الفتاوى الكبرى الفقهية على مذهب الإمام الشافعي

ج / 1 ص -433-        كتاب الزكاة.
"وسئل" فسح الله في مدته ونفع بعلومه عن فقيه يصلي بجماعة لأجل زكاة أموالهم وأبدانهم ويعطونه نصف الزكاة فهل يحل له ذلك أم لا يحل له أخذ النصف وهل له النقل إلى بلده أم لا؟ "فأجاب" بقوله أن الفقيه المذكور حيث كان من أحد الأصناف الثمانية المذكورة في كتاب الله تعالى في قوله:
{إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ} [التوبة: 60] الآية جاز له أن ينقل ما كان أخذه إلى بلده لأن العبرة بمن هو مقيم في بلد الزكاة عند وجوبها وإن لم يكن فيه شرط استحقاق الزكاة لم يجز دفعها إليه ولا أخذها فإن فعل لم تبرأ ذمة الدافع إليه والله أعلم.
"وسئل" رضي الله عنه ونفع بعلومه هل قولهم في المعجل عن الزكاة هو كباق في نصابه وإن تلف المعجل لكن قالوا لو اشتريت المعجلة في أثناء الحول أو كانت معلوفة لم تلزمه أخرى لأن النصاب لم يتم فما الفرق؟ "فأجاب" بأن ما أشرت إليه في شرح الإرشاد وعبارته مع المتن "وهو" أي المعجل من الزكاة إذا وجدت شروط الإجزاء وقت الوجوب كما يعلم من قوله الآتي إلا أن نقص نصابه بتلفه "كباق" بملك المالك لا حقيقة لنفوذ تصرف المستحق فيه بل "في نصابه" تنزيلا له منزلة ما لو كان في يده فيضم إلى ما عنده وإن تلف قبل الحول إذ التعجيل إنما كان رفقا بالمستحق فلا يكون مسقطا لحقه وبين بقوله في نصابه أن محل ذلك إذا كان المعجل من النصاب بخلاف ما إذا كان مشترى أو معلوفا في أثناء الحول فليس كالباقي إذ لا يكمل به النصاب وإن جاز إخراجه عن الزكاة. فعلم بهذا مع قوله الذي أشرت إليه آنفا أنه لو عجل شاة من أربعين فجاء الحول وهي تالفة أجزأته إن وجدت شروط الإجزاء وإلا لم يكمل النصاب عند الحول لبقاء المدفوعة تقديرا أو عن مائة فنتجت وكملت المائة وإحدى وعشرين لزمه شاة أخرى وإن تلفت الأولى أو صاعا عن فطرته فأكله المستحق أو أتلفه قبل وقت الوجوب ثم دخل والشروط محققة وقع الموقع وإنه لو عجل شاة عن أربعين فاستغنى - مثلا - الفقير بغير ما تعجله واستردها أو لم يستردها جدد الإخراج لوجود المانع من إجزاء المعجلة ولم يستأنف الحول لما تقرر أنها كالباقية تقديرا فاندفع تصحيح الفارقي عدم الضم والقول بأنه أقيس نظرا إلى فقد شرط السوم لكونها في الذمة وإن المعجلة لو تلفت بيد الفقير واسترد المزكي عوضها انقطع

 

ج / 1 ص -434-        الحول لأنها صارت دينا على الفقير فلا يكمل به نصاب السائمة. نعم إذا دفع مثلها في النقد وجبت زكاته وجدد الإخراج إذ لا مانع كما يأتي وأنه لو عجل معلوفة أو اشترى شاة في أثناء الحول وأخرجها ولم يكمل ما عنده نصابا آخر الحول إلا بالمخرج لم يجب شيء لأن المعلوفة لا تدخل في نصاب السائمة وكذا المشتراة في أثناء الحول لا تدخل في نصاب ما كان عنده أول الحول انتهت عبارة الشرح المذكور وبه يعلم أنه لا تنافي بين عبارتي الأصحاب المذكورة في السؤال وذلك ظاهر واضح غني عن التأمل والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب.
"وسئل" متع الله بحياته وفسح في أجله فيمن ملك عرضا للتجارة حولا كاملا أو كان رأس ماله فيها عروضا وقلتم يقومها بنقد البلد وكان نقد البلد من الدراهم المغشوشة فكيف صورة التقويم هل يقوم بالمغشوش ثم بالخالص وما خالط ذلك من الغش بمنزلة العروض يحسب في تقويم العروض كما قال بذلك بعضهم أو يكتفي بالتقويم مرة واحدة بالمغشوش أو الخالص وما هو منهما وهل يكتفي في التقويم بعدل واحد كما في الخرص بندب الحاكم أو لا بد من عدلين كما نقله الزركشي عن ابن الأستاذ. "فأجاب" بقوله إن الذي اقتضاه إطلاقهم أنه في الصورة المذكورة في السؤال يقوم بغالب نقل المحل الذي تم الحول فيه سواء كان ذلك النقد خالصا أو مغشوشا فإن ساوت قيمته نصابا منه خالصا وجبت زكاته وإلا فلا زكاة عليه وإن ساوت قيمته نصابا خالصا من غير الغالب فعلم أنه لا نظر في هذه الصورة ونحوها لغشه هل له قيمة أو لا بخلاف ما لو اشترى بذهب مثلا فضة مغشوشة بنية التجارة فيها فإنها هي وغشها يقومان آخر الحول بذلك الذهب فإن ساوت قيمتهما نصابا خالصا من ذلك الذهب وجبت زكاتهما وإلا فلا فنتج من ذلك أن التقويم لا يكون إلا بالخالص من ذلك النقد الذي يقوم به وأن المقوم نفسه لا يشترط أن يكون خالصا لأنه في هذا الباب بمنزلة العروض وهي يجب تقويمها حتى يخرج ربع عشر قيمتها فكذلك ما هو بمنزلتها. وبهذا يعلم أن ما ذكر عن بعضهم في السؤال غلط منشؤه اشتباه المقوم بالمقوم به وذلك أن المقوم هو الذي يحسب غشه لأنه كالعروض كما مر وأما المقوم به ليعلم هل بلغ مال التجارة نصابا أو لا وكم كمية أنصبته التي يخرج عليها فلا يكون إلا خالصا لما قرروه في باب زكاة النقد أن الزكاة لا تجب إلا في الخالص ثم إذا عرف بالتقويم مقدار مال التجارة بالنقد الخالص وجب الإخراج من النقد الخالص أو من المغشوش المساوي خالصه للنقد الخالص ويكون متطوعا بالغش. فإن قلت ما المانع فيما إذا كان النقد الذي يقوم به كالنقد الغالب مغشوشا من أن يقوم بذلك المغشوش ويخرج منه ولا ضرر حينئذ على المستحقين لأن الغش كما حسب في التقويم لهم كذلك يحسب في المخرج لهم قلت المانع من ذلك أن التقويم في صورة السؤال ونحوها لا يكون إلا بنقد, والغش المخالط للنقد ليس نقدا فلا يجوز اعتباره في التقويم. ويؤيد ذلك قولهم إنما اختص الربا بالذهب

 

ج / 1 ص -435-        والفضة دون الفلوس لأنهما قيم الأشياء وأيضا فاعتبار الغش في التقويم يؤدي إلى الجهالة لأن الغش المخالط للفضة ليس له قيمة مستقرة مضبوطة حتى يعلم ما يقابله بل لو علم ما يقابله لم يعتبر لأنه لا يعرف فيه ذلك إلا إذا قومناه بالنقد فهو مقوم فلا يتصور أن يكون مقوما به ودعوى أنه لا ضرر على المستحقين في التقويم بالمغشوش غير صحيحة على أنها وإن سلمت فالمانع من التقويم جاء من وجه آخر وهو ما ذكرته أولا فلا فرق في امتناع التقويم به بين أن يكون على المستحقين ضرر أم لا. وأما قول السائل نفع الله به وهل يكتفي في التقويم إلخ فالجواب عنه أن ما نقل عن ابن الأستاذ مما ذكر في السؤال صحيح إذ عبارته وينبغي للتاجر عند الحول أن يبادر إلى تقويم ماله بعدلين ويمتنع واحد كجزاء الصيد ولا يجوز تصرفه قبل ذلك إذ قد يحصل نقص فلا يدري ما يخرجه ا هـ وهذا تصريح منه بأنه لا يكفي هنا عدل واحد قياسا على عدم الاكتفاء به في التقويم في جزاء الصيد إذ لا بد ثم من عدلين كما قاله الماوردي وجرى عليه صاحب التنبيه وغيره فكذلك هنا بجامع أن كلا حق لله تعالى متعلق بالفقراء ونحوهم فكما اشترطوا ثم عدلين كذلك يشترطان هنا لوضوح الجامع بين البابين كما تقرر. ويؤيد ذلك قولهم في باب القسمة وحيث لم يكن في القسمة تقويم اكتفى فيها بواحد بخلاف ما إذا كان فيها تقويم فإنه لا بد فيها من اثنين لاشتراط العدد في المقوم لأن ذلك شهادة بالقيمة ويفرق بين ما هنا وما ذكروه في الخارص بأن الخارص كالحاكم لأن الخرص ينشأ عن اجتهاد وفيه ولاية ومن ثم جاز للخارص بإذن الإمام أو الساعي أن يضمن المالك نصيب المستحقين حتى إذا قبل انتقل حقهم إلى ذمته وحل له التصرف في الجميع بخلاف التقويم فإنه ليس فيه شائبة ولاية وإنما هو شهادة بالقيمة والشاهد لا بد من تعدده. ثم ظاهر كلام ابن الأستاذ السابق أنه لا بد من عدلين وإن كان المالك يعرف القيمة ويؤيده قولهم ويصدق المالك في قدر خالص المغشوش ويحلف أي ندبا إن اتهم فإن قال أجهل قدر الغش وأدى اجتهادي إلى أنه كذا لم يقبل إلا بشاهدين من أهل الخبرة بذلك ومن ثم قال المراوزة ونقله الإمام عن الأئمة ورجحه في الشرح الصغير ولا يعتمد غلبة ظنه وإن تولى إخراجها بنفسه نعم نقل ابن الرفعة عن الماوردي أنه لو انضاف إلى قوله قول معتمد من ثقات أهل الخبرة عمل به وعبر غيره بأنه لا بد من شاهدين من أهل الخبرة. وعبارة المجموع قال أصحابنا ومتى ادعى رب المال أن قدر الخالص في المغشوش كذا وكذا فالقول قوله فإن اتهمه الساعي حلفه استحبابا بلا خلاف لأن قوله لا يخالف الظاهر قال البندنيجي فإن قال رب المال لا أعلم قدر الفضة علما لكني اجتهدت فأدى اجتهادي إلى كذا لم يكن للساعي أن يقبل منه حتى يشهد شاهدان من أهل الخبرة بذلك انتهت نعم قد يؤخذ من هذا تفصيل وهو أن المالك إن قطع بأن قيمة ماله كذا صدق وحلف ندبا. وإن قال أظن أن قيمته كذا لم يصدق إلا بقول عدلين خبيرين إلا أن يفرق بأن المالك له طريق إلى القطع بأن قدر الخالص كذا

 

ج / 1 ص -436-        وليس له طريق إلى القطع بأن القيمة كذا وهذا أوجه فلا يصدق فيها إلا بقول عدلين خبيرين مطلقا فإن لم يجدهما فالذي يظهر أنه يلزمه الاحتياط أخذا من قولهم في المسألة المذكورة فإن لم يجدهما تخير بين أن يسبكه ويؤدي الواجب خالصا ومؤنة السبك عليه وأن يحتاط ويؤدي ما تيقن أن فيه الواجب خالص هذا إن لم يكن المال لمحجور عليه وإلا فالذي يظهر أنه يخرج ما يتيقن وجوبه عليه ويوقف الأمر في المشكوك فيه حتى يتبين أمره والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب.
"وسئل" رضي الله عنه وفسح في مدته لو كان لصبي دراهم مغشوشة ولم يعلم مقدار الغش الذي فيها إلا بسبك الجميع والحال أن السبك يتلف ماليتها أو معظمها فما الطريق إلى معرفة الخالص منها ليعلم وجوب الزكاة أو عدمه وهل يكتفي في معرفة ذلك بالامتحان بالماء كما في الإناء المختلط وهل تجب الزكاة مع الجهل بالغش حيث ظن حصول نصاب أم لا؟ "فأجاب" بأن الذي صرحوا به في الإناء المختلط أنه إن شاء احتاط ما لم يكن المال لمحجور عليه وإلا حرم الاحتياط وبه يعلم أنه لا يجوز للولي في الصورة المذكورة في السؤال العمل بالاحتياط لأن فيه ضررا على المولى ثم الذي يظهر أنه إن أمكن معرفة مقدار الغش بإخبار عدلين من أهل الخبرة وجب عليه العمل بقولهما. وكذا إن أمكنه معرفته بالماء بأن يجري فيه نظير ما قالوه في مختلط من ذهب وفضة جهل وزنه بالكلية وذلك بأن يضع في الماء ألف درهم مثلا من الفضة ويعلم ارتفاعها ثم يخرجها ثم يضع فيه ألفا نحاسا ويعلمها وهذا فوق الأولى لأن النحاس أكبر حجما من الفضة ثم يخرجها ثم يضع فيه المخلوط فإن استوت نسبته إليهما فنصفه فضة ونصفه نحاس وإن نقص عن علامة الفضة بشعيرتين وعن علامة النحاس بشعيرة فثلثاه نحاس وثلثه فضة أو بالعكس فبالعكس أو بأن يضع المختلط وهو ألف مثلا في ماء ويعلم ارتفاعه ثم يضع من خالص الفضة شيئا فشيئا حتى يرتفع الماء إلى تلك العلامة ثم يوزن ذلك الخالص فإذا كان ألفا ومائتين وضع من خالص النحاس شيئا فشيئا حتى يصل لتلك العلامة ثم يوزن فإذا كان ستمائة علم أن نصف المختلط فضة ونصفه نحاس لأن زنته نصف زنة المجموع فعلم أنه يمكن معرفة قدر الخالص والغش بأحد هذه الطرق الثلاث. فإن فرض أنه لا يمكن معرفته بما ذكر فإن أمكن معرفة مقدار ذلك بسبك قدر يسير منه لزمه ذلك ويحتمل إتلافه للضرورة في ذلك وإن لم يمكن إلا بسبك كله أو شيء منه له وقع والسبك ينقص ماليته نقصا له وقع فإن تيقن فيه نصابا أو أكثر خالصا وإنما شك في منتهاه لزمه الإخراج عما تيقنه دون ما شك فيه لأن الأصل عدم اللزوم فيه والاحتياط متعذر عليه كما مر بخلاف المتصرف لنفسه فإنه يلزمه في نظير ذلك إما الاحتياط أو السبك كما مر أيضا وكذا لو لم يتيقن فيه نصابا خالصا بأن شك أن ما فيه من الخالص هل يبلغ نصابا أو لا فلا يلزمه شيء لما ذكر. وأما قول السائل نفع الله به وهل تجب الزكاة إلخ فجوابه يعرف مما ذكرته آخر السؤال الذي قبل هذا عن المراوزة وغيرهم من أنه لا يعتمد غلبة ظنه إلا مع شهادة عدلين من أهل الخبرة فإن لم يجدهما تخير بين أن

 

ج / 1 ص -437-        يسبكه ويؤدي الواجب خالصا ومؤنة السبك عليه وأن يحتاط ويؤدي ما تيقن أن فيه الواجب خالصا والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب.
"وسئل" رضي الله عنه عن رجل في بلد ليس فيها أحد يعرف بالديانة الشرعية بل إنهم لا يقسمون ميراثا ومع ذلك متخذون فقهاء يغيرون أحكام الله ليسوا بفقهاء شرع بل فقهاء الحرث ومع ذلك يأخذون صدقات تلك الناحية فيدخرونها في بيوتهم حتى يجمعوا من ذلك شيئا كثيرا ويشترون به الضياع فإذا جاءهم من أهل هذه الناحية رجل يريدون أن يتحاكموا إليه أخذ منهم عطاء على أن يعلمهم الحيل فهل ينفذ حكمه إذا عرف بذلك وهل إذا اجتمع هو وجماعة على شيء من العقود وشرى لصاحبه أعني الذي جعل له الدراهم هل يتهمون بالتدليس على البائع إذا كان البائع امرأة بحيث إنهم ذكروا لها أن هذه البلدة أخذها أبوك في كذا وكذا أشرفيا فباعت بمقدار عشرة أشرفية ولم تقبض من الثمن شيئا والأرض التي حصل عليها العقد تساوي مائتين أشرفيا فهل يصح هذا البيع. فإذا قلتم يصح وقلتم إن الغبن الفاحش لا يوجب الرد فكيف بهؤلاء الذين ذكروا في السؤال من أنهم لا يورثون النساء وكان والد هذه المرأة المذكورة أعلاه قد خلف أرضا فبسطوا أيديهم عليها ولم يقتسموا قسمة صحيحة أعني وهم العصبة والتي حصل معها هذا العقد وأيديهم على مال أبيها فأراد العصبة أن يخرجوها من مال أبيها وقد كان وقف عليها هذا الشقص الذي وقع عليه هذا العقد ومعها شاهد على أن أباها حين قاربه الموت وقفه عليها فهل تثبت دعواهم إذا كثر الشهود معهم مثلا يوم العقد المتقدم ذكره أو تسمع بينتها وهو الشاهد المذكور إذا كان عدلا مع يمينها وتبطل دعواهم وقول صاحب الروض ولو اشترى زجاجة بألف ظانا أنها جوهرة فهل هذه المسألة كهذه المسألة إذا باعت ولم تكن لها معرفة بثمن المثل أم لا؟ "فأجاب" بأنه لا يجوز إعطاء هؤلاء الفقهاء المذكورين شيئا من الزكاة إلا إن وجدت فيهم صفة من الصفات الثمانية التي ذكرها الله في كتابه العزيز بقوله عز من قائل:
{إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ} [التوبة: 60] الآية فإذا أخذوا شيئا من الزكاة وليس فيهم صفة من صفات الاستحقاق الثمانية كانوا عصاة فسقة يجب على ولي الأمر تعزيرهم على ذلك وزجرهم عنه التعزير والزجر الشديدان ولا تجوز المحاكمة إليهم ولا استفتاؤهم, وأخذ عطاء على تعليم الحيل فسق أيضا ومن عرف بذلك لا يجوز إفتاؤه ولا ينفذ حكمه وحيث كانت المرأة البائعة المذكورة رشيدة بأن بلغت صالحة لدينها ومالها صح بيعها المذكور وإن دلس عليها لكن من دلس عليها يأثم ويفسق بسبب ذلك لقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: "من غش فليس منا" ومن زعم أن البنات لا يرثن من أبيهن أو نحوه نسبا فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم فيستتاب فإن تاب وإلا ضربت عنقه ولا يثبت الوقف بشاهد ويمين بل لا بد من شاهدين عدلين والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب

 

ج / 1 ص -438-        "وسئل" - أعاد الله علينا من بركاته - عن الجبابرة والرماة للبندق ونحوهم المتصفين بصفات أهل الزكاة هل يعطون منها وهل يعطون مع ترك الحرفة اللائقة أم لا؟ "فأجاب" بأن النووي وغيره صرحوا بأنه يجوز إعطاء الزكاة للفسقة كتاركي الصلاة إن وجد فيهم شرط استحقاقها لكن من بلغ منهم غير مصلح لدينه وماله لا يجوز إعطاؤها له بل لوليه, ثم تركهم الحرف اللائقة بهم إن كان لاستغنائهم بما هو أهم كقتال الكفار أعطوا من الفيء والغنيمة لا من الزكاة أو كقتال البغي جاز إعطاؤهم من الزكاة وإن كان لغير ذلك كاستغنائهم بالمعاصي ومحاربة المسلمين فضلا عن المباحات فلا يجوز إعطاؤهم شيئا من الزكاة ومن أعطاهم منها شيئا لم تبرأ به ذمته ويجب على كل ذي قدرة منعه وزجره عن ذلك بيده ثم لسانه والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب.
"وسئل" - أفاض الله علينا من فيض مدده - بأن زوجة العبد الحرة هل تعطى من الزكاة أم لا؟ "فأجاب" - متع الله بحياته - بأنهم صرحوا بأن المكفية بنفقة زوجها ولو رجعية لا تعطى ومن لم تكتف بما يجب لها لكونها أكولة أو مالكة لرقيق يلزمها مؤنته أو مريضة وقلنا لا يلزمه مداواتها قال القفال فلها أخذ الزكاة قال الإمام ويكون من سهم المساكين قال الأذرعي ويشبه أن يقال إن كان ما يجب لها يقع موقعا من كفايتها فالأمر كما قاله الإمام أولا فتعطى من سهم الفقراء وأن الحامل البائن كالتي في العصمة وإن قلنا إن النفقة للحمل ا هـ وبهذا علم أن زوجة العبد الحرة إن كفتها نفقته لم تعط شيئا وإلا أعطيت تمام كفايتها نعم لو لم تجب نفقة الزوجة لنشوزها وهي مقيمة لم يجز إعطاؤها شيئا من الزكاة لقدرتها على الغنى بالطاعة بخلاف ما لو سافرت وحدها بلا إذن فإنها تعطى من سهم الفقراء كالفقير العاصي بالسفر لأنها لا تقدر على العود حالا ومن ثم لو قدرت لم تعط والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب.
"وسئل" - نفع الله به - عمن عليه دين وله مال يستغله يخرج ببيعه إلى المسكنة هل يعطى من الزكاة أم لا؟ "فأجاب" بأنهم صرحوا بأن من له عقار يستغله لكن ينقص دخله عن كفايته فهو إما فقير أو مسكين فيعطى تمام كفايته ولا يلزمه بيعه وبأن من ادان لنفسه وعجز عن وفاء دينه يعطى وإن كان كسوبا ثم إن لم يكن معه شيء أعطى الكل وإلا فإن كان بحيث لو قضى دينه مما معه تمسكن ترك له مما معه ما يكفيه وأعطي ما يقضي به باقي دينه فإن انتفى ذلك لم يعط, هذا هو المعتمد. ومن ثم لما قال الرافعي ظاهر كلام الأكثرين يقتضي اشتراط كونه فقيرا لا يملك شيئا وربما صرحوا به قال وفي بعض شروح المفتاح أنه لا يعتبر المسكن والملبس والفراش والآنية وكذا الخادم والمركوب إذا اقتضاهما حاله بل يقضي دينه وإن ملكها ويقرب منه قول بعض المتأخرين إنا لا نعتبر الفقر والمسكنة هنا بل لو ملك قدر كفايته ولو قضى دينه لنقص ماله عما يكفيه ترك له ما يكفيه ولا يدخل في

 

ج / 1 ص -439-        الاعتبار وهذا أقرب ا هـ كلام الرافعي. قال القمولي ومعنى هذا الأخير الذي رجحه أنه لو كان في ملكه ما يباع في الدين لكن لو بيع لاحتجنا إلى دفعه له في سهم الفقراء أو المساكين لا يمنع وجوده أن يصرف إليه من سهم الغارمين لأنا لو فعلنا ذلك لصرفنا إليه بدله من الزكاة فلا فائدة فيه ومقتضاه أنه لو كان له عقار أو ضياع وعادته استغلالها أو رأس مالا يتجر فيه والريع والكسب لا يزيدان على كفايته لا يمنع ذلك من إعطائه من سهم الغارمين ا هـ وبما تقرر علم أن المال الذي يستغله إن كان ينقص دخله عن كفايته أعطي إما بالفقر أو المسكنة وإن كان دخله بقدر كفايته لم يعط بفقر ولا مسكنة بل بكونه مديونا وإن كان يزيد دخله على كفايته كلف صرف الزائد في الدين وأعطي ما يقضي به باقي دينه. وفي فتاوى البغوي إذا ملك الرجل مالا وعليه دين هل يجوز صرف سهم الغارمين إليه قال ينظر إن كان ماله لا يزيد على قوته وعلى قوت عياله ليومه وليلته نظر إن كان قدرا يفي بنفقته سنة ولو صرف إلى الدين قضاه لا يجوز واحد منهما أي أن يصرف إليه من سهم الفقراء ولا من سهم الغارمين وإن صرفه إلى دينه حينئذ أخذ من سهم الفقراء وإن كان يفي بدينه ولا يبلغ نفقة سنة يجوز أن يأخذ من سهم الغارمين قدر ما يفي بدينه ولا يجوز من سهم الفقراء ا هـ وتعبيره بالسنة مبني على قوله أن الفقير والمسكين إنما يعطيان كفاية سنة والصحيح أنهما يعطيان كفاية العمر الغالب والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب.
"وسئل" - نفع الله بعلومه - عما لو كانت امرأة مدينة فهل تعطى لأجل دينها من الزكاة مع أنها تملك من المصاغ ما يوفيه لكن تحتاجه للتجمل به ليرغب فيها لأجله أولا ويلزمها بيعه؟ "فأجاب" رضي الله عنه بأن الذي يصرح به كلام الرافعي المنقول عن بعض شروح المفتاح وغيره الذي قدمته قريبا أنها تعطى دينها من الزكاة ولا يلزمها بيع حليها المحتاجة إليه لتتجمل به أو لتؤجره لمن يتجمل به وتتقوت بأجرته والله سبحانه وتعالى أعلم.
"وسئل" - فسح الله في مدته - عن رجلين اشتركا في بذر زرع هل يجوز لأحدهما إعطاء الآخر من زكاة ذلك الزرع أم لا فإن قلتم نعم فذاك وإلا فما الحيلة؟ "فأجاب" رضي الله عنه بأنه متى أعطى أحد الشريكين أو كل منهما زكاة حصته المشتركة من غير المشترك المتحد معه في نحو الحب جنسا ونوعا وصفة أو الأعلى منه أو من حصته المشتركة لكن بعد القسمة حيث جازت فظاهر أنه يجزئه ذلك حيث كان الشريك من مستحقي الزكاة فإن أعطاه من حصته المشتركة قبل القسمة كأن قال له ملكتك ثمن حصتي زكاة احتمل أن يقال بعدم الإجزاء للجهل بعين الحصة هنا لأنها لا تتميز إلا بالقسمة واحتمل أن يقال بالإجزاء وهذا هو الذي يظهر اعتماده ودعوى الجهل المذكورة ممنوعة إذ يكفي العلم بالحصة بالجزئية كنصف هذا الحب أو ثلثه فإذا ملك شريكه المستحق ثلثا عن زكاة حصته أو كل زكاة حصته حيث جاز بأن لم يكن في البلد مستحق غيره ولم يفضل من الزكاة شيء عن

 

ج / 1 ص -440-        حاجته فلا مانع من الإجزاء حينئذ ولا أثر للجهل بالعين للعلم بالجزئية كما مر. وكذا يقال فيما لو كان بينهما خمس من الإبل وأرادا أن يخرجا عنها شاة مشتركة أيضا فيجوز لأحدهما بل لكل منهما حيث كانا من المستحقين أن يعطي صاحبه بعض زكاته أو كلها بالقيد السابق ولا يتخيل أن اشتراكهما يمنع من ذلك لأنه لا وجه لمنعه منه كما لا يخفى وكذا يقال في عامل القراض مع المالك فإنه وكيل ابتداء شريك انتهاء إذا حصل ربح فلكل منهما إعطاء الآخر من زكاته ولو من مال القراض أصلا وربحا لما مر والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب.
"وسئل" - فسح الله في مدته - عما لو أعطيت الزكاة قبل قسمتها بين الأصناف هل يصادف محلا أم لا؟ "فأجاب" رضي الله عنه بأنه متى اجتمعت الأصناف التي في البلد أي: ثلاثة من كل صنف وجد أو أقل من الثلاثة إن لم يوجد تكملتها وأعطى جميع زكاته لواحد منهم بإذن الباقين أو لجميعهم فقد ملكوها وبرئت ذمته بذلك ويصير مشتركا بينهم على حسب استحقاقهم فإن تراضوا بقسمتها فذاك وإلا تولى الحاكم قسمتها بينهم على الوجه الشرعي أما إذا اختل شيء مما ذكر فإنه لا يبرأ فقد قالوا إذا فرق المالك بنفسه أو نائبه وأمكنه استيعاب الأصناف لكونهم محصورين ولم يزيدوا على ثلاثة من كل صنف أو زادوا عليها ووفى بهم المال لا يجوز له الاقتصار على ثلاثة بخلاف ما إذا لم ينحصروا بأن لم يسهل ضبطهم عادة فإن له الاقتصار على ثلاثة لا أقل من كل صنف ويجب عليه التسوية بين الأصناف. وإن تفاوتت حاجتهم لا بين آحادهم فله إعطاء بعض آحاد الصنف أقل متمول فإن أعطى اثنين من صنف دون الثالث غرم له الأقل المذكور أو واحدا فقط غرم لكل من الآخرين الأقل المذكور أيضا أما إذا لم يوجد الثالث فيعطى الكل للاثنين إن احتاجاه ولا ينقل باقي السهم إلى غيرهما فإن لم يحتاجوه رد على الباقين إن احتاجوه وإلا نقل إلى غيرهم إذ حصة من فقد من الأصناف أو من آحاد الصنف بمحل الزكاة والفاضل عن كفاية بعضهم لمن بقي فيرد نصيب الصنف كالفاضل على بقية الأصناف, ونصيب المفقود من آحاد الصنف على بقية ذلك الصنف ولا ينقل شيء من ذلك إلى غيرهم إن نقص نصيبهم من كفايتهم أو ساواه وإلا نقل إلى ذلك الصنف. أما لو عدموا كلهم أو فضل عنهم شيء فإن الكل أو الفاضل ينقل إلى جنس مستحقيه بأقرب بلد إلى بلد الزكاة ومتى كان كل صنف أو بعض الأصناف محصورا في ثلاثة فأقل لا أكثر استحقوها في الأولى وما يخص المحصورين في الثانية من وقت الوجوب فلا يضرهم حدوث غنى أو غيبة أو موت لأحدهم بل حقهم باق بحاله ولا يشاركه قادم ولا غائب عنهم وقت الوجوب ومتى زادوا عن الثلاثة كانوا غير محصورين بالنسبة لعدم الملك وإن كانوا محصورين بالنسبة لوجوب استيعابهم إن وفى بهم المال لأنه لا يلزم من وجوبه الملك لأن المدار تم على السهولة عادة وهي موجودة وهنا على التحديد بالثلاثة لأنها أقل ما يصدق عليه الجمع في الآية والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب

 

ج / 1 ص -441-        "وسئل" رضي الله عنه عن أهل ناحية يزكون ما يحصل لهم من تمر أو زرع قبل أن يكمل النصاب على ظن كماله من تمر أو زرع يحصل إذا حصل المطر في ذلك العام أو على غير ذلك الظن فهل يبرءون بهذا أم لا؟ "فأجاب" بأن هذه المسألة تحتاج إلى مقدمة وهي أنهم صرحوا بأن شرط جواز تعجيل زكاة النبات أن يقع بعد الصلاح والاشتداد لا قبلهما ولو بعد الخروج وعبارة المجموع وما لا يتعلق بالحول أنواع: منها زكاة النبات تجب باشتداد الحب والثمار ببدو الصلاح وليس المراد أن ذلك وقت الإخراج بل هو وقت ثبوت حق الفقراء وإنما يجب الإخراج بعد تنقية الحب وتجفيف الثمار قال أصحابنا والإخراج بعد مصير الرطب تمرا أو العنب زبيبا ليس تعجيلا بل واجب حينئذ ولا يجوز التعجيل قبل بلوغ الثمرة بلا خلاف وفيما بعده أوجه الصحيح عند المصنف والأصحاب يجوز بعد بدو الصلاح لا قبله. وأما الزرع فالإخراج عنه بعد التنقية واجب وليس تعجيلا ولا يجوز التعجيل قبل التسنبل, وانعقاد الحب وبعده فيه ثلاثة أوجه الصحيح جوازه بعد الاشتداد والإدراك ومنعه قبله انتهت ملخصة وبه يعلم أن تعجيل زكاة المعشر قبل الوجوب لا يجوز لأنها إنما تجب بسبب واحد وهو إدراك الثمرة وانعقاد الحب فإذا عجله قبله قدمه على سببه فلم يجز كما لو قدم زكاة المال على النصاب بخلاف ما لو عجله بعده فإنه يجوز إن غلب على ظنه حصول نصاب منه وقالوا أيضا لا يضم ثمر عام إلى عام آخر لإتمام النصاب وإن طلع قبل جذاذ الأول ويضم ثمر عام واحد وإن طلع الثاني بعد جذاذ الأول واختلف قدر واجبهما ولا زرع عام إلى زرع آخر ويضم زرعا عام كالذرة إن وقع حصادهما في سنة بأن كان بينهما أقل من اثني عشر شهرا عربية وإلا فلا ضم سواء كان زرع الثاني بعد حصد الأول وفي عامه أم لا. ولو زرعا معا أو على التواصل المعتاد فأدرك أحدهما والثاني بقل ضم مطلقا فلو تواصل بذر الزرع عادة فهو زرع واحد وإن تمادى شهرا أو شهرين وإن لم يتواصل ضم ما حصد منه في عام واحد وفي الروضة وأصلها لو زرعت ذرة ثم حصدت واستخلفت ثم حصدت فإن اشتدت في الأول واستبين بعض حبها فثبتت في السنة وأدرك فهل يصح مطلقا أو بالشرط السابق أي وهو وقوع الحصاد في سنة طريقان أي أصحهما الثاني كما في الشرح الصغير وإن نبتت والتفت وغطى بعضها بعضا فلما حصد المغطى أدرك الآخر أو كانت هندية فحصد سنبلها فأخرج سوقها سنبلا آخر ضم مطلقا ا هـ. فعلم من عبارة المجموع السابقة وما بعدها منع ما يفعله أهل جهتهم من تزكيتهم ما حصل لهم من ثمر أو زروع قبل أن يكمل النصاب وإن ظنوا كماله من ثمر أو زرع آخر يحصل بعد ذلك إذا حصل المطر في ذلك العام وسبب عدم الإجزاء أنا لو قلنا إن ما عجلوه يجزئ عن الثاني لكان فيه تعجيل وهو ممتنع ولو قلنا إنه يجزئ عن الأول لكان الإجزاء فيه حينئذ مع تيقن النقص عن النصاب وهو ممتنع لما مر أن شرط التعجيل بعد الوجوب وهو بدو الصلاح في الثمر والاشتداد في الحب أن يظن حصول نصاب منه. فإن قلت هذا واضح

 

ج / 1 ص -442-        حيث لم يضم الثاني إلى الأول أما لو قلنا بضمه إليه في إكمال النصاب فهو غير واضح لأنهما حينئذ بمنزلة ثمر أو زرع واحد فما المانع حينئذ من التعجيل قلت بل هو واضح مطلقا وذلك لأن فائدة الضم أنا نتبين به أن الزكاة وجبت في الأول وأنه صار مع الثاني كالثمر أو الحب الحاصل من شجر أو زرع واحد حتى يجب حينئذ زكاتهما وليس من فوائده إن ظن حصول ما لو حصل ضم إلى الأول يصيره معه كالشيء الواحد حتى يعطى الأول حكم النصاب الكامل وتخرج الزكاة منه لأن ظن حصول المعدوم لا يلحقه بالموجود حتى يعطى أحكامه بخلاف ما إذا حصل المعدوم فإنه بعد حصوله صار موجودا فأعطي حكمه وأيضا فالزكاة لا بد فيها من النية والجزم بها لا يتصور إلا إن انعقد السبب في حقه بأن وجد أحد سببي ماله سببان أو سبب ماله سبب واحد كالمعشر. وأما قبل ذلك كما في الصورة التي يفعلها أهل الجهة المذكورة في السؤال فلا يتصور فيه جزم بالنية لأن السبب لم ينعقد لتيقن النقص عن النصاب كما مر فاتضح بذلك ما تقرر من أهل الجهة لا يبرءون بما يفعلونه مما ذكر عنهم بل الواجب عليهم عند حصول الثمر أو الحب الثاني زكاته إن كان نصابا مطلقا وكذا إن كان دونه ووجد شرط ضمه إلى الأول وحيث وجد الضم حسب التمران أو الحبان ووجب إخراج زكاتهما من الثاني والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب.
"وسئل" - فسح الله في مدته - عن رجل عنده ألف أشرفي بنية الاقتناء فهل يجب عليه الزكاة أم لا؟ "فأجاب" بأنه يلزمه زكاة الألف المذكورة والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب.
"وسئل" رضي الله عنه عما لو كان رأس مال التجارة نقدا مغشوشا كالسوداء عندنا والكبار عندكم وهو مثلا مائة أشرفي عندكم الأشرفي اثنا عشر ومائة دينار سوداء عندنا وهما دون نصاب فاشترى بذلك عرضا للتجارة وقوم آخر الحول المشترى بالمائة الأشرفي الكبار فأتى مائة وخمسين أشرفيا كذلك وهو دون النصاب أيضا لو صفي من الغش ولكن لو قوم غشه بانفراده لبلغ نصابا وكذا يقال في السوداء فهل تجب الزكاة والحال ما ذكر أم لا وقد ذكر لي عن بعضهم أنه لو كانت المائة والخمسون الأشرفي تأتي بمائتي درهم فضة وجبت الزكاة وإن كانت لو صفيت لنقصت هل هو صحيح أم لا؟ "فأجاب" - نفعني الله بعلومه وبركته - بأن هذه المسألة تحتاج إلى تحرير السؤال فإنه فيه إيهاما لكن سأذكر ما يتضح به المقصود منه إن شاء الله تعالى وذلك أن النظر في مال التجارة إلى بلوغه نصابا خالصا آخر الحول فحينئذ يجب في مالها ونحو ربحه ونتاجه وثمرته ربع عشر قيمته ثم أن ملكه بنقد وجب ربع عشر القيمة المذكورة من ذلك النقد لأنه أصل ما في يده وإن ملكه بعرض أو بنحو نكاح أو خلع وجب ربع العشر المذكور من عين نقد البلد الغالب فلو اشترى عرضا للتجارة بمائتي درهم

 

ج / 1 ص -443-        أو أقل قوم آخر الحول بالنقد الذي اشترى به فإن ساوت قيمته نصابا خالصا من ذلك النقد زكاة وإلا لم يلزمه زكاة وإن كان لو قوم بالذهب الغالب لبلغ نصابا به خالصا أو بعرض قنية مثلا قوم بغالب نقد المحل الذي تم به الحول فإن ساوت قيمته نصابا منه زكاة وإلا فلا زكاة عليه وإن ساوت قيمته نصابا خالصا من غير الغالب. فإن كان بالبلد نقدان على السواء وتم بأحدهما نصابا خالصا وجب ربع العشر منه وإلا بأن تم النصاب بكل منهما تخير على اضطراب فيه وقيل يجب الأنفع للمستحقين إذا تقرر ذلك علم أنه لو اشترى عرضا للتجارة بدون النصاب من الفضة المغشوشة وجب أن يقوم آخر الحول بها فإن ساوت قيمته نصابا خالصا منها وجبت زكاته وإلا فلا ولا نظر لغشه في هذه الصورة هل له قيمة أم لا بخلاف ما لو اشترى بذهب مثلا فضة مغشوشة بنية التجارة فيها فإنها هي وغشها يقومان آخر الحول بذلك الذهب فإن ساوت قيمتها نصابا خالصا من ذلك الذهب وجبت زكاتهما وإلا فلا فعلم أن التقويم لا يكون إلا بخالص وأن المقوم لا يشترط فيه أن يكون خالصا لأنه في هذا الباب بمنزلة العروض وهي تجب قيمتها حتى يخرج ربع عشر قيمتها فكذلك ما هو بمنزلتها والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب.
"وسئل" - نفع الله بعلومه - إذا كان السلطان يبعث أوان حصاد الزرع من يقدر عليه قدر العشر ثم يسلم إليه حبا صافيا ولم يعلم هل مراده الزكاة أم لا هل يجزئ ذلك عن الزكاة؟ "فأجاب" - متع الله بحياته - بقوله إذا بعث السلطان من ذكر لما ذكر في السؤال لم يجز ذلك عن الزكاة كما أفهمه كلام البغوي وعبارته وأما إخراج المضروب على الماء كبلاد مرو فكذلك لا يمنع الزكاة فإن أخذه السلطان عنه فهو كأخذه القيمة في الزكاة بالاجتهاد وفي سقوط الفرض به وجهان أي والصحيح المنصوص في الأم وبه قطع الجمهور وصححه النووي, سقوطها إذا نوى به البدلية فأفهم قوله فإن أخذه السلطان عنه أنه لا بد أن يتحقق من السلطان أنه أخذه عن الزكاة أما إذا علم منه أنه لم يأخذه عنها أو شك فلم يدر أيأخذه عن الزكاة أو لا فلا يقع ذلك عن الزكاة. وقد قال الكمال الرداد في شرح الإرشاد عقب كلام البغوي وخرج بقوله عنه ما لو أخذه السلطان في مقابلة الذب عن الرعية ليستعين به على تحصيل الجند كما يعتاد ذلك ولاة بلادنا فلا يجزئ عن الزكاة قطعا ورأيت بعض من لا معرفة له يفتي بالإجزاء ويعمل به وهو خطأ صريح نسأل الله تعالى العصمة والهداية ا هـ وقال في فتاويه مسألة إذا أعطى الزراع ومن عليه زكاة الثمار والنخل والعنب الإمام العشر بنية الزكاة في هذا الوقت هل يجزئهم ذلك عن الزكاة أو لا وما العلة إذا في ذلك أجاب لا يجزئ أبدا ولا يبرأ من الزكاة بل الزكاة واجبة على من وجبت عليه لأن الإمام يأخذ ذلك عنهم باسم الخراج في مقابلة قيامه بسد الثغور حتى يصرفه في ذلك وفي قمع القطاع والمتلصصين عنهم وعن أموالهم وقد أوقع جمع ممن ينتسب للفقهاء وهم باسم الجهل أحق أهل الزكوات ورخصوا لهم في ذلك فضلوا وأضلوا ا هـ والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب

 

ج / 1 ص -444-        "وسئل" رضي الله عنه هل يجوز للمالك أن يتصدق على حاضري الحصاد من الفقراء من سنابل الزرع الزكوي؟ "فأجاب" - فسح الله في مدته - لا يجوز للمالك أن يسلم الفقراء مما ذكر شيئا سواء أنوى به الزكاة أم لا ولو بعد اشتداد الحب في الزرع لأنه يجب عليه التنقية وفي وقوع ما أعطاه له الموقع تفصيل معروف في كلام الفقهاء والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب.
"وسئل" سيدنا الشيخ العلامة المشار إليه - فسح الله في مدته - في شخص جد تمرا وصرم حبا نحو مائة وسق مثلا وادخره للنفقة ولم يخرج منه حال الجداد والصرام زكاة وملك أيضا نصبا من النقدين نحو ألف دينار مثلا وادخره أيضا بنية الصرف للنفقة وحالت عليه أحوال كثيرة ولم يخرج لذلك زكاة هل يحرم عليه في المسألتين أم في إحداهما أم لا يحرم لكونه أعده للصرف والنفقة اعتبارا بنيته للحديث أوضحوا لنا فإن غالب الناس واقعون في ذلك؟ "فأجاب" - متعنا الله بحياته - أنه يحرم عليه عدم إخراج الزكاة في القسمين وإن ادخرهما للنفقة ويفسق بذلك وليست نية النفقة مؤثرة في إسقاط الزكاة لأن ملحظ وجوبها في الحب والجداد النمو بالفعل وهو حاصل في العام الأول سواء أبقاه للنفقة أم لا وفي النقدين نموهما بالفعل والقوة وهو حاصل في العام الأول وما بعده فلم يكن للنية دخل في إسقاط الوجوب لأنها لا تعارض سببه المذكور وتأمل ما قررته تعلم أن التمر والحب إذا مضى عليهما أحوال ولم ينو بادخارهما تجارة بشرطها لا تجب زكاتهما إلا في الحول الأول وأما فيما بعده فلا تجب فيهما زكاة بخلاف النقدين فإنه تجب زكاتهما في كل حول مضى عليهما سواء أعدا للتجارة بهما أم للنفقة لما علمت أنهما صالحان للنماء فهما ناميان بالقوة أو الفعل فلذلك تكررت زكاتهما بتكرر الأحوال والله أعلم.
"وسئل" - نفع الله بعلومه - وبركته عن قول الأئمة إذا اشترى عرضا للتجارة بعرض قنية ونقد قوم ما قابل النقد به وقوم ما قابل العرض بغالب نقد البلد ا هـ ولم يزيدوا على ذلك والذي يظهر أن معرفة التقسيط لكل من النقد والعرض متوقفة على معرفة تقويمهما يوم الشراء بغالب نقد البلد ليعرف نسبة كل منهما من الآخر مثاله اشترى عرضا للتجارة بمائة درهم وغالب نقد البلد دنانير وبعبد قنية فتقوم الدراهم بغالب نقد البلد يوم الشراء ويقوم العبد به فإن استوت قيمتهما قوم نصف عرض مال التجارة آخر حوله بالدراهم ونصفه الآخر بغالب نقد البلد يوم التقويم وإن اختلفت قيمة العبد والدراهم بأن ساوت الدراهم ثلث نصاب من غالب نقد البلد وساوى العبد الثلثين قوم ثلث عرض مال التجارة آخر الحول بالدراهم وثلثاه بغالب نقد البلد يوم التقويم وهذا كله فيما إذا كان غالب نقد البلد يوم التقويم غير جنس المشترى به أما إذا كان من جنسه فلا يحتاج إلى التقويم واختلاف صفة النقد كاختلاف جنسه في رعاية التقسيط هذا ما ظهر للمملوك فهل هو كذلك أم لا؟

 

ج / 1 ص -445-        "فأجاب" - فسح الله في مدته - بقوله ما ذكر من تقويم الثمن المشتمل على النوعين المذكورين بغالب نقد البلد أي ما يتعامل به فيه ولو عرضا كما صرحوا به في نظائر ذلك ظاهر مفهوم من كلامهم في مواضع منها تعبيرهم هنا بالمقابلة إذ لا تعرف بالتقويم في كل من ذينك النوعين والتقويم إنما يكون بالغالب المذكور كما هو معروف ومن ثم لم يحتاجوا إلى التصريح بذلك هنا ومنها قولهم في قاعدة مد عجوة وفيما إذا اشترى شقصا مشفوعا وسيفا بمائة مثلا أن أحد طرفي العقد إذا اشتمل على مالين مختلفين وزرع ما في الجانب الآخر عليهما باعتبار القيمة أي ليعطي كلا منهما حكمه لا يعرف هذا التوزيع باعتبار القيمة إلا إذا قوما بالغالب المذكور ومنها قولهم فيمن اشترى دارا فيها صفائح فضة بذهب أو بالعكس اشترط قبض الدار ومقابل الصفائح من الثمن في المجلس حذرا من الربا أي ولا تعرف تلك المقابلة إلا بالتقويم بالغالب كما تقرر ولظهور هذا إذ هو من المقررات المعروفة من مجموع كلامهم لم يتعرضوا له في أكثر المواضع اتكالا على ذلك فظهر أن ما ذكر في صورة السؤال من تقويم النوعين المذكورين بالغالب المذكور هو المفهوم من كلامهم عند من له أدنى مسكة بقواعدهم وإلمام بأطراف كلامهم. نعم يتردد نظر الفقيه فيما لو اختلف الغالب وقت الشراء وآخر الحول فهل يعتبر الثاني لأنه المعتبر في زكاة التجارة أو الأول لأن هذا التقويم لا يتعلق بالزكاة بطريق القصد بل بالتبع إذ الغرض منه معرفة ما يخص كلا من العرض والنقد لاختلاف حكمهما وأما أمر الزكاة فشيء مترقب قد يحصل وقد لا وللنظر في ذلك مجال والذي ينقدح الثاني لما أشرت إليه آنفا أن اختلاف أحد طرفي العقد يقتضي توزيع طرفه الآخر عليهما وأن ذلك التوزيع لا يعرف إلا بالتقويم بالغالب فكان التقويم به من مقتضيات العقد فلم نعتبر فيه غير الغالب وقته وعليه فإذا اشترى بعبد ودينار عرض تجارة وغالب المتعامل به حينئذ الفضة مثلا فقوما بها وكان العبد ثلاثة أرباع جانبه والدينار ربع جانبه ثم عند آخر الحول صار الغالب الحنطة ولو فرض تقويمهما بها الآن لكان العبد ثلثي جانبه والدينار ثلث جانبه اعتبر الأول دون الثاني لما قررته من أن هذا التوزيع من أحكام العقد فكان اعتبار وقته متعينا والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب.
"وسئل" رضي الله عنه ما حكم أخذ الفريك وهو الحب في أول اشتداده من زرع يجيء منه نصاب؟ "فأجاب" متع الله بحياته أخذ شيء من الزرع الزكوي بعد ما تعلقت به الزكاة بأن اشتد حبه لا يجوز ومن أخذ منه شيئا عزر عليه تعزيرا شديدا فإن أكله غرم مثل حصة مستحقي الزكاة لهم سواء في ذلك المالك وغيره والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب.
"وسئل" فسح الله في مدته عن درهم الإسلام كم قدره من المحلقة الكبار وكم درهم الإسلام قيراطا وكم القيراط بالخروبة أو الشعيرة وكم مثقال الذهب قيراطا؟ "فأجاب" بقوله أما المثقال فهو لم يختلف لا جاهلية ولا إسلاما فهو اثنان وسبعون حبة وهي شعيرة معتدلة

 

ج / 1 ص -446-        لم تقشر وقطع من طرفيها ما دق وطال وأما الدراهم فهو مختلف جاهلية وإسلاما والمراد به حيث أطلق الإسلامي وهو خمسون حبة شعير معتدلة وخمسا حبة كذلك فهو ستة دوانيق إذ الدانق ثمان حبات وخمسا حبة ومتى زيد على الدراهم ثلاثة أسباعه كان مثقالا ومتى نقص عن المثقال ثلاثة أعشاره كان درهما فكل عشرة دراهم سبعة مثاقيل وكل عشرة مثاقيل أربعة عشر درهما وسبعان وأما القيراط فهو في مصطلح أهل مصر والشام والحجاز ونحوها جزء من أربعة وعشرين جزءا من الواحد لأنه ثلث ثمنه والحبة ثلث القيراط وهي جزء من اثنين وسبعين جزءا من واحد لأنه ثمن تسعة والدانق هنا نصف الحبة وسدس القيراط فهو جزء من مائة وأربعة وأربعين جزءا من الواحد لأنه نصف ثمن تسعة, والله سبحانه وتعالى أعلم.
"وسئل" رضي الله عنه عن رجل معه بعض كفاية عياله من زرع وله معه أشجار عنب وأرض ويأخذ من زكوات الأموال ويحفظه في بيته ويأكله ويشتري به الضياع والمواشي وغيرها هل يملكها أي الزكوات مع جهالة صارفها إليه أم تكون مضمونة عليه فإنه لا يعطي الفقراء ولا المساكين ولا ابن السبيل شيئا منها وكذا زكاة الأبدان في يوم عيد الفطر ومع ذلك هو قاطع لصلاة الجماعة وإذا كان القادر يقدر على الكسب يحل له أن يأخذ هذه الزكوات وهل تبرأ ذمة من أعطاه؟ "فأجاب" بقوله متى كان لهذا الشخص المذكور من زرع أو غيره أو كان له كسب وكان ذلك يفي بنفقته ونفقة عياله لم يحل له أخذ شيء من الزكوات سواء زكاة الفطر والمال وسواء أعلم الدافع إليه بحاله أم لا ولا يملك ما أخذه ولا تبرأ به ذمة الدافع إليه ويجب على حاكم المسلمين منعه من أخذ الزكاة ومنع الناس من إعطائه وأما إذا كان دخله لا يفي بخرجه فإنه يجوز له أن يأخذ تمام كفايته وكفاية عياله الذين تلزمه مؤنتهم والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب.
"وسئل" فسح الله في مدته عمن تحت يده وديعة أو مال قراض أو ثمن مبيع أو أمانة فحال عليه الحول فهل له إخراج زكاة ذلك بغير إذن المالك أم لا؟ "فأجاب" نفع الله به بأنه ليس لواضع يده على مال غيره بإذنه أو تعديا إخراج زكاته إلا بإذن المالك والله تعالى أعلم.
"وسئل" نفع الله به عن شخص أخرج الزكاة قبل وجوبها فهل تسقط عنه وما شروط التعجيل وهل يجوز نقلها إلى بلد لعلمه باحتياج أهل تلك البلد أكثر وهل يجوز صرفها بطول السنة نقدا وعروضا وتمرا وخبزا وينوي عند الإخراج؟ "فأجاب" بقوله يجوز تعجيل الزكاة بعد تمام النصاب في غير التجارة وقبل تمام الحول عن عام لا أكثر وزكاة الفطر في رمضان لا قبله وتجوز بعد بدو الصلاح في التمر والاشتداد في الحب لا قبله ولا يجوز تقديم زكاة معدن وركاز قبل الحصول وشرط إجزاء المعجل شيئان الأول أن يكون القابض

 

ج / 1 ص -447-        في آخر الحول مستحقا ولا يضر غناؤه بالمدفوع وحده أو مع غيره معجلا كان أيضا أو غيره بخلاف غنائه بغيره وحده ويؤخذ من اشتراط استحقاقه آخر الحول ما صرح به بعض شراح الوسيط من أن الفقر المجتاز ببلد الزكاة إذا أخذ من الزكاة المعجلة وجاء وقت الوجوب وليس هو ببلد المال أن ذلك المعجل لا يقع مجزئا بناء على المذهب من منع نقل الزكاة ا هـ وذلك لأن المستحق آخر الحول هم فقراء بلد المال الموجودون في ذلك الوقت مع ما اشترط فيهم وليس هذا ببلد المال وقت الوجوب والقبض السابق إنما يقع عن وقت الوجوب. ولا ينافي ذلك ما نقله الإسنوي وغيره عن فتاوى الحناطي وأقروه من أنه إذا غاب المسكين عند الحول ولا يدري من حياته وموته وفقره وغناه فالظاهر استمرار فقره وحياته قال الإسنوي وذكر في البحر نحوه فقال لو شككنا هل مات القابض قبل الحول أو بعده أجزأ في أقرب الوجهين ووجه عدم المنافاة أن كلام شارح الوسيط محمول على من علم عدم استحقاقه عند الوجوب لغيبته المتيقنة عن بلد المال وكلام الحناطي على غيبته عن موضع الصرف وقت الوجوب وجهل حاله من الغنى والفقر والغيبة عن بلد المال وقت الوجوب فلم يدر هل كان حاضرا ثم إذ ذاك أو لا لأن الأصل عدم غيبته في ذلك الوقت كما أن الأصل حياته وفقره. الشرط الثاني أن يكون المالك أهلا للوجوب إلى آخر الحول فإن مات أو تلف المال أو نقص عن النصاب أو باعه قبل آخر الحول أو عنده لم يكن زكاة ولا يحسب من زكاة الوارث ومتى وجدت الأصناف كلهم أو بعضهم واحتاجوا لرد الباقي عليهم حرم على المالك والعامل المأذون له في الأخذ والتفرقة بخلاف الإمام والعامل المأذون له في النقل أو الأخذ فقط نقل الزكاة عنهم إلى بلد آخر وإن كان فقراؤه أحوج والعبرة بموضع المال حال الوجوب وبموضع المؤدى عنه في زكاة الفطر لا المؤدى فيصرف العشر لمستحق بلد الأرض التي حصل منها المعشر وزكاة النقدين والمواشي والتجارة إلى مستحقي البلد الذي تم فيه حولها وإذا حال الحول وجب أداء الزكاة على الفور إن تمكن منه وذلك بحضور المال والمستحق أو الإمام أو نائبه وعدم شغله بمهم ديني أو دنيوي فإن أخر بلا عذر أثم وضمن ولو أخر لطلب الأفضل فإن وجد أهل السهمان وأخر ليدفع إلى الإمام أو لانتظار قريب لم يجز له انتظار قريب ونحوه ولو تردد في استحقاقهم فله التأخير. ولا يجوز عندنا إخراج العروض والخبز بل لا يجوز إلا إخراج النقد أو التمر والحبوب في المعشرات.
"وسئل" نفع الله به عما إذا كان المال عروضا للتجارة واستمر مدة لم يتغير عنه فهل فيه زكاة ولو تكرر بيعه بعروض وإذا بيع بالنقد واستمر نقدا ثم اشترى به عروضا قبل أن يحول الحول على المال تلزمه زكاته أم لا وهل عند بيع العروض بالنقد تجب عليه زكاة واحدة أو بعدة السنين وهل يلزم فيه الزكاة عند البيع أو بعد أن يحول الحول على النقد وإذا كان

 

ج / 1 ص -448-        المال غائبا فيه زكاة في البلد التي هو فيها أو التي فيها المالك لسنة أو بعدة السنين وإذا كان المال دينا في ذمة جماعة حكمه حكم الغائب أم لا؟ "فأجاب" بقوله إذا استمرت عروض التجارة في يده سنين لم تخرج عن ملكه أو تكرر بيعها بعروض أخرى لزمته الزكاة بعدد تلك السنين والمعتبر في النصاب في مال التجارة هو آخر الحول إن لم ينض وإن ظهر فيه النقص عن النصاب قبل ذلك أو نض بعد الحول أو فيه وهو تام النصاب أو ناقصه ولم ينقص بنقد يقوم به بل بنقد آخر أما إذا نض في الحول ناقصا عن النصاب بما يقوم به فلا يعتبر آخر الحول وإن تم فيه النصاب بل يبتدئ الحول من وقت الشراء به للنقص الحسي إذا تقرر هذا فبيعه بالنقد المذكور في السؤال إن كان النقد الذي بيع به ناقصا عن النصاب مما يقوم به انقطع الحول الأول وابتدئ الحول من وقت الشراء به وإن لم يكن النقد كذلك وجب عليه أن يزكي من ابتداء الحول الأول ولا نظر لهذا البيع سواء كان متكررا في السنة أم لا فإن لم يشتر بالنقد شيئا وبقي عنده لا على نية التجارة فيه زكاة زكاة النقود لا التجارات وإذا ضل المال أو سرق أو غصب أو وقع في بحر فإن قبضه بعد ذلك وجبت عليه الزكاة لجميع الأعوام الماضية والغائب إن لم يقدر عليه فكالمغصوب فلا يلزمه زكاته إلا إن قدر عليه فإن قدر عليه وجب إخراج الزكاة عنه في الحال في بلد المال فإن أخرجها في غيره مع وجود المستحقين ببلد المال لم يجز والدين إن كان ماشية أو غير لازم كمال الكتابة فلا زكاة فيه أو نقدا أو عرضا فإن كان حالا وتيسر أخذه زكاه في الحال وإن لم يقبضه وإن تعذر لإعسار أو مطل أو غيبة فكمغصوب.
"وسئل" فسح الله تعالى في مدته عمن عجل زكاته ثم عند انتهاء الحول لم يكن الفقير أو المالك أو ماله بالبلد التي عجل فيها فهل يجزئه أو لا؟ "فأجاب" بقوله من المقرر أنه لا يجوز نقل الزكاة وحينئذ فلا يجزئه ما عجله في المسألتين كما مشى عليه ابن المقري وغيره في الأولى واقتضاه كلام الأذرعي في الثانية وما نقله الإسنوي عن الحناطي مما يقتضي الإجزاء في الأولى لعله مبني على جواز نقل الزكاة وفرق بعضهم بين الصورتين هو إلى الوهم أقرب.
"وسئل" فسح الله في مدته عن نحو زرع مشترك بين اثنين فاقتسما غلته بعد بدو صلاحه وتنقيته ثم أخذ أحدهما نصابه فهل له التصرف في حصته أو لا لتعلق الزكاة بالعين؟ "فأجاب" بقوله أفتى بعضهم بأن لهم التصرف لتصريحهم بصحة القسمة ولو بخرص الثمر على الشجر وشركة المستحقين لا تمنع صحتها وإن قلنا تتعلق الزكاة بالعين وحينئذ فليس للساعي التسلط على المخرج وقولهم للساعي الأخذ من مال من شاء من الشريكين محله فيما قبل القسمة

 

ج / 1 ص -449-        "وسئل" فسح الله في مدته بما صورته حكم أحد الشريكين عدلين يخرصان عليه ويضمنانه واجبه في التمر المشترك فهل يصح ويجوز له التصرف؟ "فأجاب" بقوله الظاهر أنه لا يجوز له التصرف بعد الخرص بشرطه إلا بعد القسمة سواء أذن شريكه أم لا لتعلق الزكاة بعين حصة شريكه التي لم تخرص وهي غير متميزة عن حصته التي خرصت.
"وسئل" أعاد الله علينا من بركاته عمن أراد التصرف في ثمره ولا خارص من جهة الحاكم فهل له أن يحكم عدلا أو عدلين ليخرصا عليه ويتصرف في الجميع؟ "فأجاب" بقوله له ذلك لكن لا بد من خارصين لأنه تقويم وإنما يكفي خارص من جهة الإمام لأنه نائبه وقوله وحده كاف في التقويم فكذلك نائبه فإذا ضمناه وقبل نفذ تصرفه في الكل وإن حال بينه وبين الثمرة غاصب أو لم يقبضه لأن اشتراط القبض لصحة التصرف إنما هو فيما بيد الغير ومضمون عليه بالعقد وهذا ليس كذلك.
"وسئل" رضي الله عنه عن شخص وقف نخيلا على من يؤذن بمسجد كذا فهل على المؤذن زكاة؟ "فأجاب" بقوله الأوجه أنه لا زكاة عليه كالموقوف على جهة عامة وقول بعضهم إن أذن مدة يستحق بها الغلة وبدا الصلاح في ملكه وجبت عليه الزكاة وإلا فلا لأنه غير مالك عند الصلاح ولا متعين للاستحقاق فيه نظر.
"وسئل" رضي الله عنه بما صورته أودع نصاب نقد أو وكله بحفظ ما يحصل من غلته فحصل منها نصاب ولم ينص المالك على إخراجه للزكاة فهل له إخراجها؟ "فأجاب" بقوله إنما يجوز ذلك للإمام أو نائبه لأنه حق وجب على المالك وقد عجز عن القيام به ولا يلتفت لاحتمال موته أو بيعه النصاب قبل الحول أو نحو ذلك لأن الأصل بقاء المال على ملكه وبقاء حياته وعدم إخراج المالك من غيره.
"وسئل" رضي الله عنه هل للحاكم إخراج الزكاة عن الغائبين؟ "فأجاب" بقوله ليس له ذلك لاحتمال عدم تمكنهم من الأداء أو بيعهم للمال أو نحو ذلك.
"وسئل" نفع الله به عمن باع بعض المال الزكوي فهو كبيع كله فيبطل البيع في قدر الزكاة أم لا؟ "فأجاب" بقوله الذي في أصل الروضة أنه إن لم يبق قدر الزكاة فكما لو باع الجميع وإن أبقاه إما بنية صرفه إليها أو بغيرها فإن فرعنا على قول الشركة ففي صحة البيع وجهان قال ابن الصباغ أقيسهما البطلان أي في قدر حصة الزكاة وهما مبنيان على كيفية ثبوت الشركة وفيها وجهان أحدهما أن الزكاة شائعة في الجميع متعلقة بكل واحدة من الشياه بالقسط والثاني أن محل الاستحقاق قدر الواجب ويتعين بالإخراج ا هـ ومقتضى كلامهما اعتماد كلام ابن الصباغ المبني على الوجه الأول فيكون هو المعتمد وهو كذلك خلافا لمن توهم أن المعتمد الثاني وأطال فيه بما لا يجدي ورتب عليه ما لا وجه له عند من تأمله التأمل الصادق. وكلام الرافعي كالصريح في اعتماد كلام ابن الصباغ وما تفرع عليه

 

ج / 1 ص -450-        وكذا كلام السبكي إذا علم ذلك فيبطل البيع بنسبة قسط الزكاة في كل شاة ولا يؤثر في ذلك إبقاؤه قدر الزكاة في يده جريا على قاعدة الشركة الحقيقية فهو كما لو باع عبدا مشتركا وكذا يقال في المعشرات بل أولى لأن نسبة العشر تقتضي الإشاعة اتفاقا ولا فرق بين أن يعزل نصيب الفقراء ويبيع الباقي أو لا كما صرح به ابن الرفعة وعلله بأن قدر الزكاة إنما يتعين بالدفع لا بالعزل وخص الخلاف بما إذا لم يقل بعتك تسعة أعشار هذه الثمرة مشاعا والأصح قطعا ويجري ذلك فيما لو تصرف المالك قبل الخرص في مقدار معين غير شائع من الثمار سواء بقي في يده قدر الزكاة أم لا فيبطل أيضا وقول ابن الرفعة وهل يجوز في تسعة أعشاره وهو ما عدا قدر الزكاة المذهب نعم محمول على الصورة السابقة التي خصص بها محل الخلاف وإلا تناقض كلامه.
"وسئل" نفع الله به هل يحرم التصرف في التمر والعنب قبل الخرص في الجميع أو فيما عدا قدر الزكاة؟ "فأجاب" بقوله: المعتمد الأول وإن توهم بعضهم خلافه إذ الشركة شائعة في كل جزء منه فكيف يحل له التصرف في البعض ولهم فيه حصة.
"وسئل" نفع الله به بما لفظه أي طريق للورع فيمن اشترى نصابا زكويا ممن لا يزكي؟ "فأجاب" بقوله: طريقه أن يستأذنه في إخراجها عنه من المبيع ويتبرع بمقابله فإن تعذر فالساعي فإن تعذر فالقاضي بناء على شمول توليته للنظر في الزكاة وهو ما نقله الشيخان عن الهروي هذا إن لم يعلم موت المالك وإلا استقل بالإخراج إذ للأجنبي أداء زكاة الميت بغير إذن الوارث لكن بأدائه يتبين الملك في قدر الزكاة إن تحقق أن البائع لم يخرجها للورثة فيجب تسليمه إليهم.
"وسئل" رضي الله عنه عمن اشترى نصابا زكويا ثم تحقق أن البائع لم يخرج زكاته فهل له الاستقلال بتمييز قدر الزكاة في المثلي وصرفه على المستحقين؟ "فأجاب" بقوله: الذي يظهر أنه لا يجوز له ذلك لأن للمالك أن يخرج من غير هذا النصاب نعم إن تعذرت مراجعة البائع جاز له الاستقلال بذلك أخذا مما في المجموع من أنه لو اجتمع حلال له بحرام جاز له الاستقلال بتمييز قدر نصيبه لكن لا يجوز له صرفه للمستحقين إلا بإذن الساعي فإن تعذر فالقاضي ثم رأيت بعضهم قال ومن اشترى طعاما لم يزكه البائع لم يجز له أكل شيء منه قبل تأدية زكاته ثم ظاهر كلام الأصحاب بل صريحه أن ولاية صرفها باقية للبائع وليس للمشتري الاستقلال بها وفي المهمات في الشرط الخامس من شروط البيع عن الماوردي والروياني ما يوهم استقلاله بذلك والظاهر مع التمكن من البائع أو الساعي خلافه ثم نقل عن بعضهم أن المخلص للمشتري من هذه العهدة تفريعا على بقاء تعلق الزكاة جريان القسمة بينه وبين البائع في قدر الزكاة إذ البطلان خاص به فيسلمه للبائع أو الساعي وله أن يستأذن البائع في إخراجه فإن لرب المال أن يوكل في إخراج الزكاة عنه،

 

ج / 1 ص -451-        إما من ماله أو من مال الموكل كما صرح به الشيخان ا هـ.
"وسئل" نفع الله به عمن باع النصاب وقلنا بالراجح وهو بطلان البيع في قدر الزكاة فقط فإذا رد المشتري على البائع قدر الزكاة فهل ينقطع تسلط الساعي على ما بقي في يده أو لا؟ "فأجاب" بقوله الذي يظهر أنه إن ميز ذلك بإذن البائع لم يكن للساعي مطالبته لأن للمالك أن يعين قدر الزكاة من النصاب في واحدة وليس للساعي طلب غيرها ولا شك أن تمييزه أو تمييز المشتري بإذنه بمثابة تعيينه فبه ينحصر حق الساعي فيما عينه فليس له مطالبة المشتري بشيء وإن ميزه بغير إذن البائع فالتميز فاسد فلا ينقطع به تعلق حق الساعي وإن قبضه البائع إذ رضاه به بعد وقوعه فاسدا لا يقبله صحيحا ولا ينافي ذلك ما بحثه السبكي من أنه لو أجر أرضه لآخر فزرعها فالزكاة على الزارع فإذا أخذ المؤجر أجرته من المغل قبل إخراج زكاته فكما لو ابتاعها منه فللفقراء مطالبته بها مما قبضه لما سبق من أن للساعي نزعها من يد المشتري على كل قول. قال وهذه المسألة يجب إشهارها فإن كثيرا ممن يؤجر الأراضي يستولي على جميع المغل في أجرته أو على أكثره بحيث يغلب على الظن أن الزارع لا يخرج شيئا فلا يحل له ما قبضه بل يجب أن يخرج منه قدر الزكاة وما بقي من الأجرة إن أيسر الزارع طولب وإلا بقي في ذمته وطريق براءة الذمة أن يستأذن الزارع في الإخراج أو يعلم الإمام ليأخذها فإن تعذر ذلك فالذي ينبغي أن يجب عليه إيصالها للمستحقين ا هـ وقوله فللفقراء مطالبته بها أي بقدر نسبتها فيطالب بعشر ما بيده لبطلان التصرف فيه وأما أخذ جميع الزكاة مما بيده التي أوهمته عبارته فمحمول على ما لو استغرقت الأجرة الزرع جميعه وإلا لم يتأت على قول الشركة الأصح. وقوله لما سبق إلخ يشمل ما لو كان المبيع كل النصاب أو بعضه وإن أبقى قدر الزكاة وهو ظاهر أما في الأولى فواضح وأما في الثانية فلبطلان التصرف في قدر الزكاة وإن أبقى بيده قدرها.
"وسئل" فسح الله في مدته عمن باع النصاب قبل الحول فتم في زمن الخيار وهو في ملكه أو ملك المشتري أو موقوف فما حكمه؟ "فأجاب" بقوله إن كان الخيار للبائع فملك المبيع له فتجب زكاته فإن تم البيع فهو كبيعه بعد الحول وإن كان للمشتري فلا زكاة على أحد وكذا إن قلنا موقوف ما لم ينفسخ العقد فالزكاة على البائع ولو لزم البيع فامتنع البائع من إخراج الزكاة إلا من المبيع قال الماوردي فإن كان معسرا لم يمكن أو موسرا فإن كان نصاب تجارة فهذا يجب أن تؤخذ زكاته من مال بائعه لتعلق حق المشتري بالعين والزكاة بالقيمة وما تعلق بالعين أقوى وإن كان مما تجب الزكاة من عينه فإن قلنا بالشركة أخذت من المبيع ا هـ وفيه نظر والأوجه عندي أنه لا فرق بين الموسر والمعسر لأنه إن راعى حق المشتري فمراعاة حق المستحقين أولى ولا نظر لتجدد وجوب الزكاة عليه بعد

 

ج / 1 ص -452-        البيع لأن أحدهما كان متمكنا من الفسخ عند وجوبها وما ذكره في مسألة التجارة محتمل.
"وسئل" نفع الله به هل تجب زكاة في الأرض الخراجية وما هي وهل لو أخذ الإمام الخراج بنية الزكاة تسقط؟ "فأجاب" بقوله تجب الزكاة في الأرض الخراجية مع الخراج كما في البلاد التي أخذناها من أيدي الكفار أو أقرهم الإمام عليها بخراج وكذا التي أسلم أهلها عليها فهي ملكهم فإذا اكتراها شخص منهم وجب عليه العشر مع أجرتها ولا يقوم الخراج المأخوذ ظلما أو نحوه مقام العشر فإذا أخذه الإمام بنية ذلك صح وإن كان من غير الجنس إذ هو كأخذ القيمة بالاجتهاد وهو يسقط به العشر.
"وسئل" نفع الله بما لفظه أتلف أجنبي النصاب بعد الوجوب فهل يأخذ المالك قدر قيمة قدر الزكاة ويدفعه للمستحقين أو يشتري بها شاة ويدفعها؟ "فأجاب" بقوله مقتضى كلام الشيخين أنه لا يجب شراء واجب الزكاة من جنس المال الزكوي وتسليمه إليهم وهو ظاهر وإن توهم بعضهم خلافه ثم رأيت ابن الرفعة قال ألا ترى أن من وجب عليه شاة من أربعين فأتلف الأربعين لزمه شاة ولو أتلفها أجنبي وجب للفقراء القيمة وهو نص فيما ذكرته.
"وسئل" فسح الله في مدته بما صورته إذا قلنا تتعلق الزكاة تعلق شركة فهل تتعلق بما يحدث بعد الوجوب من لبن وصوف وغيرهما؟ "فأجاب" بقوله مقتضى كلام ابن الرفعة والسبكي أنها لا تتعلق بذلك وعبارة الأول نقلا عن الأصحاب وإن قلنا تجب في العين فملك الفقراء كلا ملك فإن ثمرة الملك ثابتة لرب المال وملكهم غير مستقر بدليل أن لرب المال إسقاطه بإخراج المال من غيره وعبارة الثاني في شرح المنهاج أن القائلين بأنها تتعلق تعلق شركة اعتذروا عن جواز الإخراج من موضع آخر وعن عدم استحقاق الفقراء لما يحدث من النتاج وينفصل من الصوف واللبن بعد الحول وقبل الإخراج بأن هذه الشركة تثبت بغير رضا الشريكين وأيضا فإنها غير مستقرة فأشبهت الغنيمة في انتفاء ملك الشريك بغير رضاه ا هـ قيل وصرح بنحو ذلك الأذرعي وهذا مما لا خلاف فيه في المذهب بل صرح ابن مفلح بأنه محل وفاق بين الأئمة الأربعة.
"وسئل" رضي الله عنه هل يجوز أكل الفريك أو لا؟ "فأجاب" بقوله نعم ما لم يتحقق أنه من مال زكوي فحينئذ لا يجوز أكله وإن أطال كثيرا في الاستدلال للجواز له واستدل بعضهم لذلك بما في الطبراني الصغير برجال الصحيح كان رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"إذا أتى بالباكورة وضعها على عينه ثم قال اللهم كما أطعمتنا أوله فأطعمنا آخره ثم يأمر بها للمولود من أهله" وفي رواية قبلها ثم قال: "اللهم بارك لنا" ويرد بأن هذه واقعة حال محتملة.
"وسئل" رضي الله عنه بما لفظه تعدى المالك قبل الخرص فقطع الثمرة بعد أن تعلقت بها الزكاة وكان مما يجيء منه تمر لو لم يقطعها وأراد الدفع للمستحقين مما قطعه فهل هو

 

ج / 1 ص -453-        كقطعها للعطش أو كإتلافها؟ "فأجاب" رضي الله عنه بقوله الظاهر كما قاله بعضهم الثاني فيخرج على ما قالوه في إتلافه الثمر فإذا قلنا الواجب التمر انقطع تعلق الشركة في ذلك الرطب ويصح تصرف المالك فيه وكذا إن قلنا الواجب قيمة الرطب وكذا يقال في الفريك إذا تعدى المالك بقطعه ومقتضى كلام المجموع أنه حيث تعدى المالك بالقطع من غير عطش ونحوه ضمن حصة المستحقين تمرا وإلا بأن احتيج إلى القطع قبل أوان الجذاذ ولم يمكن تجفيفه ضمنها رطبا وإن سبق خرص وتضمين.
"وسئل" أعاد الله علينا من بركاته عن أجنبي أتلف الثمار بعد الخرص والتضمين فهل على المالك الزكاة؟ "فأجاب" بقوله قال الدارمي إن حصلت للمالك قيمة لزمته وإلا فلا بل يطالب الغاصب فإن كان بعد الخرص وقبل التضمين فلا ضمان عليه وطولب الغاصب وقبل الخرص كبعده من غير تضمين إذا كان بعد بدو الصلاح.
"وسئل" فسح الله تعالى في مدته هل الضبط في الخاتم الفضة بالمثقال كما ورد به الحديث أو بغيره؟ "فأجاب" بقوله روى أبو داود أنه صلى الله عليه وسلم قال لرجل وجده لابس خاتم حديد "
ما لي أرى عليك حلية أهل النار" فطرحه فقال يا رسول الله من أي شيء أتخذه فقال: "من ورق ولا تبلغه مثقالا". لكن ضعفه النووي في شرحي المهذب ومسلم ومن ثم أبيح بلا كراهة لبس خاتم حديد ورصاص ونحاس وكان الأولى الضبط بما لا يعد إسرافا في العرف كما اقتضاه كلامهم وصرح به الخوارزمي وغيره في الخلخال ولا ينافي ذلك قول ابن الرفعة ينبغي نقص الخاتم عن مثقال للخبر المذكور ثم على اعتبار العرف لو اختلف أهله كأن تعارف أهل بلد أو صنعة مثلا وزنا وتعارف آخرون خلافه فهل يعتبر عرف كل فيحكم على اللابس بالحرمة إن تعارف أهل بلده أو صنعته كبره أو لا لأن الأصل الإباحة حتى يتحقق موجب الحرمة أو يفرق احتمالات لم أرها وقد يرجح أن الاعتبار بعرف أهل البلدة أو الصنعة التي هو بها وإن لم يكن من أهلها.
"وسئل" نفع الله به عن شافعي قلد الحنفي في مسألة في الزكاة وهي جواز إعطاء البضاعة عن النقد وجواز الاقتصار على صنف أو صنفين مع وجود الأصناف فهل يجوز له ذلك أم لا وفي أي كتاب هو؟ "فأجاب" بقوله نعم يجوز له ذلك كما صرحوا به في المختصرات فضلا عن المطولات.
"وسئل" رضي الله عنه عن فقيه في قريتين وهو واحد وله في إحدى القريتين مزارع وبساتين وهو مستغن عن الزكاة والعشر هل يجوز له أخذ زكاة هاتين القريتين المذكورتين مع وجود من هو أحق منه أم لا؟ "فأجاب" بأنه حيث كان للفقيه المذكور من غلة مزارعه وبساتينه ما يكفيه ويكفي عياله الذين تلزمه مؤنتهم حرم عليه أخذ شيء من الزكاة وإن قل ويجب عليه أن يرد ما أخذه قبل ذلك إلى ملاكه وحيث لم يكن ثم ما يكفيه ويكفي عياله

 

ج / 1 ص -454-        المذكورين جاز له أن يأخذ بقدر كفايته بشرط أن لا يأخذ شيئا من حق بقية المستحقين الذين في بلد المال فإن المالك يجب عليه أن يفرق زكاته على من في بلده من المستحقين فإذا كان فيها فقراء ومساكين وأبناء سبيل وهم المسافرون أو العازمون على السفر وغارمون وهم الذين عليهم دين وليس فيها غير هؤلاء من بقية الأصناف المذكورين في الآية لزمه أن يعطي كل صنف من هؤلاء الأربعة ربع زكاته ويفرق ربعه على كل صنف على كل ثلاثة منه فأكثر فإن فضل من زكاته عن حاجاتهم نقله إلى المستحقين بأقرب بلد إليه.
"وسئل" فسح الله في مدته عما إذا أخذ الإمام مال إنسان غصبا أو تعديا فنوى به الأخذ من الزكاة فهل يجزئه أم لا؟ "فأجاب" بقوله الكلام في هذه المسألة التي لا نقل فيها متوقف على أن قبض الإمام الزكاة هل هو بمحض الولاية إذ لا يشترط توكيل المستحقين أو بحاله بينها وبين الوكالة وله نظر على المستحقين دون نظر ولي اليتيم وفوق مرتبة الوكيل أشار إليه السبكي في شرح المنهاج وعليه فالظاهر في المسألة المسئول عنها التفصيل كما قاله بعض المتأخرين وهو أنه إذا لم يعلم الإمام بما نواه لم يجزئه لأنه في هذه الحالة كآحاد الناس وإنما أجزأ قبض الجائر لأنه لا ينعزل بجوره وعدم الدفع إليه يؤدي لفتنة وإذا لم يؤد ما ائتمنه الشرع عليه أثم لعلمه بأنه لجهة الزكاة ولا كذلك هذه الصورة, وعدم اشتراط علم المدفوع إليه بجهة الزكاة إنما هو إذا كان المستحق لبلوغ الحق محله وأما الإمام فلا بد في الإجزاء من علمه بجهة ما له عليه ولاية ثم بعد ذلك يسقط الحرج عن المالك وأما إذا لم يبين المالك الحال فهو مقصر وإن علم بنيته احتمل عدم الإجزاء أيضا لأنه في الغصب كالآحاد وفعل الجائز إنما يصح إن طابق الشرع ويحتمل الإجزاء وهو الظاهر إذ قصد الإمام المذموم شرعا لا يصلح أن يكون مانعا من الإجزاء.
"وسئل" نفع الله به عن أخذ السلطان الجائر العشور المعهودة في هذا الزمن باسم الزكاة ونوى به المأخوذ منه الزكاة فهل يسقط عنه به الفرض أو لا؟ "فأجاب" بقوله نعم يسقط بأخذه على الوجه المذكور فرض الزكاة عن المأخوذ منه لأن الأمام الجائر كالعادل في الزكاة وغيرها ويقع لبعض التجار الذين ليس لهم كبير تقوى ويغلب عليهم البخل والخزي أنهم يكثرون الأسئلة عما يأخذه منهم أعوان السلاطين من المكوس هل يقع عنهم من الزكاة إذا نووها فنجيبهم بما هو المعروف المقرر وبسط الكلام فيه بعض شراح الإرشاد من أن ذلك لا يحسب من زكواتهم لأن الإمام لم يأخذه باسم الزكاة بل باسم الذب عنهم وعن أموالهم فهو وأعوانه يعتقدون أن ذلك حق له في أموال التجار يستحق أخذه قهرا عليهم ولو سمع هو أو بعض أعوانه عن بعض التجار أنه يدفع لهم ذلك باسم الزكاة لما قبلوا منه ذلك وأخذوه قهرا عليه على غير هذا الوجه بل ربما أذوه وسبوه. والدفع للإمام أو نائبه العام إنما يجزئ عن الزكاة حيث لم يمتنع الإمام أو نائبه من أخذه على هذا الوجه أو يأخذه

 

ج / 1 ص -455-        بقصد مغاير له فحينئذ لا يمكن حسبان ما أخذه عن الزكاة وبقي مانع آخر من ذلك وهو أن الدفع إلى السلطان غير ممكن وإنما يقع الدفع لنائبه العام أو الخاص والدفع للنائب العام وهو الوزير الأعظم أو نحوه متعسر أيضا وإنما الواقع والمتيسر الدفع إلى النائب الخاص وهذا النائب الخاص لا يولونه على أخذ زكاة بوجه وإنما يولونه على أخذ العشور ومرادهم بها المكوس كما هو معلوم من أحوالهم وعباراتهم وعاداتهم فمن أراد الدفع إليهم باسم الزكاة لم يدفعها لإمام ولا لنائبه فيها فكيف تجزئ عنه فليتأمل ذلك ويشاع لهم فإن بعض فسقة المتفقهة والتجار ربما حسبوا جميع ما يؤخذ منهم من المكوس من الزكوات الواجبة عليهم وما دروا أنه يحمى عليها في نار جهنم فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم وتقول لهم ملائكة العذاب هذا ما كنزتم لأنفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون أعاذنا الله من ذلك وأمثاله بمنه وكرمه.
"وسئل" أعاد الله علينا من بركاته بما لفظه قد تقرر أن الصلاة على الآل والصحابة رضوان الله عليهم تكره استقلالا ولا تكره تبعا فهل قول الإنسان اللهم صل على سيدنا محمد وصل على أبي بكر مثلا من الشق الأول أو من الشق الثاني فما الذي يظهر لكم أو تفهمونه من كلام الأئمة في ذلك. "فأجاب" بقوله ذكرت في كتابي في الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ما يصرح بأن ذلك لا يكره وأنه ليس من الاستقلال وذلك أنهم ألحقوا السلام على غائب بالصلاة في الكراهة فاستشكل ذلك بما في التشهد السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين فهذا سلام وقع استقلالا ولم يكره فأجبت بمنع أن هذا وقع استقلالا وإنما وقع تبعا لأنهم لا يريدون بالاستقلال إلا ما وقع منفردا غير تابع لغيره بالكلية لأنهم عللوا كراهة ذلك بأنه من شعار أهل البدعة وقد نهينا عن شعارهم والمعروف من شعارهم إنما هو الاستقلال بالمعنى المذكور ثم لما نظرت في الجواب عما في هذا السؤال توقفت في أن ذلك استقلال من حيث تمثيلهم للتبعية بقولهم اللهم صل على محمد وعلى آل محمد فاقتضى ظاهر هذا التمثيل أنه متى كرر العامل خرج عن التبعية ثم رأيت في كلام الأصحاب ما يصرح بالأول ويمنع ذلك التوقف وما اقتضاه ظاهر ذلك التمثيل وهو أن الأصحاب عبروا بعبارتين إحداهما مفسرة للأخرى وهي أنهم كما عبروا بالاستقلال عبروا بالابتداء فقالوا تكره الصلاة عليهم ابتداء. وعبارة النووي في مجموعه قال المصنف يستحب أن يقول اللهم صل على آل فلان وتابعه صاحب البيان وقال صاحب الحاوي إن قال اللهم صل عليهم فلا بأس وما قالاه خلاف المذهب وخلاف ما قطع به الأكثرون أنه تكره الصلاة على غير الأنبياء ابتداء في هذا الموضع وغيره وقال المتولي لا تجوز الصلاة على غير الأنبياء ابتداء ومقتضى عبارته التحريم والمشهور الكراهة ا هـ المقصود من عبارته. وعبارة القاضي حسين في تعليقه لا يجوز لأحد أن يصلي على أحد غير الأنبياء ابتداء وإنما تجوز على التبعية انتهت فاستفدنا من ذلك أن

 

ج / 1 ص -456-        من عبر من الأصحاب بالاستقلال أراد به الابتداء واستفدنا من عبارة المجموع أن الأكثرين إنما عبروا بالابتداء دون الاستقلال وحينئذ اتضح أن ما في التشهد ليس من الاستقلال كما قدمته وأن ما في السؤال كذلك فيكون غير مكروه لأنه لم يقع مبتدأ به وإنما وقع بعد الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم ولا عبرة بإعادة العامل لأنه مع ذلك يسمى تابعا لما قبله سواء أكان هناك عاطف كما في السؤال أم لا كاللهم صل على محمد اللهم صل على أبي بكر مثلا وكصلى الله على محمد صلى الله على أبي بكر مثلا. ووجهه أن ما قدمته من أن الابتداء بالصلاة على غير الأنبياء هو من شعار المبتدعة الذي نهينا عنه فلم يكره غير الابتداء لأنه ليس من شعارهم مع كونه وقع تابعا في اللفظ للصلاة على النبي لا مستقلا بنفسه والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب.
"وسئل" رضي الله عنه عمن أكرى مزرعا لأحد على أن له شيئا معلوما من الغلة كل سنة فهل يجب عليه إذا أخذ تلك الأجرة أن يؤدي زكاتها إذا بلغت نصابا أو لا وإذا كانت الأجرة درهما أو دينارا ماذا حكمها؟ "فأجاب" بقوله لا يلزمه زكاة الأجرة إذا كانت حبا إلا إذا كانت للتجارة ووجدت فيه شروطها أو نقدا إلا إن مضى عليه حول من حين ملكها وهي نصاب والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب.
"وسئل" رضي الله عنه بما لفظه ذكر الشيخ زكريا في شرح الروض ما حاصله أنه لو لزمه بنت مخاض فلم يجدها ولا ابن لبون في ماله ولا بالثمن فإنه يدفع قيمتها ونبه في المهمات على أن قضية ذلك أن الانتقال حينئذ إلى بنت اللبون غير واجب بل يجوز أن يعطي القيمة وعلى أن ذلك يجزئ في سائر أسنان الزكاة ا هـ فهل هذا الكلام صحيح أم لا فإنه كالصريح في أنه لا يجب الصعود والنزول وفي شرح المنهاج لابن شهبة ما يخالف ذلك حيث قال في الكلام على قول المنهاج فإن عدم بنت المخاض فابن لبون وقضية كلام المصنف أنه لا يجب الصعود والنزول وليس كذلك لكن رأيت بعد تسطير السؤال لبعض الأئمة ما لفظه ينبغي أن يكون محل ما في المهمات إذا تعذر الصعود والنزول مع الجبران لتعين القيمة حينئذ طريقا إلى براءة الذمة؟ "فأجاب" بقوله ما قاله الإسنوي صحيح وتقييده المنقول عن بعض الأئمة غير صحيح كما صرحت بهما في شرح العباب في محلين وعبارته في أولهما ولو فقد الواجب وبدله المذكور في ماله وفقده بالثمن بأن لم يجده بالشراء دفع القيمة وإن كان عنده بنت لبون أو رجا حصول الواجب على قرب كما اقتضاه كلام الشيخين وغيرهما وذلك لضرورة الفقد المعتبر عند الأداء لا غير كما يأتي وسيأتي لذلك مزيد في أول أحوال المائتين الآتية وإن وجده أي الواجب أو بدله بالثمن فهل يطالب بتحصيل الواجب وهو بنت المخاض لأنها الأصل فإن دفع ابن لبون قبل منه أو بأحدهما بأن يخير بينها وبين ابن اللبون لأنه يخير في الإخراج وجهان نقلهما الشيخان

 

ج / 1 ص -457-        والمجموع عن الماوردي ولم يرجحاهما ولا غيرهما منهما شيئا فيما علمت. والذي يتجه ترجيحه منهما الأول أخذا مما مر في أنا إذا جعلنا الشاة في خمس من الإبل أصلا أجبرناه على أدائها فإن أدى البعير قبل منه ثم رأيت بعضهم رجح التخيير والأذرعي قال يحتمل أن يقال له أد زكاتك وواجب مالك إذ لو خير ربما دفع الأدنى أو نص له على بنت المخاض ظن تعينها عليه فيتكلفها ا هـ وبه يعلم أنه كان ينبغي للمصنف التعبير ببنت المخاض لأنه الذي يقول به الوجه الأول لا بالواجب لأنه الذي بحثه الأذرعي. والحاصل أنه إن طولب بالواجب ونحوه فلا إشكال وإلا فهل ينص له على بنت المخاض أو يخير وفيه ما مر وعلى الوجهين له كما في الكفاية الصعود إلى فرض أعلى من الواجب وبدله ويأخذ الجبران ونظر فيه الزركشي بأنه لا يجوز لمن بملكه ابن لبون إخراجه عن بنت اللبون ويأخذ جبرانا ثم فرق بأنه هنا فاقد لكل منهما بخلافه ثم انتهت وعبارته في ثانيهما "فإن لم يوجد شقص لقلته أخذ منه النقد للضرورة" هذا لا يلائم ما قدمه من أنه مخير بين النقد والشقص إلا بنوع تعسف, والمجموع, وإن عبر بنظير ذلك لكنه غاير الأسلوب كما يعلم بتأمل عبارته فالأولى أن يقول تعين النقد كما عبرت به فيما مر ويحذف التعليل لما مر أنه يجوز أخذ النقد ولو مع تيسر شراء الشقص وعللوه بأنه إنما جاز دفعه مع كونه من غير جنس الواجب وتمكنه من شراء جزئه لدفع ضرر المشاركة ولأنه قد يعدل إلى غير الجنس للضرورة كفاقد شاة في خمس من الإبل وكفاقد بنت مخاض وابن لبون فإنه يدفع القيمة كما مر على أن الغرض جبران الواجب كدراهم الجبران وإليه أشاروا بتعبيرهم بالجبر. ونبه في المهمات على أن قضية ذلك أن الانتقال عند فقد بنت المخاض وابن اللبون في خمس وعشرين إلى بنت اللبون غير واجب بل يجوز أن يعطي القيمة على أن ذلك يجري في سائر أسنان الزكاة أي فمتى فقد الفرض في ماله ولم يجده بالثمن جاز إخراج قيمته وجاز له الصعود والنزول بالجبران وعدمه بشرطه وممن اعتمد ذلك الزركشي وغيره وأخذوه من قضية إطلاق الشيخين إخراج القيمة في مسألة فقد بنت المخاض وابن اللبون المذكورة وبذلك مع ما مر عن الكفاية مع تنظير الزركشي فيه وجوابه يرد على من قال يحتمل أن محله حيث لم يمكنه الصعود ولا النزول بالجبران انتهت. وبتأمل العبارتين لا سيما ما في الأولى عن الكفاية وتنظير الزركشي مع جوابه عنه وما في الثانية من أنه قد يعدل لغير الجنس للضرورة اتضح لك صحة ما قاله الإسنوي وأنه لا غبار عليه وأن تقييده بعدم إمكان الصعود والنزول غير صحيح لمنابذته لما مر عن الكفاية وللمعنى لأن فقد الواجب خيره بين بذل القيمة والصعود والنزول بشرطه وقد جريت على ذلك في شرح المنهاج أيضا وعبارته في شرح "فإن عدم بنت المخاض فابن لبون" ومر أنه إذا لم يجدها ولا ابن لبون فرق قيمتها ومحله إن لم يكن بماله سن يجزئ وأمكن الصعود إليه مع الجبران وإلا وجبت عليه على ما بحثه شارح

 

ج / 1 ص -458-        وأيده غيره بأن ابن اللبون بدل وقد ألزموه تحصيله فكذا هنا ا هـ. وفي كل من البحث والتأييد نظر ظاهر أما البحث فلأنه مخالف للمنقول في الكفاية وجرى عليه الإسنوي والزركشي وغيرهما أنه مخير بين إخراج القيمة والصعود بشرطه كما حررته في شرح العباب ويجري ذلك في سائر أسنان الزكاة فإذا فقد الواجب خير الدافع بين إخراج قيمته أو الصعود أو النزول بشرطه وأما التأييد فلوضوح الفرق بين البدل والأصل فكيف يقاس أحدهما بالآخر حتى يقال إذا ألزم بتحصيل البدل فكيف يلزم بتحصيل أصل آخر انتهت عبارة شرح المنهاج والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب.
"وسئل" نفع الله بعلومه بما لفظه قال الأئمة في زكاة النقدين لا يجزئ إخراج مكسر عن صحيح ويجزئ عكسه قال بعض أئمتنا محل ذلك في النقد الخالص كما يحمل عليه الإطلاق أما المغشوش كالسود فيجزئ المكسر عن الصحيح وعكسه ولو راج أحدهما فهل هو كذلك أم لا؟ "فأجاب" بقوله الذي يظهر كما جريت عليه في شرح العباب أن محل قولهم لا يجزئ المكسر عن الصحيح إذا نقصت قيمة المكسر كما هو الغالب فإن فرض استواؤهما اتجه الإجزاء ويؤيده جعل بعضهم عدم الإجزاء هنا معلوما من قولهم لا يجزئ الأدنى عن الأعلى فأفهم هذا أن سبب عدم إجزاء المكسر نقص قيمته لا غير وإذا تقرر ذلك اتضح فساد التقييد بالنقد الخالص وبيانه أن المكسر والصحيح إذا كانا مغشوشين اشترط أن يبلغ خالص المغشوش منهما نصابا يقينا وأن يخرج عنهما خالصا أو مغشوشا خالصه بقدر الواجب يقينا وحينئذ يكون متطوعا بالنحاس سواء في ذلك حالة الرواج وحالة عدمه, وإذا كان هذا هو الواجب فلم تبق العلة في عدم إجزاء المكسر عن الصحيح إلا ما ذكرته من نقص قيمة المكسر فإن نقصت لم يجز عن الصحيح سواء كانا مغشوشين أو خالصين أم أحدهما صحيحا والآخر خالصا, وإن لم ينقص أجزأ كذلك فلا مدخل للغش والخلوص في ذلك بوجه فتأمله.
"وسئل" نفع الله به عمن كان له دين في ذمة إنسان وحال عليه الحول وهو في بلد والغريم في بلد آخر هل يجب إخراج الزكاة في بلد الدائن أم المدين؟ "فأجاب" بقوله العبرة في هذا ببلد المدين على الأوجه وقال بعضهم يتخير في إخراجها بأي محل شاء وبينت ما فيه في شرح المنهاج.
"وسئل" نفع الله به عمن عليه دين وأعطى من الزكاة من حصة الغارمين وأخرجه في غير الدين هل تبرأ ذمة المالك أم لا؟ "فأجاب" بقوله إن اكتسب ما يفي بدينه لم يتعين عليه صرف ما أخذه فيه وإلا تعين كما حررته في شرح المنهاج هذا بالنسبة للآخذ, وأما المأخوذ منه فيبرأ بقبض الغارم, وإن لم يصرفه في دينه على احتمال فيه ذكرته ثم

 

ج / 1 ص -459-        باب زكاة الفطر
"وسئل"
رضي الله عنه عن قولهم في الفطرة أن الأب يقدم على الأم عكس النفقة وفرقوا هناك بأن الفطرة هنا لتطهير المخرج عنه وتشريفه والأب أحق بهذا قالوا وهذا الفرق منقوض بتقديمهم الولد الصغير على الأبوين وهما أشرف منه فما يكون توجيه هذا الفرق؟ "فأجاب" بقوله إني أجبت عن الإشكال المذكور في الشرح السابق ذكره وعبارته ثم أباه وإن علا ولو من قبل الأم ثم أمه كذلك عكس النفقة. قال في المجموع لأنها للحاجة والأم أحوج, وأما الفطرة فللتطهير والشرف والأب أولى بهذا فإنه منسوب إليه ويشرف بشرفه ومرادهم بأنها كالنفقة في أصل الترتيب لا كيفيته ا هـ وأبطل الإسنوي هذا الفرق بالولد الصغير فإنه يقدم هنا على الأبوين وهما أشرف منه فدل على اعتبارهم الحاجة في البابين ا هـ ويرد بأنا لا نعتبر الشرف مرجحا إلا مع الاستواء في السبب الموجب كما في الأب والأم إذ هو فيهما الولادة وهما مستويان فيها بخلاف الصغير فإنه غير مستو معهما في ذلك بل هو مقدم عليهما لأنه أحوج فلا نظر إلى الشرف وعدمه حينئذ فجزم الإسعاد وغيره بما قاله الإسنوي فيه نظر ثم رأيت الشارح أي الجوجري رد عليه بنحو ما ذكرته انتهت عبارة الشرح المذكور وهي صريحة في الجواب عما ذكر في السؤال. نعم قد يرد على فرق المجموع ما مر من أن الأب للأم مقدم على الأم مع أنه ليس منسوبا إليه ولا يشرف بشرفه كما يعلم من كلامهم في مواضع إلا أن يجاب بأن الأب للأم والأم اتحدت جهتهما وكل جهة اتحدت ذكورها أشرف من إناثها فأبو الأم أشرف منها فقدم عليها فمطلق الشرف هنا هو الذي عليه المدار, وقول المجموع فإنه منسوب إليه ويشرف بشرفه خاص بالأب حقيقة ففي فرقه قصور عن إفادة وجه تقديم أبي الأم عليها مع كونها أقرب منه وأحوج وقد علمت وجه تقديمه مما قررته والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب.
"وسئل" فسح الله في مدته في نية زكاة الفطر هل يكفي فيها أن يقتصر على نويت هذه فطرتي أو فطرة من تلزمني فطرته مثلا فقط من غير أن يضيفها إلى فرضية أو وجوب أم لا؟ "فأجاب" بقوله الذي يتجه أخذا من كلامهم إجزاء نية هذه فطرتي لأنها لا تحتمل غير الواجب الخاص فهي أولى بالإجزاء من هذه زكاتي لأن هذه إذا أجزأت مع شمولها لزكاة المال والبدن فأولى أن يجزئ هذه فطرتي لأنها لا تشمل غير المخرج عن البدن عند انقضاء رمضان إذ هي موضوعة لذلك شرعا فلا إيهام فيها بوجه والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب.
"وسئل" نفع الله به هل يجب فطرة العبد الموقوف؟ "فأجاب" بقوله لا تجب, وإن وقف على معين لأنه غير مالك له.
"وسئل" نفع الله به قالوا في زكاة الفطر يقدم أباه ثم أمه وعكسوا في النفقات وفرق في

 

ج / 1 ص -460-        المجموع بأن النفقة إنما وجبت للحاجة والأم أحوج والفطرة إنما وجبت للتطهير والشرف والأب أولى بذلك لأن بشرفه يشرف الابن ونقضه الإسنوي بتقديم الابن الصغير على الأب فهل يمكن الجواب عنه أو لا؟ "فأجاب" بقوله يمكن أن يقال في الجواب عنه إنما نظروا لذلك بين الأب والأم دون الابن الصغير والأب لأن كلا من الأولين مع عجزه محتاج إلى التطهير لكن احتياج الأب إليه أشد لما ذكر في السؤال فقدم على الأم, وأما الولد الصغير فلم يشارك الأب في الاحتياج للتطهير الذي هو من جنس ما يحتاج إليه الأب بل شاركه في العجز فقط ولكنه محتاج إليه أكثر فقدم على الأب لذلك كما يدل له تعليل الأصحاب.
"سئل" رضي الله عنه عن رجلين بينهما طعام مشترك وهو ثمانية أمداد أو أكثر يجزئ في الفطرة فنوياه فطرة وفرقاه من غير أن يفرز كل منهما ما يخصه هل يجزئهما ذلك في الفطرة أو لا؟ "فأجاب" بقوله نعم يجزئهما ذلك كما يصرح به كلامهم في زكاة المال والفطرة في فروع منها ما لو كان لثلاثة ثلاثة أعبد وفي قسمة الزكوات في جمع جماعة لفطرتهم وقسمتها على المستحقين وفي الكفارة فيما لو دفع الستين صاعا مشاعا إلى ستين مسكينا وقال ملكتكم هذا وأطلق أو قال بالسوية فقبلوه وفي الأضحية فيما لو اشترك السبعة في بدنة أو بقرة. فإن قلت صرحوا بأنه لا يجوز اشتراك اثنين في شاتين ليقع عن كل نصفها قلت ذاك إنما خرج عما نحن فيه لمعنى هو أن القصد من التضحية فداء النفس والشارع في الشاة لم يجعل الفداء إلا كاملا فلو جازت الشركة فيها كما ذكر لم يقع عن كل إلا نصف من كل فلم تقع عنه شاة كاملة ولا إراقة دم مستقل فامتنع لمخالفته للمقصود من التضحية بالشاة بخلاف التضحية بالبدنة أو البقرة فإن الشارع جعل كل سبع قائما مقام شاة مستقلة وهو لا يكون إلا مشاعا فإن قلت الإشاعة ضرورية هنا إذ لا يمكن خلافها كما تقرر فلذا جازت بخلافها في مسألة الزكاة فإنها ليست ضرورية قلت لا نسلم أنها ضرورية كيف وقصر الجواز على التضحية بالبدنة أو البقرة عن واحد فقط لا محذور فيه ولا نوع مشقة. على أنه لا مشقة مع تجويز الاقتصار على الشاة فعلمنا أن الملحظ ليس هو ضرورة الإشاعة بل عدم محذور في الإشاعة, وإذا لم يكن فيها محذور هنا فكذا في مسألة السؤال.

باب صدقة التطوع.
"وسئل" نفع الله بعلومه عمن تصدق على سائل ملح في سؤاله مع أنه لو ترك الحاجة لما أعطاه وكان يرجو خلاصه منه ونوى عند التصدق وجه الله تعالى هل يكون له ثواب أو لا ولو تصدق على فقير لفقره أو لقصده إياه دون غيره من غير إحضار نية وجه الله تعالى

 

ج / 1 ص -461-        هل يكون له في ذلك أجر أو لا؟ "فأجاب" بقوله الذي حررته في حاشيتي على مناسك النووي رحمه الله الكبرى عند الكلام على قول الشافعي رضي الله عنه وأصحابه رحمهم الله كما نقله النووي رحمه الله في مجموعه لو حج بنية الحج والتجارة كان له ثواب دون ثواب المتخلي عن التجارة أن الذي دل عليه قوله تعالى: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ} [الزلزلة:7] أن المعتمد في هذه المسألة خلاف ما جرى عليه الغزالي وابن عبد السلام في اجتماع نية الطهر ونحو التبرد من أن كل من عمل طاعة وشرك معها مباحا لم يكن ذلك التشريك محبطا لثوابها من أصله بل له ثواب بقدر قصده الطاعة لكنه دون ثواب من لم يشرك, وقوله صلى الله عليه وسلم عن الله تعالى: "من عمل عملا أشرك فيه غيري فأنا منه بريء" هو للذي أشرك يحمل ليوافق الآية على من راءى بعمله والرياء محبط للعمل إجماعا لأنه فعل مفسق لصاحبه يخرج العمل عن كونه طاعة وقربة من أصله لمنافاته لها من كل وجه فلم يمكن مجامعة الثواب له. وأما ضم قصد مباح إلى العمل فهو لا ينافيه فأثيب على قصده الطاعة بقدر قصده, وإن ضعف لأن قصده إياها قربة ولم ينضم إليها ما يقتضي إسقاطها فلم يحرم ثوابها إذا تقرر ذلك فمتى قصد المتصدق بإعطائه الفقير وجه الله ومنعه من الإلحاح المضر للناس فهذا لا شك في ثوابه أتم الثواب وأكمله لأنه قصد طاعتين وصول بر إليه ومنعه من معصية الإيذاء أو الإضرار, وإن قصد مع الأول منعه من الإلحاح المضر له بخصوصه كما ذكره السائل فكذلك لأن ذلك لا ينافي القربة والصدقة لكن ثوابه دون ثواب الأول؛ لأن العوض في الأول تعود منفعته على الغير وفي الثاني على النفس فربما يقصد حظها والظاهر إثابته أيضا في المسألة الأخيرة؛ لأن الشرط عدم الصارف لا نية القربة كما دل عليه قول السبكي والزركشي وغيرهما أخذا من كلام النووي رحمه الله وغيره في حد الأصحاب الصدقة بأنها تمليك محتاج على وجه القربة لا نعتبر الحاجة قيدا بل كونها لمحتاج هو أظهر أنواعها الغالب منه فلا مفهوم له. قالوا وتمليك المحتاج لا مع استحضار الثواب صدقة أيضا فالشرط إما الحاجة أو قصد الثواب وتمليك الغني لا بقصد القربة والثواب إما هبة أو هدية.
....................
تم الجزء الأول من فتاوى ابن حجر الفقهية الكبرى ويليه الجزء الثاني وأوله: كتاب الصوم.