَالَ التِّرْمِذِيّ حَدِيث حسن صَحِيح وَالِاعْتِبَار بِمَا قيل فِي إِسْنَاده وَقِيَاسًا على الدُّخُول فَإِن الْمَوْت مُقَرر كالدخول وَلَا وَجه لِلْقَوْلِ الآخر مَعَ صِحَة الحَدِيث وَالله أعلم فَإِن أَوجَبْنَا مهر الْمثل فَهَل الِاعْتِبَار بِيَوْم العقد أم بِيَوْم الْمَوْت أم بأكثرهما فِيهِ أوجه لَيْسَ فِي الرَّافِعِيّ وَلَا فِي الرَّوْضَة تَرْجِيح وَالله أعلم وَلَو طَلقهَا قبل الدُّخُول وَالْفَرْض وَجَبت لَهَا الْمُتْعَة وَلَا تشطير تَفْرِيعا على الْأَظْهر أَنه لَا يجب بِالْعقدِ شَيْء فينحط الْأَمر إِلَى الْمُتْعَة لمَفْهُوم قَوْله تَعَالَى {وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ} فَخص سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى التشطير بالمفروض
وَاعْلَم أَن مهر الْمثل هُوَ الْقدر الَّذِي يرغب بِهِ فِي أَمْثَال الْمَرْأَة وَلَكِن الرُّكْن الْأَعْظَم النّسَب فيراعى أقرب من ينْسب إِلَى من تنتسب إِلَيْهِ هَذِه الْمَرْأَة كالأخت ويرعى فِي نسَاء الْعَصَبَات قرب الدرجَة وَإِن متن وأقربهن الْأُخْت لِلْأَبَوَيْنِ ثمَّ لأَب ثمَّ بَنَات الْأُخوة لِلْأَبَوَيْنِ ثمَّ لأَب ثمَّ العمات كَذَلِك ثمَّ بَنَات الْأَعْمَام فَإِن تعذر نسَاء الْعَصَبَات اعْتبر بذوات الْأَرْحَام كالجدات والخالات وَيقدم الْقُرْبَى فالقربى من الْجِهَات وَكَذَا تقدم الْقُرْبَى فالقربى من الْجِهَة الْوَاحِدَة وَقد يتَعَذَّر ذَلِك إِمَّا بفقدهن أَو لِأَنَّهَا لم ينكحن أَو للْجَهْل بِمِقْدَار مهورهن وَحِينَئِذٍ فالاعتبار بِمِثْلِهَا من الأجنبيات وَتعْتَبر الْعَرَبيَّة بعربية مثلهَا وَالْأمة بِأمة مثلهَا وَينظر إِلَى شرف سَيِّدهَا وَعَدَمه وَيعْتَبر مهر الْمُعتقَة بمعتقة مثلهَا وَيعْتَبر مَعَ مَا ذكرنَا نسَاء الْبَلَد فَإِن كَانَ نسَاء عصباتها ببلدتين هِيَ فِي إِحْدَاهمَا اعْتبر بعصبات بَلَدهَا فَإِن كن كُلهنَّ ببلدة أُخْرَى فالاعتبار بِهن لَا بأجنبيات بَلَدهَا
قلت كَذَا جزم بِهِ الرَّافِعِيّ وَالنَّوَوِيّ وَهُوَ غير خَال عَن الأشكال وبالمثال بِظهْر الاشكال مِثَاله امْرَأَة فِي قَرْيَة من قرى مَدِينَة مثل تِلْكَ الْمَرْأَة فِي قريتها مَعَ ظُهُور الرَّغْبَة أَلفَانِ وَمهر أخواتها فِي الْمَدِينَة مِائَتَان فَكيف تمهر مَعَ الرَّغْبَة بالألفين فَإِن فرض تَسَاوِي البلدين فِي الْمهْر أَو حصل تفَاوت قريب سهل الْأَمر وَإِلَّا فالاشكال قوي فَيَنْبَغِي الْأَخْذ بِهِ وَالله أعلم وَاعْلَم أَنه تعْتَبر

(1/369)


الْمُشَاركَة فِي الصِّفَات المرغبة كالعفة وَالْجمال وَالسّن وَالْعقل واليسار والبكارة وَالْعلم والفصاحة وَشرف الْأَبَوَيْنِ وَسَائِر الصِّفَات الَّتِي تخْتَلف بهَا الْأَغْرَاض وَمَتى اخْتصّت بِصفة مرغبة زيد فِي مهرهَا وَإِن كَانَ فِيهَا نقص لَيْسَ فِي النسْوَة الْمُعْتَبرَات نقص فِي الْمهْر بِقدر مَا يَلِيق بِهِ وَلَو سامحت وَاحِدَة لم تلْزم الْمُسَامحَة وَالله أعلم قَالَ
(وَلَيْسَ لأَقل الصَدَاق وَأَكْثَره حد وَيجوز أَنه يَتَزَوَّجهَا على مَنْفَعَة مَعْلُومَة)
لَيْسَ للصداق حد فِي الْقلَّة وَلَا فِي الْكَثْرَة بل كل مَا جَازَ أَن يكون ثمنا من عين أَو مَنْفَعَة جَازَ جعله صَدَاقا وَقَالَ أَبُو ثَوْر يتَقَدَّر بِخَمْسَة دَرَاهِم وَأَبُو حنيفَة بِعشْرَة دَرَاهِم وَهَذَا التَّقْدِير إِن ثَبت فِيهِ سنة وَإِلَّا فَهُوَ تحكم وَفِي السّنة الشَّرِيفَة مَا يدل لما قُلْنَا فَفِي الصَّحِيحَيْنِ أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام قَالَ للرجل الَّذِي أَرَادَ التَّزْوِيج التمس وَلَو خَاتمًا من حَدِيد وَهُوَ حَدِيث مطول وَفِي آخِره زوجتكها بِمَا مَعَك من الْقُرْآن وَفِيه دَلِيل للْمُبَالَغَة فِي الْقلَّة وَجَوَاز جعل الْمَنْفَعَة صَدَاقا وَفِي حَدِيث عَامر بن ربيعَة أَن امْرَأَة من بني فَزَارَة تزوجت على نَعْلَيْنِ فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أرضيت من نَفسك وَمَالك بنعلين قَالَت نعم فَأَجَازَهُ قلت وَفِي الِاسْتِدْلَال على أبي حنيفَة بِهِ وَقْفَة لجَوَاز أَن النَّعْلَيْنِ كَانَا يعدلان عشرَة دَرَاهِم وَأحسن من هَذَا فِي الرَّد قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَدّوا العلائق قيل وَمَا العلائق قَالَ مَا تراضى بِهِ الأهلون وبالقياس فَيُقَال إِنَّه لَا يتَقَدَّر لِأَنَّهُ بدل مَنْفَعَتهَا فَلَا يتَقَدَّر كالأجرة ثمَّ هَذَا فِي الْمَرْأَة الرشيدة وَفِي سيد الْأمة أما الْوَلِيّ إِذا زوج الْمَحْجُور عَلَيْهَا فَلَيْسَ لَهُ النُّزُول عَن مهر مثلهَا نعم يسْتَحبّ أَن لَا ينقص عَن عشرَة دَرَاهِم لِلْخُرُوجِ من خلاف أبي حنيفَة وَيسْتَحب أَن لَا يُزَاد على صدَاق أَزوَاج رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ خَمْسمِائَة دِرْهَم فَإِن قلت فَهَذِهِ أم حَبِيبَة زوج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لِأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام أصدقهَا أَرْبَعمِائَة دِينَار
فَالْجَوَاب أَن هَذَا الْقدر من فعل النَّجَاشِيّ رَضِي الله عَنهُ من مَاله اكراماً لسَيِّد الْأَوَّلين والآخرين صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لِأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام أَدَّاهُ وَعقد بِهِ وَفعل ذَلِك النَّجَاشِيّ رَضِي الله عَنهُ جَريا على أَخْلَاق الْمُلُوك اسْتِعْمَالا لحسن الصنيعة وَالله أعلم قَالَ
(وَيسْقط بِالطَّلَاق قبل الدُّخُول نصف الْمهْر)
اعْلَم أَن الْمَرْأَة تملك الصَدَاق بِالْعقدِ الصَّحِيح أَو بِالْفَرْضِ لِأَنَّهُ عقد يملك بِهِ الْعِوَض وَهُوَ

(1/370)


الِانْتِفَاع بالبضع وتوابعه فتملك بِهِ الْعِوَض كَالْبيع وَهَذَا إِذا كَانَت التَّسْمِيَة صَحِيحَة وَإِلَّا فتملك مهر الْمثل ثمَّ استقراره يحصل بطريقين
أَحدهمَا الْوَطْء وَإِن كَانَ حَرَامًا كَالْوَطْءِ فِي الْحيض أَو الاحرام لقَوْله تَعَالَى {وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ} وَفسّر الافضاء بِالْجِمَاعِ وَيحصل ذَلِك بوطأة وَاحِدَة
الطَّرِيق الثَّانِي يسْتَقرّ بِمَوْت أحد الزَّوْجَيْنِ وَلَو قبل الدُّخُول لِأَن بِالْمَوْتِ انْتهى العقد فَكَانَ كاستيفاء الْمَعْقُود عَلَيْهِ كالاجارة وَيسْتَثْنى من الْمَوْت مَا إِذا قتل السَّيِّد أمته الْمُزَوجَة فَإِنَّهُ يسْقط مهرهَا على الْمَذْهَب فَلَو لم يحصل وَطْء وَلَا موت وحصلت فرقة قبل الدُّخُول نظر إِن كَانَت الْفرْقَة مِنْهَا بِأَن فسخت النِّكَاح بِعَيْبِهِ أَو أرضعت زَوْجَة لَهُ أُخْرَى صَغِيرَة وَنَحْو ذَلِك أَو فسخ النِّكَاح بعيبها فَيسْقط الْجَمِيع وَإِن كَانَت الْفرْقَة لَا بِسَبَب مِنْهَا وَلَا مِنْهُ تشطر الْمهْر وَذَلِكَ كَمَا إِذا طَلقهَا بِنَفسِهِ أَو فوض الطَّلَاق إِلَيْهَا فَفعلت أَو علق طَلاقهَا بِدُخُولِهَا الدَّار وَنَحْوهَا فَدخلت أَو خَالعهَا وَبِكُل فرقة تحصل لَا بِسَبَب من الْمَرْأَة وَاحْتج للتشطير بقوله تَعَالَى {وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ} وَوجه ذَلِك من جِهَة الْمَعْنى بشيئين وَكَانَ الْقيَاس سُقُوط جَمِيع الْمهْر لِأَن ارْتِفَاع العقد قبل تَسْلِيم الْمَعْقُود عَلَيْهِ يَقْتَضِي سُقُوط جَمِيع الْعِوَض كَمَا فِي البيع والاجارة
أحد الشَّيْئَيْنِ أَن الزَّوْجَة كالمسلمة إِلَى الزَّوْج نَفسهَا بِنَفس العقد لِأَن التَّصَرُّفَات الَّتِي يملكهَا الزَّوْج تنفذ من وَقت النِّكَاح وَلَا تتَوَقَّف على الْقَبْض فَمن حَيْثُ إِنَّه تنفذ تَصَرُّفَاته اسْتَنْفَذَ بِبَعْض الْعِوَض وَمن حَيْثُ أَنه لَا يتَّصل بِهِ الْمَقْصُود سقط بعضه الشَّيْء الثَّانِي أَنا لَو حكمنَا بِسُقُوط الْمهْر جَمِيعه لاحتجنا إِلَى إِيجَاب شَيْء للمتعة فَكَانَ إبْقَاء شَيْء مِمَّا هُوَ وَاجِب أولى من اثبات مَا لم يجب إِذا عرفت هَذَا فَمَتَى يرجع إِلَيْهِ النّصْف الصَّحِيح أَنه يعود إِلَيْهِ بِنَفس الطَّلَاق لقَوْله تَعَالَى {فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ} أَي فلكم نصف مَا فرضتم فَهُوَ كَقَوْلِه {وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ}
وَالْوَجْه الثَّانِي أَن الْفِرَاق يثبت لَهُ خِيَار الرُّجُوع فِي النّصْف فَإِن شَاءَ تملكه وَإِن شَاءَ تَركه كالشفعة
وَالثَّالِث لَا يرجع إِلَّا بِقَضَاء القَاضِي فعلى الصَّحِيح لَو حدثت فِي الصَدَاق زِيَادَة بعد الطَّلَاق

(1/371)


كَانَ لَهُ نصفهَا سَوَاء كَانَت الزِّيَادَة مُتَّصِلَة أَو مُنْفَصِلَة وَإِن حدث فِي الصَدَاق نقص كَأَن وجد من الزَّوْجَة تعد بِأَن طالبها برد النّصْف فامتنعت مَعَ أرش النَّقْص وَإِن تلف كل الصَدَاق وَالْحَالة هَذِه فعلَيْهَا الضَّمَان وَإِن لم يُوجد مِنْهَا تعد فَوَجْهَانِ
أَحدهمَا وَهُوَ ظَاهر النَّص وَبِه قَالَ الْعِرَاقِيُّونَ وَالرُّويَانِيّ أَنَّهَا تغرم أرش النَّقْص وَإِن تلف غرمت الْبَدَل لِأَنَّهُ مَقْبُوض عَن مُعَاوضَة فَأشبه الْمَبِيع فِي يَد المُشْتَرِي بعد الاقالة وَفِي الْأُم نَص يشْعر بِأَنَّهُ لَا ضَمَان وَبِه قَالَ المراوزة لِأَنَّهُ فِي يَده بِلَا تعد فَأشبه الْوَدِيعَة وَلم يصحح فِي الرَّوْضَة شَيْئا كالشرح الْكَبِير لَكِن رجح الرَّافِعِيّ فِي الشَّرْح الصَّغِير الأول فعلى الأول وَهُوَ الْمُصَحح لَو قَالَ الزَّوْج حدث النَّقْص بعد الطَّلَاق فَعَلَيْك الضَّمَان وَقَالَت بل قبله فَلَا ضَمَان عَليّ فَمن الْمُصدق وَجْهَان أصَحهمَا الْمَرْأَة إِذْ الأَصْل بَرَاءَة ذمَّتهَا وَلَو رَجَعَ إِلَيْهِ كل الصَدَاق بنفسخ فَتلف فِي يَدهَا فَهُوَ مَضْمُون عَلَيْهَا كَالْبيع يَنْفَسِخ باقالة أورد بِعَيْب وَالله أعلم
وَقَوله يسْقط نصف الْمهْر يعْنى فِي الدّين فَإِذا أصدقهادينا فِي ذمَّته سقط نصفه بِمُجَرَّد الطَّلَاق على الصَّحِيح وَعند الِاخْتِيَار على الْوَجْه الثَّانِي فَلَو كَانَ أَعْطَاهَا الصَدَاق الَّذِي فِي ذمَّته والمؤدى بَاقٍ فَهَل لَهَا أَن تدفع قدر النّصْف من مَوضِع آخر لِأَن العقد لم يتَعَلَّق بِعَيْنِه أم يتَعَلَّق حَقه فِيهِ لِأَنَّهُ تعين بِالدفع فَأشبه الصَدَاق الْمعِين إبتداء وَجْهَان أصَحهمَا الثَّانِي وَالله أعلم
(فرع) إِذا وهبت الزَّوْجَة الزَّوْج صَدَاقهَا الْمعِين نظر إِن كَانَ بعد أَن قَبضته وَطَلقهَا قبل الدُّخُول فَهَل يرجع عَلَيْهَا قَولَانِ الْأَظْهر عِنْد الْجُمْهُور يرجع بِنصْف بدله إِمَّا الْمثل أَو الْقيمَة وَإِن وهبته إِيَّاه قبل أَن نقبضه فطريقان قيل لَا يرجع قطعا وَالْمذهب طرد الْقَوْلَيْنِ سَوَاء قَبضته أم لَا وَلَو كَانَ الصَدَاق دينا فأبرأته مِنْهُ لم يرجع على الْمَذْهَب كَمَا لَو شهد شَاهِدَانِ بدين وَحكم بِهِ حَاكم ثمَّ أَبْرَأ الْمَحْكُوم لَهُ الْمَحْكُوم عَلَيْهِ ثمَّ رَجَعَ الشَّاهِدَانِ عَن الشَّهَادَة فَإِنَّهُمَا لَا يغرمان للمحكوم عَلَيْهِ شَيْئا وَلَو أصدقهَا دينا فقبضته ثمَّ وهبته مِنْهُ فَفِيهِ الْقَوْلَانِ فِي هِبته الْعين وَقيل يرجع بالشطر قطعا وَالله أعلم
(فرع) خَالع زَوجته قبل الدُّخُول على شَيْء غير الصَدَاق فَلهُ الْمُسَمّى الَّذِي خَالع عَلَيْهِ وَلها نصف الصَدَاق وَإِن خَالعهَا على صَدَاقهَا فقد خَالعهَا على مَاله وعَلى مَالهَا لِأَنَّهُ عَاد إِلَيْهِ نصف الصَدَاق بِالْخلْعِ فَتحصل الْبَيْنُونَة وَتبطل التَّسْمِيَة فِي نصِيبه وَفِي نصِيبهَا قولا تَفْرِيق الصَّفْقَة وَإِن صححنا التَّسْمِيَة فِيهِ وَهُوَ الْأَصَح أَي فِي نصِيبهَا فَللزَّوْج الْخِيَار إِن كَانَ جَاهِلا بالتشطير والتفريق فَإِن فسخ رَجَعَ عَلَيْهَا بِمهْر الْمثل على الْأَظْهر وَفِي قَول بِبَدَل الْمُسَمّى الْمثل إِن كَانَ مثلِيا أَو الْقيمَة وَإِن أجَاز رَجَعَ عَلَيْهَا بِنصْف مهر الْمثل على الْأَظْهر وعَلى القَوْل الآخر بِمثل نصف الصَدَاق أَو قِيمَته وَالله أعلم قَالَ

(1/372)


بَاب الْمُتْعَة فصل فِي الْمُتْعَة وَهِي اسْم لِلْمَالِ الَّذِي يَدْفَعهُ الرجل إِلَى امْرَأَته لمفارقته إِيَّاهَا
الْفرْقَة ضَرْبَان فرقة تحصل بِالْمَوْتِ فَلَا توجب مُتْعَة بالاجماع قَالَه النَّوَوِيّ وَفرْقَة تحصل فِي الْحَيَاة كَالطَّلَاقِ فَإِن كَانَ قبل الدُّخُول نظر إِن لم يتشطر الْمهْر فلهَا الْمُتْعَة وَإِن تشطر فَلَا مُتْعَة لَهَا على الْمَشْهُور وَإِن كَانَ بعد الدُّخُول فلهَا الْمُتْعَة على الْأَظْهر وكل فرقة من الزَّوْج لَا سَبَب فِيهَا أَو من أَجْنَبِي فكالطلاق مثل أَن لَاعن أَو وطئ أَبوهُ أَو ابْنه زَوجته بِشُبْهَة وَنَحْو ذَلِك وَالْخلْع كَالطَّلَاقِ على الصَّحِيح وَلَو علق الطَّلَاق بِفِعْلِهَا فَفعلت أَو لامسها ثمَّ طَلقهَا بعد الْمدَّة بطلبها فكالطلاق على الصَّحِيح وكل فرقة مِنْهَا أَو بِسَبَب لَهَا فِيهَا لَا مُتْعَة فِيهَا كفسخها باعساره أَو غيبته أَو فَسخه بعيبها وَلَو اشْترى زَوجته فَلَا مُتْعَة على الْأَظْهر
وَاعْلَم أَن المعتة يَسْتَوِي فِيهَا الْمُسلم وَالذِّمِّيّ وَالْحر وَالْعَبْد والحرة وَالْأمة وَهِي فِي كسب العَبْد ولسيد الْأمة كالمهر وَيسْتَحب فِي الْمُتْعَة أَن لَا تنقص عَن ثَلَاثِينَ درهما وَأما الْوَاجِب فَإِن تَرَاضيا بِشَيْء فَذَاك وَإِن تنَازعا قدرهَا القَاضِي بِاجْتِهَادِهِ على الصَّحِيح وَيعْتَبر حَالهمَا على الصَّحِيح وَهُوَ ظَاهر نَص الشَّافِعِي فِي الْمُخْتَصر وَيجوز أَن تزاد الْمُتْعَة على نصف مهرهَا على الصَّحِيح لاطلاق الْآيَة وَفِي قَول يشْتَرط أَن لَا تزاد على النّصْف من صَدَاقهَا وَفِي آخر أَن تنقص عَن النّصْف وَالله أعلم قَالَ
بَاب الْوَلِيمَة على الْعرس فصل والوليمة على الْعرس مُسْتَحبَّة والإجابة إِلَيْهَا وَاجِبَة إِلَّا من عذر
الْوَلِيمَة طَعَام الْعرس مُشْتَقَّة من الولم وَهُوَ الْجمع لِأَن الزَّوْجَيْنِ يَجْتَمِعَانِ وَقَالَ الشَّافِعِي وَالْأَصْحَاب الْوَلِيمَة تقع على كل دَعْوَة تتَّخذ لسرور حَادث كَنِكَاح أَو ختان أَو غَيرهمَا وَالْأَشْهر اسْتِعْمَالهَا عِنْد الاطلاق فِي النِّكَاح وتقيد فِي غَيره فَيُقَال لدَعْوَة الْخِتَان أعذارا ولدعوة الْولادَة عقيقة ولسلامة الْمَرْأَة من الطلق خرس لقدوم الْمُسَافِر نقيعة ولأحداث الْبناء وكيرة وَلما يتَّخذ للمصيبة وضيمة وَلما يتَّخذ بِلَا سَبَب مأدبة قَالَ النَّوَوِيّ لم يبين الْأَصْحَاب من يصنع وَلِيمَة القادم من السّفر وَفِيه خلاف لأهل اللُّغَة فَنقل الْأَزْهَرِي عَن الْفراء أَنه القادم وَقَالَ صَاحب الْمُحكم هُوَ طَعَام يصنع للقادم وَهُوَ الْأَظْهر وَالله أعلم قلت ذكر الْحَلِيمِيّ الْمَسْأَلَة وَقَالَ يسْتَحبّ للْمُسَافِر أَن يطعم النَّاس وَنقل فِيهِ آثاراً عَن الصَّحَابَة وَغَيرهم وَجزم بذلك وَهُوَ عكس مَا صَححهُ النَّوَوِيّ وَالله أعلم وَهل وَلِيمَة الْعرس وَاجِبَة أم لَا قَولَانِ

(1/373)


أَحدهمَا أَنَّهَا وَاجِبَة لقَوْله لعبد الرَّحْمَن بن عَوْف وَقد تزوج أولم وَلَو بِشَاة وَلِأَن عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام مَا تَركهَا حضرا وَلَا سفرا وَالْأَظْهَر وَهُوَ مَا جزم بِهِ الشَّيْخ أَنَّهَا مُسْتَحبَّة لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَيْسَ فِي المَال حق سوى الزَّكَاة وَلِأَنَّهَا طَعَام لَا يخْتَص بالمحتاجين فَأشبه الْأُضْحِية وَقِيَاسًا على سَائِر الولائم والْحَدِيث الأول مَحْمُول على تَأَكد الِاسْتِحْبَاب وَقيل إِنَّهَا فرض كِفَايَة إِذا فعلهَا وَاحِد اَوْ اثْنَان فِي نَاحيَة وشاع وَظهر سقط عَن البَاقِينَ وَأما سَائِر الولائم غير وَلِيمَة الْعرس فَالْمَذْهَب الَّذِي قطع بِهِ الْجُمْهُور أَنَّهَا مُسْتَحبَّة وَلَا تتأكد تَأَكد وَلِيمَة الْعرس وَفِي قَول إِن سَائِر الولائم وَاجِبَة وَهُوَ قَول مخرج وَأَقل الْوَلِيمَة للقادر شَاة لِأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام أَو لم على زَيْنَب بنت جحش رَضِي الله عَنْهَا بِشَاة وَبِأَيِّ شَيْء أولم كفى لِأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام أولم على صَفِيَّة رَضِي الله عَنْهَا بسويق وتمر وَأما الْإِجَابَة إِلَى الْوَلِيمَة فَإِن كَانَت وَلِيمَة عرس فَإِن أَوجَبْنَا الْوَلِيمَة وَجَبت وَإِن لم نوجبها وَجَبت الْإِجَابَة على الرَّاجِح وَرجح الْعِرَاقِيُّونَ وَالرُّويَانِيّ وَغَيرهم للأحاديث الصَّحِيحَة من دعِي إِلَى وَلِيمَة فليأتها وَفِي رِوَايَة من لم يجب الدعْوَة فقد عصى الله وَرَسُوله رَوَاهُ مُسلم وَأما غير وَلِيمَة الْعرس فَالْمَذْهَب أَن الْإِجَابَة إِلَيْهَا مُسْتَحبَّة ثمَّ إِذا أَوجَبْنَا الْإِجَابَة فَهِيَ فرض عين على الرَّاجِح وَقيل فرض كِفَايَة ثمَّ الْإِجَابَة حَيْثُ أوجبناها أَو استحببناها إِنَّمَا تجب أَو تسْتَحب بِشُرُوط وَهِي معنى قَول الشَّيْخ إِلَّا من عذر
أَحدهَا أَن يعم بدعوته جَمِيع عشيرته أَو جِيرَانه أَو أهل جيرته أَو أهل حرفته أغنيائهم وفقرائهم دون مَا إِذا خص الْأَغْنِيَاء قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم شَرّ الطَّعَام طَعَام الْوَلِيمَة يمْنَعهَا من يَأْتِيهَا ويدعى إِلَيْهَا من يأباها

(1/374)


الثَّانِي أَن يَخُصُّهُ بالدعوة بِنَفسِهِ أَو يبْعَث إِلَيْهِ شخصا أما إِذا فتح بَاب دَاره وَقَالَ ليحضر من أَرَادَ أَو يبْعَث شخصا ليحضر من أَرَادَ أَو قَالَ لشخص احضر واحضر مَعَك من شِئْت فَلَا تجب الْإِجَابَة وَلَا تسْتَحب
الثَّالِث أَن لَا يكون إِحْضَاره لخوف مِنْهُ لكَونه من الظلمَة أَو أعوانهم أَو كَونه قَاضِي الظلمَة أَو أعوانه وَنَحْو ذَلِك وَأَن لَا يطْمع فِي جاهه أَو ليعاونه على مطلب من بَاطِل بل يكون للتقرب والتودد
الرَّابِع أَن لَا يكون هُنَاكَ من يتَأَذَّى بِهِ لحضوره لِأَنَّهُ لَا يَلِيق بِهِ مُجَالَسَته فَإِن كَانَ فَهُوَ مَعْذُور فِي التَّخَلُّف كَأَن يَدْعُو السفلة وَهُوَ ذُو شرف والسفلة أسقاط النَّاس كالسوقة والجلاوزة وهم رسل الظلمَة وقضاة الرشا والقلندرية وفقراء الزوايا الَّذين يأْتونَ ولائم من دب ودرج من المكسة وَغَيرهم فَإِنَّهُم أرذل الأرذال وَمثل ذَلِك وأشباهه وَهُوَ شَيْء لَا يخفى وَمن ذَلِك طَالب علم يقْصد بِطَلَبِهِ معرفَة الْعلم لأجل حفظ الشَّرِيعَة وَيَدْعُو مَعَه طلبة قد ظهر عَلَيْهِم طلب الْعلم لأجل الدُّنْيَا والترفع على الأقران وَنَحْو ذَلِك فَهَذَا لَا يجب عَلَيْهِ الْحُضُور وَكَذَلِكَ أَمر الصُّوفِي الصَّادِق فِي سلكوه لَا يجب عَلَيْهِ الْحُضُور إِذا دَعَا غَيره من صوفية هَذَا الزَّمَان الَّذين يأْتونَ دَعْوَة كل بر وَفَاجِر ويتعبدون بآلات اللَّهْو والطرب وَمَا أشبه ذَلِك وَهَذِه أُمُور ظَاهِرَة لَا تخفى إِلَّا على أكمه لَا يعرف الْقَمَر
الْخَامِس أَن لَا يكون هُنَاكَ مُنكر كشرب الْخمر والملاهي من زمر وَغَيره فَإِن كَانَ نظر إِن كَانَ مِمَّن إِذا حضر رفع الْمُنكر فليحضر إِجَابَة للدعوة وَإِزَالَة للْمُنكر وَإِلَّا حرم عَلَيْهِ الْحُضُور لِأَن كالراضي بالمنكر وَإِقْرَاره وَفِي وَجه يجوز لَهُ الْحُضُور فَلَا يسمع وينكر بِقَلْبِه كَمَا لَو كَانَ فِي جواره مُنكر يضْرب فَلَا يلْزمه التَّحَوُّل وَإِذا بلغه الصَّوْت قَالَ النَّوَوِيّ هَذَا الْوَجْه غلط وَهُوَ خطأ وَلَا يغتر بجلالة صَاحب التَّنْبِيه وَنَحْوه من ذكره وَالله أعلم فعلى الصَّحِيح لَو لم يعلم بالمنكر حَتَّى حضر نَهَاهُم فَإِن لم ينْتَهوا فَليخْرجْ فَإِن قعد حرم عَلَيْهِ الْقعُود على الصَّحِيح فَإِن تعذر عَلَيْهِ الْخُرُوج بِأَن كَانَ فِي ليل وَهُوَ يخَاف من الْخُرُوج قعد وَهُوَ كارهه وَلَا يستمع فَإِن اسْتمع فَهُوَ عَاص وَفِي الحَدِيث إِن من جلس واستمع إِلَى قينة صب فِي أُذُنَيْهِ الآنك وَهُوَ الرصاص الْمُذَاب وَمن الْمُنكر فرش الْحَرِير وصور الْحَيَوَانَات على الجدران والسقوف وَالثيَاب الْحَرِير الملبوسة كَمَا يصنعه مخانثة الرِّجَال من أَبنَاء الدُّنْيَا الملعونون على لِسَان النُّبُوَّة من تشبههم بِالنسَاء وَمن اعْتقد حلّه بعد تَعْرِيفه بِالتَّحْرِيمِ فَهُوَ كَافِر لِأَنَّهُ اعْتقد حل مَا جَاءَ الشَّرْع بِتَحْرِيمِهِ فيستتاب فَإِن تَابَ وَإِلَّا ضربت عُنُقه وَيجب على من حضر إِنْكَاره على اللابس وَلَا يسْقط عَنهُ الْإِنْكَار بِحُضُور فُقَهَاء السوء فَإِنَّهُم مفسدون للشريعة وَلَا بفقراء الرجس فَإِنَّهُم جهلة أَتبَاع كل ناعق لَا يَهْتَدُونَ بِنور الْعلم ويميلون مَعَ كل ريح

(1/375)


الشَّرْط السَّادِس أَن يَدعُوهُ فِي الْيَوْم الأول فَلَو أولم ثَلَاثَة أَيَّام فَلَا تجب فِي الثَّانِي بِلَا خلاف وَلَا يتَأَكَّد استحبابها كَالْيَوْمِ الأول وَتكره الْإِجَابَة فِي الْيَوْم الثَّالِث
الشَّرْط السَّابِع أَن يَدعُوهُ مُسلم فَإِن دَعَاهُ ذمِّي فَلَا تجب الْإِجَابَة على مَا قطع بِهِ الْجُمْهُور لِأَن مُخَالطَة الذِّمِّيّ مَكْرُوهَة لنجاسته وتصرفاته الْفَاسِدَة وَغير ذَلِك وَلِأَن فِي ذَلِك مواددة قَالَ الرَّافِعِيّ هُنَا وَهِي مَكْرُوهَة لكنه جزم فِي آخر بَاب الْجِزْيَة بِأَن مواددته حرَام
قلت وَهُوَ الصَّوَاب وتدل لَهُ الْآيَات الْوَارِدَة فِي الْقُرْآن فِي غير مَوضِع قَالَ الله تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ} وَقَالَ الله تَعَالَى {لَا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} الآيه فقد نفى وَقَالَ الله تَعَالَى الوجدان مِمَّن آمن فَدلَّ على أَن من واددهم لَيْسَ بِمُؤْمِن وَقد عدى بعض الْعلمَاء ذَلِك إِلَى مواددة الفسقة من الْمُسلمين فَحرم مجالسة الْفُسَّاق على سَبِيل المؤانسة وَقد صرح الرَّافِعِيّ وَالنَّوَوِيّ بذلك فِي كتاب الشَّهَادَات وَلِهَذَا كَانَ سُفْيَان الثَّوْريّ يطوف بِالْبَيْتِ فَقدم الرشيد يُرِيد الطّواف فَقطع سُفْيَان طَوَافه وَذهب وتلا هَذِه الْآيَة {لَا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ} الْآيَة وَكَذَلِكَ صنع ابْن أبي وراد وَتمسك أُولَئِكَ بِعُمُوم اللَّفْظ وَالله أعلم
(فرع) لَو اعتذر الْمَدْعُو إِلَى صَاحب الدعْوَة فرضى بتخلفه زَالَ الْوُجُوب وَلَو دَعَاهُ جمَاعَة أجَاب الأسبق فَإِن جاؤوا مَعًا أجَاب الْأَقْرَب رحما ثمَّ الْأَقْرَب دَارا كالصدقة وَالصَّوْم لَيْسَ عذرا فِي ترك الْإِجَابَة فَإِن حضر وَكَانَ فِي صَوْم فرض مضيف حرم الْفطر قطعا وَكَذَا إِن كَانَ غير مضيق على الرَّاجِح وَإِن كَانَ فِي صَوْم نفل فَإِن لم يشق على صَاحب الدعْوَة صَوْمه اسْتحبَّ إتْمَام صَوْمه وَإِن شقّ عَلَيْهِ اسْتحبَّ لَهُ الْفطر ثمَّ الْمُفطر هَل يجب عَلَيْهِ أَن يَأْكُل وَلَو لقْمَة فِيهِ خلاف الصَّحِيح فِي الرَّوْضَة هُنَا تبعا للرافعي أَنه مُسْتَحبّ لِأَن الْمَقْصُود الْحُضُور وَقد وجد وَكَذَا صَححهُ النَّوَوِيّ فِي شرح صَحِيح مُسلم فِي بَاب الْوَلِيمَة وَاخْتَارَ فِي تَصْحِيح التَّنْبِيه وجوب الْأكل وَصرح بِهِ فِي شرح مُسلم فِي بَاب نذر الصَّوْم فَقَالَ الصَّحِيح أَنه يلْزمه الْأكل عندنَا وَالله أعلم
(فرع) الْمَرْأَة إِذا دعت النِّسَاء فَهُوَ كَمَا ذكرنَا فِي الرِّجَال فَإِن كَانَ رجلا أَو رجَالًا قَالَ فِي الرَّوْضَة وَجَبت الْإِجَابَة إِذا لم تكن خلْوَة مُحرمَة قَالَ الاسنائي وَفِي تَعْبِيره بِالْوُجُوب نظر من جِهَة أَن شَرط الدعْوَة أَن تكون عَامَّة كالعشيرة والإخوان وَأهل الصِّنَاعَة فَكيف يَجِيء الْوُجُوب عِنْد دَعْوَة الرجل

(1/376)


الْوَاحِد وَعبارَة الرَّافِعِيّ صَحِيحَة فَإِنَّهُ عبر بتجاب فَصرحَ فِي الرَّوْضَة بِالْوُجُوب فَحصل الْخلَل انْتهى قلت صُورَة الْمسَائِل عِنْد الدعْوَة الْعَامَّة والتنصيص على هَذَا الرجل بِعَيْنِه فَلَا خلل وَالله أعلم قَالَ
بَاب التَّسْوِيَة بَين الزَّوْجَات فصل والتسوية فِي الْقسم بَين الزَّوْجَات وَاجِبَة وَلَا يدْخل على غير الْمَقْسُوم لَهَا لغير حَاجَة
يجب على كل وَاحِد من الزَّوْجَيْنِ معاشرة صَاحبه بِالْمَعْرُوفِ وَيجب على كل وَاحِد بذل مَا يجب عَلَيْهِ بِلَا مطل وَلَا إِظْهَار كَرَاهِيَة بل يُؤَدِّيه وَهُوَ طلق الْوَجْه والمطل مدافعة الْحق مَعَ الْقُدْرَة وَهُوَ ظلم قَالَ الله تَعَالَى {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ} وَالْمرَاد تماثلها فِي وجوب الْأَدَاء بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَا يجب عَلَيْهِ وَقَالَ تَعَالَى {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} وجماع الْمَعْرُوف الْكَفّ عَمَّا يكره وإعفاء صَاحب الْحق من مُؤنَة الطّلب وتأديته بِلَا كَرَاهَة قَالَه الشَّافِعِي فَإِذا كَانَ تَحت الشَّخْص زوجتان فَأكْثر فَلَا يجب عَلَيْهِ أَن يقسم لَهُنَّ لِأَن الْمبيت حَقه فَلهُ تَركه كسكنى الدَّار الْمُسْتَأْجرَة وَالْحكمَة فِي ذَلِك أَن فِي دَاعِيَة الطَّبْع مَا يُغني عَن الْإِيجَاب نعم يسْتَحبّ الْقسم وَلَا يعضلهن لِأَنَّهُ إِضْرَار وَفِي وَجه لَيْسَ لَهُ الْإِعْرَاض عَنْهُن فَإِذا أَرَادَ أَن يبيت عِنْد وَاحِدَة وَجب عَلَيْهِ الْقسم وَلَا يبْدَأ بِوَاحِدَة إِلَّا بِقرْعَة أَو بِإِذن الْبَاقِيَات لِأَنَّهُ الْعدْل فَإِذا قسم وَجب عَلَيْهِ التَّسْوِيَة وَلها اعتباران اعْتِبَار بِالْمَكَانِ وَاعْتِبَار بِالزَّمَانِ أما الْمَكَان فَيحرم عَلَيْهِ أَن يجمع بَين زَوْجَتَيْنِ أَو زَوْجَات فِي مسكن وَاحِد وَلَو لَيْلَة وَاحِدَة إِلَّا برضاهن لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إِلَى كَثْرَة الْمُخَاصمَة وَالْخُرُوج عَن الطَّاعَة لما بَينهمَا من الوحشة وَلَيْسَ ذَلِك من المعاشرة بِالْمَعْرُوفِ وَلِأَن كل وَاحِدَة تسْتَحقّ السُّكْنَى فَلَا يلْزمهَا الِاشْتِرَاك كَمَا لَا يلْزمهَا الِاشْتِرَاك فِي كسْوَة وَاحِدَة يتناوبانها وَهَذَا عِنْد اتِّحَاد الْمرَافِق وَإِلَّا فَيجوز إِذا كَانَ لائقاً بِالْحَال
وَاعْلَم أَن الْجمع بَين الزَّوْجَة والسرية أَو السراري فِي بَيت وَاحِد حرَام كالزوجات صرح بِهِ الرَّوْيَانِيّ وَالله أعلم وَأما الزَّمَان فَاعْلَم أَن عماد الْقسم اللَّيْل وَالنَّهَار تَابع لَهُ لِأَن الله تَعَالَى جعله سكناً وَالنَّهَار للتردد فِي الْمصَالح وَهَذَا حكم غَالب النَّاس أما من يعْمل لَيْلًا كالحارس فعماد قسمه النَّهَار وَاللَّيْل تبع وعماد قسم الْمُسَافِر وَقت نُزُوله لَيْلًا كَانَ أَو نَهَارا كثيرا كَانَ أَو قَلِيلا إِذا عرفت هَذَا فَمن عماده الْقسم بِاللَّيْلِ يحرم عَلَيْهِ أَن يدْخل فِي نوبَة وَاحِدَة على أُخْرَى لَيْلًا سَوَاء كَانَ

(1/377)


لغير حَاجَة أَو لحَاجَة كعيادة وَغَيرهَا وَهَذَا هُوَ الصَّحِيح وَنقل الْمُزنِيّ فِي الْمُخْتَصر عَن الشَّافِعِي أَنه يجوز أَن يعودها لَيْلًا فِي نوبَة غَيرهَا وَهُوَ مُقْتَضى كَلَام الشَّيْخ وَقَالَ عَامَّة الْأَصْحَاب إِن الْمُزنِيّ سَهَا فِي النَّقْل عَن الشَّافِعِي وَإِنَّمَا قَالَ الشَّافِعِي فِي يَوْم غَيرهَا نعم لَو دخل نَهَارا لحَاجَة كأخذ حَاجَة أَو تَعْرِيف خبر أَو تَسْلِيم نَفَقَة أَو وضع مَتَاع وَنَحْو ذَلِك فَلَا قَضَاء على الصَّحِيح وَقيل النَّهَار كالليل نعم يجوز الدُّخُول فِي نوبَة الْغَيْر للضَّرُورَة بِلَا خلاف وَاخْتلف فِي الضَّرُورَة الَّتِي تجوز الدُّخُول لَيْلًا فِي نوبَة الضرة فَقَالَ ابْن الصّباغ هِيَ مثل أَن تَمُوت أَو يكون منزولاً بهَا فِي النزع وَقَالَ الشَّيْخ أَبُو حَامِد وَغَيره الضَّرُورَة كالمرض الشَّديد وَقَالَ الْغَزالِيّ هِيَ كالمرض الْمخوف وَكَذَا الْمَرَض الَّذِي يحْتَمل كَونه مخوفا فَيدْخل ليتبين الْحَال وَفِي وَجه لَا يدْخل حَتَّى يتَحَقَّق أَنه مخوف ثمَّ إِذا دخل على الضرة للضَّرُورَة فَإِن مكث سَاعَة طَوِيلَة قضى لصاحبة النّوبَة مثل ذَلِك الْقدر فِي نوبَة الْمَدْخُول عَلَيْهَا وَإِن لم يمْكث إِلَّا لَحْظَة يسيرَة فَلَا قَضَاء وَلَو تعدى بِالدُّخُولِ فَدخل بِلَا ضَرُورَة وَلَو كَانَ لحَاجَة نظر إِن طَال الزَّمَان قضى وَإِلَّا فَلَا يقْضى وَلكنه يَعْصِي وَفِي الحَدِيث من
رِوَايَة أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ فَمن كَانَ لَهُ امْرَأَتَانِ فَمَال إِلَى إِحْدَاهمَا وَفِي رِوَايَة فَلم يعدل بَينهمَا جَاءَ يَوْم الْقِيَامَة وشقة مائل وَفِي رِوَايَة سَاقِط وَإِذا سَاوَى بَينهُنَّ فِي الظَّاهِر لم يُؤَاخذ بِزِيَادَة ميل قلبه إِلَى بَعضهنَّ وَلَا تجب التَّسْوِيَة فِي الْجِمَاع لَكِن تسْتَحب التَّسْوِيَة فِيهِ وَفِي سَائِر الاستمتاعات وَوجه عدم التَّسْوِيَة فِي الْجِمَاع بِأَنَّهُ أَمر مُتَعَلق بالشهوة وَهِي أَمر لَا يَتَأَتَّى فِي كل وَقت إِذْ لَا قدرَة لَهُ على ذَلِك وَلِهَذَا قَالَت عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يقسم فيعدل وَيَقُول اللَّهُمَّ هَذَا قسمي فِيمَا أملك فَلَا تلمني فِيمَا تملك وَلَا أملك يَعْنِي الْقلب
وَاعْلَم أَن الْقسم تستحقه الْمَرِيضَة والرتقاء والقرناء وَالْحَائِض وَالنُّفَسَاء والمحرمة وَالْمولى عَلَيْهَا والمظاهر مِنْهَا والمراهقة والمجنونة الَّتِي لَا يخَاف مِنْهَا لِأَن المُرَاد الْأنس وَاسْتثنى الْمُتَوَلِي الْمُعْتَدَّة عَن وَطْء شُبْهَة لِأَنَّهُ تحرم الْخلْوَة بهَا وَهَذَا كُله عِنْد طَاعَة الزَّوْجَة أما لَو نشزت عَن زَوجهَا بِأَن خرجت من منزلَة أَو أَرَادَ الدُّخُول عَلَيْهَا فأغلقت الْبَاب ومنعته أَو ادَّعَت أَنه طلق أَو منعته التَّمْكِين من نَفسهَا فَلَا قسم لَهَا كَمَا لَا نَفَقَة لَهَا وَإِذا عَادَتْ إِلَى الطَّاعَة لم تسْتَحقّ الْقَضَاء وَامْتِنَاع الْمَجْنُونَة كامتناع الْعَاقِلَة لَكِن لَا تأثم وَالله أعلم قَالَ

(1/378)


(وَإِذا أَرَادَ السّفر أَقرع بَينهُنَّ وَيخرج بِالَّتِي تخرج لَهَا الْقرعَة)
الأَصْل فِي ذَلِك حَدِيث عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا أَنَّهَا قَالَت كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا أَرَادَ السّفر أَقرع بَين نِسَائِهِ فأيتهن خرج سهمها خرج بهَا فَإِذا سَافر بِالْقُرْعَةِ لم يقْض مُدَّة الذّهاب والإياب وَالْإِقَامَة فِي الْبلدَانِ إِذا لم ينْو الْإِقَامَة بهَا مُدَّة تزيد على مُدَّة الْمُسَافِرين وَلَا امْتَدَّ مقَامه وَسَوَاء كَانَ السّفر طَويلا أَو قَصِيرا لِأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام سَافر بعائشة رَضِي الله عَنْهَا وَلم ينْقل أَنه قضى بعد عوده بل ظهر أَنه كَانَ يَدُور على النّوبَة بل رُوِيَ عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا أَنه مَا كَانَ يقْضِي وَلِأَن المسافرة تحملت مشاق بِإِزَاءِ مقَام الزَّوْج مَعهَا فَلَو قضى لتوفر حَظّ المقيمات
وَاعْلَم أَن مُدَّة السّفر إِنَّمَا لَا تقضي بِشُرُوط
أَحدهَا أَن يقرع فَإِن لم يقرع قضى للمتخلفات وَيَقْضِي جَمِيع مُدَّة مَا بَين إنْشَاء السّفر إِلَى رُجُوعه إلَيْهِنَّ على الصَّحِيح
الشَّرْط الثَّانِي أَن لَا يقْصد بِسَفَرِهِ النقلَة فَإِن قصد النقلَة فَلَا يجوز أَن يستصحب فِيهِ بَعضهم دون بعض بِقرْعَة وَلَا بغَيْرهَا فَلَو فعل قضى للمتخلفات على الصَّحِيح وَقيل إِن أَقرع فَلَا يقْضِي مُدَّة السّفر وَلَا يجوز أَن يخلف نِسَاءَهُ بل ينقلهن بِنَفسِهِ أَو بوكيله أَو يُطَلِّقهُنَّ لما فِي تخلفهن من الْإِضْرَار بِهن قَالَ الرَّافِعِيّ كَذَا أطلقهُ الْغَزالِيّ وَفِيمَا علق عَن الإِمَام أَن ذَلِك أدب وَلَيْسَ بِوَاجِب
الشَّرْط الثَّالِث أَن لَا يعزم على الْإِقَامَة كَمَا تقدم فَلَا يقْضِي مُدَّة السّفر أما إِذا صَار مُقيما فَينْظر فَإِن انْتهى إِلَى مقْصده الَّذِي نوى فَإِن نوى إِقَامَة أَرْبَعَة أَيَّام فَأكْثر أَو نَوَاهَا عِنْد دُخُوله قضى مُدَّة إِقَامَته وَفِي مُدَّة الرُّجُوع وَجْهَان الصَّحِيح لَا يقْضِي كمدة الذّهاب وَإِن لم ينْو الْإِقَامَة وَأقَام قَالَ الإِمَام وَالْغَزالِيّ إِن أَقَامَ يَوْمًا لم يقضه وَالْأَقْرَب مَا ذكره الْبَغَوِيّ إِن زَاد مقَامه فِي بلد على مقَام الْمُسَافِرين وَجب قَضَاء الزَّائِد وَلَو أَقَامَ لشغل ينتظره فَفِي الْقَضَاء خلاف كالخلاف فِي التَّرَخُّص قَالَ الْمُتَوَلِي إِن قُلْنَا يترخص لم يقْض وَإِلَّا فَيَقْضِي مَا زَاد على مُدَّة الْمُسَافِرين وَالْمذهب فِي التَّرَخُّص أَنه إِن كَانَ يتَوَقَّع تَنْجِيز شغله سَاعَة بعد سَاعَة ترخص ثَمَانِيَة عشر يَوْمًا وَإِن علم أَنه لَا يتنجر فِي أَرْبَعَة أَيَّام لم يترخص أصلا وَلَو استصحب وَاحِدَة بِقرْعَة ثمَّ عزم على الْإِقَامَة فِي بلد وَكتب إِلَى الْبَاقِيَات يستحضرهن فَفِي وجوب الْقَضَاء من وَقت كِتَابَته وَجْهَان حَكَاهَا الْبَغَوِيّ وَلم يرجح الرَّافِعِيّ وَالنَّوَوِيّ فيهمَا شَيْئا وَلَو كَانَ تَحْتَهُ نسْوَة وَله إِمَاء هَل لَهُ أَن يُسَافر بِأمة بِلَا قرعَة وَجْهَان قَالَ الرَّافِعِيّ الْقيَاس الْجَوَاز وَقَالَ النَّوَوِيّ هُوَ الصَّحِيح وَالله أعلم

(1/379)


(فرع) وَلَو وهبت وَاحِدَة حَقّهَا من الْقسم للزَّوْج لم يلْزمه الْقبُول وَله أَن يبيت عِنْدهَا فِي نوبتها فَإِن رَضِي بِالْهبةِ نظر إِن وهبت لمعينة جَازَ ويبيت عِنْد الْمَوْهُوبَة لَيْلَتَيْنِ وَلَا يشْتَرط فِي هَذِه الْهِبَة رضَا الْمَوْهُوب لَهَا على الصَّحِيح وَلَو وهبت حَقّهَا للزَّوْج فَهَل لَهُ أَن يخْتَص وَاحِدَة بنوبة الواهبة وَجْهَان
أَحدهمَا نعم وَبِه قطع الْعِرَاقِيُّونَ وَالرُّويَانِيّ وَغَيره وَإِلَيْهِ ميل الْأَكْثَرين وَلَو وهبت حَقّهَا لجَمِيع الضرات أَو أسقطت حَقّهَا مُطلقًا وَجَبت التَّسْوِيَة فِيهِ بَين الْبَاقِيَات بِلَا خلاف وللواهبة الرُّجُوع مَتى شَاءَت وَيعود حَقّهَا فِي الْمُسْتَقْبل لِأَن الْمُسْتَقْبل هبة لم تقبض حَتَّى لَو رجعت فِي أثْنَاء اللَّيْل يخرج من عِنْد الْمَوْهُوب لَهَا وَمَا مضى لَا يُؤثر الرُّجُوع فِيهِ وَكَذَا مَا فَاتَ قبل علم الزَّوْج بِالرُّجُوعِ لَا يُؤثر فِيهِ الرُّجُوع فَلَا يَقْضِيه على الْمَذْهَب وَشبهه الْغَزالِيّ بِمَا إِذا أَبَاحَ ثَمَرَة بستانه ثمَّ رَجَعَ فَأكل الْمُبَاح لَهُ بَعْضهَا قبل الْعلم بِالرُّجُوعِ وَفِي هَذِه الصُّورَة طَرِيقَانِ فَعَن الشَّيْخ أبي مُحَمَّد فِي وجوب الْغرم قَولَانِ كَمَسْأَلَة الْوَكِيل وَعَن الصيدلاني الْقطع بالغرم وَمَال إِلَيْهِ الإِمَام لِأَن الغرامات يَسْتَوِي فِيهَا الْعلم وَالْجهل كَذَا قَالَه الرَّافِعِيّ وَالنَّوَوِيّ وَقَوْلهمْ إِن الإِمَام مَال إِلَى الْغرم مَمْنُوع فَفِي النِّهَايَة الْجَزْم بِعَدَمِ الْغرم وَالله أعلم
(مَسْأَلَة) لَا يجوز للْمَرْأَة أَن تَأْخُذ عَن حَقّهَا من الْقسم عوضا لَا من الزَّوْج وَلَا من الضرة فَإِن أخذت لَزِمَهَا رده لِأَن الْحُقُوق لَا تقبل الْعِوَض كحق الشُّفْعَة وَغَيره وَلِهَذَا لَا يجوز أَخذ الْعِوَض بالنزول عَن الْوَظَائِف وَإِن جرت عَادَة المتساهلي من الْفُقَهَاء بذلك وَالله أعلم قَالَ
(وَإِن تزوج جَدِيدَة خصيها بِسبع لَيَال إِن كَانَت بكرا وَأقَام عِنْدهَا سبعا وَإِن كَانَت ثَيِّبًا بِثَلَاث)
إِذا جدد الشَّخْص نِكَاح امْرَأَة وَعِنْده زوجتان مثلا قد قسم لَهما قطع الدّور للجديدة فَإِن كَانَت بكرا أَقَامَ عِنْدهَا سبعا أَو ثَيِّبًا ثَلَاثًا وَلَا يقْضِي لقَوْل أنس رَضِي الله عَنهُ من السّنة إِذا تزوج الْبكر على الثّيّب أَقَامَ عِنْدهَا سبعا ثمَّ قسم وَإِذا تزوج الثّيّب أَقَامَ عِنْدهَا ثَلَاثًا ثمَّ قسم وَقَالَ أَبُو قلَابَة لَو شِئْت لَقلت إِن أنسا رَضِي الله عَنهُ رَفعه إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْمعْنَى فِي ذَلِك زَوَال الحشمة بَين الزَّوْجَيْنِ وَهَذَا التَّخْصِيص وَاجِب على الزَّوْج على الْمَذْهَب حَتَّى قَالَ الْمُتَوَلِي لَو خرج بعض تِلْكَ اللَّيَالِي بِعُذْر قضى عِنْد التَّمَكُّن وَتجب الْمُوَالَاة بَين السَّبع وَالثَّلَاث لِأَن الحشمة لَا تَزُول بالمتفرق فَلَو فرق فَفِي الاحتساب بالمفرق وَجْهَان ظَاهر كَلَام الْجُمْهُور الْمَنْع وَإِن كَانَت الجديدة ثَيِّبًا اسْتحبَّ لَهُ أَن يخيرها بَين أَن يُقيم عِنْدهَا ثَلَاثًا بِلَا قَضَاء وَبَين أَن يُقيم عِنْدهَا سبعا وَيَقْضِي

(1/380)


للباقيات كَمَا فعل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِأم سَلمَة فَإِن اخْتَارَتْ السَّبع قضى للباقيات السَّبع وَإِن أَقَامَ بِغَيْر اخْتِيَارهَا لم يقْض إِلَّا الْأَرْبَع الزَّائِدَة هَذَا هُوَ الْمَذْهَب الَّذِي قطع بِهِ الْأَصْحَاب وَلَو التمست أَرْبعا أَو خمْسا لم يقْض إِلَّا مَا زَاد على الثَّلَاث وَلَو طلبت الْبكر عشرا لم تجز إجابتها فَإِن أجابها لم يقْض إِلَّا مَا زَاد على السَّبع وَالله أعلم
(فرع) وفى الزَّوْج حق الجديدة من الزفاف ثمَّ طَلقهَا ثمَّ رَاجعهَا فَلَيْسَ لَهَا حق الزفاف لِأَن الرَّجْعِيَّة بَاقِيَة على النِّكَاح الأول وَقد وفى حَقه وَإِن أَبَانهَا ثمَّ جدد نِكَاحهَا فَقَوْلَانِ الْأَظْهر أَنه يجدد حَقّهَا من الزفاف لِأَنَّهُ نِكَاح جَدِيد وَالله اعْلَم قَالَ
(وَإِذا بَان نشوز الْمَرْأَة وعظها فَإِن أَبَت إِلَّا النُّشُوز هجرها فَإِن أَقَامَت عَلَيْهِ ضربهَا وَيسْقط بالنشوز قسمهَا ونفقتها)
إِذا ظهر من الْمَرْأَة أَمَارَات النُّشُوز إِمَّا بالْقَوْل مثل إِن اعتادت حسن الْكَلَام أَو كَانَ إِذا دَعَاهَا أجابت بلبيك وَنَحْوه فَتغير ذَلِك وَإِمَّا بِالْفِعْلِ بِأَن كَانَت فِي حَقه طَلْقَة الْوَجْه فأظهرت عبوسة أَو أبدت إعْرَاضًا على خلاف مَا أَلفه من حسن الْمُلْتَقى وعظها بالْكلَام بِأَن يَقُول مَا هَذَا التَّغْيِير الَّذِي حدث مِنْك وَكنت ألفت مِنْك غير ذَلِك فاتقي الله فَإِن حَقي وَاجِب عَلَيْك وَيبين لَهَا أَن النُّشُوز يسْقط النَّفَقَة وَالْكِسْوَة وَالْقسم وَحجَّة ذَلِك قَوْله تَعَالَى {واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن} وَلَا يهجرها وَلَا يضْربهَا لاحْتِمَال أَن لَا يكون ذَلِك نُشُوزًا ولعلها تبدي عذرا أَو تتوب وَيحسن أَن يبرها ويستميل قَلبهَا فَإِن أَبَت إِلَّا النُّشُوز وَظهر ذَلِك مِنْهَا بِأَن دَعَاهَا إِلَى فرَاشه فَأَبت وَصَارَت بِحَيْثُ يحْتَاج فِي ردهَا إِلَى الطَّاعَة إِلَى تَعب لَا امْتنَاع دلال أَو خرجت من منزله وَنَحْو ذَلِك هجرها فِي المضجع وَلَا يهجرها فِي الْكَلَام وَهل هجرانها فِي الْكَلَام حرَام أم مَكْرُوه فِي وَجْهَان عَن الإِمَام قَالَ الإِمَام وَعِنْدِي أَنه لَا يحرم الِامْتِنَاع من الْكَلَام أبدا نعم إِذا كلم فَعَلَيهِ أَن يُجيب كجواب السَّلَام وابتدائه قَالَ الرَّافِعِيّ وَلمن قَالَ بِالتَّحْرِيمِ أَن يَقُول لَا منع من ترك الْكَلَام بِلَا قصد أما إِذا قصد الهجران فَحَرَام كَمَا أَن الطّيب وَنَحْوه إِذا تَركه الْإِنْسَان بِلَا قصد لَا يَأْثَم وَلَو قصد بترك إِلَّا حداد أَثم وَحكى عَن الشَّافِعِي أَنه لَو هجرها بالْكلَام لم يزدْ على ثَلَاثَة فَإِن زَاد أَثم قَالَ ابْن الرّفْعَة وَمحل الْخلاف فَوق الثَّلَاث أما الثَّلَاث فَلَا يحرم قطعا قَالَ النَّوَوِيّ الصَّوَاب الْجَزْم بِتَحْرِيم الهجران فِيمَا زَاد على ثَلَاثَة أَيَّام وَعدم التَّحْرِيم فِي الثَّلَاث للْحَدِيث الصَّحِيح لَا يحل لمُسلم أَن

(1/381)


يهجر أَخَاهُ فَوق ثَلَاث قَالَ أَصْحَابنَا وَغَيرهم هَذَا فِي الهجران لغير عذر شَرْعِي فَإِن كَانَ عذر بِأَن كَانَ المهجور مَذْمُوم الْحَال لبدعة أَو فسق أَو نَحْوهمَا أَو كَانَ فِيهِ صَلَاح لدين الهاجر أَو المهجور فَلَا يحرم وعَلى هَذَا يحمل مَا ثَبت من هجر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَعْب بن مَالك وصاحبيه وَنَهْيه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام الصَّحَابَة عَن كَلَامهم وَكَذَا مَا جَاءَ من هجران السّلف بَعضهم بَعْضًا كَذَا ذكره هُنَا وَقَالَ فِي كتاب الْإِيمَان وهجران الْمُسلم حرَام فَوق ثَلَاثَة أَيَّام وَهَذَا إِذا كَانَ الهجر لحظوظ النَّفس وتعقبات أهل الدُّنْيَا فَأَما إِذا كَانَ المهجور مبتدعاً أَو متجاهراً بالظلم أَو الْفسق فَلَا تحرم مهاجرته أبدا وَكَذَا إِذا كَانَ فِي المهاجرة مصلحَة دينية وَالله أعلم
قلت وَأَشد النَّاس فسقاً من الْمُسلمين فُقَهَاء السوء وفقراء الرجس الَّذين يَتَرَدَّدُونَ إِلَى الظلمَة طَمَعا فِي مزابلتهم مَعَ علمهمْ بِمَا هم عَلَيْهِ من شرب الْخُمُور وأنواع الْفُجُور وَأخذ المكوس وقهر النَّاس على مَا تدعوهم إِلَيْهِ أنفسهم الامارة وَسَفك الدِّمَاء وقمع من دعاهم إِلَى مَا نزلت بِهِ الْكتب وَأرْسلت بِهِ الرُّسُل فَلَا يغتر بصنع هَؤُلَاءِ الأراذل من الْفُقَهَاء وَيجب اتِّبَاع مَا جَاءَ بِهِ سيد السَّابِقين واللاحقين صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقد حرر بعض فُقَهَاء الْعَصْر بحثا فِيمَن يتعاطى شَيْئا يحصل بِهِ اعْتِقَاد حل مَا حرم الله لأجل عدم إِنْكَاره ذَلِك لِأَن بِهِ تُقَام الشَّرِيعَة فَقَالَ من ألْقى مُصحفا فِي القاذورة كفر وَإِن ادّعى الْإِيمَان لِأَن ذَلِك يدل على استهزائه بِالدّينِ فَهَل يكون متعاطي سَبَب اندراس الشَّرِيعَة أولى بالتكفير أم لَا وَجعل هَذَا أولى لِأَن مثل ذَلِك قد يخفى على الْعَوام بِخِلَاف إِلْقَاء الْمُصحف شرفه الله تَعَالَى وَلِأَن السَّبَب الْمُؤَدِّي إِلَى طمس الدّين وإماتة الْحق أدل دَلِيل على خبث الطوية وَإِن قَالَ إِن سَرِيرَته حَسَنَة كَمَا قَالَه عَليّ رَضِي الله عَنهُ وَهَذَا جلي لَا شكّ فِيهِ وَالله أعلم
أما إِذا تكَرر مِنْهَا الهجران وأصرت عَلَيْهِ فَلهُ الهجران وَالضَّرْب بِلَا خلاف وَهَذِه هِيَ الطَّرِيقَة الصَّحِيحَة الْمُعْتَمدَة فِي الْمَرَاتِب الثَّلَاث وَفِي قَول يجوز الهجران وَالضَّرْب فِي الْمرتبَة الأولى وَهِي عِنْد خوف النُّشُوز وَظَاهر الْآيَة يدل لذَلِك وَهل يجوز الضَّرْب فِي الْمرتبَة الثَّانِيَة وَهِي مَا إِذا ظهر مِنْهَا النُّشُوز وَلم يتَكَرَّر فِيهِ خلاف رجح الرَّافِعِيّ فِي الْمُحَرر الْمَنْع وَصحح النَّوَوِيّ فِي الْمِنْهَاج الْجَوَاز وَاخْتَارَهُ فِي الرَّوْضَة وَقَالَ إِنَّه الْمُوَافق لظَاهِر الْقُرْآن وَحَيْثُ جَازَ لَهُ الضَّرْب فَهُوَ ضرب تَأْدِيب وتعزير وَيَنْبَغِي أَن لَا يكون مدمياً وَلَا مبرحاً وَلَا مهْلكا وَلَا على الْوَجْه فَإِن فعل وَأدّى إِلَى تلف وَجب الْغرم لِأَنَّهُ تبين أَنه إِتْلَاف لَا إصْلَاح ثمَّ الزَّوْج وَإِن جَازَ لَهُ الضَّرْب فَالْأولى لَهُ الْعَفو بِخِلَاف

(1/382)


الْوَلِيّ فَإِنَّهُ لَا يتْرك ضرب التَّأْدِيب للصَّبِيّ لِأَنَّهُ مصلحَة لَهُ وَفِي الحَدِيث النَّهْي عَن ضرب النِّسَاء وَأَشَارَ الشَّافِعِي فِيهِ إِلَى تأويلين
أَحدهمَا أَنه مَنْسُوخ بِالْآيَةِ أَو حَدِيث آخر ورد بضربهن
وَالثَّانِي حمل النَّهْي على الْكَرَاهَة أَو ترك الأولى قَالَ الرَّافِعِيّ وَقد يحمل النَّهْي على الْحَال الَّذِي لم يُوجد فِي السَّبَب المجوز للضرب قَالَ النَّوَوِيّ وَهَذَا التَّأْوِيل الْأَخير هُوَ الْمُخْتَار فَإِن النّسخ لَا يُصَار إِلَيْهِ إِلَّا إِذا تعذر الْجمع وَعلمنَا التَّارِيخ وَالله أعلم
(فرع) لَيْسَ من النُّشُوز الشتم وبذاءة اللِّسَان لَكِنَّهَا تأثم بإيذائه وتستحق التَّأْدِيب وَهل يؤدبها الزَّوْج أم يرفع الْأَمر إِلَى القَاضِي وَجْهَان حَكَاهُمَا الرَّافِعِيّ هُنَا بِلَا تَرْجِيح وَجزم فِي بَاب التعزيز بِأَن الزَّوْج يؤدبها وَصَححهُ النَّوَوِيّ هُنَا من زِيَادَته فَقَالَ قلت الْأَصَح أَنه يؤدبها بِنَفسِهِ لِأَن فِي رَفعهَا إِلَى القَاضِي مشقة وعاراً وتنكيداً للاستمتاع فِيمَا بعد وتوحيشاً للقلوب وَالله أعلم وَلَو مكنت من الْجِمَاع ومنعت من بَقِيَّة الاستمتاعات فَهَل هُوَ نشوز يسْقط النَّفَقَة فِيهِ وَجْهَان ذكرهمَا الرَّافِعِيّ بِلَا تَرْجِيح وَصحح النَّوَوِيّ من زِيَادَته أَنَّهَا تسْقط وَالله أعلم قَالَ
بَاب الْخلْع فصل فِي الْخلْع وَالْخلْع جَائِز على عوض مَعْلُوم
الْخلْع مُشْتَقّ من الْخلْع وَهُوَ النزع وَمِنْه خلع الثَّوْب فغذا فَارقهَا فقد خلعها مِنْهُ
وَهُوَ فِي الشَّرْع عبارَة عَن الْفرْقَة على عوض يَأْخُذهُ الزَّوْج وَفِيه نظر من جِهَة أَنه لَو خَالعهَا على مَا ثَبت لَهَا عَلَيْهِ من الْقصاص أَو الدِّيوَان وَنَحْو ذَلِك فَإِنَّهُ يَصح وَلَا أَخذ فَالْأَحْسَن أَن يُقَال فرقة على عوض رَاجع إِلَى الزَّوْج
وأصل الْخلْع مجمع على جَوَازه وَجَاء بِهِ الْقُرْآن وَالسّنة قَالَ الله تَعَالَى {فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} وَعَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا أَن امْرَأَة ثَابت بن قيس أَتَت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَت يَا رَسُول الله ثَابت بن قيس مَا أَعتب عَلَيْهِ فِي خلق وَلَا دين وَلَكِنِّي أكره الْكفْر فِي الْإِسْلَام فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَتردينَ عَلَيْهِ حديقته قَالَت نعم فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اقبل الحديقة وَطَلقهَا تَطْلِيقَة

(1/383)


وَلَا فرق فِي جَوَاز الْخلْع بَين أَن يخالع على الصَدَاق أَو على بعضه أَو على مَال آخر سَوَاء كَانَ أقل من الصَدَاق أَو أَكثر وَلَا فرق بَين الْعين وَالدّين وَالْمَنْفَعَة وضابطه أَن كل مَا جَازَ أَن يكون صَدَاقا جَازَ أَن يكون عوضا فِي الْخلْع لعُمُوم قَوْله تَعَالَى {فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} وَلِأَنَّهُ عقد على بضع فَأشبه النِّكَاح وَيشْتَرط فِي عوض الْخلْع أَن يكون مَعْلُوما متمولاً مَعَ سَائِر شُرُوط الأعواض كالقدرة على التَّسْلِيم واستقرار الْملك وَغير ذَلِك لِأَن الْخلْع عقد مُعَاوضَة فَأشبه البيع وَالصَّدَاق وَهَذَا صَحِيح فِي الْخلْع الصَّحِيح أما الْخلْع الْفَاسِد فَلَا يشْتَرط الْعلم بِهِ فَلَو خَالعهَا على مَجْهُول كَثوب غير معِين أَو على حمل هَذِه الدَّابَّة أَو خَالعهَا بِشَرْط فَاسد كَشَرط أَن لَا ينْفق عَلَيْهَا وَهِي حَامِل أَو لَا سُكْنى لَهَا أَو خَالعهَا بِأَلف إِلَى أجل مَجْهُول وَنَحْو ذَلِك بَانَتْ مِنْهُ فِي هَذِه الصُّورَة بِمهْر الْمثل أما حُصُول الْفرْقَة فَلِأَن الْخلْع إِمَّا فسخ أَو طَلَاق إِن كَانَ فسخا فَالنِّكَاح لَا يفْسد بِفساد الْعِوَض فَكَذَا فَسخه إِذْ الفسوخ تحكي الْعُقُود وَإِن كَانَ طَلَاقا فالطلاق يحصل بِلَا عوض وَمَاله حُصُول بِلَا عوض فَيحصل مَعَ فَسَاد الْعِوَض كَالنِّكَاحِ بل أولى لقُوَّة الطَّلَاق وسيراته وَأما الرُّجُوع إِلَى مهر الْمثل فَلِأَن قَضِيَّة فَسَاد الْعِوَض ارتداد الْعِوَض الآخر والبضع لَا يرْتَد بعد حُصُول الْفرْقَة فَوَجَبَ رد بدله كَمَا مر فِي فَسَاد الصَدَاق وَيُقَاس بِمَا ذكرنَا مَا يُشبههُ لِأَن مَا لم يكن ركنا فِي شَيْء لَا يضر الْجَهْل بِهِ كالصداق وَمن صور ذَلِك مَا لَو خَالعهَا على مَا فِي كفها وَلم يُعلمهُ فَإِنَّهَا تبين مِنْهُ بِمهْر الْمثل فَإِن لم يكن فِي كفها شَيْء فَفِي الْوَسِيط أَنه يَقع الطَّلَاق رَجْعِيًا وَالَّذِي نَقله غَيره أَنه يَقع بَائِنا بِمهْر الْمثل قَالَ الرَّافِعِيّ وَيُشبه أَن يكون الأول فِيمَا إِذا كَانَ عَالما بِالْحَال وَالثَّانِي فِيمَا إِذا ظن أَن فِي كفها شَيْئا قَالَ النَّوَوِيّ الْمَعْرُوف الَّذِي أطلقهُ الْجُمْهُور وُقُوعه بَائِنا بِمهْر الْمثل وَالله أعلم
وَاعْلَم أَن الْخلْع على مَا لَيْسَ بِمَال وَلَكِن قد يقْصد يَقع بِهِ الطَّلَاق بَائِنا بِمهْر الْمثل كَمَا لَو خَالعهَا على خمر أَو حر أَو مَغْصُوب بِخِلَاف مَا لَو خَالعهَا على دم فَإِنَّهُ يَقع الطَّلَاق رَجْعِيًا وَفرق بِأَن الدَّم لَا يقْصد بِحَال فَكَأَنَّهُ لم يطْمع فِي شَيْء وَالْخلْع على الْميتَة كَالْخمرِ لَا كَالدَّمِ لِأَنَّهَا قد تقصد للضَّرُورَة والجوارح وَقَالَ القَاضِي حُسَيْن يَقع فِي ذكر الْخمر وَالْمَغْصُوب رَجْعِيًا لِأَن الْمَذْكُور لَيْسَ بِمَال فَلَا يظْهر طمعه فِي شَيْء وَالصَّحِيح أَنه يَقع بَائِنا بِمهْر الْمثل وَقطع بِهِ الْأَصْحَاب وَالْخلْع على مَا لَا يقدر على تَسْلِيمه وَمَا لم يتم الْملك عَلَيْهِ كالخلع على الْخمر وَلَو خَالعهَا على عين فَتلفت قبل الْقَبْض أَو خرجت مُسْتَحقَّة للْغَيْر أَو مَعِيبَة فَردهَا أَو فَاتَت مِنْهَا صفة مَشْرُوطَة فَردهَا رَجَعَ بِمهْر الْمثل فِي الْأَصَح وَقيل بِقِيمَة الْعين بِخِلَاف مَا لَو خَالعهَا على شَيْء مَوْصُوف فِي الذِّمَّة بِصِفَات مُعْتَبرَة فَأَعْطَتْهُ ذَلِك الشَّيْء فَبَان معيبا فَلهُ رده ويطالبها بسليم كَمَا فِي السّلم وَلَو قَالَ إِن أَعْطَيْتنِي ثوبا صفته كَذَا فَأَنت طَالِق فَأَعْطَتْهُ ثوبا بِتِلْكَ الصّفة طلقت فَإِن خرج معيبا فَرده رَجَعَ بِمهْر الْمثل على

(1/384)


الْأَظْهر وبقيمة ذَلِك الثَّوْب سليما على قَول ضَعِيف وَالله أعلم وَاعْلَم أَنه يشْتَرط أَن لَا يَتَخَلَّل بَين الْإِيجَاب وَالْقَبُول كَلَام أَجْنَبِي فَإِن تخَلّل كَلَام كثير بَطل الارتباط بَينهمَا وَلَا يضر الْيَسِير على الصَّحِيح
(فرع كثير الْوُقُوع) قَالَت الزَّوْجَة إِن طلقتني فَأَنت بَرِيء من صَدَاقي أَو فقد أَبْرَأتك فَطلق وَقع الطَّلَاق رَجْعِيًا وَلم يبرأ من الصَدَاق لِأَن تَعْلِيق الأبراء لَا يَصح وَطَلَاق الزَّوْج طَمَعا فِي الْبَرَاءَة من غير لفظ صَحِيح فِي الِالْتِزَام لَا يُوجب عوضا قَالَ الرَّافِعِيّ وَكَانَ لَا يبعد أَن يُقَال طلق طَمَعا فِي حُصُول الْبَرَاءَة وَهِي رغبت فِي الطَّلَاق بِالْبَرَاءَةِ فَيكون ذَلِك عوضا فَاسِدا فَأشبه مَا إِذا ذكر خمرًا وَنَحْوه وَالله أعلم وَهَذَا هُوَ الَّذِي بَحثه الرَّافِعِيّ نَقله الْخَوَارِزْمِيّ وَنقل فِي الْمَسْأَلَة وَجْهَيْن بل جزم بِهِ القَاضِي حُسَيْن وَنَقله عَن الرَّافِعِيّ فِي آخر الْبَاب الْخَامِس من الْخلْع فَقَالَ وَلَو قَالَت إِن طلقتني أَبْرَأتك من صَدَاقي أَو فَأَنت بَرِيء فَطلق لَا يحصل الْإِبْرَاء لِأَن تَعْلِيق الْإِبْرَاء لَا يَصح لَكِن عَلَيْهَا مهر الْمثل لِأَنَّهُ لم يُطلق مجَّانا بل بِالْإِبْرَاءِ وَظن صِحَّته وَالله أعلم قَالَ الأسنوي وَمَا نَقله من وجوب مهر الْمثل وأقرا الْمَشْهُور خِلَافه فَلَا يجب شَيْء وَيَقَع رَجْعِيًا وَالله أعلم
قلت يعضد قَول الرَّافِعِيّ مسَائِل مِنْهَا مَا احْتج بِهِ من ذكر الْخمر وَالْخِنْزِير وَالْحر وَالْمَغْصُوب وَالْميتَة وعللوا الْبَيْنُونَة بالطمع فِيمَا قد يقْصد وَفِي مَسْأَلَتنَا الْبَرَاءَة من الصَدَاق مَقْصُودَة لَا محَالة وَمِنْهَا مَا تقدم أَيْضا فِيمَا إِذا خَالعهَا على مَا فِي كفها وَلَا شَيْء فِيهِ أَنَّهَا تبين بِمهْر الْمثل لِأَنَّهُ إِنَّمَا طلق طَمَعا فِي شَيْء كَذَا ذكره فِي الشَّامِل والتتمة وَرجحه النَّوَوِيّ واعتمدوا فِي الْبَيْنُونَة على تَعْلِيل الطمع وَمِنْهَا لَو تخالعا بِمَا بَقِي من صَدَاقهَا وَلم يكن بَقِي لَهَا شَيْء فَهَل تبين بِمهْر الْمثل فِيهِ وَجْهَان فِي فَتَاوَى الْبَغَوِيّ وَرجح الْحُصُول وَفِي فَتَاوَى الْقفال أَنه إِذا خَالعهَا على صَدَاقهَا وَقد أَبرَأته مِنْهُ فَإِن جهلت الْحَال فعلَيْهَا مهر الْمثل أم مثل ذَلِك الْقدر قَولَانِ وَإِن كَانَت عَالِمَة فَإِن جرى لفظ الطَّلَاق فَهَل تبين أَو يَقع رَجْعِيًا وَجْهَان وَإِن جرى لفظ الْخلْع فَإِن قُلْنَا فِي الطَّلَاق يجب المَال فَهُنَا أولى وَإِلَّا فَوَجْهَانِ بِنَاء على أَن لفظ الْخلْع يَقْتَضِيهِ أم لاانتهى كَلَام الْقفال وَالصَّحِيح أَن مُطلق الْخلْع يَقْتَضِي المَال وَقد يجب بِأَن هَذِه الصُّورَة فِيهَا تَعْلِيق من جِهَة الزَّوْج بِخِلَاف مَسْأَلَة الْبَرَاءَة فَإِنَّهُ لَا تَعْلِيق فِيهَا من جِهَته بل من الْمَرْأَة وَالله أعلم قَالَ
(وتملك بِهِ الْمَرْأَة نَفسهَا وَلَا رَجْعَة لَهُ عَلَيْهَا)
(إِذا طلق الرجل زَوجته على عوض أَو خَالعهَا فَلَا رَجْعَة لَهُ سَوَاء كَانَ الْعِوَض صَحِيحا أَو فَاسِدا سَوَاء قُلْنَا الْخلْع فسخ أَو طَلَاق لِأَنَّهَا بذلت المَال لتملك الْبضْع فَلَا يملك الزَّوْج ولَايَة الرُّجُوع إِلَيْهِ كَمَا أَن الزَّوْج إِذا بذل المَال صَدَاقا ليتملك الْبضْع لَا يكون للْمَرْأَة ولَايَة الرُّجُوع إِلَى الْبضْع وَالله أعلم

(1/385)


(فرع) قَالَ لزوجته خالعتك بِدِينَار على أَن لي عَلَيْك رَجْعَة فَهَل يَقع الطَّلَاق رَجْعِيًا وَلَا مَال أَو يَلْغُو شَرط الرّجْعَة وَتجْعَل الْبَيْنُونَة بِمهْر الْمثل فِي ذَلِك نُصُوص للشَّافِعِيّ قَالَ ابْن مسلمة وَابْن الْوَكِيل فِي الْمَسْأَلَة قَولَانِ جُمْهُور الْأَصْحَاب على الْقطع بِوُقُوعِهِ رَجْعِيًا بِلَا مَال وَلَو خَالعهَا بِمِائَة على أَنه مَتى شَاءَ رد الْمِائَة وَكَانَت لَهُ الرّجْعَة نَص الشَّافِعِي على أَنه يفْسد الشَّرْط وَتحصل الْبَيْنُونَة بِمهْر الْمثل فَقيل بطرد الْخلاف فِي الْمَسْأَلَة الأولى وَقيل بِالْجَزْمِ بالمنصوص لِأَنَّهُ رَضِي بِسُقُوط الرّجْعَة هُنَا وَمَتى سَقَطت لَا تعود وَالله أعلم
(فرع) وكل رجل امْرَأَة بِطَلَاق زَوجته أَو خلعها صَحَّ على الْأَصَح وَقيل لَا لِأَنَّهَا لَا تستقل وَيجوز أَن يُوكل فِي الْخلْع عبدا وَالسَّفِيه والمحجور عَلَيْهِ وَلَا يجوز أَن يُوكل الْمَحْجُور عَلَيْهِ فِي الْقَبْض فَإِن فعل وَقبض فَفِي التَّتِمَّة أَن المختلعة تَبرأ وَيكون الزَّوْج مضيعاً لمَاله وَلَو وكل الْمَرْأَة فِي الاختلاع مَحْجُورا عَلَيْهِ بِسَفَه قَالَ الْبَغَوِيّ لَا يَصح وَإِن أذن الْوَلِيّ فَلَو فعل وَقع الطَّلَاق رَجْعِيًا كاختلاع السَّفِيه وَهَذَا على مَا ذكره الْمُتَوَلِي فِيمَا إِذا أطلق أما إِذا أضَاف المَال إِلَيْهَا فَتحصل الْبَيْنُونَة ويلزمها المَال إِذْ لَا ضَرَر على السَّفِيه وَالله أعلم قَالَ
(وَيجوز الْخلْع فِي الطُّهْر وَالْحيض وَلَا يلْحق المختلعة طَلَاق)
الطَّلَاق فِي زمن الْحيض حرَام على مَا سَيَأْتِي وَيسْتَثْنى من ذَلِك مَا إِذا طَلقهَا على عوض وَكَذَا إِذا خَالعهَا وَاحْتج لذَلِك بِإِطْلَاق قَوْله تَعَالَى {فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} وَبِأَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أطلق الْإِذْن لِثَابِت بن قيس فِي الْخلْع من غير بحث واستفصال عَن حَال الزَّوْجَة وَلَيْسَ الْحيض بِأَمْر مادر الْوُجُود فِي حق النِّسَاء قَالَ الشَّافِعِي ترك الاستفصال فِي قضايا الْأَحْوَال مَعَ قيام الِاحْتِمَال ينزل منزلَة الْعُمُوم فِي الْمقَال وَالنَّبِيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يستفصل هَل هِيَ حَائِض أم لَا ثمَّ الْمَعْنى المجوز لِلْخلعِ اخْتلف فِيهِ على وَجْهَيْن
أَحدهمَا أَن الْمَنْع فِي الْحيض إِنَّمَا كَانَ مُحَافظَة على جَانبهَا لتضررها بطول الْعدة فَإِذا اخْتلعت بِنَفسِهَا فقد رضيت بالتطويل
وَالثَّانِي أَن بذل المَال يشْعر بِقِيَام الضَّرُورَة أَو الْحَاجة الشَّدِيدَة إِلَى الْخَلَاص وَفِي مثل هَذَا لَا يحسن الْأَمر بِالتَّأْخِيرِ ومراقبة الْأَوْقَات وَتظهر ثَمَرَة الْخلاف فِي مَسْأَلَتَيْنِ
إِحْدَاهمَا إِذا سَأَلت الطَّلَاق ورضيت بِهِ بِلَا عوض فِي الْحيض فَهَل يكون الطَّلَاق حَرَامًا إِن

(1/386)


عللنا بِالرِّضَا فَلَا يحرم كرضاها بتطويل الْعدة وَالثَّانِي وَهُوَ الْأَصَح يحرم لِأَن الضَّرُورَة لم تتَحَقَّق لعدم بذل المَال
الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة لَو خَالع الزَّوْج أَجْنَبِي فِي الْحيض فَهَل يحرم وَجْهَان وَجه الْجَوَاز أَن وجود بذل المَال يدل على الضَّرُورَة وَالأَصَح التَّحْرِيم لِأَنَّهُ لم يُوجد مِنْهَا رضَا وَلَا بدل وَقَوله وَلَا يلْحق المختلعة طَلَاق لِأَنَّهَا تبين بِالْخلْعِ والبائن لَا يلْحقهَا طَلَاق لِأَنَّهَا أَجْنَبِيَّة بِدَلِيل عدم جَوَاز النّظر وَالْخلْوَة وَنَحْوهمَا وَالله أعلم
(فرع) قد علمت أَن الْخلْع يَصح مَعَ الزَّوْجَة للنَّص وكما يَصح مَعهَا كَذَلِك يَصح مَعَ الْأَجْنَبِيّ إِذا قُلْنَا إِن الْخلْع طَلَاق وَهُوَ الْأَصَح وَوَجهه أَن للزَّوْجَة حَقًا على الزَّوْج وَلها أَن تسقطه بعوض فَجَاز ذَلِك لغَيْرهَا كَالدّين وَفِي وَجه لَا يَصح فَلَو قُلْنَا إِن الْخلْع فسح لم يَصح من الْأَجْنَبِيّ لِأَن الْفَسْخ بِلَا عِلّة لَا ينْفَرد بِهِ الزَّوْج فَلَا يَصح طلبه وَالله أعلم قَالَ

(1/387)