نهاية المطلب في دراية المذهب

الفصل الأول من تاريخ الحياة الفقهيَّة حتى عصر الإمام الشافعي

(المقدمة/69)


الفقه في عصر الرسول صلى الله عليه وسلم
- أشرقت الأرض بنور ربها، وصدع محمد صلى الله عليه وسلم بأمر ربه، وأخذ يسعى في أرجاء مكة، ونور السماء بين يديه، يبدد جيوش الظلام التي تحاصر العرب وتسد عليهم منافذ الهدى.
- وكان أول منفذ يخرج منه هؤلاء المحاصَرون هو تحريرهم من العبودية للطواغيت، والارتفاع بهم إلى المنزلة العظمى: إلى عبادة الله وحده، وكان الصراع طويلاً مريراً؛ حيث أَلِفَ الملأ من قريش الظلامَ؛ ولم تقوَ عيونُهم على استقبال نور الله؛ فقضى الرسول صلى الله عليه وسلم ثلاث عَشرَةَ سنة، وهو يحاول أن يطهر القلوب والعقول من الزيغ والضلال ويغرس فيها الإيمان بالله وحده، ومن هنا كان القرآن المكي -وهو يقرب من ثلثي القرآن الكريم (1) - متجهاً إلى إثبات وجود الله، وأنه وحده المستحق للعبادة، وأن هناك يوماً للحساب، حيث الجنة للطائعين، وجهنم للعاصين. وفي سبيل ذلك يضرب لهم المثل بالأمم السابقة وما أصابها حين عَتَوْا واستكبروا.
- ولما طال عنادهم وعتوُّهم أذن الله لرسوله صلى الله عليه وسلم بالهجرة إلى المدينة، وأحسن أهلُها الأنصارُ استقبال الهدى وأهلَه، وصار للإسلام دولة منذ أن استقر في المدينة، وعلى طول عشر سنوات مشرقة بنور الرسالة، نزل فيها باقي القرآن الكريم، وهو المدني من القرآن، وهو يزيد على الثلث قليلاً.
- كان المسلمون في دولتهم الجديدة يتقلبون في معايشهم: طعاماً وشراباً، وزواجاً وطلاقاً، وسفراً وإقامة، وحرباً وسلماً، وفق تشريع السماء، حيث كان
__________
(1) الخضري، محمد الخضري بك، رحمه الله، تاريخ التشريع: 15.

(المقدمة/71)


التشريع هو الغالب على القرآن المدني، وكان التشريع في القرآن الكريم ينزل إما بدءاً، وإما حلاً لإشكال، أو إجابة لسؤال.
- وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يبلغ القرآن عن ربه، ويفصِّل مجملَه، ويُبين مشكلَه، قال تعالى: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} [النحل: 44]، وكان الصحابة رضوان الله عليهم يسألونه عما نزل في القرآن؛ فيبين لهم، ويستفتونه؛ فيفتيهم.
- وكان عليه الصلاة والسلام ملجأ أصحابه: يُهرعون إليه كلما عرض لأحدهم أمر في أي شأن من شؤون الدين أو الدنيا، وكان عمادَ الحياة ومركزَها، تعرض الحادثة، أو يسأله أصحابه، فيجيب بما في القرآن إن وجده، أو بما يوحى إليه في الموقف والحادثة، أو يجتهد رأيه، أو يتوقف حتى تجيبه السماء.
- وقد اختلف العلماء حول اجتهاد الرسول صلى الله عليه وسلم، فمنهم من قال: إنه مبلغ عن ربه {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى} [النجم: 3]، وليس له حق الاجتهاد، ومنهم من قال: له حق الاجتهاد في الأمور الدنيوية دون غيرها، وقيل: كان له أن يجتهد إذا خشي فوت الحادثة (1)، والجمهور على أن اجتهاد الرسول صلى الله عليه وسلم جائز وواقع فعلاً " وموضوعه متنوع، ديني، أو دنيوي مغيب أو شاهد " (2).
وأدلة الجمهور على ذلك كثيرة، مثل: حديث نسل الممسوخ (3)، وحديث عذاب القبر، ورأيه في أسرى بدر (4).
- ومما هو واضح أن اجتهاد الرسول صلى الله عليه وسلم لا يتعلق بالنصوص وفهمها؛ "لأن المرادات من النصوص واضحة عنده صلى الله عليه وسلم فليس اجتهاده في معرفة المراد من المشترك ونحوه، ولا تعارض عنده، فليس الاجتهاد
__________
(1) انظر: عبد العلي محمد نظام الدين الأنصاري. فواتح الرحموت بشرح مسلم الثبوت: 2/ 366.
(2) فضيلة الشيخ عبد الجليل عيسى. اجتهاد الرسول: 167.
(3) اجتهاد الرسول: 60، 61.
(4) فواتح الرحموت (مصدر سابق): 2/ 366.

(المقدمة/72)


لدفعه، وإنما اجتهاده بإلحاق مسكوت بمنطوق" (1).
- ويجب اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم في اجتهاده، والتعبد به فيما يختص بالأمور الدينية، لأن الله سبحانه وتعالى لا يقره على الخطأ، وأما في الأمور الدنيوية، فلا يجب العمل باجتهاده صلى الله عليه وسلم.
- وكما وقع الاجتهاد من الرسول صلى الله عليه وسلم وقع من صحابته رضي الله عنهم في عصر (2) البعثة في حضرته وفي غيبته، وبإذنه وبغير إذنه، وكان صلى الله عليه وسلم يَبْلُغه، فيقر المصيبَ على صوابه، ويصحح للمخطىء خطأه.
- وقد أفتى في عصر الرسول صلى الله عليه وسلم جمعٌ من الصحابة، منهم أبو بكر الصديق، وعمر الفاروق، وعثمان ذو النورين، وعلي كرم الله وجهه، وعبد الرحمن بن عوف، ومعاذ بن جبل، وعمار بن ياسر، وحذيفة بن اليمان، وزيد بن ثابت، وأبو الدرداء، وأبو موسى الأشعري. رضي الله عنهم وأرضاهم جميعاً.
وقيل (3): كل من ولي عملاً للنبي صلى الله عليه وسلم بعيداً منه صار مفتياً، مثل معاذ بن جبل والي اليمن، ومثل أبي عُبيدة بن الجراح الذي كان أمير سرية الخَبَط، وأفتاهم بأكل الحوت، ومثل أبي سعيد الخدري.
وممن توفي في الحياة النبوية ونقلت عنهم فتاوى صادرة في العهد النبوي: عثمان بن مظعون، وجعفر بن أبي طالب رضي الله عنهما.
ومما يجدر ذكره أن إطلاق لقب فقهاء على ذوي الرأي والحجا عرف مبكراً في ذلك العصر، عصر رسول الله صلى الله عليه وسلم، ففيما رواه البخاري ومسلم عن أنس رضي الله عنه: "أن ناساً من الأنصار قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم، حين
__________
(1) المصدر السابق نفسه.
(2) ما ذكرناه رأي الجمهور والمسألة محل خلاف. انظر في ذلك: الآمدي، الإحكام: 4/ 335، الخضري. محمد الخضري بك. أصول الفقه: 373، واجتهاد الرسول صلى الله عليه وسلم (مرجع سابق): 155.
(3) الفكر السامي في تاريخ الفقه الإسلامي: 1/ 172.

(المقدمة/73)


أفاء الله على رسوله صلى الله عليه وسلم من أموال هوازن ما أفاء، فطفق يعطي رجالاً من قريشٍ المائةَ من الإبل، فقالوا: يغفر الله لرسول الله صلى الله عليه وسلم؛ يعطي قريشاً ويتركنا، وسيوفنا تقطر من دمائهم ... فقال صلى الله عليه وسلم: "ما حديث بلغني عنكم"، فقال له فقهاء الأنصار: أما ذوو رأينا يا رسول الله، فلم يقولوا شيئاً ... " (1).
هكذا، يقول أنس رضي الله عنه: (فقهاء الأنصار).
- وعلى هذا مضى عصر الرسول صلى الله عليه وسلم وصحبه الكرام، لا مصدر للأحكام في حقيقة الأمر إلا الوحي ينزل بدءاً بتشريع، أو حلاً لإشكال، أو إجابة لسؤال. وما على الرسول إلا البلاغ، ومن البلاع البيان والتفصيل.
وإذا أقرت السماء اجتهاداً وقع من الرسول صلى الله عليه وسلم أو صحبه، صار ذلك في منزلة الوحي من السماء؛ فمضى عصر الرسول صلى الله عليه وسلم ولم يكن هناك اختلاف في حكم من الأحكام؛ إذ كان الوحي مستمراً، وللسماء القول الفصل عند اختلاف الآراء في شأن من الشؤون.
ومن الطبيعي ألا يكون في مثل هذه الظروف افتراض لحوادثَ وقعت ووضع أحكام لها، لأن وضع الأحكام كما أشرنا كان للوحي.
- ومما تجدر الإشارة إليه هنا أن التشريع الإسلامي بمعنى سن الأحكام الشرعية وإنشائها لم يكن إلا في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم ومنه هو فقط؛ إذ لم يجعل الله لأحد غيرِ نبيه سلطةَ التشريع (2)، ومن رحمة الله سبحانه بأمته أن رسوله صلى الله عليه وسلم لم يفارق هذه الدنيا إلا وقد اكتمل بناء الشريعة، وحُفِظ مصدرها وعمادُها (القرآن) مكتوباً كله في العظام واللخاف، وفي حنايا الصدور، ومبيناً ومفصلاً بفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم.
__________
(1) البخاري: فرض الخمس، باب ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يعطي المؤلفة قلوبهم حديث رقم 3147، مسلم: الزكاة، باب إعطاء المؤلفة قلوبهم حديث رقم 1059.
(2) فضيلة الشيخ محمد علي السايس. نشأة الفقه الاجتهادي وتطوره: 11، 12.

(المقدمة/74)


الفقه في عصر الخلفاء وكبار الصحابة
- ولحق رسول الله صلى الله عليه وسلم بالرفيق الأعلى -بنفسي هو وبأبي وأمي وبالناس أجمعين- وبدأ بانقطاع الوحي عصر جديد، حمل عبءَ الحياة فيه، وقيادةَ الدولة المسلمة الخلفاءُ الراشدون، وكبار الصحابة رضي الله عنهم أجمعين.
والحياة لا تقف، والوقائع تتجدد، والأحداث تفرض نفسها تتطلب الحكم والفتيا، وتلح في الجواب. وضاعف من ذلك أن عصر الخلفاء الراشدين كان عصراً خصباً مليئاً بالأحداث؛ كانت الدولة غضة في أول أمرها؛ حيث يكون النمو وثباً وقفزاً، فمنذ بويع أبو بكر رضي الله عنه ماجت البادية بالردة، وتحفزت فارس، وتأهبت الروم، فأخذ أبو بكر رضي الله عنه في قمع الردة، وتأديب المترصدين المتحفزين، الذين أحاطوا بالدولة المسلمة يريدون أن يسدوا على الدعوة المنافذ، ويطفئوا نور الله، وتابع على ذلك عمر وعثمان رضي الله عنهما. وفي عصر علي كرم الله وجهه كان ما كان!!
وفي مثل هذه الحياة النابضة تتوالى المسائل، وتتجدد الأحداث، فكيف كان موقف الصحابة رضي الله عنهم؟؟
- وجد الصحابة بين أيديهم القرآن الكريم وعرفوا من بيانه وتفصيله ما رأَوْه وسمعوه من الرسول صلى الله عليه وسلم، وكان عليهم أن يواجهوا ما يجدّ عليهم من مسائل.
وقد كان الموقف عصيباً، فمن يقتعد مقعد النبوة، ويتصدى للفتيا؟؟، ولكن إرادة الحياة غلابة، والأمر لا يتصل بحياة فرد، وإنما بكينونة أمة، وحياة رسالة، واستمرار دينٍ، أراده الله خالداً عاماً.
أقبل الصحابة على القرآن الكريم، وعلى ما بين أيديهم من سُنة الرسول صلى الله عليه وسلم لعلمهم بمنزلتها من القرآن، وكما قلنا: كانت الأحداث تتجدد، والوقائع تتعدد، فما لم يجدوا في الكتاب والسنة، كان ملجؤها (الرأي) فقد رأَوْا آياتِ القرآن

(المقدمة/75)


تدعو للتفكر والنظر (1) وسن لهم ذلك صلى الله عليه وصلم باجتهاده أمامهم، وبإقراره من اجتهد منهم على اجتهاده.
- لجأ الصحابة إذاً إلى الرأي فيما لم يجدوه منصوصاً في الكتاب، ولم تَجْرِ به سنة، ولكنهم -رضي الله عنهم- كانوا يستشعرون خطورةَ منصب الإفتاء، فيتحرجون، ويتدافعون " قال عبدُ الرحمن بنُ أبي ليلى: أدركت عشرين ومائةً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فما كان منهم محدِّث إلا وَدَّ أن أخاه كفاه الحديث، ولا مُفتٍ إلا ودَّ أن أخاه كفاه الفتيا " (2)، فكانوا لذلك يتشاورون في أحكام الوقائع ورعاً من كل منهم أن ينفرد بالحكم، وكان لذلك أثرهُ في ناحيتين:
* ظهور الإجماع، كمصدر من مصادر الفقه، فهو في الواقع لون من الاجتهاد: الاجتهاد الجماعي (3).
* عدم اتساع الخلاف بين الصحابة (4).
- وكان الرأي عند الصحابة بمعناه الواسع، " فكانوا يطلقون كلمة الرأي عك ما يراه القلب بعد فكرٍ وتأمل، وطلبٍ لمعرفة وجه الصواب مما تتعارض فيه الأمارات " (5) ولم يكونوا يعرفون الأسماء والألقاب التي وضعها الأصوليون فيما بعد، قال إمام الحرمين رضي الله عنه: " ولو عُرضت الكتب التي صنفها القياسون في الفقه مع ما فيها من المسائل ... والصور المفروضة، وبدائع الأجوبة ... والعبارات المخترعة ... كالجمع والفرق، والنقض والمنع؛ والقلب وفساد الوضع ... ونحوها، لتعب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في فهمها؛ إذ لم يكن لهم عهد بها، ومن فاجأه شيء لم يعهده، احتاج إلى رد الفكر إليه ليأنس به " (6).
__________
(1) العقاد: عباس محمود العقاد، رحمه الله - التفكير فريضة إسلامية: من ص 6 - 21.
(2) انظر نشأة الفقه الاجتهادي (مرجع سابق): 75.
(3) الأستاذ الجليل الشيخ علي حسب الله - أصول التشريع الإسلامي. ط 2: 75.
(4) تاريخ التشريع للخضري: 129.
(5) نشأة الفقه الاجتهادي للسايس: 37.
(6) إمام الحرمين. الغياثي، فقرة: 667.

(المقدمة/76)


- وكان اجتهاد الصحابة -رضوان الله عليهم أجمعين- واستعمالهم (الرأيَ) في المسائل التي لا نص فيها، أما ما كان من عمر رضي الله عنه من رأيٍ في سهم المؤلفة قلوبهم وحد السرقة عام المجاعة (1)، فهو لَوْنٌ من توجيه النصوص وفهمها لا تعطيلها، أو الافتئات عليها. حاشا لله.
خصائص الفقه في عصر الخلفاء وكبار الصحابة
- ويمكن أن نوجز ملامح الحياة الفقهية في هذا العصر فيما يلي:
* أن الفقه ظل محصوراً في دائرة الوقائع التي تحدث فعلاً، فلم يكن هناك مجال لافتراض وقائعَ واستنباط أحكامٍ لها، وهم كانوا يتورعون عن الفتوى فيما وقع.
* أنهم كانوا يؤكدون أن ما رأَوْه من رأيٍ عرضةٌ للخطأ، ولذلك كان الرجل منهم يرفض أن يقال عن رأيه: هذا حكم الله (2).
* ويتصل بذلك أن احترام الرأي الآخر كان سمة ظاهرة واضحة؛ لأن كل صاحب رأي كان يفرض الخطأ في رأي نفسه ورعاً وخشيةً.
* وقد كان الخلاف في الرأي ضيقاً محصوراً طوال هذا العصر.
* ظهر في هذا العصر (الإجماع) كمصدر من مصادر الأحكام.
* ظل الفقه بغير تدوين وكتابة، وإنما تصدر الفتوى أو الحكم، فيتناقله المسلمون شفاهاً، ويشيع بحسب الحاجة إليه.
* خلَّف هذا العصر مجموعة من الأحكام والفتاوى ظلت محل عناية الأئمة والفقهاء (3)، وبخاصة تلك الأحكام التي غيرت بعضَ ما جرى عليه العمل في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانت مثار بحث وخلاف بين الأئمة.
فمن هذه الفتاوى والاجتهادات، إمضاء عمر رضي الله عنه الطلاق الثلاث بكلمة
__________
(1) انظر نشأة الفقه الاجتهادي للسايس: 65.
(2) تاريخ التشريع الإسلامي للخضري: 117.
(3) نشأة الفقه الاجتهادي وتطوره: 77.

(المقدمة/77)


واحدة، وعدم تقسيم أرض سواد العراق، وضرب الخراج عليها، وكذا ما كان من عمرَ في سهم المؤلفة قلوبهم، وفي حد السرقة عام المجاعة، وما كان من عثمانَ رضي الله عنه في ضوالِّ الإبل، حيث رأى التقاطها وتعريفها.
ومن المسائل الاجتهادية الأخرى التي جرت بين صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، واختلف فيها الرأي: ميراث الجد مع الإخوة الأشقاء أو لأب، وفي بعض صور ميراث الجدة، وكذلك المسألة المشركة (الحجرية)، والخلاف في (العَوْل)، وفي حجب الأم من الثلث إلى السدس باثنين من الإخوة، وفي تحريم المرأة تحريماً مؤبداً على من نكحها في العدة، وفي توريث الزوجة المطلقة فراراً من الميراث، وكذلك الخلاف في عدة الحامل المتوفى عنها زوجها، وكذلك الخلاف في نفقة المبتوتة وسكناها، وغير ذلك كثير.
وقد كانت هذه الفتاوى والاجتهادات -بحق- ثروة فقهية، نظر فيها الأئمة المجتهدون، وأخذوا بما قاله الصحابي، ولم يُخالَفْ فيه، أي بما أجمعوا عليه، أما قول الصحابي وراء ذلك فقد كان الأخذُ به موضع خلافٍ بين الأئمة.
فقد رأى بعضُهم أقوال الصحابة حجة واجبة الاتباع، ورأى عصرَهم عصر تفسير وتكميل على حين لم ينظر آخرون إليها تلك النظرة (1).
* كان من أسباب الخلاف بين الصحابة اختلافُ النظر والرأي وتقدير الأمور، وذلك أمر فطري، وكذلك بسبب اختلاف فهمهم للقرآن ومعرفتهم بالسنة.
* لم يكن الصحابة على درجة واحدة في استعمال الرأي، بل كان منهم من يتحرج ويهاب الفتيا، وأولئك في الواقع الذين لم تضطرهم الظروف إلى القطع والحسم بإبداء الرأي، ومنهم من برع في الرأي، وقدر عليه، وأشهرهم عمر رضي الله عنه، حيث كانت أعباء الحكم تدعوه لأن يبت في القضايا والأمور ولا يتحاماها.
ولقد عُرف بالفتوى من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم مائة ونيف وثلاثون نفساً ما بين رجل وامرأة، وكان منهم المكثرون والمتوسطون والمقلّون.
__________
(1) الأستاذ الجليل الشيخ عبد الوهاب خلاف، رحمه الله - تاريخ التشريع الإسلامي: 280.

(المقدمة/78)


المكثرون من الفتيا:
والمكثرون الذين حفظت عنهم الفتوى من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم سبعة: عمر بن الخطاب، وعلي بن أبي طالب، وعبد الله بن مسعود، وعائشة أم المؤمنين، وزيد بن ثابت، وعبد الله بن عباس، وعبد الله بن عمر.
ويمكن أن يجمع من فتوى كل واحد منهم سفر ضخم.
المتوسطون في الفتيا:
والمتوسطون منهم فيما روي عنهم من الفتيا: أبو بكر الصديق، وأم سلمة، وأنس بن مالك، وأبو سعيد الخدري، وأبو هريرة، وعثمان بن عفان، وعمرو بن العاص، وعبد الله بن الزبير، وأبو موسى الأشعري، وسعد بن أبي وقاص، وسلمان الفارسي، وجابر بن عبد الله، ومعاذ بن جبل.
فهؤلاء ثلاثة عشر يمكن أن يجمع من فتوى كل واحد منهم جزء صغير جداً.
ويضاف إليهم: طلحة، والزبير، وعبد الرحمن بن عوف، وعمران بن الحصين، وأبو بكرة، وعبادة بن الصامت، ومعاوية بن أبي سفيان.
المقلون من الفتيا:
وهم البقية الباقية من جملة المفتين، وهم أكثر من مائة نَفْسٍ، لا يُروى عن الواحد منهم إلا المسألة والمسألتان (1).

الفقه في عصر صغار الصحابة والتابعين
- وبعد عهد الصحابة الخلفاء استمرت الحياة في توثبها، والأحداث في تجددها، بل جدت على الحياة الإسلامية عناصرُ جديدة كان لها أبلغ الأثر في التشريع والفقه.
من ذلك:
* تمكن الإسلامُ من قلوب الشعوب غير العربية، وتطلَّعَ أبناؤها إلى المشاركة في
__________
(1) ر. إعلام الموقعين لابن القيم: 1/ 12. بتصرفٍ يسير.

(المقدمة/79)


الحياة الإسلامية، وكان لهؤلاء أعراف وعادات، وحضارات وعقائد وفلسفات، أثرت في تفكيرهم وتوجيههم.
* بدأت الفرق السياسية: من خوارج وغيرها تظهر، ويناصر كلَّ فرقة جماعةٌ يتعصبون لآرائها.
* انتشر الصحابة في الأمصار الإسلامية، فأصبح الإجماع عسراً.
* شاعت رواية الحديث، حيث اشتدت حاجة المسلمين إليها طلباً لأحكام الحوادث المتجددة، وحيث السنة أوسع مصادر الفقه لتعرضه للتفصيل (1).
وفي غمرة الفرق وحاجة الناس للحديث اندس الوضاعون للحديث ينصرون فرقَهم بما يكذبون لها، ويحطمون أعداءهم بما يكذبون عليهم، أو يدسون للإسلام والمسلمين جملةً انتقاماً لدولهم الذاهبة ومللهم الغاربة.
- في هذا الموج الصاخب كان المعتصَمُ كتابَ الله، وما صح من سنة نبيه صلى الله عليه وسلم وكان علم ذلك إلى نفر بقي من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإلى جماعة من كبار التابعين كانوا تلاميذَ لأئمة الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين، تجرد هؤلاء للعلم، وجعلوه غايتهم، فاعتزلوا الفتن وأهلَها (2)، فكانوا النجومَ التي يُهتدى بها في الظلمات، وقد توزعوا أو توزعتهم الأقدار على الأمصار الإسلامية.
فكان في المدينة: زيد بن ثابت ت 45 هـ، وعائشة أم المؤمنين ت 58 هـ، وجابر بن عبد الله ت 58 هـ، وأبو هريرة ت 59 هـ، وعبد الله بن عمر ت 73 هـ، رضي الله عنهم جميعاً، وعبد الملك بن مروان، أمير المؤمنين ت 86 هـ، وسعيد بن المسيب بن حَزْن المخزومي رأس علماء التابعين ت 93 هـ، وعروة بن الزبير بن العوام. ت 94 هـ، وأبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام المخزومي. ت 94 هـ، وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود. ت 98 أو 99 هـ، وسليمان بن
__________
(1) انظر نشأة الفقه الاجتهادي للسايس: 78، 88، وتاريخ التشريع الإسلامي للخضري: 133.
(2) تاريخ المذاهب الفقهية لأبي زهرة: 31.

(المقدمة/80)


يسار، مولى ميمونة أم المؤمنين. ت 100 هـ وقيل: 107 هـ، والقاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق. ت 106 هـ، وخارجة بن زيد بن ثابت. ت 100 هـ، وسالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنه. ت 106 هـ، وأبان بن عثمان بن عفان رضي الله عنه. ت 105 هـ، وعلي بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، المعروف بزين العابدين. ت 94 هـ، ونافع مولى عبد الله بن عمر. ت 117 هـ، وأبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف. ت 94 هـ وقيل: 104 هـ، ومحمد بن مسلم المعروف بابن شهاب الزهري. ت 124 هـ، وأبو جعفر بن محمد بن علي بن الحسين المعروف بالباقر. ت 114 هـ، وأبو الزناد عبد الله بن ذكوان فقيه المدينة. ت 131 هـ، وربيعة بن أبي عبد الرحمن، فروخ، التيمي، مولاهم، أبو عثمان المدني (ربيعة الرأي) ت 136 هـ وقيل: 133، وقيل: 142.
وفي مكة: عبد الله بن عباس رضي الله عنه ت 68 هـ، وعَبيدة بن عمرو السلماني المرادي ت 72 هـ، ومجاهد بن جبير، مولى بني مخزوم ت 103 هـ، وعكرمة مولى ابن عباس ت 105 هـ، وعطاء بن أبي رباح مولى قريش ت 114 هـ، وعبد الله بن أبي مُلَيْكَة ت 117 هـ، وأبو الزبير محمد بن مسلم، مولى حكيم بن حزام ت 127 هـ، وعمرو بن دينار أبو محمد الأثرم الجمحي، مولاهم ت 126 هـ.
وفي الكوفة: عبد الله بن مسعود ت 32 هـ، وأبو موسى الأشعري ت 44 هـ رضي الله عنهما، وعلقمة بن قيس النخعي ت 62 هـ، ومسروق بن الأجدع الهمداني ت 63 هـ، وشريح بن الحارث الكندي القاضي ت 78 هـ، وإبراهيم بن يزيد النَّخعي ت 95 هـ، والأسود بن يزيد النَّخَعي ت 95 هـ، وسعيد بن جبير، مولى والبة ت 95 هـ، وقيس بن أبي حازم، الأحْمَسي الكوفي ت 98 هـ، وشقيق بن سلمة أبو وائل الأسدي، الكوفي ت نحو 100 هـ، وأبو بردة عامر بن أبي موسى الأشعري، الفقيه، التابعي الشهير، قاضي الكوفة بعد شريح ت 103 هـ، وعامر بن شراحيل الشعبي، علامة التابعين ت 104 هـ، وأبو عبد الله، الحكم بن عُتَيْبة، الكِندي، مولاهم، الكوفي ت 115 هـ، ومحارب بن دثار، السدوسي، أبو مطرّف، الكوفي، مولاهم ت 116هـ، وحماد بن سليمان ت 120 هـ.

(المقدمة/81)


وفي البصرة: أبو العالية، رُفَيعْ بن مهران الرّياحي، مولى امرأة من رِياح، بطن من تميم، ت 90 هـ، وأبو العالية، البرَّاء -مشدَّداً- زياد بن فيروز البصري ت 90 هـ، أنس بن مالك الأنصاري، خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم ت 93 هـ، وأبو الشَّعثاء جابر بن زيد صاحب ابن عباس ت 93 هـ، ومطرِّف بن عبد الله الشِّخِّير، العامري، البصري ت 95 هـ، وزُرَارة بن أوفى الحَرَشي، البصري، قاضيها. ت 95 هـ، وأبو قِلابة عبد الله بن زيد، الجِرمي، إمام البصرة في الفقه ت 104 هـ، والحسن البصري، الحسن بن يسار، أبو سعيد، التابعي، أحد أئمة الفقه ت 110 هـ، ومحمد بن سيرين مولى أنس بن مالك. ت 110 هـ، وقتادة بن دعامة السدوسي. ت 118 هـ.
وفي الشام: عبد الرحمن بن غانم الأشعري. ت 78 هـ، وأبو إدريس الخَوْلاني ت 80 هـ، وقَبيصة بن ذؤيب ت 86 هـ، وأمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز بن مروان ت 101 هـ، ورجاء بن حَيْوة الكندي شيخ أهل الشام ت 112 هـ، ومكحول بن أبي مسلم مولى امرأة من هذيل ت 113 هـ، وسلمان بن موسى الأموي، الدمشقي، الفقيه ت 119 هـ، وعبد الله بن أبي زكريا الخُزاعي، أبو يحى، الشامي، الفقيه ت 117 هـ.
وفي الفسطاط: عبد الله بن عمرو بن العاص ت 65 هـ، وأبو الخير مرثد بن عبد الله اليَزني، مفتي أهل مصر ت 90 هـ، ويزيد بن حبيب، مولى الأزد ت 128 هـ.
وفي اليمن: طاوس بن كَيْسان، الجَنَدي، اليماني، توفي بمكة في موسم الحج سنة 106 هـ، ووهب بن منبه الصنعاني، عالم أهل اليمن ت 114 هـ، ويحيى بن أبي كثير، مولى طيّء ت 129 هـ (1).
...
__________
(1) راجع (تاريخ التشريع الإسلامي) للخضري: 124 - 138، (والفكر السامي في تاريخ الفقه الإسلامي): 291 - 306، وراجع تهذيب التهذيب لابن حجر، وخلاصة الخزرجي، لترى ترجمة وافية لهؤلاء الأعلام.

(المقدمة/82)


هؤلاء الأعلام الذين ذكرناهم ليسوا كلَّ الفقهاء والمفتين في هذا الدور، بل هم رؤوس الفقه والفتوى في هذه الأمصار، والأقاليم، ولم يكونوا وحدهم، بل كان هناك فقهاء ومفتون في مختلف الأمصار الإسلامية، في الشمال الإفريقي، وفي أقاليم فارس، وغيرها.
وإنما عُنينا بهذه الأقاليم؛ لأمرين:
الأول:
أن هذه المنطقة: الجزيرة العربية، بحجازها ويمنها، وعراقها، وشامها، كانت هي مركز الدولة الإسلامية، التي كان فيها عُظْم الصحابة رضوان الله عليهم، ومن تبعهم بإحسان، وحمل فقههم وعلمهم من التابعين.
الثاني:
أن الدولة الإسلامية ظلت حتى أوائل القرن الثاني الهجري، أو قرب منتصفه دولة مركزية تحت إدارة واحدة، وقيادة واحدة تخضع للحكم المباشر، الذي كانت هذه المنطقة مقرّاً له، ومن هنا كان التأثير العلمي والفكري لها وحدها إلى أن نمت وترعرعت مراكز علمية أخرى فيما استُقبل من الزمان.
خصائص الفقه في هذا الدور
- نتيجة لما تقدم من تغير في تكوين المجتمع وتوزع أهل الفتيا على الأمصار، وما جدَّ من عوامل أخرى، تميز هذا الدورُ من التشريع بمميزات أهمها:
* كانت مصادر الفقه كما هي في الدور السابق: الكتاب، ثم السنة، ثم الإجماع، ثم الرأي، وكانوا يأخذون بإجماع الصحابة إن وجد، فإن اختلف الصحابة، اختاروا من أقوالهم، وغالباً يأخذ كلُّ تابعي رأيَ شيخه من الصحابة (1).
__________
(1) نشأة الفقه الاجتهادي وتطوره لأستاذنا فضيلة الشيخ السايس: 78.

(المقدمة/83)


* عُني رجال هذا الدور من الصحابة والتابعين بجمع السنة التي رويت عن كبار الصحابة.
* وكذلك عُنوا بجمع تلك الثروة الهائلة من فتاوى صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان قول الصحابة عندهم حجة، كما أشرنا آنفاً.
* كان لهم ولا شك دور هام في الاجتهاد فيما يجد من شؤون هذا المجتمع المتوثب من حولهم، مما لم يرد فيه نص أو فتوى من الصحابة (1).
- وكنا قد أشرنا إلى أن من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من كان يتحرج، ولا يُقدم على الفتوى كعبد الله بن عمر، ومنهم من كان يفتي برأيه ويتوسع في ذلك كعمر بن الخطاب، وعبد الله بن مسعود. وكان ذلك نواة لاختلاف الاتجاه بين التابعين، " فقد اتضح الفرق بين المنهاجين، واتسعت الفرجة بينهما: فمنهم من كان يُفتي برأيه غيرَ متوقف إذا لم يجد نصاً، ولا فتوى صحابي، ومنهم من لا ينطلق في الاجتهاد إن لم يجد ما يعتمد عليه من السنة أو القرآن الكريم " (2).
وكان اتساع الهوة بين المنهاجين نتيجة ظروف المجتمع التي أشرنا إليها، فقد رأى أهل الرأي أن أمر الحديث قد اتسع، ودخل مجاله من لا يخشى في الله إلاًّ ولا ذمة، فبعد أن كان الرجل تعروه رِعدة وهو يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (3)، أصبح الوضع والكذب وسيلة للدفاع عن الفِرق والأهواء (4). رأى أهلُ الرأي ذلك، فخافوا من أن يُزيَّف عليهم حديث، فكان اعتمادهم على الرأي أكثرَ من بحثهم عن الحديث.
__________
(1) تاريخ المذاهب الفقهية لأبي زهرة: 31.
(2) المصدر السابق نفسه: 33.
(3) انظر: ابن سعد، محمد بن سعد بن منيع البصري الزهري، الطبقات الكبرى: 3/ 110 وهو يروي هذا عن ابن مسعود رضي الله عنه.
(4) انظر بحثاً قيماً عن الوضع في الحديث في كتاب (السنة قبل التدوين) لمحمد عجاج الخطيب: 186 وانظر أيضاً السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي للدكتور مصطفى السباعي رحمه الله: 89.

(المقدمة/84)


ورأى أصحاب الحديث الفتنَ والأهواء، فخافوا، وتورعوا عن أن يقولوا برأيهم حتى لا تؤوَّل هذه الآراء، أو يُقتدى بهم؛ فجعلوا كلَّ همهم البحثَ عن الحديث، والاعتصامَ به في مُدْلَهَمِّ الفتن.
ومن هنا ظهر أخص ما يميز هذا الدور وأعني به وجودَ نوعين من الفقه: فقه الرأي، وكان بالعراق، وفقه الأثر، وكان بالحجاز (1).
- وقد كان هذا العصر الأساسَ للازدهار الفقهي في العصر التالي، حيث بدأ تدوين السنة وتدوين الفقه، كما تحددت مناهج الفقه وطرقه.

عصر الأئمة المجتهدين
(من أوائل القرن الثاني الهجري إلى ما بعد منتصف القرن الثالث).
نستطيع أن نحدد أبرز ملامح المجتمع على النحو التالي (2):
* هدأت الفتوحات، وبلغت الدولة أقصى اتساعها.
* بدأ الرخاء يلقي ظلاله الوارفة على أقطار الدولة الإسلامية.
* تم الامتزاج بين العرب والموالي، حيث تعرب هؤلاء، وشاركوا العرب في سياسة الدولة، وتبليغ الرسالة، بل فاقوهم في كثير (3) من الأحيان.
* بدأ تَمَثُّل الحضارت القديمة التي حملها أبناؤها من الموالي، والتي تُرجمت علومها وفلسفتها إلى العربية؛ فحيث الهدوء والرخاء والفراغ من الفتح كان المجال مفتوحاً، والفرصة متاحة لتناول ثمار تلك الحضارات، وإعادة تشكيلها وهضمها.
* تطورت الحياة العقلية وارتقت وازدهرت، وانتشرت حلقات الدرس والبحث، وأقبلت الأكباد الظامئة على الارتواء من العلم.
* ما قلناه لا يتنافى مع ما حدث من انقلاب العباسيين على الأمويين في تلك
__________
(1) تاريخ المذاهب الفقهية لأبي زهرة: 35.
(2) انظر تاريخ الإسلام السياسي لحسن إبراهيم، وظهر الإسلام لأحمد أمين.
(3) يرى ابن خلدون في مقدمته أن أكثر حملة العلوم الإسلامية من الموالي: 4/ 1247.

(المقدمة/85)


الفترة، وما كان من ثورات هنا أو هناك، فهذه الفترة تزيد على مائة وخمسين سنة، فلا ينقض ما قلناه حدوث قلاقل في شهور أو سنة أو سنتين، فى هذا الجانب من الدولة أو ذاك.
- كان من الطبيعي أن يواكب هذا الاستقرار والاتساع الحضاري، وهذا الرقي والنهوض الفكري والعقلي، كان من الطييعي أن يواكب ذلك ازدهارٌ في الفقه وعلوم الشريعة، وقد تمثل هذا الازدهار (1) في:
* ازدياد حفاظ القرآن، والعناية بأدائه ورواية قراءاته، فقد كان هذا العصر هو العصر الذي استقرت فيه القراءة عند القراء السبعة.
* تدوين السنة؛ فقد كان هذا عصراً مجيداً للسنة؛ حيث أخذ رواتها يتنبهون إلى وجوب تصنيفها بحسب الموضوع، وظهر من رجال السنة طبقة بعد طبقة، قامت الطبقة الأولى بتدوين السنة مختلطة بفتاوى الصحابة كالموطأ للإمام مالك، وقامت الطبقة الثانية بتدوين الحديث وحده، فألفوا ما عرف بالمسانيد، وأشهرها: مسند أحمد بن حنبل.
ثم جاءت الطبقة الثالثة فأتمت عمل الطبقتين السابقتين؛ إذ قامت بنقد ما وجدته أمامها من أحاديث، كما ينقد الصيرفي الدنانير؛ فكان من ذلك الكتب الصحاح، وأشهرها: البخاري (ت 256 هـ)، ومسلم (ت 261 هـ). كما ظهر علمُ الرجال الذي يبحث في حال الرواة وجرحهم وتعديلهم.
* كما ظهر في هذا العصر تدوين علم أصول الفقه لأول مرة، وكان إمام الأصوليين وواضع أساس هذا العلم هو الإمام الشافعي.
* ظهور المصطلحات الفقهية، وكان ذلك نتيجة طبيعية لظهور النشاط الفقهي والخلاف بين الأئمة، وتدوين أصول الفقه.
* تفريع المسائل، فقد كان الفقه قبل هذا الدور يغلب عليه الاقتصار على إبداء
__________
(1) انظر تاريخ التشريع للخضري: 177.

(المقدمة/86)


الحكم فيما وقع فعلاً، أما في هذا الدور فقد توسع الفقهاء في تصور المسائل وفرضها ووضع الأحكام لها (1).
- وكنا قد أشرنا من قبل إلى ظهور مدرستين في الفقه: مدرسة الأثر بالمدينة، ومدرسة الرأي بالعراق، وفي هذا العصر ازداد التمايز بين المدرستين، واتضحت مناهجهما، حتى صار يطلق على العراقيين أهل الرأي.
- وأحب أن أؤكد هنا أن هذا الكلام على إطلاقه بعيدٌ عن الواقع، بل هو من الأحكام العامة التي شاعت، وفُهمت على غير حقيقتها، وأخذت أكبر من حجمها، ذلك أن العراق لم يكن به فقهُ الرأي فقط، بل كان فيه الرأي مع الحديث، وكان في المدينة أيضاً الرأي بجوار الحديث، ألم تَر أنه كان بين فقهاء المدينة والمفتين بها (ربيعة الرأي).
و"كان أهل الحديث يعيبون أهلَ الرأي بأنهم يتركون بعض الأحاديث لأقيستهم، وهذا من الخطأ عليهم، ولم نر فيهم من يقدم قياساً على سنة ثبتت عنده، إلا أن منهم من لم يُرْوَ له الأثر في الحادثة، أو روي له، ولم يثق بسنده، فأفتى بالرأي، فربما كان ما أفتى به مخالفاً لسنة لم تكن بمعلومة له، أو عُلمت، ولكنه لم يثق بروايتها" (2).
فالقول بأن هؤلاء أهل رأي وهؤلاء أهل أثر بهذا الإطلاق وهذا التعميم، يوحي بما ليس مقصوداً، ويفهم منه غيرُ ما وقع.
روى سفيان بن عيينة (3) مناظرة بين أبي حنيفة إمامِ أهل الرأي (4) والأوزاعي (5) من أئمة الحديث، وكيف اختلفوا في القول برفع اليدين عند الركوع، وكل منهما في هذه
__________
(1) نشأة الفقه الاجتهادي لأستاذنا الشيخ السايس: 91.
(2) تاريخ التشريع للخضري: 146.
(3) سفيان بن عيينة بن أبي عمران الهلالي أبو محمد الأعور الكوفي توفي سنة 198 هـ (خلاصة تذهيب الكمال).
(4) أبو حنيفة النعمان بن ثابت توفي 150 هـ.
(5) عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي أبو عمرو توفي 157 هـ (تهذيب التهذيب: 6/ 238).

(المقدمة/87)


المناظرة يحاول أن يثبت رأيه بأن الحديث الذي يعتمده أثبتُ من حديث صاحبه وأوثق، وقد انتصر أبو حنيفة صاحبُ الرأي في إثبات أن معتمده من الحديث أقوى من معتمد الأوزاعي صاحبِ الحديث.
وقد أورد هذه المناظرةَ الشيخُ الخُضري وعلق عليها قائلاً:
" وهذه المحاورة بدون أن نناقش أقوالها تدل على ما كان لكل فريق عند الآخر، وتدل على أن الجميع واقفون عند حد السنة متى وثقوا بها من روايتها " (1).
فالفرق إذاً بين المدرستين فرقٌ في مقدار الأخذ بالرأي، حيث يكثر منه أهل العراق، ولا يكثر منه أهل المدينة، وفرق في نوع الرأي، حيث كان أهل العراق يسيرون في أكثر رأيهم على منهاج القياس، فتبع ذلك أن كثرت التفريعات الفقهية في العراق، والإفتاء فيما لم يقع لاختبار الأقيسة، وذلك ما يسمى بالفقة التقديري (2).
ولم يوجد هذا النوع من الفقه في المدينة؛ لأن الأساس كان المصلحة، وهي لا تتحقق إلا في الوقائع؛ فلا يجيء فيها الفرض والتقدير.
هذا الكلام كتبناه وقررناه منذ نحو أربعين عاماً في مقدمات كتابنا (فقه إمام الحرمين).
وعندما جاءت المناسبة لإعادته هنا نظرنا فيه، وفيما كُتب في هذه المسألة، وجدنا أن ما قلناه قد ذكره بوضوح أتم شيخُنا العلامة الشيخ محمد أبو زهرة - ومن عجب أن ما قاله الشيخ لم يشع ولم نره في الأبحاث والدراسات، وظل كل من كتب في تاريخ الفقه ومقدماته يقررون أنه نشأ مدرستان: مدرسة الرأي ومدرسة الحديث، مع أن كتاب الشيخ الذي قال فيه ذلك شائع متداول، منذ سنة 1948 م، وهو كتابه بعنوان (الإمام الشافعي) فقد جاء فيه ما نصه (3):
"يجب أن نشير إلى أنه قال بعض كتاب الفقه في هذا المقام إنه ظهر مدرستان للفقه
__________
(1) تاريخ التشريع للخضري: 147.
(2) تاريخ المذاهب الفقهية لأبي زهرة: 36.
(3) ر. الإمام الشافعي: حياته وعصره: 42، 43، 44.

(المقدمة/88)


استقامت كل واحدة على منهج واحد معين، وأن الفقهاء كانوا إلا قليلاً يسيرون على منهج إحدى المدرستين لا يخالفونه إلى نهج الأخرى، إحدى المدرستين مدرسة الحديث وكانت بالمدينة، والثانية مدرسة الرأي وكانت بالعراق.
وعندي أن المدارس لا تتميز بالرأي والحديث، بل تتميز بمنهاج من تلقوا عنهم وطريقة الرأي، وكثرة فتاوى الصحابة وقلتها، ومن المقرر أن الفقهاء السبعة الذين كانوا أساتذة الفقه الحجازي قد كان لهم رأي كثير". انتهى بنصه.
وهذا كلامٌ واضح مبين، ينطق بأن الشيخ لا يرى لهذه التسمية وجهاً، فليس هناك مدرسة حديث ومدرسة رأي، وإنما الخلاف بين مدرسة العراق ومدرسة المدينة هو في منهج الاستدلال وطريقة الرأي.
بل رفض شيخنا أبو زهرة مجردَ افتراض أن هناك من يقدم رأيه على الحديث الشريف، حيث قال:
" ولا يصح أن نفرض بأي صورة من صور الفروض أنهم يصدقون بنسبة الحديث، ويقدمون فهمهم في الإسلام على قول صحيح النسبة إلى النبي صلى الله عليه وسلم؛ فإن ذلك كلامُ قوم بور، ظهروا في هذا الأيام، وظهر أمثالهم من قبل في أهل الأهواء والبدع والمنحرفين، ومحال أن يكون ذلك من أئمة الإسلام الأعلام الذين فتحوا عيون الفقه، وعبَّدوا مشاربه " (1). اهـ
وينبغي أن نشير هنا إلى تلك العبارة التي تتقاذفها الألسن، في مقام السخرية والاستهزاء، والاتهام بالتعصب الأعمى، تلك العبارة التي تُروَى عن أحد الأئمة متعصباً لمذهبه، فيقول: " كل ما كان من آيةٍ أو حديث بخلاف ما عليه أصحابنا، فهو إما مؤول أو منسوخ ".
لقد سمعنا هذه العبارة ممن هم في مقعد الأساتذة يعلموننا إياها دليلاً على استمكان التعصب الذي يُعمي صاحبَه، فينصر رأي مذهبه على الآية والحديث، حيث يجعل (الرأي) أولاً، ويخضع الآية والحديث له ثانياً.
__________
(1) تاريخ المذاهب الإسلامية: 289.

(المقدمة/89)


هكذا، سمعنا هذه العبارة بهذا التفسير، ونحن نحبو في أول طريق الطلب، هكذا قرئت لنا، وظلت تقرأ حتى أيامنا هذه، يحملها (الأساتذة) جيلاً عن جيل، ويلقنونها لتلاميذهم، بهذا المعنى، ودليلاً على التعصب وإفساده للحياة الفقهية.
ولما قدر الله لنا صحبة أئمتنا والتلمذة لهم، والعيشَ في كنفهم، والاطلاعَ على شيء من أخبارهم، ومعرفة طرفٍ من أخلاقهم، بدأت أتململ حينما أسمع باحثاً مرموقًا يحكي هذه العبارة -بهذا الفهم- في قاعة المؤتمرات والندوات أمام عشرات العلماء، ومئات الطلاب، ورحتُ أقرأ هذه العبارة قراءة أخرى عكس ما تُقرأ وتتردد عليه، رحتُ أقرأ هذه العبارة في ضوء معرفتي المتواضعة بتاريخ أئمتنا، وأخلاقهم، وورعهم.
وأحببتُ قبل أن أصرح بهذه القراءة، وأُعلي بها صوتي، أن أعرف أولاً من صاحبها؛ لأرى مكانته ومنزلته فى الفقه، وقبل ذلك أعرف طرفاً من سيرته، فإذا بي أجد صاحب هذه العبارة هو:
الإمام الجليل، أبو الحسن الكرخي، شيخ الحتفية في عصره، وهو عبيد الله بن حسن بن دلال، توفي عن ثمانين سنة في شعبان سنة 340.
أما سيرته، فقد ذكر كل من ترجم له: " أنه كان قانعاً متعففاً، صبوراً على الفقر، عزوفاً عما بأيدي الناس، فقد كان من العلماء العباد الزهاد، كان صوّاماً قواماً، ذا تهجدٍ وتألّه، وزهدٍ تام ".
ذكره بهذا أربعة ممن ترجموا له من مخالفيه في المذهب، وهم الخطيب البغدادي الشافعي الشديد على الأحناف، المتوفى سنة 463 هـ، والإمام الذهبي السلفي المتشدد، المتوفى 648 هـ، والإمام ابن كثير، السلفي الشافعي المتوفى سنة 674 هـ، وابن العماد الحنبلي، المتوفى سنة 1089 هـ (1).
__________
(1) ر. تاريخ بغداد، للخطيب البغدادي: 10/ 353، سير أعلام النبلاء: 15/ 426، البداية والنهاية: 11/ 225، وشذرات الذهب: 2/ 358.

(المقدمة/90)


كما أيد الخطيب، والذهبي، وابن كثير، ورعه وزهده، وصدقه مع الله، وأنه مستجاب الدعاء، بقصة أوردها الثلاثة بألفاظٍ واحدة تقريباً، وألفاظها عند الذهبي: قال: حدثني أبو القاسم الصيمري قال: حدثني أبو القاسم بنُ علانَ الواسطي، قال: لما أصابَ أبا الحسن الكرخي الفالجُ فى آخر عمره، حضرته، وحضر أصحابه: أبو بكر الدامغاني، وأبو علي الشاشي، وأبو عبد الله البصري، فقالوا: هذا مرض يحتاج إلى نفقة وعلاج، والشيخ مقل، ولا ينبغي أن نبذله للناس، فكتبوا إلى سيف الدولة بن حمدان، فأحس الشيخ بما هم فيه، فبكى، وقال: اللهم لا تجعل رزقي إلا من حيث عودتني، فمات قبل أن يحمل إليه شيء، ثم جاء من سيف الدولة عشرة آلاف درهم، فتُصدِّق بها عنه".
لما عرفتُ هذا. عرفت صاحب العبارة وسيرته، قلت: سبحان الله!! هذا العالم العابد الزاهد، مستجاب الدعاء، الذي لم يتعلق من دنيا الناس بشيء، كيف تُقرأ عبارته هذه القراءة؟؟
فتأكد لي صحة قراءتي لهذا القول، فقد صح عندي، ولا يصح في العقل غيره - أن الإمام أبا الحسن الكرخي يقول: ما كان لنا ولشيوخنا أن نخالف أمر الله، فنترك الآية أو الحديث إلى الرأي، فإذا وجدت شيئاً من هذا، فاعلم أنه ترجح عندنا صرفه عن ظاهره بدليلٍ، أو تأكد عندنا أنه منسوخ، أو أن الحديث لم يصح، ومعاذ الله أن نترك الآية والحديث لرأينا.
هكذا قرأنا هذه العبارة، ولا يصح غيرُ هذه القراءة في ضوء العصر الذي قيلت فيه، وفي ضوء المعرفة بصاحبها وسيرته.
أما أن تقرأ هذه العبارة تلك القراءة الشائنة، فذلك أثر من آثار ثقافة شوهاء نحو تاريخنا بشقيه السياسي والفكري.
وكم أتمنى أن يعثر باحث على أول من ردّد هذه العبارة، وقرأها هذه القراءة، فإني أشم فيها ذَفَر المستشرقين، وقمامة أفكارهم.
ويؤكد صحة قراءتي ما قاله شيخنا الإمام أبو زهرة حين قال: "ونحب أن نُقرر هنا

(المقدمة/91)


أنه في حال الأخذ بالرأي عند من يأخذون به في مقابل الحديث، لا يُعدّ الحديث صحيحَ النسبة إلى النبي صلى الله عليه وسلم، بل إنهم ينكرون هذه النسبة، ويعتبرون الخبر المروي شاذاً في متنه، إذ أنه يخالف القواعد المقررة الثابتة المأخوذة من مقاصد الشريعة العامة، ونصوصها الخاصة" (1).
* نعود إلى ملامح العصر فنقول: كان طبيعياً أن يصطبغ الفقه في كل إقليم بصبغة تختلف عن غيره من الأقاليم نتيجة لاختلاف الأعراف والتقاليد والظروف، ولذلك كثرت رحلات الفقهاء من إقليم إلى آخر للتعرف على ما عند الفقهاء الآخرين والاستفادة بفقههم.
...
- ونحب أن نؤكد هنا أن تسمية هذا العصر بعصر الأئمة المجتهدين، فيها شيء كثير من التجوّز، وذلك من ناحيتين:
أ- أن كل ما كان من فتاوى الصحابة والتابعين في القرن السابق، إنما هو اجتهاد لا شك في ذلك، فكل المفتين الذين ذكرنا أسماءهم آنفاً -وغيرهم- كانوا أئمة مجتهدين.
ب- أن الاجتهاد لم ينقطع -على الأصح- طوال هذه القرون، بل هو فرضٌ واجب في كل عصر، على حدّ تعبير السيوطي في عنوان رسالته:
(الرد على من أخلد إلى الأرض، وجهل أن الاجتهاد في كل عصرٍ فرض)
وإنما سوغ هذا الإطلاق، وتسميةَ هذا العصر بعصر الأئمة المجتهدين عدةُ أمور:
أ- أن هذا العصر هو الذي وُضعت فيه مناهج الاجتهاد، وضوابطه، وصار لها ألقابٌ، وأسماء، ومصطلحات، كما تمايزت فيه مناهج الأئمة بعضها عن بعض.
ب- أنه العصر الذي دوّن فيه الفقه بصفته فناً مبوّباً مفصلاً، مستقلاً عن غيره من الفنون.
__________
(1) تاريخ المذاهب الإسلامية: 289.

(المقدمة/92)


ج- أنه العصر الذي أنجب الأئمة أصحاب المذاهب المتبوعة التي استمرت دون غيرها من مذاهب الأئمة الذين لم تدوّن مذاهبهم -وما أكثرهم- أو التي دوّنت، ولم يقم بها أتباعها؛ فنسيت.
- لقد حفظ لنا تاريخُ الفقه أسماء لثلاثة عشر إماماً مجتهداً دوّنت مذاهبهم، وعُمل بها، بقي منها المذاهب الأربعة المعروفة، ونُسي باقيها، بمعنى أنه لم يتيسر لهم من الأتباع من ينشر علمهم، وبقي حبيساً في بطون الكتب، من أشهر هؤلاء:
الإمام الأَوْزاعي، أبو عمرو عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي، ولد سنة 88 هـ وتوفي سنة 157 هـ.
والإمام الليث بن سعد، الذي قال فيه الشافعي: كان الليث أفقه من مالك، إلا أن أصحابه لم يقوموا به ت 175 هـ.
والإمام داود الظاهري، داود بن علي بن خلف الأصبهاني، المعروف بالظاهري، كان تلميذاً للشافعي (1)، ومن أشد المدافعين عن مذهبه، والداعين إليه، ثم استقل بمنهجه وأصوله ومذهبه، وألف كثيراً من الكتب، في الفقه، وفي الأصول، وقد استمر مذهبه شائعاً متبعاً، ثم اضمحل في منتصف القرن الخامس، ولد داود بالكوفة سنة 202 هـ، وتوفي سنة 270 هـ.
والإمام أبو جعفر محمد بن جرير الطبري، كان شافعياً في أول أمره، ثم استقل بمذهبه، وقد ترك لنا ثروة علمية هائلة، في الفقه، والأصول والخلاف، والتفسير، والحديث، والتاريخ، ولد سنة 224 هـ، وتوفي سنة 310 هـ.
وعدوا من هؤلاء أيضاً: الحسن البصري ت 110هـ، وسفيان الثوري ت 161 هـ، وسفيان بن عيينة. ت 198 هـ، وإسحاق بن راهويه ت 238 هـ، وأبو ثور. ت 240 هـ.
__________
(1) لعل في العبارة تجوزاً؛ إذ كيف يكون تلميذاً للشافعي مع أنه ولد سنة (202)، فالمقصود بالتلمذة هنا اتباعه، والعمل بأصوله ومناهجه.

(المقدمة/93)


- وقد خلف لنا هذا الدور ثروة فقهية طائلة، حيث ضبطت الأصول، وتمهدت الفروع، وأصبح الإلمام بجزئيات الفقه وكلياته لا يحتاج إلى كبير عناء. وكانت الكتب التي خلفوها -وما زالت- زاد الفقهاء وإمامَهم.
***

(المقدمة/94)