نهاية المطلب في دراية المذهب

كتاب الوكالة
4328 - تصح الوكالة بإجماع العلماء، ولا تصح فيما لا تطرق للنيابة إليه، كعبادات الأبدان، إلا الحج، وركعتي الطواف، إذا أتى بهما الأجير على الحج، وفي الصوم خلاف، ويصح في كل ما تتطرق إليه النيابة، ويقع معظم نفعه للموكِّل، كالعقود، والفسوخ، والطلاق، والعتاق، والرجعة، والنكاح، والصلح، والسلم، والرهن، والحوالة، والقبوض المستحقة، والعواري، وقبول الهبات.
وفي تملك المباح وجهان.
ولا يجوز في الإيلاء؛ لأنه يمين، ولا نيابة في الأيمان، وفي الظهار جوابان، مأخذهما تغليب الطلاق أو الأَيْمان.
والوجه القطع بالتصحيح في الإيصاء والضمان.
ولا يجوز في الغصب، والعدوان، فإن غصب ما أذن له فيه، اختص بأحكام الغصب والضمان.
ويجوز في إثبات القصاص، وحد القذف اتفاقاً، وكذلك في استيفائهما إن حضر الموكِّل، وإن غاب، ففيه -لاختلاف النص- طريقان: إحداهما - المنع، قولاً واحداً، والثانية - فيه قولان.
والمذهب منع التوكيل في طلاق امرأة سينكحها.
وأصح الوجهين بطلان التوكيل في الإقرار، وبه قطع المراوزة. فإن قلنا: يصح، فقال: أقرّ عني لزيد بعشرة، لم يكن التوكيل إقراراً، وإن عزله، امتنع الإقرار.
وإن قلنا: لا يصح، فالأصح أن نفس التوكيل إقرار، فإن قال: أقر عني لفلان بشيء، فهو كقوله: "له علي شيء". ولو قال: أقرّ لزيد، واقتصر، فوجهان، وقطع العراقيون بأنه ليس بإقرار؛ إذ يحتمل أقر له بالفضل والإحسان.

(7/33)


فصل
فيمن يجوز توكيله وتوكُّله
4329 - كل من ملك مباشرة أمرٍ لنفسه، وهو مما يقبل النيابة، جاز أن يوكل فيه، وكل من باشر لنفسه أمراً يقبل النيابة، جاز أن يتوكل فيه، وهذا مطرد، واستثنى من عكسه مسائل، فالعبد والسفيه لا يتزوجان بغير إذن السيد والولي، ولو توكّلا فيه بغير إذنٍ، جاز، على المذهب. ولو توكلا في الإنكاح، لم يجز، على المذهب؛ إذ لا يملكانه بالإذن. وفي توكيل المرأة في طلاق غيرها وجهان. والمحجور بالفلس لا يتصرف في أمواله، وإن توكل فيما لا عهدة فيه، جاز، وكذلك فيما فيه العهدة، على المذهب.
فصل
في التوكيل في المخاصمة
4330 - لا يشترط في التوكيل في الخصام رضا الخصم، رجلاً كان، أو امرأة، مخدَّرة أو غير مخدّرة، ويدخل تحت لفظ الخصومة إقامة البينة، وسماعُها وجرحُها، واستزكاؤها، فإن استثنى الموكل شيئاً من ذلك، لم يملكه الوكيل، ولا يملك المصالحة وإن جاز التوكيل في صلح المعاوضة والحطيطة. وليس له أن يقبض الحق إذا ثبت، على أصح الطريقين؛ إذ لا يعدّ من الخصام، وقيل: فيه وجهان. ولو توكل في قبض حق، فاحتاج إلى الخصام، فهل له ذلك؟ فيه وجهان.
وإن توكل بالمخاصمة من الجانبين، لم يجز، على الأصح، فإن أجزناه، فليفرغ من حجة أحدهما، ثم يشتغل بحجة الآخر.
وإن وكل اثنين بالمخاصمة، فهل لأحدهما الانفراد؟ فيه وجهان: فإن منعناه، لم يخاصم إلا بحضور صاحبه؛ إذ الغرض بذكرهما حضورهما للتشاور والتناصر، وكذلك الغرض من كل ما يفوض إلى اثنين على الإطلاق، كالوكالة والوصاية، وسائر التصرفات.

(7/34)


ولو توكل في مجلس الحكم، فله أن يخاصم فيه، وفي غيره من المجالس في الاستقبال. وقال القاضي: يتخصص ذلك بمجلس التوكيل، على مصطلح القضاة، وليس الأمر كما قال.
وإن وكله في مخاصمة خصمائه، ولم يعين، صح في جميع الخصومات، وقيل: لا يصح؛ للجهالة.
وإن ادعى أنه وكيل زيد في مخاصمة عمرو، فإن صدقه عمرو، ثبتت بذلك الوكالة، واطرد الخصام، فإن كان عمرو مدعىً عليه، لم يملك الامتناع من المخاصمة إلى أن يحضر الموكل، وإن كان مدعياً، فله أن يخاصم وأن يؤخر، وإن كذبه عمرو، لزمه الإثبات، وتسمع بينته في حضور الخصم، وغيبته. وقال القاضي: لا بد أن ينصب القاضي من يسمع البينة في مسألة الغيبة؛ إذ لا بدّ من مقضي عليه بخلاف القضاء على الغائب؛ فإنه يتوجه إليه، بخلاف الوكالة؛ فإن إثباتها ليس قضاء على الغائب، ولا أصل لما قال.
فرع:
4331 - إذا وكل في مجلس القضاء، فللوكيل أن يخاصم عنه ما دام حاضراً، وإن غاب، لم يخاصم، إلا أن يعرفه الحاكم بنسبه، ولا يجوز أن يعتمد على قوله في نسبه، فإن أقام بينة بالنسب، سُمعت، ووجب استزكاؤها. وقال القاضي: جرت عادة القضاة بترك الاستزكاء هاهنا؛ اعتماداً على ظاهر عدالة الشاهدين، وهذا مما تفرّد به؛ فلا تخرم به الأصول.
فصل
في قبول الوكالة
لا تفتقر الإباحة إلى قبول المباح له، ولا تبطل برده، وفي اشتراط قبول الوكالة طريقان: إحداهما - وجهان. والثانية - لا يشترط إن كانت بلفظ الأمر، وإن كانت بلفظ التوكيل، أو الإنابة أو التفويض، فوجهان، ولو عزل نفسه، انعزل اتفاقاًً.
فرع:
4332 - إذا شرطنا القبول، فلا بدّ أن يتصل بالإيجاب، فإن كتب الغائب بالوكالة، نفذت على الأصح.

(7/35)


فإن لم نشترط القبول، نفذ تصرف إلوكيل، وإن شرطناه، فليقبل إذا عرف مضمون الكتاب.
فصل
في تعليق الوكالة
4333 - إذا علق الوكالة بصفةٍ أو وقت، فطريقان: أحسنهما - أنا إن شرطنا القبول، لم يجز، وإن لم نشترطه، جاز. والثانية - إن لم نشترطه، جاز، وإن شرطناه، فوجهان.
ولو عجل التوكيل، وعلّق التصرف، جاز، ولا يتصرف قبل وجود الشرط، ورمز العراقيون إلى تخريجه على الخلاف في التعليق، إذ لا معنى للوكالة مع منع التصرف.
فرع:
4334 - إذا منعنا التعليق، فتصرف الوكيل بعد وجود الشرط، نفذ عند العراقيين، ويسقط المسمى، ويجب أَجْر المثل. ومنعه أبو محمد، وقال الإمام: إن وكل بصيغة التوكيل، لم ينفذ إن شرطنا القبول، وإن وكل بصيغة الأمر، نفذ إن لم نشترط القبول.
فرع:
4335 - إذا لم نشترط القبول، ففي اشتراط علم الوكيل بالوكالة خلاف مرتب على العلم بالعزل، وأولى بالاشتراط، فإن شرطناه، فهل يشترط أن يقترن بالوكالة؟ فيه وجهان. فإن لم نشترط الاقتران، فتصرف قبل العلم، ففي نفوذ تصرفه قولان، كما لو باع مال أبيه على ظن حياته، فظهرت وفاته.
فصل
في العزل
4336 - لا يقف العزل على القبول اتفاقاًً، ولا على علم الوكيل على الأصح، وفيه قول مخرّج. وإن مات الموكل أو جن، أو أَعْتَق العبد الذي وكَّل في بيعه، أو باعه بيعاً لازماً، ولم يشعر الوكيل، نفذ التصرف، وانعزل الوكيل.

(7/36)


ولا ينعزل الحاكم قبل بلوغ الخبر؛ لما في ذلك من الضرر، وقيل: فيه القولان.
فرع:
4337 - إذا لم نشترط العلم بالعزل، فتصرف الوكيل، فادعى الموكل أنه عزله قبل التصرف، لم يقبل إلا ببيّنة.
فرع:
4338 - في تعليق العزل خلاف مرتب على تعليق الوكالة، والأصح الجواز.
فرع:
4339 - إذا جوزنا التعليق، فقال: مهما عزلتك، فأنت وكيلي، ثم
عزله، عاد التوكيل، فإن عزله ثانياً، لم تعد الوكالة، إلا إذا قال: كلما عزلتك، فأنت وكيلي، فيتكرر التوكيل بتكرر العزل.
فإن عزله في غيبته، فإن شرطنا العلم بالعزل، فالوكالة بحالها، وإن لم نشترطه، فهل تعود الوكالة، أو تخرج على الخلاف في اشتراط علم الوكيل؟ فيه وجهان؛ لأن الوكيل قد أمن من اطراد العزل.
فرع:
4340 - إذا حكمنا بعود التوكيل بعد العزل، فصادف التصرف وقت الانعزال، ففي نفوذه وجهان. وإن شككنا في ذلك، أو اختلفا فيه، فالأصل بقاء التوكيل.
فرع:
4341 - إذا حكمنا بتكرر الوكالة إذا تكرر العزل، فالخلاص منها بأن يقول: كلما وكلتك، فأنت معزول.
فصل
في إقرار الوكيل على الموكل
4342 - إذا توكل بالمخاصمة لمدعٍ، أو مدعىً عليه، لم يقبل إقراره عليه، ولو عدّل وكيل المدعى عليه ببينة المدعي، لم يقبل؛ لأنه يقطع الخصومة كالإقرار، وليس للوكيل أن يختار قطع الخصام.

(7/37)


فصل
في التوكيل في الإبراء
4343 - إذا قال: أبرأتك مما لي عليك، وهو عالم بقدره، صحّ، وإن لم يصرح بذكر المقدار، كما لو قال: بعتك بما باع به فلان، ويشترط في الإبراء معرفة الموكل لما يبرىء منه، دون الوكيل، فإذا قال: أبرأتك مما لموكلي عليك، صح، وإن جهله الوكيل، بخلاف البيع؛ فإن عهدته تتعلق بالوكيل.
فصل
في توكيل الوكيل
4344 - إذا وكل إنساناً بتصرفاتٍ أو خصومة، فإن تيسّر عليه تعاطي ذلك، لم يملك التوكيل فيه اتفاقاًً، وإن عسر، فطرُقٌ: إحداهن - التجويز فيما يعسُر منه، وفي المتيسر وجهان. والثانية - المنع في المتيسر، وفي المتعسر وجهان. والثالثة - في الجميع وجهان: أحدهما - الجواز في الكل، وفيما شاء منه، والثاني - المنع في الكل، والجواز في البعض، والتعيين إليه، وهل يعتبر في العُسر عظم المشقة، أو عدم الإمكان؟ فيه وجهان.
فرع:
4345 - توكيل العبد المأذون كتوكيل الوكيل، في الخلاف والوفاق، وللوصي، والمقارض، والولي المجبِر أن يوكّلوا وفي غير المجبر خلاف.
فصل
في التوكيل بإذن الموكل
4346 - يجوز التوكيل بالوكالة، فإذا وكله بتصرف، وأذن له أن يوكل فيه، فله أحوال: الأولى - أن يقول: وكل عني فيما وكلتك فيه، فيكون الوكيل الثاني وكيلاً عن المالك، لا ينعزل بانعزال الأول بحال.

(7/38)


الثانية - أن يقول: وكل عن نفسك، فهل يملك الأول عزل الثاني؟ فيه وجهان، يعبر عنهما بأنه وكيل عنه أو عن المالك، فإن جوزنا له عزله، انعزل بموته وجنونه، وإن منعناه من عزله، ففي انعزاله بموته وجنونه وجهان. ولو انعزل الأول بعزل المالك، ففي انعزال الثاني بذلك وجهان، اعتباراً بالموت والجنون. وإن عزل المالك الثاني، انعزل إن منعنا الأول من عزله. وإن أجزناه، فوجهان، فإن قلنا: لا ينفذ، فطريق الخلاص أن يعزل الأول، فينعزل الثاني بذلك.
الثالثة - أن يقول: وكلتك في التوكيل، ولا يزيد، فبأي الحالين يُلحق؟ فيه وجهان.
فرع:
4347 - إذا جوزنا للوكيل المطلق أن يوكل، فإن أضاف إلى الموكل، فهو كالحال الأولى، وإن أضاف إلى نفسه، فهو كالحال الثالثة.
فصل
في دعوى الأمين الرد على المؤتمن
4348 - كل أمين ادعى الرد على المؤتمن، فالقول قوله باتفاق الخراسانيين، وقال العراقيون: إن كان الغرض للأمين: كالمستأجر والمرتهن، فالقول قول المؤتمن.
وإن كان الغرض للمؤتمن كالوديعة والوكالة بغير جُعل، فالقول قول الأمين. وإن كان الغرض لهما كالوكيل بالجعل، فوجهان.
فرع:
4349 - كل أمين تلفت العين عنده بغير تفريط منه، لم يضمن، وكل أمين ادعى التلف، فالقول قوله باتفاق الخراسانيين، وقياس العراقيين إلحاق دعوى التلف بدعوى الرد، ويحتمل أن يفرقوا بين الرد والتلف.

(7/39)


فصل
في دعوى الرد على غير المؤتمن
4350 - إذا ادعى الرد على غير المؤتمن، لم يقبل قوله إلا على وجه بعيد، كمن، التقط لقطة، أو أطارت إليه الريح ثوباً، فادعى الرد على المالك، لم يقبل، وكالقيم إذا ادعى الرد بعد البلوغ والرشد، فلا يقبل على الأصح، وإن ادعى النفقة في، الصغر، فإن ذكر سرفاً، ضمن، وإن ذكر اقتصاداً، قبل على الأصح.
فرع:
4351 - من طولب بالدين، فله أن يمتنع من أدائه حتى يُشهد له بقبضه، وفي الوديعة وجهان. وقال العراقيون: لا يمتنع في الدين، إلا إذا كان به بينة.
فصل
في دعوى الرد على رسول المؤتمن
4352 - إذا ادعى الأمين الدفع إلى الرسول، واعترف المالك بالإرسال، وكذب، الأمين في الدفع، فالقول قول الرسول في عدم القبض، وفي تغريم الأمين وجهان؛ إذ يد الرسول كيد المرسل، وقطع الإمام بالتغريم؛ لأنه ادعى الرد على غير المؤتمن، وإن كذبه الرسول، وصدقه المالك، فإن قلنا: لا يغرم إذا كذبه المالك، فهاهنا أوْلى، وإن قلنا: يغرم ثمَّ، فهاهنا وجهان مشهوران لتقصيره بترك الإشهاد.
فصل
في التنازع في إيقاع التصرفات
4353 - إذا توكل بتصرف، أو أداء أمانة، أو دين، فادعى أنه فعل ذلك، وأنكره الموكل، ففي قبول قول الوكيل مع يمينه طريقان: إحداهما - ثلاثة أقوال: أحدها - لا يقبل في الجميع، لتعلقه بثالث، والثاني - يقبل حتى في أداء الديون والأمانات، والثالث - إن شابه لفظُ الدعوى لفظَ الإنشاء، قبل، وإلا فلا، فيقبل في العتق

(7/40)


والطلاق، ولا يقبل في الاقتصاص. ولو قال: بعتُ، فالقياس أنه لا يقبل؛ إذ لا يستقل بالإنشاء من غير قبول.
والطريقة الثانية -وهي المشهورة- إن ادعى دفع دين أو أمانة، لم يقبل، على المذهب. وإن ادعى عقداً وهو باقٍ على الوكالة، قبل؛ لقدرته على الإنشاء.
فرع:
4354 - إذا صدقه المالك على قضاء الدين، ولكنه، لم يُشهد، لزمه الضمان، إلا على قول بعيد. وقال العراقيون: إذا جحد القابض، فإن ترك الإشهاد في غيبة الموكل، ضمن، وإن تركه بحضرته، فوجهان. وإن دفع الوديعة بحضوره، لم يضمن، وفي الغيبة أوجه: ثالثها - التفرقة بين أن يدفعها في مكانٍ يتعذر فيه الإشهاد، أو يتيسر.
فصل
في التنازع في قبض الديون والأثمان
4355 - إذا توكل في قبض دين، فادعى أنه قبضه، وأنه تلف في يده، فقال الموكل: لم تقبضه، فالقول قول الموكل؛ إذ لا غرم على الوكيل، ولا خصومة معه، وللموكل أن يطالب المدين بالدين، بخلاف ما لو اتفقا على الاستيفاء، ثم اختلفا في الرد أو التلف، فالقول قول الوكيل؛ فإنا لو كذبناه، لغرمناه.
ولو سلَّم المبيع بإذن الموكل، أو كان البيع بالمؤجل، فسلم المبيع، ثم ادعى أنه قبض الثمن، فالقول قول الموكل، فإن اتفقا على قبضه، ثم اختلفا في تلفه أو ردّه على الموكل، فالقول قول الوكيل؛ فإن البيع إذا كان مطلقاً أو مقيداً بالحلول، فسلّم المبيع قبل قبض الثمن، لزمه الأقل من قيمة المبيع أو الثمن، فإذا ادعى الموكل أنه سلمه، فأنكر، فالقول قول الوكيل؛ لأنا لو كذبناه، لغرمناه، وليس للموكل مطالبة المشتري بالثمن على الأصح؛ لتعلق الخصومة بالوكيل، بخلاف ما ذكرناه في الدين، فإن قلنا: لا يطالبه بالثمن، فرد المشتري المبيع بالعيب، فله طلب الثمن من المالك والوكيل، فإن غرّم الوكيل، لم يرجع على المالك؛ لأن يمينه صلحت للدفع دون الإثبات، فأشبه ما لو اختلف المتبايعان في عيب ممكن الحدوث، فحلف

(7/41)


البائع، ثم انفسخ البيع بالتحالف، فليس له أن يغرّم المشتري أرش العيب الحادث اتفاقاًً، إلا أن في صورة الوكالة إشكالاً، من جهة أنا قد برّأنا المشتري من الثمن، وصدقنا الوكيل في قبضه وتلفه أو ردّه على المالك، وذلك يقتضي الرجوع على المالك، ولا يتجه منع الرجوع إلا إذا جوزنا مطالبة المشتري بالثمن.
فصل
فيمن طولب بأمانةٍ فأخّر ردها
4356 - كل من طولب بأمانة، لم يجز له تأخير ردها إلا بعذر، فإن أخر بغير عذر، ضمن، وإن كان مشتغلاً بأكل، أو طهارة، أو حمّام، لم يلزمه القطع، فإن تلفت في هذه الحال، لم يضمن عند الأصحاب، وقال الإمام: إن تلفت بسببٍ تتلف به لو كانت عند المالك، لم يضمن، وإن تلفت بسبب التأخير، ضمن.
فرع:
4357 - إذا ادعى المالك تأخيراً لا عذر فيه، أو اتفقا على التأخير، وادعى
المالك نفي العذر، فالقول قول الأمين.
فصل
فيمن جحد الأمانة، ثم ادعى ردّها أو تلفها
4358 - إذا ادعى عليه بوديعة أو قَبْض ثمن توكل في قبضه، فأنكر، فله حالان: إحداهما - أن يقول: ما لك عندي شيء، أو لا يلزمني تسليم ما ادعيت، ثم تقوم عليه البينة بالاستيداع وقبض الثمن، فيدعي الرد أو التلف، فالقول قوله مع يمينه، فإن أضاف التلف إلى ما بعد الإنكار، لزمه الضمان.
الثانية - أن يقول: ما استودعتُ، ولا قبضتُ، فتقوم البينة عليه بذلك، فيدعي الرد أو التلف، فإن أضافهما إلى ما قبل الإنكار، لم يقبل قوله، فإن أقام بينة، لم تسمع على أظهر الوجهين؛ لأنه كذبها بالإنكار، وإن أضاف التلف إلى ما بعد الإنكار، قبل قوله، كالغاصب، وعليه الضمان. وإن أضاف الرد إلى ما بعد

(7/42)


الإنكار، لم يقبل قوله، فإن أقام بيّنة، فقد سمعها الأصحاب، وخرجها الإمام على الخلاف لإكذابها بسابق الإنكار.
فصل
في مخالفة الوكيل ما يقتضيه اللفظ أو العرف
4359 - إذا قال: اشتر بهذه الدراهم، وجب الشراء بعينها، فإن خالف، انصرف العقد إليه. وإن قال: اشتر في الذمة، وانقد فيه هذه الدراهم بعد اللزوم، فاشترى بعينها، لم ينعقد، على الأصح.
وليس للوكيل أن يبيع، ولا أن يشتري من نفسه اتفاقاً، وإن نص له على ذلك، فوجهان أجراهما ابن سريج في كل عقد مفتقر إلى الإيجاب والقبول، فإن أذنت المرأة لابن عمها أن يتزوجها متولياً للطرفين، أو توكل في جلد نفسه حدّاً، أو في قطع يده قصاصاً أو حداً، ففيه الوجهان، وهو بعيد في النكاح؛ لما فيه من التعبد، وفي الجلد، لما فيه من التهمة.
وإن كان عليه دين، فتوكل في قبضة من نفسه، فعلى الوجهين عند الإمام، وإن توكل في إبراء نفسه منه، صح، وفي طريقة العراق وجهان، ولا وجه للمنع إلا إذا شرطنا القبول في الإبراء.
وعلى الوكيل المطلق أن يبيع بثمن المثل حالاً من نقد البلد، فإن باع بنسيئة من مليء وفيٍّ، أو باع بالغبن أو بغير الغالب في البلد، لم يصح، والغبن هو النقص الظاهر الذي يعدّ به حاطّاً من ثمن المثل، وإن باع ما يساوي مائة بنقص درهم، صح؛ لأنه يعدّ ثمن المثل أيضاً.
وإن كان في البلد نقدان غالبان، فباع بهما أو بأحدهما، صح، وتردد بعضهم في البيع بهما، ولو باع أو اشترى بشرط الخيار، ففي الصحة طريقان: إحداهما - إن شرطه في البيع للمشتري، لم يصح، وإن شرطه لنفسه، فوجهان، وإن شرطه في الشراء لنفسه، جاز، وإن شرطه للبائع، فوجهان. والطريقة الثانية -وعليها الجمهور- فيه أوجه: ثالثها - إن اختص بالخيار، صح، وإلا، فلا.

(7/43)


وإن أذن في البيع بأجلٍ ثمنُ المثل فيه مائة، فباع بالمائة حالاً، فوجهان. وإن باعه بتسعين حالاً، لم يجز، وإن قال: اشترِ بمائة حالة، فاشترى بمائة نسيئة، فلأيهما يقع؟ فيه وجهان، وإن اشتراه بمائة وعشرة مؤجلة، وقع للوكيل.
فصل
فيما يعد مخالفة وموافقة
4360 - إذا باع بثمن المثل، أو أكثر، أو اشترى بثمن المثل، أو أقلّ، نفذ للموكل، وإن اشترى بأكثر من ثمن المثل، انصرف العقد إليه، وإن قال: بع بمائة، فباع بمائتين من جنس المأذون، صح اتفاقاً، وإن باع بجنس آخر، لم يصح، فإن أذن في البيع بمائة درهم، فباع بمائة ديناًر، لم يصح. وإن قال: بع بمائة، ولا تزد، أو قال: اشترِ بمائة، ولا تنقص، فزاد في البيع، أو نقص في الشراء، فوجهان. قال الإمام: إن نص على ذلك نصاً لا يحتمل التأويل، لم يصح، وإن احتمل تأويله بأني لا أكلفك مشقة في تحصيل الزيادة، ونحو ذلك، ففيه الوجهان. وإن قال: اشتر عشرة أعبد، فاشتراهم في عشرة عقود، أو في صفقة واحدة، صح. وإن اشتراهم دفعة واحدة من رجلين: لكل واحدٍ منهما خمسة، وقلنا: يصح هذا البيع، مع ما فيه من جهالة الثمن، وقع للموكل، وإن قال: اشترهم صفقة واحدة، فاشتراهم بعقود، لم ينفذ للموكل، وإن اشتراهم من اثنين بقبول واحد، فوجهان، وإن قال: اشتر عبداً بعشرة، فاشترى نصفه بأربعة، أو اشترى النصفين بثمانية في عقدين، لم ينفذ للموكل.
فصل
في اختلاف الوكيل والموكل في الثمن
4361 - إذا اشترى جارية بعشرين، فقال الموكل: إنما أذنت في الشراء بعشرة، فقال الوكيل: بل بالعشرين، فالقول قول الموكل، وينصرف العقد إلى الوكيل إن وقع على الذمة، وإن وقع على العين، بطل. فإن لم يعترف البائع بالوكالة، وحلف على نفي العلم، أخذ العشرين التي تناولها العقد، وغرمها الوكيل للموكّل. وينبغي

(7/44)


للحاكم (1) أن يقول للموكل: لا يضرك أن تقول للموكل: بعتك الجارية بعشرين، فإن أجاب، صح البيع، وحلت الجارية للوكيل، ولا يكون ذلك إقراراً من البائع، على النص، وللوقف في هذا العقد احتمال ظاهر. وإن امتنع من البيع، فهل يجوز للوكيل وطء الجارية؟ فيه ثلاثة أوجه: أحدها - لا تحل له إلا أن يضرب عن الخصام.
والثاني - يجوز؛ بناء على أن العقد يقع له، ثم ينصرف إلى الموكل، وهذا لا يصح في الثمن المعين، وإن كان في الذمة، لم يصح أيضاً إلا على قول أبي حنيفة.
والثالث - التخريج على الظفر بمال الظالم، فإن منعناه، لم يتصرف في الجارية، ويخرج على هذا وجه: أن الحاكم ينتزعها ليحفظها حِفْظ ما لا يعرف مالكه. وقال الإمام: إن كان الوكيل صادقاً في الباطن، خرج على الظفر بمال الظالم، وإن كان كاذباً، فلا تعلق له بالجارية، إذ لا حق له على مالكها.
فصل
فيمن يوكل في تزوج أو شراء، فيقبل غير ما أذن فيه
4362 - صيغة النكاح بالتوكيل أن يقول الموجب: زوجت فلانة من فلان، فيقول الوكيل: قبلت نكاحها لفلان. وفي انعقاد البيع بمثل هذه الصيغة وجهان، وقطع الصيدلاني بالمنع، فإن أجزناه، لم تتعلق العهدة بالوكيل. وإن توكّل بقبول امرأة معينة، فقبل للموكل نكاح غيرها، لم يقع العقد للموكل، ولا للوكيل، وإن توكل بشراء جارية معينة، فاشترى غيرها، ونوى الموكل، فإن كان الثمن في الذمة، فإن منعنا وقف العقود، انصرف العقد إليه، وإن صرح بإضافته إلى الموكل، فهل يبطل، أو يقع للوكيل؟ فيه وجهان.
__________
(1) أصبحت الجارية في يد الوكيل بعقد باطل، لايصلح سبباً لنقل، وقد أخذ البائع ثمنها (العشرين)، وغرم الوكيل (العشرين) للموكل، ومع ذلك لا تحل له الجارية؛ لأن ملكها لم ينتقل إليه، والمخرج من ذلك أن يقول الموكل للوكيل: بعتك الجارية بعشرين، فتحل للوكيل. والمسألة مبسوطة في الروضة: 4/ 338، 339.

(7/45)


فصل
في دفع الحق إلى من يدّعي أنه وارث المستحق أو وكيله
4363 - إذا كان بيده حق، فادعى عليه مدعٍ أنه وكيل في قبضه، فدفعه إليه، فتلف عنده، فأنكر المستحق الوكالة، وحلف، فله أن يغرّم القابض، والدافع، ولا يرجع واحد منهما على الآخر، إن تصادقا على التوكيل، وإن لم يتصادقا عليه، رجع الدافع على القابض، ولا يرجع القابض على الدافع، ولو وقع ذلك في الدين، فلا غرم للمالك إلا على الدافع، لأن الحق غير متعين، وغلط أبو إسحاق، فأجاز تغريم القابض.
فرع:
4364 - إذا ادعى الوكالة في قبض الدين، وصدّقه المدين، لم يجبر على التسليم إليه، ما لم يثبت التوكيل، خلافا للمزني، وبعض الأصحاب.
ولو قال: لفلان عليَّ ألف -وقد مات- ولا وارث له سوى هذا، أجبر على التسليم على ظاهر المذهب، وإن قال: أحالني فلان بالألف الذي له عليك، فصدقه، ففي إجباره على إلتسليم وجهان.
فصل
في اختلافهما في البيع بالتأجيل
4365 - إذا باع الوكيل بأجل، فقال الموكل: لم آذن في التأجيل، فالقول قول الموكل، فإن حلف، فللمشتري حالان: الأولى - أن ينكر الوكالة، فالقول قوله، فيحلف على نفي العلم، ويقرّ المبيع بيده، فإن نكل، فحلف الموكل، أخذ المبيع، وإن نكل الموكل، لم ينتزع المبيع، ولا يمنع نكوله من تحليفه الموكل أنه لم يأذن في التأجيل، فإن حلف، لزم الوكيل بدل المبيع. ثم لا يطالب الوكيل المشتري بالثمن إلا بعد الأجل، فإذا حلّ، فإن صدق الوكيل المالك على نفي الأجل، لم يطالب المشتري إلا بالأقل من الثمن أو قيمة المبيع، وإن أصر على تكذيب الموكل، فله أن

(7/46)


يطالب بالثمن، فإن زاد على بدل المبيع، فهل يحفظ الزيادة، أو يدفعها إلى الحاكم ليحفظها، أو يتخير بين الأمرين؟ فيه ثلاثة أوجه، هذا إذا لم نجعل إنكار الوكالة عزلاً، فللوكيل أن يطلب بقدر ما غرم، ولا يخرج على الظفر بغير الجنس، لأن الموكل هاهنا لا يدّعيه.
الثانية - أن يقول: علمت أنك وكيل، فإن كان المبيع باقياً، ردّه، وإن كان تالفاً، فللموكل تغريم كل واحد منهما، وللمشتري في التصديق أحوال: الأولى - أن يقول: إنما اعتمدت على قولك في التأجيل، مع العلم بأنك وكيل، فإن غرّم الموكل المشتري قبل قبض الثمن، أو بعده، لم يرجع على الوكيل، وفيه قول أنه يرجع بما زاد على الثمن من قيمة المبيع لأجل التغرير، وإن غرّم الوكيل، لم يرجع بزيادة قيمة المبيع، والمطالبة بالثمن عند الأجل على ما تقدم. الحال الثانية - أن يقول: أعلمُ أنه أذن في التأجيل، فأيهما غَرِم، لم يرجع على الآخر، لعدم التغرير، وطلبُ الثمن على ما سبق. الثالثه - أن يقول: لم يأذن لك في التأجيل، فإن غرم الوكيل، رجع على المشتري، لأنهما كغاصبين مرّ المغصوب بيد أحدهما، وتلف عند الآخر.
فصل
فيمن توكل بشراء شاة، فاشترى شاتين
4366 - إذا قال: اشتر بهذا الدينار شاة، فاشترى به شاتين تساويان ديناراً، لم يصح، ولو ساوت كل واحدة ثلث دينار، فقد أشاروا إلى القطع بالبطلان، لعدم حصول الغرض، وإن ساوت كل واحدة ديناراً، أو ساوت إحداهما ديناراً والأخرى نصف دينار، فإن اشتراهما بعين الدينار، صح الشراء على أصح القولين، كما لو قال: بع بمائة، فباع بمائتين. واتفقوا على تصحيح هذا القول، وإن اشتراهما في الذمة، ونوى الموكل، فهل يقع العقد له أو للموكل؟ فيه قولان: فإن أوقعناه للموكل، ففي تخيره في الإجازة قولان، فإن خيرناه، فله الإجازة في إحداهما بحسابها من الثمن، فإن ساوت كل واحدة ديناراً، رجع على الوكيل بنصف دينار، ونفذ العقد في الأخرى للوكيل بنصف دينار، ولا يخرج قول التخيير في الشراء بعين

(7/47)


الدينار؛ لأنه قابل الشاتين بملك الموكل، فلم يجز التبعيض، وفيه نظر؛ لأن الصفقة متحدة في الصورتين.
فرع:
4367 - إذا قال: بع هذا العبد بمائة، فباع نصفه بالمائة، صح. وإن باع النصف بعرْض يساوي المائة، لم يصح، وإن باع أحد النصفين بمائة، والنصف الآخر بعرْض، لم يصح إلا فيما قوبل بالمائة، وإن باع الكل بمائة، وعرْضٍ يساوي مائة، فإن أبطلنا شراء الشاتين، فهذا أولى لمخالفته للجنس المأذون، وإن نفذنا شراء الشاتين، فهاهنا قولان. فإن نفذناه، فهل ينفذ في الكل، أو في النصف المقابَل بالمائة؟ فيه قولان، وضابط هذا الفصل أنه إن لم يحصّل الغرض، لم يصح، وإن حصّله مع زيادة، ففيه الخلاف.
فصل
في ردّ الوكيل بالعيب
4368 - إذا توكل بشراء عبد موصوف، أو معين بثمن مسمى، فوجده معيباً، فله حالان: إحداهما - أن يساوي الثمن المسمى مع العيب، فللمالك الرد، معيناً كان العبد أو موصوفاً، ولا يبطل الردّ بتأخير الوكيل، ولا بإسقاطه، اتفاقاًً. وإن أراد الوكيل الردّ، فإن كان العبد موصوفاً، جاز إلا على وجه غريب، وإن كان معيناً، فوجهان: فإن قلنا: يرد، فأبطل الرد، ففي البطلان وجهان: أصحهما -عند الإمام- البطلان؛ لأن تأخيره وإبطاله كعزله لنفسه.
الثانية - ألا يساوي الثمن المسمى، فلا ينعقد البيع للموكل على المذهب فإن عقد على العين، بطل، وإن عقد على الذمة، انعقد للوكيل، وفيه وجه أنه ينعقد للموكل، ويثبت له الخيار، كما لو زوّج وليّته من معيب، جاهلاً بعيبه، فإن النكاح ينعقد مثبتاً للخيار، ولو علم ذلك، لبطل النكاح.
فرع:
4369 - إذا اشترى الموصوف مع العلم بالعيب، ففي انعقاده للموكل ثلاثة أوجه: أبعدها - أنه ينعقد له، بشرط ألا يمنع العيب من التكفير به، واستثني الكفر من

(7/48)


جملة العيوب، فإن أوقعناه للموكل، فلا ردّ للوكيل، وللموكل أن يرد، وأبعد من منعه من الردّ؛ تنزيلاً لعلم الوكيل منزلة علمه، كما أن رؤيته كرؤيته.
فرع:
4370 - إذا اطلعا على العيب، فرضي به الموكل، فلا ردّ للوكيل، اتفاقاً، بخلاف عامل القراض.
فرع:
4371 - إذا اشترى الوكيل في الذمة، راضياً بالعيب، فردّه المالك (1)، فهل ينفسخ العقد، أو ينقلب إلى الوكيل؟ فيه وجهان، مأخذهما التبين (2) والوقف.
فرع:
4372 - إذا ردّ الوكيل، فأقام البائع البينة على رضا المالك، قبْل الرد، بطل الردّ. وإن لم يُقم البينة، ولم يمض زمان يتسع لاتصال الخبر بالموكل والعود برضاه، لم تسمع دعوى الرضا، وإن مضى ما يسع ذلك، حلف الوكيل أنه لا يعلم برضا [الموكل] (3)، وردّ المبيع، وإنما حلف هاهنا لغرضه في البراءة من العهدة.
فصل
في عهدة الثمن
4373 - إذا اشترى لموكله في الذمة، فإن لم يصدقه البائع على التوكيل، طالبه بالثمن في [الحال] (4)، وإن صدقه البائع والموكل، فهل يطالب الوكيل أو الموكل، أو يطالبان؟ فيه أوجه: أعدلها - آخرها، وأيهما خصصناه بالمطالبة فأعسر لم يطالب
__________
(1) "المالك": أي الموكل.
(2) "التبين هو أن يظهر في الحال أن الحكم كان ثابتاً من قبل في الماضي" كشاف اصطلاحات الفنون: (3/ 647) والمراد هنا أن الوجه الذي ينفسخ العقد عليه مأخذه التبين، حيث تبيّنا أن العقد وقع غير صحيح، عندما اشترى الوكيل راضياً بالعيب، وهو يشتري للوكيل، مخالفاً إذنه؛ فمطلق الإذن يقتضي السلامة من العيوب.
أما الوقف فينبني عليه الوجه القائل بأن العقد ينقلب للوكيل، حيث وقع شراء المعيب صحيحاً موقوفاً على رضا الموكل، فإذا لم يرض به الموكل لا يرتد باطلاً، بل ينقلب إلى الوكيل.
(3) في الأصل: "البائع" وهو سبق قلم.
(4) في الأصل: "الحكم" والمثبت من اختيار المحقق، والمعنى: طالبه بالثمن في البيع الحالّ.

(7/49)


صاحبه، فإن خصصنا الطلب بالوكيل، فغرم، فله الرجوع على الموكل، وإن لم نشرطه، وفي رجوعه قبل التغريم وجهان، كما في الضمان، وقيل في رجوعه إذا لم نشترط الرجوع وجهان، كما لو قال: أدّ ديني إلى فلان.
فرع:
4374 - إذا دفع الموكل قدر الثمن إلى الوكيل، فقضى به الثمن، ثم ردّ المبيع بالعيب، لزم الوكيل أن يردّ عين الثمن على الموكل، إلا إذا خصصنا الوكيل بالطلب، فإن له أن يردّ بدله، ويمسكه، لأن بذل الموكل لذلك إقراضٌ للوكيل.
فصل
قبض الثمن وتسليم المبيع
4375 - إذا برىء المشتري من الثمن، استبد بقبض المبيع، وعلى الوكيل تمكينه من ذلك.
والوكيل بالبيع هل يملك قبض الثمن؟ فيه وجهان، فإن شرط عليه ألا يسلم المبيع وإن قبض الثمن، بطل الشرط، وصح البيع، وفي بطلان الوكالة وجهان يظهران في سقوط المسمى، ولزوم أجرة المثل، وإن شرط عليه أن يشرط في البيع أن لا يسلم المبيع، فالتوكيل والبيع باطلان، سواء اقترن الشرط بالبيع، أو خلا عنه.
فصل
في عهدة الثمن إذا استُحِقَّ المبيع
4376 - إذا باع الوكيل، وقبض الثمن، فتلف في يده، ثم بان استحقاق المبيع، فإن لم يعترف المشتري بالوكالة، طالب الوكيل، وإن تصادقوا على التوكيل، ففيمن يطالَب الأوجه الثلاثة، وأقيسها هاهنا اختصاص الطلب بالوكيل؛ لأنه كالمأذون في الغصب، فإن خصصنا أحدهما بالتغريم، لم يرجع على صاحبه، وإن قلنا: يطالبان، فغرم أحدهما، فلا تراجع من الجانبين، وأيهما رجع، فيه ثلاثة أوجه: أشهرها - أنه لا رجوع إلا للوكيل، لأنه مغرور، والثاني - لا رجوع إلا للموكل، لتلف العين عند الوكيل. والثالث - لا رجوع من الجانبين.

(7/50)


فصل
في عهدة ما يشتريه الوكيل
4377 - إذا قبض الوكيل العبد المشترى، فتلف عنده، قبل أن يقبضه الموكل، ثم استُحِق، فللمالك (1) مطالبة البائع اتفاقاًً، لاشتمال يده على المبيع، وهل يطالب معه الوكيل، أو الموكل، أو يطالبان؟ فيه الأوجه الثلاثة، ويبعد مطالبة الموكل هاهنا، إذ لا تغرير منه، ولم يقبض المبيع، ويقرب أن يقال: لا يطالَب إلا إذا عَيَّن العبد في التوكيل، والقياس أنه لا يغرم إذا تلف الثمن أو المبيع في يد الوكيل، لأنه كالإذن في الغصب، وإذا غرم أحدهما؛ فالرجوع على ما تقدم.
فرع:
4378 - إذا أنكر البائع أو المشتري التوكيل، حلف على نفي العلم، وإن صدق البائع على التوكيل، وقال: لم تنو موكلك، فالقول قول الوكيل.
فصل
في الوكالة العامة
4379 - إذا قال: وكلتك بكل قليل وكثير، لم تصح اتفاقاً، وإن ذكر ما يقبل النيابة مما يتعلق به، فإن فصل أجناسه، كالعتاق، والطلاق، صح، إلا في الشراء.
وإن قال: وكلتك بكل ما إليَّ مما يقبل التوكيل، فوجهان.
وإن وكله بشراء عبد، ولم يصفه بشيء، لم يصح؛ لأنه غررٌ؛ إذ لا تدعو الحاجة إليه، وفيه وجه أنه يجوز التوكيل في شراء عبد، وفي الإسلام في ثوب.
وإن وكله في شراء شيء، ففيه تردد ظاهرٌ على هذا الوجه، وإن ذكر الجنس: كالهندي والسندي، فإن قدر الثمن، صح. وإن لم يقدره، فوجهان، وشرط أبو محمد ذكر النوع، ولم يتعرض له الأصحاب.
__________
(1) المالك هنا هو المستحِق صاحب العبد، واشتمال يد البائع عليه غصب وعدوان.

(7/51)


وإن قال: اشتر عبداً كما تشاء، فقد منعه الأكثر، وأجازه أبو محمد لتصريحه بالتفويض التام.
فصل
في شهادة الوكيل للموكل
4380 - إذا شهد لموكله بما لو ثبت، لكان وكيلاً فيه، لم يقبل، والوكيل بالخصومة إن شهد بغير ما تتعلق به الخصومة، قُبل، إلا أن يصير عدواً للمشهود عليه، وإن شهد بما فيه الخصومة، لم يقبل مع قيام الخصام، وإن عزل، فطريقان: إحداهما - الرد إن خاصم. وإن لم يخاصم، فوجهان. والثانية - القبول إن لم يخاصم. وإن خاصم، فوجهان. وقال الإمام: إن قصُر الزمان بحيث تقع التهمة، ففيه الخلاف، وإن طال، فالأوجه القطع بالقبول، وفيه احتمال.
فرع:
4381 - إذا ادعى الوكالة، فشهد بها شاهدان، إلا أن أحدهما شهد بالعزل، لم تثبت الوكالة، على المذهب، وأبعد من أثبتها. ولو شهدا بالتوكيل، ثم قال أحدهما: تحققت عزله بعد الشهادة، فوجهان: أظهرهما - المنع من إثبات الوكالة. ولو شهد أحدهما بأنه قال: وكلته، وشهد الآخر بأنه قال: أنبته، لم تثبت الوكالة. ولو شهد أحدهما أنه قال: وكلته، وشهد الآخر أنه أذن له، ثبتت الوكالة.
فصل
في التوكيل في الصلح عن الدم
4382 - إذا وكل في الصلح عن الدم، لم يكن التوكيل عفواً، وله أن يقتصَّ قبل الصلح.
وإن أمره أن يصالح عن الدم على خمر، فإن امتثل، سقط القصاص، وإن صالح على خنزير، ففي السقوط وجهان: فإن أسقطناه، وجبت الدية.
ولو صالح على الدية، فإن أسقطنا القصاص، صح، ولو وقع هذا الاختلاف بين الإيجاب والقبول، لم يصح اتفاقاًً، لعدم الانتظام.

(7/52)


فصل
في توكيل العبد في شراء نفسه
4383 - إذا وكل العبدُ من يشتري له نفسه، فإن أضاف الشراء إلى العبد، صح، وعَتَق، وإن نوى العبد، ولم يصرح بذكره، انعقد للمشتري، ولزمه الثمن؛ لأن السيد لم يرض ببيعٍ يتضمن العتق قبل أداء الثمن.
ولو توكل العبد في شراء نفسه لزيد، فإن أضاف الشراء إلى زيد، وقع لزيد، وإن نوى زيداً، وقع العقد للعبد، وعَتَق؛ لأن قوله: اشتريت نفسي صريح في العتق، فلا يقبل إبطاله.
فصل
في انعزال العبد بالبيع والإعتاق
4384 - إذا وكل عبده، ثم أعتقه، ففي انعزاله طريقان: إحداهما - فيه وجهان.
والثانية - ينعزل إن أمره بذلك استخداماً، وإن صرح بالتوكيل والتخيير، لم ينعزل، وإن أطلق، فوجهان.
فإن جعلنا قول السيد أمراً، فلا أثر لعزل العبد نفسه، وإن جعلناه توكيلاً، فله أن يعزل نفسه. وفي اشتراط القبول وجهان.
وإن باعه بعد أمرٍ أو توكيلٍ، فإن لم نعزله بالعتق، فالبيع أولى، وإن عزلناه بالعتق، ففي البيع وجهان: فإن قلنا: لا يبطل الأمر، فكان إنشاء التصرّف مما يفتقر إلى إذن السادة، فلا بد من إذن المشتري (1) في الامتثال، ويحتمل ألا يتوقف نفوذ التصرف على إذنه وإن شرطناه.
__________
(1) أي لا بد من إذن السيد الجديد (المشتري) لالتزام أمر سيده الأول (الذي باعه).

(7/53)


4385 - فروع شتى:
الأول - إذا قال: بع من عبيدي من شئت، فباعهم إلا واحداً، صح، اتفاقاًً، وإن باع الجميع، لم ينفذ في الكل.
الثاني - إذا قال: خذ حقي من زيد، لم يأخذه من ورثته إذا مات.
وإن قال: خذ حقي، أخذه من الورثة.
الثالث - إذا وكل في السلم، وأذن لوكيله أن يؤدي رأس المال من عنده قرضاً، أو هبة، لم يصح على النص، لعدم القبض، وقال ابن سريج: يصح لحصول القبض ضمناً.
الرابع - إذا أسلم للموكل في شيء، ثم أبرأ المسلم إليه، فإن لم يعترف المسلم إليه بالتوكيل، نفذ الإبراء في الظاهر دون الباطن، ويضمن الوكيل بدل رأس المال للحيلولة، ولا يغرم مثل المسلم فيه، ولا قيمته؛ لأن ذلك اعتياضٌ، وخرّج الإمام تضمين الثمن على قولي الحيلولة الممكنة الزوال بالاعتراف، وأصحهما إيجاب الضمان.
الخامس - إذا مات أحد المصطرفين في المجلس قبل القبض، فإن لم نبطل الخيار، ثبت لوارثه القبض والإقباض، وإن أبطلناه، بطل الصرف. ويجوز التوكيل في قبض عوضي الصرف، فإن قبضه الوكيل قبل مفارقة الموكل للمجلس، صح، وإلا فلا.
فصل
فيما ينعزل به الوكيل
الوكالة جائزة، لا تلزم بحال، فتنفسخ بالموت، والجنون، ولا تنفسخ بردة الوكيل، وإن أزلنا بها الملك، فإن حجر على المرتد، فهو كحجر الفلس، والمذهب صحة وكالة المفلس، وفيه وجه بعيد؛ لأجل تعلّق العهدة، وهو جارٍ هاهنا.
ولا بالإغماء، والعدوان. وخالف أبو محمد في الإغماء، وأبعد من عزل بالعدوان.

(7/54)


فرع:
4386 - إذا قصر زمان الجنون، فقد تردّد فيه في التقريب وقطع أبو محمد بالانفساخ، وقال الإمام: هو كالإغماء إن امتد بحيث تتعطل المهمات، وتحتاج إلى قوَّام.
فرع:
4387 - إذا جحد الموكل الوكالة، ثم اعترف، ففي كون جحوده عزلاً وجهان: أشهرهما - أنه عزل، والأقيس أنه ليس بعزل؛ لأن العزل إنشاء لا يدخله صدق ولا كذب، بخلاف الإقرار، ولا يبعد أن يجعل عزلاً إذا تعمد الكذب خاصة.
***

(7/55)