مختصر المزني في فروع الشافعية ط العلمية

ص -193-     كتاب الوصايا مما وضع الشافعي بخطه لا أعلمه سمع منه.
قال الشافعي رحمه الله: فيما يروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من قوله:
"ما حق امرىء مسلم" يحتمل ما الحزم لامرىء مسلم "يبيت ليلتين إلا ووصيته مكتوبة عنده"1 ويحتمل ما المعروف في الأخلاق إلا هذا لا من جهة الفرض قال: فإذا أوصى الرجل بمثل نصيب ابنه ولا ابن له غيره فله النصف فإن لم يجز الابن فله الثلث ولو قال بمثل نصيب أحد ولدي فله مع الاثنين الثلث ومع الثلاثة الربع حتى يكون كأحدهم ولوكان ولده رجالا ونساء أعطيته نصيب امرأة ولو كانت له ابنة وابنة ابن أعطيته سدسا ولو قال: مثل نصيب أحد ورثتي أعطيته مثل أقلهم نصيبا ولو قال: ضعف ما يصيب أحد ولدي أعطيته مثله مرتين وإن قال: ضعفين فإن كان نصيبه مائة أعطيته ثلثمائة فكنت قد أضعفت المائة التي نصيبه بمنزلة مرة بعد مرة ولو قال: لفلان نصيب أو حظ أو قليل أو كثيرمن مالي ما عرفت لكثيرحدا ووجدت ربع دينار قليلا نقطع فيه اليد ومائتي درهم كثيرا فيها زكاة وكل ما وقع عليه اسم قليل وقع عليه اسم كثير وقيل للورثة أعطوه ما شئتم ما يقع عليه اسم ما قال الميت ولو أوصى لرجل بثلث ماله ولآخر بنصفه ولاخر بربعه فلم تجز الورثة قسم الثلث على الحصص وإن أجازوا قسم المال على ثلاثة عشر جزءا لصاحب النصف ستة ولصاحب الثلث أربعة ولصاحب الربع ثلاثة حتى يكونوا سواء في العول ولو أوصى بغلامه لرجل وهو يساوي خمسمائة وبداره لآخر وهي تساوي ألفا وبخمسمائة لاخر والثلث ألف دخل على كل واحد منهم عول نصف وكان للذي له الغلام نصفه وللذي له الدار نصفها وللذي له خمسمائة نصفها ولو أوصى لوارث وأجنبي فلم يجيزوا فللأجنبي النصف ويسقط الوارث وتجوز الوصية لما في البطن وبما في البطن إذا كان يخرج لأقل من ستة أشهر فإن خرجوا عددا ذكرانا وإناثا فالوصية بينهم سواء وهم لمن أوصى بهم له ولو أوصى بخدمة عبده أو بغلة داره أو بثمر بستانه والثلث يحتمله جاز ذلك ولو كان أكثر من الثلث فأجاز الورثة في حياته لم يجزذلك إلا أن يجيزه بعد موته ولو قال: أعطوه رأسا من رقيقي أعطي ما شاء الوارث معيبا كان أو غير معيب ولو هلكت إلا رأسا كان له إذا حمله الثلث ولوأوصى له بشاة من ماله قيل للورثة: أعطوه أو اشتروها له صغيرة كانت أو كبيرة ضائنة أو ماعزة ولو قال: بعيرا أو ثورا لم يكن لهم أن يعطوه.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 انظر الأم 4/119.

 

ص -194-     ناقة ولا بقرة ولو قال عشر أينق أو عشر بقرات لم يكن لهم أن يعطوه ذكرا ولو قال: عشرة أجمال أو أثوار لم يكن لهم أو يعطوه أنثى فإن قال: عشرة من إبلي أعطوه ما شاؤوا فإن قال: أعطوه دابة من مالي فمن الخيل أو البغال أو الحمير ذكرا كان أو أنثى صغيرا أو كبيرا أعجف أو سمينا ولو قال: أعطوه كلبا من كلابي أعطاه الوارث أيها شاء ولو قال: أعطوه طبلا من طبولي وله طبلان للحرب واللهو أعطاه أيهما شاء فإن لم يصلح الذي للهو إلا للضرب لم يكن لهم أن يعطوه إلا الذي للحرب ولو قال: عودا من عيداني وله عيدان يضرب بها وعيدان قسي وعمي فالعود الذي يواجه به المتكلم هو الذي يضرب به فإن صلح لغير الضرب جاز بلا وتر وهكذا المزامير ولو قال: عودا من القسي لم يعط قوس نداف ولا جلاهق وأعطى معمولة أي قوس نبل أو نشاب أو حسبان وتجعل وصيته في الرقاب في المكاتبين ولا يبتدأ منه عتق ولا يجوز في أقل من ثلاث رقاب فإن نقص ضمن حصة من ترك فإن لم يبلغ ثلاث رقاب وبلغ أقل رقبتين يجدهما ثمنا وفضل جعل الرقبتين أكثر ثمنا حتى يعتق رقبتين ولا يفضل شيئا لا يبلغ قيمة رقبة ويجزىء صغيرها وكبيرها ولو أوصى أن يحج عنه ولم يكن حج حجة الإسلام فإن بلغ ثلثه حجة من بلده أحج عنه من بلده وإن لم يبلغ أحج عنه من حيث بلغ قال المزني رحمه الله: والذي يشبه قوله أن يحج عنه من رأس مال لأنه في قوله دين عليه قال الشافعي رحمه الله: ولوقال: أحجوا عني رجلا بمائة درهم وأعطوا ما بقي من ثلثي مالي فلانا وأوصى بثلث ماله لرجل بعينه فللموصى له بالثلث نصف الثلث وللحاج والموصى له بما بقي من الثلث نصف الثلث ويحج عنه رجل بمائة ولوأوصى بأمة لزوجها وهوحر فلم يعلم حتى وضعت له بعد موت سيدها أولادا فإن قبل عتقوا ولم تكن أمهم أم ولد حتى تلد منه بعد قبوله بستة أشهر فأكثر لأن الوطء قبل القبول وطء نكاح ووطء القبول وطء ملك فإن مات قبل أن يقبل أو يرد قام ورثته مقامه فإن قبلوا فإنما ملكوا أمة لأبيهم وأولاد أبيهم الذين ولدت بعد موت سيدها أحرار وأمهم مملوكة وإن ردوا كانوا مماليك وكرهت ما فعلوا قال المزني: لومات أبوهم قبل الملك لم يجزأن يملكوا عنه ما لم يملك ومن قوله أهل شوال ثم قبل كانت الزكاة عليه وفي ذلك دليل على أن الملك متقدم ولولا ذلك ما كانت عليه زكاة ما لا يملك قال: ولو أوصى بجارية ومات ثم وهب للجارية مائة دينار وهي تسوي مائة دينار وهي ثلث مال الميت وولدت ثم قبل الوصية فالجارية له ولا يجوز فيما وهب لها وولدها إلا واحد من قولين الأول: أن يكون ولدها وما وهب لها من ملك الموصى له وإن ردها فإنما أخرجها من ملكه إلى الميت وله ولدها وما وهب لها لأنه حدث في ملكه والقول الثاني: ان ذلك مما يملكه حادثا بقبول الوصية وهذا قول منكر لا نقول به لأن القبول إنما هو على ملك متقدم وليس بملك حادث وقد قيل: تكون له الجارية وثلث ولدها وثلث ما وهب لها قال المزني رحمه الله: هذا قول بعض الكوفيين قال أبو حنيفة: تكون له الجارية وثلث ولدها وقال أبو يوسف.

 

ص -195-     ومحمد بن الحسن: يكون له ثلثا الجارية وثلثا ولدها قال المزني: وأحب إلي قول الشافعي لأنها وولدها على قبول ملك متقدم قال المزني: وقد قطع بالقول الثاني إذ الملك متقدم وإذا كان كذلك وقام الوارث في القبول مقام أبيه فالجارية له بملك متقدم وولدها وما وهب لها ملك حادث بسبب متقدم قال المزني: وينبغي في المسألة الأولى أن تكون امرأته أم ولد له وكيف تكون أولادها بقبول الوارث أحرارا على أبيهم ولا تكون أمهم أم ولد لأبيهم وهو يجيز أن يملك الأخ أخاه وفي ذلك دليل على أن لو كان ملكا حادثا لولد الميت لكانوا له مماليك وقد قطع بهذا المعنى الذي قلت في كتاب الزكاة فتفهمه كذلك تجده إن شاء الله تعالى قال الشافعي ولو أوصى له بثلث شيء بعينه فاستحق ثلثاه كان له الثلث الباقي إن احتمله ثلثه ولو أوصى بثلثه للمساكين نظر إلى ماله فقسم ثلثه في ذلك البلد وكذلك لو أوصى لغازين في سبيل الله فهم الذين من البلد الذي به ماله ولو أوصى له فقبل أو رد قبل موت الموصي كان له قبوله ورده بعد موته وسواء أوصى له بأبيه أو غيره ولو أوصى له بدار كانت له وما ثبت فيها من أبوابها وغيرها دون ما فيها ولو انهدمت في حياة الموصي كانت له إلا ما انهدم منها فصار غير ثابت فيها قال: ويجوز نكاح المريض وقال في الإملاء: يلحق الميت من فعل غيره ثلاث حج يؤدي ومال يتصدق به عنه أو دين يقضى ودعاء أجاز النبي صلى الله عليه وسلم الحج عن الميت وندب الله تعالى إلى الدعاء وأمر به رسوله عليه الصلاة والسلام فإذا جاز له الحج حيا جاز له ميتا وكذلك ما تطوع به عنه من صدقة وقال في كتاب آخر: ولو أوصى له ولمن لا يحصي بثلثه فالقياس أنه كأحدهم.

الوصية للقرابة من ذوي الأرحام.
قال الشافعي رحمه الله: ولو قال ثلثي لقرابتي أو لذوي وأرحمي لأرحامي فسواء من قبل الآم وأقربهم وأبعدهم وأغناهم وأفقرهم سواء لآنهم أعصوا باسم القرابة كما أعطى من شهد القتال باسم الحضور وإن كان من قبيلة من قريش أعطى بقرابته المعروفة عند العامة فينظر إلى القبيلة التي ينسب إليها فيقال: من بني عبد مناف ثم يقال وقد تفترق بنو عبد مناف فمن أيهم قيل: من بني عبد يزيد بن هاشم بن المطلب فإن قيل: أفيتميز هؤلاء؟ قيل: نعم هم قبائل فإن قيل: فمن أيهم؟ قيل: من بني عبيد بن عبد يزيد فإن قيل: أفيتميز هؤلاء؟ قيل: نعم بنو السائب بن عبيد بن عبد يزيد فإن قيل: أفيتميز هؤلاء؟ قيل: نعم بنو شافع وبنو علي وبنو عباس أو عياش شك المزني وكل هؤلاء بنو السائب فإن قيل: أيتميز هؤلاء؟ قيل: نعم كل بطن من هؤلاء يتميز عن صاحبه فإذا كان من آل شافع قيل لقرابته هم آل شافع دون آل علي والعباس لأن كل هؤلاء متميز ظاهر ولو قال: لأقربهم بي رحما أعطى أقربهم بأبيه وأمه شواء وأيهم جمع قرابة الأب والأم كان أقرب ممن انفرد بأب أو أم فإن كان أخ وجد كان للأخ في قول من جعله أولى بولاء الموالي.

 

ص -196-     باب ما يكون رجوعا في الوصية.
قال الشافعي وإذا أوصى لرجل بعبد بعينه ثم أوصى به لآخر فهو بينهما نصفان ولو قال: العبد الذي أوصيت به لفلان لفلان أو قد أوصيت بالذي أوصيت به لفلان لفلان كان هذا رجوعا عن الأول إلى الاخر ولو أوصى أن يباع أو دبره أو وهب كان هذا رجوعا ولو أجره أو علمه أو زوجه لم يكن رجوعا ولو كان الموصي به قمحا فخلطه بقمح أو طحنه دقيقا أو دقيقا فصيره عجينا كان أيضا رجوعا ولو أوصى له بمكيلة حنطة مما في بيته ثم خلطها بمثلها لم يكن رجوعا وكانت له المكيلة بحالها.

باب المرض الذي تجوز فيه العطية ولا تجوز و المخوف غير المرض.
قال الشافعي رحمه الله: كل مرض كان الأغلب فيه أن الموت مخوف عليه فعطيته إن مات في حكم الوصايا وإلا فهو كالصحيح ومن المخوف منه إذا كانت حمى بدأت بصاحبها ثم إذا تطاولت فهو مخوف إلا الربع فإنها إذا استمرت بصاحبها ربعا فغير مخوفة وإن كان معها وجع كان مخوفا وذلك مثل البرسام أو الرعاف الدائم أو ذات الجنب أو الخاصرة أو القولنج ونحوه لهو مخوف وإن سهل بطنه يوما أو اثنين وتأتى منه الدم عند الخلاء لم يكن مخوفا فإن استمر به بعد يومين حتى يعجله أو يمنعه النوم أو يكون البطن متحرقا فهو مخوف فإن لم يكن متحرقا ومعه زحير أو تقطيع فهو مخوف وإذا أشكل سئل عنه أهل البصر ومن ساوره الدم حتى تغير عقله أو المرار أو البلغم كان مخوفا فإن استمر به فالج فالأغلب إذا تطاول به أنه غير مخوف والسل غير مخوف والطاعون مخوف حتى يذهب ومن أنفدته الجراح فمخوف فإن لم تصل إلى مقتل ولم تكن في موضع لحم ولم يغلبه لها وجع ولا ضربان ولم يأتكل ويرم فغير مخوف وإذا التحمت الحرب فمخوف فإن كان في أيدي مشركين يقتلون الأسرى فمخوف وقال في الإملاء: إذا قدم من عليه قصاص غير مخوف ما لم يجرحوا لأنه يمكن أن يتركوا فيحيوا قال المزني: الأول أشبه بقوله وقد يمكن أن يسلم من التحام الحرب ومن كل مرض مخوف قال: وإذا ضرب الحامل الطلق فهو مخوف لأنه كالتلف وأشد وجعا والله تعالى أعلم.

باب الأوصياء.
قال الشافعي رحمه الله: ولا تجوز الوصية إلا إلى بالغ مسلم حر عدل أو امرأة كذلك فإن تغيرت حاله أخرجت الوصية من يده وضم إليه إذا كان ضعيفا أمين معه فإن أوصى إلى غير ثقة فقد أخطأ على غيره فلا يجوز ذلك ولو أوصى إلى رجلين فمات أحدهما أو تغير أبدل مكانه آخر فإن اختلفا قسم بينهما ما كان ينقسم وجعل في أيديهما نصفين وأمرا بالاحتفاظ بما لا ينقسم وليس للوصي أن يوصي بما أوصى به إليه لأن الميت لم يرض الموصى إليه الآخر ولو قال: فإن حدث بوصي حدث فقد أوصيت إلى من أوصى إليه لم يجز لأنه إنما أوصى بمال غيره وقال في كتاب اختلاف أبي حنيفة.

 

ص -197-     وابن أبي ليلى: إن ذلك جائز إذا قال قد أوصيت إليك بتركة فلان قال المزني: رحمه الله: وقوله هذا يوافق قول الكوفيين والمدنيين والذي قبله أشبه بقوله قال الشافعي ولا ولاية للوصي في إنكاح بنات الميت.

ما يجوز للوصي أن يصنعه في أموال اليتامى.
قال الشافعي رحمه الله: ويخرج الوصي من مال اليتيم كل ما لزمه من زكاة ماله وجنايته وما لا غناء به عنه من نفقته وكسوته بالمعروف وإذا بلغ الحلم ولم يرشد زوجه وإن احتاج إلى خادم ومثله يخدم اشترى له ولا يجمع له امرأتين ولا جاريتين للوطء وإن اتسع ماله لأنه لا ضيق في جارية للوطء فإن أكثر الطلاق لم يزوج وسري والعتق مردود عليه قال المزني رحمه الله: هذا آخر ما وصفت من هذا الكتاب أنه وضعه بخطه لا أعلم أحدا سمعه منه وسمعته يقول: لو قال أعطوه كذا وكذا من دنانيري أعطي دينارين ولو لم يقل من دنانيري أعطوه ما شاؤوا اثنين.