مختصر المزني في فروع الشافعية ط العلمية

ص -255-     كتاب الطلاق.
باب إباحة الطلاق ووجهه وتفريعه من الجامع من كتاب أحكام القران ومن إباحة الطلاق ومن جماع عشرة النساء وغير ذلك.

قال الشافعي رحمه الله: قال الله تعالى:
{إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ}1 وقد قرئت لقبل عدتهن قال: والمعنى واحد وطلق ابن عمر رضي الله عنهما امرأته وهي حائض في زمان النبي صلى الله عليه وسلم قال عمر: فسألت النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال: "مره فليراجعها ثم ليمسكها حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر ثم إن شاء أمسكها بعد وإن شاء طلق فتلك العدة التي أمر الله أن يطلق لها النساء"2 قال: وقد روى هذا الحديث سالم بن عبد الله و يونس بن جبير عن ابن عمر يخالفون نافعا في شيء منه قالوا كلهم عن ابن عمر إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "مره فليراجعها ثم ليمسكها حتى تحيض ثم تطهر ثم إن شاء أمسك وإن شاء طلق" ولو يقولوا ثم تحيض ثم تطهر قال: وفي ذلك دليل على أن الطلاق يقع على الحائض لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمر بالمراجعة إلا من لزمه الطلاق قال: وأحب أن يطلق واحدة لتكون له الرجعة للمدخول بها وخاطبا لغير المدخول بها ولا يحرم عليه أن يطلقها ثلاثا لأن الله تعالى أباح الطلاق فليس بمحظور وعلم النبي صلى الله عليه وسلم ابن عمر موضع الطلاق فلو كان في عدده محظور ومباح لعلمه إياه صلى الله عليه وسلم إن شاء الله وطلق العجلاني بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثا فلم ينكره عليه3 وسأل النبي صلى الله عليه وسلم ركانة لما طلق امرأته البتة ما أردت؟ ولم ينهه أن يزيد أكثر من واحدة4 قال الشافعي رحمه الله: ولو طلقها طاهرا بعد جماع أحببت أن يرتجعها ثم يمهل ليطلق كما أمر وإن كانت في طهر بعد جماع فإنها تعتد به قال الشافعي رحمه الله: ولو لم يدخل بها أو دخل بها وكانت حاملا أو لا تحيض من صغر أو كبر فقال: أنت طالق ثلاثا للسنة أو البدعة طلقت مكانها لأنها لا سنة في طلاقها ولا بدعة وإن كانت تحيض فقال لها: أنت طالق ثلاثا للسنة فإن كانت طاهرا من غير جماع طلقت ثلاثا معا وإن كانت مجامعة أو حائضا أو نفساء وقع عليها الطلاق حين تطهر من الحيض أو النفاس وحين تطهر المجامعة من أول حيض بعد قوله وقبل الغسل وإن قال: نويت أن تقع في كل طهر طلقة وقعن معا في الحكم.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 سورة الطلاق: 1.
2 انظر الأم 5/200, 264.
3 انظر الأم 5/181.
4 انظر الأم 5/171, 199.

 

ص -256-     وعلى ما نوى فيما بينه وبين الله ولو كان قال: في كل قرء واحدة فإن كانت طاهرا حبلى وقعت الأولى ولم تقع الثنتان إن كانت تحيض على الحبل أو لا تحيض حتى تلد ثم تطهر فإن لم يحدث لها رجعة حتى تلد بانت بانقضاء العدة ولم يقع عليها غير الأولى ولو قال لامرأته: أنت طالق ثلاثا بعضهن للسنة وبعضهن للبدعة وقعت اثنتان في أي الحالين كانت والأخرى إذا صارت في الحال الأخرى قلت: أنا أشبه بمذهبه عندي أن قوله بعضهن يحتمل واحدة فلا يقع غيرها أو اثنتين فلا يقع غيرهما أومن كل واحدة بعضها فيقع بذلك ثلاث فلما كان الشك كان القول قوله مع يمينه ما أراد ببعضهن في الحال الأولى إلا واحدة وبعضهن الباقي في الحال الثانية فالأقل يقين وما زاد شك وهو لا يستعمل الحكم بالشك في الطلاق قال: ولو قال: أنت طالق أعدل أو أحسن أو أكمل أو ما أشبهه سألته عن نيته فإن لم ينو شيئا وقع الطلاق للسنة ولو قال: أقبح أو أسمج أو أفحش أو ما أشبهه سألته عن نيته فإن لم ينو شيئا وقع للبدعة ولو قال: أنت طالق واحدة حسنة قبيحة أو جميلة فاحشة طلقت حين تكلم ولو قال: أنت طالق إذا قدم فلان للسنة فقدم فلان فهي طالق للسنة ولو قال أنت طالق لفلان أو لرضا فلان طلقت مكانه ولو قال: إن لم تكوني حاملا فأنت طالق وقف عنها حتى تمر لها دلالة على البراءة من الحمل ولوقالت له طلقني فقال: كل امرأة لي طالق طلقت امرأته التي سألته إلا أن يكون عزلها بنيته.

باب ما يقع به الطلاق من الكلام وما لا يقع إلا بالنية والطلاق من الجامع من كتاب الرجعة ومن كتاب النكاح ومن إملاء مسائل مالك وغيرذلك.
قال الشافعي رحمه الله: ذكر الله تعالى الطلاق في كتابه بثلاثة أسماء: الطلاق والفراق والسراح فإن قال: أنت طالق أو قد طلقتك أو فارقتك أو سرحتك لزمه ولم ينو في الحكم وينوي فيما بينه وبين الله تعالى لأنه قد يريد طلاقا من وثاق كما لو قال لعبده: أنت حريريد حر النفس ولا يسع امرأته وعبده أن يقبلا منه وسواء كان ذلك عند غضب أو مسألة طلاق أو رضا وقد يكون السبب وبحدث كلام على غير السبب فإن قال: قد فارقتك سائرا إلى المسجد أو سرحتك إلى أهلك أو قد طلقتك من وثاقك أو ما أشبه هذا لم يكن طلاقا فإن قيل: قد يكون هذا طلاقا تقدم فأتبعه كلاما يخرج به منه قيل: قد يقول لا إله إلا الله فيكون مؤمنا يبين آخر الكلام عن أوله ولوأفرد لا إله كان كافرا ولو قال: أنت خلية أو بائن أو بريئة أو بتة أو حرام أو ما أشبهه فإن قال: قلته ولم أنو طلاقا وأنوي به الساعة طلاقا لم يكن طلاقا حتى يبتدئه ونيته الطلاق وما أراد من عدد قال: ولو قال لها: أنت حرة يريد الطلاق ولأمته أنت طالق يريد العتق لزمه ذلك ولو قال لها: أنت طالق واحدة بائنا كانت واحدة يملك الرجعة لأن الله تعالى حكم في الواحدة والثنتين بالرجعة كما لو قال لعبده: أنت حر ولا ولاء لي عليك كان.

 

ص -257-     حرا والولاء له جعل عليه الصلاة والسلام الولاء لمن أعتق1 كما جعل الله الرجعة لمن طلق واحدة أو اثنتين وطلق ركانة امرأته البتة فأحلفه النبي صلى الله عليه وسلم ما أراد إلا واحدة وردها عليه وطلق المطلب بن حنطب امرأته البتة فقال عمر رضي الله عنه: أمسك عليك امرأتك فإن الواحدة تبت2 وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه لرجل قال لامرأته حبلك على غاربك: ما أردت؟3 وقال شريح: أما الطلاق فسنة فأمضوه وأما البتة فبدعة فدينوه4 قال: ويحتمل طلاق البتة يقينا ويحتمل الإبتات الذي ليس بعده شيء ويحتمل واحدة مبينة منه حتى يرتجعها فلما احتملت معاني جعلت إلى قائلها ولو كتب بطلاقها فلا يكون طلاقا إلا بأن ينويه كما لا يكون ما خالف الصريح طلاقا إلا بأن ينويه فإذا كتب إذا جاءك كتابي فحتى يأتيها فإن كتب أما بعد فأنت طالق طلقت من حين كتب وإن شهد عليه أن هذا خطه لم يلزمه حتى يقر به ولو قال لامرأته: اختاري أو أمرك بيدك فطلقت نفسها فقال: ما أردت طلاقا لم يكن طلاقا إلا بأن يريده ولو أراد طلاقا فقال: قد اخترت نفسي سئلت فإن أرادت طلاقا فهو طلاق وإن لم ترده فليس بطلاق ولا أعلم خلافا أنها إن طلقت نفسها قبل أن يتفرقا من المجلس وتحدث قطعا لذلك أن الطلاق يقع عليها فيجوز أن يقال لهذا الموضع إجماع وقال في الإملاء على مصائل مالك: وإن ملك أمرها غيرها فهذه وكالة متى أوقع الطلاق وقع ومتى شاء الزوج رجع وقال فيه: وسواء قالت طلقتك أو طلقت نفسي إذا أرادت طلاقا ولوجعل لها أن تطلق نفسها ثلاثا فطلقت واحدة فإن لها ذلك ولو طلق بلسانه واستثنى بقلبه لزمه الطلاق ولم يكن الاستثناء إلا بلسانه ولو قال: أنت علي حرام يريد تحريمها بلا طلاق فعليه كفارة يمين لأن النبي صلى الله عليه وسلم حرم جاريته فأمر بكفارة يمين قال الشافعي رحمه الله: لأنهما تحريم فرجين حلين بما لم يحرما به ولو قال: كل ما أملك علي حرام يعني امرأته وجواريه وماله كفر عن المرأة والجواري كفارة واحدة ولم يكفر عن ماله وقال في الإملاء: وإن نوى إصابة قلنا أصب وكفر ولو قال كالميتة والدم فهو كالحرام فأما ما لا يشبه الطلاق مثل قوله: بارك الله فيك أو اسقيني أو أطعميني أو وارويني أو زوديني وما أشبه ذلك فليس بطلاق وإن نواه ولوأجزت النية بما لا يشبه الطلاق أجزت أن يطلق في نفسه ولو قال للتي لم يدخل بها: أنت طالق ثلاثا للسنة وقعن معا ولو قال لها: أنت طالق أنت طالق أنت طالق وقعت الأولى وبانت بلا عدة والله سبحانه وتعالى أعلم.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 انظر الأم 5/117., 192
2 انظر الأم 5/171.
3 الأثر أخرجه البيهقي 7/413.
4 انظر الأم 5/172.

الطلاق بالوقت وطلاق المكره وغيره من كتاب إباحة الطلاق والإملاء وغيرهما.
قال الشافعي رحمه الله تعالى عليه: وأي أجل طلق إليه لم يلزمه قبل وقته ولو.

 

ص -258-     قال: في شهر كذا أو في غرة هلال كذا طلقت في المغيب من الليلة التي يرى فيها هلاك ذلك الشهر ولو قال: إذا رأيت هلال شهر كذا حنث إذا رآه غيره إلا أن يكون أراد رؤية نفسه ولو قال: إذا مضت سنة وقد مضى من الهلال خمس لم تطلق حتى تمضي خمس وعشرون ليلة من يوم تكلم وأحد عشر شهرا بالأهلة وخمس بعدها ولو قال لها: أنت طالق الشهر الماضي طلقت مكانها وإيقاعه الطلاق الآن في وقت مضى محال ولو قال: عنيت أنها مطلقة من غيري لم يقبل منه إلا أن يعلم أنها كانت في ذلك الوقت مطلقة من غيره فالقول قوله مع يمينه في نحو ذلك ولو قال لها: أنت طالق إذا طلقتك فإذا طلقها وقعت عليها واحدة بابتدائه الطلاق والأخرى بالحنث قال الشافعي رحمه الله تعالى: ولو كان قال: أنت طالق كلما وقع عليك طلاقي وطلقها واحدة طلقت ثلاثا وإن كانت غير مدخول بها طلقت بالأولى وحدها قال الشافعي وكذلك لو خالعها بطلقة مدخولا بها قال المزني رحمه الله تعالى: ألطف الشافعي في وقت إيقاع الطلاق فلم يوقع إلا واحدة ولو قال: أنت طالق إذا لم أطلقك أو متى ما لم أطلقك فسكت مدة يمكنه فيها الطلاق طلقت ولوكان قال: أنت طالق إن لم أطلقك لم يحنث حتى نعلم أنه لا يطلقها بموته أو بموتها قال المزني رحمه الله تعالى: فرق الشافعي بين إذا وإن فألزم في إذا إذا لم يفعله من ساعته ولم يلزمه في إن إلا بموته أو بموتها ولو قال لها: أنت طالق إذا قدم فلان فقدم به ميتا أو مكرها لم تطلق ولو قال: إذا رأيته فرآه في تلك الحال حنث ولو حلف لا تأخذ مالك على فأجبره السلطان فأخذ منه المال حنث ولو قال: لا أعطيك لم يحنث ولو قال: إن كلمته فأنت طالق فكلمته حيث يسمع حنث وإن لم يسمع لم يحنث وإن كلمته ميتا أو حيث لا يسمع لم يحنث وإن كلمته مكرهة لم يحنث وإن كلمته سكرانة حنث ولو قال لمدخول بها: أنت طالق أنت طالق أنت طالق وقعت الأولى وسئل ما نوى في الثنتين بعدها فإن أراد تبيين الأولى فهي واحدة وما أراد وإن قال لم أرد طلاقا لم يدين في الأولى ودين في الثنتين ولو قال لها: أنت طالق وطالق وطالق وقعت الأولى والثانية بالواو لأنها استئناف لكلام في الظاهر ودين في الثالثة فإن أراد بها طلاقا فهو طلاق وإن أراد بها تكريرا فليس بطلاق وكذلك أنت طالق ثم طالق ثم طالق وكذلك طالق بل طالق بل طالق قال المزني رحمه الله: وفي كتاب الإملاء وإن أدخل ثم أو واوا في كلمتين فإن لم تكن له نية فظاهرها استئناف وهي ثلاث قال المزني رحمه الله: والظاهر في الحكم أولى والباطن فيما بينه وبين الله تعالى قال الشافعي رحمه الله: ولو قال: أنت طالق طلاقا فهي واحدة كقوله طلاقا حسنا وكل مكره ومغلوب على عقله فلا يلحقه الطلاق خلا السكران من خمر أو نبيذ فإن المعصية بشرب الخمر لا تسقط عنه فرضا ولا طلاقا والمغلوب على عقله من غير معصية مثاب فكيف يقاس من عليه العقاب على من له الثواب؟ وقد قال بعض أهل.

 

ص -259-     الحجاز: لا يلزمه طلاق فيلزمه إذا لم يجز عليه تحريم الطلاق أن يقول: ولا عليه قضاء الصلاة كما لا يكون على المغلوب على عقله قضاء صلاة.

باب الطلاق بالحساب والاستثناء من الجامع من كتابين.
قال الشافعي رحمه الله تعالى: ولو قال لها: أنت طالق واحدة في اثنتين فإن نوى مقرونة باثنتين فهي ثلاث وإن نوى الحساب فهي اثنتان وإن لم ينو شيئا فواحدة وإن قال: أنت طالق واحدة لا تقع عليك فهي واحدة وإن قال: واحدة قبلها واحدة كانت تطليقتين وإن قال: رأسك أو شعرك أو يدك أو رجلك أو جزء من أجزائك طالق فهي طالق لا يقع على بعضها دون بعض ولو قال: أنت طالق بعض تطليقة كانت تطليقة والطلاق لا يتبعض ولو قال: نصفي تطليقة فهي واحدة ولو قال لأربع نسوة: قد أوقعت بينكن تطليقة كانت كل واحدة منهن طالقا واحدة وكذلك تطليقتين وثلاثا وأربعا إلا أن يريد قسم كل واحدة فيطلقن ثلاثا ثلاثا ولو قال: أنت طالق ثلاثا إلا اثنتين فهي واحدة ولو قال: أنت طالق ثلاثا إلا ثلاثا فهي ثلاث إنما يجوز الاستثناء إذا بقي شيئا فإذا لم يبق شيئا فمحال ولو قال: كلما ولدت ولدا فأنت طالق واحدة فولدت ثلاثا في بطن طلقت بالأول واحدة وبالثاني أخرى وانقضت عدتها بالثالث ولو قال: إن شاء الله لم يقع والاستثناء في الطلاق والعتق والنذور كهو في الأيمان.

باب طلاق المريض من كتاب الرجعة ومن العدة ومن الإملاء على مسائل مالك واختلاف الحديث.
قال الشافعي رحمه الله تعالى: وطلاق المريض والصحيح سواء فإن طلق مريض ثلاثا فلم يمح حتى مات فاختلف أصحابنا قال المزني: فذكر حكم عثمان بتوريثها من عبد الرحمن في مرضه وقول ابن الزبير لو كنت أنا لم أر أن ترث المبتوتة1 قال المزني: وقد قال الشافعي رحمه الله تعالى في كتاب العدة: إن القول بأن لا ترث المبتوتة قول يصح وقد ذهب إليه بعض أهل الاثار وقال: كيف ترثه امرأة لا يرثها وليست له بزوجة؟ قال المزني فقلت أنا: هذا أصح وأقيس لقوله قال المزني: وقال في كتاب النكاح و الطلاق إملاء على مسائل مالك: إن مذهب ابن الزبير أصحهما وقال فيه: لوأقر في مرضه أنه طلقها في صحته ثلاثا لم ترثه وحكم الطلاق في الإيقاع والإقرار في القياس عندي سواء وقال في كتاب اختلاف أبي حنيفة وابن أبي ليلى: لا ترث المبتوتة قال المزني: وقد احتج الشافعي رحمه الله على من قال: إذا ادعيا ولدا فمات ورثه كل واحد منهما نصف ابن وإن ماتا ورثهما كمال أب فقال الشافعي: الناس يرثون من يورثون.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 انظر الأم 5/200, 201, 327.

 

ص -260-     فألزمهم تناقض قولهم إذا لم يجعلوا الابن منهما كهما منه في الميراث فكذلك إنما ترث الزوجة الزوج من حيث يرثها فإذا ارتفع المعنى الذي يرثها به لم ترثه وهذا أصح في القياس وكذا قال عبد الرحمن بن عوف ما قررت من كتاب الله ولا من سنة رسوله وتبعه ابن الزبير.

باب الشك في الطلاق.
قال الشافعي رحمه الله تعالى: لما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
"إن الشيطان لعنه الله يأتي أحدكم فينفخ بين أليتيه فلا ينصرف حتى يسمع صوتا أو يشم ريحا"1 علمنا أنه لم يزل يقين طهارة إلا بيقين حدث فكذلك من استيقن نكاحا ثم شك في الطلاق لم يزل اليقين إلا باليقين قال: ولو قال: حنثت بالطلاق أو في العتق وقف عن نسائه ورقيقه حتى يبين ويحلف للذي يدعي فإن مات قبل ذلك أقرع بينهم فإن خرج السهم على الرقيق عتقوا من رأس المال وإن وقعت على النساء لم يطلقن ولم يعتق الرقيق والورع أن يدعن ميراثه ولو قال: إحداكما طالق ثلاثا منع منهما وأخذ بنفقتهما حين يبين فإن قال: لم أرد هذه بالطلاق كان إقرارا منه للأخرى ولو قال: أخطأت بل هي هذه طلقتا معا بإقراره فإن ماتتا أو إحداهما قبل أن يبين وقفنا له من كل واحدة منهما ميراث زوج وإذا قال لإحداهما: هذه التي طلقت رددنا على أهلها ما وقفنا له وأحلفناه لورثة الأخرى ولو كان هو الميت وقفنا لهما ميراث امرأة حتى يصطلحا فإن ماتت واحدة قبله ثم مات بعدها فقال وارثه طلق الأولى ورثت الأخرى بلا يمين وإن قال طلق الحية ففيها قولان أحدهما: أنه يقوم مقام الميت فيحلف أن الحية هي التي طلق ثلاثا وبأخذ ميراثه من الميتة قبله وقد يعلم ذلك بخبره أو بخبر غيره ممن يصدقه والقول الثاني: أنه يوقف له ميراث زوج من الميتة قبله وللحية ميراث امرأة منه حتى يصطلحا.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 انظر الأم 5/379.

باب ما يهدم الرجل من الطلاق من كتابين.
قال الشافعي رحمه الله: لما كانت الطلقة الثالثة توجب التحريم كانت إصابة زوج غيره توجب التحليل ولما لم يكن في الطلقة ولا في الطلقتين ما يوجب التحريم لم يكن لإصابة زوج غيره معنى يوجب التحليل فنكاحه وتركه سواء ورجع محمد بن الحسن إلى هذا واحتج الشافعي رحمه الله بعمر بن الخطاب رضي الله عنه أن رجلا سأله عمن طلق امرأته اثنتين فانقضت عدتها فتزوجت غيره فطلقها أو مات عنها وتزوجها الأول قال عمر: هي عنده على ما بقي من الطلاق2.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
2 انظر الأم 5/360.

 

ص -261-     مختصر من الرجعة من الجامع من كتاب الرجعة من الطلاق ومن أحكام القرآن ومن كتاب العدد ومن القديم.
قال الشافعي قال الله تعالى في المطلقات:
{فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ}1 وقال تعالى: {فَإذا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ}2 فدل سياق الكلام على افتراق البلوغين فأحدهما مقاربة بلوغ الأجل فله إمساكها أو تركها فتسرح بالطلاق المتقدم والعرب تقول إذا قاربت البلد تريده قد بلغت كما تقول إذا بلغته والبلوغ الأخر انقضاء الأجل قال: وللعبد من الرجعة بعد الواحدة ما للحر بعد الثنتين كانت تحته حرة أو أمة والقول فيما يمكن فيه انقضاء العدة قولها وهي محرمة عليه تحريم المبتوتة حتى تراجع وطلق عبد الله بن عمر امرأته وكانت طريقه إلى المسجد على مسكنها فكان يسلك الطريق الأخرى كراهية أن يستأذن عليها حتى راجعها وقال عطاء: لا يحل له منها شيء أراد ارتجاعها أو لم يرده ما لم يراجعها3 وقال عطاء و عبد الكريم: لا يراها فضلا4 قال: ولما لم يكن نكاح ولا طلاق إلا بكلام فلا تكون الرجعة إلا بكلام والكلام بها أن يقول: قد راجعتها أو ارتجعتها أو رددتها إلي فإن جامعها ينوي الرجعة أو لا ينويها فهو جماع شبهة ويعزران إن كانا عالمين ولها صداق مثلها وعليها العدة ولو كانت اعتدت بحيضتين ثم أصابها ثم تكلم بالرجعة قبل أن تحيض الثالثة فهي رجعة وإن كانت بعدها فليست برجعة وقد انقضت من يوم طلقها العدة ولا تحل لغيره حتى تنقضي عدتها من يوم مسها ولو أشهد على رجعتها ولم تعلم بذلك وانقضت عدتها وتزوجت فنكاحها مفسوخ ولها مهر مثلها إن كان مسها الآخر وهي زوجة الأول "قال عليه الصلاة والسلام: "إذا أنكح الوليان فالأول أحق"5 وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه في هذه المسألة: هي امرأة الأول دخل بها أو لم يدخل قال الشافعي رحمه الله: وإن لم يقم بينة لم يفسخ نكاح الاخر ولو ارتجع بغير بينة وأقرت بذلك فهي رجعة وكان ينبغي أن يشهد ولو قال: قد راجعتك قبل انقضاء عدتك وقالت بعد فالقول قولها مع يمينها ولوخلا بها ثم طلقها وقال: قد أصبتك وقالت لم يصبني فلا رجعة ولو قالت أصابني وأنكر فعليها العدة بإقرارها ولا رجعة له عليها بإقراره وسواء طال مقامه أو لم يطل لا تجب العدة وكمال المهر إلا بالمسيس نفسه ولو قال: ارتجعتك اليوم وقالت انقضت عدتي قبل رجعتك صدقتها إلا أن تقر بعد ذلك فتكون كمن جحد حقا ثم أقر به قال المزني رحمه الله: إن لم يقرا جميعا ولا أحدهما بانقضاء العدة حتى ارتجع الزوج وصارت امرأته فليس لها عندي نقض ما ثبت عليها له قال الشافعي رحمه الله: ولو ارتدت بعد طلاقه فارتجعها مرتدة في.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 سورة الطلاق: 2.
2 سورة البقرة: 232.
3 انظر الأم 5/349.
4 انظر الأم 5/349.
5 انظر الأم 5/165.

 

ص -262-     العدة لم تكن رجعة لأنها تحليل في حال التحريم قال المزني رحمه الله: فيها نظر وأشبه بقوله عندي أن تكون رجعة موقوفة فإن جمعهما الإسلام قبل انقضاء العدة علمنا أنه رجعة وإن لم يجمعهما الإسلام قبل انقضاء العدة علمنا أنه لا رجعة لأن الفسخ من حين ارتدت كما نقول في الطلاق إذا طلقها مرتدة أو وثنية فجمعهما الإسلام قبل انقضاء العدة علمنا أن الطلاق كان واقعا وكانت العدة من حين وقع الطلاق وإن لم يجمعهما الإسلام في العدة بطل الطلاق وكانت العدة من حين أسلم متقدم الإسلام.

باب المطلقة ثلاثا.
قال الشافعي رحمه الله: قال الله تبارك وتعالى في المطلقة الطلقة الثالثة:
{فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ}1 وشكت المرأة التي طلقها رفاعة ثلاثا زوجها بعده إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: إنما معه مثل هدبة الثوب فقال: "أتريدين أن ترجعي إلى رفاعة؟ لا حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك"2 قال الشافعي رحمه الله: فإذا أصابها بنكاح صحيح فغيب الحشفة في فرجها فقد ذاقا العسيلة وسواء قوي الجماع وضعيفه لا يدخله إلا بيده أو بيدها أو كان ذلك من صبي مراهق أو مجبوب بقي له قدر ما يغيبه تغييب غير الخصي وسواء كل زوج وزوجة ولو أصابها صائمة أو محرمة أساء وقد أحلها ولو أصاب الذمية زوج ذمي بنكاح صحيح أحلها لمسلم لأنه زوج ورجم النبي صلى الله عليه وسلم يهوديين زنيا ولا يرجم إلا محصنا3 قال: ولو كانت الإصابة بعد ردة أحدهما ثم رجع المرتد منهما لم تحلها الإصابة لأنها محرمة في تلك الحال قال المزني: لا معنى لرجوع المرتد منهما عنده فيصح النكاح بينهما إلا في التي قد أحلتها إصابته إياها للزوج قبله فإن كانت غير مدخول بها فقد انفسخ النكاح في قوله ولها مهر مثلها بالإصابة وإن كانت مدخولا بها فقد أحلها إصابته إياها قبل الردة فكيف لا يحلها؟ فتفهم قال الشافعي رحمه الله: ولوذكرت أنها نكحت نكاحا صحيحا وأصيبت ولا نعلم حلت له وإن وقع في قلبه أنها كاذبة فالورع أن لا يفعل.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 سورة البقرة: 230.
2 انظر الأم 5/117.
3 انظر الأم 5/117.

باب الإيلاء مختصرمن الجامع من كتاب الإيلاء قديم وجديد والإملاء وما دخل فيه من الأمالي على مسائل مالك ومن مسائل ابن القاسم من إباحة الطلاق وغير ذلك.
قال الشافعي رحمه الله: قال الله تعالى:
{لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ}4 الآية ففي ذلك دلالة والله أعلم على أن لا سبيل على المولي لامرأته حتى يمضي أربعة أشهر كما لو ابتاع بيعا أو ضمن شيئا إلى أربعة أشهر لم يكن عليه سبيل حتى.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
4 سورة البقرة: 226.

 

ص -263-     يمضي الأجل وقال سليمان بن يسار: أدركت بضعة عشر من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كلهم يوقف المولي1 وكان علي وعثمان وعائشة وابن عمر وسليمان بن يسار يوقفون المولي2 قال: والمولي من حلف بيمين يلزمه بها كفارة ومن أوجب على نفسه شيئا يجب عليه إذا أوجبه فأوجبه على نفسه إن جامع امرأته فهو في معنى المولي ولا يلزمه الإيلاء حتى يصرح بأحد أسماء الجماع التي هي صريحة وذلك قوله: والله لا أنيكك ولا أغيب ذكري في فرجك أو لا أدخله في فرجك أو لا أجامعك أو يقول إن كانت عذراء: والله لا أفتضك أو ما في مثل هذا المعنى فهومول في الحكم وقال في القديم: لو قال: والله لا أطؤك أو لا أمسك أو لا أجامعك فهذا كله باب واحد كلما كان للجماع اسم كنى به عن نفس الجماع فهوواحد وهومول في الحكم قلنا: ما لم ينوه في لا أمسك في الحكم في القديم ونواه في الجديد وأجمع قوله فيهما بحلفه لا أجامعك أنه مول وإن احتمل أجامعك ببدني وهذا أشبه بمعاني العلم والله أعلم قال الشافعي رحمه الله: ولو قال: والله لا أباشرك أو لا أباضعك أو لا أمسك أو ما أشبه هذا فإن أراد جماعا فهو مول وإن لم يرده فغير مول في الحكم ولو قال: والله لا أجامعك في دبرك فهومحسن ولو قال: والله لا يجمع رأسي ورأسك شيء أو لأسوأنك أو لتطولن غيبتي عنك أو ما أشبه هذا فلا يكون بذلك موليا إلا أن يريد جماعا ولو قال: والله ليطولن تركي لجماعك فإن عنى أكثر من أربعة أشهر فهو مول ولو قال: والله لا أقربك خمسة أشهر ثم قال: إذا مضت خمسة أشهر فوالله لا أقربك سنة فوقف في الأولى فطلق ثم ارتجع فإذا مضت أربعة أشهر بعد رجعته وبعد خمسة أشهر وقف فإن كانت رجعته في وقت لم يبق عليه فيه من السنة إلا أربعة أشهر أو أقل لم يوقف لأني أجعل له أربعة أشهر من يوم يحل له الفرج وإن قال: إن قربتك فعلي صوم هذا الشهر كله لم يكن موليا كما لو قال: فعلي صوم يوم أمس ولوأصابها وقد بقي عليه من الشهرشيء كانت عليه كفارة أو صوم ما بقي ولو قال: إن قربتك فأنت طالق ثلاثا وقف فإن فاء وغابت الحشفة طلقت ثلاثا فإذا أخرجه ثم أدخله بعد فعليه مهر مثلها وإن أبى أن يفيء طلق عليه واحدة فإن راجع فله أربعة أشهر من يوم راجع ثم هكذا حتى ينقضي طلاق ذلك الملك ثلاثا ولو قال: أنت علي حرام يريد تحريمها بلا طلاق أو اليمين بتحريمها فليس بمول لأن التحريم شيء حكم فيه بكفارة إذ لم يقع به طلاق كما لا يكون الإيلاء والظهارطلاقا وإن أريد بهما طلاق لأنه حكم فيهما بكفارة ولو قال: إن قربتك فغلامي حر عن ظهاري إن تظاهرت لم يكن موليا حتى يظاهر ولو قال: إن قربتك فلله علي أن أعتق فلانا عن ظهاري وهو متظاهر لم يكن موليا وليس عليه أن يعتق فلانا عن ظهاره وعليه فيه كفارة يمين قال المزني رحمه الله: أشبه.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 انظر الأم 5/382.
2 انظر الأم 5/382.

 

ص -264-     بقوله أن لا يكون عليه كفارة ألا ترى أنه يقول لو قال: لله علي أن أصوم يوم الخميس عن اليوم الذي علي لم يكن عليه صوم يوم الخميس لأنه لم ينذرفيه بشيء يلزمه وإن صوم يوم لازم فأي يوم صامه أجزأ عنه ولم يجعل للنذر في ذلك معنى يلزمه به كفارة فتفهم قال الشافعي ولوآلى ثم قال لأخرى: قد أشركتك معها في الإيلاء لم تكن شريكتها لأن اليمين لزمته للأولى واليمين لا يشترك فيها ولو قال: إن قربتك فأنت زانية فليس بمول وإن قربها فليس بقاذف إلا بقذف صريح ولو قال: لا أصيبك سنة إلا مرة لم يكن موليا فإن وطىء وقد بقي عليه من السنة أكثر من أربعة أشهر فهومول وإن كان أقل من ذلك فليس بمول ولو قال: إن أصبتك فوالله لا أصبتك لم يكن موليا حتى يصيبها فيكون موليا ولو قال: والله لا أقربك إلى يوم القيامة أو حتى يخرج الدجال أو حتى ينزل عيسى ابن مريم أو حتى يقدم فلان أو يموت أو تموتي أو تفطمي ابنك فإن مضت أربعة أشهر قبل أن يكون شيء مما حلف عليه كان موليا وقال في موضع آخر: حتى تفطمي ولدك لم يكن موليا لأنها قد تفطمه قبل أربعة أشهر إلا أن يريد أكثر من أربعة أشهر قال المزني رحمه الله: هذا أولى بقوله لأن أصله أن كل يمين منعت الجماع بكل حال أكثر من أربعة أشهر إلا بأن يحنث فهو مول وقوله: حتى يشاء فلان فليس بمول حتى يموت فلان قال المزني: وهذا مثل قوله: حتى يقدم فلان أو يموت سواء في القياس وكذلك حتى تفطمي ولدك إذا أمكن الفطام في أربعة أشهر ولو قال: حتى تحبلي فليس بمول قال المزني رحمه الله: هذا مثل قوله حتى يقدم فلان أو يشاء فلان لأنه قد يقدم ويشاء قبل أربعة أشهر فلا يكون موليا قال المزني رحمة الله عليه: وأما قوله حتى تموتي فهو مول بكل حال كقوله حتى أموت أنا وهو كقوله: والله لا أطؤك أبدا فهو مول من حين حلف قال الشافعي رحمه الله تعالى: ولو قال: والله لا أقربك إن شئت فشاءت في المجلس فهو مول قال: والإيلاء في الغضب والرضا سواء لما تكون اليمين في الغضب والرضا سواء وقد أنزل الله تعالى الإيلاء مطلقا ولو قال: والله لا أقربك حتى أخرجك من هذا البلد لم يكن موليا لآنه قد يقدر على أن يخرجها قبل انقضاء الأربعة الأشهر ولا يجبر على إخراجها.

باب الإيلاء من نسوة.
قال الشافعي رحمه الله تعالى: ولو قال لأربع نسوة له: والله لا أقربنكم فهو مول منهن كلهن يوقف لكل واحدة منهن فإذا أصاب واحدة أو ثنتين خرجنا من حكم الإيلاء ويوقف للباقيتين حتى يفيء أو يطلق ولا حنث عليه حتى يصيب الأربع اللائي حلف عليهن كلهن ولو طلق منهن ثلاثا كان موليأ من الباقية لأنه لو جامعها واللائي طلق حنث ولو ماتت إحداهن سقط عنه.

 

ص -265-     الإيلاء لأنه يجامع البواقي ولا يحنث قال المزني: أصل قوله أن كل يمين منعت الجماع بكل حال فهو بها مول وقد زعم أنه مول من الرابعة الباقية ولو وطئها وحدها ما حنث فكيف يكون منها مولأ؟ ثم بين ذلك بقوله: لو ماتت إحداهن سقط عنه الإيلاء والقياس أنه لا إيلاء عليه حتى يطأ ثلاثا يكون موليا من الرابعة لأنه لا يقدر أن يطأها إلا حنث وهذا بقوله أولى قال الشافعي رحمه الله تعالى: ولو كان قال: والله لا أقرب واحدة منكن وهو يريدهن كلهن فهو مول يوقف لهن فأي واحدة ما أصاب منهن خرج من الإيلاء في البواقي لأنه حنث بإصابة الواحدة فإذا حنث مرة لم يعد الحنث بإيلاء ثانية.

باب علي من يجب التأقيت في الإيلاء ومن يسقط عنه.
قال الشافعي رحمه الله تعالى: ولا تعرض للمولي ولا لامرأته حتى تطلب الوقف بعد أربعة أشهر فإما أن يفيء وإما أن يطلق ولو عفت ذلك ثم طلبته كان ذلك لها لأنها تركت ما لم يجب لها في حال دون حال وليس ذلك لسيد الأمة ولا لولي معتوهة ومن حلف على أربعة أشهر فلا إيلاء عليه لأنها تنقضي وهوخارج من اليمين ولو حلف بطلاق امرأته لا يقرب امرأة له أخرى ثم بانت منه ثم نكحها فهو مول قال المزني رحمه الله: وقال في موضع آخر: لوآلى منها ثم طلقها فانقضت عدتها ثم نكحها نكاحا جديدا سقط عنه حكم الإيلاء وإنما يسقط عنه حكم الإيلاء لأنها صارت في حال لو طلقها لم يقع طلاقه عليها ولو جاز أن تبين امرأة المولي حتى تصير أملك لنفسها منه ثم ينكحها فيعود حكم الإيلاء جاز هذا بعد ثلاث وزوج غيره لأن اليمين قائمة بعينها في امرأة بعينها يكفر إن أصابها كماكانت قائمة قبل التزويج وهكذا الظهار مثل الإيلاء ولو آلى من امرأته الأمة ثم اشتراها فخرجت من ملكه ثم تزوجها أو العبد من حرة ثم اشترته فتزوجته لم يعلى الإيلاء لانفساخ النكاح قال المزني رحمه الله: هذا كله أشبه بأصفه لأن كل نكاح أو ملك حدث لم يعمل فيه إلا قول وإيلاء وظهار يحدث فالقياس أن كل حكم يكون في ملك إذا زال ذلك الملك زال ما فيه من الحكم فإذا زال نكاحه فبانت منه امرأته زال حكم الإيلاء عنه في معناه قال الشافعي والإيلاء يمين لوقت فالحر والعبد فيها سواء ألا ترى أن أجل العبد وأجل الحر العنين سنة ولو قالت: قد انقضت الأربعة الأشهر وقال: لم تنقض فالقول قوله مع يمينه وعليها البينة ولوآلى من مطلقة يملك رجعتها كان موليا من حين يرتجعها ولو لم يملك رجعتها لم يكن موليا والإيلاء من كل زوجة حرة وأمة ومسلمة وذمية سواء.

الوقف من كتاب الإيلاء ومن الإملاء على مسائل ابن القاسم والإملاء على مسائل مالك.
قال الشافعي رحمه الله تعالى: إذا مضت الأربعة الأشهر للمولي وقف وقيل له: إن فئت وإلا فطلق والفيئة الجماع إلا من عذر فيفيء باللسان ما كان العذر قائما فيخرج بذلك من الضرار ولو جامع في الأربعة الأشهر خرج من حكم الإيلاء وكفر عن يمينه ولو قال: أجلني في الجماع لم أؤجله أكثر من يوم فإن جامع خرج من حكم الإيلاء وعليه الحنث في.

 

ص -266-     يمينه ولا يبين أن أؤجله ثلاثا ولو قاله قائل كان مذهبا فإن طلق وإلا طلق عليه السلطان واحدة قال المزني رحمه الله تعالى: قد قطع بأنه يجبر مكانه فإما أن يفيء وإما أن يطلق وهذا بالقياس أولى والتأقيت لا يجب إلا بخبر لازم وكذا قال في استتابة المرتد مكانه فإن تاب وإلا قتل فكان أصح من قوله ثلاثا قال: وإنما قلت للسلطان أن يطلق عليه واحدة لأنه كان على المولي أن يفيء أو يطلق إذا كان لا يقدر على الفيئة إلا به فإذا امتنع قدر على الطلاق عنه ولزمه حكم الطلاق كما يأخذ منه كل شيء وجب عليه إذا امتنع من أن يعطيه وقال في القديم فيها قولان1 أحدهما: وهو أحبهما إليه والثاني: يضيق عليه بالحبس حتى يفيء أو يطلق لأن الطلاق لا يكون إلا منه قال المزني رحمه الله تعالى: ليس الثاني بشيء وما علمت أحدا قاله قال الشافعي رحمه الله: ويقال للذي فاء بلسانه من عذر إذا أمكنك أن تصيبها وقفناك فإن أصبتها وإلا فرقنا بينك وبينها ولوكانت حائضا أو أحرمت مكانها بإذنه أو بغير إذنه فلم يأمرها بإحلال لم يكن عليه سبيل حتى يمكن جماعها أو تحل إصابتها قال: وإذا كان المنع من قبله كان عليه أن يفيء فيء جماع أو فيء معذور وفيء الحبس باللسان وقال في موضع آخر: إذا آلى فحبس استوقفت به أربعة أشهر متتابعة قال المزني رحمه الله: الحبس والمرض عندي سواء لأنه ممنوع بهما فإذا حسبت عليه في المرض وكان يعجزعن الجماع بكل حال أجل المولي كان المحبوس الذي يمكنه أن تأتيه في حبسه فيصيبها بذلك أولى وقال في موضعين: ولو كان بينه وبينها مسيرة أشهر وطلبه وكيلها بما يلزمه لها أمرناه أن يفيء بلسانه والمسير إليها كما يمكنه فإن فعل وإلا طلق عليه قال: ولو غلب على عقله لم يوقف حتى يرجع إليه عقله فإن عقل بعد الأربعة وقف مكانه فإما أن يفيء وإما أن يطلق قال المزني رحمه الله: هذا يؤكد أن يحسب عليه مدة حبسه ومنع تأخره يوط أوثلاثا قال الشافعي رحمه الله: ولوأحرم قيل له: إن وطئت فسد إحرامك وإن لم تفىء طلق عليك ولو آلى ثم تظاهر أو تظاهر ثم آلى وهو يجد الكفارة قيل: أنت أدخلت المنع على نفسك فإن فئت فأنت عاص وإن لم تفىء طلق عليك ولو قالت: لم يصبني وقال أصبتها فإن كانت ثيبا فالقول قوله مع يمينه لأنها تدعي ما به الفرقة التي هي إليه وإن كانت بكرا أريها النساء فإن قلن هي بكر فالقول قولها مع يمينها قال المزني رحمه الله تعالى: إنما أحلفها لأنه يمكن أن يكون لم يبالغ فرجعت العذرة بحالها قال: ولو ارتدا أو أحدهما في الأربعة الأشهر أو خالعها ثم راجعها أو رجع من ارتد منهما في العدة استأنف في هذه الحالات كلها أربعة أشهر من يوم حل له الفرج ولا يشبه هذا الباب الأول لأنها في هذا الباب كانت محرمة كالأجنبية الشعر والنظر والحبس وفي تلك الأحوال لم تكن محرمة بشيء غير الجماع قال المزني: القياس عندي أن ما حل له بالعقد الأول فحكمه حكم امرأته.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 قوله "أحدهما وهو أحبهما الخ" كذا في الأصل ولعله أحدهما يطلق عليه وهو أحبهما الخ تأمل كتبه مصححه.

 

ص -267-     والإيلاء يلزمه بمعناه وأما من لم تحل له بعقدة الأول حتى يحدث نكاحا جديدا فحكمه مثل الأيم تزوج فلا حكم للإيلاء في معناه المشبه لأصله قال: وأقل ما يكون به المولي فائتا في الثيب أن يغيب الحشفة وفي البكر ذهاب العذرة فإن قال: لا أقدر على افتضاضها اجل أجل العنين ولو جامعها محرمة أو حائضا أو هو محرم أو صائم خرج من حكم الإيلاء ولوآلى ثم جن فأصابها في جنونه أو جنونها خرج من الإيلاء وكفر إذا أصابها وهو صحيح ولم يكفر إذا أصابها وهو مجنون لأن القلم عنه مرفوع في تلك الحال قال المزني رحمه الله: جعل فعل المجنون في جنونه كالصحيح في خروجه من الإيلاء قال المزني رحمه الله: إذا خرج من الإيلاء في جنونه بالإصابة فكيف لا يلزمه الكفارة ولو لم يلزمه الكفارة ما كان حانثا وإذا لم يكن حانثا لم يخرج من الإيلاء قال الشافعي رحمه الله تعالى: والذمي كالمسلم فيما يلزمه من الإيلاء إذا حاكم إلينا وحكم الله تعالى على العباد واحد قال في كتاب الجزية: لو جاءت امرأة تستعدي بأن زوجها طلقها أو آلى منها أوتظاهرحكمت عليه في ذلك حكي على المسلمين ولوجاء رجل منهم يطلب حقا كان على الإمام أن يحكم على المطلوب وإن لم يرض بحكمه قال المزني رحمه الله: هذا أشبه القولين به لأن تأويل قول الله عز وجل عنده: {حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} أن تجرى عليهم أحكام الإسلام قال: وإذا كان العربي يتكلم بألسنة العجم وآلى بأي لسان كان منها فهومول في الحكم وإن كان يتكلم بأعجمية فقال: ما عرفت ما قلت وما أردت إيلاء فالقول قوله مع يمينه ولو الى ثم آلى فإن حنث في الأولى والثانية لم يعد عليه الإيلاء وإن أراد باليمين الثانية الأولى فكفارة واحدة وإن أراد غيرها فأحب كفارتين وقد زعم من خالفنا في الوقف أن الفيئة فعل يحدثه بعد اليمين في الأربعة الأشهر إما بجماع أو فيء معذور بلسانه وزعم أن عزيمة الطلاق انقضاء أربعة أشهر بغير فعل يحدثه وقد ذكرهما الله تعالى بلا فصل بينهما فقلت له: أرأيت أن لو عزم أن لا يفيء في الأربعة الأشهر أيكون طلاقا؟ قال: لا حتى يطلق قلت: فكيف يكون انقضاء الأربعة الأشهر طلاقا بغير عزم ولا إحداث شيء لم يكن؟.

باب إيلاءالخصي غيرالمجبوب والمجبوب من كتاب الإيلاء وكتاب النكاح وإملاء علي مسائل مالك.
قال الشافعي رحمه الله تعالى: وإذا آلى الخصي من امرأته فهو كغير الخصي إذا بقي من ذكره ما ينال به من المرأة ما يبلغ الرجل حتى يغيب الحشفة وإن كان مجبوبا قيل له فىء بلسانك لا شيء عليك غيره لأنه ممن لا يجامع مثله وقال في الإملاء: ولا إيلاء على المجبوب لأنه لا يطيق الجماع أبدا قال المزني رحمه الله تعالى: إذا لم نجعل ليمينه معنى يمكن أن يحنث به سقط الإيلاء فهذا بقوله أولى عندي قال الشافعي رحمه الله تعالى: ولو آلى صحيحصا ثم جب ذكره كان لها الخيار مكانها في المقام معه أو فراقه.