مختصر المزني في فروع الشافعية ط العلمية

ص -198-     كتاب الوديعة.
قال الشافعي رحمه الله: وإذا أودع رجل وديعة فأراد سفرا فلم يثق بأحد يجعلها عنده فسافر بها برا أو بحرا ضمن وإن دفنها في منزله ولم يعلم بها أحدا يأتمنه على ماله فهلكت ضمن وإذا أودعها غيره وصاحبها حاضر عند سفره ضمن فإن لم يكن حاضرا فأودعها أمينا يودعه ماله لم يضمن وإن تعدى فيها ثم ردها في موضعها فهلكت ضمن لخروجه بالتعدي من الأمانة ولو أوح عشرة دراهم فأنفق منها درهما ثم رده فيها ضمن الدرهم ولو أودعه دابة وأمره بعلفها وسقيها فأمر من فعل ذاك بها في داره كما يفعل بدوابه لم يضمن وإن بعثها إلى غير داره وهي تسقى في داره ضمن وإن لم يأمره بعلفها ولا بسقيها ولم ينهه فحبسها مدة إذا أتت على مثلها لم تأكل ولم تشرب هلكت ضمن وإن لم تكن كذلك فتلفت لم يضمن وبنبغي أن يأتي الحاكم حتى يوكل من يقبض منه النفقة عليها ويكون دينا على ربها أو يبيعها فإن أنفق على غير ذلك فهو متطوع ولوأوصى المودع إلى أمين لم يضمن فإن كان غير أمين ضمن فإن انتقل من قرية آهلة إلى غير آهلة ضمن وإن شرط أن لا يخرجها من هذا الموضع فأخرجها من غير ضرورة ضمن فإن كان ضرورة وأخرجها إلى حرز لم يضمن ولو قال المودع: أخرجتها لما غشيتني النار فإن علم أنه قد كان في تلك الناحية نار أو أثر يدل فالقول قوله مع يمينه ولو قال: دفعتها إلى فلان بأمرك فالقول قول المودع ولو قال: دفعتها إليك فالقول قول المودع ولو حولها من خريطة إلى أحرز أو مثل حرزها لم يضمن فإن لم يكن حرزا لها ضمن ولو أكرهه رجل على أخذها لم يضمن ولو شرط أن لا يرقد على صندوق هي فيه فرقد عليه كان قد زاده حرزا ولو قال: لم تودعني شيئا ثم قال: قد كنت استودعتنيه فهلك ضمن وإن شرط أن يربطها في كمه فأمسكها بيده فتلفت لم يضمن ويده أحرز وإذا هلك وعنده وديعة بعينها فهي لربها وإن كانت بغير عينها مثل دنانير أو ما لا يعرف بعينه حاص رب الوديعة الغرماء ولو ادعى رجلان الوديعة مثل عبد أو بعير فقال هي لأحدكما ولا أدري أيكما هو قيل لهما هل تدعيان شيئا غير هذا بعينه؟ فإن قالا: لا أحلف المودع بالله ما يدري أيهما هو ووقف ذلك لهما جميعا حتى يصطلحا فيه أو يقيم أحدهما بينة وأيهما حلف مع نكول صاحبه كان له.

مختصر من كتاب قسم الفيء وقسم الغنائم.
قال الشافعي رحمه الله: أصل ما يقوم به الولاة من جمل المال ثلاثة وجوه أحدها: ما أخذ من مال مسلم تطهيرا له فذلك لأهل الصدقات لا لأهل الفيء والوجهان الآخران.

 

ص -199-     ما أخذ من مال مشرك كلاهما مبين في كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وفعله فأحدهما الغنيمة قال تبارك وتعالى: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ} الاية والوجه الثاني: هو الفيء قال الله تعالى: {مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى}1 الآية قال الشافعي رحمه الله: فالغنيمة والفيء يجتمعان في أن فيهما معا الخمس من جميعهما لمن سماه الله تعالى له في الآيتين معا سواء ثم تفترق الأحكام في الأربعة الأخماس بما بين الله تبارك وتعالى على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم وفي فعله فإنه قسم أربعة أخماس الغنيمة على ما وصفت من قسم الغنيمة وهي الموجف عليها بالخيل والركاب لمن حضر من غني وفقير والفيء هوما لم يوجف عليه بخيل ولا ركاب فكانت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم في قرى عرينة أفاءها الله عليه أربعة أخماسها لرسول الله صلى الله عليه وسلم خاصة دون المسلمين يضعه حيث أراه الله تعالى2 قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه حيث اختصم إليه العباس وعلي رضي الله عنهما في أموال النبي صلى الله عليه وسلم: كانت أموال بني النضير مما أفاء الله على رسوله مما لم يوجف المسلمون عليه بخيل ولا ركاب فكانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم خاصة دون المسلمين فكان ينفق منها على أهله نفقة سنة فما فضل جعله في الكراع والسلاح عدة في سبيل الله ثم توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم فوليها أبو بكر بمثال ما وليها به رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم وليها عمر بمثل ما وليها به رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر فوليتكماها على أن تعملا فيها بمثل ذلك فإن عجزتما عنها فادفعاها إلي أكفيكماها3 قال الشافعي وفي ذلك دلالة على أن عمر رضي الله عنه حكى أن أبا بكروهوأمضيا ما بقي من هذه الأموال التي كانت بيد رسول الله صلى الله عليه وسلم على ما رأيا رسول الله صلى الله عليه وسلم يعمل به فيها وأنه لم يكن لهما مما لم يوجف عليه من الفيء ما للنبي صلى الله عليه وسلم وأنهما فيه أسوة المسلمين وكذلك سيرتهما وسيرة من بعدهما وقد مضى من كان ينفق عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم أعلم أحدا من أهل العلم قال إن ذلك لورثتهم ولا خالف في أن تجعل تلك النفقات حيث كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجعل فضول غلات تلك الأموال فيما فيه صلاح للإسلام وأهله4 قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يقتسمن ورثتي دينارا ما تركت بعد نفقة أهلي ومؤنة عاملي فهو صدقة"5 قال: فما صار في أيدي المسلمين من فيء لم يوجف عليه فخمسه حيث قسمه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأربعة أخماسه على ما سأبينه وكذلك ما أخذ من مشرك من جزية وصلح عن أرضهم أو أخذ من أموالهم إذا اختلفوا في بلاد المسلمين أو مات منهم ميت لا وارث له أو ما أشبه هذا مما أخذه الولاة من المشركين فالخمس فيه ثابت على من قسمه الله له من أهل الخمس الموجف عليه من الغنيمة وهذا هو المسمى في كتاب الله تبارك وتعالى الفيء وفتح في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 سورة الحشر: 7.
2 انظر الأم 4/178.
3 انظر الأم 4/178, 179.
4 انظر الأم 3/179.
5 انظر الأم 4/179.

 

ص -200-     فتوح من قرى عرينة وعدها الله رسوله قبل فتحها فأمضاها النبي صلى الله عليه وسلم لمن سماها الله له ولم يحبس منها ما حبس من القرى التي كانت له صلى الله عليه وسلم ومعنى قول عمر لرسول الله صلى الله عليه وسلم خاصة يريد ما كان يكون للموجفين وذلك أربعة أخماس فاستدللنا بذلك أن خمس ذلك كخمس ما أوجف عليه لأهله وجملة الفيء ما رده الله على أهل دينه من مال من خالف دينه1.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 انظر الأم 4/179, 180.

باب الأنفال.
قال الشافعي رحمه الله: ولا يخرج من رأس الغنيمة قبل الخمس شيء غير السلب للقاتل "قال أبو قتادة رضي الله عنه: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام حنين قال: فلما التقينا كانت للمسلمين جوله فرأيت رجلا من المشركين قد علا رجلا من المسلمين قال: فاستدرت له حتى أتيته من ورائه فضربته على حبل عاتقه ضربة فأقبل علي فضمني ضمة وجدت منها ريح الموت ثم أدركه الموت فأرسلني فلحقت عمر فقال: ما بال الناس؟ قلت: أمر الله ثم إن الناس رجعوا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من قتل قتيلا له عليه بينة فله سلبه" فقمت فقلت: من يشهد لي ثم جلست يقول وأقول ثلاث مرات فقال صلى الله عليه وسلم: "ما لك يا أبا قتادة؟" فاقتصصت عليه القصة فقال رجل من القوم: صدق يا رسول الله وسلب ذلك القتيل عندي فأرضه منه فقال أبو بكر رضي الله عنه: لاها الله إذا لا يعمد إلى أسد من أسد الله تعالى يقاتل عن الله وعن رسوله فيعطيك سلبه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "صدق فأعطه إياه" فأعطانيه فبعت الدرع وابتعت به مخرفا في بني سلمة فإنه لأول مال تأثلته في الإسلام"2 وروي أن شبر بن علقمة قال: بارزت رجلا يوم القادسية فبلغ سلبه اثني عشر ألفا فنفلنيه سعد3 قال الشافعي رحمه الله: فالذي لا أشك فيه أن يعطى السلب من قتل مشركا مقبلا مقاتلا من أي جهة قتله مبارزا أو غير مبارز وقد أعطى النبي صلى الله عليه وسلم سلب مرحب من قتله مبارزا وأبو قتادة غير مبارز ولكن المقتولين مقبلان ولقتلهما مقبلين والحرب قائمة مؤنة ليست له إذا انهزموا أو انهزم المقتول4 وفي حديث أبي قتادة رضي الله عنه ما دل على أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من قتل قتيلا له عليه بينة" يوم حنين بعد ما قتل أبو قتادة الرجل فأعطاه النبي صلى الله عليه وسلم ذلك حكم عندنا قال الشافعي ولو ضربه ضربة فقد يديه أو رجليه ثم قتله آخر فإن سلبه للأول وإن ضربه ضربة وهو ممتنع فقتله آخر كان سلبه للاخر ولو قتله اثنان كان سلبه بينهما نصفين والسلب الذي يكون للقاتل كل ثوب يكون عليه وسلاحه ومنطقته وفرسه إن كان راكبه أو ممسكه وكل ما أخذ من يده قال الشافعي رحمه الله: والنفل من وجه آخر نفل رسول الله صلى الله عليه وسلم من غنيمة قبل نجد بعيرا بعيرا وقال سعيد بن المسيب: كانوا يعطون النفل من الخمس5 قال الشافعي رحمه الله: نفلهم.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
2 انظر الأم 4/183.
3 انظر الأم 4/186.
4 انظر الأم 4/183, 184.
5 انظر الأم 4/186.

 

ص -201-     النبي صلى الله عليه وسلم من خمسة كما كان يصنع بسائر ماله فيما فيه صلاح المسلمين وما سوى سهم النبي صلى الله عليه وسلم من جميع الخمس لمن سماه الله تعالى فينبغي للإمام أن يجتهد إذا كثر العدو واشتدت شوكته وقل من بإزائه من المسلمين فينفل منه اتباعا لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وإلا لم يفعل وقد روي في النفل في البداءة والرجعة الثلث في واحدة والربع في الأخرى وروى ابن عمر أنه نفل نصف السدس1 وهذا يدل على أنه ليس للنفل حد لا يجاوزه الإمام ولكن على الاجتهاد.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 انظر الأم 4/186.

باب تفريق القسم.
قال الشافعي رحمه الله: كل ما حصل مما غنم من أهل دار الحرب من شيء قل أو كثر من دارأو أرض أو غير ذلك قسم إلا الرجال البالغين فالإمام فيهم مخير بين أن يمن أو يقتل أو يفادي أو يسبي وسبيل ما سبى أو أخذ منهم من شيء على إطلاقهم سبيل الغنيمة وفادى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا برجلين وينبغي للإمام أن يعزل خمس ما حصل بعد ما وصفنا كاملا ويقر أربعة أخماسه لأهلها ثم يحسب من حضر القتال من الرجال المسلمين البالغين ويرضخ من ذلك لمن حضر من أهل الذمة وغير البالغين من المسلمين والنساء فينفلهم شيئا لحضورهم ويرضخ لمن قاتل أكثر من غيره وقد قيل: يرضخ لهم من الجميع ثم يعرف عدد الفرسان والرجالة الذين حضروا القتال فيضرب كما ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم للفرس سهمين وللفارس سهما وللراجل سهما2 وليس يملك الفرس شيئا إنما يملكه صاحبه لما تكلف من اتخاذه واحتمل من مؤنته وندب الله تعالى إلى اتخاذه لعدوه ومن حضر بفرسين فأكثر لم يعط إلا لواحد لأنه لا يلقى إلا بواحد ولو أسهم لاثنين لأسهم لأكثر ولا يسهم لراكب دابة غير دابة الخيل وينبغي للإمام أن يتعاهد الخيل فلا يدخل إلا شديدا ولا يدخل حطما ولا قحما ضعيفا ولا ضرعا قال المزني رحمه الله: القحم الكبير والضرع الصغير ولا أعجف رازحا وإن أغفل فدخل رجل على واحدة منها فقد قيل لا يسهم له لأنه لا يغني غناء الخيل التي يسهم لها ولا أعلمه أسهم فيما مضى على مثل هذه وإنما يسهم للفرس إذا حضر صاحبه شيئا من الحرب فارسا فأما إذا كان فارسا إذا دخل بلاد العدو ثم مات فرسه أو كان فارسا بعد انقطاع الحرب وجمع الغنيمة فلا يضرب له ولوجازأن يسهم له لأنه ثبت في الديوان حين دخل لكان صاحبه إذا دخل ثبت في الديوان ثم مات قبل الغنيمة أحق أن يسهم له ولو دخل يريد الجهاد فمرض ولم يقاتل أسهم له ولو كان لرجل أجير يريد الجهاد فقد قيل يسهم له وقيل يخير بين أن يسهم له وتطرح الإجارة أو الإجارة ولا يسهم له وقيل: يرضخ له قال: ولوأفلت إليهم أسير قبل تحرز الغنيمة فقد قيل يسهم له وقيل: لا يسهم له إلا أن يكون قتال فيقاتل فأرى أن يسهم له و لو دخل تجار فقاتلوا.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
2 انظر الأم 4/190.

 

ص -202-     لم أر بأسا أن يسهم لهم وقيل: لا يسهم لهم ولو جاءهم مدد قبل أن تنقضي الحرب فحضروا منها شيئا قل أو كثر شركوهم في الغنيمة فإن انقضت الحرب ولم يكن للغنيمة مانع لم يشركوهم ولو أن قائدا فرق جنده في وجهين فغنمت إحدى الفرقتين أو غنم العسكر ولم تغنم واحدة منهما شركوهم لأنهم جيش واحد وكلهم ردء لصاحبه قد مضت خيل المسلمين فغنموا بأوطاس غنائم كثيرة وأكثر العساكر بحنين فشركوهم وهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكن لو كان قوم مقيمين ببلادهم فخرجت منهم طائفة فغنموا لم يشركوهم وإن كانوا منهم قريبا لأن السرايا كانت تخرج من المدينة فتغنم فلا يشركهم أهل المدينة ولو أن إماما بعث جيشين على كل واحد منهما قائد وأمركل واحد منهما أن يتوجه ناحية غير ناحية صاحبه من بلاد عدوهم فغنم أحد الجيشين لم يشركهم الآخرون فإذا اجتمعوا فغنموا مجتمعين فهم كجيش واحد.

باب تفريق الخمس.
قال الشافعي رحمه الله: قال الله تعالى: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ}1 الآية وروي أن جبير بن مطعم قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قسم سهم ذي القربى بين بني هاشم وبني المطلب أتيته أنا وعثمان بن عفان رضي الله عنه فقلنا: يارسول الله هؤلاء إخواننا من بني هاشم لا ننكر فضلهم لمكانك الذي وضعك الله منهم أرأيت إخواننا من بني المطلب أعطيتهم وتركتنا وإنما قرابتنا وقرابتهم واحدة؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنما بنو هاشم وبنو المطلب شيء واحد هكذا وشبك بين أصابعه"2 وروى جبير بن مطعم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يعط بني عبد شمس ولا بني نوفل من ذلك شيئا3 قال الشافعي: فيعطى سهم ذي القربى في ذي القربى حيث كانوا ولا يفضل أحد على أحد حضر القتال أو لم يحضر إلا سهمه في الغنيمة كسهم العامة ولا فقير على غني ويعطى الرجل سهمين والمرأة سهما لأنهم أعطوا باسم القرابة فإن قيل: فقد أعطى صلى الله عليه وسلم بعضهم مائة وسق وبعضهم أقل قيل: لأن بعضهم كان ذا ولد فإذا أعطاه حظه وحظ غيره فقد أعطاه أكثر من غيره والدلالة على صحة ما حكيت من التسوية أن كل من لقيت من علماء أصحابنا لم يختلفوا في ذلك وإن باسم القرابة أعطوا وإن حديث جبير بن مطعم "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قسم سهم ذي القربى بين بني هاشم وبني المطلب" قال الشافعي رحمه الله: ويفرق ثلاثة أخماس الخمس على من سمى الله تعالى على اليتامى والمساكين وابن السبيل في بلاد الإسلام يحصون ثم يوزع بينهم لكل صنف منهم سهمه لا يعطى لأحد منهم سهم صاحبه فقد مضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بأبي هووأمي فاختلف أهل العلم عندنا في سهمه فمنهم من قال: يرد على أهل السهان الذين ذكرهم الله تعالى معه لأني رأيت المسلمين قالوا فيمن سمى له سهم من الصدقات فلم يوجد رد على من سمى معه وهذا مذهب يحسن ومنهم.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 سورة الأنفال: 41.
2 انظر الأم 4/195.
3 انظر الأم 4/195, 196.

 

ص -203-     من قال: يضعه الإمام حيث رأى على الاجتهاد للإسلام وأهله ومنهم من قال: يضعه في الكراع والسلاح والذي اختار أن يضعه الإمام في كل أمر حصن به الإسلام وأهله من سد ثغر أو إعداد كراع أو سلاح أو إعطاء أهل البلاء في الإسلام نفلا عند الحرب وغير الحرب إعدادا للزيادة في تعزيز الإسلام و أهله على ما صنع فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه أعطى المؤلفة ونفل في الحرب وأعطى عام حنين نفرا من أصحابه من المهاجرين والأنصار أهل حاجة وفضل وأكثرهم أهل حاجة ونرى ذلك كله من سهمه1 والله أعلم ومما احتج به الشافعي في ذوي القربى أن روى حديثا عن ابن أبي ليلى قال: لقيت عليا رضي الله عنه فقلت له: بأبي وأمي ما فعل أبو بكر وعمر في حقكم أهل البيت من الخمس؟ فقال علي: أما أبو بكر رحمه الله فلم يكن في زمانه أخماس وما كان فقد أوفاناه وأما عمر فلم يزل يعطيناه حتى جاءه مال السوس والأهواز أو قال مال فارس2 الشافعي يشك وقال عمر في حديث مطر أو حديث آخر: إن في المسلمين خلة فإن أحببتم تركتم حقكم فجعلناه في خلة المسلمين حتى يأتينا مال فأوفيكم حقكم منه فقال العباس: لا تطعمه في حقنا فقلت: يا أبا الفضل ألسنا من أحق من أجاب أمير المؤمنين ورفع خلة المسلمين فتوفى عمر قبل أن يأتيه مال فيقضيناه؟ وقال الحكم في حديث مطر أو الاخر: إن عمر رضي الله عنه قال لكم حقا ولا يبلغ علمي إذ كثر أن يكون لكم كله فإن شئتم أعطيتكم منه بقدر ما أرى لكم فأبينا عليه إلا كله فأبى أن يعطينا كله3 قال الشافعي رحمه الله: للمنازع في سهم ذي القربى: أليس مذهب العلماء في القديم والحديث أن الشيء إذا كان منصوبا في كتاب الله مبينا على لسان نبيه صلى الله عليه و سلم أو فعله أن عليهم قبوله وقد ثبت سهمهم في آيتين من كتاب الله تعالى وفي فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم بخبر الثقة لا معارض له في إعطاء النبي صلى الله عليه وسلم غنيا لا دين عليه في إعطائه العباس بن عبد المطلب وهو في كثرة ماله يعول عامة بني المطلب دليل على أنهم استحقوا بالقرابة لا بالحاجة كما أعطى الغنيمة من حضرها لا بالحاجة وكذلك من استحق الميراث بالقرابة لا بالحاجة وكيف جاز لك أن تريد إبطال اليمين مع الشاهد بأن تقول هي بخلاف ظاهر القرآن وليست مخالفة له ثم تجد سهم ذي القربى منصوصا في آيتين من كتاب الله تعالى ومعهما سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فترده؟ أرأيت لو عارضك معارض فأثبت سهم ذي القربى وأسقط اليتامى والمساكين وابن السبيل ما حجتك عليه إلا كهي عليك.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 انظر الأم 3/196.
2 انظر الأم 3/201.
3 انظر الأم 4/199.

تفريق ما أخذ من أربعة أخماس الفيء غير الموجف عليه.
قال الشافعي رحمه الله: وينبغي للوالي أن يحصي جميع من في البلدان من المقاتلة وهم من قد احتلم أو استكمل خمس عشرة سنة من الرجال ويحصي الذرية وهم من.

 

ص -204-     دون المحتلم دون خمس عشرة سنة والنساء صغيرهم وكبيرهم ويعرف قدر نفقاتهم وما يحتاجون إليه من مؤناتهم بقدر معاش مثلهم في بلدانهم ثم يعطي المقاتلة في كل عام عطاءهم والذرية والنساء ما يكفيهم لسنتهم في كسوتهم ونفقاتهم طعاما أو قيمته دراهم أو دنانير يعطي المنفوس شيئا ثم يزاد كلما كبر على قدر مؤنته وهذا يستوي لأنهم يعطون الكفاية ويختلف في مبلغ العطاء باختلاف أسعار البلدان وحالات الناس فيها فإن المؤنة في بعض البلدان أثقل منها في بعض ولا أعلم أصحابنا اختلفوا في أن العطاء للمقاتلة حيث كانت إنما يكون من الفيء وقالوا: لا بأس أن يعطى الرجل لنفسه أكثر من كفايته وذلك أن عمر رضي الله عنه بلغ في العطاء خمسة آلاف1 وهي أكثر من كفاية الرجل لنفسه ومنهم من قال: خمسة آلاف بالمدينة ويغزو إذا غزى ولست بأكثر من الكفاية إذا غزا عليها لبعد المغزى قال الشافعي وهذا كالكفاية على أنه يغزو وإن لم يغز في كل سنة قال: ولم يختلف أحد لقيته في أن ليس للمماليك في العطاء حق ولا الأعراب الذين هم أهل الصدقة واختلفوا في التفضيل على السابقة والنسب فمنهم من قال: أسوي بين الناس فإن أبا بكر رضي الله عنه حين قال له عمر أتجعل للذين جاهدوا في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم وهجروا ديارهم كمن دخل في الإسلام كرها؟ فقال أبو بكر: إنما عملوا لله وإنما أجورهم على الله وإنما الدنيا بلاغ2 وسوى علي بن أبي طالب رضي الله عنه بين الناس ولم يفضل3 قال الشافعي رحمه الله: وهذا الذي أختاره وأسأل الله التوفيق وذلك أني رأيت الله تعالى قسم المواريث على العدد فسوى فقد تكون الإخوة متفاضلي الغناء عن الميت في الصلة في الحياة والحفظ بعد الموت ورأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قسم لمن حضر الوقعة من الأربعة الأخماس على العدد فسوى ومنهم من يغني غاية الغناء ويكون الفتوح على يديه ومنهم من يكون محضره إما غير نافع وإما ضارا بالجبن والهزيمة فلما وجدت الكتاب والسنة على التسوية كما وصفت كانت التسوية أولى من التفضيل على النسب أو السابقة ولو وجدت الدلالة على التفضيل أرجح بكتاب أو سنة كنت إلى التفضيل بالدلالة مع الهوى أسرع قال الشافعي وإذا قرب القوم من الجهاد ورخصت أسعارهم أعطوا أقل ما يعطى من بعدت داره وغلا سعره وهذا وإن تفاضل عدد العطية تسوية على معنى ما يلزم كل واحد من الفريقين في الجهاد إذا أراده وعليهم أن يغزوا إذا غزوا ويرى الإمام في إغزائهم رأيه فإن استغنى مجاهده بعدد وكثرة من قربه أغزاهم إلى أقرب المواضع من مجاهدهم واختلف أصحابنا في إعطاء الذرية ونساء أهل الفيء فمنهم من قال: يعطون وأحسب من حجتهم فإن لم.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 انظر الأم 4/210.
2 انظر الأم 4/210.
3 انظر الأم 4/198, والبيهقي 6/348.

 

ص -205-     يفعل فمؤنتهم تلزم رجالهم فلم يعطهم الكفاية فيعطيهم كمال الكفاية ومنهم من قال: إذا أعطوا ولم يقاتلوا فليسوا بذلك أولى من ذرية الأعراب ونسائهم ورجالهم الذين لا يعطون من الفيء قال الشافعي حدثني سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن الزهري عن مالك بن أوس بن الحدثان أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: ما أحد إلا وله في هذا المال حق إلا ما ملكت أيمانكم أعطيه أو منعه1 قال الشافعي وهذا الحديث يحتمل معاني منها أن نقول: ليس أحد بمعنى2 حاجة من الصدقة أو بمعنى أنه من أهل الفيء الذين يغزون إلا وله في مال الفيء أو الصدقة حق وكان هذا أولى معانيه به فإن قيل: ما دل على هذا؟ قيل: قول رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصدقة: "لا حظ فيها لغني ولا لذي مرة مكتسب"3 والذي أحفظ عن أهل العلم أن الأعراب لا يعطون من الفيء قال: وقد روينا عن ابن عباس رضي الله عنهما أن أهل الفيء كانوا في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم بمعزل عن الصدقة وأهل الصدقة بمعزل عن أهل الفيء قال الشافعي والعطاء الواجب في الفيء لا يكون إلا لبالغ يطيق مثله القتال "قال ابن عمر رضي الله عنهما: عرضت على رسول الله صلى الله عليه وسلم عام أحد وأنا ابن أربع عشرة سنة فردني وعرضت عليه يوم الخندق وأنا ابن خمس عشرة سنة فأجازني" وقال عمر بن عبد العزيز: هذا فرق بين المقاتلة والذرية4 قال الشافعي فإن كملها أعمى لا يقدر على القتال أبدا أو منقوص الخلق لا يقدر على القتال أبدا لم يفرض له فرض المقاتلة وأعطى على كفاية المقام وهو شبيه بالذرية فإن فرض لصحيح ثم زمن خرج من المقاتلة وإن مرض طويلا يرجى أعطي كالمقاتلة قال: ويخرج العطاء للمقاتلة كل عام في وقت من الأوقات و الذرية على ذلك الوقت وإذا صار مال الفيء إلى الوالي ثم مات ميت قبل أن يأخذ عطاءه أعطيه ورثته فإن مات قبل أن يصير إليه مال ذلك العام لم يعطه ورثته قال: وإن فضل من الفيء شيء بعد ما وصفت من إعطاء العطايا وضعه الإمام في إصلاح الحصون والازدياد في السلاح والكراع وكل ما قوي به المسلمون فإن استغنوا عنه و كملت كل مصلحة لهم فرق ما يبقى منه بينهم على قدر ما يستحقون في ذلك المال قال الشافعي وإن ضاق عن مبلغ العطاء فرقه بينهم بالغا ما بلغ لم يحبس عنهم منه شيء قال: ويعصى من الفيء رزق الحكام وولاة الأحداث والصلاة لأهل الفيء وكل من قام بأمرأهل الفيء من وال وكاتب وجندي ممن لا غناء لأهل الفيء عنه رزق مثله فإن وجد من يغني غناءه وكان أمينا بأقل لم يزد أحدا على أقل ما يجد لأن منزلة الوالي.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 انظر الأم 4/211.
2 قوله "بمعنى حاجة كذا بالأصل ولعله "بمعنى ذي حاجة" أي محتاج وتأمل اهـ مصححه.
3 انظر الأم 4/211.
4 انظر الأم 4/212.

 

ص -206-     من رعيته منزلة والي اليتيم من ماله لا يعطى منه عن الغناء لليتيم إلا أقل ما يقدر عليه ومن ولي على أهل الصدقات كل رزقه مما يؤخذ منها لا يعطى من الفيء عليها كما لا يعطى من الصدقات على الفيء قال: و اختلف أصحابنا وغيرهم في قسم الفيء وذهبوا مذاهب لا أحفظ عنهم تفسيرها ولا أحفظ أيهم قال ما أحكي من القول دون من خالفه وسأحكي ما حضرني من معاني كل من قال في الفيء شيئا فمنهم من قال: هذا المال لله تعالى دل على من يعطاه فإذا اجتهد الوالي ففرقه في جميع من سمى له على قدر ما يرى من استحقاقهم بالحاجة إليه وإن فضل بعضهم على بعض في العطاء فذلك تسوية إذا كان ما يعطى كل واحد منهم سد خلته ولا يجوز أن يعطي صنفا منهم ويحرم صنفا ومنهم من قال: إذا اجتمع المال نظر في مصلحة المسلمين فرأى أن يصرف المال إلى بعض الأصناف دون بعفر فإن كان الصنف الذي يصرفه إليه لا يستغني عن شيء مما يصرفه إليه وكان أرفق بجماعة المسلمين صرفه وحرم غيره ويشبه قول الذي يقول هذا أنه إن طلب المال صنفان وكان إذا حرمه أحد الصنفين تماسك ولم يدخل عليه خلة مضرة وإن ساوى بينه وبين الصنف الاخر كانت على الصنف الآخر خلة مضرة أعطاه الذين فيهم الخلة المضرة كله قال: ثم قال بعض من قال: إذا صرف مال الفيء إلى ناحية فسدها وحرم الأخرى ثم جاء مال آخر أعطاها إياه دون الناحية التي سدها فكأنه ذهب إلى أنه إنما عجل أهل الخلة وأخر غيرهم حتى أوفاهم بعد قال: ولا أعلم أحدا منهم قال: يعطي من يعطى من الصدقات ولا مجاهدا من الفيء وقال بعض من أحفظ عنه: وإن أصابت أهل الصدقات سنة فهلكت أموالهم أنفق عليهم من الفيء فإذا استغنوا عنه منعوا الفيء ومنهم من قال: في مال الصدقات هذا القول يرد بعض مال أهل الصدقات قال الشافعي رحمه الله: والذي أقول به وأحفظ عمن أرضى ممن سمعت أن لا يؤخر المال إذا اجتمع ولكن يقسم فإن كانت نازلة من عدو وجب على المسلمين القيام بها وإن غشيهم عدو في دارهم وجب النفير على جميع من غشيه أهل الفيء وغيرهم قال الشافعي رحمه الله: أخبرنا غير واحد من أهل العلم أنه لما قدم على عمربن الخطاب رضي الله عنه مال أصيب بالعراق فقال له صاحب بيت المال: ألا ندخله بيت المال؟ قال: لا ورت الكعبة لا يأوي تحت سقف بيت حتى أقسمه فأمر به فوضع في المسجد ووضعت عليه الأنطاع وحرسه رجال من المهاجرين والأنصار فما أصبح غدا معه العباس بن عبد المطلب وعبد الرحمن بن عوف آخذا بيد أحدهما أو أحدهما آخذ بيده فلما رأوه كشفوا الأنطاع عن الأموال فرأى منظرا لم ير مثله الذهب فيه والياقوت والزبرجد واللؤلؤ يتلألأ فبكى فقال له أحدهما: إنا والله ما هو بيوم بكاء لكنه والله يوم شكر وسرور فقال: إني والله ما ذهبت حيث ذهبت ولكن والله ما كثر هذا في قوم قط إلا وقع بأسهم بينهم ثم أقبل على القبلة ورفع يديه إلى السماء وقال: اللهم إني أعوذ بك أن أكون مستدرجا فإني أسمعك تقول: {سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا

 

ص -207-     يَعْلَمُونَ} ثم قال: أين سراقة بن جعشم؟ فأتي به أشعر الذراعين دقيقهما فأعطاه سواري كسرى وقال: البسهما ففعل فقال: قل الله أكبر فقال: الله أكبر قال: فقل الحمد لله الذي سلبهما كسرى بن هرمز وألبسهما سراقة بن جعشم أعرابيا من بني مدلج وإنما ألبسه إياهما لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لسراقة ونظر إلى ذراعه: "كأني بك وقد لبست سواري كسرى" ولم يجعل له إلا سواريه وجعل يقلب بعض ذلك بعصا ثم قال إن الذي أدى هذا لأمين فقال قائل: أنا أخبرك أنك أمين الله وهم يؤدون إليك ما أديت إلى الله فإذا رتعت رتعوا قال: صدقت ثم فرقه1 قال الشافعي وأخبرنا الثقة من أهل المدينة قال: أنفق عمر رضي الله عنه على أهل الرمادة في مقامهم حتى وقع مطر فترحلوا فخرج عمر رضي الله عنه راكبا إليهم فرسا ينظر إليهم كيف يترحلون فدمعت عيناه فقال رجل من محارب حصفة: أشهد أنها انحسرت عنك ولست بابن أمية فقال عمر رضي الله عنه: ويلك ذاك لو كنت أنفق عليهم من مالي أو مال الخطاب إنما أنفق عليهم من مال الله عز وجل2.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 انظر الأم 4/215.
2 انظر الأم 4/215.

ما لم يوجف عليه من الأرضين بخيل ولا ركاب.
قال الشافعي رحمه الله: كل ما صولح عليه المشركون بغير قتال خيل ولا ركاب فسبيله سبيل الفيء على قسمه وما كان من ذلك من أرضين ودور فهي وقف للمسلمين يستغل ويقسم عليهم في كل عام كذلك أبدا قال: وأحسب ما ترك عمر رضي الله عنه من بلاد أهل الشرك هكذا أو شيئا استطاب أنفس من ظهر عليه بخيل وركاب فتركوه3 كما استطاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أنفس أهل سبي هوازن فتركوا حقوقهم وفي حديث جرير بن عبد الله عن عمر رضي الله عنه أنه عوضه من حقه وعوض امرأته من حقها بميراثها4 كالدليل على ما قلت قال الشافعي قال الله تبارك وتعالى:
{إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً}5 الآية قال: وروى الزهري "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عرف عام حنين على كل عشرة عريفا"6 قال: وجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم للمهاجرين شعارا7 و للأوس شعارا وللخزرج شعارا قال: وعقد رسول الله صلى الله عليه وسلم الألوية فعقد للقبائل قبيلة فقبيلة حتى جعل في القبيلة ألوية كل لواء لأهله وكل هذا ليتعارف الناس في الحرب وغيرها8 فتخف المؤنة عليهم باجتماعهم وعلى الوالي كذلك لإن في تفرقهم إذا أريدوا مؤنة عليهم وعلى واليهم فهكذا أحب للوالي أن يضع ديوانه على القبائل ويستظهر على من غاب عنه ومن.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
3 انظر الأم 3/215.
4 انظر الأم 3/215.
5 سورة الحجرات: 13.
6 انظر الأم 4/215.
7 انظر الأم 4/215.
8 انظر الأم 4/216.

 

ص -208-     جهل ممن حضره من أهل الفضل من قبائلهم قال الشافعي رحمه الله: وأخبرني غير واحد من أهل العلم والصدق من أهل المدينة ومكة من قبائل قريش وكان بعضهم أحسن اقتصاصا للحديث من بعض وقد زاد بعضهم على بعض أن عمر رضي الله عنه لما دون الديوان قال: أبدأ ببني هاشم ثم قال: حضرت رسول الله صلى الله عليه وسلم يعطيهم وبني المطلب فإذا كانت السن في الهاشمي قدمه على المطلبي وإذا كانت في المطلبي قدمه على الهاشمي فوضع الديوان على ذلك وأعطاهم عطاء القبيلة الواحدة ثم استوت له بنوعبد شمس ونوفل في قدم النسب فقال عبد شمس إخوة النبي صلى الله عليه وسلم لأبيه وأمه دون نوفل فقدمهم ثم دعا ببني نوفل يلونهم ثم استوت له عبد العزى وعبد الدار فقال في بني أسد بن عبد العزى أصهار النبي صلى الله عليه وسلم وفيهم أنهم من المطيبين وقال بعضهم: هم حلف من الفضول وفيهم كان النبي صلى الله عليه وسلم وقيل ذكر سابقة فقدمهم على بني عبد الدار يلونهم ثم انفردت له زهر فدعاها تتلو عبد الدار ثم استوت له تيم ومخزوم فقال في تيم: إنهم من حلف الفضول والمطيبين وفيهما كان النبي صلى الله عليه وسلم وقيل ذكر سابقة وقيل ذكر صهرا فقدمهم على مخزوم ثم دعا مخزوما يلونهم ثم استوت له سهم وجمح وعدي بن كعب فقيل: ابدأ بعدي فقال: بل أقر نفسي حيث كنت فإن الإسلام دخل وأمرنا وأمر بني سهم واحد ولكن انظروا بين جمح وسهم فقيل: قدم بني جمح ثم دعا بني سهم وكان ديوان عدي وسهم مختلطا كالدعوة الواحدة فلما خلصت إليه دعوته كبر تكبيرة عالية ثم قال: الحمد لله الذي أوصل إلي حظي من رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم دعا عامر بن لؤي1 قال الشافعي فقال بعضهم: إن أبا عبيدة بن عبد الله بن الجراح الفهري رضي الله عنه لما رأى من تقدم عليه قال: أكل هؤلاء يدعى أمامي؟ فقال: يا أبا عبيدة اصبر كما صبرت أو كلم قومك فمن قدمك منهم على نفسه لم أمنعه فأما أنا وبنو عدي فنقدمك إن أحببت على أنفسنا قال: فقدم معاوية بعد بني الحارث بن فهر ففصل بهم بين بني عبد مناف وأسد بن عبد العزى وشجر بين بني سهم وعدي شيء في زمان المهدي فافترقوا فأمر المهدي ببني عدي فقدموا على سهم وجمح لسابقة فيهم قال: فإذا فرغ من قريش بدئت الأنصار على العرب لمكانهم من الإسلام قال الشافعي الناس عباد الله فأولاهم أن يكون مقدما أقربهم بخيرة الله تعالى لرسالته ومستودع أمانته وخاتم النبيين وخير خلق رب العالمين محمد صلى الله عليه وسلم قال الشافعي ومن فرض له الوالي من قبائل العرب رأيت أن يقدم الأقرب فالأقرب منهم برسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا استووا قدم أهل السابقة على غير أهل السابقة ممن هومثلهم في القرابة2.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 انظر الأم 3/216.
2 انظر الأم 3/217.

 

ص -209-     مختصر كتاب الصدقات من كتابين قديم وجديد.
قال الشافعي رحمه الله: فرض الله تبارك وتعالى على أهل دينه المسلمين في أموالهم حقا لغيرهم من أهل دينه المسلمين المحتاجين إليه لا يسعهم حبسه عمن أسروا بدفعه إليه أو ولاته ولا يسع الولاة تركه لأهل الأموال لأنهم أمناء على أخذه لأهله ولم نعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخرها عاما لا يأخذها فيه وقال أبو بكر الصديق رضي الله عنه: لو منعوني عناقا مما أعطوا رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم عليها1 قال: فإذا أخذت صدقة مسلم دعي له بالأجر والبركة مما قال تعالى: {وَصَلِّ عَلَيْهِمْ}2 أي ادع لهم قال: والصدقة هي الزكاة والأغلب على أفواه العامة أن للثمر عشرا وللماشية صدقة وللورق زكاة "وقد سمى رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا كله صدقة" فما أخذ من مسلم من زكاة مال ناض أو ماشية أو زرع أو زكاة فطر أو خمس ركاز أو صدقة معدن أو غيره مما وجب عليه في ماله بكتاب أو سنة أو إجماع عوام المسلمين فمعناه واحد وقسمه واحد وقسم الفيء خلاف هذا فالفيء ما أخذ من مشرك تقوية لأهل دين الله وله موضع غير هذا الموضع وقسم الصدقات كما قال الله تعالى: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ} ثم أكدها وشددها قال: {فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ}3 الآية وهي سهمان ثمانية لا يصرف منها سهم ولا شيء منه عن أهله ما كان من أهله أحد يستحقه ولا يخرج عن بلد وفيه أهله وقال صلى الله عليه وسلم لمعاذ بن جبل رضي الله عنه حين بعثه: "فإن أجابوك فأعلمهم أن عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم"4 قال الشافعي وترد حصة من لم يوجد من أهل السهمان على من وجد منهم ويجمع أهل السهمان أنهم أهل حاجة إلى مالهم وأسباب حاجتهم مختلفة وكذلك أسباب استحقاقهم معان مختلفة فإذا اجتمعوا فالفقراء الزمنى الضعاف الذين لا حرفة لهم وأهل الحرفة الضعيفة الذين لا تقع في حرفتهم موقعا من حاجتهم ولا يسألون الناس وقال: وفي الجديد زمنا كان أولى أو غير زمن سائلا أو متعففا قال الشافعي والمساكين السؤال ومن لا يسأل ممن له حرفة لا تقع منه موقعا ولا تغنيه ولا عياله وقال في الجديد: سائلا كان أو غير سائل قال المزني: أشبه بقوله ما قاله في الجديد لأنه قال: لأن أهل هذين السهمين يستحقونهما بمعنى العدم وقد يكون السائل بين من يقل معطيهم وصالح متعفف بين من يبدونه بعطيتهم قال الشافعي رحمه الله: فإن كان رجل جلد يعلم الوالي أنه صحيح مكتسب يغني عياله أو لا عيال له يغني نفسه بكسبه لم يعطه.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 انظر الأم 4/242.
2 سورة التوبة: 103.
3 سورة التوبة: 60.
4 الحديث أخرجه البيهقي 7/8.

 

ص -210-     فإن قال الجلد: لست مكتسبا لما يغنيني ولا يغني عيالي وله عيال وليس عند الوالي يقين ما قال فالقول قوله واحتج بأن رجلين أتيا النبي صلى الله عليه وسلم فسألاه من الصدقة فقال: "إن شئتما ولا حظ فيها لغني ولا لذي مرة مكتسب"1 قال الشافعي رأى عليه الصلاة والسلام صحة وجلدا يشبه الاكتساب فأعلمهما أنه لا يصلح لهما مع الاكتساب ولم يعلم أمكتسبان أم لا فقال: إن شئتما بعد أن أعلمتكما أن لا حظ فيها لغني ولا لمكتسب فعلت قال: والعاملون عليها من ولاه الوالي قبضها ومن لا غنى للوالي عن معونته عليها وأما الخليفة ووالي الإقليم العظيم الذي لا يلي قبض الصدقة وإن كانا من القائمين بالأمر بأخذها فليسا عندنا ممن له فيها حق لأنهما لا يليان أخذها وشرب عمر رضي الله عنه لبنا فأعجبه فأخبرأنه من نعم الصدقة فأدخل أصبعه فاستقاءه2 قال: ويعطي العامل بقدر غنائه من الصدقة وإن كان موسرا لأنه يأخذه على معنى الإجارة قال: والمؤلفة قلوبهم في متقدم الأخبار ضربان: ضرب مسلمون أشراف مطاعون يجاهدون مع المسلمين فيقوى المسلمون بهم ولا يرون من نياتهم ما يرون من نيات غيرهم فإذا كانوا هكذا فأرى أن يعطوا من سهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو خمس الخمس ما يتألفون به سوى سهامهم مع المسلمين وذلك أن الله تعالى جعل هذا السهم خالصا لنبيه صلى الله عليه وسلم فرده في مصلحة المسلمين واحتج: بأن النبي صلى الله عليه وسلم أعطى المؤلفة يوم حنين من الخمس مثل عيينة والأقرع وأصحابهما ولم يعط عباس بن مرداس وكان شريفا عظيم الغناء حتى استعتب فأعطاه النبي صلى الله عليه وسلم3 قال الشافعي رحمه الله: لما أراد ما أراد القوم احتمل أن يكون دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم منه شيء حين رغب عما صنع بالمهاجرين والأنصار فأعطاه على معنى ما أعطاهم واحتمل أن يكون رأى أن يعطيه من ماله حيث رأى أن يعطيه لأنه له صلى الله عليه وسلم خالصا للتقوية بالعطية ولا نرى أن قد وضع من شرفه فإنه صلى الله عليه وسلم قد أعطى من خمس الخمس النفل وغير النفل لأنه له وأعطى صفوان بن أمية ولم يسلم ولكنه أعاره أداة فقال فيه عند الهزيمة أحسن مما قال بعض من أسلم من أهل مكة عام الفتح وذلك أن الهزيمة كانت في أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يوم حنين أول النهار فقال له رجل: غلبت هوازن وقتل محمد صلى الله عليه وسلم فقال صفوان بن أمية: بفيك الحجر فوالله لرب من قريش أحب إلي من رب من هوازن ثم أسلم قومه من قريش وكان كأنه لا يشك في إسلامه والله تعالى أعلم4 قال الشافعي فإذا كان مثل هذا رأيت أن يعطي من سهوم النبي صلى الله عليه وسلم وهذا أحب إلي للاقتداء بأمره صلى الله عليه وسلم ولو قال قائل: كان هذا السهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم فكان له أن يضع سهمه حيث يرى فقد فعل هذا مرة وأعطى من سهمه بخيبر رجالا من المهاجرين والأنصار لأنه ماله يضعه حيث رأى ولا يعطي أحدا اليوم.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 انظر الأم 4/211, 212.
2 الأثر عن عمر أخرجه البيهقي 7/14.
3 راجع البيهقي 6/337, 338, 339 و7/17.
4 راجع البيهقي 7/19, 20.

 

ص -211-     على هذا المعنى من الغنيمة ولم يبلغنا أن أحدا من خلفائه أعطى أحدا بعده ولو قيل ليس للمؤلفة في قسم الغنيمة سهم مع أهل السهمان كان مذهبا و الله أعلم قال: وللمؤلفة في قسم الصدقات سهم والذي أحفظ فيه من متقدم الخبر أن عدي بن حاتم جاء إلى أبي بكر الصديق أحسبه بثلاثمائة من الإبل من صدقات قومه فآعطاه أبو بكر منها ثلاثين بعيرا وأمره أن يلحق بخالد بن الوليد بمن أطاعه من قومه فجاءه بزهاء ألف رجل وأبلى بلاء1 حسنا والذي يكاد يعرف القلب بالاستدلال بالأخبار أنه أعطاه إياها من سهم المؤلفة فإما زاده ترغيبا فيما صنع وإما ليتألف به غيره من قومه ممن لم يثق منه بمثل ما يثق به من عدي بن حاتم قال المزني: فأرى أن يعطي من سهم المؤلفة قلوبهم في مثل هذا المعنى إن نزلت بالمسلمين نازلة ولن تنزل إن شاء الله تعالى وذلك أن يكون العدو بموضع منتاط لا يناله الجيش إلا بمؤنة وبكون بإزاء قوم من أهل الصدقات فأعان عليهم أهل الصدقات إما بلية فأرى أن يقووا بسهم سبيل الله من الصدقات وإما أن لا يقاتلوا إلا بأن يعطوا سهم المؤلفة أو ما يكفيهم منه وكذا إذا انتاط العدو وكانوا أقوى عليه من قوم من أهل الفيء يوجهون إليه ببعد ديارهم وثقل مؤناتهم ويضعفون عنه فإن لم يكن مثل ما وصفت مما كان في زمن أبي بكررضي الله عنه من امتناع أكثر العرب بالصدقة على الردة وغيرها لم أر أن يعطي أحد من سهم المؤلفة ولم يبلغني أن عمر ولا عثمان ولا عليا رضي الله عنهم أعطوا أحدا تألفا على الإسلام2 وقد أغنى الله فله الحمد الإسلام عن أن يتألف عليه رجال وقال في الجديد: لا يعطى مشرك يتألف على الإسلام لأن الله تعالى خول المسلمين أموال المشركين لا المشركين أموال المسلمين وجعل صدقات المسلمين مردودة فيهم قال: والرقاب المكاتبون من حيز إنما الصدقات والله أعلم ولا يعتق عبد يبتدأ عتقه فيشتري ويعتق والغارمون صنفان: صنف دانوا في مصلحتهم أو معروف وغير معصية ثم عجزوا عن أداء ذلك في العرض والنقد فيعطون في غرمهم لعجزهم فإن كانت لهم عروض يقضون منها ديونهم فهم أغنياء لا يعطون حتى يبرؤوا من الذين ثم لا يبقى لهم ما يكونون به أغنياء وصنف دانوا في صلاح ذات بين ومعروف ولهم عروض تحمل حمالاتهم أو عامتها وإن بيعت أضرذلك بهم وإن لم يفترقوا فيعطى هؤلاء وتوفر عروضهم كما يعطى أهل الحاجة من الغارمين حتى يقضوا سهمهم واحتج بأن قبيصة بن المخارق قال: "تحملت بحمالة فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألته فقال: "نؤديها عنك أو نخرجها عنك إذا قدم نعم الصدقة يا قبيصة المسألة حرمت إلا في ثلاث: رجل تحمل بحمالة فحلت له المسألة حتى يؤديها ثم يمسك ورجل أصابته فاقة أو حاجة حتى شهد أو تكلم ثلاثة من ذوي الحجا من قومه أن به فاقة أو حاجة فحلت له المسألة حتى يصيب سدادا

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الأثر أخرجه البيهقي 7/19. 20.
2 الأثر أخرجه البيهقي 7/20.

 

ص -212-     من عيش أو قواما من عيش ثم يمسك ورجل أصابته جائحة فاجتاحت ماله فحلت له الصدقة حتى يصيب سدادا من عيش أو قواما من عيش ثم يمسك وما سوى ذلك من المسألة فهو سحت" قال الشافعي رحمه الله: فبهذا قلت في الغارمين وقول النبي صلى الله عليه وسلم: "تحل له المسألة في الفاقة والحاجة" يعني والله أعلم من سهم الفقراء والمساكين لا الغارمين وقوله: "حتى يصيب سدادا من عيش" يعني والله أعلم أقل اسم الغنا ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: "لا تحل الصدقة لغني إلا لخمسة؟ لغاز في سبيل الله أو لعامل عليها أو لغارم أو لرجل اشتراها بماله أو لرجل له جار مسكين فتصدق على المسكين فأهدى المسكين للغني"1 فبهذا قلت يعطي الغازي والعامل وإن كانا غنيين والغارم في الحمالة على ما أبان عليه السلام لا عاما ويقبل قول ابن السبيل إنه عاجز عن البلد لأنه غير قوي حتى تعلم قوته بالمال ومن طلب بأنه يغزو أعطي ومن طلب بأنه غارم أو عبد بأنه مكاتب لم يعط إلا ببينة لأن أصل الناس أنهم غير غارمين حتى يعلم غرمهم والعبيد غير مكاتبين حتى تعلم كتابتهم ومن طلب بأنه من المؤلفة لم يعط إلا بأن يعلم ذلك وما وصفت أنه يستحقه به وسهم سبيل الله كما وصفت يعطى منه من أراد الغزو من أهل الصدقة فقيرا كان أو غنيا ولا يعطى منه غيرهم إلا أن يحتاج إلى الدفع عنهم فيعطاه من دفع عنهم المشركين لأنه يدفع عن جماعة أهل الإسلام وابن السبيل عندي ابن السبيل من أهل الصدقة الذي يريد البلد غير بلده لأمر يلزمه.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الأثر أخرجه البيهقي 7/15.

باب كيف تفريق الصدقات.
قال الشافعي رحمه الله: ينبغي للساعي أن يأمر بإحصاء أهل السهمان في عمله حتى يكون فراغه من قبض الصدقات بعد تناهي أسمائهم وأنسابهم وحالاتهم وما يحتاجون إليه ويحصي ما صار في يديه من الصدقات فيعزل من سهم العاملين بقدر ما يستحقون بأعمالهم فإن جاوز سهم العاملين رأيت أن يعطيهم سهم العاملين وبزيدهم اقدر أجور أعمالهم من سهم النبي صلى الله عليه وسلم من الفيء والغنيمة ولو أعطاهم ذلك من السهمان ما رأيت ذلك ضيقا ألا ترى أن مال اليتيم يكون بالموضع فيستأجر عليه إذا خيف ضيعته من يحوطه وإن أتى ذلك على كثير منه؟ قال المزني: هذا أولى بقوله لما احتج به من مال اليتيم قال الشافعي وتفض جميع السهمان على أهلها كما أصف إن شاء الله تعالى كان الفقراء عشرة والمساكين عشرين والغارمون خمسة وهؤلاء ثلاثة أصناف وكان سهمانهم الثلاثة من جميع المال ثلاثة آلاف فلكل صنف ألف فإن كان الفقراء يغترقون سهمهم كفافا يخرجون به من حد الفقر إلى أدنى الغنى أعطوه وإن كان يخرجهم من حد الفقر إلى أدنى الغنى أقل وقف الوالي ما بقي منه ثم يقسم على المساكين سهمهم هكذا وعلى الغارمين سهمهم هكذا وإذا خرجوا من.

 

ص -213-     اسم الفقر والمسكنة فصاروا إلى أدنى اسم الغنى ومن الغرم فبرئت ذممهم وصاروا غير غارمين فليسوا من أهله قال: ولا وقت فيما يعطى الفقير إلا ما يخرجه من حد الفقر إلى الغنى قل ذلك أو كثر مما تجب فيه الزكاة أو لا تجب لأنه يوم يعطاه لا زكاة فيه عليه وقد يكون غنيا ولا مال له تجب فيه الزكاة وفقيرا بكثرة العيال وله مال تجب فيه الزكاة وإنما الغنى والفقر ما يعرف الناس بقدر حال الرجال ويأخذ العاملون عليها بقدر أجورهم في مثل كفايتهم وقيامهم وأمانتهم والمؤنة عليهم فيأخذ لنفسه بهذا المعنى ويعطي العريف ومن يجمع الناس عليه بقدر كفايته وكلفته وذلك خفيف لأنه في بلاده وكذك المؤلفة إذا احتيج إليهم والمكاتب ما بينه وبين أن يعتق وإن دفع إلى سيده كان أحب إلي ويعطي الغازي الحمولة والسلاح والنفقة والكسوة وإن اتسع المال زيدوا الخيل ويعطى ابن السبيل قدر ما يبلغه البلد الذي يريد من نفقته وحمولته إن كان البلد بعيدا أو كان ضعيفا وإن كان البلد قريبا وكان جلدا الأغلب من مثله لوكان غنيا المشي إليها أعطي مؤنته ونفقته بلا حمولة فإن كان يريد أن يذهب ويرجع أعطي ما يكفيه في ذهابه ورجوعه من النفقة فإن كان ذلك يأتي على السهم كله أعطيه كله إن لم يكن معه ابن سبيل غيره وإن كان لا يأتي إلا على سهم سهم من مائة سهم من سهم ابن السبيل لم يزد عليه قال: ويقسم للعامل بمعنى الكفاية وابن السبيل بمعنى البلاغ لأني لو أعطيت العامل وابن السبيل والغازي بالاسم لم يسقط عن العامل اسم العامل ما لم يعزل ولا عن ابن السبيل اسم ابن السبيل ما دام مجتازا أو يريد الاجتياز ولا عن الغازي ما كان على الشخوص للغزو وأي السهمان فضل عن أهله رد على عدد من عدد من بقي السهمان كان بقي فقراء ومساكين لم يستغنوا وغارمون لم تقض كل ديونهم فيقسم ما بقي على ثلاثة أسهم فإن استغنى الغارمون رد باقي سهمهم على هذين السهمين نصفين حتى تنفد السهمان وإنما ردي ذلك لأن الله تعالى لما جعل هذا المال لا مالك له من الآدميين بعينه يرد إليه كما ترد عطايا الآدميين ووصاياهم لو أوصى بها لرجل فمات الموصى له قبل الموصي كانت وصيته راجعة إلى ورثة الموصي فما كان هذا المال مخالفا للمال يورث ههنا لم يكن أحد أولى به عندنا في قسم الله تعالى وأقرب ممن سمى الله تعالى له هذا المال وهؤلاء من جملة من سمى الله تعالى له هذا المال ولم يبق مسلم محتاج إلا وله حق سواه أما أهل الفيء فلا يدخلون على أهل الصدقة وأما أهل الصدقة الأخرى فهو مقسوم لهم صدقتهم فلو كثرت لم يدخل عليهم غيرهم وواحد منهم يستحقها فكما كانوا لا يدخل عليهم غيرهم فكذلك لا يدخلون على غيرهم ما كان من غيرهم من يستحق منها شيئا قال: وإن استغنى أهل عمل ببعض ما قسم لهم وفضل عنهم فضل رأيت أن ينقل الفضل منهم إلى أقرب الناس بهم في الجوار ولو ضاقت السهمان قسمت على الجوار دون النسب وكذلك إن خالطهم عجم غيرهم فهم معهم في القسم على الجوار فإن.

 

ص -214-     كانوا أهل بادية عند النجعة يتفرقون مرة ويختلطون أخرى فأحب إلي لو قسمها على النسب إذا استوت الحالات وإذا اختلفت الحالات فالجوار أولى من النسب وإن قال من تصدق: إن لنا فقراء على غير هذا الماء وهم كما وصفت يختلطون في النجعة قسم بين الغائب والحاضر ولو كانوا بالطرف من باديتهم فكانوا ألزم له قسم بينهم وكانت كالدار لهم وهذا إذا كانوا معا أهل نجعة لا دار لهم يقرون بها فأما إن كانت لهم دار يكونون لها ألزم فإني أقسمها على الجوار بالدار وقال في الجديد: إذا استوى في القرب أهل نسبهم وعدى قسمت على أهل نسبهم دون العدى وإن كان العدى أقرب منهم دارا وكان أهل نسبهم منهم على سفر تقصر فيه الصلاة قسمت على العدى إذا كانت دون ما تقصر فيه الصلاة لأنهم أولى باسم حضرتهم وإن كان أهل نسبهم دون ما تقصر فيه الصلاة والعدى أقرب منهم قسمت على أهل نسبهم لأنهم بالبادية غير خارجين من اسم الجوار وكذلك هم في المنعة حاضرو المسجد الحرام قال الشافعي وإذا ولي الرجل إخراج زكاة ماله قسمها على قرابته وجيرانه معا فإن ضاقت فآثر قرابته فحسن وأحب إلي أن يوليها غيره لأنه المحاسب عليها والمسؤول عنها وأنه على يقين من نفسه وفي شك من فعل غيره وأقل من يعطى من أهل السهم ثلاثة لأن الله تعالى ذكر كل صنف جماعة فإن أعطى اثنين وهو يجد الثالث ضمن ثلث سهم وإن أخرجه إلى غير بلده لم يبن لي أن علية إعادة لأنه أعطى أهله بالاسم وإن ترك الجوار وإن أعطى قرابته من السهمان ممن لا تلزمه نفقته كان أحق بها من البعيد منه وذلك أنه يعلم من قرابته أكثر مما يعلم من غيرهم وكذلك خاصته ومن لا تلزمه نفقته من قرابته ما عدا ولده ووالده ولا يعطي ولد الولد صغيرا ولا كبيرا زمنا ولا أخا ولا جدا ولا جدة زمنين ويعطيهم غيرزمنى لأنه لا تلزمه نفقتهم إلا زمنى ولا يعطي زوجته لأن نفقتها تلزمه فإن ادانوا أعطاهم من سهم الغارمين وكذلك من سهم ابن السبيل لأنه لا يلزمه قضاء الدين عنهم ولا حملهم إلى بلد أرادوه فلا يكونون أغنياء عن هذا به كما كانوا به أغنياء عن الفقر والمسكنة فأما آل محمد صلى الله عليه وسلم الذين جعل لهم الخمس عوضا من الصدقة فلا يعطون من الصدقات المفروضات وإن كانوا محتاجين وغارمين وهم أهل الشعب وهم صلبية بني هاشم وبني المطلب ولا تحرم عليهم صدقة التطوع وروي عن جعفربن محمد عن أبيه أنه كان يشرب من سقايات بين مكة والمدينة فقلت له: أتشرب من الصدقة؟ فقال: إنما حرمت علينا الصدقة المفروضة "وقبل النبي صلى الله عليه وسلم الهدية من صدقة تصدق بها على بريرة وذلك أنها من بريرة تطوع لا صدقة"1 وإذا كان فيهم غارمون لا أموال لهم فقالوا: أعطنا بالغرم والفقر قيل: لا إنما نعطيكم بأي المعنيين شئتم فإذا أعطيناه باسم الفقر فلغرمائه أن يأخذوا.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 انظر الأم 4/67.

 

ص -215-     مما في يديه حقوقهم وإذا أعطيناه بمعنى الغرم أحببت أن يتولى دفعه عنه وإلا فجائز كما يعطى المكاتب فإن قيل: ولم لا يعطى بمعنيين؟ قيل: الفقير مسكين والمسكين فقير يجمعهما اسم ويتفرق بهما اسم فلا يجوز أن يعطى إلا بأحد المعنيين ولو جاز ذلك جاز أن يعطى رجل بفقر وغرم وبأنه ابن سبيل وغاز ومؤلف فيعطى بهذه المعاني كلها فالفقير هو المسكين ومعناه أن لا يكون غنيا بحرفة ولا مال فإذا جمعا معا فقسم لصنفين بهما لم يجز إلا أن يفرق بين حاليهما بأن يكون الفقير الذي بدىء به أشدهما فقرا وكذلك هو في اللسان فإن كان فيهم رجل من أهل الفيء ضرب عليه البعث في الغزو ولم يعط فإن قال: لا أغزو وأحتاج أعطي فإن هاجر بدوي واقترض وغزا صار من أهل الفيء وأخذ فيه ولو احتاج وهو في الفيء لم يكن له أن يأخذ من الصدقات حتى يخرج من الفيء ويعود إلى الصدقات فيكون ذلك له وإن لم يكن رقاب ولا مؤلفة ولا غارمون إبتدىء القسم على خمسة أسهم أخماسا على ما وصفت فإن ضاقت الصدقة قسمت على عدد السهمان ويقسم بين كل صنف على قدر استحقاقهم ولا يعطى أحد من أهل سهم وإن اشتدت حاجته وقل ما يصيبه من سهم غيره حتى يستغني ثم يرد فضل إن كان عنه ويقسم فإن اجتمع حق أهل السهمان في بعيرأو بقرة أو شاة أو دينار أو درهم أو اجتمع فيه اثنان من أهل السهمان أو أكثر أعطوه ويشرك بينهم فيه ولم يبدل بغيره كما يعطاه من أوصى لهم به وكذلك ما يوزن أو يكال وإذا أعطى الوالي من وصفنا أن عليه أن يعطيه ثم علم أنه غير مستحق نزع ذلك منه إلى أهله فإن فات فلا ضمان عليه لأنه أمين لمن يعطيه ويأخذ منه لا لبعضهم دون بعض لأنه كلف فيه الظاهر وإن تولى ذلك رب المال ففيها قولان أحدهما أنه يضمن والآخر كالوالي لا يضمن قال المزني: ولم يختلف قوله في الزكاة أن رب المال يضمن قال الشافعي ويعطي الولاة زكاة الأموال الظاهرة الثمرة والزرع والمعدن والماشية قإن لم يأت الولاة لم يسع أهلها إلا قسمها فإن جاء الولاة بعد ذلك لم يأخذوهم بها وإن ارتابوا بأحد فلا بأس أن يحلفوه بالله لقد قسمها في أهلها وإن أعطوهم زكاة التجارات والفطرة والركاز أجزأهم إن شاء الله وإنما يستحق أهل السهمان سوى العاملين حقهم يوم يكون القسم.

باب ميسم الصدقات.
قال الشافعي رحمه الله: ينبغي لوالي الصدقات أن يسم كل ما أخذ منها من بقرأو إبل في أفخاذها ويسم الغنم في أصول آذانها وميسم الغنم ألطف من ميسم الإبل والبقر ويجعل الميسم مكتوبا لله لأن مالكها أداها لله تعالى فكتب لله وميسم الجزية مخالف لميسم الصدقة لأنها أديت صغارا لا أجر لصاحبها فيها وكذلك بلغنا عن عمال عمر رضي الله عنه أنهم كانوا يسمون وقال أسلم لعمران: في الظهر ناقة عمياء فقال عمر.

 

ص -216-     رضي الله عنه: ندفعها إلى أهل بيت ينتفعون بها يقطرونها بالإبل قال: قلت كيف تأكل من الأرض؟ قال عمر: أمن نعم الجزية أو من نعم الصدقة؟ قلت: لا بل من نعم الجزية فقال عمر: أردتم والله أكلها فقلت: إن عليها ميسم الجزية قال: فأمر بها عمر فنحرت قال: فكانت عنده صحاف تسع فلا تكون فاكهة ولا طريفة إلا وجعل منها في تلك الصحاف فيبعث بها إلى أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ويكون الذي يبعث به إلى حفصة رضي الله عنها من آخر ذلك فإن كان فيه نقصان كان في حظها قال: فجعل في تلك الصحاف من لحم تلك الجزور فبعث به إلى أزواج النبي صلى الله عليه وسلم وأمر بما بقي من اللحم فصنع فدعا عليه المهاجرين والأنصار1 قال: ولا أعلم في الميسم علة إلا أن يكون ما أخذ من الصدقة معلوما فلا يشتريه الذي أعطاه لأنه خرج منه لله كما أمر رسول صلى الله عليه وسلم عمر رضي الله عنه في فرس حمل عليه في سبيل الله فرآه يباع أن لا يشتريه وكما ترك المهاجرون نزول منازلهم بمكة لأنهم تركوها لله تعالى.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 راجع البيهقي 7/34.

باب الاختلاف في المؤلفة.
قال الشافعي رحمه الله: قال بعض الناس: لا مؤلفة فيجعل سهمهم وسهم سبيل الله في الكراع والسلاح في ثغور المسلمين وقال بعضهم: ابن السبيل من مر يقاسم في البلد الذي به ألصدقات وقال أيضا: حيث كانت الحاجة أكثر فهي واسعة كأنه يذهب إلى أنه فوضى بينهم يقسمونه على العدد والحاجة لأن لكل أهل صنف منهم سهما ومن أصحابنا من قال: إذا تماسك أهل الصدقة وأجدب آخرون نقلت إلى المجدبين إذا كانوا يخاف عليهم الموت كأنه يذهب إلى أن هذا مال من مال الله عز وجل قسمه لأهل السهمان لمعنى صلاح عباد الله على اجتهاد الإمام وأحسبه يقول: وتنقل سهمان أهل الصدقات إلى أهل الفيء إن جهدوا وضاق الفيء وينقل الفيء إلى أهل الصدقات إن جهدوا وضاقت الصدقات على معنى إرادة صلاح عباد الله قال الشافعي وإنما قلت بخلاف هذا القول لأن الله جل وعز جعل المال قسمين أحدهما في قسم الصدقات التي هي طهرة فسماها الله لثمانية أصناف ووكدها وجاءت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن يؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم لا فقراء غيرهم ولغيرهم فقراء فلا يجوز فيها عندي والله أعلم أن يكون فيها غير ما قلت من أن لا تنقل عن قوم وفيهم من يستحقها ولا يخرج سهم ذي سهم منهم إلى غيره وهو يستحقه وكيف يجوز أن يسمي الله تعالى أصنافا فيكونون موجودين معا فيعطى أحد سهمه وسهم غيره ولوجاز هذا عندي جاز أن يجعل في سهم واحد جميع سهام سبعة ما فرض لهم ويعطى واحد ما لم يفرض له والذي يخالفنا يقول: لو أوصى بثلثه لفقراء بني فلان وغارمي بني فلان رجل آخر وبني سبيل بني فلان.

 

ص -217-     رجل آخر إن كل صنف من هؤلاء يعطون من ثلثه وأن ليس لوصي ولا وال أن يعطي الثلث صنفا دون صنف وإن كان أحوج وأفقر من صنف لأن كلا ذو حق بما سمي له وإذا كان هذا عندنا وعند قائل هذا القول فيما أعطي الآدميون أن لا يجوز أن يمضى إلا على ما أعطوا فعطاء الله أولى أن لا يجوز أن يمضي إلا على ما أعطى قال وإذا قسم الله الفيء وسن رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعة أخماسه لمن أوجف على الغنيمة للفارس ثلاثة أسهم وللراجل سهم1 ولم نعلم رسول الله صلى الله عليه وسلم فضل ذا غناء على من دونه ولم يفضل المسلمون الفارس أعظم الناس غناء على جبان في القسم وكيف جاز لمخالفنا في قسم الصدقات وقد قسمها الله تعالى أبين القسم فيعطي بعضا دون بعض وينقلها عن أهلها المحتاجين إليها إلى غيرهم لأن كانوا أحوج منهم أو يشركهم معهم أو ينقلها عن صنف منهم إلى صنف غيره أرأيت لو قال قائل لقوم أهل غزو كثير أو جفوا على عدو: أنتم أغنياء فآخذ ما أو جفتم عليه فأقسمه على أهل الصدقات المحتاجين إذا كان عام سنة لأنهم من عيال الله تعالى هل الحجة عليه إلا أن من قسم الله له بحق فهو أولى به وإن كان من لم يقسم له أحوج منه وهكذا ينبغي أن يقال في أهل الصدقات وهكذا لأهل المواريث لا يعطى أحد منهم سهم غيره ولا يمنع من سهمه لفقر ولا لغنى وقضى معاذ بن جبل رضي الله عنه: أيما رجل انتقل من مخلاف عشيرته إلى غير مخلاف عشيرته فعشره وصدقته إلى مخلاف عشيرته2 ففي هذا معنيان أحدهما: أنه جعل صدقته وعشره لأهل مخلاف عشيرته لم يقل لقرابته دون أهل المخلاف والاخر: أنه رأى أن الصدقة إذا ثبتت لأهل مخلاف عشيرته لم تحول عنهم صدقته وعشره بتحوله عنهم وكانت كما يثبت بدأ فإن قيل: فقد جاء عدي بن حاتم أبا بكر رضي الله عنه بصدقات و الزبرقان بن بدر3 فهما وإن جاءا بها فقد تكون فضلا عن أهلها ويحتمل أن يكون بالمدينة أقرب الناس بهم نسبا ودارا ممن يحتاج إلى سعة من مضر وطيىء من اليمن ويحتمل أن يكون من حولهم ارتدوا فلم يكن لهم فيها حق ويحتمل أن يؤتى بها أبو بكر رضي الله عنه ثم يردها إلى غير أهل المدينة وليس في ذلك خبر عن أبي بكر نصير إليه فإن قيل: فإنه بلغنا أن عمر رضي الله عنه كان يؤتى بنعم من الصدقة4 فبالمدينة صدقات النخل والزرع والناض والماشية وللمدينة ساكن من المهاجرين والأنصار وحلفاء لهم وأشجع وجهينة ومزينة بها وبأطرافها وغيرهم من قبائل العرب فعيال ساكن المدينة بالمدينة وعيال عشائرهم وجيرانهم وقد يكون عيال ساكني أطرافها بها وعيال جيرانهم وعشائرهم فيؤتون بها وتكون مجمعا لأهل السهمان كما تكون المياه والقرى مجمعا لأهل السهمان من العرب ولعلهم استغنوا فنقلها إلى أقرب الناس بهم وكانوا بالمدينة فإن قيل: فإن عمر رضي الله عنه.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 راجع البيهقي 6/325, 326.
2 انظر الأم 2/96, 121.
3 انظر الأم 2/112.
4 انظر الأم 2/121.

 

ص -218-     كان يحمل على إبل كثيرة إلى الشام والعراق1 فإنما هي والله أعلم من نعم الجزية لأنه إنما يحمل على ما يحتمل من الإبل وأكثر فرائض الإبل لا تحمل أحدا وقد كان يبعث إلى عمر بنعم الجزية فيبعث فيبتاع بها إبلا جلة فيحمل عليها وقال: بعض الناس مثل قولنا في أن ما أخذ من مسلم فسبيله سبيل الصدقات وقالوا: والركاز سبيل الصدقات ورووا ما روينا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "وفي الركاز الخمس"2 وقال: "المعادن من الركاز وكل ما أصيب من دفن الجاهلية من شيء فهو ركاز" ثم عاد لما شدد فيه فأبطله فزعم أنه إذا وجد ركازا فواسع له فيما بينه وبين الله تعالى أن يكتمه وللوالي أن يرده عليه بعد ما يأخذه منه أو يدعه له فقد أبطل بهذا القول السنة في أخذه وحق الله في قسمه لمن جعله الله له ولو جاز ذلك جاز في جميع ما أوجبه الله لمن جعله له قال: فإنا روينا عن الشعبي أن رجلا وجد أربعة أو خمسة آلاف درهم فقال علي رضي الله عنه: لأقضين فيها قضاء بينا أما أربعة أخماس فلك وخمس للمسلمين ثم قال: والخمس مردود عليك3 قال الشافعي رحمه الله: فهذا الحديث ينقض بعضه بعضا إذا زعم أن عليا قال: والخمس للمسلمين فكيف يجوز أن يرى للمسلمين في مال رجل شيئا ثم يرده عليه أو يدعه له وهذا عن علي مستنكر وقد رووا عن علي رضي الله عنه بإسناد موصول أنه قال: أربعة أخماسه لك واقسم الخمس في فقراء أهلك فهذا الحديث أشبه بحديث علي رضي الله عنه لعل عليا علمه أمينا وعلم في أهله فقراء من أهل السهمان فأمره أن يقسمه فيهم قال الشافعي رحمه الله: وهم يخالفون ما رووا عن الشعبي من وجهين أحدهما: أنهم يزعمون أن من كانت له مائتا درهم فليس للوالي أن يعطيه ولا له أن يأخذ شيئا من السهمان المقسومة بين من سمى الله تعالى ولا من الصدقات تطوعا والذين يزعمون أن عليا ترك له خمس ركازه رجل له أربعة آلاف درهم ولعله أن يكون له مال سواها ويزعمون أنه إذا أخذ الوالي منه واجبا في ماله لم يكن له أن يعود عليه ولا على أحد يعوله ويزعمون أن لو وليها هو لم يكن له حبسها ولا دفعها إلى أحد يعوله قال الشافعي رحمه الله: وإذا كان له أن يكتمها وللوالي أن يردها إليه فليست بواجبة عليه وتركها وأخذها سواء وقد أبطلوا بهذا القول السنة في أن في الركاز الخمس وأبطلوا حق من قسم الله له من أهل السهمان الثمانية فإن قال: لا يصلح هذا إلا في الركاز قيل: فإن قيل لك لا يصلح في الركاز ويصلح فيما سوى ذلك من صدقة وماشية وعشر زرع وورق فما الحجة عليه إلا كهي عليك والله سبحانه وتعالى أعلم.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 انظر الأم 2/122.
2 انظر الأم 2/59.
3 انظر الأم 2/61.

مختصر في النكاح الجامع من كتاب النكاح
وما جاء في أمر النبي صلى الله عليه وسلم وأزواجه.
قال الشافعي رحمه الله: إن الله تبارك وتعالى لما خص به رسوله صلى الله عليه وسلم من وحيه.

 

ص -219-     وأبان بينه وبين خلقه بما فرض عليهم من طاعته افترض عليه أشياء خففها عن خلقه ليزيده بها إن شاء الله قربة وأباح له أشياء حظرها على خلقه زيادة في كرامته وتبيينا لفضيلته فمن ذلك أن كل من ملك زوجة فليس عليه تخييرها وأمره عليه الصلاة والسلام أن يخير نساءه فاخترنه1 فقال تعالى: {لا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ}2 قالت عائشة رضي الله عنها: ما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أحل له النساء3 قال: كأنها تعني اللاتي حظرهن عليه قال تعالى: {وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ}4 الاية وقال تعالى: {يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ}5 فأبانهن به من نساء العالمين وخصه بأن جعله عليه الصلاة والسلام أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم قال: أمهاتهم في معنى دون معنى وذلك أنه لا يحل نكاحهن بحال ولم تحرم بنات لوكن لهن لأن النبي صلى الله عليه وسلم قد زوج بناته وهن أخوات المؤمنين6.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 انظر الأم 5/204, 205.
2 انظر الأم 5/206.
3 سورة الأحزاب: 52.
4 سورة الأحزاب: 50.
5 سورة الأحزاب: 32.
6 انظر الأم 5/207, 208.

الترغيب في النكاح وغيره من الجامع
ومن كتاب النكاح جديد وقديم ومن الإملاء على مسائل مالك.
قال الشافعي رحمه الله: وأحب للرجل والمرأة أن يتزوجا إذا تاقت أنفسهما إليه لأن الله تعالى أمر به ورضيه وندب إليه وبلغنا "أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
"تناكحوا تكثروا فإني أباهي بكم الأمم حتى بالسقط"7 وأنه قال: "من أحب فطرتي فليستن بسنتي ومن سنتي النكاح"8 ويقال: إن الرجل ليرفع بدعاء ولده من بعده قال: ومن لم تتق نفسه إلى ذلك فأحب إلي أن يتخلى لعبادة الله تعالى قال: وقد ذكر الله تعالى {وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ}9 وذكر عبدا أكرمه فقال: {وَسَيِّداً وَحَصُوراً}10 والحصور الذي لا يأتي النساء ولم يندبهن إلى النكاح فدل أن المندوب إليه من يحتاج إليه قال: وإذا أراد أن يتزوج المرأة فليس له أن ينظر إليها حاسرة وينظر إلى وجهها وكفيها وهي متغطية بإذنها وبغير إذنها قال الله تعالى: {وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا}11 قال: الوجه والكفان.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
7 انظر الأم 5/213.
8 انظر الأم 5/213.
9 سورة النور: 60.
10 سورة آل عمران: 39.
11 سورة النور: 31.

 

ص -220-     باب ما علي الأولياء وإنكاح الأب البكر بغير إذنها ووجه النكاح والرجل يتروج أمته ويجعل عتقها صداقها من جامع كتاب النكاح وأحكام القران وكتاب النكاح إملاء على مسائل مالك واختلاف الحديث والرسالة.
قال الشافعي رحمه الله تعالى: فدل كتاب الله عز وجل وسنة نبيه عليه الصلاة والسلام على أن حقا على الأولياء أن يزوجوا الحرائر البوالغ إذا أردن النكاح ودعون إلى رضا قال الله تعالى:
{وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ}1 قال: وهذه أبين آية في كتاب الله تعالى دلالة على أن ليس للمرأة أن تتزوج بغير ولي قال: وقال بعض أهل العلم: نزلت في معقل بن يسار رضي الله عنه وذلك أنه زوج أخته رجلا فطلقها فانقضت عدتها ثم طلب نكاحها وطلبته فقال: زوجتك أختي دون غيرك ثم طلقتها لا أنكحكها أبدا فنزلت هذه الآية2 وروت عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل ثلاثا فإن مسها فلها المهر بما استحل من فرجها فإن اشتجروا أو قال اختلفوا فالسلطان ولي من لا ولي له"3 قال: وفي ذلك دلالات منها: أن للولي شركآ في بضعها لا يتم النكاح إلا به ما لم يعضلها ولا نجد لشركه في بضعها معنى إلا فضل نظره لحياطة الموضع أن ينالها من لا يكافئها نسبه وفي ذلك عار عليه وأن العقد بغير ولي باطل لا يجوز بإجازته وأن الإصابة إذا كانت بشبهة ففيها المهر ودرىء الحد قال: ولا ولاية لوصي لأن عارها لا يلحقه وجمعت الطريق رفقة فيهم امرأة ثيب فولت أمرها رجلا منهم فزوجها فجلد عمر بن الخطاب رضي الله عنه الناكح والمنكح ورد نكاحهما وفي قول النبي صلى الله عليه وسلم: "الأيم أحق بنفسها من وليها والبكر تستأذن في نفسها وإذنها صماتها"4 دلالة على الفرق بين الثيب والبكر في أمرين أحدهما: أن إذن البكر الصمت والتي تخالفها الكلام والآخر أن أمرهما في ولاية أنفسهما مختلف فولاية الثيب أنها أحق من الولي والولي ههنا الأب والله أعلم دون الأولياء ومثل هذا حديث خنساء زوجها أبوها وهي ثيب فكرهت ذلك فرد رسول الله صلى الله عليه وسلم نكاحه وفي تركه أن يقول لخنساء "إلا أن تشائي أن تجيزي ما فعل أبوك"5 دلالة على أنها لو أجازته ما جاز والبكر مخالفة لها لاختلافهما في لفظ النبي صلى الله عليه وسلم ولو كانا سواء كان لفظ النبي صلى الله عليه وسلم أنهما أحق بأنفسهما وقالت عائشة رضي الله عنها: تزوجني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا ابنة سبع سنين ودخل بي وأنا ابنة تسع6 وهي لا أمر لها وكذلك إذا بلغت ولو كانت أحق بنفسها أشبه أن لا يجوز ذلك عليها قبل بلوغها كما قلنا في المولود يقتل أبوه يحبس قاتله حتى يبلغ فيقتل أو يعفو قال:

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 سورة البقرة: 232.
2 انظر الأم 5/21.
3 انظر الأم 5/22, 31, 124.
4 انظر الأم 5/29.
5 انظر الأم 5/29, 249.
6 انظر الأم 5/28, 248.

 

ص -221-     والاستئمار للبكر على استطابة النفس قال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: {وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ}1 لا على أن لأحد رد ما رأى صلى الله عليه وسلم ولكن لاستطابة أنفسهم وليقتدى بسنته فيهم وقد أمر نعيما أن يؤامر أم بنته قال المزني رحمه الله: وروى الشافعي عن الحسن عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل"2 ورواه غير الشافعي عن الحسن عن عمران بن حصين عن النبي صلى الله عليه وسلم واحتج الشافعي بابن عباس أنه قال: "لا نكاح إلا بولي مرشد وشاهدي عدل"3 وأن عمر رد نكاحا لم يشهد عليه إلا رجل وامرأة فقال: أهذا نكاح السر ولا أجيزه ولو تقدمت فيه لرجمت4 وقال عمر رضي الله عنه: لا تنكح المرأة إلا بإذن وليها أو ذي الرأي من أهلها أو السلطان5 قال الشافعي والنساء محرمات الفروج فلا يحللن إلا بما بين رسول الله صلى الله عليه وسلم فبين وليا وشهودا وإقرار المنكوحة الثيب وصمت البكر قال: والشهود على العدل حتى يعلم الجرح يوم وقع النكاح قال: ولو كانت صغيرة ثيب أصيبص بنكاح أو غيره فلا تزوج إلا بإذنها ولا يزوج البكر بغير اذنها ولا يزوج الصغيرة إلا أبوها أو جدها بعد موت أبيها قال: ولو كان المولى عليه يحتاج إلى النكاح زوجه وليه فإن أذن له فجاوز مهر مثلها رد الفضل ولو أذن لعبده فتزوج كان لها الفضل متى عتق وفي إذنه لعبده إذن باكتساب المهر والنفقة إذا وجبت عليه وإن كان مأذونا له في التجارة أعطي مما في يديه ولو ضمن لها السيد مهرها وهو ألف عن العبد لزمه فإن باعها زوجها قبل الدخول بتلك الألف بعينها فالبيع باطل من قبل أن عقدة البيع والفسخ وقعا معا ولو باعها إياه بألف لا بعينها كان البيع جائزا وعليها الثمن والنكاح مفسوخ من قبلها وقبل السيد وله أن يسافر بعبده ويمنعه من الخروج من بيته إلى امرأته وفي مصره إلا في الحين الذي لا خدمة له فيه ولو قالت له أمته: أعتقني على أن أنكحك وصداقي عتقي فأعتقها على ذلك فلها الخيار في أن تنكح أو تدع ويرجع عليها بقيمتها فإن نكحته ورضي بالقيمة التي عليها فلا بأس قال المزني: ينبغي في قياس قوله أن لا يجيز هذا المهر حتى يعرف قيمة الأمة حين أعتقها فيكون المهر معلوما لأنه لا يجيز المهر غير معلوم قال المزني: سألت الشافعي رحمه الله عن حديث "صفية رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم أعتقها وجعل عتقها صداقها"6 فقال: للنبي صلى الله عليه وسلم في النكاح أشياء ليست لغيره.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 سورة آل عمران: 159.
2 انظر الأم 5/249.
3 انظر الأم 5/35, 249.
4 انظر الأم 5/35.
5 انظر الأم 5/250.
6 انظر الأم 5/57 والبيهقي 6/304.

 

ص -222-     اجتماع الولاة وأولاهم وتفرقهم وتزويج المغلوبين على عقولهم والصبيان من الجامع من كتاب ما يحرم الجمع بينه من النكاح القديم وإنكاح أمة المأذون له وغير ذلك.
قال الشافعي ولا ولاية لأحد مع الأب فإن مات فالجد ثم أبو الجد ثم أبو أبي الجد كذلك لأن كلهم أب في الثيب والبكر سواء ولا ولاية بعدهم لأحد مع الإخوة ثم الأقرب فالأقرب من العصبة قال المزني: واختلف قوله في الإخوة فقال في الجديد: من انفرد في درجة بأم كان أولى وقال في القديم: هما سواء قال المزني: قد جعل الأخ للأب والأم في الصلاة على الميت أولى من الأخ للأب وجعله في الميراث أولى من الأخ للأب وجعله في كتاب الوصايا الذي وضعه بخطه لا أعلمه سمع منه إذا أوصى لأقربهم به رحما أنه أولى من الأخ للأب قال المزني: وقياس قوله أنه أولى بإنكاح الأخت من الأخ للأب قال الشافعي رحمه الله: ولا يزوج المرأة ابنها إلا أن يكون عصبة لها قال: ولا ولاية بعد النسب إلا للمعتق ثم أقرب الناس بعصبة معتقها فإن استوت الولاة فزوجها بإذنها دون أسنهم وأفضلهم كفؤا جاز وإن كان غير كفؤ لم يثبت إلا باجتماعهم قبل إنكاحه فيكون حقا لهم تركوه قال: وليس نكاح غير الكفؤ بمحرم فأرده بكل حال إنما هو تقصير عن المزوجة والولاة وليس نقص المهر نقصا في النسب والمهر لها دونهم فهي أولى به منهم ولا ولاية لأحد منهم وثم أولى منه فإن كان أولاهم بها مفقودا أو غائبا بعيدة كانت غيبته أم قريبة زوجها السلطان بعد أن يرضى الخاطب ويحضر أقرب ولاتها وأهل الحزم من أهلها ويقول: هل تنقمون شيئا فإن ذكروه نظر فيه ولو عضلها الولي زوجها السلطان والعضل أن تدعو إلى مثلها فيمتنع قال: ووكيل الولي يقوم مقامه فإن زوجها غير كفؤ لم يجز وولي الكافرة كافر ولا يكون المسلم وليا لكافرة لقطع الله الولاية بينهما بالدين إلا على أمته وإنما صار ذلك له لأن النكاح له تزوج صلى الله عليه وسلم أم حبيبة وولي عقدة نكاحها ابن سعيد بن العاص وهو مسلم وأبو سفيان حي وكان وكيل النبي صلى الله عليه وسلم عمرو بن أمية الضمري1 قال المزني: ليس هذا حجة في إنكاح الأمة ويشبه أن يكون أراد أن لا معنى لكافر في مسلمة فكان ابن سعيد ووكيله صلى الله عليه وسلم مسلمين ولم يكن لأبيها معنى في ولاية مسلمة إذا كان كافرا قال الشافعي فإن كان الولي سفيها أو ضعيفا غير عالم بموضع الحظ أو سقيما مؤلما أو به علة تخرجه من الولاية فهو كمن مات فإذا صلح صار وليا ولو قالت: قد أذنت في فلان فأي ولاتي زوجني فهر جائز فأيهم زوجها جاز وإن تشاحوا أقرع بينهم السلطان ولو أذنت لكل واحد أن يزوجها لا في رجل بعينه فزوجها كل واحد رجلا فقد قال صلى الله عليه وسلم: "إذا أنكح الوليان

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 انظر الأم 5/11, 12, 24, 27.

 

ص -223-     فالأول أحق"1 فإن لم تثبت الشهود أيهما أول فالنكاح مفسوخ ولا شيء لها وإن دخل بها أحدهما على هذا كان لها مهر مثلها وهما يقران أنها لا تعلم مثل أن تكون غائبة عن النكاح ولو ادعيا عليها أنها تعلم أحلفت ما تعلم وإن أقرت لأحدهما لزمها ولو زوجها الولي بأمرها من نفسه لم يجز كما لا يجوز أن يشتري من نفسه قال: ويزوج الأب أو الجد الابنة التي يؤيس من عقلها لأن لها فيه عفافا وغنى وربما كان شفاء وسواء كانت بكرا أوثيبا ويزوج المغلوب على عقله أبوه إذا كانت به إلى ذلك حاجة وابنه الصغير فإن كان مجنونا أو مخبولا كان النكاح مردودا لأنه لا حاجة به إليه وليس لأب المغلوب على عقله أن يخالع عنه ولا يضرب لامرأته أجل العنين لأنها إن كانت ثيبا فالقول قوله أو بكرا لم يعقل أن يدفعها عن نفسه بالقول أنها تمتنع منه ولا يخالع عن المعتوهة ولا يبرىء زوجها من درهم من مالها فإن هربت وامتنعت فلا نفقة لها ولا إيلاء عليه فيها وقيل له: اتق الله فيها فيء أو طلق فإن قذفها أو انتفى من ولدها قيل له: إن أردت أن تنفي ولدها فالتعن فإذا التعن وقعت الفرقة ونفى عنه الولد فإن أكذب نفسه لحق به الولد ولم يعزر وليس له أن يزوج ابنته الصبية عبدا ولا غير كفؤ ولا مجنونا ولا مخبولا ولا مجذوما ولا أبرص ولا مجبوبا وليس له أن يكره أمته على واحد من هؤلاء بنكاح ولا يزوج أحد أحدا ممن به إحدى هذه العلل ولا من لا يطاق جماعها ولا أمة لأنه ممن لا يخاف العنت وينكح أمة المرأة وليها بإذنها وأمة العبد المأذون له في التجارة ممنوعة من السيد حتى يقضي دينا إن كان عليه ويحدث له حجرا ثم هي أمته ولو أراد السيد أن يزوجها دون العبد أو العبد دون السيد لم يكن ذلك لواحد منهما ولا ولاية للعبد بحال ولو اجتمعا على تزويجها لم يجز وقال في باب الخيار من قبل النسب: لو انتسب العبد لها أنه حر فنكحته وقد أذن له سيده ثم علمت أنه عبد أو انتسب إلى نسب وجد دونه وهي فوقه ففيها قولان أحدهما: أن لها الخيار لأنه منكوح بعينه وغرر بشيء وجد دونه والثاني: أن النكاح مفسوخ كما لو أذنت في رجل بعينه فزوجت غيره قال المزني رحمه الله: قد قطع أنه لو وجد دون ما انتسب إليه وهو كفؤ لم يكن لها ولا لوليها الخيار وفي ذلك إبطال أن يكون في معنى من أذنت له في رجل بعينه فزوجت غيره فقد بطل الفسخ في قياس قوله وثبت لها الخيار قال الشافعي ولو كانت هي التي غرته بنسب فوجدها دونه ففيها قولان أحدهما: إن شاء فسخ بلا مهر ولا متعة وإن كان بعد الإصابة فلها مهر مثلها ولا نفقة لها في العدة وإن كانت حاملا والثاني: لا خيار له إن كانت حرة لأن بيده طلاقها ولا يلزمه من العار ما يلزمها قال المزني رحمه الله: قد جعل له الخيار إذا غرته فوجدها أمة كما جعل لها الخيار إذا غرها فوجدته عبدا فجعل معناهما في الخياش بالعرور واحدا ولم يلتفت إلى أن الطلاق إليه ولا إلى أن لا عار فيها عليه وكما جعل لها الخيار بالغرور في نقص النسب عنها وجعله لها في العبد فقياسه أن يجعل له الخيار بالغرور في نقص النسب عنه كما جعله له في الأمة.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 انظر الأم 5/26.

 

ص -224-     المرأة لا تلي عقدة النكاح.
قال الشافعي رحمه الله: قال بعض الناس زوجت عائشة ابنة عبد الرحمن بن أبي بكر وهو غائب بالشام فقال عبد الرحمن: أمثلي يفتات عليه في بناته؟1 قال: فهذا يدل على أنها زوجتها بغير أمره قيل: فكيف يكون أن عبد الرحمن وكل عائشة لفضل نظرها إن حدث حدث أو رأت في مغيبه لابنته حظا أن تزوجها احتياطا ولم ير أنها نأمر بتزويجها إلا بعد مؤامرته ولكن تواطىء وتكتب إليه فلما فعلت قال هذا: وإن كنت قد فوضت إليك فقد كان ينبغي أن لا تفتاتي علي؟ وقد يجوز أن يقول زوجي أي وكلي من يزوج فوكلت قال: فليس لها هذا في الخبر قيل: لا ولكن لا يشبه غيره لأنها روت أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل النكاح بغير ولي باطلا أو كان يجوز لها أن تزوج بكرا وأبوها غائب دون إخوتها أو السلطان قال المزني رحمه الله: معنى تأويله فيما روت عائشة عندي غلط وذلك أنه لا يجوز عنده نكاح المرأة ووكيلها مثلها فكيف يعقل بأن توكل وهي عنده لا يجوز إنكاحها ولو قال أنه أمر من ينفذ رأي عائشة فأمرته فأنكح خرج كلامه صحيحا لأن التوكيل للأب حينئذ والطاعة لعائشة فيصح وجه الخبر على تأويله الذي يجوز عندي لا أن الوكيل وكيل لعائشة رضي الله عنها ولكنه وكيل له فهذا تأويله.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 انظر الأم 5/31.

الكلام الذي ينعقد به النكاح والخطبة قبل العقد من الجامع من كتاب التعريض بالخطبة ومن كتاب ما يحرم الجمع بينه.
قال الشافعي رحمه الله: أسمى الله تبارك و تعالى النكاح في كتابه باسمين: النكاح و التزويج ودلت السنةعلى أن الطلاق يقع بما يشبه الطلاق ولم نجد في كتاب ولا سنة إحلال نكاح إلا بنكاح أو تزويج والهبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم مجمع أن ينعقد له بها النكاح بأن تهب نفسها له بلا مهر وفي هذا دلالة على أنه لا يجوز النكاح إلا باسم التزويج أو النكاح والفرج محرم قبل العقد فلا يحل أبدا إلا بأن يقول الولي: قد زوجتكها أو أنكحتكها ويقول الخاطب: قد قبلت تزويجها أو نكاحها أو يقول الخاطب: زوجنيها ويقول الولي: قد زوجتكها فلا يحتاج في هذا إلى أن يقول الزوج قد قبلت ولو قال: قد ملكتك نكاحها أو نحو ذلك فقبل لم يكن نكاحا وإذا كانت الهبة أو الصدقة تملك بها الأبدان والحرة لا تملك فكيف تجوز الهبة في النكاح؟ فإن قيل: معناها زوجتك قيل فقوله قد أحللتها لك أقرب إلى زوجتكها وهو لا يجيزه قال: وأحب أن يقدم بين يدي خطبته وكل أمر طلبه سوى الخطبة حمد الله تعالى والثناء عليه والصلاة على رسوله عليه الصلاة والسلام والوصية بتقوى الله ثم يخطب وأحب للولي أن يفعل مثل ذلك وأن يقود ما قال ابن عمر: أنكحتك على ما أمر الله به من إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان.

 

ص -225-     ما يحل من الحرائر ولا يتسري العبد وغير ذلك من الجامع من كتاب النكاح وكتاب ابن أبي ليلي والرجل يقتل أمته ولها زوج.
قال الشافعي انتهى الله تعالى بالحرائر إلى أربع تحريما لآن يجمع أحد غير النبي صلى الله عليه وسلم بين أكثر من أربع والآية تدل على أنها على الأحرار بقوله تعالى:
{أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} وملك اليمين لا يكون إلا للأحرار الذين يملكون المال والعبد لا يملك المال قال: فإذا فارق الأربع ثلاثا ثلاثا تزوج مكانهن في عدتهن لأن الله تعالى أحل لمن لا امرأة له أربعا وقال بعض الناس: لا ينكح أربعا حتى تنقضي عدة الأربع لأني لا أجيز أن يجتمع ماؤه في خمس أو في أختين قلت: فأنت تزعم لو خلا بهن ولم يصبهن أن عليهن العدة فلم يجتمع فيهن ماؤه فأبح له النكاح وقد فرق الله تعالى بين حكم الرجل والمرأة فجعل إليه الطلاق وعليها العدة فجعلته يعتد معها ثم ناقضت في العدة قال: وأين؟ قلت: إذ جعلت عليه العدة كما جعلتها عليها أفيجتنب ما تجتنب المعتدة من الطيب و الخروج من المنزل؟ قال: لا قلت: فلا جعلته في العدة بمعناها ولا فرقت بما فرق الله تعالى به بينه وبينها وقد جعلهن الله منه أبعد من الأجنبيات لأنهن لا يحللن له إلا بعد نكاح زوج وطلاقه أو موته وعدة تكون بعده والأجنبيات يحللن له من ساعته قال: ولو قتل المولى أمته أو قتلت نفسها فلا مهر لها وإن باعها حيث لا يقدر عليها فلا مهر لها حتى يدفعها إليه وإن طلب أن يبوئها معه بيتا لم يكن ذلك على السيد قال: ولو وطىء رجل جارية ابنه فأولدها كان عليه مهرها وقيمتها قال المزني: قياس قوله أن لا تكون ملكا لأبيه ولا أم ولد بذلك وقد أجاز أن يزوجه أمته فيولدها فإن لم تكن له بأن يولدها من حلال أم ولد بقيمة فكيف بوطء حرام وليس بشريك فيها فيكون في معنى من أعتق شركا له في أمة وهو لا يجعلها أم ولد للشريك إذا أحبلها وهو معسر وهذا من ذلك أبعد قال: وإن لم يحبلها فعليه عقرها وحرمت على الابن ولا قيمة له بأن حرمت عليه وقد ترضع امرأة الرجل بلبنه جاريته الصغيرة فتحرم عليه ولا قيمة له قال الشافعي وقال الله تعالى: {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ} الآية وفي ذلك دليل أن الله تبارك وتعالى أراد الأحرار لأن العبيد لا يملكون وقال عليه الصلاة والسلام: "من باع عبدا وله مال فماله للبائع إلا أن يشترطه المبتاع"1 فدل الكتاب والسنة أن العبد لا يملك مالا بحال وإنما يضاف إليه ماله كما يضاف إلى الفرس سرجه وإلى الراعي غنمه فإن قيل: فقد روي عن ابن عمر رضي الله عنه أن العبد يتسرى قيل: وقد روي خلافه قال ابن عمررضي الله عنهما: لا يطأ الرجل إلا وليدة إن شاء باعها وإن شاء وهبها وإن شاء صنع بها ما شاء2 قال: ولا يحل أن يتسرى العبد ولا من لم تكمل فيه الحرية بحال ولا يفسخ نكاح.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 انظر الأم 5/70.
2 انظر الأم 5/70.

 

ص -226-     حامل من زنا وأحب أن تمسك حتى تضع وقال رجل للنبي صلى الله عليه وسلم: إن امرأتي لا ترد يد لامس قال: "طلقها" قال: إني أحبها قال: "فأمسكها"1 وضرب عمر بن الخطاب رضي الله عنه رجلا وامرأة في زنا وحرص أن يجمع بينهما فأبى الغلام2.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 انظر الأم 5/20.
2 انظر الأم 5/21, 22.

نكاح العبد وطلاقه من الجامع من كتاب قديم وكتاب جديد وكتاب التعريض.
قال الشافعي رحمه الله: وينكح العبد اثنتين واحتج في ذلك بعمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب3 رضي الله عنهما وقال عمر: يطلق تطليقتين وتعتد الأمة حيضتين4 والتي لا تحيض شهرين أو شهرا ونصفا وقال ابن عمر: إذا طلق العبد امرأته اثنتين حرمت عليه حتى تنكح زوجا غيره5 وعدة الحرة ثلاث حيض والأمة حيضتان وسأل نفيع عثمان وزيدا فقال: طلقت امرأة لي حرة تطليقتين فقالا: حرمت عليك حرمت عليك6 قال الشافعي وبهذا كله أقول وإن تزوج عبد بغير إذن سيده فالنكاح فاسد وعليه مهر مثلها إذا عتق فإن أذن له فنكح نكاحا فاسدا ففيها قولان أخدهما: أنه كإذنه له بالتجارة فيعطي من مال إن كان له وإلا فمتى عتق والآخر: كالضمان عنه فيلزمه أن يبيعه فيه إلا أن يفديه.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
3 انظر الأم 5/67.
4 انظر الأم 5/314, 315.
5 انظر الأم 5/352.
6 انظر الأم 5/6.

باب ما يحرم وما يحل من نكاح الحرائر ومن الإماء والجمع بينهن وغيرذلك من الجامع من كتاب ما يحرم الجمع بينه ومن النكاح القديم ومن الإملاء ومن الرضاع.
قال الشافعي رحمه الله: أصل مما يحرم به النساء ضربان أحدهما: بأنساب والاخر بأسباب من حادث نكاح أو رضاع وما حرم من النسب حرم من الرضاع وحرم الله تعالى الجمع بين الأختين ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تنكح المرأة على عمتها أو خالتها7 ونهى عمر رضي الله عنه عن الأم وابنتها من ملك اليمين8 وقال ابن عمر: وددت أن عمر كان في ذلك أشد مما هو9 ونهت عن ذلك عائشة وقال عثمان في جمع الأختين: أما أنا فلا أحب أن أصنع ذلك10 فقال رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: لو كان إلي من الأمر شيء ثم وجدت رجلا يفعل ذلك لجعلته نكالا قال الزهري: أراه علي بن أبي طالب11 قال الشافعي فإذا تزوج امرأة ثم تزوج عليها أختها أو عمتها أو خالتها وإن بعدت فنكاحها مفسوخ دخل أو لم يدخل ونكاح الأولى.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
7 انظر الأم 5/4.
8 انظر الأم 5/4.
9 انظر الأم 5/4.
10 انظر الأم 5/3.
11 انظر الأم 5/3.

 

ص -227-     ثابت وتحل كل واحدة منهما على الانفراد وإن نكحهما معا فالنكاح مفسوخ وإن تزوج امرأة ثم طلقها قبل أن يدخل بها لم تحل له أمها لأنها مبهمة وحلت له ابنتها لأنها من الربائب وإن دخل بها لم تحل له أمها ولا ابنتها أبدا وإن وطىء أمته لم تحل له أمها ولا ابنتها أبدا ولا يطأ أختها ولا عمتها ولا خالتها حتى يحرمها فإن وطىء أختها قبل ذلك اجتنب التي وطىء آخرا أحببت أن يجتنب الولي حتى يستبرىء الآخرة فإذا اجتمع النكاح وملك اليمين في أختين أو أمة وعمتها أو خالتها فالنكاح ثابت لا يفسخه ملك اليمين كان قبل أو بعد وحرم بملك اليمين لأن النكاح يثبت حقوقا له وعليه ولو نكحهما معا انفسخ نكاحهما ولو اشتراهما معا ثبت ملكهما ولا ينكح أخت امرأته ويشتريها على امرأته ولا يملك امرأته غيره ويملك أمته كيره فهذا من الفرق بينهما ولا بأس أن يجمع الرجل بين المرأة وزوجة أبيها وبين امرأة الرجل وابنة امرأته إذا كانت من غيرها لأنه لا نسب بينهن.

ما جاء في الزنا لا يحرم الحلال من الجامع ومن اليمين مع الشاهد.
قال الشافعي رحمه الله: الزنا لا يحرم الحلال وقاله ابن عباس1 قال الشافعي لأن الحرام ضد الحلال فلا يقاس شيء على ضده قال لي قائل يقول: لو قبلت امرأته ابنه بشهوة حرمت على زوجها أبدا لم قلت لا يحرم الحرام الحلال؟ قلت: من قبل أن الله تعالى إنما حرم أمهات نسائكم ونحوها بالنكاح فلم يجز أن يقاس الحرام بالحلال فقال أجد جماعا وجماعا قلت: جماعا حمدت به وجماعا رجمت به وأحدهما نعمة وجعله الله نسبا وصهرا وأوجب حقوقا وجعلك محرما به لأم امرأتك ولابنتها تسافر بهما وجعل الزنا نقمة في الدنيا بالحد وفي الآخرة بالنار إلا أن يعفو أفتقيس الحرام الذي هو نقمة على الحلال الذي هو نعمة؟ وقلت له: فلو قال لك قائل: وجدت المطلقة ثلاثا تحل بجماع زوج فأحلها بالزنا لأنه جماع كجماع كما حرمت به الحلال لأنه جماع وجماع قال: إذا تخطىء لأن الله تعالى أحلها بإصابة زوج قيل: وكذلك ما حرم الله تعالى في كتابه بنكاح زوج وإصابة زوج قال: أفيكون شيء يحرمه الحلال ولا يحرمه الحرام فأقول به؟ قلت: نعم ينكح أربعا فيحرم عليه أن ينكح من النساء خامسة أفيحرم عليه إذا زنى بأربع شيء من النساء؟ قال: لا يمنعه الحرام مما يمنعه الحلال قال: وقد ترتد فتحرم على زوجها؟ قلت: نعم وعلى جميع الخلق وأقتلها وأجعل مالها فيئا قال: فقد أوجدتك الحرام يحرم الحلال قلت: أما في مثل ما اختلفنا فيه من أمر النساء فلا قال المزني رحمه الله: تركت ذلك لكثرته وأنه ليس بشيء.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 انظر الأم 5/40.

 

ص -228-     نكاح حرائر أهل الكتاب وإمائهم وإماء المسلمين من الجامع ومن كتاب ما يحرم الجمع بينه وغير ذلك.
قال الشافعي رحمه الله: وأهل الكتاب الذين يحل نكاح حرائرهم اليهود والنصارى دون المجوس والصابئون والسامرة من اليهود والنصارى إلا أن يعلم أنهم يخالفونهم في أصل ما يحلون من الكتاب ويحرمون فيحرمون كالمجوس وإن كانوا يجامعونهم عليه ويتأولون فيختلفون فلا يحرمون فإذا نكحها فهي كالمسلمة فيما لها وعليها إلا أنهما لا يتوارثان والحد في قذفها التعزير ويجبرها على الغسل من الحيض والجنابة والتنظيف بالاستحداد وأخذ الأظفار ويمنعها من الكنيسة والخروج إلى الأعياد كما يمنع المسلمة من إتيان المساجد ويمنعها من شرب الخمر وأكل الخنزير إذا كان يتقذر به ومن أكل ما يحل إذا تأذى بريحه وإن ارتدت إلى مجوسية أو إلى غير دين أهل الكتاب فإن رجعت إلى الإسلام أو إلى دين أهل الكتاب قبل انقضاء العدة فهما على النكاح وإن انقضت قبل أن ترجع فقد انقطعت العصمة لأنه يصلح أن يبتدئ.

باب الاستطاعة للحرائر وغير الاستطاعة.
قال الله تعالى:
{وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ} وفي ذلك دليل أنه أراد الأحرار لأن الملك لهم لا يحل من الإماء إلا مسلمة ولا تحل حتى يجتمع شرطان: أن لا يجد طول حرة ويخاف العنت إن لم ينكحها والعنت الزنا واحتج بأن جابر بن عبد الله قال: من وجد صداق امرأة فلا يتزوج أمة1 قال طاوس: لا يحل نكاح الحر الأمة وهو يجد صداق الحرة2 وقال عمرو بن دينار: لا يحل نكاح الإماء اليوم لأنه يجد طولا إلى الحرة3 قال الشافعي فإن عقد نكاح حرة وأمة معا يثبت نكاح الحرة وينفسخ نكاح الأمة وقيل: ينفسخان معا وقال في القديم: نكاح الحرة جائز وكذلك لو تزوج معها أخته من الرضاع كأنها لم تكن قال المزني رحمه الله: هذا أقيس وأصح في أصل قوله لأن النكاح يقوم بنفسه ولا يفسد بغيره فهي في معنى من تزوجها وقسطا معها من خمر بدينار فالنكاح وحده ثابت والقسط الخمر والمهر فاسدان ولو تزوجها ثم أيسر لم يفسده ما بعده وحاجتي من لا يفسخ نكاح إماء غير المسلمات فقال: لما أحل الله بينهما ولا نفقة لها لأنها مانعة له نفسها بالردة وإن ارتدت من نصرانية إلى يهودية أو من يهودية إلى نصرانية لم تحرم4 قول الله تعالى: نكاح الحرة المسلمة دل على نكاح الأمة قلت:

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 انظر الأم 5/15.
2 انظر الأم 5/15.
3 انظر الأم 5/15, 16.
4 هنا كلام ساقط من الأصل.

 

ص -229-     قد حرم الله تعالى الميتة واستثنى إحلالها للمضطر فهل تحل لغير مضطر؟ واستثنى من تحريم المشركات إحلال حرائر أهل الكتاب فهل يجوز حرائر غير أهل الكتاب؟ فلا تحل إماؤهم وإماؤهم غير حراثرهم واشترط في إماء المسلمين فلا يجوز له إلا بالشرط وقلت له: لم لا أحللت الأم كالربيبة وحرمتها بالدخول كالربيبة؟ قال: لأن الأم مبهمة والشرط في الربيبة قلت: فهكذا قلنا في التحريم في المشركات والشرط في التحليل في الحرائر وإماء المؤمنات قال: والعبد كالحر في أن لا يحل له نكاح أمة كتابية وأي صنف حل نكاح حرائرهم حل وطء إمائهم بالملك وما حرم نكاح حرائرهم حرم وطء إمائهم بالملك ولا أكره نكاح نساء أهل الحرب إلا لئلا يفتن عن دينه أو يسترق ولده.

باب التعريض بالخطبة من الجامع من كتاب التعريض بالخطبة وغير ذلك.
قال الشافعي رحمه الله: كتاب الله تعالى يدل على أن التعريض في العدة جائز بما وقع عليه اسم التعريض وقد ذكر1 القسم بعضه والتعريض كثير وهو خلاف التصريح وهو تعريض الرجل للمرأة بما يدلها به على إرادة خطبتها بغير تصريح ونجيبه بمثل ذلك والقرآن كالدليل إذ أباح التعريض والتعريض عند أهل العلم جائز سرا وعلانية على أن السر الذي نهي عنه هو الجماع قال امرؤ القيس:

ألا زعمت بسباسة القوم أنني                        كبرت وأن لا يحسن السر أمثالي

كذبت لقدأصبى عن المرء عرسه                      وأمنع عرسي أن يزني بها الخالي


ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 قوله "وقد ذكر القسم بعضه كذا بالأصل الذي بيدنا ولعل لفظ "القسم" محرفا عن "الأم" أو عن الشافعي وحرر مصححه.

 

ص -230-     باب نكاح المشرك ومن أسلم وعنده أكثر من أربع من هذا ومن كتاب التعريض بالخطبة.
قال الشافعي أخبرنا الثقة أحسبه إسماعيل بن إبراهيم عن معمر عن الزهري "عن سالم بن عبد الله عن أبيه قال: أسلم غيلان بن سلمة وعنده عشر نسوة فقال له النبي صلى الله عليه وسلم:
"أمسك أربعا وفارق سائرهن"1 وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لرجل يقال له الديلمي أو ابن الديلمي أسلم وعنده أختان: "اختر أيتهما شئت وفارق الأخرى"2 وقال لنوفل بن معاوية وعنده خمس: "فارق واحدة وأمسك أربعا" قال: فعمدت إلى أقدمهن ففارقتها"3 قال الشافعي رحمه الله: وبهذا أقول ولا أبالي أكن في عقدة واحدة أو في عقد متفرقة إذا كان من يمسك منهن يجوز أن يبتدىء نكاحها في الإسلام ما لم تنقض العدة قبل اجتماع إسلامهما لأن أبا سفيان وحكيم بن حزام أسلما قبل ثم أسلمت امرأتاهما فاستقرت كل واحدة منهما عند زوجها بالنكاح الأول وأسلمت امرأة صفوان وامرأة عكرمة ثم أسلما فاستقرتا بالنكاح الأول وذلك قبل انقضاء العدة4 قال الشافعي: فإن أسلم وقد نكح أما وابنتها معا فدخل بهما لم تحل له واحدة منهما أبداولو لم يكن دخل بهما قلنا: أمسك أيتهما شئت وفارق الأخرى وقال في موضع آخر: يمسك الابنة ويفارق الأم قال المزني: هذا أولى بقوله عندي وكذا قال في كتاب التعريض بالخطبة وقال أولا كانت الأم أو آخرا قال الشافعي ولو أسلم وعنده أربع زوجات إماء فإن لم يكن معسرا يخاف العنت أو فيهن حرة انفسخ نكاح الإماء وإن كان لا يجد ما يتزوج به حرة ويخاف العنت ولا حرة فيهن اختار واحدة وانفسخ نكاح البواقي ولو أسلم بعضهن بعده فسواء وينتظر إسلام البواقي فمن اجتمع إسلامه وإسلام الزوج قبل مضي العدة كان له الخيار فيهن ولوأسلم الإماء معه وعتقن وتخلفت حرة وقف نكاح الإماء فإن أسلمت الحرة انفسخ نكاح الإماء ولو اختار منهن واحدة ولم تسلم الحرة ثبتت ولو عتقن قبل أن يسلمن كن كمن ابتدىء نكاحه وهن حرائر قال: ولو كان عبد عنده إماء وحرائر مسلمات أو كتابيات ولم يخترن فراقه أمسك اثنتين ولو عتقن قبل إسلامه فاخترن فراقه كان ذلك لهن لأنه لهن بعد إسلامه وعددهن عدد الحرائر فيحصين من حين اخترن فراقه فإن اجتمع إسلامه وإسلامهن في العدة فعددهن عدد حرائر من يوم اخترن فراقه وإلا فعددهن عدد حرائر من يوم أسلم متقدم الإسلام منهما لأن الفسخ من يومئذ وإن لم يخترن فراقه ولا المقام معه خيرن إذا اجتمع إسلامه وإسلامهن معا وإن لم يتقدم إسلامهن قبل إسلامه فاخترن فراقه أو المقام معه ثم أسلمن خيرن حين يسلمن لأنهن اخترن ولا خيار لهن ولو اجتمع إسلامهن وإسلامه وهن إماء ثم أعتقن من ساعتهن ثم اخترن فراقه لم يكن ذلك لهن.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 انظر الأم 5/76, 77.
2 انظر الأم 5/77.
3 انظر الأم 5/77.
4 انظر الأم 5/71.

 

ص -231-     إذ أتى عليهن أقل أوقات الدنيا وإسلامهن وإسلامه مجتمع وكذلك لو كان عتقه وهن معا قال المزني رحمه الله: ليس هذا عندي بشيء قد قطع في كتابين بأن لها الخيار لو أصابها فادعت الجهالة وقال في موضع آخر: إن على السلطان أن يؤجلها أكثر مقامها فكم يمر بها من أوقات الدنيا من حين أعتقت إلى أن جاءت إلى السلطان وقد يبعد ذلك ويقرب إلى أن يفهم عنها ما تقول ثم إلى انقضاء أجل مقامها ذلك على قدر ما يرى فكيف يبطل خيار إماء يعتقن إذا أتى عليهن أقل أوقات الدنيا وإسلامهن وإسلام الزوج مجتمع؟ قال المزني: ولو كان كذلك لما قدرن إذا أعتقن تحت عبد أن يخترن بحال لأنهن لا يقدرن يخترن إلا بحروف وكل حرف منها في وقت غير وقت الآخر وفي ذلك إبطال الخيار قال الشافعي ولو اجتمع إسلامه وإسلام حرتين في العدة ثم عتق ثم أسلمت اثنتان في العدة لم يكن له أن يمسك إلا اثنتين من أي الأربع شاء لا يثبت له بعقد العبودية إلا اثنتان وينكح تمام أربع إن شاء ولوأسلم وأسلم معه أربع فقال: قد فسخت نكاحهن سئل فإن أراد طلاقا فهو ما أراد وإن أراد حله بلا طلاق لم يكن طلاقا وأحلف ولو كن خمسا فأسلمت واحدة في العدة فقال: قد اخترت حبسها حتى قال ذلك لآربع ثبت نكاحهن باختياره وانفسخ نكاح البواقي ولو قال كلما أسلمت واحدة منكن فقد اخترت فسخ نكاحها لم يكن هذا شيئا إلا أن يريد طلاقا فإن اختار إمساك أربع فقد انفسخ نكاح من زاد عليهن قال المزني رحمه الله1: القياس عندي على قوله أنه إذا أسلم وعنده أكثر من أربع وأسلمن معه فقذف واحدة منهن أو ظاهر أو آلى كان ذلك موقوفا فإن اختارها كان عليه فيها ما عليه في الزوجات وإن فسخ نكاحها سقط عنه الظهار والإيلاء وجلد بقذفها قال الشافعي رحمه الله: ولو أسلمن معه فقال: لا أختارحبس حتى يختار وأنفق عليهن من ماله لأنه مانع لهن بعقد متقدم ولا يطلق عليه السلطان كما يطلق على المولى فإن امتنع مع الحبس عزر وحبس حتى يختار وإن مات أمرناهن أن يعتددن الآخر من أربعة أشهر وعشر أو من ثلاث حيض ويوقف لهن الميراث حتى يصطلحن فيه ولو أسلم وعنده وثنية ثم تزوج أختها أو أربعا سواها في عدتها فالنكاح مفسوخ قال المزني: أشبه بقوله إن النكاح موقوف كما جعل نكاح من لم تسلم موقوفا فإن أسلمت في العدة علم أنها لم تزل امرأته وإن انقضت قبل أن تسلم علم أنه لا امرأة له فيصح نكاح الأربع لأنه عقدهن ولا امرأة له قال الشافعي ولوأسلمت قبله ثم أسلم في العدة أو لم يسلم حتى انقضت فلها نفقة العدة في الوجهين جميعا لأنها محبوسة عليه متى شاء أن يسلم كانا على النكاح ولوكان هو المسلم لم يكن لها نفقة في أيام كفرها لأنها المانعة لنفسها منه ولو اختلفا فالقول قوله مع يمينه ولو أسلم قبل الدخول فلها نصف المهر إن كان حلالا ونصف مهر مثلها.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 قوله: "قال المزني: القياس عندي الخ" هذه العبارة ثبتت في بعض النسخ وتأملها مع ما قبلها كتبه مصححه.

 

ص -232-     إن كان حراما ومتعة إن لم يكن فرض لها لأن فسخ النكاح من قبله وإن كانت هي أسلمت قبله فلا شيء لها من صداق في لا غيره لأن الفسخ من قبلها قال: ولوأسلما معا فهما على النكاح وإن قال: أسلم أحدنا قبل صاحبه فالنكاح مفسوخ ولا نصف مهرحتى يعلم فإن تداعيا فالقول قولها مع يمينها لأن العقد ثابت فلا يبطل نصف المهر إلا بأن تسلم قبله وإن قالت: أسلم أحدنا قبل الآخر وقال هو معا فالقول قوله مع يمينه ولا تصدق على فسخ النكاح وفيها قول آخر أن النكاح مفسوخ حتى يتصادقا قال المزني: أشبه بقوله أن لا ينفسخ النكاح بقولها كما لم ينفسخ نصف المهر بقوله قال المزني: وقد قال لو كان دخل بها فقالت: انقضت عدتي قبل إسلامك وقال: بل بعد فلا تصدق على فسخ ما ثبت له من النكاح قال: ولوكانت عنده امرأة نكحها في الشرك بمتعة أو على خيار انفسخ نكاحها لأنه لم ينكحها على الأبد.

باب الخلاف في إمساك الأواخر.
قال الشافعي رحمه الله: واحتججت على من يبطل الأواخر بقول النبي صلى الله عليه وسلم لابن الديلمي وعنده أختان:
"اختر أيتهما شئت وفارق الأخرى"1 وبما قال لنوفل بن معاوية وتخييره غيلان فلو كان الأواخر حراما ما خيره رسول الله صلى الله عليه وسلم وقلت له أحسن حالة أن يعقدوه بشهادة أهل الأوثان قلت: ويروى أنهم كانوا ينكحون في العدة وبغير شهود قال: أجل قلت: وهذا كله فاسد في الإسلام؟ قال: أجل قلت: فلما لم يسأل النبي صلى الله عليه وسلم عن العقد كان عفوا لفوته كما حكم الله ورسوله بعفو الربا إذا فات بقبضه ورد ما بقي لأن الإسلام أدركه كما رد ما جاوز أربعا لأن الإسلام أدركهن معه والعقد كلها لو ابتدأت في الإسلام فاسدة فكيف نظرت إلى فسادها مرة ولم تنظر أخرى؟ فرجع بعض أصحابهم وقال محمد بن الحسن: ما علمت أحدا احتج بأحسن مما احتججت به ولقد خالفت أصحابي فيه منذ زمان وما ينبغي أن يدخل على حديث النبي صلى الله عليه وسلم القياس.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 انظر الأم 5/77.

باب ارتداد أحد الزوجين أو هما ومن شرك إلى شرك من كتاب جامع الخطبة ومن كتاب المرتد ومن كتاب ما يحرم الجمع بينه.
قال الشافعي رحمه الله: واذا ارتدا أو أحدهما منعا الوطء فإن انقضت العدة قبل اجتماع إسلامهما انفسخ النكاح ولها مهر مثلها إن أصابها في الردة فإن اجتمع إسلامهما قبل انقضاء العدة فهما على النكاح ولو هرب مرتدا ثم رجع بعد انقضاء العدة مسلما وادعى أنه أسلم قبلها فأنكرت فالقول قولها مع يمينها قال: ولو لم يدخل بها فارتدت فلا مهر لها لأن الفسخ من قبلها وإن ارتد فلها نصف المهر لأن الفسخ من قبله ولو.

 

ص -233-     كانت تحته نصرانية فتمجست أو تزندقت فكالمسلمة ترتد وقال: في كتاب المرتد حتى ترجع إلى الذي حلت به من يهودية أو نصرانية ومن دان دين اليهود والنصارى من العرب أو العجم غير بني إسرائيل في فسخ النكاح وما يحرم منه أو يحل كأهل الأوثان وقال في كتاب ما يحرم الجمع بينه: من ارتد من يهودية إلى نصرانية أو نصرانية إلى يهودية حل نكاحها لأنها لوكانت من أهل الدين الذي خرجت إليه حل نكاحها وقال في كتاب الجزية: لا ينكح من ارتد عن أصل دين آبائه لأنهم بدلوا بغيره الإسلام فخالفوا حالهم عما أذن بأخذ الجزية منهم عليه وأبيح من طعامهم ونسائهم.

باب طلاق الشرك.
قال الشافعي رحمه الله: واذا أثبت رسول الله صلى الله عليه وسلم نكاح الشرك وأقر أهله عليه في الإسلام لم يجز والله أعلم إلا أن يثبت طلاق الشرك لأن الطلاق يثبت بثبوت النكاح ويسقط بسقوطه فإن أسلما وقد طلقها في الشرك ثلاثا لم تحل له حتى تنكح زوجا غيره ولوتزوجها غيره في الشرك حلت له ولمسلم لو طلقها ثلاثا.

باب عقدة نكاح أهل الذمة من الجامع من ثلاثة كتب.
قال الشافعي رحمه الله: وعقدة أهل الذمة ومهورهم كأهل الحرب فإن نكح نصراني وثنية أو مجوسية أو نكح وثني نصرانية أو مجوسية لم أفسح منه شيئا إذا أسلموا قال: ولا تحل ذبيحة من ولد من وثني ونصرانية ولا من نصراني ووثنية ولا يحل نكاح ابنتهما لأنها ليست كتابية خالصة وقال: وفي كتاب آخر إن كان أبوها نصرانيا حلت وإن كان وثنيا لم تحل لأنها ترجع إلى النسب وليست كالصغيرة يسلم أحد أبويها لأن الإسلام لا يشركه الشرك والشرك يشركه الشرك قال: ولوتحاكموا إلينا وجب أن نحكم بينهم كان الزوج الجائي أو الزوجة فإن لم يكن حكم مضى لم نزوجهم إلا بولي وشهود مسلمين فلو لم يكن لها قريب زوجها الحاكم لأن تزويجه حكم عليها فإذا تحاكموا إلينا بعد النكاح فإن كان مما يجوز ابتداؤه في الإسلام أجزناه لأن عقده قد مضى في الشرك وكذلك ما قبضت من مهر حرام ولو قبضت نصفه في الشرك حراما ثم أسلما فعليه نصف مهر مثلها والنصراني في إنكاح ابنته وابنه الصغيرين كالمسلم.

باب إتيان الحائض ووطء اثنتين قبل الغسل من هذا ومن كتاب عشرة النساء.
قال الشافعي رحمه الله: أمر الله تبارك وتعالى باعتزال الحيض فاستدللنا بالسنة على ما أراد فقلنا: تشد إزارها على أسفلها ويباشرها فوق إزارها حتى يطهرن حتى ينقطع الدم وترى1 الطهر فإذا تطهرن يعني والله أعلم الطهارة التي تحل بها الصلاة الغسل أو.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 انظر الأم 5/136.

 

ص -234-     التيمم قال: وفي تحريمها لأذى المحيض كالدلالة على تحريم الدبر لأن أذاه لا ينقطع وإن وطىء في الدم استغفر الله تعالى ولا يعود وإن كان له إماء فلا بأس أن يأتيهن معا قبل أن يغتسل ولوتوضأ كان أحب إلي وأحب لو غسل فرجه قبل إتيان التي بعدها ولو كن حرائر فحللنه فكذلك.

إتيان النساء في أدبارهن من أحكام القرآن ومن كتاب عشرة النساء.
قال الشافعي رحمه الله: ذهب بعض أصحابنا في إتيان النساء في أدبارهن إلى إحلاله وآخرون إلى تحريمه وروي عن جابربن عبدالله من حديث ثابت أن اليهود كانت تقول: من أتى امرأته في قبلها من دبرها جاء ولده أحول1 فأنزل الله تعالى: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ}2 وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أن رجلا سأله عن ذلك فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "في أي الخربتين أو في أي الخرزتين أو في أي الخصفتين أمن دبرها في قبلها فنعم أم من دبرها في دبرها فلا إن الله لا يستحي من الحق لا تأتوا النساء في أدبارهن"3 قال الشافعي فلست أرخص فيه بل أنهى عنه فأما التلذذ بغير إيلاج بين الأليتين فلا بأس وإن أصابها في الدبر لم يحصنها وينهاه الإمام فإن عاد عزره فان كان في زنا حده وإن كان غاصبا أغرمه المهر وأفسد حجه.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 انظر الأم 5/137.
2 سورة البقرة: 223.
3 انظر الأم 5/137.

باب الشغار وما دخل فيه من أحكام القرآن.
قال الشافعي رحمه الله: واذا أنكح الرجل ابنته أو المرأة تلي أمرها الرجل على أن ينكحه الرجل ابنته أو المرأة تلي أمرها على أن صداق كل واحدة منهما بضع الأخرى ولم يسم لكل واحدة منهما صداقا فهذا الشغار الذي نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مفسوخ ولو سمى لهما أو لأحدهما صداقا فليس بالشغار المنهي عنه والنكاح ثابت والمهر فاسد ولكل واحدة منهما مهر مثلها ونصف مهر إن طلقت قبل الدخول فإن قيل: فقد ثبت النكاح بلا مهر قيل: لأن الله تعالى أجازه في كتابه فأجزناه والنساء محرمات الفروج إلا بما أحلهن الله به فلما نهى عليه الصلاة والسلام عن نكاح الشغار4 لم أحل محرما بمحرم وبهذا قلنا في نكاح المتعة5 والمحرم6 قال: وقلت لبعض الناس: أجزت نكاح الشغار ولم يختلف فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم ورددت نكاح المتعة وقد اختلف فيها عن النبي صلى الله عليه وسلم وهذا تحكم أرأيت إن عورضت فقيل لك نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن تنكح المرأة على خالتها أو على عمتها وهذا اختيار فأجزه فقال: لا يجوز لأن عقده منهي عنه قيل: وكذلك عقد الشغار منهي عنه.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
4 انظر الأم 5/113.
5 انظر الأم 5/117.
6 انظر الأم 5/114.

 

ص -235-     نكاح المتعة والمحلل من الجامع من كتاب النكاح والطلاق ومن الإملاء على مسائل مالك ومن اختلاف الحديث.
قال الشافعي رحمه الله تعالى: أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن عبدالله و الحسن بن محمد بن علي عن أبيهما "عن علي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى يوم خيبرعن نكاح المتعة وأكل لحوم الحمر الأهلية"1 قال: وإن كان حديث عبد العزيز بن عمر عن الربيع بن سبرة ثابتا فهو مبين "أن النبي صلى الله عليه وسلم أحل نكاح المتعة ثم قال:
"هي حرام إلى يوم القيامة"2 قال: وفي القرآن والسنة دليل على تحريم المتعة قال الله تعالى: {إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ}3 فلم يحرمهن الله على الأزواج إلا بالطلاق وقال تعالى: {فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ}4 وقال تعالى: {وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ}5 فجعل إلى الأزواج فرقة من عقدوا عليه النكاح مع أحكام ما بين الأزواج فكان بينا والله أعلم أن نكاح المتعة منسوخ بالقرآن والسنة لأنه إلى مدة ثم نجده ينفسخ بلا إحداث طلاق فيه ولا فيه أحكام الأزواج.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 انظر الأم 5/117.
2 انظر الأم 5/117.
3 سورة الأحزاب: 49.
4 سورة البقرة: 229.
5 سورة النساء: 20.

باب نكاح المحرم.
قال الشافعي رحمه الله تعالى: أخبرنا مالك عن نافع عن نبيه بن وهب عن أبان بن عثمان عن عثمان بن عفان رضي الله عنه "أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
"لا ينكح المحرم ولا ينكح"6 وقال بعض الناس: روينا أن النبي صلى الله عليه وسلم نكح ميمونة رضي الله عنها وهو محرم قلت: رواية عثمان ثابتة ويزيد بن الأصم ابن أختها و سليمان بن يسار عتيقها أو ابن عتيقها يقولان نكحها وهو حلال7 وثالث وهو سعيد بن المسيب وينفرد عليك حديث عثمان الثابت8 وقلت: أليس أعطيتني أنه إذا اختلفت الرواية عن النبي صلى الله عليه وسلم نظرت فيما فعل أصحابه من بعده فأخذت به وتركت الذي يخالفه قال: بلى قلت: فعمر بن الخطاب ويزيد بن ثابت يردان نكاح المحرم9 وقال ابن عمر: لا ينكح المحرم ولا ينكح10 ولا أعلم لهما مخالفا فلم لا قلت به قال الشافعي فإن كان المحرم حاجا فحتى يرمي ويحلق.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
6 انظر الأم 5/114.
7 انظر الأم 5/115.
8 انظر الأم 5/115.
9 انظر الأم 5/116.
10 انظر الأم 5/116.

 

ص -236-     ويطوف بالبيت يوم النحر أو بعده وإن كان معتمرا فحتى يطوف بالبيت ويسعى ويحلق فإن نكح قبل ذلك فمفسوخ والرجعة والشهادة على النكاح ليسا بنكاح.

العيب في المنكوحة من كتاب نكاح الجديد ومن النكاح القديم ومن النكاح والطلاق إملاء على مسائل مالك وغير ذلك.
قال الشافعي رحمه الله تعالى: أخبرنا مالك عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب أنه قال: قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: أيما رجل تزوج امرأة وبها جنون أو جذام أو برص فمسها فلها صداقها وذلك لزوجها غرم على وليها1 وقال أبو الشعثاء: أربع لا يجزن في النكاح إلا أن تسمى: الجنون والجذام والبرص والقرن2 قال الشافعي القرن المانع للجماع لأنها في غير معنى النساء قال: فإن اختار فراقها قبل المسيس فلا نصف مهر ولا متعة وإن اختار فراقها بعد المسيس فصدقته أنه لم يعلم فله ذلك ولها مهر مثلها بالمسيس ولا نفقة عليه في عدتها ولا سكنى ولا يرجع بالمهر عليها ولا على وليها لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال في التي نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل فإن مسها فلها المهر بما استحل من فرجها ولم يرده به عليها وهي التي غرته فهو في النكاح الصحيح الذي للزوج فيه الخيار أولى أن يكون للمرأة وإذا كان لها لم يجز أن يغرمه وليها وقضى عمر بن الخطاب رضي الله عنه في التي نكحت في عدتها أن لها المهر3 قال: وما جعلت له فيه الخيارفي عقد النكاح ثم حدث بها فله الخيار لأن ذلك المعنى قائم فيها لحقه في ذلك وحق الولد قال المزني رحمه الله: وكذلك ما فسخ عقد نكاح الأمة من الطول إذا حدث بعد النكاح فسخه لأنه المعنى الذي يفسخ به النكاح قال الشافعي وكذلك هي فيه فإن اختارت فراقه قبل المسيس فلا مهر ولا متعة فإن لم تعلم حتى أصابها فاختارت فراقه فلها المهر مع الفراق والذي يكون به مثل الرتق بها أن يكون مجبوبا فأخيرها مكانها وأيهما تركه أو وطىء بعد العلم فلا خيار له وقال في القديم: إن حدث به فلها الفسخ وليس له قال المزني: أولى بقوله إنهما سواء في الحديث كما كانا فيه سواء قبل الحديث قال: والجذام والبرص فيما زعم أهل العلم بالطب يعدي ولا تكاد نفس أحد تطيب أن يجامع من هو به ولا نفس امرأة بذلك منه وأما الولد فقلما يسلم فإن سلم أدرك ذلك نسله نسأل الله تعالى العافية والجنون والخبل لا يكون معفما تأدية لحق زوج ولا زوجة بعقل ولا امتناع من محرم وقد يكون من مثله القتل ولوليها منعها من نكاح المجنون كما يمنعها من غيركفء فإن قيل: فهل من حكم بينهما فيه الخيارأو الفرقة؟ قيل: نعم المولى يمتنع من الجماع بيمين لوكانت على غير مأثم كانت طاعة الله أن لا يحنث فأرخص له في الحنث بكفارة اليمين فإن.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 انظر الأم 5/64, 123.
2 انظر الأم 5/124.
3 انظر الأم 5/123.

 

ص -237-     لم يفعل وجب عليه الطلاق والعلم محيط بأن الضرر بمباشرة الأجذم والأبرص والمجنون والمخبول أكثر منها بترك مباشرة المولى ما لم يحنث ولوتزوجها على أنها مسلمة فإذا هي كتابية كان له فسخ النكاح بلا نصف مهر ولوتزوجها على أنها كتابية فإذا هي مسلمة لم يكن له فسخ النكاح لأنها خير من كتابية قال المزني رحمه الله: هذا يدل على أن من اشترى أمة على أنها نصرانية فأصابها مسلمة فليس للمشتري أن يردها وإذا اشتراها على أنها مسلمة فوجدها نصرانية فله أن يردها.

باب الأمة تغر من نفسها من الجامع من كتاب النكاح الجديد ومن التعريض بالخطبة ومن نكاح القديم ومن النكاح والطلاق إملاء على مسائل مالك.
قال الشافعي رحمه الله تعالى: وإذا وكل بتزويج أمته فذكرت والوكيل أو أحدهما أنها حرة فتزوجها ثم علم فله الخيار فإن اختار فراقها قبل الدخول فلا نصف مهر ولا متعة وإن أصابها فلها مهر مثلها كان أكثر مما سمي أو أقل لأن فراقها فسخ ولا يرجع به فإن كانت ولدت فهم أحرار وعليه قيمتهم يوم سقطوا وذلك أول ما كان حكمهم حكم أنفسهم لسيد الأمة ولا يرجع بها على الذي غره إلا بعد أن يغرمها فإن كان الزوج عبدا فولده أحرار لأنه تزوج على أنهم أحرار ولا مهر لها عليه حتى يعتق قال المزني: وقيمة الولد في معناه وهذا يدل على أن لا غرم على من شهد على رجل بقتل خطأ أو بعتق حتى يغرم للمشهود له قال الشافعي رحمه الله: وإن كانت هي الغارة رجع عليها به إذا أعتقت إلا أن تكون مكاتبة فيرجع عليها في كتابتها لأنها كالجناية فإن عجزت فحتى تعتق فإن ضر بها أحد فألقت جنينا ففيه ما في جنين الحرة قال المزني رحمه الله: قد جعل الشافعي جنين المكاتبة كجنين الحرة إذا تزوجها على أنها حرة.

الأمة تعتق وزوجها عبد من كتاب قديم ومن إملاء وكتاب نكاح وطلاق إملاء على مسائل مالك.
قال الشافعي رحمه الله: أخبرنا مالك عن ربيعة عن القاسم بن محمد "عن عائشة رضي الله عنها أن بريرة أعتقت فخيرها رسول الله صلى الله عليه وسلم"1 قال: وفي ذلك دليل على أن ليس بيعها طلاقها إذ خيرها رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد بيعها في زوجها وروي عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: كان عبدا2 وعن ابن عباس أنه كان عبدا يقال له مغيث كأني أنظر إليه يطوف خلفها يبكي ودموعه تسيل على لحيته3 فقال النبي صلى الله عليه وسلم للعباس رضي الله عنه:
"يا عباس ألا تعجب من حب مغيث بريرة ومن بغض بريرة مغيثا؟ فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: "لو راجعته فإنما هو أبو ولدك" فقالت: يا رسول الله بأمرك قال: "إنما أنا شفيع" قالت:

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 انظر الأم 5/122, 176.
2 انظر الأم 5/178.
3 انظر الأم 5/170.

 

ص -238-     فلا حاجة لي فيه"1 وعن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال كان عبدا2 قال الشافعي رحمه الله: ولا يشبه العبد الحر لأن العبد لا يملك نفسه ولأن للسيد إخراجه عنها ومنعه منها ولا نفقة عليه لولدها ولا ولاية ولا ميراث بينهما فلهذا والله أعلم كان لها الخيار إذا أعتقت ما لم يصبها زوجها بعد العتق ولا أعلم في تأقيت الخيار شيئا يتبع إلا قول حفصة زوج النبي صلى الله عليه وسلم ما لم يمسها قال: فإن أصابها فادعت الجهالة ففيها قولان أحدهما: أن لا خيار لها والآخر لها الخيار وهذا أحب إلينا قلت أنا: وقد قطع بأن لها الخيار في كتابين ولا معنى فيها لقولين قال الشافعي فإن اختارت فراقه ولم يمسها فلا صداق لها فإن أقامت مه فالصداق للسيد لأنه وجب بالعقد ولو كانت في عدة طلقة فلها الفسخ وإن تزوجها بعد ذلك فهي على واحدة وعلى السلطان أن لا يؤجلها أكثر من مقامها فإن كانت صبية فحتى تبلغ ولا خيار لأمة حتى تكمل فيها الحرية ولو أعتق قبل الخيار فلا خيار لها.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 انظر الأم 5/170.
2 انظر الأم 5/178.

أجل العنين والخصي غيرالمجبوب والخنثي من الجامع من كتاب قديم ومن كتاب التعريض بالخطبة.
قال الشافعي رحمه الله تعالى: أخبرنا سفيان بن عيينة عن معمر عن الزهري عن ابن المسيب عن عمر رضي الله عنه أنه أجل العنين سنة3 قال: ولا أحفظ عمن لقيته خلافا في ذلك فإن جامع وإلا فرق بينهما وإن قطع من ذكره فبقي منه ما يقع موقع الجماع أوكان خنثى يبول من حيث يبول الرجال أوكان يصيب غيرها ولا يصيبها فسألت فرقته أجلته سنة من يوم ترافعا إلينا قال: فإن أصابها مرة واحدة فهي امرأته ولا تكون إصابتها إلا بأن يغيب الحشفة أو ما بقي من الذكر في الفرج فإن لم يصبها خيرها السلطان فإن شاءت فراقه فسخ نكاحها بغير طلاق لأنه إليها دونه فإن أقامت معه فهو ترك لحقها فإن فارقها بعد ذلك ثم راجعها في العدة ثم سألت أن يؤجل لم يكن ذلك لها قال المزني: وكيف يكون عليها عدة ولم تكن إصابة وأصل قوله: لو استمتع رجل بامرأة وقالت لم يصبني وطلق فلها نصف المهر ولا عدة عليها؟ قال الشافعي ولو قالت لم يصبني وقال قد أصبتها فالقول قوله لأنها تريد فسخ نكاحها وعليه اليمين فإن نكل وحلفت فرق بينهما وإن كانت بكرا أريها أربعا من النساء عدولا وذلك دليل على صدقها فإن شاء أحلفها ثم فرق بينهما فإن نكلت وحلف أقام معها وذلك أن العذرة قد تعود فيما يزعم أهل الخبرة بها إذا لم يبالغ في الإصابة قال الشافعي وللمرأة الخيار في المجبوب وغير المجبوب من ساعتها لأن المجبوب لا يجامع أبدا والخصي ناقص عن الرجال وإن كان له ذكر إلا أن تكون علمت فلا خيار لها وإن لم يجامعها الصبي أجل قال المزني: معناه عندي صبي قد بلغ أن.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
3 انظر الأم 5/64.

 

ص -239-     يجامع مثله قال الشافعي فإن كان خنثى يبول من حيث يبول الرجل فهو رجل يتزوج امرأة وإن كانت هي تبول من حيث تبول المرأة فهي امرأة تتزوج رجلا وإن كان مشكلا لم يزوج وقيل له أنت أعلم بنفسك فأيهما شئت أنكحناك عليه ثم لا يكون لك غيره أبدا قال المزني: فبأيهما تزوج وهومشكل كان لصاحبه الخيار لنقصه قياسا على قوله في الخصي له الذكر إن لها فيه الخيار لنقصه.

الإحصان الذي به يرجم من زنى من كتاب التعريض بالخطبة وغيرذلك.
قال الشافعي رحمه الله تعالى: فإذا أصاب الحر البالغ أو أصيبت الحرة البالغة فهو إحصان في الشرك وغيره لأن النبي صلى الله عليه وسلم رجم يهوديين زنيا فلوكان المشرك لا يكون محصنا كما قال بعض الناس لما رجم صلى الله عليه وسلم غير محصن.

صداق مختصر من الجامع من كتاب الصداق ومن كتاب النكاح ومن كتاب اختلاف مالك والشافعي.
قال الشافعي رحمه الله تعالى: ذى الله الصداق والأجر في كتابه وهو المهر قال الله تعالى:
{لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً}1 فدل على أن عقدة النكاح بالكلام وأن ترك الصداق لا يفسدها فلو عقد بمجهول أو بحرام ثبت النكاح ولها مهر مثلها وفي قوله تعالى: {وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَاراً}2 دليل على أن لا وقت للصداق يحرم به لتركه النهي عن التكثير وتركه حد القليل وقال صلى الله عليه وسلم: "أدوا العلائق" قيل: يا رسول الله وما العلائق؟ قال: "ما تراضى به الأهلون"3 قال: ولا يقع اسم علق إلى على ما له قيمة وان قلت مثل الفلس وما أشبهه وقال صلى الله عليه وسلم لرجل: "التمس ولو خاتما من حديد" فالتمس فلم يجد شيئا فقال: "هل معك شيء من القرآن؟" قال: نعم سورة كذا وسورة كذا فقال: "قد زوجتكها بما معك من القرآن"4 وبلغنا "أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من استحل بدرهم فقد استحل"5 وأن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: في ثلاث قبضات زبيب مهر6 وقال ابن المسيب: لو أصدقها سوطا جاز7 وقال ربيعة: درهم قال: قلت وأقل؟ قال: ونصف درهم قال: قلت له فأقل؟ قال: نعم وحبة حنطة أو قبضة حنطة8 قال الشافعي فما جاز أن يكون ثمنا لشيء أو مبيعا بشيء أو أجرة لشيء جاز إذا كانت المرأة مالكة لأمرها.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 سورة البقرة: 236.
2 سورة النساء: 20.
3 انظر الأم 5/91.
4 انظر الأم 5/92.
5 انظر الأم 5/92.
6 انظر الأم 5/92.
7 انظر الأم 5/101.
8 انظر الأم 5/102.

 

ص -240-     الجعل والإجارة من الجامع مق كتاب الصداق وكتاب النكاح من أحكام القرآن ومن كتاب النكاح القديم.
قال الشافعي رحمه الله تعالى: وإذا أنكح صلى الله عليه وسلم بالقرآن فلو نكحها على أن يعلمها قرآنا أو يأتيها بعبدها الابق فعلمها أو جاءها بالآبق ثم طلقها قبل الدخول رجع عليها بنصف أجر التعليم قال المزني: وبنصف أجر المجيء بالآبق فإن لم يعلمها أو لم يأتها بالابق رجعت عليه بنصف مهر مثلها لأنه ليس له أن يخلو بها يعلمها قال المزني وكذا لو قال: نكحت على خياطة ثوب بعينه فهلك الثوب فلها مهر مثلها وهذا أصح من قوله: لومات رجعت في ماله بأجر مثله في تعليمه.

صداق ما يزيد ببدنه وينقص من الجامع وغير ذلك من كتاب الصداق ونكاح القديم ومن اختلاف الحديت ومن مسائل شتي.
قال الشافعي رحمه الله: وكل مما أصدقها فملكته بالعقدة وضمنته بالدفع فلها زيادته وعليها نقصانه فإن أصدقها أمة أو عبدا صغيرين فكبرا أو أعميين فأبصرا ثم طلقها قبل الدخول فعليها نصف قيمتهما يوم قبضهما إلا أن تشاء دفعهما زائدين فلا يكون له إلا ذلك إلا أن تكون الزيادة غيرتهما بأن يكونا كبرا كبرا بعيدا فالممغيريصلح لما لا يصلح له الكبير فيكون له نصف قيمتهما وإن كانا ناقصين فله نصف قيمتهما إلا أن يشاء أن يأخذهما ناقصين فليس لها منعه إلا أن يكونا يصلحان لما لا يصلح له الصغير في نحوذلك وهذا كله ما لم يقض له القاضي بنصفه فتكون هي حينئذ ضامنة لما أصابه في يديها فإن طلقها والنخل مطلعة فأراد أخذ نصفها بالطلع لم يكن له ذلك وكانت كالجارية الحبلى والشاة الماخص ومخالفة لهما في أن الأطلاع لا يكون مغيرا للنخل عن حالها فإن شاءت أن تدفع إليه نصفها فليس له إلا ذلك وكذلك كل شجر إلا أن يرقل الشجر فيصير قحاما فلا يلزمه وليس لها ترك الثمرة على أن تستجنيها ثم تدفع إليه نصف الشجر لا يكون حقه معجلا فتؤخره إلا أن يشاء ولو أراد أن يؤخرها إلى أن تجد الثمرة لم يكن ذلك عليها وذلك أن النخل والشجر يزيدان إلى الجداد وأنه لما طلقها وفيها الزيادة كان محولا دونها وكانت هي المالكة دونه وحقه في قيمته قال المزني: ليس هذا عندي بشيء لأنه يجيز بيع النخل قد أبرت فيكون ثمرها للبائع حتى يستجنيها والنخل للمشتري معجلة ولو كانت مؤخرة ما جاز بيع عين مؤخرة فلما جازت معجلة والثمر فيها جازرد نصفها للزوج معجلا والثمر فيها وكان رد النصف في ذلك أحق بالجواز من الشراء فإن جاز ذلك في الشراء جاز في الرد قال الشافعي وكذلك الأرض تزرعها أو تغرسها أو تحرثها قال المزني: الزرع مضر بالأرض منقص لها وإن كان لحصاده غاية فله الخيار في قبول نصف الأرض منتقصة أو القيمة والزرع لها وليس ثمر النخل مضرا بها فله نصف النخل والثمر لها وأما الغراس فليس بشبيه لهما لأن لهما غاية يفارقان فيها مكانهما من جداد وحصاد وليس كذلك الغراس لأنه ثابت في الأرض فله نصف قيمتها.

 

ص -241-     وأما الحرث فزيادة لها فليس عليها أن تعطيه نصف ما زاد في ملكها إلا أن تشاء وهذا عندي أشبه بقوله وبالله التوفيق قال الشافعي ولو ولدت الأمة في يديه أو نتجت الماشية فنقصت عن حالها كان الولد لها دونه لأنه حدث في ملكها فإن شاءت أخذت أنصافها ناقصة وإن شاءت أخذت أنصاف قيمتها يوم أصدقها قال المزني: هذا قياس قوله في أول باب ما جاء في الصداق في كتاب الأم وهو خطأ على أصله قال الشافعي فإن أصدقها عرضا بعينه أو عبدا فهلك قبل أن يدفعه فلها قيمته يوم وقع النكاح فإن طلبته فمنعها فهو غاصب وعليه أكثر ما كان قيمة قال المزني: قد قال في كتاب الخلع لو أصدقها دارا فاحترقت قبل أن تقبضها كان لها الخيار في أن ترجع بمهر مثلها أو تكون لها العرصة بحصتها من المهر وقال فيه أيضا: لوخلعها على عبد بعينه فمات قبل أن يقبضه رجع عليها بمهر مثلها كما يرجع لو اشتراه منها فمات رجع بالثمن الذي قبضت قال المزني: هذا أشبه بأصله لأنه يجعل بدل النكاح وبدل الخلع في معنى بدل البيع المستهلك فإذا بطل البيع قبل أن يقبض وقد قبض البدل واستهلك رجع بقيمة المستهلك وكذلك النكاح والخلع إذا بطل بدلهما رجع بقيمتهما وهو مهر المثل كالبيع المستهلك قال: ولو جعل ثمر النخل في قوارير وجعل عليها صقرا من صقر نخلها كان لها أخذه ونزعه من الموارير فإذا كان إذا نزع فسد ولم يبق منه شيء ينتفع به كان لها الخيار في أن تأخذه أو تأخذ منه مثله ومثل صقره إن كان له مثل أو قيمته إن لم يكن له مثل ولو ربه برب من عنده كان لها الخيار في أن تأخذه وتنزع ما عليه من الرب أو تأخذ مثل التمر إذا كان إذا خرج من الرب لا يبقى يابسا بقاء التمر الذي لم يصبه الرب أويتغيرطعمه قال: وكل ما أصيب في يديه بفعله أو غيره فهوكالغاصب فيه إلا أن تكون أمة فيطأها فتلد منه قبل الدخول ويقول: كنت أراها لا تملك إلا نصفها حتى أدخل فيقوم الولد عليه يوم سقط ويلحق به ولها مهرها وإن شاءت أن تسترقها فهي لها وإن شاءت أخذت قيمتها منه أكثرما كانت قيمة ولا تكون أم ولد له وإنما جعلت لها الخيار لأن الولادة تغيرها عن حالها يوم أصدقها قال المزني: وقد قال ولو آصدقها عبدا فأصابت به عيبا فردته أن لها مهر مثلها وهذا بقوله أولى قال المزني: وإذا لم يختلف قوله أن لها الرد كالرد في البيع بالعيب فلا يجوز أخذ قيمة ما ردت في البيع وإنما ترجع إلى ما دفعت فإن كان فائتا فقيمته وكذلك البضع عنده كالمبيع الفائت ومما يؤكد ذلك أيضا قوله في الخلع: لو خلعها بعبد فأصاب به عيبا أنه يرده ويرجع بمهر مثلها فسوى في ذلك بينه وبينها وهذا بقوله أولى قال الشافعي ولو أصدقها شقصا من دار ففيه الشفعة بمهر مثلها لأن التزويج في عامة حكمه كالبيع واختلف قوله في الرجل يتزوجها بعبد يساوي ألفا على أن زادته ألفا ومهر مثلها يبلغ ألفا فأبطله في أحد القولين وأجازه في الاخر وجعل ما أصاب قدر المهر من العبد مهرا وما أصاب قدر الألف من العبد مبيعا قال المزني: أشبه عندي بقوله أن لا يجيزه لأنه لا يجيز البيع إذا كان في عقده كراء ولا الكتابة إذا كان في عقدها بيع ولو أصدقها عبدا فدبرته ثم طلقها قبل الدخول لم يرجع في نصفه لأن الرجوع لا يكون إلا بإخراجها إياه من ملكها قال.

 

ص -242-     المزني: قد أجاز الرجوع في كتاب التدبير بغير إخراج له من ملكه وهو بقوله أولى قال المزني: إذا كان التدبير وصية له برقبته فهو كما لو أوصى لغيره برقبته مع أن رد نصفه إليه إخراج من الملك قال الشافعي ولوتزوجها على عبد فوجد حرا فعليه قيمته قال المزني: هذا غلط وهويقول لو تزوجها بشيء فاستحق رجعت إلى مهر مثلها ولم تكن لها قيمته لأنها لم تملكه فهي من ملك قيمة الحر أبعد قال الشافعي وإذا شاهد الزوج الولي والمرأة أن المهر كذا ويعلن أكثر منه فاختلف قوله في ذلك فقال في موضع السر وقال في غيره العلانية وهذا أولى عندي لأنه إنما ينظر إلى العقود وما قبلها وعد قال الشافعي وإن عقد عليه النكاح بعشرين يوم الخميس ثم عقد عليه يوم الجمعة بثلاثين وطلبتهما معا فهما لها لأنهما نكاحان قال المزني رحمه الله: للزوج أن يقول كان الفراق في النكاح الثاني قبل الدخول فلا يلزمه إلا مهر ونصف في قياس قوله قال الشافعي ولو أصدق أربع نسوة ألفا قسمت على قدر مهورهن كما لو اشترى أربعة أعبد في صفقة فيكون الثمن مقسوما على قدر قيمتهم قال المزني رحمه الله: نظيرهن أن يشتري من أربع نسوة من كل واحدة عبدا بثمن واحد فتجهل كل واحدة منهن ثمن عبدها كما جهلت كل واحدة منهن مهر نفسها وفساد المهر بقوله أولى قال الشافعي رحمه الله: ولو أصدق عن ابنه ودفع الصداق من ماله ثم طلق فللابن النصف كما لو وهبه له فقبضه ولوتزوج المولى عليه بغير أمر وليه لم يكن له أن يجيز النكاح وإن أصابها فلا صداق لها ولا شيء تستحل به إذا كنت لا أجعل عليه في سلعة يشتريها فيتلفها شيئا لم أجعل عليه بالإصابة شيئا.

باب التفويض من الجامع من كتاب الصداق ومن النكاح القديم ومن الإملاء علي مسائل مالك.
قال الشافعي رحمه الله تعالى: التفويض الذي من تزوج به عرف أنه تفويض أن يتزوج الرجل المرأة الثيب المالكة لأمرها برضاها ويقول لها: أتزوجك بغير مهر فالنكاح في هذا ثابت فإن أصابها فلها مهر مثلها وإن لم يصبها حتى طلقها فلها المتعة وقال في القديم: بدلا من العقدة ولا وقت فيها واستحسن بقدر ثلاثين درهما أو ما رأى الولي بقدر الزوجين فإن مات قبل أن يسمي مهرا أو ماتت فسواء وقد "روي عن النبي صلى الله عليه وسلم بأبي هو وأمي أنه قضى في بروع بنت واشق ونكحت بغير مهر فمات زوجها فقضى لها بمهر نسائها وبالميراث"1 فإن كان يثبت فلا حجة في قول أحد دون النبي صلى الله عليه وسلم يقال مرة عن معقل بن يسار ومرة عن معقل بن سنان ومرة عن بعض بني أشجع وإن لم يثبت فلا مهر ولها الميراث2 وهو قول علي3 وزيد4 وابن عمر5 قال: ومتى طلبت المهر فلا يلزمه إلا أن يفرضه السلطان لها أويفرضه هولها بعد علمها بصداق مثلها فإن فرضه فلم ترضه حتى فارقها لم يكن إلا ما اجتمعا عليه فيكون كما.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 انظر الأم 5/102.
2 انظر الأم 5/102.
3 انظر الأم 5/102.
4 انظر الأم 5/102.
5 انظر الأم 5/102.

 

ص -243-     لو كان في العقدة وقد يدخل في التفويض وليس بالتفويض المعروف وهو مخالف لما قبله وهوأن تقول له: أتزوجك على أن تفرض لي ما شئت أنت أو شئت أنا فهذا كالصداق الفاسد فلها مهر مثلها قال المزني رحمه الله: هذا بالتفويض أشبه.

تفسير مهر مثلها من الجامع من كتاب الصداق وكتاب الإملاء على مسائل مالك.
قال الشافعي رحمه الله: ومتى قطت لها مهر نسائها فإنما أعني نساء عصبتها وليس أمها من نسائها وأعني نساء بلدها ومهر من هو في مثل سنها وعقلها وحمقها وجمالها وقبحها وشرها وعسرها وأدبها وصراحتها وبكرا كانت أوثيبا لأن المهور بذلك تختلف وأجعله نقدا كله لأن الحكم بالقيمة لا يكون بدين فإن لم يكن لها نسب فمهر أترب الناس منها شبها فيما وصفت وإن كان نساؤها إذا نكحن في عشائرهن خففن خففت في عشيرتها.

الاختلاف في المهرمن كتاب الصداق.
قال الشافعي رحمه الله: وإذا اختلف الزوجان في المهر قبل الدخول أو بعده تحالفا ولها مهر مثلها وبدأت بالرجل وهكذا الزوج وأبو الصبية البكر وورثة الزوجين أو أحدهما والقول قول المرأة ما قبضت مهرها لأنه حق من الحقوق فلا يزول إلا بإقرار الذي له الحق ومن إليه الحق فإن قالت المرأة: الذي قبضت هدية وقال: بل هو مهر فقد أقرب بمال وادعت ملكه فالقول قوله قال: ويبرأ بدفع المهر إلى أبي البكر صغيرة كانت أو كبيرة التي يلي أبوها بضعها ومالها.

الشرط في المهر من كتاب الصداق ومن كتاب الطلاق ومن الإملاء على مسائل مالك.
قال الشافعي رحمه الله: وإذا عقد النكاح بألف على أن لأبيها ألفا فالمهر فاسد لأن الألف ليس بمهر لها ولايحق له باشتراطه إياه ولو نكح امرأة على ألف وعلى أن يعطي أباها ألفا كان جائزا ولها منعه وأخذها منه لأنها هبة لم تقبض أو وكالة ولوأصدقها ألفا على أن لها أن تخرج أو على أن لا يخرجها من بلدها أو على أن لا ينكح عليها أولا يتسرى أو شرطت عليه منع ماله أن يفعله فلها مهر مثلها في ذلك كله فإن كان قد زادها على مهر مثلها وزادها الشرط أبطلت الشرط ولم أجعل لها الزيادة لفساد عقد المهر بالشرط ألا ترى لو اشترى عبدا بمائة دينار وزق خمر فمات العبد في يد المشتري ورضي البائع أن يأخذ المائة ويبطل الزق الخمر لم يكن له ذلك لأنه الثمن انعقد بما لا يجوز فبطل وكانت له قيمة العبد و لو أصدقها دارا واشترط له أو لهما الخيار فيها كان المهر فاسدا قال: ولوضمن نفقتها أبو الزوج عشر سنين في كل سنة كذا لم يجز ضمان ما لم يجب وأنه مرة أقل ومرة أكثر وكذلك لو قال: ضمنت لك ما داينت به فلانا أو ما وجب لك عليه لأنه ضمن ما لم يكن وما يجهل.

 

ص -244-     عفو المهر وغير ذلك من الجامع ومن كتاب الصداق ومن الإملاء على مسائل مالك.
قال الشافعي رحمه الله: قال الله تعالى:
{فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ}1 قال: والذي بيده عقدة النكاح الزوج وذلك أنه إنما يعفو من ملك فجعل لها مما وجب لها من نصف المهر أن تعفو وجعل له أن يعفو بأن يتم لها الصداق وبلغنا عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن الذي بيده عقدة النكاح الزوج2 وهو قول شريح وسعيد بن جبير وروي عن ابن المسيب وهو قول مجاهد3 قال الشافعي رحمه الله: فأما أبو البكر وأبو المحجور عليه فلا يجوز عفوهما كما لا تجوز لهما هبة أموالهما وأي الزوجين عفا عما في يديه فله الرجوع قبل الدفع أو الرد والتمام أفضل قال: ولو وهبت له صداقها ثم طلقها قبل أن يمسها ففيها قولان أحدهما: يرجع عليها بنصفه والآخر: لا يرجع عليها بشيء ملكه قال المزني رحمه الله: وقال في كتاب القديم: لا يرجع إذا قبضته فوهبته له أو لم تقبضه لأن هبتها له إبراء ليس كاستهلاكها إياه لووهبته لغيره فبأي شيء يرجع عليها فيما صار إليه؟ قال: وكذلك إن أعطاها نصفه ثم وهبت له النصف الآخر ثم طلقها لم يرجع بشيء ولا أعلم قولا غير هذا إلا أن يقول قائل هبتها له كهبتها لغيره والأول عندنا أحسن والله أعلم ولكل وجه قال المزني: والأحسن أولى به من الذي ليس بأحسن والقياس عندي على قوله ما قال في كتاب الإملاء إذا وهبت له النصف أن يرجع عليها بنصف ما بقي قال الشافعي رحمه الله: وإن خالعته بشيء مما عليه من المهر فما بقي فعليه نصفه قال المزني: هذا أشبه بقوله لأن النصف مشاع فيما قبضت وبقي قال: فأما في الصداق غير المسمى أو الفاسد فالبراءة في ذلك باطلة لأنها أبرأته مما لا تعلم قال: ولو قبضت الفاسد ثم ردته عليه كانت البراءة باطلة ولها مهر مثلها إلا أن يكون بعد معرفة المهر أو يعطيها ما تستيقن أنه أقل وتحلله مما بين كذا إلى كذا أو يعطيها أكثر ويحللها مما بين كذا إلى كذا.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 سورة البقرة: 237.
2 انظر الأم 5/110.
3 انظر الأم 5/110.

باب الحكم في الدخول وإغلاق الباب وإرخاءالستر من الجامع ومن كتاب عشرة النساء ومن كتاب الطلاق القديم.
قال الشافعي رحمه الله: وليس له الدخول بها حتى يعطيها المال فإن كان كله دينا فله الدخول بها وتؤخريوما ونحوه لتصلح أمرها ولا يجاوز بها ثلاثا إلا أن تكون صغيرة لا تحتمل الجماع فيمنعه أهلها حتى تحتمل والصداق كالدين سواء وليس عليه دفع صداقها ولا نفقتها حتى تكون في الحال التي يجامع مثلها ويخلى بينها وبينه وإن كانت بالغة فقال:

 

ص -245-     لا أدفع حتى تدخلوها وقالوا: لا ندخلها حتى تدفع فأيهما تطوع أجبرت الآخر فإن امتنعوا معا أجبرت أهلها على وقت يدخلونها فيه وأخذت الصداق من زوجها فإذا دخلت دفعته إليها وجعلت لها النفقة إذا قالوا: ندفعها إليه إذا دفع الصداق إلينا وإن كانت نضوا أجبرت على الدخول إلا أن يكون من مرض لا يجامع فيه مثلها فتمهل وإن أفضاها فلم تلتئم فعليه ديتها ولها المهر كاملا ولها منعه أن يصيبها حتى تبرأ البرء الذي إن عاد لم ينكأها ولم يزد في جرحها والقول في ذلك قولها فإن دخلت عليه فلم يمسها حتى طلقها فلها نصف المهر لقوله الله تعالى: {وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ}1 فإن احتج محتج بالأثر عن عمررضي الله عنه في إغلاق الباب وإرخاء الستر أنه يوجب المهر فمن قول عمر ما ذنبهن لو جاء بالعجز من قبلكم؟2 فأخبر أنه يجب إذا خلت بينه وبين نفسها كوجوب الثمن بالقبض وإن لم يغلق بابا ولم يرخ سترا قال: وسواء طال مقامه معها أو قصر لا يجب المهر والعدة إلا بالمسيس نفسه قال المزن رحمه الله: قد جاء عن ابن مسعود وابن عباس3 معنى ما قال الشافعي وهو ظاهر القرآن.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 سورة البقرة: 237.
2 الأثر أخرجه البيهقي 7/255.
3 الأثر أخرجه البيهقي 7/255.

باب المتعة من كتاب الطلاق قديم وجديد.
قال الشافعي رحمه الله: جعل الله المتعة للمطلقات وقال ابن عمر: لكل مطلقة متعة إلا التي فرض لها ولم يدخل بها فحسبها نصف المهر4 قال: فالمتعة على كل زوج طلق ولكل زوجة إذا كان الفراق من قبله أو يتم به مثل أن يطلق أو يخالع أو يملك أو يفارق وإذا كان الفراق من قبله فلا متعة لها ولا مهر أيضا لأنها ليست بمطلقة وكذلك إذا كانت أمة فباعها سيدها من زوجها فهو أفسد النكاح ببيعه إياها منه فأما الملاعنة فإن ذلك منه ومنها ولأنه إن شاء أمسكها فهي كالمطلقة وأما امرأة العنين فلو شاءت أقامت معه ولها عندي متعة والله أعلم قال المزني رحمه الله: هذا عندي غلط عليه وقياس قوله لا حق لها لأن الفراق من قبلها دونه.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
4 انظر الأم 5/103.

الوليمة والنثر من كتاب الطلاق إملاء على مسائل مالك.
قال الشافعي رحمه الله: الوليمة التي تعرف وليمة العرس وكل دعوة على إملاك أو نفاس أو ختان أو حادث سرور فدعي إليها رجل فاسم الوليمة يقع عليها ولا أرخص في تركها ومن تركها لم يبن لي أنه عاص كما يبين لي في وليمة العرس لأني لا أعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم ترك الوليمة على عرس5 ولا أعلمه أولم على غيره وأولم على صفية رضي الله عنها في سفر بسويق وتمر وقال لعبد الرحمن:
"أولم ولو بشاة"6 قال:

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
5 انظر الأم 5/254.
6 انظر الأم 5/89, 91.

 

ص -246-     وإن كان الله المدعو صائما أجاب الدعوة وبرك وانصرف وليس بحتم أن يأكل وأحب لو فعل وقد دعي ابن عمررضي الله عنهما فجلس ووضع الطعام فمد يده وقال: خذوا بسم الله ثم قبض يده وقال: إني صائم1 قال: فإن كان فيها المعصية من المكر أو الخمر أو ما أشبهه من المعاصي الظاهرة نهاهم فإن نحوا ذلك عنه وإلا لم أحب له أن يجلس فإن علم ذلك عندهم لم أحب له أن يجيب فإن رأى صورا ذات أرواح لم يدخل إن كانت منصوبة وإن كانت توطأ فلا بأس فإن كان صور الشجر فلا بأس وأحب أن يجيب أخاه وبلغنا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لو أهدي إلي ذراع لقبلت ولو دعيت إلى كراع لأجبت"2 قال: في نثر الجوز واللوز والسكر في العرس: لوترك كان أحب إلي لأنه يؤخذ بخلسة ونهبة ولا يبين أنه حرام إلا أنه قد يغلب بعضهم بعضا فيأخذ من غيره أحب إلى صاحبه.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 انظر الأم 5/117.
2 انظر الأم 5/117.

مختصرالقسم ونشوزالرجل علي المرأة من الجامع ومن كتاب عشرة النساء ومن كتاب نشوز المرأة على الرجل ومن كتاب الطلاق من أحكام القرآن ومن الإملاء.
قال الشافعي رحمه الله تعالى: قال الله تبارك وتعالى:
{وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ}3 قال الشافعي وجماع المعروف بين الزوجين كف المكروه وإعفاء صاحب الحق من المؤنة في طلبه لا بإظهار الكراهية في تأديته فأيهما مطل بتأخيره فمطل الغني ظلم وتوفي صلى الله عليه وسلم عن تسع وكان يقسم لثمان4 ووهبت سودة يومها لعائشة رضي الله عنهن5 قال الشافعي وبهذا نقول ويجبر على القسم فأما الجماع موضع تلذذ ولا يجبر أحد عليه قال الله تعالى: {وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ}6 قال بعض أهل التفسير: لن تستطيعوا أن تعدلوا بما في القلوب لأن الله تعالى يجاوزه {فَلا تَمِيلُوا}7 لا تتبعوا أهواءكم أفعالكم فإذا كان الفعل والقول مع الهواء فذلك كل الميل وبلغنا "أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقسم فيقول: "اللهم هذا قسمي فيما أملك وأنت أعلم فيما لا أملك"8 يعني والله أعلم فيما لا أملك: قلبه قال: وبلغنا أنه كان يطاف به محمولا في مرضه على نسائه حتى حللنه قال: وعماد القسم الليل لأنه سكن فقال: {أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا}9 فإن كان عند الرجل حرائر مسلمات وذميات فهن في القسم سواء قال: ويقسم للحرة ليلتين وللأمة ليلة إذا خلى المولى بينه وبينها في ليلتها ويومها وللأمة أن تحلله من قسمها دون المولى ولا يجامع.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
3 سورة البقرة: 228.
4 انظر الأم 5/117.
5 انظر الأم 5/117.
6 سورة النساء: 129.
7 سورة النساء: 129.
8 أخرجه أحمد 6/144 والنسائي 7/64 وأبو داود 2134 والترمذي 1140 والبيهقي 7/298.
9 سورة الروم: 21.

 

ص -247-     المرأة في غير يومها ولا يدخل في الليل على التي لم يقسم لها قال: ولا بأس أن يدخل عليها بالنهار في حاجة ويعودها في مرضها في ليلة غيرها فإذا ثقلت فلا بأس أن يقيم عندها حتى تخف أو تموت ثم يوفي من باقي من نسائه مثل ما أقام عندها وإن أراد أن يقسم ليلتين ليلتين أو ثلاثا ثلاثا كان ذلك له وأكره مجاوزة الثلاث ويقسم للمريضة والرتقاء والحائض والنفساء وللتي إلي أو ظاهر منها ولا يقربها حتى يكفر لأن في مبيته سكنى وإلفا وإن أحب أن يلزم منزلا يأتينه فيه كان ذلك له عليهن فأيتهن امتنعت سقط حقها وكذلك الممتنعة بالجنون قال: وإن سافرت بإذنه فلا قسم لها ولا نفقة إلا أن يكون هوأشخصها فيلزمه كل ذلك لها وعلى ولي المجنون أن يطوف به على نسائه أو يأتيه بهن وإن عمد أن يجور به أثم فإن خرج من عند واحدة في الليل أوأخرجه سلطان كان عليه أن يوفيها ما بقي من ليلتها وليس للإماء قسم ولا يعطلن وإذا ظهر الإضرار منه بامرأته أسكناها إلى جنب من نثق به وليس له أن يسكن امرأتين في بيت إلا أن تشاءا وله منعها من شهود جنازة أمها وأبيها وولدها وما أحب ذلك له.

باب الحال التي يختلف فيها حال النساء من الجامع من كتاب الطلاق ومن أحكام القران ومن نشوز الرجل علي المرأة.
قال الشافعي رحمه الله تعالى: في قول النبي صلى الله عليه وسلم لأم سلمة رضي الله عنها:
"إن شئت سبعت عندك وسبعت عندهن وإن شئت ثلثت عندك ودرت"1 دليل على أن الرجل إذا تزوج البكر أن عليه أن يقيم عندها سبعا والثيب ثلاثا ولا يحتسب عليه بها نساؤه اللاتي عنده قبلها وقال أنس بن مالك: للبكر سبع وللثيب ثلاث قال: ولا أحب أن يتخلف عن صلاة مكتوبة ولا شهود جنازة ولا بر كان يفعله ولا إجابة دعوة.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 انظر الأم 5/159.

القسم للنساءإذا حضر سفر من الجامع من كتاب الطلاق ومن أحكام القران ومن نشوز الرجل علي المرأة.
قال الشافعي رحمه الله: أخبرنا عمي محمد بن علي بن شافع أحسبه عن الزهري شك المزني عن عبيد الله "عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أراد سفرا أقرع بين نسائه فأيتهن خرج سهمها خرج بها"2 قال الشافعي رحمه الله: وكذلك إذا أراد أن يخرج باثنتين أو أكثر أقرع وإن خرج بواحدة بغير قرعة كان عليه أن يقسم لمن بقي بقدر مغيبه مع التي خرج بها ولو أراد السفر لنقلة لم يكن له أن ينتقل بواحدة إلا أوفى البواقي مثل مقامه معها ولوخرج بها مسافرا بقرعة ثم أزمع المقام لنقلة احتسب عليها مقامه بعد الإزماع.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
2 انظر الأم 5/160.

 

ص -248-     باب نشوز المرأة على الرجل من الجامع من كتاب نشوز الرجل علي المرأة ومن كتاب الطلاق ومن أحكام القران.
قال الشافعي رحمه الله: قال الله تبارك وتعالى:
{وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ}1 الآية قال: وفي ذلك دلالة على اختلاف حال المرأة فيما تعاقب فيه وتعاقب عليه فإذا رأى منها دلالة على الخوف من فعل أو قول وعظها فإن أبدت نشوزا هجرها فإن أقامت عليه ضربها وقد يحتمل {تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ}2 إذا نشزن فخفتم لجاجتهن في النشوز أن يكون لكم جمع العظة والهجر والضرب وقال عليه السلام: "لا تضربوا إماء الله" قال: فأتاه عمر رضي الله عنه فقال: يا رسول الله ذئر النساء على أزواجهن فأذن في ضربهن فأطاف بآل محمد نساء كثير كلهن يشتكين أزواجهن فقال صلى الله عليه وسلم: "لقد أطاف بآل محمد سبعون امرأة كلهن يشتكين أزواجهن فلا تجدون أولئك خياركم"3 ويحتمل أن يكون قوله عليه السلام قبل نزول الاية بضربهن ثم أذن فجعل لهن الضرب فأخبر أن الاختيار ترك الضرب.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 سورة النساء: 34.
2 سورة النساء: 34.
3 انظر الأم 5/162.

باب الحكم في الشقاق بين الزوجين من الجامع من كتاب الطلاق ومن أحكام القرآن ومن نشوز الرجل على المرأة.
قال الشافعي رحمه الله: فلما أمر الله تعالى في خفنا الشقاق بينهما بالحكمين دل ذلك على أن حكمهما غير حكم الأزواج فإذا اشتبه حالاهما فلم يفعل الرجل الصلح ولا الفرقة ولا المرأة تأدية الحق ولا الفدية وصارا من القول والفعل إلى ما لا يحل لهما ولا يحسن وتماديا بعث الإمام حكما من أهله وحكما من أهلها مأمونين برضا الزوجين وتوكيلهما إياهما بأن يجمعا أو يفرقا إذا رأيا ذلك واحتج بقول عمي بن أبي طالب رضي الله عنه: ابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها ثم قال للحكمين: هل تدريان ما عليكما؟4 عليكما أن تجمعا إن رأيتما أن تجمعا وأن تفرقا إن رأيتما أن تفرقا فقالت المرأة: رضيت بكتاب الله بما علي فيه ولي فقال الرجل: أما الفرقة فلا فقال علي: كذبت والله حتى تقر بمثل الذي أقرت به فدل أن ذلك ليس للحاكم إلا برضا الزوجين ولو كان ذلك لبعث بغير رضاهما قال: ولو فوضا مع الخلع والفرقة إلى الحكمين الأخذ لكل واحد منهما من صاحبه كان على الحكمين الاجتهاد فيما يريانه أنه صلاح لهما بعد معرفة اختلافهما ولو غاب أحد الزوجين ولم يفسخ الوكالة أمضى الحكمان رأيهما وأيهما غلب على عقله لم يمض الحكمان بينهما شيئا حتى يفيق ثم يحدث الوكالة وعلى السلطان إن لم يرضيا حكمين أن يأخذ لكل واحد منهما من صاحبه ما يلزم ويؤدب أيهما رأى أدبه إن.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
4 انظر الأم 5/168.

 

ص -249-     امتنع بقدر ما يجب عليه وقال في كتاب الطلاق من أحكام القرآن: ولو قال قائل نجبرهما على الحكمين كان مذهبا قال المزني رحمه الله: هذا ظاهر الاية والقياس ما قال علي رضي الله عنه لأن الله تعالى جعل الطلاق للأزواج فلا يكون إلا لهم قال الشافعي رحمه الله: ولو استكرهها على شيء أخذه منها على أن طلقها وأقامت على ذلك بينة رد ما أخذه ولزمه ما طلق وكانت له الرجعة.