مختصر المزني في فروع الشافعية ط العلمية

ص -268-     كتاب الظهار.
باب من يجب عليه الظهار ومن لا يجب عليه من كتابي ظهار قديم وجديد.
قال الشافعي رحمه الله: قال الله تبارك وتعالى: {وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ}1 الآية قال الشافعي كل زوج جاز طلاقه وجرى عليه الحكم من بالغ جرى عليه الظهار حرا كان أو عبدا أو ذميا وفي امرأته دخل بها أو لم يدخل يقدر على جماعها أو لا يقدر بأن تكون حائضا أو محرمة أو رتقاء أو صغيرة أو في عدة يملك رجعتها فذلك كله سواء قال المزني رحمه الله: ينبغي أن يكون معنى قوله في التي يملك رجعتها أن ذلك يلزمه إن راجعها لأنه يقول2: لو تظاهر منها ثم أتبع التظهير طلاقا ملك فيه الرجعة فلا حكم للإيلاء حتى يرتجع فإذا ارتجع رجع حكم الإيلاء وقد جمع الشافعي رحمه الله بينهما حيث يلزمان وحيث يسقطان وفي هذا لما وصفت بيان قال الشافعي رحمه الله تعالى: ولو تظاهر من امرأته وهي أمة ثم اشتراها فسد النكاح والظهار بحاله لا يقربها حتى يكفر لأنها لزمته وهي زوجة ولا يلزم المغلوب على عقله إلا من سكر وقال في القديم: في ظهار السكران قولان: أحدهما يلزمه والآخر لا يلزمه قال المزني رحمه الله تعالى: يلزمه أولى وأشبه بأقاويله ولا يلزمه أشبه بالحق عندي إذا كان لا يميز قال المزني رحمه الله: وعلة جواز الطلاق عنده إرادة المطلق ولا طلاق عنده على مكره لارتفاع إرادته و السكران الذي لا يعقل معنى ما يقول لا إرادة له كالنائم فإن قيل: لأنه أدخل ذلك على نفسه قيل: أو ليس وإن أدخله على نفسه فهو في معنى ما أدخله على غيره من ذهاب عقله وارتفاع إرادته؟ ولو افترق حكمهما في المعنى الواحد لاختلاف نسبته من نفسه ومن غيره لاختلف حكم من جن بسبب نفسه وحكم من جن بسبب غيره فيجوز بذلك طلاق بعض المجانين فإن قيل: ففرض الصلاة يلزم السكران ولا يلزم المجنون قيل: وكذلك فرض الصلاة يلزم النائم ولا يلزم المجنون فهل يجيز طلاق النوم لوجوب فرض الصلاة عليهم؟ فإن قيل: لا يجوز لأنه لا يعقل قيل: وكذلك طلاق السكران لأنه لا يعقل قال الله.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 سورة القصص: 3
2 قوله "لو تظاهر منها ثم اتبع التظهير الخ لعله "لو آلى منها ثم أتبع الإيلاء الخ" كما يعلم من بقية العبارة تأمل.

 

ص -269-     تعالى: {لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ}1 فلم تكن له صلاة حتى يعلمها ويريدها وكذلك لا طلاق له ولا ظهار حتى يعلمه ويريده وهو قول عثمان بن عفان ابن عباس و عمر بن عبد العزيز و يحيى بن سعيد و الليث بن سعد وغيرهم وقد قال الشافعي رحمه الله تعالى: إذا ارتد سكران لم يستتب في سكره ولم يقتل فيه قال المزني رحمه الله: وفي ذلك دليل أن لا حكم لقوله لا أتوب لأنه لا يعقل ما يقول فكذلك هو في الطلاق والظهار لا يعقل ما يقول فهو أحد قوليه في القديم قال: ولو تظاهر منها ثم تركها أكثر من أربعة أشهر فهو متظاهر ولا إيلاء عليه يوقف له لا يكون المتظاهر به موليا ولا المولى بالإيلاء متظاهرا وهو مطيع لله تعالى بترك الجماع في الظهار عاص له لو جامع قبل أن يكفر وعاص بالإيلاء وسواء كان مضارا بترك الكفارة أو غير مضار إلا أنه يأثم بالضرار كما يأثم لو آلى أقل من أربعة أشهر يريد ضرارا ولا يحكم عليه بحكم الإيلاء ولا بحال حكم الله عما أنزل فيه ولو تظاهر يريد طلاقا كان طلاقا أو طلق بريد ظهارا كان طلاقا وهذه أصول ولا ظهار من أمة ولا أم ولد لأن الله عز وجل يقول: {وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ}2 كما قال: {يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ}3 {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ}4 فعقلنا عن الله عز وجل أنها ليست من نسائنا وإنما نساؤنا أزواجنا ولو لزمها واحد من هذه الأحكام لزمها كلها.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 سورة النساء: 43.
2 انظر الأم 5/365,364.
3 لعله "كان ظهارا" كما يؤخذ من عبارة "الأم", فراجعها, كتبه مصححه.
4 سورة المجادلة: 2.
5 سورة البقرة: 226.
6 سورة النور: 6.

باب ما يكون ظهارا وما لا يكون ظهارا.
قال الشافعي رحمه الله: الظهار أن يقول الرجل لامرأته: أنت علي كظهر أمي: فإن قال: أنت مني أو أنت معي كظهر أمي وما أشبه فهو ظهار وإن قال: فرجك أو رأسك أو ظهرك أو جلدك أو يدك أو رجلك علي كظهر أمي كان هذا ظهارا ولو قال: كبدن أمي أو كرأس أمي أو كيدها كان هذا ظهارا لأن التلذذ بكل أمه محرم ولو قال: كأمي أو مثل أمي وأراد الكرامة فلا ظهار وإن أراد الظهار فهو ظهار وإن قال: لا نية لي فليس بظهار وإن قال: أنت علي كظهر امرأة محرمة من نسب أو رضاع قامت في ذلك مقام الأم لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
"يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب"5 قال المزني رحمه الله تعالى: وحفظي وغيري عنه لا يكون متظاهرا بمن كانت حلالا في حال ثم حرمت بسبب كما.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
7 انظر الأم 5/397.

 

ص -270-     حرمت نساء الآباء وحلائل الأبناء بسبب وهولا يجعل هذا ظهارا ولا في قوله كظهر أبي قال: ويلزم الحنث بالظهار كما يلزم بالطلاق قال الشافعي رحمه الله: ولو قال: إذا نكحتك فأنت علي كظهر أمي فنكحها لم يكن متظاهرا لأن التحريم إنما يقع من النساء على من حل له ولا معنى للتحريم في المحرم ويروى مثل ما قلت عن النبي صلى الله عليه وسلم ثم علي وابن عباس وغيرهم وهو القياس1 ولو قال: أنت طالق كظهر أمي يريد الظهار فهي طالق لأنه صرح بالطلاق فلا معنى لقوله: كظهر أمي إلا أنك حرام بالطلاق كظهر أمي ولو قال: أنت علي كظهر أمي يريد الطلاق فهو ظهار ولو قال لأخرى: قد أشركتك معها أو أنت شريكمها أو أنت كهي ولم ينو ظهارا لم يلزمه لأنها تكون شريكتها في أنها زوجة له أو عاصية أو مطيعة له كهي قال: ولو ظاهر من أربع نسوة له بكلمة واحدة فقال في كتاب الظهار الجديد وفي الإملاء على مسائل مالك أن عليه في كل واحدة كفارة كما يطلقهن معا بكلمة واحدة وقال في الكتاب القديم: ليس عليه إلا كفارة واحدة لأنها يمين ثم رجع إلى الكفارات قال المزني وهذا بقوله أولى قال الشافعي رحمه الله: ولو تظاهر منها مرارا يريد بكل واحدة ظهارا غير الأخر قبل يكفر فعليه بكل تظاهر كفارة كما يكون عليه في كل تطليقة تطليقة ولو قالها متتابعا فقال: أردت ظهارا واحدا فهو واحد كما لو تابع بالطلاق كان كطلقة واحدة ولو قال: إذا تظاهرت من فلانة الأجنبية فأنت علي كظهر أمي فتظاهر من الأجنبية لم يكن عليها ظهار كما لوطلق أجنبية لم يكن طلاقا.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 انظر الأم 5/398.

باب ما يوجب علي المتظاهر الكفارة من كتابي الظهار قديم وجديد وما دخله من اختلاف أبي حنيفة وابن أبي ليلي والشافعي رحمة الله عليهم.
قال الشافعي رحمه الله: قال الله تبارك وتعالى: {ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ}2 الآية قال: والذي عقلت مما سمعت في {يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا} الآية أنه إذا أتت على المتظاهر مدة بعد القول بالظهار لم يحرمها بالطلاق الذي نحرم به وجبت عليه الكفارة كأنهم يذهبون إلى أنه إذا أمسك ما حرم على نفسه فقد عاد لما قال فخالفه فأحل ما حرم ولا أعلم معنى أولى به من هذا قال: ولو أمكنه أن يطلقها فلم يفعل لزمته الكفارة وكذلك لو مات أو ماتت ومعنى قول الله تبارك و تعالى: {مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا}3 وقت لأن يؤدي ما وجب عليه قبل المماسة حتى يكفر وكان هذا والله أعلم عقوبة مكفرة لقول الزور فإذا منع الجماع أحببت أن يمنع القبل والتلذذ احتياطا حتى يكفر فإن مس لم تبطل الكفارة كما يقال له: أد الصلاة في وقت كذا وقبل وقت كذا فيذهب الوقت فيؤديها بعد الوقت لأنها فرضه ولو أصابها وقد كفر بالصوم في ليل الصوم لم ينتقض صومه ومضى على الكفارة.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
2 سورة المجادلة: 3.
3 سورة المجادلة: 4.

 

ص -271-     ولو كان صومه ينتقض بالجماع لم تجزئه الكفارة بعد الجماع ولوتظاهر وأتبع الظهارطلاقا تحل فيه قبل زوج يملك الرجعة أو لا يملكها ثم راجعها فعليه الكفارة ولو طلقها ساعة نكحها لأن مراجعته إياها بعد الطلاق أكثر من حبسها بعد الظهار قال المزني رحمه الله: هذا خلاف أصله كل نكاح جديد لم يعمل فيه طلاق ولا ظهار إلا جديد وقد قال في هذا الكتاب: لوتظاهر منها ثم أتبعها طلاقا لا يملك الرجعة ثم نكحها لم يكن عليه كفارة لأن هذا ملك غير الأول الذي كان فيه الظهار ولو جاز أن يظاهر منها فيعود عليه الظهار إذا نكحها جاز ذلك بعد ثلاث وزوج غيره وهكذا الإيلاء قال المزني رحمه الله: هذا أشبه بأصله وأولى بقوله والقياس أن كل حكم كان في ملك فإذا زال ذلك زال ما فيه من الحكم فلما زال ذلك النكاح زال ما فيه من الظهار والإيلاء قال: ولو تظاهر منها ثم لاعنها مكانه بلا فصل سقط الظهار ولو كان حبسها قدر ما يمكنه اللعان فلم يلاعن كانت عليه الكفارة وقال في كتاب اختلاف أبي حنيفة وابن أبي ليلى: لوتظاهر منها يوما فلم يصبها حتى انقضى لم يكن عليه كفارة كما لو الى فسقطت اليمين سقط عنه حكم اليمين قال المزني رحمه الله: أصل قوله أن المتظاهر إذا حبس امرأته مدة يمكنه الطلاق فلم يطلقها فيها فقد عاد ووجبت عليه الكفارة وقد حبسها هذا بعد التظاهريوما يمكنه الطلاق فيه فتركه فعاد إلى استحلال ما حرم فالكفارة لازمة له في معنى قوله وكذا قال: لو مات أو ماتت بعد الظهار وأمكن الطلاق فلم يطلق فعليه الكفارة قال الشافعي رحمه الله: ولو تظاهر وآلى قيل: إن وطئت قبل الكفارة خرجت من الإيلاء وأثمت وإن انقضت أربعة أشهر وقفت فإن قلت: أنا أعتق أو أطعم لم نمهلك أكثر مما يمكنك اليوم وما أشبهه وإن قلت: أصوم قيل إنما أمرت بعد الأربعة بأن تفيء أو تطلق فلا يجوز أن يجعل لك سنة.

باب ما يجزيء من الرقاب وما لا يجزيء وما يجزىء من الصوم وما لا يجزىء.
قال الشافعي رحمه الله: قال الله تعالى في الظهار: {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ}1 قال: فإذا كان واجدا لها أو لثمنها لم يجزئه غيرها وشرط الله عز وجل في رقبة القتل مؤمنة كما شرط العدل في الشهادة وأطلق الشهود في مواضع فاستدللنا على أن ما أطلق على معنى ما شرط وإنما رد الله تعالى أموال المسلمين على المسلمين لا على المشركين وفرض الله تعالى الصدقات فلم تجز إلا للمؤمنين فكذلك ما فرض الله من الرقاب فلا يجوز إلا من المؤمنين وءإن كانت أعجمية وصفت الإسلام فإن أعتق صبية أحد أبويها مؤمن أو خرساء جبلية تعقل الإشارة بالإيمان أجزأته وأحب إلي أن لا يعتقها إلا أن تتكلم بالإيمان ولو سبيت صبية مع أبويها كافرين فعقلت ووصفت الإسلام وصلت إلا أنها لم تبلغ لم تجزئه حتى تصف الإسلام بعد البلوغ قال: ووصفها الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 سورة المجادلة: 3.

 

ص -272-     محمدا رسول الله صلى الله عليه وسلم وتبرأ من كل دين خالف الإسلام وأحب لو امتحنها بالإقرار بالبعث بعد الموت وما أشبهه قال الشافعي رحمه الله: لا يجزىء في رقبة واجبة تشتري بشرط أن تعتق لأن ذلك يضع من ثمنها ولا يجزىء فيها مكاتب أدى من نجومه شيئا أو لم يؤده لأنه ممنوع من بيعه ولا يجزىء أم ولد في قول من لا يبيعها قال المزني رحمه الله تعالى: هولا يجيز بيعها وله بذلك كتاب قال: وإن أعتق عبدا له كائبا فهو على غير يقين أنه أعتق ولو اشترى من يعتق عليه لم يجزئه لأنه عتق بملكه ولو أعتق عبدا بينه وبين آخر عن ظهاره وهو موسر أجزأ عنه من قبل أنه لم يكن لشريكه أن يعتق ولا يرد عتقه وإن كان معسرا عتق نصفه فإن أفاد واشترى النصف الثاني وأعتقه أجزأه ولوأعتقه على أن جعل له رجل عشرة دنانير لم يجزئه ولوأعتق عنه رجل عبدا بغير أمره لم يجزئه والولاء لمن أعتقه ولو أعتقه بأمره بجعل أو غيره أجزأه والولاء له وهذا مثل شراء مقبوض أو هبة مقبوضة قال المزني: معناه عندي أن يعتقه عنه بجعل ولو أعتق عبدين عن ظهارين أو ظهار وقتل كل واحد منهما عن الكفارتين أجزآه لأنه أعتق عن كل واحدة عبدا تاما نصفا عن واحدة ونصفا عن واحدة ثم أخرى نصفا عن واحدة ونصفا عن واحدة فكمل فيها العتق ولو كان ممن عليه الصوم فصام شهرين عن إحداهما كان له أن يجعله عن أيهما شاء وكذلك لو صام أربعة أشهر عنهما أجزأه ولو كان عليه ثلاث كفارات فأعتق رقبة ليس له غيرها وصام شهرين ثم مرض فأطعم ستين مسكينا ينوي بجميع هذه الكفارات الظهار وإن لم ينو واحدة بعينها أجزأه لأن نيته في كل كفارة بأنها لزمته ولو وجبت عليه كفارة فشك أن تكون من ظهار أو قتل أو نذر فأعتق رقبة عن أيها كان أجزأه ولو أعتقها لا ينوي واحدة منها لم يجزئه ولو ارتد قبل أن يكفر فأعتق عبدا عن ظهاره فإن رجع أجزأه لأنه في معنى دين أداه أوقصاص أخذمنه أوعقوبة على بدنه لمن وجبت له ولو صام في ردته لم يجزئه لأن الصوم عمل البدن وعمل البدن لا يجزىء إلا من يكتب له.

باب ما يجزىء من العيوب في الرقاب الواجبة من كتابي الظهار قديم وجديد.
قال الشافعي رحمه الله: لم أعلم أحدا ممن مضى من أهل العلم ولا ذكر لي عنه ولا بقي خالف في أن من ذوات النقص من الرقاب ما لا يجزىء ومنها ما يجزىء فدل ذلك على أن المراد بعضها دون بعض فلم أجد في معاني ما ذهبوا إليه ما أقول والله أعلم وجماعة أن الأغلب فيما يتخذ له الرقيق العمل ولا يكون العمل تاما حتى تكون يدا المملوك باطشتين ورجلاه ماشيتين وله بصر وإن كان عينا واحدة ويكون يعقل وإن كان أبكم أو أصم يعقل أو أحمق أو ضعيف البطش قال في القديم: الأخرس لا يجزىء قال المزني رحمه الله: أولى بقوله أنه يجزىء لأن أصله أن ما أضر بالعمل ضررا بينا لم يجز وإن لم يضر كذلك أجزأ قال: والذي يجن ويفيق يجزىء وإن كان مطبقا لم يجزىء ويجوز المريض لأنه يرجى والصغير كذلك.

 

ص -273-     من له الكفارة بالصيام من كتابين.
قال الشافعي رحمه الله: من كان له مسكن وخادم لا يملك غيرهما ولا ما يشتري به مملوكا كان له أن يصوم شهرين متتابعين وإن أفطر من عذر أو غيره أو صام تطوعا أو من الأيام التي نهى صلى الله عليه وسلم عن صيامها استأنفهما متتابعين وقال في كتاب القديم: إن أفطر المريض بنى واحتج في القاتلة التي عليها صوم شهرين متتابعين إذا حاضت أفطرت فإذا ذهب الحيض بنت وكذلك المريض إذا ذهب المرض بنى قال المزني رحمه الله: وسمعت الشافعي منذ دهر يقول: إن أفطر بنى قال المزني رحمه الله: وإن هذا لشبيه لأن المرض عذر وضرورة والحيض عذر وضرورة من قبل الله عز وجل يفطر بهما في شهر رمضان وبالله التوفيق قال: وإذا صام بالأهلة صام هلالين وإن كان تسعة أو ثمانية وخمسين ولا يجزئه حتى يقدم نية الصوم قبل الدخول ولو نوى صوم يوم فأغمي عليه فيه ثم أفاق قبل الليل أو بعده ولم يطعم أجزأه إذا دخل فيه قبل الفجر وهو يعقل فإن أغمي عليه قبل الفجر لم يجزئه لأنه لم يدخل في الصوم وهويعقل قال المزني رحمه الله: كل من أصبح نائما في شهررمضان صام وإن لم يعقله إذا تقدمت نيته قال: ولوأغمي عليه فيه وفي يوم بعده ولم يطعم استأنف الصوم لأن في اليوم الذي أغمي عليه فيه كله غير صائم ولا يجزئه إلا أن ينوي كل يوم منه على حدته قبل الفجرلأن كل يوم منه غير صاحبه ولو صام شهر رمضان في الشهرين أعاد شهر رمضان واستأنف شهرين قال: وأقل ما يلزم من قال: إن الجماع بين ظهراني الصوم يفسد الصوم لقوله تعالى:
{مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا}1 أن يزعم أن الكفارة بالصوم والعتق لا يجزئان بعد أن يتماسا قال: والذي صام شهرا قبل التماس وشهرا بعده أطاع الله في شهر وعصاه بالجماع قبل شهر يصومه وأن من جامع قبل الشهر الآخر منهما أولى أن يجوز من الذي عصى الله بالجماع قبل الشهرين معا قال الشافعي رحمه الله تعالى: وإنما حكمه في الكفارات حين يكفر كما حكمه في الصلاة حين يصلي قال: ولو دخل في الصوم ثم أيسر كان له أن يمضي على الصيام والاختيار له أن يدع الصوم وبعتق قال المزني رحمه الله: ولو كان الصوم فرضه ما جاز اختيار إبطال الفرض والرقبة فرض وإن وجدها لا غيرها كما أن الوضوء بالماء فرض إذا وجده لا غيره ولا خيار في ذلك بين أمرين فلا يخلو الداخل في الصوم إذا وجد الرقبة من أن يكون بمعناه المتقدم فلا فرض عليه إلا الصوم فكيف يجزئه العتق وهو غير فرضه أو يكون صومه قد بطل لوجود الرقبة فلا فرض إلا العتق فكيف يتم الصوم فيجزئه وهو غير فرضه؟ فلما لم يختلفوا أنه إذا أعتق أدى فرضه ثبت أن لا فرض عليه غيره وفي ذلك إبطال صومه كمعتدة بالشهور فإذا حدث الحيض بطلت الشهور وثبت.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 سورة المجادلة: 4.

 

ص -274-     حكم الحيض عليها ولما كان وجود الرقبة يبطل صوم الشهرين كان وجودها بعد الدخول في الشهور يبطل ما بقي من الشهور وفي ذلك دليل أنه إذا وجد الرقبة بعد الدخول بطل ما بقي من الشهرين وقد قال الشافعي رحمه الله تعالى بهذا المعنى: زعم في الأمة تعتق وقد في خلت في العدة أنها لا تكون في عدتها حرة وتعتد أمة وفي المسافر يدخل في الصلاة ثم يقيم لا يكون في بعض صلاته مقيما ويقصر ثم قال: وهذا أشبه بالقياس قال المزني: فهذا معنى ما قلت وبالله التوفيق ولو قال لعبده: أنت حر الساعة عن ظهاري إن تظهرته كان حرا لساعته ولم يجزئه أن يتظهر لأنه لم يكن ظهار ولم يكن سبب منه.

باب الكفارة بالطعام من كتابي ظهار قديم وجديد.
قال الشافعي رحمه الله تعالى: فيمن تظهر ولم يجد رقبة ولم يستطع حين يريد الكفارة صوم شهرين متتابعين بمرض أو علة ما كانت أجزأه أن يطعم ولا يجزئه أقل من ستين مسكينا كل مسكين مدا من طعام بلده الذي يقتات حنطة أو شعيرا أو أرزا أو سلتا أو تمرا أو زبيبا أو أقطا ولا يجزئه أن يعطيهم جملة ستين مدا أو أكثر لأن أخذهم الطعام يختلف فلا أدري لعل أحدهم يأخذ أقل وغيره أكثر مع أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما سن مكيلة طعام في كل ما أمر به من كفارة ولا يجزئه أن يعطيهم دقيقا ولا سويقا ولا خبزا حتى يعطيهموه حبا وسواء منهم الصغير والكبير ولا يجوز أن يعطيه من تلزمه نفقته ولا عبدا ولا مكاتبا ولا أحدا على غير دين الإسلام قال في القديم: لو علم بعد إعطائه أنه غني أجزأه ثم رجع إلى أنه لا يجزئه قال المزني رحمه الله: وهذا أقيس لأنه أعطى من لم يفرضه الله تعالى له بل حرمه عليه والخطأ عنده في الأموال في حكم العمد إلا في المأثم قال الشافعي رحمه الله تعالى: ويكفر بالطعام قبل المسيس لأنها في معنى الكفارة قبلها ولو أعطى مسكينا مدين مدا عن ظهاره ومدا عن اليمين أجزأه لأنهما كفارتان مختلفتان ولا يجوز أن يكفر إلا كفارة كاملة من أي الكفارات كفر وكل الكفارات بمد النبي صلى الله عليه وسلم لا تختلف وفي فرض الله على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم وسنة نبيه ير ما يدل على أنه بمد النبي صلى الله عليه وسلم وكيف يكون بمد من لم يولد في عهده أو مد أحدث بعده؟ وإنما قلت: مدأ لكل مسكين لحديث النبي صلى الله عليه وسلم في المكفر في رمضان فإنه أتي بعرق فيه خمسة عشر صاعا فقال للمكفر:
"كفر به"1 وقد أعلمه أن عليه إطعام ستين مسكينا فهذا مدخله وكانت الكفارة بالكفارة أشبه في القياس من أن نقيسها على فدية في الحج وقال بعض الناس: المد رطلان بالحجازي وقد احتججنا فيه مع أن الأثار على ما قلنا فيه وأمر الناس بدار الهجرة وما ينبغي لأحد أن يكون أعلم بهذا من أهل المدينة وقالوا أيضا: لو أعطى مسكينا واحدا طعام ستين مسكينا في ستين يوما أجزأه قال.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 انظر الأم 5/207.

 

ص -275-     الشافعي رحمه الله: لئن أجزأه في كل يوم وهو واحد ليجزئه في مقام واحد فقيل له: أرأيت لو قال قائل قال الله: {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ}1 شرطان عدد وشهادة فأنا أجيز الشهادة دون العدد فإن شهد اليوم شاهد ثم عاد لشهادته فهي شهادتان فإن قال لا حتى يكونا شاهدين فكذلك لا حتى يكونوا ستين مسكينا وقال أيضا: لو أطعمه أهل الذمة أجزأه فإن أجزأ في غير المسلمين وقد أوصى الله تبارك وتعالى بالأسير فلم لا يجزىء أسير المسلمين الحربي والمستأمنون إليهم؟ وقال: لو غداهم أو عشاهم وإن تفاوت أكلهم فأشبعهم أجزأ وإن أعطاهم قيمة الطعام عرضا أجزأ فإنه إن ترك ما نصت السنة من المكيلة فأطعم ستين صبيا أو رجالا مرضى أو من لا يشبعهم إلا أضعاف الكفارة فما يقول إذا أعطى عرضا مكان المكيلة لو كان موسرا؟ يعتق رقبة فيتصدق بقيمتها فإن أجاز هذا فقد أجاز الإطعام وهو قادر على الرقبة وإن زعم أنه لا يجوز إلا رقبة فلم جوز العرض وإنما السنة مكيلة طعام معروفة؟ وإنما يلزمه في قياس هذا أن يحيل الصوم وهو مطيق له إلى الضد.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 سورة الطلاق: 2.

مختصر من الجامع من كتابي لعان جديد وقديم وفيما دخل فيهما من الطلاق من أحكام القرآن ومن اختلاف الحديث.
قال الشافعي رحمه الله: قال الله تعالى:
{وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ}2 إلى قوله: {أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ}3 قال: فكان بينا والله أعلم في كتابه أنه أخرج الزوج من قذف المرأة بالتعانة كما أخرج قاذف المحصنة غير الزوجة بأربعة شهود مما قذفها به وفي ذلك دلالة أن ليس على الزوج أن يلتعن حتى تطلب المقذوفة كما ليس على قاذف الأجنبية حد حتى تطلب حدها قال: ولما لم يخص الله أحدا من الأزواج دون غيره ولم يدل على ذلك سنة ولا إجماع كان على كل زوج جاز طلاقه ولزمه الفرض وكذلك كل زوجة لزمها الفرض ولعانهم كلهم سواء لا يختلف القول فيه والفرقة ونفي الولد وتختلف الحدود لمن وقعت له وعليه وسواء قال: زنت أو رأيتها تزني أو يا زانية كما يكون ذلك سواء إذا قدف أجنبية وقال في كتاب النكاح والطلاق إملاء على مسائل مالك: ولوجاءت بحمل وزوجها صبي دون العشر لم يلزمه لأن العلم يحيط أنه لا يولد لمثله وإن كان ابن عشر سنين وأكثر وكان يمكن أن يولد له كان له حتى يبلغ فينفيه بلعان أو يموت قبل البلوغ فيكون ولده ولو كان بالغا مجبوبا كان له إلا أن ينفيه بلعان لأن اللعن لا يحيط أنه لا يحمل له ولو قال: قذفتك وعقلي ذاهب فهو قاذف إلا أن يعلم أن ذلك يصيبه فيصدق ويلاعن الأخرس إذا كان يعقل الإشارة وقال بعض الناس: لا يلاعن وإن طلق وباع بإيماء أو بكتاب يفهم جاز.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
2 سورة النور: 6.
3 سورة النور: 9.

 

ص -276-     قال: وأصمتت أمامة بنت أبي العاص فقيل لها لفلان كذا ولفلان كذا فأشارت أن نعم فرفع ذلك فرأيت أنها وصية قال: ولو كانت مغلوبة على عقلها فالتعن وقعت الفرقة ونفى الولد إن انتفى منه ولا تحد لأنها ليست ممن عليه الحدود ولوطلبه وليها أو كانت امرأته أمة فطلبه سيدها لم يكن لواحد منهما فإن ماتت قبل أن تعفو عنه فطلبه وليها كان عليه أن يلتعن أو يحد للحرة البالغة ويعزر لغيرها ولو التعن وأبين اللعان فعلى الحرة البالغة الحد والمملوكة نصف الحد ونفي نصف سنة ولا لعان على الصبية لأنه لا حد عليها ولا أجبر الذمية على اللعان إلا أن ترغب في حكمنا فتلتعن فإن لم تفعل حددناها إن ثبتت على الرضا بحكمنا قال المزني رحمه الله تعالى: أولى به أن يحدها لأنها رضيت ولزمها حكمنا ولو كان الحكم إذا بت عليها فأبت الرضا به سقط عنها لم يجر عليها حكمنا أبدا لأنها تقدر إذا لزمها بالحكم ما تكره أن لا تقيم على الرضا ولو قدر اللذان حكم النبي صلى الله عليه وسلم عليهما بالرجم من اليهود على أن يرجمهما بترك الرضا لفعلا إن شاء الله تعالى وقال: في الإملاء في النكاح والطلاق على مسائل مالك: إن أبت أن تلاعن حددناها ولو كانت امرأته محدودة في زنا فقذفها بذلك الزنا أو بزنا كان في غير ملكه عزر إن طلبت ذلك ولم يلتعن وإن أنكر أن يكون قذفها فجاءت بشاهدين لاعن وليس جحوده القذف إكذابا لنفسه ولو قذفها ثم بلغ لم يكن عليه حد ولا لعان ولو قذفها في عدة يملك رجعتها فيها فعليه اللعان ولو بانت فقذفها بزنا نسبه إلى أنه كان وهي زوجته حد ولا لعان إلا أن ينفي به ولدا أو حملا فيلتعن فإن قيل: فلم لاعنت بينهما وهي بائن إذا ظهر بها حمل؟ قيل: كما ألحقت الولد لأنها كانت زوجته فكذلك لاعنت بينهما لأنها كانت زوجته ألا ترى أنها إن ولدت بعد بينونتها كهي وهي تحته وإذا نفى رسول الله صلى الله عليه وسلم الولد وهي زوجة فإذا زال الفراش كان الولد بعد ما تبين أولى أن ينفى أو في مثل حاله قبل أن تبين ولو قال: أصابك رجل في دبرك حد أو لاعن ولو قال لها: يا زانية بنت الزانية وأمها حرة مسلمة فطلب حد أمها لم يكن ذلك لها وحد لأمها إذا طلبته أو وكيلها والتعن لامرأته فإن لم يفعل حبس حتى يبرأ جلده فإذا برأ حد إلا أن يلتعن ومتى أبى اللعان فحددته إلا سوطا ثم قال: أنا ألتعن قبلت رجوعه ولا شيء حتى يبرأ جلده فإذا برأ حد إلا أن يلتعن ومتى أبى اللعان فحددته إلا سوطا ثم قال: أنا ألتعن قبلت رجوعه ولا شيء له فيما مضى من الضرب كما يقذف الأجنبيه ويقول: لا اتي بشهود فيضرب بعض الحد ثم يقول: أنا آتي بهم فيكون ذلك له وكذلك المرأة إذا لم تلتعن فضربت بعض الحد ثم تقول: أنا ألتعن قبلنا وقال قائل: كيف لاعنت بينه وبين منكوحة نكاحا فاسدا بولد والله يقول {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ} فقلت له: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "الولد للفراش وللعاهر الحجر"1 فلم يختلف المسلمون أنه مالك الإصابة بالنكاح الصحيح أو ملك اليمين قال: نعم هذا الفراش.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 انظر الأم 5/189.

 

ص -277-     قلت: والزنا لا يلحق به النسب ولا يكون به مهر ولا يدرأ فيه حد؟ قال: نعم قلت: فإذا حدثت نازلة ليست بالفراش الصحيح ولا الزنا الصريح وهو النكاح الفاسد أليس سبيلها أن نقيسها بأقرب الأشياء بها شبها قال: نعم قلت: فقد أشبه الولد عن وطء بشبهة الولد عن نكاح صحيح في إثبات الولد وإلزام المهر وإيجاب العدة فكذلك يشتبهان في النفي باللعان وقال بعض الناس: لا يلاعن إلا حران مسلمان ليس واحد منهما محدودا في قذف وترك ظاهر القرآن واعتل بأن اللعان شهادة وإنما هو يمين ولو كان شهادة ما جاز أن يشهد أحد لنفسه ولكانت المرأة على النصف من شهادة الرجل ولا كان على شاهد يمين ولما جاز التعان الفاسقين لأن شهادتهما لا تجوز فإن قيل: قد يتوبان فيجوزان قيل: فكذلك العبدان الصالحان قد يعتقان فيجوزان مكانهما والفاسقان لو تابا لم يقبلا إلا بعد طول مدة يختبران فيها فلزمهم أن يجيزوا لعان الأعميين النحيفين لأن شهادتهما عندهم لا تجوز أبدا كما لا تجوز شهادة المحدودين.

باب أين يكون اللعان.
قال الشافعي "روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه لاعن بين الزوجين على المنبر" قال: فإذا لاعن الحاكم بينهما في مكة فبين المقام والبيت أو بالمدينة فعلى المنبر أو ببيت المقدس ففي مسجده1 وكذا كل بلد قال: ويبدأ فيقيم الرجل قائما والمرأة جالسة فيلتعن ثم يقيم المرأة قائمة فتلتعن إلا أن تكون حائضا فعلى باب المسجد أو كانت مشركة التعنت في الكنيسة وحيث تعظم وإن شاءت المشركة أن تحضره في المساجد كلها حضرته إلا أنها لا تدخل المسجد الحرام لقول الله تعالى:
{فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا} قال المزني رحمه الله: إذا جعل للمشركة أن تحضره في المسجد وعسى بها مع شركها أن تكون حائضا كانت المسلمة بذلك أولى قال: وإن كانا مشركين ولا دين لهما تحاكما إلينا لاعن بينهما في مجلس الحكم.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 انظر الأم 5/413.

باب سنة اللعان ونفي الولد وإلحاقه بالأم وغير ذلك من كتام لعان جديد وقديم ومن اختلاف الحديث.
قال الشافعي رحمه الله تعالى: أخبرنا مالك عن نافع "عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رجلا لاعن امرأته في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وانتفى من ولدها ففرق صلى الله عليه وسلم بينهما وألحق الولد بالمرأة" وقال سهل و ابن شهاب: فكانت تلك سنة المتلاعنين2 قال الشافعي رحمه الله تعالى: ومعنى قولهما فرقة بلا طلاق الزوج قال: وتفريق النبي صلى الله عليه وسلم غير فرقة الزوج إنما هو تفريق حكم قال: وإذا "قال صلى الله عليه وسلم:
"الله يعلم أن أحدكما كاذب فهل منكما تائب؟"3.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
2 انظر الأم 5/184.
3 انظر الأم 5/186.

 

ص -278-     فحكم على الصادق والكاذب حكما واحدا وأخرجهما من الحد وقال: "وإن جاءت به أديعج فلا أراه إلا قد صدق عليها" فجاءت به على النعت المكروه فقال عليه السلام: "إن أمره لبين لولا ما حكم الله"1 فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه لم يستعمل دلالة صدقه عليها وحكم بالظاهر بينه وبينها فمن بعده من الولاة أولى أن لا يستعمل دلالة في مثل هذا المعنى ولا يقضي إلا بالظاهر أبدا قال الشافعي رحمه الله تعالى في حديث ذكره: أنه لما نزلت آية المتلاعنين "قال صلى الله عليه وسلم: "أيما امرأة أدخلت على قوم من ليس منهم فليست من الله في شيء ولن يدخلها الله جنته وأيما رجل جحد ولده وهو ينظر إليه احتجب الله منه وفضحه على رؤوس الأولين والآخرين"2.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 انظر الأم 5/186.
2 انظر الأم 5/183.

باب كيف اللعان من كتاب اللعان والطلاق وأحكام القرآن.
قال الشافعي رحمه الله: ولما حكى سهل شهود المتلاعنين مع حداثته3 وحكاه ابن عمر رضي الله عنهما4 استدللنا على أن اللعان لا يكون إلا بمحضر من طائفة من المؤمنين لأنه لا يحضر أمرا يريد النبي صلى الله عليه وسلم ستره ولا يحضره إلا وغيره حاضر له وكذلك جميع حدود الزنا يشهدها طائفة من المؤمنين أقلهم أربعة لأنه لا يجوز في شهادة الزنا أقل منهم وهذا يشبه قول الله تعالى في الزانيين:
{وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} وفي حكاية من حكى اللعان عن النبي صلى الله عليه وسلم جملة بلا تفسيردليل على أن الله تعالى لما نصب اللعان حكاية في كتابه فإنما لاعن صلى الله عليه وسلم بين المتلاعنين بما حكى الله تعالى في القرآن واللعان أن يقول الإمام للزوج: قل أشهد بالله إني لمن الصادقين فيما رميت به زوجتي فلانة بنت فلان من الزنا ويشير إليها إن كانت حاضرة ثم يعود فيقولها حتى يكمل ذلك أربع مرات ثم يقفه الإمام ويذكره الله تعالى ويقول: إني أخاف إن لم تكن صدف أن تبوء بلعنة الله فإن رآه يريد أن يمضي أمر من يضع يده على فيه ويقول: إن قولك وعلي لعنة الله إن كنت من الكاذبين موجبة فإن أبى تركه وقال قل: وعلي لعنة الله إن كنت من الكاذبين فيما رميت به فلانة من الزنا وإن قذفها بأحد يسميه بعينه واحدا أو اثنين أو أكثر قال مع كل شهادة: إني لمن الصادقين فيما رميتها به من الزنا بفلان أو فلان وفلان وقال عند الالتعان: وعلي لعنة الله إن كنت من الكاذبين فيما رميتها به من الزنا بفلان أو بفلان وفلان قال: وإن كان معها ولد فنفاه أو بها حمل فانتفى منه قال مع كل شهادة أشهد بالله إني لمن الصادقين فيما رميتها به من الزنا وإن هذا الولد ولد زنا ما هومني وإن كان حملا قال: وإن هذا الحمل إن كان بها حمل لحمل من زنا ما هومني فإن قال هذا فقد فرغ من الالتعان فإن أخطأ الإمام فلم يذكر نفي الولد أو الحمل في اللعان قال للزوج: إن.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
3 انظر الأم 5/181.
4 انظر الأم 5/184.

 

ص -279-     أردت نفيه أعدت اللعان ولا تعيد المرأة بعد إعادة الزوج اللعان إن كانت فرغت منه بعد التعان الزوج وإن أخطأ وقد قذفها برجل ولم يلتعن بقذفه فأراد الرجل حده أعاد عليه اللعان وإلا حد له إن لم يلتعن وقال في كتاب الطلاق من أحكام القرآن وفي الإملاء على مسائل مالك: ولما حكم الله تعالى على الزوج يرمي المرأة بالقذف ولم يستثن أن يسمي من يرميها به أو لم يسمه ورمى العجلان امرأته بابن عمه أو بابن عمها شريك بن السحماء وذكر للنبي صلى الله عليه وسلم أنه رآه عليها1 وقال في الطلاق من أحكام القرآن: فالتعن ولم يحضر صلى الله عليه وسلم المرمي بالمرأة فاستدللنا على أن الزوج إذا التعن لم يكن على الزوج للذي قذفه بامرأته حد ولو كان له لأخذه له رسول الله صلى الله عليه وسلم ولبعث إلى المرمي فسأله فإن أقر حد وإن أنكر حد له الزوج وقال في الإملاء على مسائل مالك: وسأل النبي صلى الله عليه وسلم شريكا فأنكر فلم يحلفه ولم يحده بالتعان غيره ولم يحد العجلاني القادف له باسمه وقال: في اللعان: ليس للإمام إذا رمى رجل بزنا أن يبعث إليه فيسأله عن ذلك لأنه الله يقول: {وَلا تَجَسَّسُوا}2 فإن شبه على أحد "أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث أنيسا إلى امرأة رجل فقال: "إن اعترفت فارجمها"3 فتلك امرأة ذكر أبو الزاني بها أنها زنت فكان يلزمه أن يسأل فإن أقرت حدت وسقط الحد عمن قذفها وان أنكرت حد قاذفها وكذلك لو كان قاذفها زوجها قال: ولما كان القاذف لامرأته إذا التعن لو جاء المقذوف بعينه لم يؤخذ له الحد لم يكن بمسألة المقذوف معنى إلا أن يسأل ليحد ولم يسأله صلى الله عليه وسلم وإنما سأل المقذوفة والله عز وجل أعلم للحد الذي يقع لها إن لم تقر بالزنا ولم يلتعن الزوج وأي الزوجين كان أعجميا التعن بلسانه بشهادة عدلين يعرفان لسانه وأحب إلي أن لو كانوا أربعة وإن كان أخرس يفهم الإشارة التعن بالإشارة وإن انطلق لسانه بعد الخرس لم يعد ثم تقام المرأة فتقول: أشهد بالله أن زوجي فلانا وتشير إليه إن كان حاضرا لمن الكاذبين فيما رماني به من الزنا ثم تعود حتى تقول ذلك أربع مرات فإذا فرغت وقفها الإمام وذكرها الله تعالى وقال: احذري أن تبوئي بغضب من الله إن لم تكوني صادقة في أيمانك فإن رآها تمضي وحضرتها امرأة أمرها أن تضع يدها على فيها وإن لم تحضرها ورآها تمضي قال لها: قولي وعلي غضب الله إن كان من الصادقين فيما رماني به من الزنا فإذا قالت ذلك فقد فرغت قال: وإنما أمرت بوقفهما وتذكيرهما الله لأن ابن عباس رضي الله عنهما حكى "أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر رجلا حين لاعن بين المتلاعنين أن يضع يده على فيه في الخامسة وقال: "إنها موجبة"4 ولما ذكر الله تعالى الشهادات أربعا ثم فصل بينهن باللعنة في الرجل والغضب في المرأة دل على حال افتراق اللعان والشهادات وأن اللعنة والغضب بعد الشهادة موجبان على من أوجبا عليه بأن يجترىء على القول أو الفعل ثم على الشهادة بالله باطلا ثم يزيد فيجترىء.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 انظر الأم 5/181.
2 سورة الحجرات: 12.
3 انظر الأم 5/187.
4 انظر الأم 5/181.

 

ص -280-     على أن يلتعن وعلى أن يدعو بلعنة الله فينبغي للإمام إذا عرف من ذلك ما جهلا أن يقفهما نظرا لهما بدلالة الكتاب والسنة.

باب ما يكون بعد التعان الزوج من الفرقة ونفي الولد وحد المرأة من كتابين قديم وجديد.
قال الشافعي رحمه الله تعالى: فإذا أكمل الزوج الشهادة والالتعان فقد زال فراش امرأته ولا تحلى له أبدا بحال وإن أكذب نفسه التعنت أو لم تلتعن وإنما قلت هذا لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
"لا سبيل لك عليها"1 ولم يقل حتى تكذب نفسك وقال في المطلقة ثلاثا: "حتى تنكح زوجا غيره" ولما قال عليه الصلاة والسلام: "الولد للفراش"2 وكانت فراشا لم يجز أن ينفي الولد عن الفراش إلا بأن يزول الفراش وكان معقولا في حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ ألحق الولد بأمه أنه نفاه عن أبيه وإن نفيه عنه بيمينه بالتعانه لا بيمين المرأة على تكذيبه بنفيه ومعقول في إجماع المسلمين أن الزوج إذا أكذب نفسه لحق به الولد وجلد الحد إذ لا معنى للمرأة في نفسه وأن المعنى للزوج فيما وصفت من نفيه وكيف يكون لها معنى في يمين الزوج ونفي الولد وإلحاقه؟ والدليل على ذلك ما لا يختلف فيه أهل العلم من أن الأم لو قالت: ليس هو منك إنما استعرته لم يكن قولها شيئا إذا عرف أنها ولدته على فراشه إلا بلعان لأن ذلك حق للولد دون الأم وكذلك لو قال: هو ابني وقالت: بل زنيت فهو من زنا كان ابنه ألا ترى أن حكم الولد في النفي والإثبات إليه دون أمه فكذلك نفيه بالتعانه دون أمه وقال بعض الناس: إذا التعن ثم قالت: صدق إني زنيت فالولد لا حق ولا حد عليها ولا لعان وكذلك إن كانت محدودة فدخل عليه أن لو كان فاسقا قذف عفيفة مسلمة والتعنا نفي الولد وهي عند المسلمين أصدق منه وإن كانت فاسقة فصدقته لم ينف الولد فجعل ولد العفيفة لا أب له وألزمها عاره وولد الفاسقة له أب لا ينفى عنه قال: وأيهما مات قبل أن يكمل الزوج اللعان ورث صاحبه والولد غير منفي حتى يكمل ذلك كله فإن امتنع أن يكمل اللعان حد لها وإن طلب الحد الذي قذفها به لم يحد لأنه قذف واحد حد فيه مرة والولد للفراش فلا ينفى إلا على ما نفى به رسول الله صلى الله عليه وسلم وذلك أن العجلاني قذف امرأته ونفى حملها لما استبانه فنفاه عنه باللعان ولو أكمل اللعان وامتنعت من اللعان وهي مريضة أو في برد أو حر وكانت ثيبا رجمت وإن كانت بكرا لم تحد حتى تصح وينقضي الحر والبرد ثم تحد لقول الله تعالى: {وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ} الاية والعذاب الحد فلا يدرأ عنها إلا باللعان وزعم بعض الناس لا يلاعن بحمل لعله ريح لقيل له: أرأيت لو أحاط العلم بأن ليس حمل أما تلاعن بالقذف قال: بلى قيل: فلم لا يلاعن مكانه وزعم لو جامعها وهو يعلم بحملها فلما وضعت تركها.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 انظر الأم 5/185.
2 انظر الأم 5/189.

 

ص -281-     تسعا وثلاثين ليلة وهي في الدم معه في منزله ثم نفى الولد معه كان ذلك له فيترك ما حكم به صلى الله عليه وسلم للعجلاني وامرأته وهي حامل من اللعان ونفي الولد عنه كما قلنا ولو لم يكن ما قلنا سنة كان يجعل السكات في معرفة الشيء في معنى الإقرار فزعم في الشفعة إذا علم فسكت فهو إقرار بالتسليم وفي العبد يشتريه إذا استخدمه رضي بالعيب ولم يتكلم فحيث شاء جعله رضا ثم جاء إلى الأشبه بالرضا والإقرار فلم يجعله رضا وجعل صمته عن إنكاره أربعين ليلة كالإقرار وأباه في تسع وثلاثين فما الفرق بين الصمتين وزعم بأنه استدل بأن الله تعالى لما أوجب على الزوج الشهادة ليخرج بها من الحد فإذا لم يخرج من معنى القذف لزمه الحد قيل له: وكذلك كل من أحلفته ليخرج من شيء وكذلك قلت إن نكل عن اليمين في مال أو غصب أو جرح عمد حكمت عليه بذلك كله قال: نعم قلت: فلم لا تقول في المرأة إنك تحلفها لتخرج من الحد وقد ذكر الله تعالى أنها تدرأ بذلك عن نفسها العذاب فإذا لم تخرج من ذلك فلم لم توجب عليها الحد كما قلت في الزوج وفيمن نكل عن اليمين وليس في التنزيل أن الزوج يدرأ بالشهادة حدا وفي التنزيل أن للمرأة أن تدرأ بالشهادة العذاب وهو الحد عندنا وعندك وهو المعقول والقياس وقلت له: لو قالت لك لم حبستني وأنت لا تحبس إلا بحق قال: أقول حبستك لتحلفي فتخرجي به من الحد فقالت: فإذا لم أفعل فأقم الحد علي قال: لا قالت: فالحبس حد قال: لا فقال: قالت فالحبس ظلم لا أنت أقمت علي الحد ولا منعت عني حبسا ولن تجد حبسي في كتاب ولا سنة ولا إجماع ولا قياس على أحدها قال: فإن قلت فالعذاب الحبس فهذا خطأ فكم ذلك مائة يوم أوحتى تموت وقد قال الله تعالى: {وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} أفتراه عني الحد أم الحبس قال: بل الحد وما السجن بحد والعذاب في الزنا الحدود ولكن السجن قد يلزمه اسم عذاب قلت: والسفر والدهق1 والتعليق كل ذلك يلزمه اسم عذاب قال: والذين يخالفوننا في أن لا يجتمعا أبدا وروي فيه عن عمر وعلي وابن مسعود رضوان الله عليهم لا يجتمع المتلاعنان أبدا2 رجع بعضهم إلى ما قلنا وأبى بعضهم.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الدهق: بالتحريك ضرب العذاب انظر اللسان كتبه مصححه.
2 الأثر أخرجه البيهقي 7/413.

باب ما يكون قذفا وما لا يكون ونفي الولد بلا قذف وقذف ابن الملاعنة وغير ذلك.
قال الشافعي رحمه الله: ولو ولدت امرأته ولدا فقال: ليس مني فلا حد ولا لعان حتى يقفه فإن قال: لم أقذفها ولم تلده أو ولدته من زوج قبلي وقد عرف نكاحها قبله فلا يلحقه إلا بأربع نسوة تشهدأ نها ولدته وهي زوجة له لوقت يمكن أن تلد منه فيه لأقل.

 

ص -282-     الحمل وإن سألت يمينه أحلفناه وبرىء وإن نكل أحلفناها ولحقه فإن لم تحلف لم يلحقه وقال في كتاب الطلاق من أحكام القرآن: لو قال لها: ما هذا الحمل مني وليست بزانية ولم أصبها قيل: قد تخطىء فلا يكون حملا فيكون صادقا وهي غيرزانية فلا حد ولا لعان فمتى استيقنا أنه حمل قلنا قد يحتمل أن تأخذ نطفتك فتدخلها فتحمل منك فتكون صادقا بأنك لم تصبها وهي صادقة بأنه ولدك فإن قذفت لاعنت فإن نفى ولدها وقال: لا ألاعنها ولا أقذفها لم يلاعنها ولزمه الولد وإن قذفها لاعنها لأنه إذا لاعنها بغير قذف فإنما يدعي أنها لم تلده وقد حكت أنها ولدته وإنما أوجب الله اللعان بالقذف فلا يجب بغيره ولو قال: لم تزن به ولكنها عصت لم ينف عنه إلا بلعان ووقعت الفرقة ولو قال لابن ملاعنة: لست ابن فلان أحلف ما أراد قذف أمه ولا حد فإن أراد قذف أمه حددناه ولو قال ذلك بعد أن يقر به الذي نفاه حد إن كانت أمه حرة إن طلبت الحد والتعزير إن كانت نصرانية أو أمة قال المزني رحمه الله: قد قال في الرجل يقول لابنه: لست بابني إنه ليس بقاذف لأمه حتى يسأل لأنه يمكن أن يعزيه إلى حلال وهذا بقوله أشبه قال: وإذا نفينا عنه ولدها باللعان ثم جاءت بعده بولد لأقل من ستة أشهر أو أكثر ما يلزمه له نسب ولد المبتوتة فهوولده إلا أن ينفيه بلعان وإذا ولدت ولدين في بطن فأقر بأحدهما ونفى الاخر فهما ابناه ولا يكون حمل واحد بولدين إلا من واحد قال الشافعي رحمه الله: وإن كان نفيه بقذف لأمه فعليه لها الحد ولو مات أحدهما ثم التعن نفى عنه الحي والميت ولو نفى ولدها بلعان ثم ولدت آخر بعده بيوم فأقر به لزماه جميعا لأنه حمل واحد وحد لها إن كان قذفها ولو لم ينفه وقف فإن نفاه وقال التعاني الأول يكفيني لأنه حمل واحد لم يكن ذلك له حتى يلتعن من الاخر وقال: بعض الناس: لو مات أحدهما قبل اللعان لاعن ولزمه الولدان وهما عندنا وعنده حمل واحد فكيف يلاعن ويلزمه الولد؟ قال: من قبل أنه ورث الميت قلت له: ومن زعم أنه يرثه؟ وقال أيضا: لو نفاه بلعان ومات الولد فادعاه الأب ضرب الحد ولم يثبت النسب ولم يرثه فإن كان الابن المنفي ترك ولدا حد أبوه وثبت نسبه منه وورثه قال الشافعي رحمه الله: ولا فرق بينه ترك ولدا أو لم يتركه لأن هذا الولد المنفي إذا مات منفي النسب ثم أقر به لم يعد إلى النسب لأنه فارق الحياة بحال فلا ينتقل عنها وكذلك ابن المنفي في معنى المنفي وهولا يكون ابنا بنفسه فكيف يكون ابنه بالولد المنفي الذي قد انقطع نسب الحي منه والذي ينقطع به نسب الحي ينقطع به نسب الميت لأن حكمهما واحد؟ قال الشافعي رحمه الله: ولو قتل وقسمت ديته ثم أقر به لحقه وأخذ حصته من ديته ومن ماله لأن أصل أمره أن نسبه ثابت وإنما هومنفي ما كان أبوه ملاعنا مقيما على نفيه ولو قال لامرأته: يا زانية فقالت: زنيت بك وطلبا جميعا مالهما سألنا فإن قالت: عنيت أنه أصابني وهو زوجي أحلفت ولا شيء عليها ويلتعن أويحد وإن قالت زنيت به قبل أن ينكحني فهي قاذفة له وعليها الحد ولا شيء عليه لأنها مقرة له بالزنا ولوقالت: بل أنت أزنى مني فلا شيء عليها لأنه ليس.

 

ص -283-     بالقذف إذا لم ترد به قذفا وعليه الحد أو اللعان ولو قال لها: أنت أزنى من فلانة أو أزنى الناس لم يكن هذا قذفا إلا أن يريد به قذفا ولو قال لها: يا زان كان قذفا وهذا ترخيم كما يقال لمالك يا مال ولحارث يا حار ولو قالت يا زانية أكملت القذف وزادته حرفا أو اثنين وقال بعض الناس: إذا قال لها: يا زان لاعن أو حد لأن الله تعالى يقول: {وَقَالَ نِسْوَةٌ}1 وقال: ولو قالت له يا زانية لم تحد قال الشافعي رحمه الله تعالى: وهذا جهل بلسان العرب إذا تقدم فعل الجماعة من النساء كان الفعل مذكرا مثل قال نسوة وخرج النسوة وإذا كانت واحدة فالفعل مؤنث مثل قالت وجلست وقائل هذا القول يقول لو قال رجل: زنأت في الجبل حد له وإن كان معروفا عند العرب أنه صعدت في الجبل قال الشافعي رحمه الله تعالى: يحلف ما أراد إلا الرقي في الجبل ولا حد فإن لم يحلف حد إذا حلف المقذوف لقد أراد القذف ولو قال لامرأته: زنيت وأنت صغيرة أو قال: وأنت نصرانية أو أمة وقد كانت نصرانية أو أمة أو قال: مسكترهة أو زنى بك صبي لا يجامع مثله لم يكن عليه حد ويعزر للأذى إلا أن يلتعن ولو قال: زنيت قبل أن أتزوجك حد ولا لعان لأني أنظر إلى يوم تكلم به ويوم توقعه ولو قذفها ثم تزوجها ثم قذفها ولاعنها وطلبته بحد القذف قبل النكاح حد لها ولو لم يلتعن حتى حده الإمام بالقذف الأول ثم طلبته بالقذف بعد النكاح لاعن لأن حكمه قاذفا غير زوجته الحد وحكمه قاذفا زوجته الحد أو اللعان ولو قال لها يا زانية فقالت له: بل أنت زان لاعنها وحدت له وقال بعض الناس: لا حد ولا لعان فأبطل الحكمين جميعا وكانت حجته أن قال: أستقبح أن ألاعن بينهما ثم أحدها وما قبح فأقبح منه تعطيل حكم الله تعالى عليهما قال الشافعي رحمه الله: ولو قذفها وأجنبية بكلمة لاعن وحد للأجنبية ولو قذف أربع نسوة له بكلمة واحدة لاعن كل واحدة وإن تشاححن أيتهن تبدأ أقرع بينهن وأيتهن بدأ الإمام بها رجوت أن لا يأثم لأنه لا يمكنه إلا واحدا واحدا قال المزني رحمه الله: قال في الحدود ولو قذف جماعة كمان لكل واحد حد فكذلك لو لم يلتعن كان لكل امرأة حد في قياس قوله ولوأقر أنه أصابها في الطهر الذي رماها فيه فله أن يلاعن والولد لها وذكر أنه قول عطاء قال: وذهب بعض من ينسب إلى العلم أنه إنما ينفي الولد إذا قال: استبرأتها كأنه ذهب إلى نفي ولد العجلاني إذا قال لم أقر بها منذ كذا وكذا قيل: فالعجلاني سمى الذي رأى بعينه يزني وذكر أنه لم يصبها فيه أشهرا ورأى النبي صلى الله عليه وسلم علامة تثبت صدق الزوج في الولد فلا يلاعن وينفى عنه الولد إذا إلا باجتماع هذه الوجوه فإن قيل: فما حجتك في أنه يلاعن وينفي الولد وإن لم يدع الاستبراء؟ قال الشافعي رحمه الله: قلت قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ}2 الاية فكانت الاية على كل رام لمحصنة قال الرامي لها رأيتها تزني أو لم يقل رأيتها تزني لأنه يلزمه اسم الرامي وقال: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ}3 فكان الزوج راميا قال: رأيت أو علمت بغير رؤية وقد يكون.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 سورة يوسف: 30.
2 سورة النور: 4.
3 سورة النور: 6.

 

ص -284-     الاستبراء وتلد منه فلا معنى له ما كان الفراش قائما قال: ولو زنت بعد القذف أو وطئت وطئا حراما فلا حد عليه ولا لعان إلا أن ينفي ولدا فيلتعن لأن زناها دليل على صدقه قال المزني رحمه الله: كيف يكون دليلا على صدقه والوقت الذي رماها فيه كانت في الحكم غير زانية؟ وأصل قوله إنما ينظر في حال1 من تكلم بالرمي وهو في ذلك في حكم من لم يزن قط قال: ولو لاعنها ثم قذفها فلا حد لها كما لوحد لها ثم قذفها لم يحد ثانية وينهى فإن عاد عزر لو قذفها برجل بعينه وطلبا الحد فإن التعن فلا حد له إذا بطل الحد لها بطل له وإن لم يلتعن حد لهما أولأيهما طلب لأنه قذف واحد فحكمه حكم الحد الواحد إذا كان لعان واحد أو حد واحد وقد رمى العجلاني امرأته برجل سماه وهو ابن السحماء رجل مسلم فلاعن بينهما ولم يحده له ولو قذفها غير الزوج حد لأنها لوكانت حين لزمها الحكم بالفرقة ونفي الولد زانية حدت ولزمها اسم الزنا ولكن حكم الله تعالى ثم حكم رسوله صلى الله عليه وسلم فيهما هكذا ولوشهد عليه أنه قذفها حبس حتى يعدلوا ولا يكفل رجل في حد ولا لعان ولا يحبس بواحد قال المزني رحمه الله: هذا دليل على إثباته كفالة الوجه في غير الحد ولو قال: زنى فرجك أو يدك أو رجلك فهو قذف وكل ما قاله وكان يشبه القذف إذا احتمل غيره لم يكن قذفا وقد أتى رجل من فزارة النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إن امرأتي ولدت غلاما أسود فلم يجعله صلى الله عليه وسلم قذفا وقال الله تعالى: {وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ}2 فكان خلافا للتصريح ولا يكون اللعان إلا عند سلطان أو عدول يبعثهم السلطان.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 لعله في حال من تكلم فيه بالرمي أو في حال المتكلم بالرمي تأمل.
2 سورة البقرة: 235.

باب في الشهادة في اللعان.
قال الشافعي رحمه الله تعالى: وإذا جاء الزوج وثلاثة يشهدون على امرأته معا بالزنا لاعن الزوج فإن لم يلتعن حد لأن حكم الزوج غير حكم الشهود لأن الشهود لا يلاعنون ويكونون عند أكثر العلماء قذفة يحدون إذا لم يتموا أربعة وإذا عم3 بأنها قد وترته في نفسه بأعظم من أن تأخذ كثير ماله أو تشتم عرضه أو تناله بشديد من الضرب بما يبقى عليه من العار في نفسه بزناها تحته وعلى ولده فلا عداوة تصير إليهما فيما بينها وبينه تكاد تبلغ هذا ونحن لا نجيز شهادة عدو على عدوه ولو قذفها وانتفى من حملها فجاء بأربعة فشهدوا أنها زنت لم يلاعن حتى تلد فيلتعن إذا أراد نفي الولد فإن لم يلتعن لحقه الولد ولم تحد حتى تضع ثم تحد قال: ولو جاء بشاهدين على إقرارها بالزنا لم يلاعن ولم يحد ولا حد عليها ولو قذفها وقال كانت أمة أو مشركة فعليها البينة أنها يوم قذفها حرة مسلمة لأنها مدعية الحد وعليه اليمين ويعزر إلا أن يلتعن ولو كانت حرة مسلمة وادعى.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
3 قوله: "وإذا عم بأنها الخ عبارة الأم "وإذا زعم الزوج أنه رآها تزني فبين أنها وترته الخ" وهي واضعة فتأمل كتبه مصححه.

 

ص -285-     أنها مرتدة فعليه البينة ولو ادعى أن له البينة على إقرارها بالزنا فسأل الأجل لم أؤجله إلا يوما أو يومين فإن جاء بها وإلا حد أو لاعن ولو أقامت البينة أنه قذفها كبيرة وأقام البينة أنه قذفها صغيرة فهذان قذفان مفترقان ولو اجتمع شهودها على وقت واحد فهي متصادمة ولا حد ولا لعان ولو شهد عليه شاهدان أنه قذفهما وقذف امرأته لم تجز شهادتها إلا أن يعفوا قبل أن يشهدا ويرى ما بينهما وبينه حسن فيجوزا ولو شهد أحدهما أنه قذفها بالعربية والآخر أنه قذفها بالفارسية لم يجوزا لأن كل واحد من الكلامين غير الاخر ويقبل كتاب القاضي بقذفها وتقبل الوكالة في تثبيت البينة على الحدود فإذا أراد أن يقيم الحد أو يأخذ اللعان أحضر المأخوذ له الحد واللعان وأما حدود الله سبحانه وتعالى فتدرأ بالشبهات.

الوقت في نفي الولد ومن ليس له أن ينفيه ونفي ولد الأمة من كتابي لعان قديم وجديد.
قال الشافعي رحمه الله: وإذا علم الزوج بالولد فأمكنه الحاكم1 أو من يلقاه له إمكانا بينا فترك اللعان لم يكن له أن ينفيه كما يكون بيع الشقص فيه الشفعة وإن ترك الشفيع في تلك المدة لم تكن الشفعة له ولو جاز أن يعلم بالولد2 فيكون له نفيه حتى يقر به جاز بعد أن يكون الولد شيخا وهومختلف معه اختلاف الولد ولوقال قائل يكون له نفيه ثلاثا وإن كان حاضرا كان مذهبا وقد منع الله من قضى بعذابه ثلاثا وأن النبي صلى الله عليه وسلم أذن للمهاجر بعد قضاء نسكه في مقام ثلاث بمكة3 وقال في القديم: إن لم يشهد من حضره بذلك في يوم أو يومين لم يكن له نفيه قال المزني: لو جاز في يومين جاز في ثلاثة وأربعة في معنى ثلاثة وقد قال لمن جعل له نفيه في تسع وثلاثين وأباه في أربعين ما الفرق بين الصمتين فقوله4 في أول الثانية أشبه عندي بمعناه وبالله التوفيق قال: وأي مدة قلت له نفيه فيها فأشهد على نفيه وهو مشغول بما يخاف قوته أو بمرض لم ينقطع نفيه وإن كان غائبا فبلغه فأقام لم يكن له نفيه إلا بأن يشهد على نفيه ثم يقدم فإن قال: لم أصدق فالقول قوله ولوكان حاضرا فقال: لم أعلم فالقول قوله ولو رآها حبلى فلما ولدت نفاه فإن قال: لم أدر فلعله ليس بحمل لاعن وإن قال: قلت لعله يموت فأسترعلي وعليها لزمه ولم يكن له نفيه ولو هنىء به فرد خيرا ولم يقر به لم يكن هذا إقرارا لأنه يكافىء الدعاء بالدعاء وأما ولد الأمة ف "إن سعدا قال: يا رسول الله ابن أخي عتبة قد كان عهد إلي فيه وقال عبد بن زمعة: أخي وابن وليدة أبي ولد على فراشه فقال صلى الله عليه وسلم:

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أي أو لم يمكنه أن يلقي الحاكم لكنه أمكن من يلقاه له تأمل.
2 أي وجحد علمه به كما يؤخذ من عبارة الأم في كتاب اللعان اهـ
3 انظر الأم 5/417.
4 لعله "في أول الباب" تأمل.

 

ص -286-     "هو لك يا عبد بن زمعة الولد للفراش وللعاهر الحجر"1 فأعلم أن الأمة تكون فراشا مع أنه روي عن عمررضي الله عنه أنه قال: لا تأتيني وليدة تعترف لسيدها أنه ألم بها إلا ألحقت به ولدها فأرسلوهن بعد أو أمسكوهن2 وإنما أنكر عمر حمل جارية له فسألها فأخبرته أنه من غيره وأنكر زيد حمل جارية له وهذا إن حملت وكان على إحاطة من أنها من تحمل منه فواسع له فيما بينه وبين الله تعالى في امرأته الحرة أو الأمة أن ينفي ولدها قال: ولو قال كنت أعزل عنها ألحقت الولد به إلا أن يدعي استبراء بعد الوطء فيكون دليلأ له وقال بعض الناس: لو ولدت جارية يطؤها فليس هو ولده إلا أن يقر به فإن أقر بواحد ثم جاءت بعده بآخر فله نفيه لأن إقراره بالأول ليس بإقرار بالثاني وله عنده أن يقر بواحد وينفي ثانيا وبثالث وينفي رابعا ثم قالوا: لو أقر بواحد ثم جاءت بعده بولد فلم ينفه حتى مات فهو ابنه ولم يدعه قط ثم قالوا: لوأن قاضيا زوج امرأة رجلا في مجلس القضاء ففارقها ساعة ملك عقدة نكاحها ثلاثا ثم جاءت بولد لستة أشهر لزم الزوج قالوا هذا فراش قيل: وهل كان فراشا قط يمكن فيه الجماع؟ قال الشافعي رحمه الله: إذا أحاط العلم أن الولد ليس من الزوج فالولد منفي عنه بلا لعان.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 انظر الأم 5/398.
2 أخرجهما البيهقي 7/413.