مختصر المزني في فروع الشافعية ط العلمية

ص -90-        كتاب الحج.
قال الشافعي: فرض الله تبارك وتعالى الحج على كل حر بالغ استطاع إليه سبيلا بدلالة الكتاب والسنة ومن حج مرة واحدة في دهره فليس عليه غيرها قال الشافعي: والاستطاعة وجهان: أحدهما: أن يكون مستطيعا ببدنه واجدا من ماله ما يبلغه الحج بزاد وراحلة لأنه "قيل: يا رسول الله ما الاستطاعة؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم:
"زاد وراحلة"1 والوجه الآخر: أن يكون معضوبا في بدنه لا يقدر أن يثبت على مركب بحال وهو قادر على من يطيعه إذا أمره أن يحج عنه بطاعته له أو من يستأجره فيكون هذا ممن لزمه فرض الحج كما قدر ومعروف من لسان العرب أن يقول الرجل: أنا مستطيع لأن أبني داري أو أخيط ثوبي يعني بالإجارة أو بمن يطيعني وروي عن ابن عباس "أن امرأة من خثعم قالت: يا رسول الله إن فريضة الله في الحج على عباده أدركت أبي شيخا كبيرا لا يستطيع أن يستمسك على راحلته فهل ترى أن أحج عنه؟ فقال النبي: "نعم" فقالت: يا رسول الله فهل ينفعه ذلك؟ فقال: "نعم كما لوكان على أبيك دين فقضيته نفعه"2 قال الشافعي: فجعل النبي صلى الله عليه وسلم قضاءها الحج عنه كقضائها الدين عنه فلا شيء أولى أن يجمع بينه مما جمع النبي صلى الله عليه وسلم بينه وروي عن عطاء "عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه سمع رجلا يقول: لبيك عن شبرمة فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن كنت حججت فلب عنه وإلا فاحجج"3 وروي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال لشيخ كبير لم يحج: إن شئت فجهز رجلا يحج عنك4.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الحديث ورد في ج 2 ص161.
2 حديث ابن عباس ورد في ج 2 ص 157- 158.
3 حديث عطاء ورد في ج 2 ص 159 – 175.
4 الأثر عن علي ورد في ج 2 ص 160.

باب الاستطاعة بالغير.
قال الشافعي: واذا استطاع الرجل فأمكنه مسير الناس من بلده فقد لزمه الحج فإن مات قضي عنه وإن لم يمكنه لبعد داره ودنو الحج منه ولم يعش حتى يمكنه من قابل لم يلزمه وإن كان عام جدب أو عطش ولم يقدر عل ما لا بد له منه أو كان خوف عدو أشبه أن يكون غير واجد للسبيل لم يلزمه ولم يبن على أن أوجب عليه.

 

ص -91-        ركوب البحر للحج إذا قدر عليه وروي عن عطاء و طاوس أنهما قالا: الحجة الواجبة من رأس المال وهو القياس قال الشافعي: فليستأجر عنه في الحج والعمرة بأقل ما يؤجر من ميقاته ولا يحج عنه إلا من قد أدى الفرض مرة فإن لم يكن حج فهي عنه ولا أجرة له وروي "عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سمع رجلا يلبي عن فلان فقال له: "إن كنت حججت فلب عنه وإلا فاحجج عن نفسك"1 وعن ابن عباس أنه سمع رجلا يقول: لبيك عن شبرمة فقال: ويحك! ومن شبرمة؟ فأخبره فقال: "احجج عن نفسك ثم حج عن شبرمة"2 قال: وكذلك لو أحرم متطوعا وعليه حج كان فرضه أو عمرة كانت فرضه.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الحديث ورد في ج 2 ص 175.
2 الحديث ورد في ج 2 ص 175.

باب بيان وقت فرض الحج وكونه على التراخي.
قال الشافعي: أنزلت فريضة الحج بعد الهجرة وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر على الحج وتخلف في بالمدينة بعد منصرفه من تبوك لا محاربا ولا مشغولا بشيء3 وتخلف أكثر المسلمين قادرين على الحج وأزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم ولو كان كمن ترك الصلاة حتى يخرج وقتها ما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم الفرض ولا ترك المتخلفون عنه ولم يحج صلى الله عليه وسلم بعد فرض الحج إلا حجة الإسلام وهي حجة الوداع وروي عن جابر بن عبد الله "أن النبي صلى الله عليه وسلم أقام بالمدينة تسع سنين ولم يحج ثم حج" قال الشافعي: فوقت الحج ما بين أن يجب عليه إلى أن يموت.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
3 الحديث ورد في ج 2 ص 177.

باب بيان وقت الحج والعمرة.
قال الشافعي: قال الله جل وعز:
{الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ}4 الآية وأشهر الحج شوال وذو القعدة وتسع من ذي الحجة وهو يوم عرفة فمن لم يدركه إلى الفجر من يوم النحر فقد فاته الحج وروي أن جابر بن عبد ال له سئل: أيهل بالحج قبل أشهر الحج؟ قبل أشهر الحج قال: لا5 وعن عطاء أنه قيل له: أرأيت رجلا جاء مهلا بالحج في رمضان ما كنت قائلا له؟ قال: أقول له اجعلها عمرة6 وعن عكرمة قال: لا ينبغي لأحد أن يحرم بالحج إلا في أشهر الحج من أجل قول الله جل وعز {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ}7 قال: فلا يجوز لأحد أن يحج قبل أشهر الحج فإن فعل فإنها تكون عمرة كرجل دخل في صلاة قبل وقتها فتكون نافلة قال: ووقت العمرة متى شاء ومن قال: لا يعتمر إلا مرة في السنة خالف سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنه أعمر عائشة في شهر واحد من سنة واحدة مرتين.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
4 سورة البقرة: 197.
5 انظر الأم 2/315.
6 انظر الأم 2/315.
7 سورة البقرة: 197.

 

ص -92-        وخالف فعل عائشة نفسها1 وعلي رضي الله عنه2 وابن عمر3 وأنس4 رحمهم الله.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 انظر الأم 2/195.
2 انظر الأم 2/195.
3 انظر الأم 2/195.
4 انظر الأم 2/195.

باب بيان أن العمرة واجبة كالحج.
قال الشافعي: قال الله جل ذكره: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ}5 فقرن العمرة به وأشبه بظاهر القرآن أن تكون العمرة واجبة واعتمر النبي صلى الله عليه وسلم قبل الحج ومع ذلك قول ابن عباس: والذي نفسي بيده إنها لقرينتها في كتاب الله {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ}6 وعن عطاء قال: ليس أحد من خلق الله إلا وعليه حجة وعمرة واجبتان7 قال: وقال غيره من مكيينا: وسن رسول الله صلى الله عليه وسلم في قران العمرة مع الحج هديا ولو كانت نافلة أشبه أن تقرن مع الحج وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة" وروي أن في الكتاب الذي كتبه رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمرو بن حزم أن العمرة هي الحج الأصغر8.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
5 سورة البقرة: 196.
6 سورة البقرة: 196.
7 انظر الأم 2/189.
8 انظر الأم 2/190.

باب القران وغير ذلك.
قال الشافعي: ويجزئه أن يقرن العمرة مع الحج ويهريق دما والقارن أخف حالا من المتمتع وإن اعتمر قبل الحج ثم أقام بمكة حتى ينشىء الحج أنشأه من مكة لا من الميقات ولو أفرد الحج وأراد العمرة بعد الحج خرج من الحرم ثم أهل من أين شاء فسقط عنه بإحرامه بالحج من الميقات وأحرم بها من أقرب المواضع من ميقاتها ولا ميقات لها دون الحل كما يسقط ميقات الحج إذا قدم العمرة قبله لدخول أحدهما في الآخر قال: وأحب إلي أن يعتمر من الجعرانة لأن النبي صلى الله عليه وسلم اعتمر منها9 فإن أخطأه ذلك فمن التنعيم لأن النبي صلى الله عليه وسلم أعمر عائشة منها10 وهي أقرب الحل إلى البيت فإن أخطأه ذلك فمن الحديبية لأن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بها وأراد أن يدخل بعمرة منها.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
9 انظر الأم 2/191.
10 انظر الأم 2/192.

باب بيان إفراد الحج عن العمرة وغير ذلك.
قال الشافعي: في مختصر الحج: وأحب إلي أن يفرد لأن الثابت عندنا أن النبي صلى الله عليه وسلم أفرد وقال في كتاب اختلاف الأحاديث: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لو استقبلت من أمري ما استدبرت لما سقت الهدي ولجعلتها عمرة"11 قال الشافعي: ومن قال إنه أفرد الحج يشبه أن يقول على ما يعرف من أهل العلم12 الذي أدرك وفد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أحدا لا.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
11 انظر الأم 2/181.
12 قوله: الذي أدرك وفد الخ كذا في الأصل ولعل في الكلام تحريفا فحرر كتبه مصححه.

 

ص -93-        باب بيان التمتع بالعمرة وبيان المواقيت وغير ذلك.
قال الشافعي: قال الله جل وعز:
{فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ}3 الآية فإذا أهل بالحج في شوال أو ذي القعدة أو ذي الحجة صار متمتعا فإن له أن يصوم حين يدخل في الحج وهو قول عمرو بن دينار4 قال: وعليه أن لا يخرج من الحج حتى يصوم إذا لم يجد هديا وأن يكون آخر ما له من الأيام الثلاثة في آخر صيامه يوم عرفة لأنه يخرج بعد عرفة من الحج ويكون في يوم لا صوم فيه يوم النحر ولا يصام فيه ولا أيام منى لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عنها5 وأن من طاف فيها فقد حل ولم يجز أن أقول هذا في حج وهو خارج منه وقد كنت أراه وقد يكون من قال: يصوم أيام منى ذهب عنه نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عنها قال المزني: قوله هذا قياسه لأنه لا خلاف في أن النبي صلى الله عليه وسلم سوى في نهيه عنها وعن يوم النحر فإذا لم يجز صيام يوم النحر لنهي النبي صلى الله عليه وسلم فكذلك أيام منى لنهي.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
3 سورة البقرة: 196.
4 انظر الأم 2/291.
5 انظر الأم 2/291.

 

ص -94-        النبي صلى الله عليه وسلم عنها1 قال: ويصوم السبعة إذا رجع إلى أهله فإن لم يصم حتى مات تصدق عما أمكنه فلم يصمه عن كل يوم مدا من حنطة فإن لم يمت ودخل في الصوم ثم وجد الهدي فليس عليه الهدي وإن أهدى فحسن وحاضرو المسجد الحرام الذين لا متعة عليهم من كان أهله دون ليلتين وهو حينئذ أقرب المواقيت ومن سافر إليه صلى صلاة الحضر ومنه يرجع من لم يكن آخر عهده الطواف بالبيت حتى يطوف فإن جاوز ذلك إلى أن يصير مسافرا أجزأه دم.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 انظر الأم 2/291.

باب مواقيت الحج2.
قال الشافعي: ميقات أهل المدينة من ذي الحليفة وأهل الشام ومصر والمغرب وغيرها من الجحفة وأهل تهامة اليمن يلملم وأهل نجد اليمن قرن وأهل المشرق ذات عرق ولو أهلوا من العقيق كان أحب إلي والمواقيت لأهلها ولكل من يمر بها ممن أراد حجا أو عمرة وأيهم مر بميقات غيره ولم يأت من بلده كان ميقاته ميقات ذلك البلد الذي مر به والمواقيت في الحج والعمرة والقران سواء ومن سلك برا أو بحرا تأخى حتى يهل من حذو المواقيت أو من ورائها ولو أتى على ميقات لا يريد حجا ولا عمرة فجاوزه ثم بدا له أن يحرم أحرم منه وذلك ميقاته ومن كان أهله دون الميقات فميقاته من حيث يحرم من أهله لا يجاوزه وروي عن ابن عمر أنه أهل من الفرع3 وهذا عندنا أنه مر بميقاته لا يريد إحراما ثم بدا له فأهل منه أو جاء إلى الفرع من مكة أو غيرها ثم بدا له فأهل منه وروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم "أنه لم يكن يهل حتى تنبعث به راحلته"4.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
2 انظر الأم 2/198 وما بعدها.
3 انظر الأم 2/203.
4 انظر الأم 2/313.

باب الإحرام والتلبية.
قال الشافعي: وإذا أراد الرجل الإحرام اغتسل لإحرامه من ميقاته وتجرد ولبس إزارا ورداء أبيضين ويتطيب لإحرامه إن أحب قبل أن يحرم ثم يصلي ركعتين ثم يركب فإذا توجهت به راحلته لبى ويكفيه أن ينوي حجا أو عمرة عند دخوله فيه وروي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بالغسل وتطيب لإحرامه"5 وتطيب ابن عباس وسعد بن أبي وقاص6 قال: فإن لبى بحج وهو يريد عمرة فهي عمرة وإن لبى بعمرة يريد حجا فهو حج وإن لم يرد حجا ولا عمرة فليس بشيء وإن لبى يريد الإحرام ولم ينو حجا ولا عمرة فله الخيار أيهما شاء وإن لبى بأحدهما فنسيه فهو قارن ويرفع صوته بالتلبية لقول النبي صلى الله عليه وسلم:
"أتاني جبريل عليه السلام فأمرني أن آمر أصحابي أو من معي أن يرفعوا أصواتهم بالتلبية"7 قال: ويلبي المحرم قائما وقاعدا وراكبا ونازلا وجنبا ومتطهرا وعلى.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
5 انظر الأم 2/222.
6 انظر الأم 2/223.
7 انظر الأم 2/232.

 

ص -95-        باب فيما يمتنع على المحرم من اللبس.
قال الشافعي: ولا يلبس المحرم قميصا ولا عمامة ولا برنسا ولا خفين إلا أن لا يجد نعلين فليلبس خفين وليقطعهما أسفل من الكعبين وإن لم يجد إزارا لبس سراويل لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك كله9 ولا يلبس ثوبا مسه زعفران ولا ورس ولا شيء من الطيب ولا يغطي رأسه وله أن يغطي وجهه فإن احتاج إلى تغطية رأسه ولبس ثوب مخيط وخفين ففعل ذلك من شدة برد أو حر إن فعل ذلك كله في مكانه كانت عليه فدية واحدة وإن فرق ذلك شيئا بعد شيء كان عليه لكل لبسة فدية وإن احتاج إلى حلق رأسه فحلقه فعليه فدية وإن تطيب ناسيا فلا شيء عليه وإن تطيب عامدا فعليه الفدية والفرق في المتطيب بين الجاهل والعالم أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر الأعرابي وقد أحرم وعليه خلوق بنزع الجبة.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
9 انظر الأم 2/214.

 

ص -96-        وغسل الصفرة ولم يأمره في الخبر بفدية1 قال المزني: في هذا دليل أن ليس عليه فدية إذا لم يكن في الخبر2 وهكذا روي في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم في الصائم يقع على امرأته فقال النبي: "أعتق وافعل" ولم يذكرأن عليه القضاء وأجمعوا أن عليه القضاء قال الشافعي: وما شم من نبات الأرض مما لا يتخذ طيبا أو أكل تفاحا أو أترجا أو دهن جسده بغير طيب فلا فدية عليه وإن دهن رأسه أو لحيته بدهن غير طيب فعليه الفدية لأنه موضع الدهن وترجيل الشعر قال المزني: ويدهن المحرم الشجاج في مواضع ليس فيها شعر من الرأس ولا فدية قال المزني: والقياس عندي أنه لا يجوز له الزيت بكل حال يدهن به المحرم الشعر بغير طيب3 ولو كان فيه طيب ما أكله قال الشافعي: وما أكل من خبيص فيه زعفران يصبغ اللسان فعليه الفدية وإن كان مستهلكا فلا فدية فيه والعصفر ليس من الطيب وإن مس طيبا يابسا لا يبقى له أثر وإن بقي له ريح فلا فدية وله أن يجلس عند العطار ويشتري الطيب ما لم يمسه بشيء من جسده ويجلس عند الكعبة وهي تجمر وإن مسها ولا يعلم أنها رطبة فعلق بيده طيب غسله فإن تعمد ذلك افتدى وإن حلق وتطيب عامدا فعليه فديتان وإن حلق شعرة فعليه مد وإن حلق شعرتين فمدان وإن حلق ثلاث شعرات فدم وإن كانت متفرقة ففي كل شعرة مد وكذلك الأظفار والعمد فيها والخطأ سواء ويحلق المحرم شعر المحل وليس للمحل أن يحلق شعر المحرم فإن فعل بأمر المحرم فالفدية على المحرم وإن فعل بغير أمره مكرها كان أو نائما رجع على الحلال بفدية وتصدق بها فإن لم يصل إليه فلا فدية عليه قال المزني: وأصبت في سماعي منه ثم خط عليه أن يفتدي ويرجع بالفدية على المحل وهذا أشبه بمعناه عندي قال الشافعي: ولا بأس بالكحل ما لم يكن فيه طيب فإن كان فيه طيب افتدى ولا بأس بالاغتسال ودخول الحمام اغتسل رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو محرم4 ودخل ابن عباس حمام الجحفة فقال: ما يعبأ الله بأوساخكم شيئا5 قال: ولا بأس أن يقطع العرق ويحتجم ما لم يقطع شعرا واحتجم رسول الله صلى الله عليه وسلم محرما6 ولا ينكح المحرم ولا ينكح لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ذلك7 وقال: فإن نكح أو أنكح فالنكاح فاسد ولا بأس بأن يراجع امرأته إذا طلقها تطليقة ما لم تنقض العدة ويلبس المحرم المنطقة للنفقة ويستظل في المحمل ونازلا في الأرض.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 انظر الأم 2/226.
2 قوله وهكذا روى في الحديث الخ كذا في الأصل ولعل في العبارة سقطا أو تحريفا فلتحرر كتبه.
3 قوله: ولو كان فيه الخ كذا في الأصل وانظر كتبه مصححه.
4 انظر الأم 2/211.
5 انظر الأم 2/305.
6 انظر الأم 2/316.
7 انظر الأم 2/171.

 

ص -97-        باب ما يلزم عند الإحرام وبيان الطواف والسعي وغير ذلك.
قال الشافعي: وأحب للمحرم أن يغتسل من ذي طوى لدخول مكة1 ويدخل من ثنية كدا2 وتغتسل المرأة الحائض لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أسماء بذلك وقوله عليه السلام للحائض:
"افعلي ما يفعل الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت" قال: فإذا رأى البيت قال: اللهم زد هذا البيت تشريفا وتعظيما وتكريما ومهابة3 وزد من شرفه وعظمه ممن حجه أو اعتمره تشريفا وتعظيما وتكريما ومهابة وقال: وتقول: اللهم أنت السلام ومنك السلام فحينا ربنا بالسلام4 ويفتتح الطواف بالاستلام فيقبل الركن الأسود ويستلم اليماني بيده ويقبلها ولا يقبله لأني لم أعلم روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قبل إلا الحجر الأسود واستلم اليماني وأنه لم يعرج على شيء دون الطواف5 ولا يبتدئ بشيء غير الطواف إلا أن يجد الإمام في المكتوبة أو يخاف فوت فرض أو ركعتي الفجر قال: ويقول عند ابتدائه الطواف والاستلام: باسم الله والله أكبر اللهم إيمانا بك وتصديقا بكتابك ووفاء بعهدك واتباعا لسنة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم6 ويضطبع للطواف لأن النبي صلى الله عليه وسلم اضطبع حين طاف ثم عمر7 قال: والاضطباع أن يشتمل بردائه على منكبه الأيسر ومن تحت منكبه الأيمن فيكون منكبه الأيمن مكشوفا حتى يكمل سعيه والاستلام في كل وتر أحب إلي منه في كل شفع قال الشافعي: ويرمل ثلاثا ويمشي أربعا ويبتدئ الطواف من الحجر الأسود ويرمل ثلاثا لأن النبي صلى الله عليه وسلم رمل من الحجر الأسود حتى انتهى إليه ثلاثا8 والرمل هو الخبب لا شدة السعي والدنو من البيت أحب إلي وإن لم يمكنه الرمل وكان إذا وقف وجد فرجة وقف ثم رمل فإن لم يمكنه أحببت أن يصير حاشية في الطواف إلا أن يمنعه كثرة النساء فيتحرك حركة مشيه متقاربا ولا أحب أن يثب من الأرض وإن ترك الرمل في الثلاث لم يقض في الأربع وإن ترك الاضطباع والرمل والاستلام فقد أساء ولا شيء عليه وكلما حاذى الحجر الأسود كبر وقال في رمله: اللهم اجعله حجا مبرورا وذنبا مغفورا وسعيا مشكورا ويقول في سعيه: "اللهم اغفر وارحم واعف عما تعلم إنك أنت الأعز الأكرم اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار"9 ويدعو فيما بين ذلك بما أحب من دين ودنيا ولا يجزئ الطواف إلا بما تجزئ به الصلاة من الطهارة من الحدث وغسل النجس فإن أحدث توضأ وابتدأ وإن بنى على طوافه أجزأه وإن طاف فسلك الحجر أو على جدار الحجر أو على شاذروان الكعبة لم يعتد به في الطواف وإن.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 انظر الأم 2/210, 252.
2 انظر الأم 2/210.
3 انظر الأم 2/252.
4 انظر الأم 2/253.
5 انظر الأم 2/255, 256.
6 انظر الأم 2/255.
7 انظر الأم 2/264.
8 انظر الأم 2/264.
9 انظر الأم 2/260.

 

ص -98-        نكس الطواف لم يجزه بحال قال المزني: الشاذروان تأزير البيت خارجا عنه وأحسبه على أساس البيت لأنه لو كان مباينا لأساس البيت لأجزأه الطوف عليه قال الشافعي: فإذا فرغ صلى ركعتين خلف المقام يقرأ في الأولى بأم القرآن و {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} وفي الثانية بأم القرآن و {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ}1 قال الشافعي: ثم يعود إلى الركن فيستلمه ثم يخرج من باب الصفا فيرقى عليها فيكبر ويهلل ويدعو الله فيما بين ذلك بما أحب من دين ودنيا ثم ينزل فيمشي حتى إذا كان دون الميل الأخضر المعلق في ركن المسجد بنحو من ستة أذرع سعى سعيا شديدا حتى يحاذي الميلين الأخضرين اللذين بفناء المسجد ودار العباس ثم يمشي حتى يرقى على المروة فيصنع عليها كما صنع على الصفا حتى يتم سبعا يبدأ بالصفا ويختم بالمروة فإن كان معتمرا وكان معه هدي نحر وحلق أو قصر والحلق أفضل وقد فرغ من العمرة ولا يقطع المعتمر التلبية حتى يفتتح الطواف مستلما أو غير مستلم وهو قول ابن عباس وليس على النساء حلق2 ولكن يقصرن وإن كان حاجا أو قارنا أجزأه طواف واحد لحجه وعمرته لقول النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة وكانت قارنة: "طوافك يكفيك لحجك وعمرتك"3 غير أن على القارن الهدي لقرانه ويقيم على إحرامه حتى يتم حجه مع إمامه وبخطب الإمام يوم السابع من ذي الحجة بعد الظهر بمكة ويأمرهم بالغدو من الغد إلى منى ليوافوا الظهر بمنى فيصلي بها الإمام الظهر والعصر والمغرب والعشاء الآخرة والصبح من الغد ثم يغدو إذا طلعت الشمس إلى عرفة وهو على تلبيته فإذا زالت الشمس صعد الإمام فجلس على المنبر فخطب الخطبة الأولى فإذا جلس أخذ المؤذنون في الأذان وأخذ هو في الكلام وخفف الكلام الآخر حتى ينزل بقدر فراغ المؤذن من الأذان ويقيم المؤذن ويصلي الظهر ثم يقيم فيصلي العصر ولا يجهر بالقراءة ثم يركب فيروح إلى الموقف عند الصخرات ثم يستقبل القبلة بالدعاء وحيثما وقف الناس من عرفة أجزأهم لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "هذا موقف وكل عرفة موقف"4 قال: حدثنا إبراهيم قال: حدثنا الربيع قال: سمعت الشافعي يقول: عرفة كل سهل وجبل أقبل على الموقف فيما بين التلعة التي تفضي إلى طريق نعمان وإلى حصين وما أقبل من كبكب وأحب للحاج ترك صوم عرفة لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يصمه وأرى أنه أقوى للمفطر على الدعاء وأفضل الدعاء يوم عرفة فإذا غربت الشمس دفع الإمام وعليه الوقار والسكينة فإن وجد فرجة أسرع فإذا أتى المزدلفة جمع مع الإمام المغرب والعشاء بإقامتين لأن النبي صلى الله عليه وسلم صلاهما بها ولم يناد في واحدة منهما إلا بإقامة ولا يسبح بينهما ولا على إثر واحدة منهما5 ويبيت بها فإن لم يبت بها فعليه دم شاة وإن خرج منها بعد نصف الليل "قال ابن عباس: كنت فيمن.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 انظر الأم 2/322.
2 انظر الأم 2/326.
3 انظر الأم 2/193.
4 انظر الأم 2/328.
5 انظر الأم 2/329.

 

ص -99-        قدم النبي صلى الله عليه وسلم مع ضعفة أهله يعني من مزدلفة إلى منى"1 قال: ويأخذ منها الحصى للرمي يكون قدر حصى الخذف لأن بقدرها رمي النبي صلى الله عليه وسلم2 ومن حيث أخذ أجزأ إذا وقع عليه اسم حجر مرمر أو برام أو كذان أو فهر فإن كان كحلا أو زرنيخا أو ما أشبه لم يجزه وإن رمى بما قد رمى به مرة كرهته وأجزأ عنه ولو رمى فوقعت حصاة على محمل ثم استنت فوقعت في موضع الحصى أجزأه وإن وقعت في ثوب رجل فنفضها لم يجزه فإذا أصبح صلى الصبح في أول وقتها ثم يقف على قزح حتى يسفر طلوع الشمس ثم يدفع إلى منى فإذا صار في بطن محسر حرك دابته قدر رمية حجر فإذا أتى منى رمى جمرة العقبة من بطن الوادي سبع حصيات ويرفع يديه كلما رمى حتى يرى بياض ما تحت منكبيه ويكبر مع كل حصاة وإن رمى قبل الفجر بعد نصف الليل أجزأ عنه لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أم سلمة أن تعجل الإفاضة وتوافي صلاة الصبح بمكة وكان يومها3 فأحب أن يوافيه صلى الله عليه وسلم ولا يمكن أن تكون رمت إلا قبل الفجر ثم ينحر المهدي إن كان معه ثم يحلق أويقصر ويأكل من لحم هديه وقد حل من كل شيء إلا النساء فقط ولا يقطع التلبية حتى يرمي الجمرة بأول حصاة لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يزل يلبي حتى رمى الجمرة وعمر وابن عباس و عطاء و طاوس و مجاهد لم يزالوا يلبون حتى رموا الجمرة4 قال: ويتطيب إن شاء لحله قبل أن يطوف بالبيت لأن النبي صلى الله عليه وسلم تطيب لحله قبل أن يطوف بالبيت ويخطب الإمام بعد الظهر يوم النحر ويعلم الناس النحر والرمي والتعجيل لمن أراده في يومين بعد النحر ومن حلق قبل أن يذبح أو نحر قبل أن يرمي أو قدم الإفاضة على الرمي أو قدم نسكا قبل نسك مما يفعل يوم النحر فلا حرج ولا فدية واحتج بأن النبي صلى الله عليه وسلم ما سئل يومئذ عن شيء قدم أو أخر إلا قال: "افعل ولا حرج"5 ويطوف بالبيت طواف الفرض وهي الإفاضة وقد حل من كل شيء النساء وغيرهن ثم يرمي أيام منى الثلاثة في كل يوم إذا زالت الشمس الجمرة الأولى بسبع حصيات والثانية بسبع والثالثة بسبع فإن رمى بحصاتين أو ثلاث في مرة واحدة فهن كواحدة وإن نسي من اليوم الأول شيئا من الرمي رماه في اليوم الثاني وما نسيه في في الثاني رماه في الثالث قال: ولا بأس إذا رمى الرعاء الجمرة يوم النحر أن يصدروا ويدعوا المبيت بمعنى في ليلتهم ويدعوا الرمي من الغد من يوم النحر ثم يأتوا من بعد الغد وهو يوم النفر الأول فيرمون لليوم الماضي ثم يعودوا فيستأنفوا يومهم ذلك ويخطب الإمام بعد الظهر يوم الثالث من يوم النحر وهو النفر الأول فيودع الحاج ويعلمهم أن من أراد التعجيل فذلك له ويأمرهم أن يختموا حجهم بتقوى الله وطاعته واتباع أمره فمن لم يتعجل حتى يمسي رمى من الغد فإذا غربت الشمس انقضت.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الأثر عن ابن عباس أخرجه البيهقي 5/123.
2 انظر الأم 2/334.
3 انظر الأم 2/330, 331.
4 انظر الأم 2/314, 315.
5 انظر الأم 2/333, 334.

 

ص -100-     أيام منى وإن تدارك عليه رميان في أيام منى ابتدأ الأول حتى يكمل ثم عاد فابتدأ الآخر ولم يجزه أن يرمي بأربع عشرة حصاة في مقام واحد فإن أخر ذلك حتى تنقضي أيام الرمي وترك حصاة فعليه مد طعام بمد النبي صلى الله عليه وسلم لمسكين وإن كانت حصاتان فمدان لمسكينين وإن كانت ثلاث حصيات فدم وإن ترك المبيت ليلة من ليالي منى فعليه مد وإن ترك ليلتين فعليه مدان وإن ترك ثلاث ليال فدم والدم شاة يذبحها لمساكين الحرم ولا رخصة في ترك المبيت بمنى إلا لرعاء الإبل وأهل سقاية العباس دون غيرهم ولا رخصة فيها إلا لمن ولي القيام عليها منهم وسواء من استعمل عليها منهم أو من غيرهم لأن النبي صلى الله عليه وسلم أرخص لأهل السقاية من أهل بيته أن يبيتوا بمكة ليالي منى1 ويفعل الصبي في كل أمره ما يفعل الكبير وما عجز عنه الصبي من الطواف والسعي حمل وفعل ذلك به وجعل الحصى في يده ليرمي فإن عجز رمي عنه وليس على الحاج بعد فراغه من الرمي أيام منى إلا وداع البيت فيوح البيت ثم ينصرف إلى بلده والوداع الطواف بالبيت ويركع ركعتين بعده فإن لم يطف وانصرف فعليه دم لمساكين الحرم وليس على الحائض وداع لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أرخص لها أن تنفر بلا وداع2 وإذا أصاب المحرم امرأته المحرمة فغيب الحشفة ما بين أن يحرم إلى أن يرمي الجمرة فقد أفسد حجه وسواء وطى مرة أو مرتين لأنه فساد واحد وعليه الهدي بدنة ويحج من قابل بامرأته ويجزي عنهما هدي واحد وما تلذذ منها دون الجماع فشاة تجزئه فإن لم يجد المفسد بدنة فبقرة فإن لم يجد فسبعا من الغنم فإن لم يجد قومت البدنة دراهم بمكة والدراهم طعاما فإن لم يجد صام عن كل مد يوما هكذا كل واجب عليه يعسر به ما لم يأت فيه نمى خبر ولا يكون الطعام والهدي إلا بمكة أو منى والصوم حيث شاء لأنه لا منفعة لأهل الحرم في الصوم ومن وطن أهله بعد رمي الجمار فعليه بدنة ويتم حجه قال المزني: قرأت عليه هذه المسألة قلت أنا: إن لم تكن البدنة إجماعا أو أصلا فالقياس شاة لأنها هدي عندي قال الشافعي: ومن أفسد العمرة فعليه القضاء من الميقات الذي ابتدأها منه فإن قيل فقد "أمر النبي صلى الله عليه وسلم عائشة أن تقضي العمرة من التنعيم فليس كما قال إنما كانت قارنا وكأن عمرتها شيئا استحسنته فأمرها النبي صلى الله عليه وسلم بها لا أن عمرتها كانت قضاء لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم لها: "طوافك يكفيك لحجك و عمرتك"3 قال الشافعي: ومن أدرك عرفة قبل الفجر من يوم النحر فقد أدرك الحج واحتج في ذلك بقول النبي صلى الله عليه وسلم: "من أدرك عرفة قبل الفجر من يوم النحر فقد أدرك الحج"4 "قال": ومن فاته ذلك فاته الحج فآمره أن يحل بطواف وسعي وحلاق قال: وإن حل بعمل عمرة فليس أن حجه صار عمرة وكيف يصير عمرة وقد ابتدأه حجا؟ قال المزني: إذا كان عمله عنده عمل حج لم يخرج منه إلى عمرة فقياس قوله أن يأتي بباقي.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 انظر الأم 2/335.
2 انظر الأم 2/273, 274, 275.
3 انظر الأم 2/192, 193.
4 انظر الأم 2/248.

 

ص -101-     الحج وهو المبيت بمنى والرمي بها مع الطواف والسعي وتأول قول عمر: افعل ما يفعل المعتمر1 إنما أراد الطواف والسعي من عمل الحج لا أنها عمرة قال الشافعي: ولا يدخل مكة إلا بإحرام في حج أو عمرة لمباينتها جميع البلدان إلا أن من أصحابنا من رخص للحطابين ومن يدخله لمنافع أهله أو كسب نفسه قال الشافعي: ولعل حطابيهم عبيد ومن دخلها بغير إحرام فلا قضاء عليه.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 انظر الأم 2/216, 248.

باب من لم يدرك عرفة.
قال الشافعي: أخبرنا أنس بن عياض عن موسى بن عقبة عن نافع عن ابن عمر أنه قال: ومن لم يدرك عرفة قبل الفجر فقد فاته الحج فليأت البيت وليطف به وليسع بين الصفا والمروة ثم ليحلق أو يقصر إن شاء2 وإن كان معه هدي فلينحره قبل أن يحلق ويرجع إلى أهله فإذا أدرك الحج قابلا فليحجج وليهدي وروي عن عمر أنه قال لأبي أيوب الأنصاري وقد فاته الحج: اصنع ما يصنع المعتمر ثم قد حللت فإذا أدركت الحج قابلا فاحجج وأهد ما استيسر من الهدي3 وقال عمر رضي الله عنه أيضا لهبار بن الأسود مثل معنى ذلك وزاد: فإن لم تجد هديا فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعت4 قال الشافعي: فبهذا كله نأخذ قال: وفي حديث عمر دلالة أنه استعمل أبا أيوب عمل المعتمر لا أن إحرامه صار عمرة.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
2 انظر الأم 2/248.
3 انظر الأم 2/248.
4 انظر الأم 2/249.

باب الصبي إذا بلغ والعبد إذا عتق والذمي إذا أسلم وقد أحرموا.
قال الشافعي: وإذا بلغ غلام أو أعتق عبد أو أسلم ذمي وقد أحرموا ثم وافوا عرفة قبل طلوع الفجر من يوم النحر فقد أدركوا الحج وعليهم دم قال: وفي موضع آخر أنه لا يبين له أن الغلام والعبد عليهما في ذلك دم وأوجبه على الكافر لأن إحرامه قبل عرفة وهو كافر ليس بإحرام قال المزني: فإذا لم يبن عنده أن على العبد والصبي دماوهما مسلمان فالكافر أحق أن لا يكون عليه دم لأن إحرامه مع الكفر ليس بإحرام والإسلام يجب ما كان قبله وإنما وجب عليه الحج مع الإسلام بعرفات فكأنها منزله أو كرجل صار إلى عرفة ولا يريد حجا ثم أحرم أو كمن جاوز الميقات لا يريد حجا ثم أحرم فلا دم عليه وكذلك نقول قال الشافعي: ولو أفسد العبد حجه قبل عرفة ثم أعتق والمراهق بوطء قبل عرفة ثم احتلم أتما ولم تجز عنهما من حجة الإسلام لأنه روي "عن النبي صلى الله عليه وسلم أن امرأة رفعت إليه من محفتها صبيا فقالت: يا رسول الله ألهذا حج؟ قال:
"نعم ولك أجر"5 قال: وإذا جعل له حجا فالحاج إذا جامع أفسد حجه قال المزني: وكذلك في معناه.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
5 انظر الأم 2/269.

 

ص -102-     باب هل له أن يحرم بحجتين أو عمرتين ومايتعلق بذلك.
قال الشافعي: من أهل بحجتين أو عمرتين معا أو بحج ثم أدخل عليه حجا آخر أو بعمرتين معا أو بعمرة ثم أدخل عليها أخرى فهو حج واحد وعمرة واحدة ولا قضاء عليه ولا فدية قال المزني: لا يخلو من أن يكون في حجتين أوحجة فإذا أجمعوا أنه لا يعمل عمل حجتين في حال ولا عمرتين ولا صومين في حال دل على أنه لا معنى إلا لواحدة منهما فبطلت الأخرى.

باب الإجارة علي الحج والوصيةبه.
قال الشافعي: ولايجوز أن يستأجر الرجل من يحج عنه إذا لم يقدر على مركب لضعفه أو كبره إلا بأن يقول يحرم عنه من موضع كذا وكذا فإن وقت له وقتا فأحرم قبله فقد زاده وإن تجاوزه قبل أن يحرم فرجع محرما أجزأه وإن لم يرجع فعليه دم من ماله ويرد من الأجرة بقدر ما ترك وما وجب عليه من شيء يفعله فمن ماله دون مال المستأجر فإن أفسد حجه أفسد إجارته وعليه الحج لما أفسد عن نفسه ولو لم يفسد فمات قبل أن يتم الحج فله بقدرعمله ولا يحرم عن رجل إلا من قد حج مرة ولوأوصى أن يحج عنه وارث لم يسم شيئا أحج عنه بأقل ما يوجد أحد يحج به فإن لم يقبل أحج عنه غيره ولو أوصى لرجل بمائة دينارويحج بها عنه فما زاد على أجرمثله فهو وصية له فإن امتنع لم يحج عنه أحد إلا بأقل ما يوجد به من يحج عنه.

باب جزاء الصيد.
قال الشافعي: وعلى من قتل الصيد الجزاء عمدا كان أو خطأ والكفارة فيهما سواء لأن كلا ممنوع بحرمة وكان فيه الكفارة وقياس ما اختلفوا من كفارة قتل المؤمن عمدا على ما أجمعوا عليه من كفارة قتل الصيد عمدا قال: والعامد أولى بالكفارة في القياس من المخطىء.

 

ص -103-     باب كيفية الجزاء.
قال الشافعي: قال الله جل وعز:
{فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ}1 قال الشافعي: والنعم: الإبل والبقر والغنم قال: وما أكل من الصيد صنفان دواب وطائر فما أصاب المحرم من الدواب نظر إلى أقرب الأشياء من المقتول شبها من النعم ففدى به وقد حكم عمر وعثمان وعلي وعبد الرحمن بن عوف وبن عمر وبن عباس رضي الله عنهم وغيرهم في بلدان مختلفة وأزمان شتى بالمثل من النعم فحكم حاكمهم في النعامة ببدنة2 وهي لا تسوي بدنة وفي حمار الوحش ببقرة3 وهولا يسوي بقرة وفي الضبع بكبش وهولا يسوي كبشا4 وفي الغزال بعنز5 وقد يكون أكثر من ثمنها أضعافا ودونها ومثلها وفي الأرنب بعناق وفي اليربوع بجفرة وهما لا يساويان عناقا ولا جفرة فدل ذلك على أنهم نظروا إلى أقرب ما يقتل من الصيد شبها بالبدل من النعم لا بالقيمة ولو حكموا بالقيمة لاختلفت لاختلاف الأسعار وتباينها في الأزمان وكل دابة من الصيد لم نسمها ففداؤها قياسا على ما سمينا فداءه منها لا يختلف ولا يفدى إلا من النعم وفي صغار أولادها صغار أولاد هذه وإذا أصاب صيدا أعور أو مكسورا فداه بمثله والصحيح أحب إلي وهو قول عطاء قال: ويفدى الذكر بالذكر والأنثى بالأنثى وقال في موضع آخر: ويفدى بالإناث أحب إلي وإن جرح ظبيا فنقص من قيمته العشر فعليه العشر من ثمن شاة وكذلك إن كان النقص أقل أو أكثر قال المزني: عليه عشر الشاة أولى بأصله وإن قتل الصيد فإن شاء جزاه بمثله وإن شاء قوم المثل دراهم ثم الدراهم طعاما ثم تصدق به وإن شاء صام عن كل مد يوما ولا يجزئه أن يتصدق بشيء من الجزاء إلا بمكة أو بمنى فأما الصوم فحيث شاء لأنه لا منفعة فيه لمساكين الحرم وإن أكل من لحمه فلا جزاء عليه إلا في قتله أو جرحه ولو دل على صيد كان مسيئا ولا جزاء عليه كما لو أمر بقتل مسلم لم يقتص منه وكان مسيئا ومن قطع من شجر الحرم شيئا جزاه محرما كان أو حلالا وفي الشجرة الصغيرة شاة وفي الكبيرة بقرة وذكروا هذا عن ابن الزبير وعطاء6 قال: وسواء ما قتل في الحرم أو في الإحرام مفردا كان أو قارنا فجزاء واحد ولو اشتركوا في قتل صيد لم يكن عليهم إلا جزاء واحد وهو قول ابن عمر7 وما قتل من الصيد لإنسان فعليه جزاؤه للمساكين وقيمته لصاحبه ولو جاز إذا تحول حال الصيد من التوحش إلى الاستئناس أن يصير حكمه حكم الأنيس جازأن يضحي به ويجزي به ما قتل من الصيد وإذا توحش الإنسي من البقر والإبل أن يكون صيدا يجزيه المحرم ولا يضحي به ولكن كل على أصله.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 سورة المائدة: 95
2 انظر الأم 2/295.
3 انظر الأم 2/296.
4 انظر الأم 2/297.
5 انظر الأم 2/297, 298.
6 انظر الأم 2/320.
7 انظر الأم 2/308.

 

ص -104-     وما أصاب من الصيد فداه إلى أن يخرج من إحرامه وخروجه من العمرة بالطواف والسعي والحلاق وخروجه من الحج خروجان الأول الرمي والحلاق وهكذا لو طاف بعد عرفة وحلق وإن لم يرم فقد خرج من الإحرام فإن أصاب بعد ذلك صيدا في الحل فليس عليه شيء.

باب جزاءالطائر.
قال الشافعي: والطائر صنفان حمام وغير حمام فما كان منها حماما ففيه شاة اتباعا لعمر وعثمان وابن عباس ونافع بن عبد الحرث وابن عمر وعاصم بن عمر وسعيد بن المسيب1 قال: وهذا إذا أصيب بمكة أو أصابه المحرم قال عطاء: في القمري والدبسي شاة قال: وكل ما عب وهدر فهو حمام وفيه شاة وما سواه من الطير ففيه قيمته في المكان الذي أصيب فيه وقال عمر لكعب في جرادتين: ما جعلت في نفسك؟ قال: درهمين قال: بخ درهمان خير من مائة جرادة2 افعل ما جعلت في نفسك وروي عنه أنه قال: في جرادة تمرة وقال ابن عباس في جرادة: تصدق بقبضة طعام3 وليأخذن بقبضة جرادات فدل ذلك على أنهما رأيا في ذلك القيمة فأمرا بالاحتياط وما كان من بيض طير يؤكل ففي كل بيضة قيمتها وإن كان فيها فرخ فقيمتها في الموضع الذي أصابها فيه ولا يأكلها محرم لأنها من الصيد وقد يكون فيها صيد قال: وإن نتف طيرا فعليه بقدر ما نقص النتف فإن تلف بعد فالاحتياط أن يفديه والقياس أن لا شيء عليه إذا كان ممتنعا حتى يعلم أنه مات من نتفه فإن كان غير ممتنع حبسه وألقطه وسقاه حتى يصير ممتنعا وفدى ما نقص النتف منه وكذلك لو كسره فجبره فصار أعرج لا يمتنع فداه كاملا.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 انظر الأم 2/300, 301.
2 انظر الأم 2/301.
3 انظر الأم 2/301, 319.

باب ما يحل للمحرم قتله.
قال الشافعي: وللمحرم أن يقتل الحية والعقرب والفأرة والحدأة والغراب والكلب العقور وما أشبه الكلب العقور4 مثل السبع والنمر والفهد والذئب صغار ذلك وكباره سواء وليس في الرخم والخنافس والقردان والحلم وما لا يؤكل لحمه جزاء لأن هذا ليس من الصيد وقال الله جل وعز:
{وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُماً}5 فدل على أن الصيد الذي حرم عليهم ما كان لهم قبل الإحرام حلالا لأنه لا يشبه أن يحرم في الإحرام خاصة إلا ما كان مباحا قبله.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
4 انظر الأم 2/277.
5 سورة المائدة: 96.

باب الإحصار.
قال الشافعي: قال الله جل وعز:
{فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ}6.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
6 سورة البقرة: 196.

 

ص -105-     وأحصر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحديبية فنحر البدنة عن سبعة1 و البقرة عن سبعة قال: وإذا أحصر بعدو كافر أو مسلم أو سلطان بحبس في سجن نحر هديا لإحصاره حيث أحصر في حل أو حرم ولا قضاء عليه إلا أن يكون واجبا فيقضي وإذا لم يجد هديا يشتريه أو كان معسرا ففيها قولان أحدهما: أن لا يحل إلا بهدي والأخر: أنه إذا لم يقدر على شيء حل وأتى به إذا قدر عليه وقيل: إذا لم يقدر أجزأه وعليه إطعام أو صيام فإن لم يجد ولم يقدر فمتى قدر وقال في موضع آخر: أشبههما بالقياس إذا أمر بالرجوع للخوف أن لا يؤمر بالمقام للصيام والصوم يجزئه في كل مكان قال المزني: القياس عنده حق وقد زعم أن هذا أشبه بالقياس والصوم عنده إذا لم يجد الهدي أن يقوم الشاة دراهم ثم الدراهم طعاما ثم يصوم مكان كل مد يوما وروي عن ابن عباس أنه قال: لا حصر إلا حصر العدو وذهب الحصر الآن2 وروي عن ابن عمر أنه قال: لا يحل محرم حبسه بلاء حتى يطوف إلا من حبسه عدو3 قال: فيقيم على إحرامه قال: فإن أدرك الحج وإلا طاف وسعى وعليه الحج من قابل وما استيسر من الهدي فإن كان معتمرا أجزأه ولا وقت للعمرة فتفوته والفرق بين المحصر بالعدو والمرض أن المحصر بالعدو خائف القتل إن أقام وقد رخص لمن لقي المشركين أن يتحرف لقتال أو يتحيز إلى فئة فينتقل بالرجوع من خوف قتل إلى أمن والمريض حاله واحدة في التقدم والرجوع والإحلال رخصة فلا يعدى بها موضعها كما أن المسح على الخفين رخصة فلم يقس عليه مسح عمامة ولا قفازين ولو جاز أن يقاس حل المريض على حصر العدو جازأن يقاس حل مخطىء الطريق ومخلى العدد حتى يفوته الحج على حصر العدو وبالله التوفيق.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 انظر الأم 2/247.
2 انظر الأم 2/240. 243.
3 انظر الأم 2/240.

باب إحرام العبد والمرأة.
قال الشافعي: وإن أحرم العبد بغير إذن سيده والمرأة بغير إذن زوجها فهما في معنى الإحصار وللسيد والزوج منعهما وهما في معنى العدو في الإحصار وفي أكثر من معناه فإن لهما منعهما وليس ذلك للعدو ومخالفون له في أنهما غير خائفين خوفه.

باب يذكر فيه الأيام المعلومات والمعدودات.
قال الشافعي: والأيام المعلومات العشر وآخرها يوم النحر والمعدودات ثلاثة أيام بعد النحر قال المزني: سماهن الله عز وجل باسمين مختلفين وأجمعوا أن الاسمين لم يقعا على أيام واحدة وإن لم يقعا على أيام واحدة فأشبه الأمرين أن تكون كل أيام منها غير الأخرى كما أن اسم كل يوم غير الآخر وهو ما قال الشافعي: عندي قال المزني: فإن.

 

ص -106-     قيل: لو كانت المعلومات العشر لكان النحر في جميعها فلما لم يجز النحر في جميعها بطل أن تكون المعلومات فيها يقال له قال الله عز وجل: {سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقاً*وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُوراً}1 وليس القمر في جمعها وإنما هو في واحدها أفيبطل أن يكون القمر فيهن نورا كما قال الله جل وعز؟ وفي ذلك دليل لما قال الشافعي: وبالله التوفيق.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 سورة نوح: 15, 16.

باب الهدي.
قال الشافعي: والهدي من الإبل والبقر والغنم فمن نذر لله هديا فسمى شيئا فهو على ما سمى وإن لم يسمعه فلا يجزئه من الإبل والبقر2 والغنم الأنثى فصاعدا ويجزئه الذكر والأنثى ولا يجزئه من الضأن إلا الجذع فصاعدا وليس له أن ينحر دون الحرم وهو محلها لقول الله جل وعز: {ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ}3 إلا أن يحصر فينحر حيث أحصر كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم في الحديبية4 وإن كان الهدي بدنة أو بقرة قلدها نعلين وأشعرها وضرب شقها الأيمن من موضع السنام بحديدة حتى يدميها وهي مستقبلة القبلة وإن كانت شاة قلدها خرب القرب5 ولا يشعرها وإن ترك التقليد والإشعار أجزأه قال: ويجوز أن يشترك السبعة في البدنة الواحدة وفي البقرة كذلك وروي عن جابر بن عبد الله أنه قال: نحرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم البدنة بالحديبية عن سبعة والبقرة عن سبعة6 قال: وإن كان الهدي ناقة فنتجت سيق معها فصيلها وتنحر الإبل قياما معقولة وغير معقولة فإن لم يمكنه نحرها باركة ويذبح البقر والغنم فإن ذبح الإبل ونحر البقر والغنم أجزأه ذلك وكرهته له فإن كان معتمرا نحره بعد ما يطوف بالبيت ويسعى بين الصفا والمروة قبل أن يحلق عند المروة وحيث نحر من فجاج مكة أجزأه وإن كان حاجا نحره بعدما يرمي جمرة العقبة قبل أن يحلق وحيث نحرمن شاء أجزأه وما كان منها تطوعا أكل منها لقول الله جل وعز: {فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا}7 وأكل النبي صلى الله عليه وسلم من لحم هديه وأطعم وكان هديه تطوعا وما عطب منها نحرها وخلى بينها وبين المساكين ولا بدل عليه فيها وما كان واجبا من جزاء الصيد أو غيره فلا يأكل منها شيئا فإن أكل فعليه بقدر ما أكل لمساكين الحرم وما عطب منها فعليه مكانه.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
2 قوله: "والغنم" المراد به المعزي كما هو صريح عبارة الأم ونصها "فلا يجزئه من الإبل ولا البقر ولا المعزى الأنثى فصاعدا ويجزئ من الضأن وحده الجذع ا هـ مصححه.
3 سورة الحج: 33.
4 انظر الأم 2/217.
5 الخرب: جمع خربة بضم ففتح وهي كما في اللسان عروة المزادة والقرب بكسر ففتح جمع القربة المعروفة كتبه مصححه.
6 انظر الأم 2/347.
7 سورة الحج: 36.