مختصر المزني في فروع الشافعية ط العلمية

ص -250-     كتاب الخلع.
باب الوجه الذي تحلى به الفدية من الجامع من الكتاب والسنة وغير ذلك.
قال الشافعي رحمه الله تعالى: قال الله: {وَلا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً} الآية وخرج النبي صلى الله عليه وسلم إلى صلاة الصبح فوجد حبيبة بنت سهيل عند بابه فقال: "من هذه؟ فقالت: أنا حبيبة بنت سهل لا أنا ولا ثابت لزوجها فلما جاء ثابت قال له صلى الله عليه وسلم: "هذه حبيبة تذكر ما شاء الله أن تذكر" فقالت حبيبة: يا رسول الله كل ما أعطاني عندي فقال عليه الصلاة والسلام: "خذ منها" فأخذ منها وجلست في أهلها"1 قال الشافعي رحمه الله: وجملة ذلك أن تكون المرأة المانعة ما يجب عليها له المفتدية تخرج من أن لا تؤدي حقه أو كراهية له فتحل الفدية للزوج وهذه مخالفة للحال التي تشتبه فيها حال الزوجين خوف الشقاق قال: ولو خرج في بعض ما تمنعه من الحق إلى أدبها بالضرب أجزت ذلك له لأن النبي صلى الله عليه وسلم قد أذن شابت بأخذ الفدية من حبيبة وقد نالها بضرب ولم يقل لا يأخذ منها إلا في قبل عدتها كما أمر المطلق غيره وروي عن ابن عباس أن الخلع ليس بطلاق2 وعن عثمان قال: هي تطليقة إلا أن تكون سميت شيئا3 قال المزني رحمه الله: وقطع في باب الكلام الذي يقع به الطلاق أن الخلع طلاق فلا يقع إلا بما يقع به الطلاق أو ما يشبهه من إرادة الطلاق فإن سمي عددا أو نوى عددا فهوما نوى قال المزني رحمه الله: وإذا كان الفراق عن تراض ولا يكون إلا بالزوج والعقد صحيح ليس في أصله علة فالقياس عندي أنه طلاق ومما يؤكد لك قول الشافعي رحمه الله فإن قيل: فإذا كان ذلك طلاقا فاجعل له الرجعة قيل له: لما أخذ من المطلقة عوضا وكان من ملك عوض شيء خرج من ملكه لم يكن له رجعة فيما ملك عليه فكذلك المختلعة قال الشافعي رحمه الله: وإذا حل له أن يأكل ما طابت به نفسا على غير فراق حل له أن يأكل ما طابت به نفسا ويأخذ ما الفراق به وقال في كتاب الإملاء على مسائل مالك: ولو خلعها تطليقة بدينار على أن له الرجعة فالطلاق لازم له وله الرجعة والدينار مردود ولا يملكه والرجعة معا ولا أجيز عليه من الطلاق إلا ما أوقعه قال المزني رحمه الله: ليس هذا قياس أصله لأنه يجعل النكاح والخلع بالبدل المجهول والشرط الفاسد سواء ويجعل لها في النكاح مهر مثلها وله عليها في الخلع مهر مثلها ومن قوله: لو خلعها بمائة على.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 انظر الأم 5/163.
2 انظر الأم 5/165.
3 انظر الأم 5/165.

 

ص -251-     أنها متى طلبتها فهي لها وله الرجعة عليها أن الخلع ثابت والشرط والمال باطل وعليها مهر مثلها قال المزني رحمه الله: ومن قوله لوخلع محجورا عليها بمال إن المال يبطل وله الرجعة وإن أراد يكون بائنا كما لو طلقها تطليقة بائنا لم تكن بائنا وكان له الرجعة قال المزني رحمه الله تعالى: وكذلك إذا طلقها بدينار على أن له الرجعة لا يبطله الشرط قال الشافعي رحمه الله: ولا يلحق المختلعة طلاق وإن كانت في العدة وهو قول ابن عباس وابن الزبير وقال بعض الناس: يلحقها الطلاق في العدة واحتج ببعض التابعين واحتج الشافعي عليه من القران والإجماع بما يدل على أن الطلاق لا يلحقها بما ذكر الله بين الزوجين من اللعان والظهار والإيلاء والميراث والعدة بوفاة الزوج فدلت خمس آيات من كتاب الله تعالى على أنها ليست بزوجة وإنما جعل الله الطلاق يقع على الزوجة فخالف القرآن والأثر والقياس ثم قوله في ذلك متناقض فزعم إن قال لها: أنت خلية أو برية أو بتة ينوي الطلاق أنه لا يلحقها طلاق فإن قال: كل امرأة لي طالق لا ينويها ولا غيرها طلق نساؤه دونها ولو قال لها: أنت طالق طلقت فكيف يطلق غير امرأته.

باب مايقع وما لا يقع على امرأته من الطلاق ومن إباحة الطلاق ومما سمعت منه لفظا.
قال الشافعي رحمه الله: ولو قال لها: أنت طالق ثلاثا في كل سنة واحدة فوقعت عليها تطليقة ثم نكحها بعد انقضاء العدة فجاءت سنة وهي تحته لم يقع بها طلاق لأنها قد خلت منه وصارت في حال لوأوقع عليها الطلاق لم يقع وإنما صارت عنده بنكاح جديد فلا يقع فيه طلاق نكاح غيره قال المزني رحمه الله: هذا أشبه بأصله من قوله تطلق كلما جاءت سنة وهي تحته طلقت حتى ينقضي طلاق ذلك الملك قال المزني رحمه الله: ولا يخلوقوله: أنت طالق في كل سنة من أحد ثلاثة معان: إما أن يريد في هذا النكاح الذي عقدت فيه الطلاق فقد بطل وحدث غيره فكيف يلزمه؟ وإما أن يريد في غير ملكي فهذا لا يذهب إليه أحد يعقل وليس بشيء وإما أن يريد في نكاح يحدث فقوله لا طلاقي قبل النكاح فهذا طلاق قبل النكاح فتفهم يرحمك الله.

باب الطلاق قبل النكاح من الإملاء على مسائل ابن القاسم ومن مسائل شتى سمعتها لفظا.
قال الشافعي رحمه الله: ولو قال: كل امرأة أتزوجها طالق أو امرأة بعينها أو لعبد إن ملكتك حر فتزوج أو ملك لم يلزمه شيء لأن الكلام الذي له الحكم كان وهو غير مالك فبطل قال المزني رحمه الله: ولو قال لامرأة لا يملكها أنت طالق الساعة لم تطلق فهي بعد مدة أبعد فإذا لم يعمل القوي فالضعيف أولى أن لا يعمل قال المزني رحمه الله: وأجمعوا أنه لا سبيل إلى طلاق من لم يملك للسنة المجمع عليها فهي من أن تطلق ببدعة أو على صفة أبعد.

 

ص -252-     باب مخاطبة المرأة بمايلزمهامن الخلع وما لايلزمها من النكاح والطلاق إملاء على مسائل مالك وابن القاسم.
قال الشافعي رحمه الله: ولو قالت لى امرأته: إن طلقتني ثلاثا فلك علي مائة في رهم فهو كقول الرجل بعني ثوبك هذا بمائة درهم فإن طلقها ثلاثا فله المائة ولو قالت له: اخلعني أو بتني أو أبني أو ابرأ مني أو بارئني ولك علي ألف درهم وهي تريد الطلاق وطلقها فله ما سمت له ولو قالت: اخلعني على ألف كانت له ألف ما لم يتناكرا فإن قالت على ألف ضمنها لك غيري أو على ألف فلس وأنكر تحالفا وكان له عليها مهر مثلها ولو قالت له: طلقني ولك علي ألف درهم فقال: أنت طالق على الألف إن شئت فلها المشيئة وقت الخيار وإن أعطته إياها في وقت الخيار لزمه الطلاق وسواء هرب الزوج أو غاب حتى مضى وقت الخيار أو أبطأت هي بالألف ولو قال: أنت طالق إن أعطيتني ألف درهم فأعطته إياها زائدة فعليه طلقة لأنها أعطته ألف درهم وزيادة ولو أعطته إياها رديئة فإن كانت فضة يقع عليها اسم دراهم طلقت وكان عليها بدلها فإن لم يقع عليها اسم دراهم لم تطلق ولو قال: متى ما أعطيتني ألفا فأنت طالق فذلك لها وليس له أن يمتنع من أخذها ولا لها إذا أعطته أن ترجع فيها ولو قالت له: طلقني ثلاثا ولك ألف درهم فطلقها واحدة فله ثلث الألف وإن طلقها ثلاثا فله الألف ولو لم يكن بقي عليها إلا طلقة فطلقها واحدة كانت له الألف لأنها قامت مقام الثلاث في أنها تحرمها حتى تنكح زوجا غيره قال المزني رحمه الله: وقياس قوله ما حرمها إلا الأوليان مع الثلاثة كما لم يسكره في قوله إلا القدحان مع الثالث وكما لم يعم الأعور المفقوءة عينه الباقية إلا الفقء الأول مع الفقء الآخر وأنه ليس على الفاقىء الأخيرعنده إلا نصف الدية فكذلك يلزمه أن يقول لم يحرمها عليه حتى تنكح زوجا غيره إلا الأوليان مع الثالثة فليس عليها إلا ثلث الألف بالطلقة الثالثة في معنى قوله قال الشافعي رحمه الله: ولو قالت له: طلقني واحدة بألف فطلقها ثلاثا كان له الألف وكان متطوعا بالاثنتين ولو بقيت له عليها طلقة فقالت: طلقني ثلاثا بألف واحدة أحرم بها عليك واثنتين إن نكحتني بعد زوج فله مهر مثلها إذا طلقها كما قالت ولو خلعها على أن تكفل ولده عشر سنين فجائزان اشتراطا إذا مضى الحولان نفقته بعدهما في كل شهركذا قمحا وكذا زيتا فإن كفي وإلا رجعت عليه بما يكفيه وإن مات رجع عليها بما بقي ولوقال: أمرك بيدك فطلقي نفسك إن ضمنت لي ألف درهم فضمنتها في وقت الخيار لزمها ولا يلزمها في غير وقت الخيار كما لو جعل أمرها إليها لم يجز إلا في وقت الخيار ولو قال: إن أعطيتني عبدا فأنت طالق فأعطته أي عبد ما كان فهي طالق ولا يملك العبد وإنما يقع في هذا الموضع بما يقع له الحنث قال المزني رحمه الله: ليس هذا قياس قوله لأن هذا في معنى العوض وقد قال في هذا الباب: متى أو متى ما أعطيتني ألف درهم فأنت طالق فذلك لها وليس له أن يمتنع من أخذها ولا لها أن ترجع إن أعطته فيها والعبد والدرهم عندي سواء غيرأن العبد مجهول فيكون له عليها مهر مثلها وقد قال: لو.

 

ص -253-     قال لها إن أعطيتني شاة ميتة أو خنزيرا أو زق خمر فأنت طالق ففعلت طلقت ويرجع عليها بمهر مثلها ولوخلعها بعبد بعينه ثم أصاب به عيبا رده وكان له عليها مهر مثلها ولو قال: أنت طالق وعليك ألف درهم فهي طالق ولا شيء عليها وهذا مثل قوله: أنت طالق وعليك حجة ولوتصادقا أنها سألته الطلاق فطلقها على ذلك كان الطلاق بائنا ولو خلعها على ثوب على أنه مروي فإذا هو هروي فرده كان له عليها مهر مثلها والخلع فيما وصفت كالبيع المستهلك ولو خلعها على أن ترضع ولده وقتا معلوما فمات المولود فإنه يرجع بمهر مثلها لأن المرأة تدر على المولود ولا تدر على غيره ويقبل ثديها ولا قبل غيره ويترأمها فتستمريه ولا يستمري غيرها ولا يترأمه ولا تطيب نفسا له ولو قال له أبو امرأته: طلقها وأنت بريء من صداقها فطلقهاطلقت ومهرها عليه ولا يرجع على الأب بشيء لأنه لم يضمن له شيئا وله عليها الرجعة ولوأخذ منها ألفا على أن يطلقها إلى شهر فطلقها فالطلاق ثابت ولها الألف وعليها مهر مثلها ولو قالتا: طاقنا بألف ثم ارتدتا فطلقهما بعد الردة وقف الطلاق فإن رجعتا في العدة لزمهما والعدة من يوم الطلاق وإن لم ترجعا حتى انقضت العدة لم يلزمهما شيء ولو قال لهما: أنتما طالقتان إن شئتما بألف لم يطلقا ولا واحدة منهما حتى يشاءا معا في وقت الخيار ولوكانت إحداهما محجورا عليها وقع الطلاق عليهما وطلاق غير المحجورعليها بائن وعليها مهرمثلها ولا شيء على الأخرى ويملك رجعتها قال المزني رحمه الله تعالى: هذا عندي يقضي على فساد تجويزه مهر أربع في عقدة بألف لأنه لا فرق بين مهر أربع في عقدة بألف وخلع أربع في عقدة بألف فإذا أفسده في إحداهما للجهل بما يصيب كل واحدة منهن فسد في الأخرى ولكل واحدة منهن وعليها مهر مثلها قال الشافعي رحمه الله: ولو قال له أجنبى: طلق فلانة على أن لك علي ألف درهم ففعل فالألف له لازمة ولا يجوز ما اختلعت به الأمة إلا بإذن سيدها ولا المكاتبة ولو أذن لها سيدها لأنه ليس بمال للسيد فيجوز إذنه فب ولا لها فيجوز ما صنعت في مالها وطلاقهما بذلك بائن فإذا أعتقتا اتبع كل واحدة بمهر مثلها كما لا أحكم على المفلس حتى يوسر وإذا أجزت طلاق السفيه بلا شيء كان ما أخذ عليه جعلا أولى ولوليه أن يلي على ما أخذ بالخلع لأنه ماله وما أخذ العبد بالخلع فهو لسيده فإن استهلكا ما أخذا رجع الولي والسيد على المختلعة من قبل أنه حق لزمها فدفعته إلى ما لا يجوز لها دفعه إليه ولو اختلفا فهوكاختلاف المتبايعين فإن قالت: خلعتني بألف وقال: بألفين أو قالت على أن تطلقني ثلاثا فطلقتني واحدة تحالفا وله صداق مثلها ولا يرد الطلاق ولا يلزمه منه إلا ما أقر به قال الشافعي رحمه الله: ولو قال: طلقتك بألف وقالت: بل على غير شيء فهو مقر بطلاق لا يملك فيه الرجعة فيلزمه وهو مدعي ما لا يملكه بدعواه ويجوز التوكيل في الخلع حرا كان أو عبدا أو محجورا عليه أو ذميا فإن خلع عنها بما لا يجوز فالطلاق لا يرد وهو كشيء اشتراه لها فقبضته واستهلكته فعليها قيمته ولا شيء على الوكيل إلا أن يكون ضمن ذلك له قال المزني رحمه الله: ليس هذا عندي بشيء والخلع عنده كالبيع في أكثر.

 

ص -254-     معانيه وإذا باع الوكيل ما وكله به صاحبه بما لا يجوز من الثمن بطل البيع فكذلك لما طلقها عليه بما لا يجوز من البدل بطل الطلاق عنه كما بطل البيع عنه قال الشافعي رحمه الله: ولووكل من يخالعها بمائة فخالعها بخمسين فلا طلاق عليه كما لو قال: أنت طالق بمائة فأعطته خمسين قال المزني رحمه الله: وهذا بيان لما قلت في المسألة قبلها.

باب الخلع في المرض من كتاب نشوز الرجل علي المرأة.
قال الشافعي رحمه الله: ويجوز الخلع في المرض كما يجوز البيع فإن كان الزوج هو المريض فخالعها بأقل من مهرها ثم مات فجائز لأن له أن يطلقها من غير شيء فإن كنت هي المريضة فخالعته بأكثرمن مهر مثلها ثم ماتت من مرضها جاز له مهر مثلها وكان الفضل وصية يحاص أهل الوصايا بها في ثلثها ولو كان خلعها بعبد يساوي مائة ومهر مثلها خمسون فهو بالخيار إن شاء أخذ نصف العبد ونصف مهر مثلها أو يرد ويرجع بمهر مثلها كما لو اشتراه فاستحق نصفه قال المزني رحمه الله: ليس هذا عندي بشيء ولكن له من العبد مهرمثلها وما بمي من العبد بعد مهرمثلها وصية له إن خرج من الثلث فإن لم يخرج ما بقي من العبد من الثلث ولم يكن لها غيره فهو بالخيار إن شاء قبل وصيته وهو الثلث من نصف العبد وكان ما بقي للورثة وإن شاء رد العبد وأخذ مهر مثلها لأنه إذا صار في ألعبد شرك لغيره فهو عيب يكون فيه الخيار.