الفتاوى الكبرى الفقهية على مذهب الإمام الشافعي

ج / 4 ص -3- كتاب النكاح
وسئل رضي الله تعالى عنه في رجل ألف كتابا وسماه بالنكت الظراف فيمن ابتلي بالعاهات من الأشراف وذكر فيه جماعة من أهل عصره بأن قال فلان أقرع وفلان أصلع وفلان أعرج وفلان أبرص وفلان أعمى وأفرد لكل نوع من ذلك بابا واستطرد إلى أن ذكر جمعا من الصحابة رضي الله تعالى عنهم أجمعين بنحو الصلع وعزاه لناقله زاعما أن هذا المؤلف موعظة هذا مضمون مؤلفه من غير زيادة فهل ذلك من الغيبة المحرمة إذ ليس ثم ضرورة شرعية تبيح ذكر شيء من ذلك أو لا وماذا يلزم مؤلفه بتعرضه لمثل ذلك وهل يتعين تقطيع المؤلف المذكور لحصول التأذي ببقائه وانتشاره أم لا؟. فأجاب رضي الله تعالى عنه بقوله نعم ما ذكر من الغيبة المحرمة إذ الذي أجمعت عليه الأمة ونص عليه النبي صلى الله عليه وسلم أنها ذكرك غيرك بما يكرهه لو بلغه سواء أكان في بدنه كطويل أعمش أعور أقرع أسود أصفر أو نسبه أو خلقه أو فعله ككثير الأكل أو ملبسه كواسع الكم أو ولده أو زوجته أو مملوكه أو دابته أو داره كضيقة سواء ذكر شيء من ذلك باللسان أم بغيره كالكتابة فإن القلم أحد اللسانين وكالإيماء قال النووي بلا خلاف قال الغزالي وكذا بالقلب قالا كغيرهما ويستثنى مما ذكر مساءة الغير لغرض صحيح في الشرع لا يمكن التوصل إليه إلا به وهو ستة أمور التظلم والاستعانة على تغيير المنكر والاستفتاء والتحذير من الشر كجرح الرواة والتجاهر بالفسق والسادس أن يعرف إنسان بلقب يعرف عن عينه كالأعرج والأعمش فقد فعل العلماء ذلك لضرورة التعريف ولأن ذلك صار بحيث لا يكرهه صاحبه لو علمه بعد أن صار مشهورا به ومن ثم جاز ذكره به لا بقصد التنقيص وإن أمكن الاستغناء عنه وبما تقرر علم أن الغيبة لا تجوز إلا في هذه الأنواع الستة دون غيرها ومن ثم اعترض على الأنوار في زيادته عليها.
سابعا وهو النصيحة العامة كجرح الرواة بأن هذا داخل في التحذير وأن ما فعله هذا المؤلف من الغيبة المحرمة لأنه ذكر مساءة الغير لغير غرض صحيح في الشرع إذ ليس هو من أحد الأنواع الستة المذكورة كما هو ظاهر في غير الأخير ما مر فيه وذلك الشرط مفقود هنا لأن هذا المؤلف لم يقتصر على عيوب اشتهر بها

 

ج / 4 ص -4- أصحابها بل ذكر ما لم يعرف إلا من جهة مؤلفه فكان حراما إجماعا وزعمه أنه قصد بذكر تلك العاهات الموعظة زعم باطل إذ لم يقل أحد فيما علمت أن من مسوغات الغيبة ذكر مساوئ الناس ليتعظ بذكرها غيرهم فإن ذكر أن هذا من الأسباب المبيحة لها عرف الصواب فإن لم يرجع عنه وإلا عزر عليه التعزير البليغ بل ربما يجره اعتقاد حلها لذلك إلى أمر صعب على أن ذلك لا وعظ فيه وإنما هو من تسويل الشيطان وتزيينه القبيح حتى يظنه الجاهل الأحمق حسنا فيدخل في حيز الذم الأعظم المستفاد من قوله تعالى: {أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً} [فاطر: 8]، ولو تأمل قوله تعالى: {وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ} [النساء: 83]، لرد هذا الأمر قبل التأليف فيه إلى أئمة الشرع وفعل بقضية ما يأمرونه به لكن الاستبداد بالأمور الصعبة ربما أنبأ عن فساد الطوية وغلبة التعصب للباطل فعلى هذا المؤلف الرجوع عن هذا الأسلوب القبيح من التعرض لأعراض المسلمين بالثلب وليس له أن يحتج ويقول سبقت بذكر ذلك، ولولا أن المؤرخين نقلوه إلينا لما عرفناه فلنا بهم أسوة في ذلك لأنا نقول له هل سبقت بهذا الاختراع القبيح ومن الذي سبقك لذلك هل هو ممن يقتدى بقوله وفعله كأحمد وابن معين وأبي زرعة الرازي وأضرابهم ومن سبقهم أو تأخر عنهم من الأئمة أو من لا يعبأ به ولا يلتفت لأقواله ولا لأفعاله فإن كان الأول فعليك بيانه وإن كان الثاني فلا يبالي الله سبحانه وتعالى بكما في أي واد هلكتما ولقد وقع في عصر مشايخ مشايخنا استفتاء طويل في المؤرخين والذي آل إليه أجوبة محققيهم أنه لا يجوز للمؤرخ أن يذكر من المساوئ إلا ما يقدح في العدالة لبيان الجرح وأما ما عدا ذلك من المساوئ التي لا تعلق لها بالجرح ولا يترتب عليها فائدة دينية فذكرها غيبة شديدة التحريم مفسق إن كان في أهل العلم وقراء القرآن بل وكذا في كل أحد لغير مسوغ على ما قاله القرطبي ونقل فيه الإجماع ويدل لذلك ما في شرح المهذب عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما من آذى فقيها فقد آذى رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن آذى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد آذى الله تعالى فينبغي لهذا المؤلف أن يتأمل ذلك ويرجع عن هذا التأليف بمحوه ويتوب إلى الله سبحانه وتعالى عما فرط منه من إيذاء الأموات والأحياء سيما أكابر هذه الأمة وليتأمل إن وفق عظيم أدب إمامنا الشافعي رضي الله تعالى عنه مع فاطمة الزهراء رضي الله تعالى عنها حيث كنى عن اسمها ولم يصرح به مبالغة في التأدب معها ونصه كما في التوشيح عنه وقطع رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة لها شرف فتكلم فيها فقال: "لو سرقت فلانة لامرأة شريفة لقطعت يدها" إلى تعبيره بفلانة دون فاطمة تأدبا معها أن يذكرها في هذا المعرض وإن كان أبوها صلى الله عليه وسلم قد ذكرها باسمها ولو تأمل هذا المؤلف عظيم المبالغة من أدب الشافعي رضي الله تعالى عنه في هذا المقام لعلم أن ما سلكه أمر لا يخلص من ورطة قبحه وشناعة موقعه في حق الصحابة رضي الله تعالى عنهم وحمله الناس على ذكرهم بذلك الأمر الشنيع على طول الزمان لأصحاب نبيهم إلا بأن يخلص التوبة.

 

ج / 4 ص -5- ويرجع عن هذا المؤلف رجاء لعفو الله سبحانه وتعالى عنه وليحذر من أن يصر على اعتقاد أن في ذلك موعظة فإنه لا موعظة فيه ألبتة وأي موعظة في فلان الميت أعور وفلان الموجود أبرص إلى غير ذلك من ذكر ما يؤذي الأحياء والأموات على أنه لو تنزل معه وقيل فرضنا صحة اعتقادك الفاسد أن فيه موعظة لكن فيه مفاسد لا تحصى ومن الذي جوز النظر إلى مصلحة موهومة منازع في وجودها بل الحق عدمها والإعراض عن النظر إلى مفاسد محققة لا يقول بذلك إلا جاهل بالكتاب والسنة وإجماع الأمة فإن قال لا يشنع علي بما ذكرته في الصحابي لأني ناقله ولأنهم لا يكرهونه لزوال رعونات نفوسهم المسبب عنها كراهة ذلك قلنا له الشناعة لازمة لك على كل تقدير لأنك اقتديت في نقل ذلك بمن لا يقتدى به ولأن من نقله لم يسقه مساقك بل ساقه مساقا آخر أخرجه عن أن يلحق من ذكره عنه عار بسببه وأما أنت فقد سقته مساقا حاملا للعامة على التعيير به فكنت منتقصا للصحابة ومتسببا لانتقاصهم فعليك وزر من عمل بذلك إلى يوم القيامة وأما زعمك أنهم لا يكرهون ذلك فزعم باطل لأن كراهته من الأمور المتعلقة بالطبع التي لا مدخل للرعونة فيها نفيا ولا إثباتا والحاصل أن هذا المؤلف إن تاب وأعدم ذلك المصنف فلا كلام لأحد عليه بعد الآن وقبله الأمر في تعزيره للحاكم وإن أبرم وصمم وعاند ولم يمتثل لأئمة الشرع وحكامه فعليهم وعلى ولي الأمر أيد الله سبحانه وتعالى به الدين وقصم بسيف عدله الطغاة والمتمردين زجره عن ذلك بما يرونه مما يليق إلى أن يظهر لهم توبته وعليهم أيضا إفساد تلك القبائح التي اشتمل عليها ذلك المؤلف بمحوها منه بل ولهم تقطيعه أخذا مما أفتى به الجلال السيوطي من أن من بنى دارا برسم الفساد هدمت كما أشار إليه الغزالي وغيره وصرح به جمع من بقية المذاهب فإن قلت كيف أطلقت التعزير ونصوص الشارع وأئمة المذاهب قاضية بإقالة ذوي الهيئات عثراتهم قلت محل ذلك في الصغيرة كما قاله بعض المتأخرين والمؤلف المذكور اشتمل على كبيرة بل كبائر تاب الله سبحانه وتعالى علي وعلى مؤلفه بمنه وكرمه آمين، والله سبحانه وتعالى أعلم.
"وسئل" في حرة ملكت من عبد بعضه هل له الخلوة بها والرؤية والمسافرة كما لو ملكته كله أو لا؟ "فأجاب" بقوله لا بد في حل النظر من القن لسيدته وعكسه من ملكها لجميعه وإلا امتنع كالخلوة وغيرها.
وسئل عن امرأة هلكت وخلفت ابنا وابن ابن وأخا وأبا وعتيقة هل ينتقل الولاء بعد الابن وابنه للأخ والأب فأجاب بقوله: ينتقل الولاء بعد الابن ثم ابنه للأب لا للأخ كما صرحوا به حيث قالوا ويزوج عتيقة المرأة في حياتها بإذن العتيقة من يزوج المعتقة وإن لم ترض فلا يزوجها ابن المعتقة نعم لو كانت كافرة والمعتقة مسلمة ووليها كافر زوج العتيقة وإن لم تكن له ولاية على المعتقة ولو كانت مسلمة والمعتقة كافرة ووليها كافر لم يزوج

 

ج / 4 ص -6- العتيقة وإن كان له ولاية على المعتقة ويزوج عتيقتها بعد موتها ابنها ثم ابنه ثم أبوها على ترتيب عصبة الولاء وتبعية الولاية على معتقها انقطعت بالموت، والله سبحانه وتعالى أعلم.
"وسئل" عن عتيقة أبي الابن الصغير هل يزوجها الحاكم أو أقرب عصبة أبي الابن؟. فأجاب بأن الذي يقتضيه كلام كثيرين أن الصبا ينقل الولاية في باب الولاء إلى الأبعد أيضا ومن ثم قلت في شرح الإرشاد بل تكون الولاية للأبعد ولو في باب الولاء حتى لو أعتق شخص أمة ومات عن ابن صغير أو فاسق مثلا كانت الولاية للأخ لا للقاضي كما جرى عليه العمراني تفقها أي حيث قال لا أعلم في هذه نصا والذي يقتضيه المذهب أن الولاية للأخ لأن ولاية الولاء فرع ولاية النسب اهـ. واعتمده البلقيني والسبكي وغيرهما ونقله القمولي عن العراقيين قول الأذرعي في القوت عن القاضي وغيره أنها للقاضي مبني على ضعيف وإن نص عليه فيما لو مات المعتق عن ابن صغير وأب أنه لا ولاية للأب فلا يزوج وإنما يزوج الحاكم وإنما كان هذا النص ضعيفا لقول البلقيني أن لنا نصوصا تدل على أن الولاية للأبعد وهو الصواب اهـ. فعلم أن المعتمد في صورة السؤال أن الولاية تنتقل إلى أقرب عصبة إلى الابن لا إلى الحاكم، والله سبحانه وتعالى أعلم.
"وسئل" عما لو كان الولي في نكاح امرأة هو الزوج وانفرد فهل تنتقل ولاية التزويج لمن بعده من العصبات أو يزوج القاضي؟ "فأجاب" بأن الذي يزوجه إنما هو القاضي دون من بعده من العصبات لبقاء ولايته وإنما قام به مانع هو عدم إمكان توليه الطرفين لأنه من خصوصيات الجد أبي الأب وحيث كانت الولاية ثابتة للقريب وإنما قام به مانع منها كانت للقاضي بخلاف ما إذا قام به مانع فإنها تنتقل لمن بعده من العصبات، والله سبحانه وتعالى أعلم.
"وسئل" عما لو قالت زوجني فإنه كفء لي هل للقاضي تزويجها بقولها أو يجب عليه البحث إذا لم يعلم بذلك إلا منها؟ "فأجاب" بأن الذي يظهر أنه لا يجيبها إلى ذلك إلا إن أثبت أنه كفء لها أخذا من قول الشيخين وغيرهما لو جاء جماعة في أيديهم دار مشتركة ولا منازع لهم وهم متفقون على أنها بينهم لهم وطلبوا منه قسمتها لم يجابوا حتى يقيموا عنده بينة بأنها ملكهم لأنها قد تكون في أيديهم بإجارة أو إعارة فإذا قسمها بينهم فقد يدعون الملك محتجين بقسمة القاضي واعترض ابن سريج على إجابته لهم إذا أثبتوا عنده الملك بأن البينة إنما تقام وتسمع على خصم ولا خصم وأجاب ابن أبي هريرة بأن القسمة تتضمن الحكم لهم بالملك وقد يكون لهم خصم غائب فتسمع البينة ليحكم لهم عليه قال ابن الرفعة وفي الجواب نظر اهـ. وإنما القصد به تقوية ما دلت عليه اليد من ثبوت الملك لهم لأن الصحيح أن تصرف القاضي بعد المرافعة إليه حكم فاحتيج إلى استناده إلى أمر أقوى من مجرد اليد فلزمه أن يطلب منهم ذلك وهو البينة التي تشهد لهم بالملك ليكون

 

ج / 4 ص -7- حكمه مستندا إليها وكون البينة إنما تقام وتسمع على خصم إنما هو الغالب فإذا علمت ذلك في هذه المسألة فكذا يقال بنظيره في مسألتنا فإنها إذا طلبت منه أن يزوجها من شخص معين كان تزويجه حكما بصحة النكاح والحكم بصحته يتوقف على وجود الكفاءة وهو لا يثبت بقولها فاحتيج إلى إقامتها البينة عنده أنه كفء لها حتى يكون حكمه مستندا إلى ذلك كما تقرر في المسألة المقيس عليها ويأتي هنا ما مر من الأشكال والجواب وقول السائل أن ذلك أي كفاءة الزوج وعدمه لا يعلم إلا منها فممنوع كما هو جلي بل علم ذلك لا يتصور إسناده إلى قولها بل إلى قول غيرها بشرطه ومثل ما لا يعلم إلا منها دعواها وهي بالغة البكارة فيقبل قولها بلا يمين ولا يكشف عن حالها قالوا ولا يكشف عن حالها لأنها أعلم به.
"وسئل" عما إذا أراد شخص تزويج من له ولاية التزويج عليها والشهود لم يعرفوها أو عرفوها بإعلام الناس لا بالنظر إليها فما حكم ذلك؟ "فأجاب" بأن الإشهاد على رضا المرأة حيث يعتبر رضاها لا يشترط وإنما هو مندوب فقط وإن كان العاقد الحاكم كما شمله كلامهم وبه أفتى القاضي والبغوي وقول البلقيني كابن عبد السلام لا يزوجها الحاكم حتى يثبت عنده إذنها لأنه يلي ذلك بجهة الحكم فيجب ظهور مستنده مبني على أن تصرف الحاكم حكم وقد اضطرب فيه كلام الشيخين وصحح السبكي وفاقا للقاضي أبي الطيب أنه ليس بحكم اهـ. ومحله في تصرف مبتدأ أما تصرفه بعد الرفع إليه في شيء فهو حكم إذا عرفت ذلك ظهر لك أن الإشهاد ليس شرطا لصحة النكاح وأنه يصح بدونه فحينئذ لا فرق بين رؤية الشهود وعدم رؤيتهم لها نعم إن قيل بأن الإشهاد شرط فلا بد فيه من رؤية العدلين لها لكن العمل على أنه يكفي تعريف عدلين أو عدل لها باسمها ونسبها، والله سبحانه وتعالى أعلم.
"وسئل" عما إذا وكل المجبر بتزويج بنته أو بنت ابنه ثم غاب غيبة بعيدة قبل العقد فهل يزوج الوكيل أو القاضي؟ "فأجاب" بأن الذي يزوج هو الوكيل دون القاضي وما وقع في تحرير أبي زرعة في القضاء على الغائب مما يخالف ذلك مبني على الضعيف وهو أن القاضي يزوج بالولاية لا بالنيابة والأصح أنه يزوج بنيابة اقتضتها الولاية كما بينته في شرح الإرشاد حيث قلت هل يزوج السلطان بالولاية العامة أو بالنيابة الشرعية وجهان وبعض الفروع يقتضي ترجيح الأول وبعضها يقتضي ترجيح الثاني لكن فروع الأول أكثر ومن ثم رجحه البغوي وكلام القاضي وغيره يقتضيه فيما إذا زوج في غيبة الولي فمن ذلك تزويجه مولية الرجل منه فإنه لو أراد نكاح من غاب وليها زوجها أحد نوابه أو قاض آخر ولو كان بالنيابة لم يجز ذلك ومن فروع الثاني عدم صحة تزويجه بغير الكفء وإن رضيت وتقديم الحاضر فيما لو كان لها وليان والأقرب غائب ولو كان بالولاية لصح النكاح في الأولى

 

ج / 4 ص -8- وقدم عليه الحاضر في الثانية ولو قيل أنه في الغيبة ونحوها يزوج بنيابة اقتضتها الولاية وعند عدم الولي يزوج بالولاية لكان متجها ثم رأيت الإمام ذكر بعض ذلك حيث صحح فيما إذا زوج للغيبة أنه بنيابة اقتضتها الولاية وكلامه محتمل عند عدم الولي والأوجه فيه ما ذكرته انتهت عبارة الشرح المذكور، والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب.
"وسئل" هل يجوز تزويج أمة اليتيم بعبده؟ "فأجاب" لا يجوز تزويج عبد المحجور لا بأمته ولا بغيرها وأما أمته فيزوجها أبوه وجده بالمصلحة، والله سبحانه وتعالى أعلم.
"وسئل" إذا أراد أن يتزوج ثانية فهل يستحب للعاقد وعظه بأن لا يظلم إحداهما وما هو من الوعظ أوجز وأنفع في ذلك؟ "فأجاب" بقوله نعم يستحب للعاقد ذلك كما شمله استحبابهم تقديم الخطبة على الخطبة وعلى العقد قالوا ومن جملة تلك الخطبة الوصية بالتقوى ومما يصرح بذلك أيضا قولهم يسن للولي أن يقدم على العقد أزوجك هذه أو زوجتكها على أمر الله تعالى به من إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان ومن جملة الإمساك بالمعروف أن لا يظلم إحداهما إذا تقرر ذلك علم أنه يكفي في هذه السنة قوله أزوجكها على ما أمر الله تعالى به إلخ وأن هذا أوجز وأنفع في الوعظ لأن فيه تنبيها على ما أمر الله سبحانه وتعالى بذلك وعلى أنه معروف والمعروف لا ينبغي لذي مروءة أو دين أن يعدل عنه وعلى أن الله سبحانه وتعالى سهل ذلك على هذه الأمة حيث لم يوجبه عليهم عينا بل خيرهم بين هذا المعروف وتركه بقوله أو تسريح بإحسان وعلى أن الإنسان ينبغي له أن يتحرى الخير في كل من أحواله لأنه أمر بالإمساك بالمعروف أو التسريح بالإحسان وكل من المعروف والإحسان خير، والله سبحانه وتعالى أعلم.
"وسئل" في امرأة أذنت لقاض وهي في محل ولايته بتزويجها فهل يجوز لمن لم يعرف اسمها ونسبها إلا منها أن يخبر القاضي بذلك وهل يجوز للقاضي أن يزوجها بهذا الخبر والحال أنها غائبة عن مجلسه أو لا فكيف الطريق في تزويجها إذا تعذر حضورها عنده ليشير إليها وهل تكفي الإشارة إليها في تزويجها إذا حضرت وهي منتقبة أو كانت في قطعة من بيت وحدها وقال زوجتك المرأة التي في هذا البيت؟ "فأجاب" بقوله لا يجوز للشاهد أن يعتمد في الاسم والنسب على ذكر المشهود عليه فلا يشهد على امرأة في غيبتها بهما ولا يخبر القاضي بذلك أولا ليزوجها في غيبتها معتمدا عليهما بل لا بد من حضورها في مجلسه حتى يشير إليها فإن تعذر أو تعسر حضورها مجلسه أرسل إليها نائبه ليزوجها مشيرا إليها وتكفي الإشارة إليها وإن كانت منتقبة أو في بيت وحدها كأن يقول زوجتك هذه التي في هذا البيت وما ذكرته من أنه تكفي الإشارة إلى المنتقبة هو ما عليه العراقيون بل الأصحاب كما قاله الأذرعي فإنهم أطلقوا الصحة فيما إذا قال زوجتك هذه من غير فرق بين المنتقبة وغيرها وقضية إطلاقهم هذا أيضا أنه لا يشترط علم الشهود حينئذ بكون

 

ج / 4 ص -9- المنكوحة بنتا للولي أو أخته أو أمته أو غير ذلك ووجه ذلك الزركشي وابن العماد بأن النكاح كما لا يشترط فيه الرؤية كذلك لا يشترط فيه الوصف والنسبة وخالف في ذلك المتولي فقال وطريق العلم إما بالنسب والاسم أو بالمعاينة فلو قال زوجتك هذه منتقبة أو وهي وراء ستر والزوج لا يعرفها بوجهها ولا ذكر اسمها لم يصح لأنها مجهولة وعلامته أنه لو رآها مع غيرها لم يمكنه التمييز وأيضا فإنه لا يصح تحمل الشهادة عليها إلا بعد أن يعرفها بالاسم والنسب أو بالمشاهدة فدل على أن العلم لا يحصل إلا بأحد هذين الطريقين اهـ.. وفي فتاوى البغوي لو جاءا لقاض فقالا إن فلانة بنت فلان أذنت لك في تزويجها من فلان بن فلان والقاضي لا يعرفها ويعرفها الخاطب والشهود فزوج صح بعد ذكر نسبها فلو جاء فقيه لقاض فقال له ائذن لي في تزويج امرأة في محلتي والقاضي لا يعرفها فإن ذكر الفقيه اسمها ونسبها فأذن له جاز اهـ. ويؤيد ما قاله المتولي قول الرافعي في الشهادات ورد على القفال من القاضي ليزوج فلانة من خاطبها أحمد بن عبد الله وكان الخاطب جاره فقال له إنما أعرفك بأحمد بن هبة الله لا بأحمد بن عبد الله فلم يزوجها منه ووجه امتناعه أن تعيين الزوج شرط فلا بد أن يثبت عند العاقد أن هذا الخاطب هو أحمد بن عبد الله حتى يكون هو الذي أذن القاضي في تزويجه وجمع الأذرعي بين ما أطلقوه من الصحة وبين ما فصله المتولي من أنها إن كانت مسافرة صح وإلا فلا بأن ما أطلقوه محله إذا كان المزوج الأب أو نحوه ممن يعلم نسبه منها فتصير معلومة النسب عند الزوج وما قيده محله فيما إذا كان المزوج لا يعلم نسبه منها كالقاضي. ونقل ذلك عن أشعار كلام كثيرين ولم يرتض ابن العماد تفصيل المتولي فإنه عقبه بإطلاق جمع الصحة ثم قال: وهو يقتضي أنه لا يشترط علم الزوج بكون المنكوحة بنتا للولي مثلا وأنه لو قال زوجتك ابنتي هذه صح قطعا قال ومن أطلق الصحة نظر إلى أن النكاح كما لا يشترط فيه الرؤية لا يشترط فيه الوصف والنسب ثم جعل كلام المتولي أحوط ثم أفسده بصحة تزويج الأعمى مع كونه لا يمكنه الرؤية قال لكن له أي المتولي أن يلتزم عدم الصحة فيما إذا قال للأعمى زوجتك هذه الحاضرة أو التي في الدار إذا لم ينسبها وجرى في الخادم على الجمع السابق عن شيخه الأذرعي بين إطلاقهم وتفصيل المتولي ثم وجه إطلاقهم بما مر عنه أيضا ثم جرى على ما مر عن ابن العماد من أن مقالة المتولي أحوط وأنها منقوضة بالأعمى وأن له أن يلتزم ما مر ثم ذكر قول الجرجاني الصريح في الصحة مطلقا وهو لا بد أن يميزها بالإشارة مع حضورها فإن ذكر مع ذلك اسمها وصفتها كان تأكيدا لأن الإشارة إلى عين المعقود تغني عن اسمه وصفته كبيع الحاضر قال الزركشي وابن العماد ومحل الاكتفاء بالإشارة أو نحو الاسم في المجبر ففي غيره لا بد من ذكر صفتها ورفع نسبها إلى أن ينتفي الاشتراك فإن ذكر اسم أبيها وحده ولا مشارك له في البلد صح وإلا لم يصح لعدم التمييز زاد ابن العماد ولا يشترط معرفة الشهود للمرأة ولا أنها بنت المزوج مثلا لكن لا

 

ج / 4 ص -10-          يشهدون بأنها بنته بل بصورة العقد كما في فتاوى القاضي والحاصل أن الأصحاب أطلقوا في مسألتنا الصحة وأن تفصيل المتولي إما ضعيف وهو الأقرب أو محمول على ما مر عن الأذرعي والزركشي، والله سبحانه وتعالى أعلم.
"وسئل" رضي الله تعالى عنه إذا كان فسق الولي بترك الصلاة فهل له أن يزوج موليته أم لا وإذا كان فسق القاضي بغير فسق الولي فمن له الولاية منهما وإذا كثر الفسق بترك الصلاة فهل ينعقد النكاح بحضرة شاهدين؟ "فأجاب" بقوله لا يجوز أن يزوج تارك الصلاة موليته لفسقه فتنتقل الولاية للأبعد ثم للقاضي مطلقا لكن اختار النووي كابن الصلاح ما أفتى به الغزالي من بقائها للولي إذا كانت تنتقل إلى حاكم فاسق بما لا ينعزل به ولا ينعقد النكاح بحضرة فاسق بترك الصلاة أو بغير ذلك من سائر أنواع الفسق وإنما غاية الأمر أنه لكثرة وقوعه وتعسر وجود العدالة الباطنة والظاهرة في شهوده اكتفي فيه بالمستورين والمستور هو من عرف ظاهره بالخير والتصون ولم يعرف باطنه بالتزكية عند القاضي، والله سبحانه وتعالى أعلم.
وسئل زوج بنفسه أو وكيله موليته وهي بكر بالغ بدون مهر المثل أو بمهر مثل مؤجل على معسر غير كفء لها هل هذا العقد صحيح أو لا وما الحكم إذا عقد الحاكم الشرعي عند غيبة الولي بالبنت البكر البالغ على شخص بالأوصاف المذكورة هل هو صحيح أو لا وإذا عقد الولي أو الحاكم لامرأة بالغة ثيبة رشيدة على شخص غير كفء بدون مهر المثل أو به على معسر بإذنها ورضاها هل هذا صحيح أم لا وإذا كان لها أولياء في درجة واحدة وأراد أحدهم أن يعقد بها على نفسه من يعقد بها الحاكم الشرعي أو بعض الأولياء برضاهم ورضاها سواء أكانت بكرا بالغا أو ثيبا أم لا وهل يكون حكم المرأة الثيب السفيهة كالبكر إذا عقد بها على الأوصاف المذكورة أم لا؟ فأجاب تزويج المجبر أو غيره معسرا بمهر المثل أو غير كفء من غير رضا المرأة أو مع صغرها باطل فإن دخل بها لزمه مهر المثل وعقد الحاكم بغير كفء باطل وكذا بمعسر إلا إن رضيت به من يعتبر رضاها ويزوج الولي كابن العم مساوية في درجته فإن لم يوجد فالحاكم هذا كله في بالغة بكر أو ثيب رشيدة أو سفيهة أذنت، والله سبحانه وتعالى أعلم.
"وسئل" أفتى جمع بامتناع تزويج المجبر بنته الصغيرة من تارك الصلاة فهل هو كذلك؟ "فأجاب" بقوله نعم هو كذلك حيث فسق بالترك ولو بصلاة واحدة لأنه غير كفء لها لفسقه وعفتها إذ القلم مرفوع عنها نعم لو تاب الزوج الفاسق توبة صحيحة فالوجه خلافا لما في الخادم أنه يأتي فيه ما لو تاب الولي الفاسق هل يزوج في الحال أو لا والأصح أنه يزوج في الحال والكلام في فسق بغير ترك الصلاة وإلا فشرط صحة التوبة منه قضاء ما عليه، والله سبحانه وتعالى أعلم.

 

ج / 4 ص -11-          "وسئل" في رجل جامع زوجته متفكرا في محاسن أجنبية فهل يحرم؟ "فأجاب" بقوله الذي أفتى به أبو القاسم بن البزري بأنه لا يحل وقد بسط الكلام على ذلك في ترجمته ابن السبكي في طبقاته ورجح عدم التأثيم لحديث "إن الله تجاوز لي عن أمتي ما حدثت به أنفسها ما لم تتكلم أو تعمل به" أي بالعمل الذي عزم عليه وهذا لم يعمل بما عزم عليه اهـ. ويؤيد التحريم قول القاضي في الصوم من تعليقه كما لا يحل النظر لما لا يحل له يحرم التفكر فيه لقوله تعالى {وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ} [البقر: 267]، فمنع من التيمم مما لا يحل كما منع من النظر إلى ما لا يحل، والله سبحانه وتعالى أعلم.
"وسئل" دلت القرائن في إذن امرأة لوليها أن يزوجها على شدة شبقها فزوجها بطفل كفء لا يمكن وطؤه فهل يصح؟ "فأجاب" بقوله صريح ما في الخادم عن النص في مبحث ما لو زوج المجبر الصغير أو الصغيرة بنحو أعمى عدم الصحة في مسألتنا وجزم به بعضهم لأن الولي عند الإذن المطلق يلزمه مراعاة المصلحة ولا مصلحة لها عند التوقان في تزويج الطفل وهو ظاهر مدركا لا نقلا، والله سبحانه وتعالى أعلم.
"وسئل" اعترف الولي بأن بين الخاطب والمخطوبة رضاعا محرما فهل يزوجها القاضي أو الأبعد؟ "فأجاب" بقوله القياس كما قاله بعضهم أن الذي يزوجها هو القاضي لبقاء ولاية الولي فهو كالعاضل.
"وسئل" عن امرأة أذنت لوليها أن يزوجها ولم تعين أحدا فزوجها من طفل قبل بلوغه وهي تظن أنه لا يزوجها إلا من بالغ لشدة توقانها إلى الوطء ما الحكم؟ "فأجاب" بقوله يصح تزويجه المرأة من الطفل المذكور إن كان كفؤا لها في الصفات المعتبرة في الكفاءة ولا نظر لشدة توقانها إلى الوطء لأنه لا حق لها فيه ولا مطالبة إلا عند اليأس منه بنحو العنة أو الامتناع منه بالحلف في الإيلاء وأما في غير ذلك كما هذه المسألة فلا حق لها فيه، والله سبحانه وتعالى أعلم.
"وسئل" عن مسألة وقع فيها جوابان صورتها امرأة لا ولي لها ولت أمرها رجلا فزوجها فهل يصح نكاحها أو لا؟ "فأجاب" الأول فقال يصح نكاحها إذا ولت أمرها رجلا لأن يونس بن عبد الأعلى روى عن الشافعي رضي الله تعالى عنه أنه قال إذا كان في الرفقة امرأة لا ولي لها فولت أمرها رجلا فزوجها جاز واختاره الشيخ محيي الدين النووي رحمه الله تعالى قال ابن مأمون وكان مشهورا من جملة أصحاب الشافعي رضي الله تعالى عنه سمعت المزني يقول سمعت الشافعي يقول إذا كانت المرأة في جوار قوم ليس لها زوج ولا هي في عدة من زوج ولا لها ولي حاضر فولت أمرها رجلا من صالحي جيرانها فزوجها تزويجا صحيحا فالنكاح جائز قال المزني فقلت للشافعي فإنا نحفظ عنك في كتبك أن النكاح باطل فقال الشافعي إن الأمر إذا ضاق اتسع شاهدان عدلان أن لا ولي

 

ج / 4 ص -12-          لها حاضر ولا لها زوج ولا هي في عدة من زوج قال الإمام الأزرق وحكم المواضع التي لا حاكم فيها ولا يمتد إليها أمر الحكام من الرفقة فيما يظهر في جواز تولي أمرها إلى عدل.
وذكر الرافعي والنووي في أدب القضاة أنا إذا جوزنا التحكيم في غير الأموال فخطب امرأة وحكما في التزويج رجلا كان له أن يزوج قال الروياني في الحلية يجوز التحكيم والتزويج في أصح الوجهين وهو اختيار أبي طاهر الزيادي وأبي إسحاق الإسفراييني ومشايخ العراق وخراسان والفتوى على هذا خاصة في هذا الزمان وإنما يجوز التحكيم إذا لم يكن هناك ولي حاضر من نسب أو معتق كذا قال الإمام الأذرعي في الدعاوى في شرح المنهاج له قال في النكاح وبالجملة فالمختار دليلا الموافق للنصين جواز تفويض أمرها إلى عدل عند فقد الحاكم ومن فوقه من الأولياء في البلد وما يقرب منه إذا دعت حاجتها إلى النكاح قال ولا يجوز أن لا يكون هذا مخالفا لظاهر المذهب، ويكون موضع المنع على المذهب فيما وراء ذلك جمعا بين نصوصه هذا آخر كلام الأذرعي رحمه الله تعالى اهـ. "وأجاب الثاني" فقال هذا الجواب الأول ليس بمتجه لأمور أحدها أن العبادي قال في الطبقات إن هذا النص الذي رواه ابن عبد الأعلى رضي الله تعالى عنه من أئمة الشافعية رضي الله عنهم منهم من أنكره ومنهم من قبله وقال إنه تحكيم والمحكم قائم مقام الحاكم وقد صحح تقي الدين أبو الحسن السبكي إنكار رواية يونس وأنها لا تتزوج عند فقد الحاكم اهـ. ويدل له ما رواه البيهقي الآتي ذكره في الأمر الثاني ثم قال الولي العراقي ومراده ما إذا كان المحكم صالحا للقضاء وبه أفتى صاحب المهذب ونقله العبادي عن غيره قال الزركشي في الخادم وقضية كلامهم تفرد يونس بهذا النقل والتوقف فيه وقال الولي العراقي في فتاويه أن النص الذي رواه يونس بن عبد الأعلى متوقف في ثبوته لأنه لم ينقله أهل التحقيق من أصحاب الشافعي وقد قال الخطابي في أول معالم السنن ولذلك تجد أصحاب الشافعي أنما يعولون في مذهبه على رواية الربيع بن سليمان والمزني.
فإذا جاءت رواية حرملة والجيزي وأمثالهما لم يلتفتوا إليها ولم يعتدوا بها في أقاويله قال ومذهب الشافعي رضي الله تعالى عنه لا يثبت باختيار النووي رضي الله تعالى عنه فإنه إنما يستعمل هذه العبارة فيما رجح دليله عنده لا من جهة المذهب ونحن شافعية لا نووية اهـ. ما قاله الولي العراقي فعلى هذا ما اختاره النووي من جواز توليتها عدلا لا يجوز تقليده فيه لمن لم يبلغ درجة الاجتهاد لأنه رحمه الله تعالى نقل في شرح المهذب عن الإمام ابن الصلاح من غير اعتراض عليه أن حكم من لم يكن أهلا للتخريج أن لا يتبع شيئا من اختياراتهم لأنه مقلد للشافعي دون غيره اهـ.، وظاهره أن مقلد الشافعي لا يجوز له أن يتبع شيئا من اختياراتهم إذا لم يبلغ درجة الاجتهاد والأمر الثاني أن الإمام البيهقي روى في المبسوط عن الشافعي رحمه الله تعالى أنه قال إذا ولت امرأة ثيب بنفسها رجلا فليس له أن يزوجها وإن رفع ذلك إلى السلطان فعليه أن يفسخه وسواء طال أو قصر

 

ج / 4 ص -13-          وجاء الولد أو لم يأت كذا قال الولي العراقي أيضا وقد روى الدارقطني والشافعي أن رفقة جمعتهم الطريق فيهم امرأة فولت أمرها رجلا فزوجها فجلد عمر الناكح والمنكح ولهذا قال الولي العراقي ولقد طلب مني الفتوى به في سفر ليس به قاض في امرأة حصل لها الضرر البالغ من وجوه عديدة من عدم الزوج فامتنعت من ذلك وقلت لا أكون سببا لتسليط الناس على الأبضاع بغير أمر بين، وضياع أمر دنياها أهون من التسليط على بضعها بغير طريق معتبر اهـ. الأمر الثالث أن الإمام الشاشي رحمه الله تعالى ذكر في الحلية بعد ذكره الوجه القائل بأنها ترد أمرها إلى رجل عدل يزوجها وهذا لا يجيء على أصلنا قال الإمام الأذرعي وهو معذور فإنه بعيد من المذهب المشهور الأمر الرابع أن الأمام ابن القطان لما قال الإمام الإصطخري إذا لم يكن في البلد حاكم جاز للرجل والمرأة أن يحكما مسلما يعقد نكاحهما قال أعني ابن القطان وهذا ليس بشيء لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "السلطان ولي من لا ولي له" قال ولا خلاف بيننا أن هذا ليس بسلطان اهـ. الأمر الخامس إنما حكي عن صاحب المهذب البناء على التحكيم. وقال أبو المعالي الجويني يعني إمام الحرمين وهذا البناء لا يصح لأن هناك حكما فيما يتنازعان فيه من أمر النكاح وغيره فيصير النظر له فيما حكاه فيه خاصة وهذه ولاية ممن لا يستحقها الأمر اهـ. السادس أن الإمام الرافعي رحمه الله تعالى ذكره في العزيز أن القاضي إذا أراد أن ينكح من لا ولي لها زوجه من فوقه من الولاة أو خليفته إن كان له الاستخلاف أو خرج إلى قاضي بلد آخر وتابعه النووي في الروضة فلو كان يجوز لها أن تعرض أمرها إلى عدل ليزوجها من القاضي لم يكلف القاضي الخروج إلى بلد آخر وظاهره يقتضي أنه لا يصح النكاح حتى يزوجه القاضي الذي يخرج إليه ولو كان ببلد بعيد كمسألتنا المسئول عنها وذلك إذا لم يكن له أحد فوقه من الولاة ولم يكن له الاستخلاف فتناقض كلام النووي رحمه الله تعالى حيث اختار أولا تفويضها إلى عدل ثم تابع الرافعي رحمه الله تعالى ثانيا إلى خروج القاضي إلى قاضي بلد آخر الأمر السابع أن في الوكالة في المحرر والمنهاج ولا المرأة والمحرم في النكاح قال الشارحون لكلامه والمراد أن المرأة لا توكل أجنبيا في تزويجها لأنها لا تزوج نفسها عندنا وظاهر قوله تعالى: {وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ} [النور: 32]، أن المرأة لا تتزوج إلا بولي كذا قاله الإمام ابن عطية في تفسيره وهو المحفوظ عن الشافعي رحمه الله تعالى في كتبه قال الشافعي أيضا في قوله تعالى: {فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ} [البقرة: 232]، هذا أبين في كتاب الله تعالى دليلا على أنه ليس للمرأة أن تتزوج دون الولي لأنها لو زوجت نفسها لما كان لعضل الولي معنى كذا قال الإمام القونوي ثم قال الولي العراقي في كتاب النكاح من نكته فهم من اعتبارهم في الولي أن يكون عاصب نسب أو ولاء أو حاكما أنه لا يكفي فيه أن يكون مولى من جهتها اهـ..وهذا يقتضي أن الراجح عند الأكثرين ما رجحه أبو الحسن السبكي أولا من

 

ج / 4 ص -14-          إنكار رواية يونس من أن قضية كلامهم تفرد يونس بهذا النقل والتوقف فيه كما سبق عن الزركشي وفي المهمات نقلا عن النووي من غير مخالفة له أنه إذا كان في المسألة خلاف وجب اتباع الأكثرين الأمر الثامن أنا إذا قلنا بما رواه يونس عن الشافعي فهو وما رواه البيهقي في المبسوط عن الشافعي أيضا قولان مختلفان وفي الروضة أنه إذا كان في المسألة قولان لم يجز العمل بأحدهما حتى يعلم الراجح منهما بلا خلاف اهـ. فعلى هذا قال الإمام الأزرق إذا وجد من ليس أهلا للترجيح اختلافا للأصحاب في الأصح من القولين والوجهين اعتمد تصحيح الأكثر كمسألتنا المسئول عنها فإن قول الولي العراقي فهم من اعتبارهم في الولي أن يكون عاصب نسب أو ولاء أو حاكما إلخ يقتضي أن الراجح عند الأكثرين ما صححه السبكي من إنكار رواية يونس كما سبق وما رجحوه يوافق ما رواه البيهقي في المبسوط عن الشافعي من أنها إذا ولت نفسها رجلا فليس له أن يزوجها كما سبق أيضا.وإطلاق الأئمة يشمل القرى والبوادي التي لا حاكم لها وما إذا كان لها ولي أو لا فظهر لنا من جميع ما ذكر في الجواب الثاني أن المرأة التي لا ولي لها إذا ولت أمرها عدلا فليس له أن يزوجها بل لا يزوجها إلا حاكم أو محكم بشرطه ولو كان ببلد بعيد فهل هو كذلك أو لا أوضحوا لنا القول في ذلك بجواب شاف يحصل به المقصود إن شاء الله سبحانه وتعالى فالحاجة داعية إليه أبقاكم الله سبحانه وتعالى للمسلمين؟ "فأجاب" بقوله المعتمد الذي جرى عليه أكثر المتأخرين ما قاله المجيب الأول بل جزموا به حتى في المختصرات وسيأتي توجيهه والاستدلال له في أثناء رد ما قاله المجيب الثاني لكن ما قاله المجيب الأول عن الأذرعي آخرا من أنه لا يشترط فقد الولي بالكلية بل الشرط عدم حضوره في البلد أو ما قرب منه ليس صافيا عن الإشكال على أنه خولف فيه فقد جزم صاحب الأنوار بخلافه فقال لو كان لها ولي وهو غائب لم يجز التحكيم لأن نيابة الغائب للقاضي اهـ. وكلام الروضة وأصلها صريح في ذلك إذ عبارتهما ثم إذا لم يكن لها ولي خاص من نسب أو معتق. فهذا صريح في أنه حيث كان لها ولي خاص لم يجز لها التحكيم لكن جرى ابن العماد على ما قاله الأذرعي وعبارة الروضة في باب النكاح قد تشير إليه والأوجه الأول فإنه حيث كان لها ولي وإن كان غائبا أمكنها أن ترسل إليه ليحضر أو يوكل فإن قلت فكذلك ترسل للحاكم إذا لم يكن بمحلها فليست ولاية الولي الحاضر أقوى على أن لنا أن نتوسط ونقول إن سهلت مراجعة أحدهما أعني الولي أو الحاكم إذا غابا إلى مرحلتين فأكثر تعينت ولم يجز لها أن تولي عدلا يزوجها لأنه إنما جاز لها ذلك للضرورة وعند مراجعة الولي أو الحاكم إن لم يوجد الولي لا ضرورة وإن لم تسهل مراجعة أحدهما بأن فحش بعد محلهما وحقت حاجتها إلى النكاح جاز لها أن تولي مع الزوج أمرها عدلا يزوجها لوجود الضرورة حينئذ أما إذا قرب محل أحدهما بأن كان دون مرحلتين فلا يجوز لها ذلك مطلقا إذا تقرر ذلك فلنتكلم على الجواب الثاني ونبين ما فيه فنقول قوله أحدها

 

ج / 4 ص -15-          أن العبادي قال في الطبقات إلخ كلام لا يجدي شيئا لأن من القواعد المقررة أن من حفظ حجة على من لم يحفظ وأن الثقة إذا روى شيئا وأثبته ونفاه غيره قدم المثبت على النافي.
وبهذا تعلم أن غير يونس من أصحاب الشافعي لو قال لم يقل الشافعي هذا لم يلتفت إليه لأن يونس مثبت وغيره ناف والمثبت مقدم على النافي فإذا كان هذا الإنكار لا يقبل ممن عاصر الشافعي ورآه وأخذ عنه وكان مطلعا على أكثر أحواله فما بالك بمن لم يكن كذلك ولا يقدح فيه تفرده بهذا النقل لأن تفرد الثقة مقبول وإن قدم غيره عليه لأن ذلك لأمر أقوى منه لا لأنكار ما انفرد به وقول الولي العراقي أنه يتوقف في ثبوته ليس في محله ولذلك لم يعول من بعده عليه بل أطبقوا على حكايته عن يونس عن الشافعي سيما الشيخين فإنهما حكياه عنه عن الشافعي ثم قالا من أصحابنا من أنكره ومنهم من قبله وقال أنه تحكيم والمحكم قائم مقام الحاكم انتهى وبه يعلم أن الإنكار ليس راجعا إلى إنكار النقل فإن يونس ثقة جليل فلا يسع أحدا تكذيبه فيما نقله وإنما الإنكار راجع إلى أنه غير جار على قواعد الشافعي رضي الله تعالى عنه ونحن مسلمون ذلك فإن الشافعي رضي الله تعالى عنه أشار إلى أنه خارج عن قواعده بقوله لما سئل عنه وأنه مخالف لما في كتبه إذا ضاق الأمر اتسع. ومن قواعده رضي الله تبارك وتعالى عنه أن الضرورات تبيح المحظورات فهذا أمر خارج عن قواعده بلا ريب لكن اقتضت الضرورة المسامحة به على أنه في الحقيقة غير خارج لما وجهه به بعض الأصحاب من أنه تحكيم ومن قواعده أن المحكم قائم مقام الحاكم وإنما يتحقق خروجه عن قواعده أن لو قال إنها تباشر عقد النكاح بنفسها كما زعمه بعض أصحابنا فهذا هو الخارج عن قواعده بالكلية وأما ما رواه يونس فليس خارجا عنها بالاعتبار الذي ذكرناه على أن يونس لم ينفرد بهذا النص فقد حكاه عن الشافعي المزني أيضا وهو من أجل أصحاب الشافعي المعول على نقله عند الأصحاب فاندفع ما نقله الولي العراقي عن الخطابي أما قوله أعني العراقي مذهب الشافعي لا يثبت باختيار النووي فإنه إنما يستعمل هذه العبارة فيما رجح دليله عنده لا من جهة المذهب إلخ فعجيب منه مع قول شيخه الإسنوي وغيره أن المختار إذا وقع التعبير به في الروضة كان بمعنى الراجح مذهبا كيف والنووي مستظهر على ما قاله بأنه ظاهر نصه الذي نقله يونس فهو مع جلالته وعظيم ورعه وتحريه مثبت لنص يونس ومحتج به على ما قاله وأن ما قاله هو ظاهر هذا النص فكيف مع ذلك ينكر نسبة ما رواه يونس للشافعي. ويقال إن النووي اختاره من جهة الدليل لا المذهب ويقال نحن شافعية لا نووية كل ذلك مما لا نظر إليه ولا تعويل عليه ومن ثم جاء بعد الولي جماعة هم تلامذته وتلامذة تلامذته ومع ذلك لم يعولوا على ما قاله ولا التفتوا إليه وأعرضوا عنه لأنه غير جار على سنن الاعتدال في الاستدلال فبطل الأمر الأول من أمور أمر هذا المجيب وقوله فعلى هذا ما اختاره النووي إلخ باطل أيضا لما علمت أنه لم يختره من جهة الدليل وإنما رجحه من جهة المذهب وما رجحه من جهة

 

ج / 4 ص -16-          المذهب هو الحجة على جميع من جاء بعده ممن لم يبلغ رتبته بلا منازع ولا مدافع وقوله الأمر الثاني أن الإمام البيهقي إلخ غير نافع له أيضا لأن غاية الأمر أن للشافعي في هذه المسألة قولين وقد رجح النووي أحدهما وتبعوه فلا محيد عنه ولا يسوغ لأحد مخالفته وانفراد الولي العراقي بتعقبه قد علمت أنه غير صحيح ولا معول عليه على أن هذا النص لا يخالف الأول لأن الأول فيه التعبير بأنها فقدت وليها وهذا ليس فيه ذلك فوجب حمله على ما إذا لم تفقده جمعا بين النصين وكذا ما فعله عمر رضي الله تعالى عنه واقعة محتملة على أن مذهب الصحابي غير حجة عندنا وقوله الأمر الثالث لا يفيده أيضا لما قررناه من أنه وإن كان بعيدا عن قواعد المذهب لكن الضرورة اقتضت المسامحة به وما جاز لأجل الضرورة لا يعترض عليه بمثل ذلك فإن المجوز له معترف بأنه خارج عن قواعده لكنه يقول اقتضت الضرورة خروجه عنها فعملت به للقاعدة السابقة أن الضرورات تبيح المحظورات. على أنه مر عن الأذرعي في جواب الأول أنه قال ويجوز أن لا يكون هذا مخالفا لظاهر المذهب ويكون موضع المنع على المذهب فيما وراء ذلك جمعا بين نصوصه اهـ. وقوله الأمر الرابع أن الإمام ابن القطان إلخ من الإطالة بما لا فائدة فيه إذ غاية الأمر أن ابن القطان مجتهد من أصحاب الوجوه صدر منه نزاع في هذا الحكم وهو غير معول عليه فإنا لم ندع أن المسألة متفق عليها حتى يورد علينا مثل ذلك وإنما الذي ادعيناه أنها مختلف فيها بين الأصحاب ومنشأ اختلافهم اختلاف نصيه السابقين. وأن قواعده منها ما يقتضي الأول ومنها ما يقتضي الثاني فهذا هو سبب اختلافهم لكن المعتمد الجواز ويرد ما قاله ابن القطان بأنه يلزم عليه منع التحكيم من أصله في سائر الأحكام لأنه إذا لم ير أن المحكم قائم مقام الحاكم لزمه أن لا يجوز تحكيمه وهو خلاف قوله وقول الأصحاب فعلمنا من كلامهم في التحكيم أن المحكم قائم مقام الحاكم وأن قوله صلى الله عليه وسلم: "السلطان ولي من لا ولي له" إنما ينصرف إلى حال وجود السلطان أما مع فقده كما هو الغرض فكيف يستدل بالحديث على أن لنا أن نقول أن المحكم داخل في السلطان إذ المراد به من له سلطنة وهي ثابتة بالتحكيم فشمله الحديث. واندفعت منازعة ابن القطان وينبغي أن لا يفهم من قولهم فولت أمرها عدلا يزوجها جاز لها أنها وحدها توليه بل لا بد كما صرحوا به أن تحكمه هي والزوج فإذا حكماه صار محكما ويثبت له ما يثبت للقاضي ثم هذا المحكم إن كان مجتهدا جاز حتى مع وجود القاضي لأنه بمنزلته وإن كان عدلا لم يجز إلا عند فقد القاضي وبما تقرر في رد هذا الرابع يعلم رد أمره الخامس أيضا وقوله السادس أن الإمام الرافعي إلخ ليس في محله لأن الرافعي والنووي متفقان على جواز تحكيم المجتهد في النكاح فإلزامه النووي التناقض دون الرافعي تحكم على أن إلزام التناقض من أصله باطل لأنهم هنا خيروه بين أمور ثلاثة وسكتوا عن أمر رابع علم مما قدموه وهو تحكيم المجتهد باتفاق الشيخين وكذا تحكيم العدل عند النووي فأي تناقض في ذلك قوله الأمر السابع أن

 

ج / 4 ص -17-          في الوكالة إلخ ليس في محله أيضا لأنا لم نقل أنها توكل عدلا في تزويجها وإنما الذي قلناه أنها هي ومن يريد تزوجها يحكمان عدلا في تزويجها منه والتحكيم غير التوكيل كما لا يخفى على من له أدنى فهم وبهذا بطل قوله وهذا لا يقتضي أن الراجح عند الأكثرين إلخ ووجه الاقتضاء أنه التبس عليه التوكيل بالتحكيم فأخذ من منعهم التوكيل منعهم التحكيم وهو أخذ باطل منشؤه عدم الفهم أو عدم التأمل وحينئذ بطل ما فرعه على ذلك من أنه إذا كان في المسألة خلاف وجب اتباع الأكثرين لما علمت أن ما نحن فيه من التحكيم لم يقل أكثر الأصحاب بمنعه وإنما وقع لبعضهم الموافقة وبعضهم المخالفة كما حكاه الشيخان من غير أن يبينا ولا غيرهما أن الأكثرين على أحد الشقين ورجح النووي وتبعه أكثر المتأخرين الجواز فاعتمدناه وأخذنا به على أن اتباع الأكثرين إنما هو في الأكثر وإلا فالشيخان كثيرا ما يخالفان الأكثرين بل وقع لهما في الإقرار أنهما حكيا عن الأكثرين فرعا وعن الصيدلاني خلافه وصوبا ما قاله الصيدلاني وحده مع مخالفته لسائر الأصحاب كما بينت ذلك مع تحقيقه وما يتعلق به في بعض الفتاوى وفي خطبة بعض العباب وبهذا كله بطل قوله الأمر الثامن إلخ وظهر أن الحق ما قاله المجيب الأول فهو المعتمد وما عداه غير معمول به ولا معول عليه، والله سبحانه وتعالى أعلم.
"وسئل" الجد المجبر الذي له أن يتولى الطرفين هل له أن يوكل فيهما أو في أحدهما أو ليس له ذلك كما قاله بعض علماء البلد من الشافعية؟ "فأجاب" نعم له ذلك كما صرح به في باب النكاح وكلامهم في الوكالة صريح فيه أيضا فزعم امتناع ذلك ليس في محله، والله سبحانه وتعالى أعلم.
"وسئل" عن رجل غاب فوق مسافة القصر وله ابنة بالغة وأرادت أن تتزوج بكفء فمن يلي أمرها فإن قلتم السلطان فهل يلي بالولاية أو بالنيابة فإن قلتم بالنيابة فقد علم أن الأب يزوج ابنته الصغيرة بغير إذنها فلم لا يزوجها السلطان إذا غاب وقد قلتم أنه نائب؟ "فأجاب" بقوله اختلف أصحابنا في تزويج السلطان هل هو بالولاية العامة أو بالنيابة الشرعية وجهان وبعض الفروع بل أكثرها يقتضي ترجيح الأول وبعضها يقتضي ترجيح الثاني والذي يتجه في ذلك وبه تنضبط الفروع ما ذكرته في شرح الإرشاد وأخذا من كلام الإمام أنه في الغيبة ونحوها يزوج بنيابة اقتضتها الولاية وعند عدم الولي يزوج بمحض الولاية وبهذا يعلم الجواب عن قول السائل فإن قلتم بالنيابة إلخ، والله سبحانه وتعالى أعلم.
"وسئل" عن شخص أبو امرأة بالغ ثيب عاقلة أذنت له في تزويجها فجاء أبوها إلى قاض شافعي وقال له أذنت لك في تزويج بنتي بفلان ولم يأت بشاهدين يشهدان على إذنها لأبيها فعقد لها القاضي بذلك الإذن الصادر من أبيها له فهل هذا العقد صحيح من غير إقامة بينة تشهد بالإذن لأبيها أو ليس بصحيح؟ "فأجاب" بقوله يكفي، والله سبحانه وتعالى أعلم.

 

ج / 4 ص -18-          "وسئل" عن فرع نقله ابن العماد الأقفهسي عن صاحب الروضة عن صاحب البيان لو أذنت في التزويج فزوجها وليها بلا مهر أو بدون مهر المثل أو دون ما أذنت فيه أو بغير جنسه أو زوج الأب البكر الصغيرة أو الكبيرة بلا مهر أو أقل منه قال أصحابنا البغداديون يصح النكاح بمهر المثل وحكى عن الخراسانيين قولين في صحة النكاح فما الذي يعتمد عليه من قولي الطائفتين وما الفتوى عليه وهل يجري القولان في تزويج الأب بكرا صغيرة أو بالغة غير كفء بغير رضاها أو معسرا أوضحوا لنا ذلك؟ "فأجاب" بقوله المعتمد صحة النكاح بمهر المثل في جميع الصور المذكورة نعم تزويج الأب البكر الصغيرة بغير كفء باطل وإن رضيت إذ لا عبرة برضاها وكذا تزويجها بمعسر بمهر مثلها فإنه باطل على الأوجه كما بينته في شرح الإرشاد وتزويج البالغة من أحد هذين برضاها به صحيح وبغيره باطل، والله سبحانه وتعالى أعلم.
"وسئل" عن النظر للأمرد هل يجوز لحاجة تعليم العلوم الشرعية فإذا قلتم بالجواز فالتعفف عن ذلك والحاجة ماسة إلى التعلم مباح أو مكروه وهل يندب له ترك ذلك التعفف لأن الصورة أنه لا محذور هنا أم لا وما المراد بالأمرد؟ "فأجاب" بقوله يجوز نظر الأمرد لتعليم العلوم الشرعية والصنائع المحتاج إليها وليس من الورع ترك التعليم وإن احتيج معه إلى نظر لا محذور يخشى منه فقد كان أئمة السلف والخلف رضوان الله تعالى عليهم يخالطون المرد للتعليم ومع ذلك كانوا يسمونهم الأنتان ويقولون إن فتنتهم أشد من فتنة النساء فحيث خشي من مخالطتهم سواء كان اجتنابهم إما واجبا أو مندوبا ما لم ينحصر التعليم في شخص فإنه يتعين عليه وحيث لم يخش من ذلك شيء كان تعليمهم قربة أي قربة وكان الورع فعله لا تركه والمدار على ما في القلب وما تشهد به قرائن أحوال النفس وإنما يحرم النظر للأمرد وهو من لم يبلغ أوان طلوع لحيته الحسن ومن يلتذ بالنظر إليه إما عرفا أو عند الناظر بناء على أن الحسن أمر كلي منضبط في العرف أو جزئي يختلف باختلاف الطباع وفي ذلك خلاف بين أصحابنا، والله سبحانه وتعالى أعلم.
"وسئل" عن الجاني المتعلق برقبته مال هل لمالكه أن يزوجه قبل اختيار الفداء بغير إذن المجني عليه أم لا يزوجه إلا بإذنه كالمرهون فإن قلتم يزوجه سيده بغير إذن المجني عليه فتعلق الجناية مقدم على تعلق الرهن فهناك لا يزوجه إلا بإذن المرتهن فكيف يصح تزويجه هنا بغير إذن المجني عليه مع تقدم تعلقه؟ "فأجاب" بقوله الذي دل عليه كلامهم أن القن المتعلق برقبته مال كالمرتهن بل أولى ولا ينافيه قولهم ينفك من الجاني بقدر ما أدى السيد بخلاف الرهن لا ينفك منه شيء ما بقي شيء من الدين لما بينته في شرح الإرشاد، والله سبحانه وتعالى أعلم.
"وسئل" رضي الله تعالى عنه عن شخص مقلد للإمام الشافعي رضي الله تعالى عنه هل

 

ج / 4 ص -19-          يجوز له أن يقلد الإمام أبا حنيفة أو الإمام مالكا رحمهما الله تعالى في تزوج بكر غير بالغة غاب وليها بولاية القاضي الحنفي عليها بما يقتضيه مذهبه من غير تتبع للرخص بل في هذه المسألة وحدها وإذا قلتم بالجواز فمن قال لا يجوز مطلقا وصرح بالتحريم مطلقا هل هو مخطئ أم لا؟ "فأجاب" بقوله تقليد أبي حنيفة أو مالك رضي الله تعالى عنهما في التزوج المذكور بشرط أن يرجع في ذلك إلى ثقة من علماء ذلك المذهب ويستخبره عن شروط تلك المسألة وجميع ما يعتبر فيها ومن أطلق أن ذلك لا يجوز فقد أخطأ، والله سبحانه وتعالى أعلم.
"وسئل" عن الحامل من زنا هل يجوز العقد عليها أم لا وهل المسألة فيها خلاف أم لا؟ "فأجاب" بقوله أما انقضاء العدة مع وجود الحمل من الزنا ففيه خلاف منتشر لأئمتنا والصحيح أنها تنقضي معه إذا كانت عدة وفاة مطلقا أو عدة طلاق وهي من ذوات الأشهر أو من ذوات الأقراء وحاضت على الحمل بناء على الصحيح أن الحامل تحيض فإن لم تحض عليه لم تنقض عدتها إلا بالأقراء بعد ولادتها ولو زنت في عدة الوفاة أو الطلاق وحبلت من الزنا لم يمنع ذلك انقضاء عدتها بالتفصيل الذي قدمناه وأما نكاح الحامل من الزنا ففيه خلاف منتشر أيضا بين أئمتنا وغيرهم والصحيح عندنا الصحة وبه قال أبو حنيفة رضي الله تعالى عنه لأنها ليست في نكاح ولا عدة من الغير وعن مالك رضي الله تعالى عنه قول بخلافه ثم إذا قلد القائلين بحل نكاحها ونكحها فهل له وطؤها قبل الوضع الذي صححه الشيخان نعم قال الرافعي أنه لا حرمة لحمل الزنا ولو منع الوطء لمنع النكاح كوطء الشبهة وقال ابن الحداد من أئمتنا لا يجوز له الوطء وبه قال أبو حنيفة ومالك وداود رحمهم الله تعالى واستدلوا بخبر أبي داود والترمذي ولفظه:
"لا يحل لأحد يؤمن بالله واليوم الآخر أن يسقي ماءه زرع غيره" ويجاب بأن ذلك إنما ورد للتنفير عن وطء المسبية الحامل لأن حملها محترم فحرم الوطء لأجل احترامه بخلاف حمل الزنا فإنه لا حرمة له تقتضي تحريم الوطء وعلى القول بحله هو مكروه كما في الأنوار وغيره خروجا من خلاف من حرمه هذا كله فيما تحقق أنه من الزنا أما إذا كان مجهول الحال فالذي نقله الشيخان عن الروياني وأقراه وجزم به صاحب الأنوار وغيره أنه يعطى حكم الحمل من الزنا فيما مر من نحو العدة والنكاح لا في رجم أمة أو حدها درءا للحدود بالشبهات لكن اعترضه ابن الرفعة والأذرعي بأن الذي في النهاية أنه لا يعطى حكم ولد الزنا مطلقا لكن أفتى القفال بما يوافق الأول فقال لو اشترى أمة فوجدها حبلى ولم يدعه البائع فالظاهر أنه من زنا لأن سفح الماء متيقن والشبهة مشكوك فيها فيحكم باليقين دون الشك وهو مملوك للمشتري ولا يقع الاستبراء بوضعه، والله سبحانه وتعالى أعلم.
"وسئل" عمن خطب وأجيب فأنفق ثم لم يزوجوه فهل يرجع عليهم بما أنفق؟. "فأجاب"

 

ج / 4 ص -20-          بقوله اختلف المتأخرون في ذلك والذي دل عليه كلام الرافعي في الصداق أنه إن كان الرد منهم رجع عليهم لأنه لم يهد لهم إلا بناء على أن يزوجوه ولم يحصل غرضه فإن كان الرد منه فلا رجوع له لانتفاء العلة المذكورة.
"وسئل" عمن قال أنأحتأ بالهمزة بدل الكاف من أنكحتك فهل يصح؟ "فأجاب" بقوله قال في الخادم في باب صفة الأئمة إن قلنا لا ينعقد بالعجمية ممن يعرف العربية لم يصح وإن قلنا ينعقد وهو الأصح صح لإصابة المعنى.
"وسئل" رضي الله تعالى عنه بما صورته لامرأة أخوان أحدهما طفل فأراد البالغ أن يزوجها غير كفء برضاها فهل يجوز ذلك؟ "فأجاب" بقوله أفتى البلقيني بالجواز وعلله بأن الصغير ليس بولي حينئذ فلا أثر لوجوده ولا ينتظر بلوغه.
"وسئل" بما صورته وكل الولي وغاب فهل للقاضي التزويج مع وجود الوكيل؟ "فأجاب" بقوله ليس له ذلك وما في تحرير أبي زرعة في القضاء على الغائب مما يخالف ذلك مبني على أن القاضي يزوج بالولاية لا بالنيابة والأصح أنه يزوج بنيابة اقتضتها الولاية.
"وسئل" رضي الله سبحانه وتعالى عنه هل يزوج الحاكم أمة الغائب أو لا؟ "فأجاب" بقوله ليس له تزويجها بحال وإنما زوج اللقيطة لأن الأصل فيها الحرية كما ذكروه والذي يجب على الحاكم في مال الغائب فعل الأصلح ومعلوم أن التزويج ليس أصلح وإنما جاز للولي تزويج أمة محجوره لأنه يلي نكاحه وماله والقاضي لا يلي نكاح الغائب وإن ولي ماله على أن ولايته ليست ولاية مطلقة.
"وسئل" هل بين العدالة والعفة والصلاح فرق؟ "فأجاب" بقوله هل يفرق بينها بأن العفة يوصف بها نحو العبد دون العدالة أعني المطلقة وإلا فكثيرا ما يصرحون بأنه عدل رواية وهذا الفرق لا أثر له في الأحكام فالعفة والعدالة بالنسبة للأحكام المشترط فيها أحدهما سواء وأما الصلاح فإنه أخص إذ هو القيام بحقوق الله سبحانه وتعالى وحقوق العباد هذا إن أريد بالحقوق ما يشمل المندوبة أيضا وإلا ساواهما.
"وسئل" هل يلزم النكاح بالنذر؟ "فأجاب" بقوله نعم حيث ندب كما صرح به الماوردي واقتضاه كلامهم في باب النذر خلافا لمن قال لا يلزم لأنه لا يمكنه الاستقلال به إذ الواجب عليه الأخذ في أسبابه إذ هو الذي يمكنه.
"وسئل" عمن يأكل من كسب يده أشرف ممن يأكل من الصدقة فهل أحدهما كفء للآخر؟ "فأجاب" بقوله الذي يظهر أنه يعتبر في ذلك عرف أهل بلد الزوجة المطردة إذ الأفضلية في ذلك أمر شرعي والفقهاء في هذا الباب ينظرون للعرف أكثر من نظرهم للفضائل الشرعية.

 

ج / 4 ص -21-          "وسئل" عن امرأة ادعت أنه طلقها ثلاثا وادعى دونها ثم صدقته فهل يصح إذنها في التزويج منه؟ "فأجاب" بقوله ذكر الأصحاب أنها لو أنكرت الرجعة ثم رجعت قبل رجوعها ولو ادعت أن بينهما نحو رضاع محرم لم يقبل رجوعها وفرقوا بأن نحو الرضاع أمر ثبوتي فالغالب أن لا يقدم عليه إلا بيقين وفي الرجعة نفي لا يستلزم العلم فقبل رجوعها إذ لا مناقضة فلعلها تذكرت وهذا يقتضي عدم قبول رجوعها في صورة السؤال لأن دعواها الثلاث أمر ثبوتي فلا يصح إذنها في التزويج منه إلا بعد محلل هذا إن وقع ذلك بعد بينونتها كما اقتضاه ما في السؤال فإن أقر بطلاقها واحدة ثم راجعها وادعت الثلاث ثم أكذبت نفسها حل لها الاجتماع معه كما قاله الماوردي ومراده حل ذلك ظاهرا وقد ينظر فيه بأن دعواها حينئذ غير مقبولة فلا فائدة لقبول رجوعها ثم رأيت بعضهم نقل عن النص ما يوافق الماوردي وعن الإمام أنها لو ادعت أنه طلقها فأنكر ونكل فحلفت ثم كذبت نفسها لم يقبل تكذيبها لأن قولها أسند إلى أمر ثبوتي ولأن اليمين المردودة كالإقرار وفرق بين هذه ومسألة النص أن المرأة لا يثبت الطلاق بقولها فإذا رجعت عنه قبل رجوعها وفي الأنوار واعتمده شيخنا زكريا في شرح الروض أنها لو قالت طلقني ثلاثا ثم قالت كذبت ما طلقني إلا واحدة فلها التزويج به بغير تحليل لأنها لم تبطل برجوعها حقا لغيرها ومقتضاه قبولها في صورة السؤال أيضا وهو متجه.
"وسئل" عمن طلق صغيرة فأراد وليها تزويجها فادعى الزوج أنه وطئها فهل يقبل فلا تزوج للبلوغ أو لا أو ينتظر البلوغ حتى تحلف الزوجة على نفي الوطء؟ "فأجاب" بقوله الأصل عدم الوطء إلا في صور ذكروها ليست هذه منها فللولي تزويجها حيث لم يقع في قلبه تصديق الزوج ولا التفات لدعواه الوطء ولا يتوقف ذلك على يمين الصغيرة إذا بلغت كما لو ادعى ولي محجور على غائب بدين وأثبته فإنه يقضي من ماله ولا يتوقف ذلك على كمال المحجور ليحلف على نفي الإبراء وبقاء الاستحقاق.
"وسئل" عمن طلق ثلاثا ثم ادعى فساد النكاح فهل تسمع بينته؟ "فأجاب" بقوله لا تسمع بينته سواء أقامها الزوج أو الزوجة صرح به في الكافي وغيره ونقله في الأنوار عن البغوي وغيره ثم قال وحاصل كلامهما أنها تسمع إن شهدت حسبة ولا تسمع إن أقامها الزوج وهو الذي صرح به غيرهما انتهى وبه يعلم ما في كلام الغزي حيث جزم في باب الإقرار بسماع بينة الزوج مطلقا وفي أوائل النكاح بسماعها إن كانت حسبة ولم يقمها وقوله يتجه أن للمرأة إقامتها وما نقله عن الديلي من سماعها إن لم يسبق منه اعتراف بالزوجية على أنه قد يخفى تصور شهادتها حسبة لما صرحوا به من أن بينة الحسبة إنما تسمع عند الحاجة إليها فلو قالوا نشهد أن بينهما رضاعا محرما لم يكف حتى يقولا وهو يريد أن ينكحها وهنا لا فائدة للحكم بفساد النكاح إلا التفريق بينهما لحرمتها عليه إلا

 

ج / 4 ص -22-          بمحلل والتفريق بينهما حاصل بالطلاق نعم لو أقيمت لإثبات مهر المثل دون المسمى فهل يلزم من الحكم بفساد النكاح لأجل لزوم المسمى الحكم بعدم وقوع الطلاق أو لا يلزم منه تفريقا للصفقة في الشهادة فتسمع البينة بالفساد بالنسبة إلى لزوم مهر المثل دون ارتفاع التحليل لأنه حق لله سبحانه وتعالى وقد يثبت ظاهرا فلا يرفع احتياطا للأبضاع محل نظر والثاني أحوط.
"وسئل" هل تجوز رؤية الأجنبية في المرآة والماء الصافي؟ "فأجاب" بقوله أفتى بعضهم بجواز ذلك أخذا من أنه لا يكتفى بذلك في رؤية المبيع ولا يحنث به من علق على الرؤية.
"وسئل" عمن أذنت لوليها أن يزوجها فامتنع فهل له بعد ذلك أن يزوجها أو يوكل من غير إذن؟ "فأجاب" بقوله نعم كما بحثه بعضهم قال وقوة كلامهم على الفصل شاهد لذلك وفارق الوكيل بأن ولايته متلقاة من الشرع فلم تتأثر بالرد.
"وسئل" عن امرأة قالت أذنت لك أن تجوزني من فلان فهل يكون إذنا؟ "فأجاب" بقوله الظاهر كما قاله بعضهم أنه إذن إذ المدار هنا على الرضا دون اللفظ وقد وجد فلا يضر اللحن في اللفظ ولو بما يغير المعنى بخلاف نظيره في عقد النكاح لأن اللفظ فيه متعبد به.
"وسئل" بما صورته حضر شاهدان في ظلمة نكاحا فسمعا لفظ المتعاقدين من غير رؤية شخصهما فهل يكفي؟ "فأجاب" بقوله نقل الروياني عن الأصحاب كما في الكفاية أنه لو جلس بباب بيت فيه اثنان فقط فسمع تعاقدهما بالبيع وغيره كفى ولم يحتج للرؤية وقضية قول المنهاج لا تجوز شهادة على فعل إلا بالإبصار خلاف ذلك لكن استبعد الأذرعي هذا الثاني وميل كلامه إلى اعتماد الأول وهو قريب إن عرفا المتعاقدين وسمعا لفظهما وتحققاه على أن ما ذكر إنما هو شرط للتحمل وأداء الشهادة بذلك العقد أما مجرد انعقاد النكاح فينبغي أن يكتفي بحضورهما وسماعهما للفظ المتعاقدين وإن لم يعرفاهما أصلا ولا يلزم من صحة النكاح إمكان إثباته ألا ترى إلى انعقاده بابني الزوجين وعدويهما مع أنه لا يمكن إثباته حينئذ.
"وسئل" عن قول النووي في فتاويه وفي شرح مسلم يسن أن ينوي بالنكاح التعفف والنسل وهو مشكل لأن النكاح حينئذ سنة لمثل هذا والسنة لا يحتاج فعلها في مثل ذلك إلى نية بل الشرط أن لا يقصد بفعلها غرضا آخر؟ "فأجاب" بقوله معنى قوله يسن ذلك أن هذه سنة أخرى غير سنة النكاح فالنية المذكورة ليست شرطا للثواب على النكاح المسنون بل كمال فيه فلا يلزم من طلبه عدم الثواب عند فقده فسقط الإشكال المذكور على أن لك أن تدعي أن النكاح يحتاج الثواب عليه لنية الامتثال مطلقا وذلك لأنه ليس عبادة بذاته بل

 

ج / 4 ص -23-          هو فعل مشترك تارة يكون سنة وتارة يكون مكروها وخلاف الأولى ومباحا فحصول العبادة له أمر عرضي فإذا سن لشخص وأراد فعله احتمل أن يجريه على سنن المباحات باعتبار ذاته أو على سنن المندوبات باعتبار ما عرض له فاحتاج إلى نية مميزة له ولا يقال الشرط عدم الصارف لأن ذاك محله فيما هو عبادة بذاته ويؤيد ما ذكرته قولهم ولينو بالسواك السنة وقولهم يشترط للثواب في غسل اليدين والمضمضة والاستنشاق تقدم نية الوضوء عليها وإلا لم يثب فإذا اشترط في هذه تقدم النية مع أن فعلها على هذه الكيفية يندر أن يقع مثله في العادة فأولى أن يشترط في حصول الثواب في النكاح امتثال قصد السنة لأنه يغلب فيه وقوعه على مقتضى العادات واستيفاء اللذات.
"وسئل" لو تاب الفاسق قبيل العقد لم يجز أن يكون شاهدا بخلاف ما لو تاب الولي فما الفرق؟ "فأجاب" بقوله يمكن الفرق بأن الشرط في الشاهد اتصافه بالعدالة وغيرها مما يتوقف قبول شهادته عليه ولا يكون كذلك إلا إن مضت عليه من توبته مدة الاستبراء وهي سنة والشرط في الولي عدم الفسق لا الاتصاف بالعدالة وبالتوبة الصحيحة انتفى الفسق ويؤيد ذلك أن الولي لو انتفى فسقه وارتكب ما يخل بمروءته لم تنتقل الولاية عنه بخلاف الشاهد فإنه يشترط مع انتفاء فسقه انتفاء ما يخل بمروءته فإن قلت علل بعضهم عدم جواز كونه شاهدا بأن التوبة تصدر منه على وفق العادة لا على حقيقتها وهو يخالف ما ذكرته قلت هذا التعليل فيه نظر إذ لو كان الأمر كذلك لاستوى الولي والشاهد في الصحة أو المنع لأن توبتهما إن صحت بأن وجدت شروطها استويا في القبول وإلا استويا في عدمه بل الوجه ما ذكرته على أنه يمكن تأويل هذه العبارة بأن من شأن الشهود ذلك بخلاف الولي وفيه ما فيه.
"وسئل" بما صورته زوج الحاكم لغيبة الولي ثم حضر وادعى أنه كان قريبا فهل يصدق الولي أم لا؟ "فأجاب" بقوله الذي اعتمده شيخنا في شرح الروض أخذا من كلام نقله الزركشي أنه يصدق وفيه نظر فقد قالوا لو باع الوكيل في غيبة موكله فادعى أنه كان عزله قبل التصرف لم يقبل إلا ببينة فقياسه هنا أن لا يقبل إلا ببينة بجامع أن كلا وقع من نائبه عقد وهو يريد رفعه بمجرد دعواه فكما اشترطوا لرفعه ثم قيام البينة كذلك يشترط ذلك هنا أيضا بل ما هنا أولى لأن القاضي ليس نائبا عن الولي اتفاقا بل فيه وجهان قيل يزوج بالنيابة عنه وقيل بالولاية ولكل فروع تقتضي ترجيحه والأوجه أنه يزوج بنيابة اقتضتها الولاية فعلى كل تقدير تصرفه أقوى من تصرف الوكيل وقد اشترطوا لبطلان تصرفه قيام البينة فأولى أن يشترط ذلك هنا فإن قلت يمكن الفرق بأنه ثم تعلق به حق ثالث وهو المشتري فاحتيط له قلت وما هنا تعلق به حق الزوج نعم يمكن الفرق بأن دعوى الموكل العزل ينافيه قضية توكيله الناشئ عنه صحة التصرف فلم يقبل قوله في رفعه وأما الولي هنا

 

ج / 4 ص -24-          فلم يصدر منه إذن للقاضي بل زوج قهرا عليه فلا يقال أن دعواه تنافي فعله فصدق في رفعه بيمينه.
"وسئل" بما صورته قال الشيخ زكريا في شرح الروض والعبرة في الانتساب إلى الآباء في غير أولاد بناته صلى الله عليه وسلم وقضيتها أن الشريفة لا يكافئها مطلبي ولا هاشمي وأن من أمها شريفة وأبوها عربي أو عجمي غير شريف لا يكافئها من أبوه وأمه غير شريفين في الأولى ولا من أبوه قرشي في الثانية وهو مشكل فهل هو مع ذلك معتمد أو لا؟ "فأجاب" بقوله ما ذكره شيخنا رحمه الله تعالى وشكر سعيه صرح به في الأنوار وقضيته ما ذكر ولك أن تقول أما القضية الأولى فليست بعيدة من النظر لأن من خصائصه صلى الله عليه وسلم أن أولاد بناته صلى الله عليه وسلم ينسبون إليه وهو صلى الله عليه وسلم لا يكافئه أحد فلا يكافئ من انتسب إليه إلا من انتسب إليه فالعباسي مثلا ليس كفؤا للشريفة وإن كانا من بني هاشم فيخص بذلك إطلاقهم أن بني هاشم والمطلب أكفاء وأما جواب بعضهم عن تزويج علي لفاطمة رضي الله تعالى عنهما مع كونها قرابة قريبة بأنه لم يكن لها كفء غيره ففيه نظر لأنه ليس بكفء لها كما يصرح به قولهم أن المسلم بنفسه ليس كفؤا لمن أبوها مسلم وغير ذلك من الفروع التي ذكروها وإنما الجواب الصحيح أنها لم تكن قرابة قريبة إذ هي في أول درجات النسب كبنت العم والعمة والخال والخالة وأما بنت ابن العم ونحوه فقرابة بعيدة لا قريبة وأما القضية الثانية فمقتضى كلامهم أنه يجوز حتى لغير القرشي تزويج من أمها فقط شريفة وأنه كفء لها ثم رأيت الإمام والغزالي قالا وجهة الانتساب يحده رسول الله صلى الله عليه وسلم والعلماء والصلحاء المشهورون وقال في الوجيز لا تجبر فضيلة نسب النبي صلى الله عليه وسلم بفضيلة وما وراءه فقد تقضي العادة بجبر نقصه قال الرافعي ومقتضاه جبر بعض الصفات ببعض بعد الاشتراك في النسب وظاهره غير معمول به فافهم قوله بعد الاشتراك ما اقتضاه كلام الأنوار ومعلوم أن أولاد بناته بواسطة أو غيرها سواء أكانت الأم شريفة فقط أو الأب كذلك ينسبون إليه وحينئذ فيقوى بذلك أيضا كلام الأنوار وقضية الأولى والثانية وللنظر فيه مجال.
"وسئل" هل يجوز للشاهد النظر إلى الفرج ولو مع وجود نسوة أم لا؟ "فأجاب" بقوله صرحوا بأن للشاهد النظر إلى الفرج للشهادة بزنا أو ولادة وهو ظاهر في الزنا ونحوه مما لا يثبت بالنسوة أما ما يثبت بهن فمقتضى كلامهم أن للشاهد المذكور الرؤية لأجل الشهادة وإن كان هناك نسوة يمكن إثبات الحق بهن وهو محتمل لأن عدالة الشاهد مانعة من خوف المحذور المترتب على الرؤية ويحتمل خلافه أخذا من قولهم لا تجوز المداواة بغير الجنس إلا إن فقد الجنس الصالح والأول أقرب لما مر من أن عدالة الشاهد مانعة مما ذكرناه بخلاف الطبيب فإنه لا يشترط فيه العدالة فاحتيج لجواز نظره إلى أن يقيد بالضرورة ومما يدل على صحة ما قلناه من الفرق بين الشاهد والطبيب أن الشاهد ينظر إلى

 

ج / 4 ص -25-          الوجه والكفين وإن كان هناك نسوة يمكن ثبوت الحق بهن كما يصرح به كلامهم هنا ومن بحث هنا ما مر في رؤية الفرج فقد أبعد وأما الطبيب فلا يجوز له النظر إلى نحو الوجه إلا إن فقد الجنس الصالح فعلمنا فرقان ما بينهما وأيضا الطبيب اشترطوا في جواز علاجه إذا كان من غير الجنس أن يكون بحضرة محرم ونحوه ولم يشترطوا ذلك في الشاهد وأيضا قد اشترطوا في العلم ذلك عقب ذكرهم مسألة الشهادة ولم يشترطوا فيها شيئا فدل على أن للشاهد الرؤية مطلقا ووجهه ما قدمناه من أن اشتراط عدالته مغن عن ذلك.
وسئل" هل يتزوج الأخرس بإشارته؟ "فأجاب" بقوله إن فهمها كل واحد تزوج بها لأنها صريحة حينئذ وإلا فلا لأنها كناية والنكاح ممتنع بها.
"وسئل" عن الخرساء التي لا إشارة لها مفهمة هل تزوج كالمجنونة؟ "فأجاب" رضي الله تعالى عنه بقوله نقل الأذرعي أنها تزوج مثل المجنونة وله وجه فإن قلت ينازع فيه أن المزوج للمجنونة هو ولي المال والنكاح والخرساء لا ولي لها لأنها غير محجور عليها قلت علة اشتراط ذلك في المجنونة ما ذكر في الأب والجد من الشفقة الحاملة على مراعاة الحظ والمصلحة ما أمكن ومن ثم وليا المال بخلاف غيرهما وألحق بهما السلطان لقوة ولايته وأما كون المجنونة محجورا عليها في المال والخرساء غير محجور عليها فلا دخل له في جواز إنكاح تلك وامتناع إنكاح هذه ثم رأيت الشيخين في باب الصيد والذبائح ألحقا الأخرس الذي لا إشارة له مفهمة بالمجنون في سائر تصرفاته وهو نص فيما ذكره الأذرعي.
"وسئل" بما صورته لو عضل لعذر كمالكي لا يرى نكاح المحلل ونحوه من يزوج؟ "فأجاب" بقوله حيث امتنع بعد سؤال الحاكم له زوج الحاكم ما لم ينضم إلى العضل عدم غلبة الطاعات على المعاصي فحينئذ يزوج الأبعد وبهذا علم أنه لا فرق بالنسبة إلى تزويج القاضي أو الأبعد بين أن يمتنع بعذر أم لا وإن أفاده العذر عدم الإثم بالامتناع.
"وسئل" عن شخص غاب عن زوجته الحرة غيبة طويلة وخاف العنت قبل الوصول إليها هل له أن ينكح أمة وإذا جاز له أن ينكح أمة فغاب عنها كذلك ينكح ثالثة ورابعة أو لا؟ "فأجاب" بقوله يجوز له ذلك وهذه قد يلغز بها فيقال لنا حر ينكح أربع إماء وإذا جمعن بعد ذلك لم يتفسخ نكاح واحدة منهن.
"وسئل" هل يشترط على الجد إذا جمع بين الإيجاب والقبول لموليته في النكاح أن يأتي في الشق الثاني بالواو وهل يطرد ذلك في البيع؟ "فأجاب" بقوله نقل بعضهم أنه يشترط ذلك في النكاح ولا يخلو من نظر ويحتمل إلحاق البيع بالنكاح في ذلك والفرق وعدم الفرق أوجه إذ وجه الاشتراط من الإتيان برابط من كلامه حتى لا يحصل بينهما انفصال يأتي في البيع والفرق بأن النكاح يحتاط له لا ينهض هنا.

 

ج / 4 ص -26-          "وسئل" بما صورته أذنت لوليها وهي في العدة أن يزوجها إذا حلت فهل يصح الإذن؟ "فأجاب" بقوله نعم يصح ويحتمل أن يلحق به ما لو أذنت له قبل خلعها أن يعيدها بعد الخلع من زوجها ويحتمل خلافه والفرق بأن العصمة هنا باقية فكان المانع أعلى وما لو أذن له أن يزوج أمة أو مجوسية فوجدت فيه شروط نكاح الأمة وأسلمت المجوسية.
"وسئل" عن قولهم يسن أن يتزوج من ليست قرابة قريبة فإنه مشكل بتزوج علي بفاطمة رضي الله تعالى عنهما؟ "فأجاب" بقوله أجاب الشمس البرماوي بأنها ليست قرابة قريبة إذ هي التي أول درجات الحل كبنت العم والعمة والخال والخالة بخلاف التي في ثاني درجاته فإنها بعيدة كفاطمة رضي الله تعالى عنها فإنها بنت ابن عم علي رضي الله تعالى عنه ويرد عليه تزويج زينب بأبي العاصي بن الربيع وهو ابن خالها والجواب أن الأحكام لم تكن حينئذ قد اشتهرت بدليل أن أبا العاصي لم يكن مسلما حينئذ.
"وسئل" عمن تزوج امرأة ثم مات قبل الوطء فادعى ورثته أنه تزوج بها وهو محجور عليه حتى يفسد النكاح فلا ترث منه ولا مهر ولا نفقة لها وأنكرت فمن المصدق؟ "فأجاب" بقوله فرق الزركشي وغيره بين تصديق السيد إذا قال كاتبتك وأنا مجنون أو محجور علي وعرف سبق ما ادعاه وعدم تصديق الولي إذا زوج بنته ثم قال كنت مجنونا أو محجورا علي يوم صدقها وإن عهد له ذلك بأن الحق في النكاح تعلق بثالث بخلافه في غيره وقضية هذا الفرق تصديق الزوجة في صورة السؤال دون الورثة ويؤيده ما في الروضة أواخر النكاح من الفرق بين عدم مجيء الخلاف في النكاح بأن الغالب في الأنكحة الاحتياط لها وعقدها بشروطها وبحضرة الشهود وغيرهم بخلاف البيع فإن وقوعه فاسدا كثير اهـ. لكن في الأنوار آخر الدعاوى عن القاضي أنه لو تزوج بامرأة فماتت قبل الدخول وادعى وارثها المهر فقال كنت طفلا يومئذ فلم يصح العقد صدق بيمينه وهذا مخالف لما مر إلا أن يحمل ما ذكروه في النكاح كما ذكره بعضهم على ما إذا عرف له حالة جنون وحالة إفاقة أو حالة حجر وحالة رشد واختلفا هل وقع العقد في حالة الحجر أو الجنون أم لا فحينئذ القول قول مدعي الصحة في النكاح خاصة بخلاف البيع ونحوه أما من ادعى بقاء نحو الحجر الذي عهد واستمراره فهو المصدق لأن الأصل معه وقد ذكروا أنها لو ادعت وقوع عقد النكاح بلا ولي ولا شهود صدقت بيمينها وإن كان خلاف الظاهر والغالب في الأنكحة نظرا إلى الأصل في هذه الصورة فكذلك يقال في مسألتنا.
"وسئل" عمن خطب امرأة ولم يتيسر له رؤيتها ولا إرسال امرأة تنظرها فهل يجوز له نظر ولدها الأمرد لحاجة؟ "فأجاب" بقوله بحث الغزي الجواز إن بلغه استواؤهما في الحسن وفيه نظر لأن من بلغه منه استواؤهما يمكنه أن يستوصفه عنها.

 

ج / 4 ص -27-          "وسئل" هل يجوز خطبة نحو أمة الولد قبل الاستبراء؟ "فأجاب" بقوله لا يجوز ذلك لأن الاستبراء كالعدة.
"وسئل" هل يشترط في صحة النكاح تعيين الزوجة؟ "فأجاب" بقوله نعم يشترط معرفتها بالاسم والنسب أو بالمعاينة فلو كانت وراء ستر أو منتقبة لم يصح ذكره المتولي نعم ذكر الرافعي أنه لو زوجه التي في الدار صح إن كانت وحدها اهـ.
"وسئل" عن امرأة زوجت برضاها من مجهول فإذا هو غير كفء فهل يصح النكاح؟ "فأجاب" بقوله صرح الغزالي في الوسيط وغيره في هذه المسألة بصحة النكاح وكان وجهه أن إذنها في المعين متضمن للرضا به وإن كان غير كفء ولا أثر لظنها كفاءته لتقصيرها بترك الشرط.
"وسئل" بما صورته عقد النكاح بنقد من ضرب بعض الملوك وهو غير موجود في بلد العقد فهل تكون التسمية فاسدة؟ "فأجاب" بقوله ذكر الرافعي في البيع أنه إذا باع بنقد انقطع عن أيدي الناس بطل لعدم القدرة على التسليم وكذا إن وجد في غير بلد العقد والبيع حال أومؤجل إلى مدة لا يمكن نقله قبل الحلول والصداق كالثمن فيأتي فيه ذلك.
"وسئل" عمن قال زوجتك بنتي بكذا فقال تزوجتها ولم يقل بذلك أو نحوه فهل ينعقد بالمسمى في الإيجاب أو بمهر المثل؟ "فأجاب" بقوله قياس ما ذكروه في البيع من أنه يكتفي بذكر الثمن في أحد الجانبين أنه هنا ينعقد بالمسمى وكون ذكر الثمن شرطا لصحة البيع بخلاف ذكر الصداق لا يقتضي فرقا بينهما خلافا لما أوهمه كلام الإسنوي في أسئلته للبارزي لأن الملحظ هو دلالة تقدم ذكره في الإيجاب وقبوله له على أنه مذكور بالقوة فوجب والبابان مستويان في ذلك وقول البارزي في هذه المسألة لا ينعقد النكاح من أصله مبني على ضعيف.
"وسئل" هل يصح النكاح بالمستورين مطلقا؟ "فأجاب" بقوله استثنى ابن الصلاح من ذلك ما إذا كان العاقد هو الحاكم قال وإلا لم يجز بهما اتفاقا لتيسر إحضار العدول باطنا على الحاكم لكن شنع عليه بعض المتأخرين في ذلك تشنيعا فاحشا وبعضهم نسبه إلى أنه تفرد بذلك ومع ذلك فالأوجه ما قاله لما علل به لو أيضا فتصرف الحاكم حكم فيما يدخل تحت أحكامه وولايته فلو جاز له العقد بالمستورين لكان فيه حكم منه بصحته وذلك ممتنع عليه لما صرحوا به من أنه لو رفع إليه عقد بهما لم يحكم بصحته والظاهر أنه لا فرق فيما ذكره ابن الصلاح بين الحاكم الفاسق وغيره لصحة توليته مع فسقه حيث ولاه ذو شوكة ففسقه لا يؤثر في ولايته حينئذ بخلاف فسق الشاهدين وهل لو تعذر عليه إحضار ذي عدالة باطنة يجوز له العقد بالمستورين للضرورة محل نظر لكن اختار جمع من متأخري اليمنيين انعقاد النكاح بالفاسقين فضلا عن المستورين حيث لم يوجد عدل في تلك الناحية.

 

ج / 4 ص -28-          "وسئل" عن أهل بلد يفتخرون بالأموال لا بالأنساب فهل يكون الفقير فيهم كفؤا للغنية منهم أم لا؟ "فأجاب" بقوله نعم يكون فقيرهم كفؤا لموسرهم، والله سبحانه وتعالى أعلم.
"وسئل" عن كثير يطلق كل منهم زوجته على البراءة من مهرها فتبرئه منه ثم يزوجها وليها من نسب أو غيره كقاض من غير سؤال عن رشدها وقت الإبراء وقد يعلم أنها غير رشيدة لبلوغها تاركة الصلاة مستمرة على الترك ما حكم ذلك؟ "فأجاب" بقوله إذا طلق على البراءة اشترطت براءة صحيحة وإلا لم يقع شيء فعلى الولي إذا أراد أن يزوج من طلقت بالبراءة أن يبحث عن كيفية الطلاق وهل هي رشيدة أو سفيهة وهل هو بائن أو رجعي أو لم يقع أصلا فإن وجد مساغا للوقوع زوج بعد انقضاء العدة وإلا أمسك ولا يجوز له بعد أن علم أن الطلاق معلق بالبراءة وأن موليته غير رشيدة أن ينكحها آخر لأنها لم تطلق فإن فعل عزر التعزير البليغ إن لم يعذر في ذلك لقرب عهده بالإسلام أو نشئه بعيدا عن العلماء وقد صرحوا بأن النكاح لتعلقه بالأبضاع لا بد فيه من مزيد تثبت واحتياط ومنه أنه لا بد فيه من تحقق شروطه فإن تحققها الولي باشره بنفسه أو وكيله وإن شك في بعضها لزمه أن يتثبت حتى يزول شكه، والله سبحانه وتعالى أعلم.
"وسئل" عمن زوج بنته من تارك الصلاة إجبارا هل يصح أو لا لفسقه وهي كثيرة الوقوع جدا؟ "فأجاب" بقوله إذا كانت بنته مصلية لم يصح تزويجها إجبارا من تارك الصلاة لأنه غير كفء فلا بد في صحة تزويجها منه من رضاها به بعد بلوغها إذ من شروط إجبار الولي أن يكون الزوج كفؤا كما صرحوا به.
"وسئل" عن قاض زوج امرأة مع حضور أبيها ولم يكن به مانع من الولاية ثم طلقها الزوج ثلاثا ثم أراد أن يتزوجها لكون الأول كان فاسدا ما الحكم؟ "فأجاب" بقوله لا يقبل من الزوج ولا من الولي ولا من الزوجة هذه الدعوى بل يحكم بوقوع الطلاق الثلاث ظاهرا وأنها لا تحل له إلا بمحلل ولا تقبل بينة شاهدة بما ذكر لأنها تريد أن ترفع حق الله سبحانه وتعالى الذي هو حرمتها عليه إلا بعد التحليل نعم إن علم الزوج أن الولي لم يأذن للقاضي أصلا وكذا الزوجة وتيقن ذلك تيقنا جازما لا ريب فيه وتيقن أن القاضي شافعي وأن العقد باطل على مذهب الشافعي جاز له فيما بينه وبين الله سبحانه وتعالى نكاح هذه المرأة بولي وشاهدين ومتى اطلع عليهما حاكم عاقبهما بقضية جريمتهما التي ترتبت عليهما باعتبار الحكم الظاهر ولا ينبغي للزوج أن يسارع إلى ذلك فإن الولي قد يكون أذن للقاضي في غير ذلك المجلس وعلى التنزل فعقد الفضولي صحيح عند مالك وأبي حنيفة رضي الله تعالى عنهما وعلى التنزل فيحتمل أن المرأة أذنت له والعقد حينئذ صحيح وإن لم يرض وليها عند أبي حنيفة رضي الله عنه وإذا احتمل هذه الأمور وأن القاضي قلد القائل بذلك من العلماء كان النكاح صحيحا بناء على وقوع أحد تلك

 

ج / 4 ص -29-          الاحتمالات وكان الطلاق واقعا باطنا وظاهرا وحينئذ يتيقن تحريمها على الزوج إلا بعد محلل بشروطه المذكورة في محلها والنكاح مبني على الاحتياط ما أمكن فلا ينبغي الإقدام على صورة منه إلا بعد تيقن الوجه الشرعي فيها، والله سبحانه وتعالى أعلم.
"وسئل" بما صورته لو نسب شخص نفسه إلى مذهب من مذاهب المبتدعة هل يعطى حكم ما يقتضيه المذهب المنسوب إليه حتى لو كان المذهب مكفرا كفرا لمنتسب أم لا بد من صدور المكفر بعينه من المنتسب وكذا هل بمجرد الانتساب يصير غير كفء للسنية أم لا؟ "فأجاب" بقوله أما السؤال الأول فينبني على أن لازم المذهب مذهب والأصح أنه غير مذهب وإذا لم نكفر المجسمة أو الجهمية أو المنكرين للكلام النفسي بمجرد ذلك وإن لزم عليهم مكفرات كما هو مقرر في محله لجواز أنهم لا يعتقدون تلك اللوازم وقال جماعة من الأئمة بكفرهم بناء على القول المقابل للأصح أن مقابل المذهب مذهب إذا تقرر ذلك فمن اعتقد مذهبا من مذاهب أهل البدعة فإن كان ذلك المذهب كفرا صريحا كالقول بقدم العالم أو بإنكار الحشر أو العلم بالجزئيات كان اعتقاده بمجرده كفرا إجماعا ولا يتأتى فيه ذلك الخلاف وإن كان ذلك المذهب ليس كذلك وإنما يلزم أهله مكفر أو مكفرات فمجرد اعتقاد المذهب لا يكون كفرا على الأصح السابق وإنما يكفر إن صرح باعتقاد لازم من تلك اللوازم المكفرة.
وأما السؤال الثاني فجوابه أنهم صرحوا بأن المبتدع ليس كفؤا للسنية ولا معنى للمبتدع إلا معتقد مذهب من مذاهب أهل البدعة فالاعتقاد بمجرده مانع لمكافأته للسنية لأنهم لم يجعلوا للانتساب إلى البدعة غاية زمانية فاقتضى أنه لا فرق بين الزمن القليل والكثير وهذا ظاهر وإنما الذي يحتاج إلى نظر ما لو تاب المبتدع أو ترك ذو الحرفة الدنيئة حرفته فمتى يكافئ الأول السنية والثاني ذات الحرفة العلية وقد ذكرت حكم ذلك بحثا في شرح الإرشاد وعبارته تنبيه صريح كلامهم أن خصال الكفاءة إنما تعتبر عند العقد فلو كافأها عنده ثم طرأ له صفة خسيسة لم تعتبر في فسخ النكاح خلافا لمن توهمه ونسبه لقضية كلام التنبيه والمهذب نعم إن ترك حرفته الدنية قبل العقد لم يؤثر إلا إن مضت سنة بين ابتداء الترك والعقد أخذا من كلامهم الآتي في استبراء الشاهد من الفسق وخوارم المروءة ثم رأيت الأزرق أطلق عود كفاءة وغيره أطلق عدمه وفرق بين ما هنا والشهادة بأنها حق الله سبحانه وتعالى والكفاءة حق الأولياء وبترك الحرفة الدنية لا يزول العار اهـ. وزعمه عدم زوال العار بتركها ممنوع كما لا يخفى انتهت عبارة الشرح المذكور.
"وسئل" عن عقد النكاح هل يصح بمستوري العدالة أم لا فإن قلتم نعم فهل يصح ظاهرا وباطنا فإن قلتم ظاهرا فهل يكفي لصحته باطنا العدالة الباطنة في نفس الأمر أو لا بد من ثبوتها عند قاض؟ "فأجاب" إنما يصح النكاح بالمستورين ظاهرا لا باطنا ألا ترى أنه لو بان فسقهما بان بطلانه ولو صح باطنا لم يبين بطلانه بتبين فسقهما ويكفي لصحته باطنا

 

ج / 4 ص -30-          وجود العدالة في نفس الأمر وإن لم يحكم بها حاكم لأن حكم الحاكم لا يحل حراما ولا يحرم حلالا بل إن صادف الشروط نفذ ظاهرا وباطنا وإلا نفذ ظاهرا فقط.
"وسئل" عن الشريف ابن الجاهل هل يكون كفء بنت عالم غير شريف أم لا والعالم ابن الجاهل هل هو كفء جاهلة بنت عالم أم لا؟ "فأجاب" بأنه لا تكافؤ في المسألة بأقسامها لأن بعض الخصال لا يقابل ببعض بل لا بد من استواء الزوجين وآبائهما في سائر الأوصاف التي تشترط في الكفاءة من جهة الزوجين وآبائهما.
"وسئل" عن مستولدة المبعض هل يزوجها هو بالملك أم لا؟ "فأجاب" بقوله أن البغوي أفتى بأن أمة المبعض لا تزوج أصلا وأقره الإسنوي وغيره لرقه ورده البلقيني بأنه مفرع على الضعيف أن السيد يزوج أمته بالولاية أما على الصحيح أنه يزوج بالملك فإنه يزوجها به كالمكاتب وقول السائل مستولدة المبعض يوهم أن إيلاد المبعض لأمته صحيح وليس كذلك بل لا ينفذ إيلاده ما بقي فيه جزء من الرق كالمكاتب لأنه ليس لهما أهلية الولاء هذا أعني عدم ثبوت استيلاد المبعض هو ما جزم به الشيخان في النكاح فقالا كالأصحاب.
ولو استولد الأب المبعض جارية الابن لم يثبت استيلاده وجرى على ذلك المتأخرون ومنهم شيخنا زكريا في شرح الروض فقال تعليلا لما ذكر عن الشيخين المبعض والمكاتب لا يثبت الاستيلاد بإيلادهما أمتهما فبإيلاد أمة ولدهما أولى قال الزركشي وعدم ثبوت استيلاد المبعض هو قضية كون المبعض ليس بأهل للعتق أي الذي صرح به الأصحاب وبهذا الذي قررته يعلم ضعف قول الماوردي أنه يثبت استيلاد المبعض وإن مال إليه البلقيني وتبعه جماعة في باب الاستيلاد غفلة عن كلام الشيخين الذي قدمته منهم شيخنا المذكور فإنه ذكر في باب أمهات الأولاد أن أمة المبعض تصير مستولدة وغفل عما قدمه هو في النكاح وهو معذور فإنه في النكاح رأى كلام الشيخين الذي ذكرته وهو صريح كما ترى في عدم ثبوت استيلاده فجزم به في هذا الموضع كما علمت ولما وصل إلى باب أمهات الأولاد رأى كلام الماوردي وغفل عما قدمه وعن كلام الشيخين فتبع الماوردي سيما مع كونه رأى البلقيني مال إليه فالحاصل أن المعتمد ما قدمته من عدم نفوذ استيلاده كما يصرح به كلام الشيخين والأصحاب الذي تلي عليك فإن قلت كيف يسوغ اعتماد هذا مع قول الزركشي وعن نص الأم ثبوت استيلاده قلت لا يضرنا ذلك لو فرضت صحة هذا النقل لأن للشافعي في المسألة قولين رجح الماوردي منهما الثبوت ورجح بقية الأصحاب لما ذكرناه عنهم عدمه فقدم ما رجحوه سيما.وقد تبعهم الشيخان وغيرهما على ما رجحه الماوردي فإن قلت قد فرق البلقيني بين إيلاد المبعض لأمة نفسه وإيلاده لأمة أبيه فلا حجة حينئذ في كلام الشيخين المذكور قلت قد ذكر البلقيني نفسه أن في كلامهما ذلك دلالة على عدم ثبوت استيلاده

 

ج / 4 ص -31-          وهذا هو الحق وأما فرقه بينهما فهو في غاية الضعف كما يعرف بتأمله، والله سبحانه وتعالى أعلم.
"وسئل" عما محصل المعتمد من كلامهم في امرأة جاءت للقاضي وادعت أنها خلية من نكاح وعدة ليزوجها فهل يقبل قولها بيمينها أو لا بد من بينة؟ "فأجاب" بقوله المعتمد كما في الخادم في الموانع وفاقا لابن الرفعة أنه يقبل قولها وإن عرف لها نكاح سابق سواء التي زوجها حاضر بالبلد أو غائب واستدل على ذلك بكلام الشيخين الصريح في مدعية التحليل وبسط الكلام على ذلك وللدبيلي تفصيل نقله عنه في القوت وبسط الكلام فيه ومال إليه وللشيخين في أواخر الدعاوى عن البغوي ما يؤيد بعضه ومال إليه الأسنوي.
"وسئل" عما إذا سمى الخاطب نفسه بغير اسمه لعذر أو غيره فهل يصح النكاح؟ "فأجاب" بقوله إن وقعت إشارة قلبية أو حسية منها إليه في الإذن صح كما لو خاطبه الولي بالنكاح ولم يربطه باسمه ونسبه وإن ربط هو أو هي القبول أو الإيجاب باسمه ونسبه الغير المطابق لم يصح وعليه حملوا نص البويطي المطلق للبطلان لكن فيه إشارة إلى أن الفرض أنه لا إشارة ولا نية.
"وسئل" هل للولي الاعتماد على صوت موليته في إنكاحها وإن كانت من وراء حجاب أو في ظلمة إذا كان يعرف صوتها؟ "فأجاب" بقوله نعم له ذلك لأن المقام مقام رواية لا شهادة ومن ثم لم يشترط الإشهاد على إذنها للولي ولو حاكما على اضطراب فيه ولو قال ولي أذنت لي أو وكيل وكلني فلان في تزويج موليته جاز للزوج قبول النكاح منه اعتمادا على قوله وصحح في الكفاية قول الشامل أنه لو قال لآخر زوجتك هذه وهي منتقبة أو خلف ستر والزوج لا يعرفها باسمها ونسبها صح قال وفي معناه إذا كانت في الدار وليس فيها غيرها ومخالفة المتولي للشامل فيما ذكر ردها المتأخرون كذا قيل وفيه نظر بل الذي في كلام جمع منهم الجمع بين كلام الغزالي وإطلاق الأصحاب والاكتفاء بالإشارة كما بينته في بعض الفتاوى فعليك به فإنه نفيس مهم.
"وسئل" بما صورته أخبر موثوق به قاضيا بإذن امرأة له في تزويجها وغلب على ظنه صدقه فهل له أن يزوجها بهذا الإذن؟ "فأجاب" بقوله لا يجوز إن قلنا إن تصرفه حكم لأن تزويجها حينئذ حكم بصحة إذنها حتى لا يقبل منها إنكاره بعد ذلك والحكم بذلك لا بد أن يستند إلى شهادة عدلين أما لو أخبره الموثوق به عن إذن وليها له في تزويجها فإنه يجوز له ذلك لأن تصرفه حينئذ بالوكالة عن الولي لا بالولاية وقولهم تصرفه حكم محله فيما يدخل تحت أحكامه وولايته وتزويجه بالوكالة كبيعه وشرائه لا يدخل تحت الحكم ولا يفتقر لإقامة البينة عنده بتوكيل في البيع والشراء.
"وسئل" عمن قال زوجتك بنتي بكذا قل قبلت نكاحها فقاله فهل يؤثر قوله قل إلخ؟

 

ج / 4 ص -32-          "فأجاب" بقوله لا يؤثر في ذلك لأنه من مصالح العقد على أن قياس ما ذكروه في البيع أن الفصل بكلام اليسير إنما يضر من المخاطب المطلوب جوابه وهو الزوج في هذه المسألة دون الولي.
"وسئل" بما صورته حلف الولي بالطلاق أنه لا يزوج ابنته لزيد فخطبها رجل من أخيها فامتنع فزوجه القاضي فهل يصح لكون الولي عاضلا وللشهود حضور العقد أو لا وإذا أقرت امرأة بالرضاع بينها وبين آخر فهل تقبل أو لا؟ "فأجاب" بقوله ما ذكر ليس بعضل لأن شرط العضل أن تطلب بالغة عاقلة التزويج من كفء ولو عنينا أو مجبوبا بشرط أن يخطبها وأن تعينه ولو بالنوع بأن خطبها أكفاء ودعت إلى أحدهم فإذا امتنع الولي حينئذ من التزويج مطلقا أو إلا ممن هو أكفأ من ذلك المعين وثبتت ذلك عند القاضي ولم يتكرر عضل الولي ثلاث مرات زوجها القاضي ولو بحضرة الولي ومتى فقد شرط من ذلك لم يصح تزويج القاضي ولم يجز للشهود إعانته عليه بل المزوج في مسألة تكرر العضل ثلاثا هو الأبعد إن لم يغلب على ذلك طاعات الولي وإلا فالمزوج القاضي وإن تكرر العضل ثلاثا فأكثر وأما دعواها الرضاع فيقبل منها بيمينها قبل العقد وكذا بعده إن زوجها مجبر وأذنت ولم تعين أحدا ولم تمكنه من نفسها في الصورتين فحينئذ لا يصح تزويجها ويحكم ببطلانه إن أقرت بعده.
"وسئل" عمن استشير في أمر نفسه عند زواج أو ولاية هل يجب عليه ذكر مساويه؟ "فأجاب" بقوله الذي يتجه في ذلك أخذا مما ذكروه فيما لو استشير في غيره أنه يقول لا خير لكم في فإن لم يندفعوا إلا بذكر شيء وجب ذكر شيء مما فيه مما ينفي الرغبة فيه فإن لم يندفعوا إلا بذكر الكل وجب ويحتمل أن يفرق بأن الغير ثم هو الطالب فوجب بيان حاله وهنا هم الطالبون فحيث قال لهم لا خير لكم في ولم يندفعوا كانوا مقصرين وعليه فمحل ذلك في عيوب لا تخل بالكفاءة في النكاح أو الولاية في غيره وإلا لم يجز له القبول معها ما لم يبينها لهم ويرضوا بها بالنسبة إلى الكفاءة وللبارزي هنا تفصيل حاصله أنه يجب ذكر العيب المثبت للخيار ويسن ذكر نحو الشيخ وفي المعاصي يتوب ثم الأولى له الستر هذا في الزواج وفي الولاية يجب أن يبين عدم كفاءته أو جنايته وما ذكرته أوفق بقواعدهم كما يعرف بتأملها.
"وسئل" عن قول الموجب لعقد النكاح زوزتك بإبدال الجيم زايا أو جوزتك بإبدال الزاي جيما أو فتح التاء التي للمتكلم فهل ينعقد النكاح أو لا؟ "فأجاب" بقوله قضية كلام الإسنوي في كوكبه أن فتح تاء المتكلم يضر مطلقا وعلله بأنه يخل بالمعنى وهو ظاهر بالنسبة للنحوي أما غيره فالذي يتجه أن ذلك لا يضر بالنسبة له وكذا يقال في إبدال الكاف همزة أو الجيم زايا أو بنحو ذلك من اللغات التي ألفتها العامة كما بينته في شرح الإرشاد أخذا من قول الغزالي إن زوجت إليك أو لك صحيح لأن الخطأ في الصيغة إذا لم يخل

 

ج / 4 ص -33-          بالمعنى ينبغي أن يكون كالخطإ في الإعراب ويؤيد ذلك أيضا إفتاء الشرف ابن المقري بأنه إذا كان في عرف بلدهم فتح تاء المتكلم ويفهمون المراد لم يكن قادحا في عقد النكاح.
"وسئل" بما لفظه لو غاب ماله مرحلتين فأكثر وأراد نكاح مجبرة وقلنا بمقالة القاضي حسين ومتابعيه من اشترط اليسار بمهر مثلها فهل له ذلك أو لا؟ "فأجاب" بأنهم صرحوا بأن من غاب ماله مرحلتين فأكثر معسر حكما ومن ثم ألحقوه بالمعسر حقيقة في فسخ البيع والنكاح وفي باب قسم الصدقات فقالوا له أخذ الزكاة من سهم الفقراء وقضية ذلك إلحاقه به أيضا في عدم صحة تزويجه للمجبرة بناء على طريقة القاضي حسين ومن تبعه وهي المعتمدة كما بينته في شرح الإرشاد ويحتمل الفرق بين هذه الصورة والصورة المسئول عنها بأن يقال إنما ألحقوه بالمعسر ثم إزالة للضرر الحاصل من إلحاقه بالموسر لتضرر البائع والزوجة بالصبر إلى إحضار ماله كما صرحوا به ولتضرره هو بعدم الأخذ من الزكاة لأنه فقير في الحال وأما في مسألتنا فلا ضرر على الزوجة لأن المهر لا يجب بالعقد وإنما يجب بالتمكين بعده ولم يتحقق استمرار غيبة ماله إلى التمكين فإن قلت قياس هذا أنه لا يشترط يساره عند العقد قلت ممنوع فإن المعسر الأصل استمرار إعساره مع أن احتمال يساره عند التمكين القريب من العقد غالبا بعيد بخلاف من غاب ماله فإنه موسر شرعا وعرفا كما صرح به الأذرعي لكن في تعليل مقالة ضعيفة مع أن احتمال إحضار ماله عند التمكين أو قبله قريب كما لا يخفى وإنما أعطى حكم المعسر لمعنى وذلك المعنى لم يوجد نظيره في مسألتنا والحاصل أن الأقرب إلى ظواهر عباراتهم أنه يعطى حكم المعسر في مسألتنا أيضا وأن الأقرب إلى المدرك الذي ذكرته أنه لا يعطى حكمه وأنه يصح تزويج المجبرة منه وهذا هو الذي يتجه عندي الآن ولعل الله تعالى يفتح في هذا وما قبله بنقل يكشف القناع عنه.
"وسئل" عن قول الألثغ في إيجاب عقد النكاح وقبوله زودني أو أنتحني وتزويدها ونتاجها بدلا عن زوجني وأنكحني وتزويجها ونكاحها هل يرتبط بذلك صحة أم عدمها قال السائل وظهر لي عدم صحة ذلك وأن طريقه التوكيل ويفرق بينه وبين الصلاة بأنها لا تقبل النيابة؟ "فأجاب" بأن الذي يتجه فيها كما ذكرته في شرح الإرشاد أخذا من قول الغزالي إن زوجت إليك أو لك صحيح لأن الخطأ في الصيغة إذا لم يخل بالمعنى ينبغي أن يكون كالخطإ في الإعراب اهـ. إن جميع ما ذكر فيها ونحوه من اللغات التي ألفتها العامة لا يضر ويؤيد ذلك إفتاء الشرف ابن المقري بأنه إذا كان في عرف بلدهم فتح تاء المتكلم ويفهمون المراد لم يكن قادحا في عقد النكاح ولا فرق في ذلك بين العارف وغيره اهـ. وإفتاء أبي شكيل بنحو ذلك حيث قال إن هذا لحن لا يخل المعنى فلا يخرج به اللفظ عن موضوعه فيكون صريحا اهـ. وأما ما اقتضاه كلام الإسنوي في كوكبه من أن فتح تاء المتكلم يضر مطلقا وعلله بأنه يخل بالمعنى فينبغي حمله على النحوي لأن ذلك إنما يخل بالمعنى في حقه

 

ج / 4 ص -34-          دون غيره ويؤيد ذلك تسويتهم أيضا بين إن وإن في باب الطلاق بالنسبة للعامي وفرق بينهما بالنسبة للنحوي وبما تقرر يعلم اندفاع بعض من أدركته بأن فتح التاء يضر من العامي وغيره مطلقا وأن كلام الإسنوي السابق يوافقه وإنما لم يكلف العامي بالتوكيل لأنه يشق.
"وسئل" عمن لو كان للإنسان زوجة جنية فخاف منها فطلقها فسمع منه لفظ الطلاق فهل ذلك يمكن ويقع طلاق بذلك؟ "فأجاب" بقوله ما ذكر من أن الإنسي قد يقع له تزويج بجنية فهو أمر ممكن بل واقع كما حكاه غير واحد ومع ذلك إذا سمع من رجل لفظ طلقتك أو أنت طالق بحضرة زوجته الإنسية أو طلقت زوجتي فإنما ينصرف لزوجته الإنسية ولا يقبل قوله إنما أردت زوجتي الجنية وإن قلنا بحل نكاح الجان وهو ما قاله جماعة من أئمتنا لكن المعتمد أنه لا يحل نكاحهم.
"وسئل" عن امرأة ذكرت أنه ليس لها ولي أصلا أو غائب الغيبة الشرعية وحكمت رجلا أن يزوجها من كفء هل له ذلك إذا كان فيه أهلية القضاء أم لا سواء كانت في قرية بها حاكم أو لا أوضحوا لنا ما نعتمد عليه ونقرره في الفتاوى ولا خفاء على مولانا ما في المسألة من الاضطراب وما ذكره الروياني من الجزم بالصحة في كتابيه البحر والحلية؟ "فأجاب" بقوله حيث كان المحكم فيه أهلية القضاء جاز ولو مع وجود القاضي أو لا أهلية فيه لكنه عدل جاز مع فقد الحاكم لا مع وجوده وهذا هو المعتمد في هذه المسألة.
"وسئل" عن إماء مشتركات بين كثيرين بعضهم مفقود وبعضهم موجود غائب لا يمكن استئذانه والحال أنهن تضررن بعدم النفقة فهل لهن سبيل في أن يتزوجن بإذن من حضر من ساداتهن أو بتقويم حصص الغائبين وتملكها أو غير ذلك من طرق الشرع أو لا؟ "فأجاب" رضي الله تعالى عنه بقوله لا سبيل إلى تزويجهن بإذن من حضر فقط ولا إلى أن الحاضرين يتملكونهن بتقويم ولا غيره وإنما النظر على حصص الغائبين للقاضي فيلزمه فعل الأحظ للغائبين من الإنفاق عليهن أو بيعهن وحفظ ثمنهن إلى حضورهم أو الحكم بموتهم.
"وسئل" بما لفظه ما حكم الطب للكافر؟ "فأجاب" بقوله يجوز طب المسلم للكافر ولو حربيا كما يجوز له أن يتصدق عليه لقوله صلى الله عليه وسلم:
"في كل كبد حراء وفي رواية رطبة أجر" وأما تطبب المسلم بكافر فإنما يجوز إن فقد مسلما غيره يقوم مقامه وكان ذلك الكافر مأمونا بحيث لا يخشى ضرره.
"وسئل" عن عبد مالكه غائب أو محبوس أو مأسور أو مفقود والعبد محتاج إلى النكاح أو كان واستأذنه فلم يأذن وهو يخاف الوقوع في العنت فهل له أن ينكح حينئذ؟ "فأجاب" بقوله ليس له أن ينكح في صورة من هذه الصور إلا بعد صريح إذن سيده ولا نظر لخوف عنت ولا لغيره وبحث ابن الرفعة حل شرائه بقوته المضطر إليه ولو بلا إذن لا ينافي ذلك

 

ج / 4 ص -35-          لوضوح الفرق بين البابين فإن الخشية على النفس أو نحو العضو لا يلحق بها غيرها.
"وسئل" عن أمة مالكها غائب وهي محتاجة إلى النكاح فهل يصح تزويجها مع أن في ذلك حصول المهر للغائب أو هل يقوم ذلك مقام بيع الحاكم ماله إذا ظهرت فائدة ومصلحة؟ "فأجاب" بقوله لا يصح تزويجها من الحاكم ولا من غيره في غيبة مالكها أو حضوره إلا بعد صريح إذنه سواء احتاجت للنكاح أم لا نعم إن رأى الحاكم بيعها لأن الحظ فيه للغائب باعها ويزوجها سيدها الذي اشتراها إن شاء.
"وسئل" هل يجوز عقد النكاح تقليدا لمذهب داود من غير ولي ولا شهود أو لا وإذا وطئ هل يحد أو لا ففي نفائس الأزرقي ما صورته إذا نكح بلا ولي تقليدا لأبي حنيفة أو بلا شهود تقليدا لمالك ووطئ فإنه لا يحد فلو نكح بلا ولي ولا شهود أيضا حد كما قاله الرافعي لأن الإمامين اتفقا على بطلانه قلت ولا يخلو من نظر فإنه ظاهر كلام التنبيه أنه لا يحد وأيضا فقد حكى النووي في شرح مسلم أن نكاح المتعة لا ولي فيه ولا شهود على ما دل عليه الحديث فإذا كان كذلك فلا حد وقد رأيت جوابا منسوبا إلى الفقيه الصالح محمد بن عمر وأنه لا يحد في النكاح بلا ولي ولا شهود على الصحيح ويؤيده ما حكيناه عن النووي في شرح مسلم اهـ. فبينوا لنا حكم هذه المسألة بيانا شافيا؟ "فأجاب" بقوله لا يجوز تقليد داود في النكاح بلا ولي ولا شهود ومن وطئ في نكاح خال عنهما وجب عليه حد الزنا على المنقول المعتمد فقد قال الزركشي في تكملته عبارة المحرر كالنكاح بلا ولي ولا شهود ومراده النكاح بلا ولي فقط أو النكاح بلا شهود فقط لا المجموع أي الخالي عنهما ويرشد إليه جعله مثالا للمختلف فيه فإن فاقد كل منهما مجمع على تحريمه لكن فيه إيهام فلذا عدل عنه المنهاج إلى أحدهما قال وما ذكرناه عند فقد كل منهما خصه القاضي حسين بالشريفة فأما الدنية فلا حد لخلاف مالك فيه اهـ. وأخذ ذلك من قول شيخه الأذرعي في قوته قال القاضي ومحل الخلاف في الحد في النكاح بلا ولي إذا حضره شاهدان أما إذا لم يحضراه ولا حصل إعلان فالحد واجب لانتفاء شبهة اختلاف العلماء وإن وجد الإعلان خاصة فإن لم يكن ولي وجب وإلا فلا اهـ. قال غيرهما ومحل الخلاف أيضا قبل الحكم بصحته أما بعده فلا يحد قطعا قاله الماوردي اهـ. وبنقلهما الإجماع على التحريم إذا خلا عن الولي والشاهدين والإعلان يبطل قول من قال إن داود يجيز ذلك ويبطل الإفتاء المنقول في السؤال عن محمد بن عمر وإن سبقه إليه بعض شراح المنهاج ونقل عن اقتضاء كلام الشيخين في اللعان وكيف يقال في مجمع عليه لم يثبت القول به في زمن عن أحد ممن يعتد به أنه لا حد به على أن مجرد الخلاف لا يعتد به ألا ترى أن أئمتنا قالوا بالجد في مسائل فيها خلاف لكنهم أجابوا عن ذلك بأنا لا نعتبر الخلاف في الحد مطلقا ولا في الإباحة إلا إن كان قويا بخلاف الخلاف الضعيف جدا فإنا

 

ج / 4 ص -36-          لا نعتبره ولا نعول عليه فلو فرض أن داود قائل بحل ذلك لم يلتفت إليه على أن كثيرين من أصحابنا منعوا من تقليده كسائر الظاهرية لأنهم لإنكارهم القياس الجلي يرتكبون السفساف من الآراء فلم يعتد بآرائهم وفارق ما نحن فيه نكاح المتعة بأن الخلاف فيه قوي وقد صح عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه كان يفتي به ولم يصح أنه رجع عنه خلافا لمن زعمه وعلى التنزل فالإجماع لا ينسخ بل ولا يرفع الخلاف السابق على أن الإجماع لم يتم فقد حكي عن ابن سريج أنه قائل بنكاح المتعة وقال به طائفة كثيرة من الشيعة واستدلوا له بالقرآن والسنة والإجماع على إباحته أولا ثم الاختلاف في تحريمه والأصل عدمه وهذه أدلة متماسكة إلا أن خلاف الشيعة لا يعتد به كما صرح به النووي وقد صح تحليلها ثم تحريمها إلى يوم القيامة ومما يدل على عدم رجوع ابن عباس ما رواه الطحاوي عنه أنه قال ما كانت المتعة إلا رحمة من الله سبحانه وتعالى لهذه الأمة ولولا نهي عمر رضي الله تعالى عنه ما زنى إلا شقي فإن قلت هذا يؤيد ما في السؤال عن شرح مسلم من أن نكاح المتعة خلى عن الولي والشهود قلت لا يؤثر ذلك فيما قلناه لأنا وإن سلمنا ذلك فتحليل نكاح المتعة اشتمل على مفسدين أحدهما فقد الولي والشهود والثاني التوقيت فأما فقد الولي والشهود فأجمعوا فيه على البطلان ولم يقع فيه خلاف وأما التوقيت فهو الذي وقع فيه خلاف ابن عباس وغيره فكانت الشبهة فيه أقوى فلذلك قلنا بعدم الحد فيه وبوجوبه في الأول ومذهب زفر من أصحاب أبي حنيفة أن نكاح المتعة صحيح لأنه يلغو الشرط وينعقد مؤبدا وهذا خلاف قوي وملحظ متماسك وبه يتأيد ما ذكرته أنه لا إجماع في نكاح المتعة وإن كان الخلاف فيها قويا نقلا ومدركا بخلاف النكاح الخالي عن الولي والشهود والإعلان فإنه لا خلاف في تحريمه فضلا عن كونه شاذا فاتضح الحد فيه وبطل القول المخالف لذلك على أن الذي في شرح مسلم إنما هو هذا الحديث دليل على أنه لم يكن في نكاح المتعة ولي ولا شهود وهذا يدفع قول السائل أنه حكاه فيه فهو لم يحكه وإنما استنبطه كما دلت عليه عبارته وحينئذ فلا يأتي الإشكال إلا على من وافقه في هذا الاستنباط وهو نفسه كالأصحاب لم يقولوا به في كتب الفقه لإطباقهم على تفسير نكاح المتعة بأنه الموقت ولم يقل أحد منهم مع خلوه عن الولي والشهود فظهر أن ما في شرح مسلم لا يرد على الأصحاب على أن الحديث واقعة حال فعلية محتملة والاحتمال فيها يسقطها فلا يرد على الأصحاب ذلك الحديث أيضا فتأمله، والله سبحانه وتعالى أعلم.
"وسئل" عن ولي وكل شخصا في تزويج موليته فقال زوجها أو مر من شئت يزوجها فوكل رجلا فهل هو وكيل الموكل حتى يصح له أن يقبل نكاحها منه لنفسه أو وكيل الوكيل حتى لا يصح ذلك والحال أنه ليس في ضمير الولي أن الوكيل يتزوجها فإذا كان كذلك فهل يصح النكاح أم لا؟ "فأجاب" بقوله إذا قال الموكل وكل عن نفسك كان الوكيل وكيل

 

ج / 4 ص -37-          الوكيل فيعزل بعزله وانعزاله وبعزل المالك له أو لموكله وإن قال له وكل عني أو أطلق فلم يقل له عني ولا عنك فالثالث وكيل الموكل فلا يملك الثاني عزله ولا ينعزل الثالث بانعزال الثاني وليس للثاني في صورة عني. والإطلاق أن يوكل عن نفسه فإن فعل لم يصح إذا تقرر ذلك علم أن الثاني في صورة السؤال إذا وكل ثالثا يزوجها كان كل منهما وكيلا للولي وليس أحدهما وكيلا للآخر سواء أقلنا إن الثالث وكيل الثاني أو الولي يصح لكل منهما قبول نكاحها لنفسه فإذا قال الثاني للثالث بحضرة شاهدين يعلمان الوكالة زوجتك فلانة بنت موكلي فقال قبلت نكاحها لنفسي صح وكذا لو قال الثالث للثاني ذلك كذلك فيصح أيضا إذ لا محذور في ذلك والوكيل لا يمتنع عليه المعاملة مع وكيل آخر وإنما يمتنع عليه تزويجه مثلا لنفسه ونحوه والعبرة في العقود بألفاظها الصريحة وإن خالفت ما في الضمير، وبالله التوفيق.
"وسئل" عن مسائل في الخلوة بالأجنبية الأولى:

بيت الرجل      بيت الرجل


إذا كانت دار تشتمل على بيتين مختلفي المرافق لكن كل واحد منهما بمرأى من الأخرى كهذه الصورة مثلا فظاهر كلام الفقهاء أن هذا ليس بخلوة فهل هو كذلك أم لا؟ الثانية: إذا كانت دار مشتملة على بيتين متفقي المرافق لكن كل واحد منهما غائب عن الآخر بأن يكون في قفاه أو يوصل إليه بانعطافات مثلا فصريح كلامهم أن هذا خلوة لكن بقي شيء أنه لو كانت امرأة في أحد البيتين ورجل وامرأة أجنبية في آخر فهل يكون هذا خلوة أم لا؟ الثالثة: دار اشتملت على مجلس ومخازن كثيرة سواء كانت غائبة عن مرأى المجلس أو بمرآه ورجل في المجلس فمرت به امرأة قاصدة أخذ بعض الحوائج من المخازن والرجوع فهل هذا خلوة أم لا؟ "فأجاب" بقوله حكم هذه الصور الثلاث يعلم من قولهم إذا سكنت المرأة والأجنبي في حجرتين أو علو وسفل أو دار وحجرة اشترط أن لا يتحدا في مرفق كمطبخ أو خلاء أو بئر أو ممر أو سطح أو مصعد له فإن اتحدا في واحد مما ذكر حرمت المساكنة لأنها حينئذ مظنة للخلوة المحرمة وكذا إن اختلفا في الكل ولم يغلق ما بينهما من باب أو يسد أو غلق لكن ممر أحدهما على الآخر أو باب مسكن أحدهما في مسكن الآخر. وإذا علمت الحرمة في هذه الصور علمتها في صور السؤال الثلاث أما الأولى فلأن باب مسكن أحدهما في مسكن الآخر وأما الثانية فلاتفاق المرافق وقد تقرر أن اتفاق واحد منها كاف في الحرمة وفيها أيضا أن باب مسكن أحدهما في مسكن الآخر وهو محرم أيضا كما تقرر. وأما الثالثة فلأن ممر أحدهما على الآخر نعم ترتفع الحرمة في كل من تلك الصور بأن يكون معها محرم لها رجل أو امرأة أو له امرأة ويشترط في المحرم كونه مميزا متيقظا ولو أعمى ذا فطانة بحيث ينتفي بحضرته عادة وقوع فاحشة ويكفي عن المحرم امرأة ثقة يحتشمها لحياء أو خوف قال الأئمة ولو

 

ج / 4 ص -38-          لم يكن في الدار إلا بيت وصفف لم يساكنها ولو محرما ما لم يكن بينهما حائل ولا يكون ممر أحدهما على الآخر وبما تقرر علم أنه يجوز خلوة رجل ثقة بأجنبيتين ثقتين يحتشمهما ولا يجوز خلوة رجلين بأجنبية مطلقا، والله سبحانه وتعالى أعلم.
"وسئل" عن امرأة وكلت وليها بتزويجها فزوجها ولم يسألها عن انقضاء عدتها من مطلقها هل يصح التزويج وإن ادعت عدم انقضائها ولو طلقت قبل الدخول فهل لها نصف المهر؟ "فأجاب" بقوله المدار في الصحة الحقيقية على ما في نفس الأمر وأما الصحة في الظاهر فمدارها على انتفاء المفسد في الظاهر ولا تقبل دعواها عدم انقضائها بعد إذنها في التزويج للتناقض ولا تستحق نصف المهر لدعواها فساد النكاح.
"وسئل" عما يسن من الذكر عند إرادة الجماع؟ "فأجاب" بقوله يسن له أن يقول بسم الله اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا ويظهر أنه يسن لها أن تقول ذلك أيضا وأنه يسن لهما ذلك وإن كانا لا يلدان لأنهما قد يلدان على خلاف العادة ولأن ما يرزقانه أعم من الولد قال بعضهم ويسن أن يقرأ قبل ذلك الإخلاص ثلاثا ويسبح ويهلل ويكبر ويجري على قلبه عند الإنزال الحمد لله الذي خلق من الماء بشرا فجعله نسبا وصهرا ولا يتلفظ به.
"وسئل" هل يشترط فيمن يعقد النكاح من ولي أو وكيل أو قاض معرفة جميع شروط النكاح أم لا ولو لقن أحدهما ألفاظ النكاح فعقد بذلك هل يصح النكاح أم لا؟ "فأجاب" بقوله لا يشترط معرفة ذلك لصحة النكاح لأن المدار على وجود جميع شروط النكاح في نفس الأمر لا في ظن العاقد فإذا وجدت في نفس الأمر صح وإن فقدت في ظن العاقد سواء لقن الصيغة أم لا وإن فقد واحد منها في نفس الأمر لم يصح وإن وجدت كلها في ظن العاقد وإنما يشترط ذلك بالنسبة لجواز تولية العاقد أو القاضي فلا يجوز لولي الأمر أن يولي رجلا عاقدا أو قاضيا في بلد إلا إن كان عدلا عارفا بذلك بالنسبة للعاقد وبه وبغيره بالنسبة للقاضي.
"وسئل" عن حديث:
"لعن المحلل والمحلل له" ما جواب الشافعية عنه مع كونه صحيحا له طرق كثيرة؟ "فأجاب" بقوله حمله الجمهور على ما إذا صرح في العقد باشتراط إنه إذا وطئ طلق وممن قال بهذا الحمل الإمام المتقن الحافظ المنصف أبو عمرو بن عبد البر من كبار المالكية قال الأظهر بمعاني الحديث حمله على التصريح بذلك لا على نيته لأن امرأة رفاعة صرحت بأنها تريد الرجوع إلى زوجها الأول وقد تضمن الحديث إقرارها على صحة النكاح فإذا لم يقدح فيه نيتها فكذلك نية الزوج ونية المطلق أولى أن لا تقدح فلم يبق للحديث معنى إلا الحمل على الإظهار فيكون كنكاح المتعة اهـ..
"وسئل" عن امرأة لها زوجان ويجوز أن يتزوجها ثالث ما صورته؟ "فأجاب" بقوله ألغز بذلك ابن السبكي وفسره بأن امرأة لها أمة متزوجة بعبدها فهما زوجان لها وإذا جاء ثالث

 

ج / 4 ص -39-          فله نكاحها وفسره غيره بأن لها زوجين من نحو بقر.
"وسئل" بما صورته امرأة والدها ابنها؟ "فأجاب" بقوله أمهات المؤمنين رضوان الله تعالى عنهن.
"وسئل" رضي الله عنه قال التاج السبكي:

وآخر راح يشري طعم زوجته                               فعاد وهو على حال من الغير

قالت له أنت عبدي قد وهبتك من                        زوج تزوجته فاخدمه واعتبر

"فأجاب" بقوله صوره الناظم بأن عبدا زوجه مولاه بابنته ودخل بها ثم مات مولاه ووقعت الفرقة لأنها ملكت زوجها بالإرث وكانت حاملا فوضعت فانقضت عدتها فتزوجت ووهبت ذلك العبد لزوجها.
"وسئل" عن حديث من يمن المرأة أن تبكر بأنثى من رواه؟ "فأجاب" بقوله هو حديث واه.
"وسئل" عن قول الروضة أنه يتولى الجد طرفي العقد في تزويج بنت ابنه الصغيرة والكبيرة بابن ابنه الآخر هل قوله الكبيرة يشمل الثيب حتى لو أذنت له في التزويج وهي ثيب زوجها بابن ابنه الآخر المولى عليه أو محله في غير الثيب لكن ما المانع من ولايته وتوليه الطرفين بعد الإذن منها وفي شرح التنبيه للأزرقي أن للمسألة ثلاثة شروط الثالث أن تكون بنت الابن بكرا وقد ذكر هذه الشروط غير الأزرقي فهل مرادهم أن هذه الشروط للإجبار أو للتولية حتى لو أذنت البنت له في تزويجها لا يتولى الطرفين في تزويجها بابنه الآخر أم لا؟ "فأجاب" بقوله لا فرق في ذلك بين البكر والثيب بعد إذنها كما هو واضح ومن عبر بالبكر أراد أن ذلك شرط لتولي الطرفين ابتداء من غير مراجعة أحد.
"وسئل" عن امرأة تزوجت اعتمادا على مضي عدتها ثم لما سافر زوجها سفرا طويلا بعيدا جاءت القاضي وأخبرته أن النكاح كان في أثناء العدة وأنها كانت كاذبة فشهد بموجبها النسوان اللاتي كن ساكنات معها مع أنهن سكتن أولا على النكاح الأول فزوجها آخر هل يحكم بصحة نكاحها الأول أو الثاني وفيما إذا فسخ القاضي نكاح هذه ثم شهد رجلان والحالة هذه ببلوغها بالسن أو أقرت ببلوغها بالاحتلام وقت الفسخ فهل يحكم بصحة الفسخ والنكاح بثبوت البلوغ الآن لموافقته في نفس الأمر أو لا لعدم وقوع العلم بذلك وقد اضطرب كلام الأصحاب في أمثال هذه المسألة منها أنه لو نكح امرأة لا يعلم أهي أخته أم معتدة أم لا لا يصح النكاح ومنها لو زوج أمة أبيه ظانا حياته فبان ميتا صح النكاح.
ومنها إذا تربصت زوجة المفقود أربعة سنين فاعتدت وتزوجت فبان ميتا عند التزوج فعلى الجديد يخرج على القولين فيمن باع مال أبيه ظانا حياته وما الذي يعتمد عليه في هذه

 

ج / 4 ص -40-          المسألة وهل يشترط فيمن يعقد النكاح من ولي أو وكيل أو قاض معرفة شروط النكاح أو لا ولو لقن أحد ألفاظ النكاح للعاقد فعقدها هل يصح أو لا؟ "فأجاب" بقوله إذا أخبرت بانقضاء عدتها فزوجت ثم أخبرت بخلاف ذلك لم يقبل خبرها سواء أغاب الزوج أم حضر ولم يوافقها لأن حقه تعلق بها فلا يقبل قولها في دفعه لا سيما وهو مناقض لقولها الأول ولا عبرة بشهادة النسوة المذكورات بموافقتها فيما أخبرت به ثانيا لأن قولها الأول مكذب لهن وتزويج القاضي لها فيما ذكر واضح الفساد والبطلان وكذلك فسخه للنكاح الأول واضح البطلان والفساد وذلك كله دليل واضح على جهله وتهوره وأنه ليس له دين يحجزه عن مثل هذه القبائح وقول السائل وفيما إذا فسخ القاضي نكاح هذه إلخ كلام غير ملتئم مع ما قبله فلا يستحق جوابا وقوله وقد اضطرب كلام الأصحاب إلخ جوابه أنه لا اضطراب في ذلك كما بينته في شرح المنهاج في باب النكاح فإن قولهم شرطه العلم بحل المنكوحة معناه أن ذلك شرط لحل تعاطي العقد ولنفوذه ظاهرا وأما الصور الأخرى التي منها تزويج أمة المورث وزوجة المفقود وإن لم تتربص أربع سنين خلافا لما يوهمه كلام السائل فهي محمولة على الصحة في نفس الأمر فالحاصل أن مدار الصحة على وجود الشروط في نفس الأمر ومدار حل مباشرة العقد ونفوذه ظاهرا أيضا على العلم بحل المنكوحة فلا تخالف بين تلك المسائل ولا يشترط في صحة العقد معرفة شروطه بل الإتيان بها حتى لو لقن لفظه وعرف معناه فأتى به صح إن استوفى بقية شروطه.
"وسئل" عن امرأة خرجت بإذن زوجها إلى بلد لحاجتهما فأقامت فيه وقالت ليس عندي مصروف الطريق ولم يطلبها الزوج فهل يجوز لها الفسخ بعد الإعلام ببذل طاعتها إلى حاكم البلد الذي أقامت فيه أو لا وليس لها إلا الرجوع إلى بلدها؟ "فأجاب" بقوله لا فسخ لها في هذه الحالة بوجه كما هو واضح وعجيب من توقف السائل في هذه الحالة وتردده في الفسخ مع أنه لا نفقة لها في هذه الحالة كما صرحوا به نعم إن كان السفر لحاجته فقط فنفقتها عليه فإذا عجز عنها أو حدث فيه شروط الفسخ التي ذكرها الأئمة على المعتمد عندهم في ذلك دون الآراء الضعيفة الكثيرة في هذا المحل جاز لها الفسخ.
"وسئل" عمن زوج أمته من عبده فأولدها أولادا ثم أبق العبد ولم يعلم له مكان فباع السيد الأمة من رجل فأراد السيد الثاني قربانها كيف الطريق المسوغ لذلك؟ "فأجاب" بقوله الحيلة في ذلك أن يكاتبها سيدها كتابة صحيحة ثم ينذر مالك العبد لها به فتقبل فتملكه فيفسخ النكاح بتقدير حياته ثم يتفاسخان السيد وهي الكتابة ويستبرئها بالأكثر من حيضتين عدة الحياة ومن شهرين وخمسة أيام عدة الموت لاحتمال كل منهما فوجب الأكثر أخذا مما ذكروه في مواضع وما ذكرته من مجموع الحيلة ظاهر وإن لم أر من ذكره.

 

ج / 4 ص -41-          باب نكاح المشرك
"سئل" عما إذا أسلم السفيه على أكثر من أربع نسوة فهل له أن يختار أربعا منهن لأنه يغتفر في الدوام ما لا يغتفر في الابتداء أم لا؟ "فأجاب" بقوله نعم له اختيار أربع كما يصرح به كلامهم في مواضع منها قولهم إن كان بالغا عاقلا اختار وإلا وقف إلى كماله فهذا صريح في أن السفيه يختار ومنها قولهم وإنما جاز له الاختيار مع الإحرام منه أو منهن لأنه استدامة للنكاح فكان كالرجعة وقد ذكروا في الرجعة أن للسفيه أن يرتجع بغير إذن وليه تغليبا لشبهها بالاستدامة فكان الاختيار مثلها في ذلك بعين ما قالوه من أنه مثلها ومنها قولهم أن للعبد هنا الاختيار ولم يقيده أحد منهم بغير إذن سيده ولا شك أن السفيه مثله على أنهم سووا بينهما في أن لكل أن يرتجع بلا إذن فقياسه التسوية بينهما في ذلك سيما مع قولهم أن الاختيار كالرجعة فإن قلت تجويزهم رجعة الأمة مع فقد شروط حل ابتداء نكاحها ومنعهم اختيارها حينئذ صريح في أنه يغتفر في الرجعة ما لا يغتفر في الاختيار فلا يلزم من تجويز الرجعة للسفيه والعبد بلا إذن تجويز الاختيار لهما بلا إذن قلت افتراقهما في هذا لا يوجب افتراقهما فيما نحن فيه لأنهم سووا بينهما في أكثر الأحكام وإذا تعارضت التسوية في الأكثر والفرق في الأقل كان الإلحاق بالأول أولى على أنه يفرق بينهما بأن الكفر انضم إلى الرق هنا لأثم فكان هنا مانعان من موانع النكاح فاشترطوا وجود الحل عند اجتماع الإسلامين وثم لم يوجد إلا مانع واحد فكان الاختيار أولى بالاحتياط من الرجعة في هذا الفرد الخاص الذي ليس في صورة السؤال نظيره فتأمل ذلك فإنه مهم، والله سبحانه وتعالى أعلم.

باب خيار النكاح
"وسئل" ما حكم تمريض المجذوم والأبرص والذي فيه طاعون والذي فيه علة وقال أهل الطب إنها تعدي؟ "فأجاب" بقوله قد ورد في العدوى وعدمها أحاديث ظاهرها التعارض فمن ذلك حديث ابن ماجه وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
"لا تديموا النظر إلى المجذومين" وحديث النسائي والترمذي ومسلم في إفراده أنه كان في وفد ثقيف رجل مجذوم فأرسل إليه النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "ارجع فقد بايعناك" وروى البخاري تعليقا من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "فر من المجذوم كما تفر من الأسد".
فهذه كلها ظاهرة في إثبات العدوى ومن الأحاديث الظاهرة بل الصريحة في نفي العدوى أنه صلى الله عليه وسلم أخذ بيد رجل مجذوم فأدخلها معه في القصعة فقال:
"كل بسم الله ثقة بالله وتوكلا عليه" خرجه ابن أبي شيبة والترمذي وابن ماجه وقال صلى الله عليه وسلم: "لا يوردن ممرض على مصح" رواه الشيخان وقال صلى الله عليه وسلم: "لا عدوى ولا طيرة ولا هامة ولا صفر" والجواب عن ذلك أنه لا تنافي بين هذه الأحاديث لأنه صلى الله عليه وسلم إنما أمر بالفرار من المجذوم وبعدم إدامة النظر إليه

 

ج / 4 ص -42-          وبرجوعه ومبايعته من بعيد شفقة على أمته وخشية أن يصيب من يقرب منه بالمخالطة وغيرها الجذام فيسبق إلى قلب بعضهم أن نحو الجذام يعدي بطبعه وهو اعتقاد بعض الكفار كما يأتي وأما الذي عليه المحققون فهو انتفاء العدوى أصلا فقد  نفاها صلى الله عليه وسلم بقوله ردا على من أثبتها فمن أعدى الأول وبقوله: "لا عدوى"، الحديث وبقوله أنه لا يعدي شيء شيئا ولهذا أكل مع المجذوم ثقة بالله وتوكلا عليه وبذلك علم الجمع بين هذه الأخبار وجمع بينها أيضا بأنه صلى الله عليه وسلم خاطب كل أحد من الناس بما يليق به فبعض الناس يكون قوي الإيمان فخاطبه بطريق التوكل وبعضهم لا يقوى على ذلك فخاطبه بالاحتياط والأخذ بالتحفظ وقد فعل صلى الله عليه وسلم الحالتين معا فاجتنب المجذوم تارة رعاية لما فيه من البشرية وخالطه تارة أخرى لما غلب عليه من القوة الإلهية وأيضا فليتأسى به كل من سالكي المقامين ويكون لكل طبقة من الناس حجة بحسب حالهم وعلى ما يليق بهم والذي مال إليه النووي وغيره الجمع الأول وحاصله أن الجاهلية كانت تعتقد أن الأمراض المعدية تعدي بطبعها من غير إضافة شيء إلى الله سبحانه وتعالى فأبطل صلى الله عليه وسلم اعتقادهم بقوله لا عدوى وأرشد في الحديث الآخر إلى مجانبة ما قد يحصل عنده عادة الضرر بقضاء الله سبحانه وتعالى وقدره. وأجاب ابن قتيبة بأن القرب من المجذوم وصاحب السل قد يؤدي إلى السقم لكن بالرائحة لا بالعدوى ورد بأن الرائحة من أحد أسباب العدوى وأجاب الطبراني بأن أمره صلى الله عليه وسلم بتجنب ذلك على سبيل الاحتياط ومخافة ما يقع بالنفس من العدوى ثم فعل خلاف ذلك حيث خالط وقال لا عدوى ليبين أن أمره بالفرار ليس للوجوب وقال الباجي الأمر بالفرار للإباحة أي إذا لم تصبر على أذاه وكرهت مخالطته فيباح لك أن تفر منه وروي عنه صلى الله عليه وسلم: "كل مع المجذوم وبينك وبينه قيد رمح أو رمحين" وقيد بكسر القاف بمعنى قدر وروي عنه أيضا أنه مر على الجذمى فخمر أي غطى أنفه فقالوا يا رسول الله أليس قلت لا عدوى قال: "بلى ولكن أقذرهم" قال وكيع أحد رواته هذا رخصة وأجابت عائشة رضي الله تعالى عنها وغيرها بأن الأمر بالفرار ونحوه منسوخ بخبر لا عدوى ونحوه وبمواكلته للمجذوم وذهب بعضهم إلى إثبات ذلك بأن أبا هريرة رضي الله عنه كان يحدث بحديث: "لا عدوى ولا طيرة" وبحديث "لا يورد ممرض على مصح" ثم أمسك عن الأول فراجعوه فيه وقالوا إنا سمعناك تحدثه فأبى أن يعترف به قال أبو سلمة الراوي عنه فلا أدري أنسي أبو هريرة أو نسخ أحد الحديثين بالآخر أي العدوى باقية والأمر بالفرار منسوخ وهذا قول فاسد والحاصل أن في المسألة أقوالا أربعة الأول أن المرض يعدي بطبعه وحده وهو قول الكفار الثاني أن المرض يعدي بأمر خلقه الله سبحانه وتعالى وأودعه فيه ولا ينفك عنه أصلا إلا إن وقع لصاحب معجزة أو كرامة فيتخلف وهذا مذهب إسلامي لكنه مرجوح الثالث أن المرض يعدي لكن لا بطبعه بل بعادة أجراها الله سبحانه وتعالى فيه عادة وقد تتخلف بإرادة الله تعالى على ندور

 

ج / 4 ص -43-          في العادة الرابع أن المرض لا يعدي أصلا لا طبعا ولا عادة بل من اتفق له وقوع ذلك المرض فهو بخلق الله سبحانه وتعالى ذلك فيه ابتداء ولهذا نرى الكثير ممن يصيبه المرض الذي يقال أنه يعدي يخالطه الصحيح كثيرا ولا يعديه ولا يصيبه منه شيء والراجح هو الأخير وإن كان الثالث مشهورا أيضا لقوله صلى الله عليه وسلم "لا يعدي شيء شيئا" وقوله: "فمن أعدى الأول"، ومن ثم قال المحققون معنى لا عدوى أنه لا يعدي شيء شيئا بطبعه حتى يكون الضرر من قبله وإنما هو بتقدير الله عز وجل وفعله وإرادته قيل ولا عدوى نهي عن أن يقال ذلك أو يعتقد وقيل هو خبر أي لا يقع ومعنى الطيرة التشاؤم من التطير مصدر تطير يتطير طيرة مأخوذ من اسم الطير وقد كانت العرب إذا أرادت أمرا جاءت إلى وكر الطير فنفرته فإن تيامن يمنت به وسمته الشامخ ومضت لما عزمت عليه وإن تياسر سمته البارح وتشاءمت به وتركته فزجرهم النبي صلى الله عليه وسلم وعرفهم أنها لا تضر ولا تنفع وأما قوله: "لا يورد ممرض على مصح"، قال الخطابي وأبو عبيد ليس المراد به الرجل المريض على الصحيح وإنما الممرض الذي مرضت ماشيته والمصح صاحب الصحاح وليس النهي من أجل أن المرض يعدى الصحاح ولكن من أجل أن الصحاح إذا مرضت بقدر الله تعالى يوقع في نفس صاحبها أن ذلك من قبيل العدوى فيفتنه ذلك ويشككه في أمره فأمر باجتنابه والمباعدة عنه لذلك لا للعدوى، والله سبحانه وتعالى أعلم.
"وسئل" رضي الله عنه عن امرأة ادعت أن زوجها عنين وأنه لم يصبها وأنها بكر فأنكر وقال إنه قد افتضها فشهد أربع نسوة أنها بكر فهل تصدق بيمينها أو بلا يمين أنه عنين وإذا ثبتت عنته وضرب لها القاضي المدة المعروفة وانقضت فهل تستقل بالفسخ أو لا بد من قول القاضي ثبتت عنته فاختاري وكيف لفظ الفسخ المعتبر الذي لا يحصل بدونه؟ "فأجاب" بقوله إنها تصدق بيمينها على الراجح في الشرح الصغير وفي كلام الروضة وأصلها ما يشير إليه واعتمده الإسنوي وغيره ونقله الأذرعي وغيره عن نص الأم لكن لا تحلف إلا إن طلب الزوج يمينها على الراجح أيضا لأن زوجها وهو الخصم متمكن من الدعوى فلا معنى للاحتياط له بتحليفها من غير طلبه ثم إن حلفت بعد شهادة النسوة الأربع بالبكارة على أنه لم يزل بكارتها فلها الفسخ بعنته بشرطه وإن نكلت عن اليمين حلف ولا خيار لها فإن نكل هو أيضا فسخت بلا يمين وليس قضاء بالنكول المجرد بل لأجل البينة الشاهدة ببكارتها المعتضدة بإقراره الذي تضمنه نكوله قال الشيخان وليس لها الاستقلال بالفسخ إلا بعد قول القاضي لها ثبتت عنته ثبوتا يترتب عليه الفسخ أو ثبت حق الفسخ فاختاري فتستقل به حينئذ اهـ..
قال الأذرعي وغيره والظاهر أن قوله فاختاري ليس شرطا بل المراد به إعلامها بدخول وقت الفسخ حتى لو بادرت وفسخت قبله نفذ فسخها ويؤيده حذف الرافعي لقوله فاختاري من الشرح الصغير وكيفية لفظ الفسخ أن تقول فسخت نكاح فلان لي، والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب.

 

ج / 4 ص -44-          باب في الصداق
"وسئل" عمن خطب امرأة وأجابوه فأعطاهم شيئا من المال يسمى الجهاز هل تملكه المخطوبة أو لا بينوا لنا ذلك؟ "فأجاب" بأن العبرة بنية الخاطب الدافع فإن دفع بنية الهدية ملكته المخطوبة أو بنية حسبانه من المهر حسب منه وإن كان من غير جنسه أو بنية الرجوع به عليها إذا لم يحصل زواج أو لم يكن له نية لم تملكه ويرجع به عليها.
"وسئل" عن رجل تزوج امرأة على هذا الدن من الخمر فإذا هو خل أو على هذا الحر فإذا هو عبد أو هذه الميتة فإذا هي مذكاة ما حكم العقد هل هو صحيح أو باطل وإن قلتم بالصحة ماذا يلزمه؟ "فأجاب" بقوله العقد صحيح واللازم له هو الخل والعبد والمذكاة للقاعدة عندنا أن الإشارة لعدم تطرق الخطإ إليها أقوى من العبارة التي قد تخطئ وقد تصيب، والله سبحانه وتعالى أعلم.
"وسئل" عن المطلقة رجعيا هل تجب لها متعة حالا وهل تتكرر بتكرر الطلاق؟ "فأجاب" بقوله لا تجب حالا بل إذا انقضت العدة ولم يراجعها على ما قاله أبو شكيل في شرح الوسيط والبستي وإنما يصح هذا إن قلنا بسقوطها بالرجعة وكلامهم يأباه فالوجه وجوبها فورا مطلقا ولا تتكرر بتكرر الطلاق كما قاله الراعي والبدر بن شهبة وعلله بأن سبب إيجابها الإيحاش والابتذال وهما منتفيان في الثانية والثالثة وبه يعلم أن الثانية مثلا لو كانت بعد مراجعة تكررت بها المتعة وقال القاضي بن كثير تتعدد مطلقا وهو الأوفق بإطلاقهم ونقله ابن الخياط عن ابن الرفعة وأبي شكيل وقال إنه الصحيح.
"وسئل" بما لفظه كثر كلام الناس في الهدية التي يهديها الخاطب والزوج لأهل المخطوبة أو الزوجة من القماش والمطعومات وغيرهما ثم يحصل له ردا ومنه طلاق قبل الوطء فما المعتمد في الرجوع بذلك مع البسط فيه؟ "فأجاب" بقوله قال الرافعي رحمه الله تعالى في أواخر باب الصداق وتبعوه ولو اتفقا على قبض مال فقال دفعته صداقا وقالت بل هدية فإن اتفقا على أنه تلفظ واختلفا هل قال خذي هذا صداقا أم قال هدية فالقول قوله بيمينه وإن اتفقا على أنه لم يجر لفظ واختلفا فيما نوى فالقول قوله بيمينه أيضا وقيل بلا يمين وسواء كان المقبوض من جنس الصداق أو غيره طعاما أو غيره فإذا حلف الزوج فإن كان المقبوض من جنس الصداق وقع عنه وإلا فإن تراضيا ببيعه بالصداق فذاك وإلا استرد وأدى الصداق فإن كان تالفا فله البدل عليها وقد يقع التقاص اهـ. كلامه قال بعضهم ولا يخفى أن هذا إنما يتأتى حيث لم يكن أدى الصداق فأما إذا أداه فلا يستقيم قوله دفعته من الصداق ولا يعلم حكم ذلك من كلامه فليتنبه له اهـ. وظاهر أنه في هذه الصورة يصدق الدافع في نيته أيضا أخذا مما في الروض في القرض لأنه أعرف بكيفية إزالة يده عن ملكه وقال ابن العماد عقب كلام الرافعي
والحاصل أن للمسألة ثلاث صور. الأولى أن يبعث

 

ج / 4 ص -45-          به بعد العقد ويصرح بكونه هدية فلا رجوع له عليهم لأنه قد سلطهم على إتلاف ماله بغير عوض فهو كتقديم طعام لضيف وقال كله وطلب منه عوضه لا يلزمه له عوض الثانية أن يصرح بكونه من الصداق فيرجع قطعا الثالثة أن يبعث به على صورة الهدية وهو ساكت وله حينئذ أربعة أحوال أحدها أن ينوي الهدية فلا يحل له الرجوع ثانيها أن يطلق فلا يحل له الرجوع أيضا لتسليطه إياهم على الأكل بغير نية عوض ثالثها أن ينوي جعله من الصداق.
فله الرجوع عملا بنيته وسواء كان المبعوث به من جنس الصداق أم لا كالطعام رابعها أن يكون قبل العقد وبعد إجابة الخطبة فيبعث لا على قصد الهدية المجردة بل على قصد أن يزوجوه أو على أن يكون المبعوث من الصداق الذي يعقد عليه النكاح فإذا ردت الخطبة أو رغب عنهم وكان البعث على نية شريطة أن يزوجوه أو على أن يكون المبعوث من الصداق فالوجه الرجوع وهو ما أفتى به قاضي القضاة تقي الدين بن رزين رحمه الله تعالى وأفتى البغوي أن الأب لو خطب لابنه امرأة وأهدى لها هدية ثم مات الأب ولم يتفق تزويج بأن الهدية تكون تركة للأب وهذا ظاهر لكنه مقيد بما إذا لم يصرح بالهدية فإن صرح بها لم يرجع وإن نوى العوضية لتسليطهم على الإتلاف بغير عوض ووقعت المسألة في التنقيح غير منقحة لعدم استحضاره لكلام الرافعي فأما إذا لم يصرح بالهدية فلأن نفسه لم تطب به إلا على تقدير أن يزوجوه وقد ذكر الرافعي نظير هذا في كتاب اللعان فقال لو قال الدلال لغير المالك أن البائع ظلمه ولم يعطه أجرة الدلالة فارتغم له الأجنبي وتصدق عليه بشيء وكان كاذبا لم يكن له أخذه ووجب عليه رده لأنه لم يتصدق عليه بذلك إلا بناء على أنه صادق في دعواه عدم الإعطاء وقد قال صلى الله عليه وسلم:
"لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفس منه" ولهذا قال الغزالي أن من نزل بقوم بغير دعوة فأطعموه شيئا حياء منه لم يحل له الأكل قال والغصب نوعان غصب استيلاء وغصب استحياء فغصب الاستيلاء أخذ الأموال على جهة الاستيلاء والقهر والغلبة وغصب الاستحياء هو أخذه بنوع من الحياء قال وهما حرامان لأنه لا فرق بين الإكراه على أخذ الأموال بالسياط الظاهرة وبين أخذه بالسياط الباطنة وقال في موضع آخر إن من اشترى شيئا بثمن في الذمة ثم أنه سلم البائع ثمنا حراما فسلمه المبيع لم يحل له أكله ولا التصرف فيه وإن كان قد ملكه لأن البائع له حق الحبس وهو لم يسلم المبيع إلا بناء على أن الثمن الذي دفعه له حلال، وكذا لو أظهر شخص الفقر وأخفى الغناء فتصدق عليه إنسان بناء على ظاهر فقره حرم عليه أخذه كما قاله الأصحاب واستدل له بأن فقيرا مات من أصحاب الصفة فوجد معه دينار فقال كية من نار ومات آخر منهم وخلف دينارين فقال صلى الله عليه وسلم: "كيتان من نار" وإنما استحق النار لأنه أخفى الغناء وأظهر الفقر وقعد يأكل من أصحاب الصفة ومثل ذلك ما لو أعطى مكاتب سيده النجوم فقال اذهب فأنت حر أو فقد أعتقتك ثم وجد النجوم أو بعضها زيوفا فإنه يرتد العتق لأن المالك لم يسمح بعتقه إلا بناء على أن الدراهم

 

ج / 4 ص -46-          سليمة وهذا نظير ما إذا أوقع الطلاق على ظن وقوعه لفتوى من مقلد ثم بان خطأ المفتي فإنه لا يقع الطلاق وفي كل محل أعطي الإنسان فيه شيء على قصد تحصيل غرض أو عوض فلم يحصل فإنه لا يباح له أكله فعلى هذا إذا خطب امرأة فأجابوه فبعث شيئا ولم يصرح بكونه هدية وقصد إباحته على قصد أن يزوجوه فإذا لم يزوجوه كان له الرجوع عليهم.
ومن أفتى بالرجوع مطلقا لم يصب ومن هذا النوع ما لو أهدى المدين لدائنه شيئا وصرح بالهدية فلا يحسب من الدين فإن قال قصدت العوضية صدق وإن لم يقصد شيئا فله حسبانه من الدين نظير ما مر ثم قال الرافعي رحمه الله تعالى ولو بعث إلى من لا دين له عليه شيئا ثم قال بعثته بعوض وأنكر المبعوث إليه فالقول قول المبعوث إليه وهذا الفرع دائر بين مسألة الصداق والخطبة فالفروع حينئذ ثلاث. الأول: أن يبعث لمن له عليه دين كصداق أو غيره.
الثاني: أن يبعث لمن وعده بوعد بناء على أن ينجزه له كالخطبة وكمن وعد إنسانا بأن يسعى له في تحصيل شغل أو قضاء حاجة ففيه ما سبق الثالث: أن يهدي لمن لا وعد عنده ولا دين فلا يلزم المبعوث إليه غرامة شيء والقول قوله في أنك لم تشترط علي عوضا مع الرسول وأما إذا قال نويت أخذ العوض فلا يلزم المهدى إليه أن يثيبه وإن كان القول قوله في نيته بالنسبة لغير ذلك وإنما لم تجب الإثابة كما لم تجب الهدية لأنه مسلط على إتلاف ماله وليس له ها هنا قرينة تنزل عليها دعوى العوضية ومن هذا النوع الدراهم التي ترمى في النقوط في الأعراس والأملاك والأصاريف التي تعمل للصبي عند ختمه القرآن وغير ذلك فقد جرت عادة الناس بأنهم يدفعونها على قصد المكافأة بمثلها حتى أن بعضهم يدعي بها ويطلبها بعد المدة الطويلة والتي يظهر في هذه الصورة الرجوع لأن دفع الدراهم لهم على صورة الهبة يتوقف على الإيجاب والقبول وعلى الإذن في القبض فهي إما هبة فاسدة أو قرض فاسد.
فعلى هذا إن دفعها للمالك رجع عليه وإن دفعها لنحو الخاتن رجع عليه عند قصد العوضية ما لم يأذن صاحب الدعوة في الدفع إليه وإلا فعلى من شاء منهما ووجه الرجوع أنه ليس هنا قصد تصدق ولا إباحة بل جرت العادة في ذلك بالمكافأة وهي إلى القرض الفاسد أقرب وإلى الهبة الفاسدة أبعد لقصد العوضية وقريب من هذه المسائل إطعام المضطر إذا وصل إلى أدنى رمق وكسوة العاري وإطعام الجائع بقصد الرجوع فيرجع وكذا إذا دادى الولي الصغير فإنه يرجع عليه على الأصح عند إرادة الرجوع لعود النفع إليه وليس مما سبق من أهدى لقوم هدية على قصد التودد إليهم ليجيبوا خطبته فلم يجيبوه فإنه لا يرجع عليهم لعدم جريان السبب وهو المفرط اهـ. كلام ابن العماد لكن مع بعض زيادة وإصلاح وقع ذلك في أثنائه وأطلق في منظومته الرد فقال:

وخاطب لمرأة خليه                           أهدى لها كسوتها الوفيه

وآلة الطبخ مع القلقاس                     كما جرى من عادة الأكياس

 

ج / 4 ص -47-                             إن ردت الخطبة قبل الوصلة      رد الذي قد قبضت بالجملة

قبل الممات وبعده فيه نظر                     في موتها من قبل رد لي خطر

إلحاقها بناكح التفويض                          إن قرر المهر فخذ قريضي

والذي يتجه أنا حيث أوجبنا له الرجوع لا فرق بين موتها وعدمه ثم قال وما ذكره البغوي في المسألة السابقة من عود الهدية إلى ملك الأب حتى تجعل تركة لا يبعد تخريجها على الوجهين فيما إذا ختن الولي الطفل فأهديت له هدية هل تكون ملكا للابن أو ملكا للأب.
فالذي قاله البغوي إنها تكون ملكا للابن وقال الشيخ أبو إسحاق ونقله البغوي في فتاويه عنه إنها تكون ملكا للأب لأن الناس يقصدون بذلك الأب دون الابن فعلى الأول هو كما لو أصدق عن ابنه الصغير شيئا ثم طلق الابن قبل الدخول فإنه يرجع الشطر إلى الابن لأنا نقدر دخوله في ملكه حالة الإصداق فكذلك يقدر دخوله في ملكه حالة الهدية لأجله بخلاف ما لو أصدق عن ابنه البالغ أو عن أجنبي فإنه يرجع للمعطي، والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب.

باب الوليمة
"وسئل" رضي الله تعالى عنه ما حد المسافة التي تجب إجابة الداعي لوليمة العرس منها؟ "فأجاب" بقوله لم أر أحدا من أئمتنا ضبط المسافة التي تجب الإجابة منها إلى وليمة العرس ويؤخذ من متفرقات كلامهم احتمالان في ذلك أحدهما ضبط تلك المسافة بمسافة العدوى وهي التي يرجع المبكر منها ليلا إلى بلده قياسا على أداء الشهادة فإنه واجب في تلك المسافة وهذا مثله بجامع أن كلا حق آدمي فكما وجب على غير المعذور قطع تلك المسافة لأداء الشهادة لأنها حق آدمي فليجب هنا إجابة الداعي إلى الوليمة من تلك المسافة لأن الإجابة واجبة لحق الآدمي بدليل أن المدعو لو اعتذر إلى الداعي فقبل عذره سقط الوجوب فسقوطه بإسقاطه صريح في تمحض الحق له وإلا لم يسقط بإسقاطه ولا ينافيه قول ابن النحوي لما حكى ترددا عن الذخائر فيما لو غلب على ظن المدعو أن الداعي لا يتأذى بامتناعه ظاهر الحديث يقتضي المنع وذلك لأنه أراد بالمنع أن الامتناع مع غلبة الظن بما ذكر حرام فكلامهم في نظائر ذلك يرده فقد قالوا لو غلب على ظن إنسان أن صديقه يرضى بالأكل من ماله جاز له الأكل منه وقالوا لو غلب على ظن القاضي وقوع أمر بحضوره جاز له الحكم فيه بعلمه فإذا جوزوا الأكل ونحوه والقضاء بغلبة الظن فأولى أن يجوزوا التخلف عن الدعوى عند غلبة الظن بأن الداعي لا يتأذى بالتخلف، وعلى هذا الاحتمال أعني أن الضبط بمسافة العدوى فهل يأتي هنا ما قالوه من أن الشاهد لو احتاج إلى مركوب لم يلزمه السفر للأداء إلا إن أعطي أجرة المركوب ونفقة الطريق ولو كان

 

ج / 4 ص -48-          يتخلف بالأداء عن كسبه الذي منه قوته يوما بيوم لم يلزمه الذهاب للأداء إلا إن أعطي قدر كسبه في تلك المدة أو أجرته على الخلاف في ذلك أو لا يأتي ذلك هنا لاطراد العادة به في الشهود بخلافه في الوليمة الذي يتجه الثاني على أن الذي ينبغي أنا وإن قلنا بهذا الاحتمال فإنما نوجب الذهاب إلى مسافة العدوى على قوي يقدر على الركوب من غير مشقة تلحقه في بدنه أو ماله إذ قضية كلامهم في الأعذار المسقطة لوجوب الإجابة في الوليمة أنها تسقط بأدنى مما ذكرناه ثانيهما ضبط تلك المسافة بالمسافة التي تلزم الإجابة إليها في الجمعة ففي البلد تجب الإجابة مطلقا لكن بالشرط الذي ذكرته قريبا وهو أن لا تلحقه مشقة في بدنه أو ماله وخارج البلد لا تجب إلا على من سمع النداء بهذا الشرط أيضا والدليل على هذا الاحتمال أن الجمعة فرض عين أيضا فإذا سقطت على من لا يسمع النداء للمشقة فكذلك سقوط وجوب الإجابة على من لا يسمع النداء وهو خارج البلد وعلى هذا فيجاب عما مر من أن الإجابة حق آدمي بخلاف الجمعة فإنها محض حق الله سبحانه وتعالى بأن تلك وإن كانت حق آدمي إلا أن العرف اطرد فيه بالمسامحة عند وجود المشاق لأن الإخلال به لا يترتب عليه ضرر يلحق الداعي فكثرت الأعذار فيه بخلاف أداء الشهادة فإن الإخلال به يترتب عليه ضرر كثير يلحق المشهود له فلذا لم تكثر الأعذار فيه كثرتها هنا فاتضح الفرق بين أداء الشهادة والإجابة للوليمة وإن كان كل منهما حق آدمي وبهذا اتجه أن الاحتمال الثاني أقرب وأولى بالاعتماد بل أقرب منه احتمال ثالث وهو تحكيم العرف المطرد عند كل قوم في ناحيتهم فإذا اعتاد أهل ناحية الدعاء من مسافة العدوى فأقل واطرد عرفهم بالإجابة من ذلك وأن ترك الإجابة يوجب كسرا وقطيعة للمدعو وجبت الإجابة من تلك المسافة على القوي الذي لا يترتب عليه من ذلك مشقة في بدنه ولا ماله وإن لم يعتادوا ذلك لم يجب بل لو اعتادوا عدم الدعاء من خارج البلد وإن سمع الخارجون النداء لم تجب الإجابة، والله سبحانه وتعالى أعلم.
"وسئل" عن التفرج أيام الزينة هل هو حرام عليها لحرمتها أو لا؟ "فأجاب" بقوله الذي صرح به الأصحاب حرمة ستر الجدران بالحرير وحينئذ فإن فعلوه أيام الزينة اختيارا حرم التفرج والنظر إليه أو إكراها فالذي يظهر الجواز حينئذ لإباحته فليس في التفرج إعانة على معصية وعلى الحال الأول يحمل إفتاء ابن الرفعة وغيره بحرمة التفرج والنظر.
"وسئل" عن قراطيس الإفرنج هل تجوز الكتابة فيها أو لا لما فيها من صور الحيوانات وهل يجب قطع محلها وإن كان فيه نقص أو لا؟ "فأجاب" بقوله قد سبرت الآن منها جملة فلم أر فيها صورة حيوان وإنما هو شيء كالختم فعند تحقق ما فيها غير صورة الأمر واضح وكذا عند الشك فيه لأن الأصل الإباحة وأما عند تحقق أن ما فيها صورة فالوجه الحل أيضا كما دل عليه كلامهم لأنهم أباحوا استعمال ما فيه صورة وقالوا أنه ممتهن

 

ج / 4 ص -49-          بالاستعمال ولا شك أن الكتابة في الورق استعمال له بل لا استعمال له غيره فكانت الكتابة فيه مع وجود الصورة جائزة لما في ذلك من امتهانها على أن جماعة ذكروا جواز حمل الدنانير التي تجلب من أرضهم وعليها صورة حيوان حقيقة يقينا واستدلوا على ذلك بأنها كانت تجلب من عندهم في زمن السلف أيضا ولم ينهوا عن حملها في العمامة وغيرها لأن القصد منها النقدية لا تلك الصورة ولتعذر إزالتها أو تعسره وإذا جاز هذا في تلك الدنانير فجواز الكتابة في الورق الإفرنجي أولى وإن تحقق أن فيه صورة حيوان.
"وسئل" هل الشبع بدعة مذمومة مطلقا أم لا وما معنى خبر:
"ما ملأ ابن آدم وعاء شرا من بطنه" وخبر: "المؤمن يأكل في معى واحد"؟ "فأجاب" بقوله الشبع بدعة ظهرت بعد القرن الأول وصح أنه صلى الله عليه وسلم قال: "ما ملأ ابن آدم وعاء شرا من بطنه حسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه فإن غلبت الآدمي نفسه فثلث للطعام وثلث للشراب وثلث للنفس" قال القرطبي لو سمع بقراط بهذه القسمة لعجب من هذه الحكمة وقال غيره إنما خص الثلاثة بالذكر لأنها أسباب حياة الحيوان ولأنه لا يدخل البطن سواها وهل المراد بالثلث في كل الحقيقة أو التقسيم إلى ثلاثة أقسام متقاربة ظاهر الخبر الأول لكن الثاني أظهر وقد صح "المؤمن يأكل في معى واحد أي بكسر الميم والقصر وهو المصران والكافر يأكل في سبعة أمعاء" والمراد بالسبعة المبالغة في الكثرة أي من شأن المؤمن التقلل من الأكل لاشتغاله بالعبادة ولعلمه بأن القصد من الأكل الإعانة عليها لا غير ومن شأن الكافر التكثر منه لغفلته عن ذلك وإنما عبرنا بما من شأنه لأن بعض المؤمنين قد يكثر وبعض الكفار قد يقلل فالحاصل أن من شأن المؤمن الزهادة في الدنيا والاقتناع بالبلغة بخلاف الكافر وقيل المراد أن المؤمن يتحصن من الشيطان بالبسملة فلا يشركه الشيطان فيكفيه القليل بخلاف الكافر.
وقيل المراد به كامل الإيمان لأن كماله يستلزم إشغال الفكر فيما بين يديه من الموت وما بعده فيمنعه ذلك من استرسال نفسه في شهواتها ومن ثم جاء أنه صلى الله عليه وسلم قال:
"من كثر تفكره قل مطعمه ومن قل تفكره كثر مطعمه وقسا قلبه" وقالوا لا تدخل الحكمة معدة ملئت طعاما ومن قل طعامه قل مشربه وخف منامه ومن خف منامه ظهرت بركة عمره ومن امتلأ بطنه كثر شربه فيثقل نومه فتمحق بركة عمره ومن اكتفى بدون الشبع حسن اغتذاء بدنه وصلح حال نفسه وقلبه ومن امتلأ من الطعام ساء غذاء بدنه وأشرت نفسه وقسا قلبه وأخرج الطبراني أنه صلى الله عليه وسلم قال: "إن أهل الشبع في الدنيا هم أهل الجوع في الآخرة" وفي رواية "إن أكثر الناس شبعا في الدنيا أطولهم جوعا في الآخرة" وقالت عائشة رضي الله تعالى عنها: لم يمتلئ جوف النبي صلى الله عليه وسلم شبعا قط أي شبعا مذموما وهو ما يثقل المعدة ويثبط صاحبه عن حق القيام بالعبادة ويفضي إلى البطر والأشر والنوم والكسل وقد يحرم الشبع إن أضر أو كان من مال الغير ولم يأذن فيه أو يظن رضاه به وأما الشبع النسبي المعتاد في الجملة فقد وقع منه صلى الله عليه وسلم لما في مسلم من خروجه صلى الله عليه وسلم وصاحبيه من الجوع

 

ج / 4 ص -50-          وذهابهم إلى بيت الأنصاري وذبحه الشاة وتقديمها مع الرطب وفيه فلما أن رووا وشبعوا قال النووي فيه جواز الشبع وما جاء في كراهته محمول على المداومة عليه اهـ. والأولى عندي أنه محمول على أول مراتب الشبع ومن شأن هذا أنه لا يثقل ولا يكسل وكراهته محمولة على ما يثقل من غير ضرر وإلا حرم كما مر وأخرج ابن سعد عن عائشة رضي الله تعالى عنها أنه صلى الله عليه وسلم خرج من الدنيا ولم يمتلئ بطنه في يوم من طعامين كان إذا شبع من التمر لم يشبع من الشعير وإذا شبع من الشعير لم يشبع من التمر وليس في هذا ما يدل على أنه صلى الله عليه وسلم كان دائما لا يجمع بين نوعين لما صح أنه صلى الله عليه وسلم أكل الرطب بالقثاء كما بينته مع ما يناسبه في شرح الشمائل وروى مسلم أنه صلى الله عليه وسلم كان يظل اليوم يلتوي ما يجد من الدقل ما يملأ بطنه.
"تنبيه" عند أهل التشريح أن أمعاء الإنسان سبعة المعدة ثم ثلاثة أمعاء بعدها متصلة بها البواب ثم الصائم ثم الرقيق والثلاثة رقاق ثم الأعور والقولون والمستقيم وطرفه الدبر وكلها غلاظ وقد نظمها الحافظ زين الدين العراقي في قوله:

سبعة أمعاء لكل آدمي                        معدة بوابها مع صائم

ثم الرقيق أعور قولون مع                     المستقيم مسلك المطاعم

"وسئل" بما لفظه هل جواز الأخذ بعلم الرضا من كل شيء أم مخصوص بطعام الضيافة؟ "فأجاب" بقوله الذي دل عليه كلامهم أنه غير مخصوص بذلك وصرحوا بأن غلبة الظن كالعلم في ذلك وحينئذ فمتى غلب ظنه أن المالك يسمح له بأخذ شيء معين من ماله جاز له أخذه ثم إن بان خلاف ظنه لزمه ضمانه وإلا فلا.
"وسئل" عما اقتضته عبارة شيخ الإسلام في شرح البهجة من ندب غسل الفم قبل الطعام هل هو صحيح وما سلفه نقلا ودليلا فقد زعم بعض الناس أنها من مفردات الشرح المذكور وأنه يتعين حمل عبارته على أن بها لفا ونشرا حتى يتبين سلفه فيكون المراد من عبارته قدس سره أن غسل اليد قبل الأكل أدب وغسل الفم بعده كذلك ولا ينافيه إيهام أن غسلها بعده ليس أدبا للعلم بالسنية واشتهارها مع دليلها؟ "فأجاب" بقوله ما دلت عليه عبارة الشيخ سقى الله تعالى عهده من ندب غسل الفم قبل الطعام في كلام الغزالي في غسل اليدين الشامل لما قبل وما بعد ما يفهمه فإنه ذكر معه غسل فمه وهو فقه ظاهر لأن حكمة غسل اليدين قبل احتمال مباشرتهما لأذى يشوش وهذا موجود في الفم على وجه أتم إذ من المعلوم أن تغير الفم أكثر وأسرع من تغير اليدين وأن اليد يباشر بعضها داخله بوضعها اللقمة فيه فسن غسله لتطيب النفس بوضع مماسه في الطعام بخلاف ما إذا غسلت اليد دون الفم فإن النفس من ثاني لقمة تعاف عود اليد للطعام بعد مماستها لداخل الفم الذي تقرر كثرة تغيره واستقذاره
فاتضح أن غسل الفم قبل الطعام فقه ظاهر نقلا ودليلا إذ بفرض

 

ج / 4 ص -51-          عدم ذكر أحد له هو مقيس بالأولى على غسل اليد كما تقرر والمنازعة فيه بعد ظهور ذلك وتوضيحه مكابرة، والله سبحانه وتعالى أعلم.
"وسئل" هل يفرق بين الماء واللبن وسائر المشروبات في العب والمص وما حكمة ذلك؟ "فأجاب" بقوله أما الماء فالسنة فيه المص وأن يشربه في ثلاثة أنفاس يسمي في أول كل ويحمد آخره وينبغي له أن يدرجها بأن تكون الأولى أقل والثانية أكثر منها ثم يستوفي حاجته في الثالثة وحكمته أن لنياط القلب موضعا رقيقا لطيفا فإن جاء الماء دفعة واحدة ربما قطعه فمات صاحبه قال الخطابي وأيضا إذا جرعه جرعا واستوفى ريه منه نفسا واحدا تكاثر الماء في موارد حلقه وأثقل معدته وروي أن الكباد أي وجع الكبد من العب وأما شرب اللبن فالأولى فيه العب في نفس واحد لأن الله تعالى جعله سائغا للشاربين ويسمي في أوله ويحمد في آخره كالطعام وأما غيرهما من الأشربة ففي المدخل أنه مخير فيه بين العب والمص اهـ.
وفيه نظر لأن العلة التي في الماء تأتي فيه بالأولى فينبغي أن يلحق به في المص خشية المحذور السابق في الماء وإنما خرج اللبن عن ذلك لما تقرر أن الله سبحانه وتعالى جعله خالصا سائغا للشاربين فيؤمن فيه الشرق وتقبله المعدة وإن كثر من غير إيذاء يحصل لها منه عند ترادفه وتزاحمه.
"وسئل" عما قيل يسن للآكل أن يجهر بالتسمية ويسر بالتحميد ما وجهه؟ "فأجاب" بقوله إنما سن له الجهر بالتسمية لينبه الآكلين عليها وعلى الأخذ في الأكل بخلاف الحمد فإنه قد يكون فيهم من لم يكتف بعد ومن ثم لو علم فراغهم وكفايتهم ينبغي أن يسن له الجهر لينبههم عليه ولما لم يوجد ذلك المعنى في الشرب كان مخيرا بين الجهر والإسرار ما لم يكن عالما يقتدى به فيسن له الجهر كما هو ظاهر ليعلم من عنده السنة.
"وسئل" عن حكمة كراهة الشرب من ثلمة الكوز؟ "فأجاب" بقوله قيل حكمتها أنه محل اجتماع الوسخ قيل وينبغي له أن لا يشرب من ناحية أذن الكوز لما ورد أن الشيطان يشرب منها.
"وسئل" عما اعتيد من قول الإنسان لمن يفرغ من شربه: صحة أو نحو ذلك هل له أصل أو هو بدعة؟ "فأجاب" بقوله يمكن أن يقال أن له أصلا ويحتج له بقوله صلى الله عليه وسلم لأم أيمن لما أن شربت بوله صلى الله عليه وسلم:
"صحة يا أم أيمن لن تلج النار بطنك" ووجه القياس أن المختار عند كثير من أئمتنا طهارة فضلاته صلى الله عليه وسلم وأن بوله شفاء أي شفاء فإذا قال ذلك لشاربته فلا بدع أن يقاس عليه قول مثله لشارب الماء لا يقال لم ينقل عنه صلى الله عليه وسلم قول ذلك في غير هذه الواقعة لأنا نقول لا يشترط في الاقتداء به صلى الله عليه وسلم فيما يفعله على جهة التشريع تكرر ذلك الفعل منه صلى الله عليه وسلم بل يكفي صدور ذلك منه كذلك ولو مرة كما هو واضح على أن عدم النقل في غير هذه الواقعة لا يدل على عدم الوجود وليس هذا مما تتوفر الدواعي على نقله وبقولنا أن بوله

 

ج / 4 ص -52-          صلى الله عليه وسلم شفاء أي شفاء اندفع ما قيل هذا لا حجة فيه لأنه لم يكن ثم ما يشرب وإنما هو البول وهو إذا شرب عاد بالضرر فقال صحة لينفي عنها ما تتوقعه مما جرت به العادة من بول غيره صلى الله عليه وسلم فتضمن ذلك دعاء وإخبارا بخلاف شرب الماء اهـ.
فقوله لينفي عنها ما تتوقعه إلخ يرد بأنه تقرر عند أم أيمن وغيرها أنه شفاء ولم تقصد بشربه إلا ذلك فاندفع جميع ما ذكره ويمكن أن يقال لا حجة فيه لا لما ذكره هذا القائل بل لكونه صلى الله عليه وسلم لم يقل لها ذلك إلا تحقيقا لما قصدته من شربها للبول فإنها إنما شربته للتداوي وطلب الشفاء فقال لها صلى الله عليه وسلم صحة تحقيقا لقصدها وإجابة لما مر لها وإخبارا بأن ما قصدته من الصحة قد حصل وتحقق وهذا معنى ظاهر إرادته من اللفظ وعند ذلك لا يبقى في الخبر دلالة ظاهرة على أن فيه دليلا لندب ذلك عند شرب الماء نعم فيه دلالة ظاهرة لندبه عند شرب الدواء لأنه على طبق النص فلا فارق بينهما.
"وسئل" عما يفعله الأعاجم ومن يقتدى بهم من القيام أو الانحناء أو المطأطأة أو نحو ذلك عند شرب بعضهم هل هو بدعة؟ "فأجاب" نعم هو بدعة قبيحة لأنا نهينا عن التشبه بالأعاجم.
"وسئل" عن اتخاذ إناء لأكله أو شربه يختص به هل هو بدعة؟ "فأجاب" بقوله نعم هو بدعة لأنه ينبي عن الكبر والخيلاء وخلاف ما عرف من طريقته صلى الله عليه وسلم قالت عائشة رضي الله تعالى عنها: كنت أشرب من الإناء فيأخذه صلى الله عليه وسلم فيشرب منه فيضع فاه موضع في. وروي سؤر المؤمن شفاء وورد المؤمن يأكل بشهوة عياله قيل وهذه دسيسة دسها الشيطان على المسلمين ليتوفر للنساء ما يقصدنه كثيرا من سحر الرجال وإسقائهم ما يخبلهم أو يجننهم أو نحو ذلك من مكايدهن ولو كان إناء شربه مشتركا بينه وبين عياله لم يتأت لهن ذلك.
"وسئل" عما اعتيد أن الآكل أو الآكلين يقوم على رءوسهم واحد أو أكثر أجنبي أو خادم هل هو بدعة وإن اضطر لذلك لنش الذباب أو نحوه؟ "فأجاب" بقوله هو بدعة لما فيه من التشبه بالأعاجم ومن الكبر والخيلاء اللهم إلا أن يحتاج لذلك لتنفير مؤذ كذباب ولم يتيسر له وهو قاعد فلا بأس بالقيام لهذا العذر لأنه ينفي التشبه والكبر المذكورين وفعل المضيف لنحو نش الذباب بنفسه أولى لأنه إكرام للضيف وكل إكرام له يسن للمضيف فعله بنفسه فإن تعسر عليه فبمأذونه.
"وسئل" عمن نقل أن الرغيف لا يحضر بين يدي آكله حتى يخدم فيه ثلاثمائة وستون عالما بفتح اللام؟ "فأجاب" بقوله نقل ذلك ابن عطية في تفسيره ومن ثم ينبغي للآكل أن يستشعر في نفسه ذلك ويتأمل كم من عالم علوي وسفلي خدمته فيه ليعلم قدر نعمة الله تعالى عليه في إحضار هذا الرغيف بين يديه فيشكر الله سبحانه وتعالى معتقدا عجزه عن حق شكره وأن له عليه نعما لا تحصى.

 

ج / 4 ص -53-          "وسئل" عمن يأكل ويدخل أصابعه في فمه ثم يردها للطعام هل يكره له ذلك وكذا لعق الأصابع قبل الفراغ؟ "فأجاب" بقوله كل من الرد واللعق قبل الفراغ خلاف الأولى أو مكروه لأن اليد إذا أصابها شيء من اللعاب فعادت إلى الطعام إما يعافه هو أو من يراه فيشوش على نفسه أو غيره فيسن له غسل يده حيث أصابها شيء من اللعاب قبل ردها للطعام ومن ثم قالوا يسن لآكل نحو التمر أن يلقي نواه على ظهر يده ثم يلقيه من غير أن يمس باطن يده ومن غير أن يمس شيئا من ذلك المأكول ريقه.
"وسئل" عن الأكل بالملاعق هل هو بدعة؟ "فأجاب" بقوله الذي يظهر أنه إنما يكون بدعة قبيحة إن أصابها شيء من لعابه ثم ردها للطعام أو إن كان فيه نوع تكبر أو تشبه بالأعاجم وإلا فلا وجه لقبحها.
"وسئل" هل يسن في الأكل أن يكون على الجانب الأيمن أولا ثم بعد ذلك يأكل كيف تيسر كما قيل بذلك؟ "فأجاب" بقوله ذكر صاحب المدخل أن البداءة في مضغ أول لقمة بناحية اليمين هي السنة للأمر بالتيامن وهو عام في الحركات والسكنات إلا ما استثني وبعد ذلك يأكل كيف شاء قال وقد حكي عن بعضهم أن شابا دخل عليه فقدم له أكلا فأكل باليسار فقال له من شيخك قال يا سيدي ناحية اليمن توجعني فقال له كل رضي الله تعالى عنك وعمن رباك اهـ. وقياس مذهبنا ذلك إلحاقا له بنحو اللبس والسواك فإنه يسن التيمن في ابتداء كل منهما لا يقال الفرق بينهما وبين الأكل واضح بأنهما من باب الإكرام وهو يسن فيه التيامن بخلاف الأكل فإنه لا إكرام فيه وما لا إكرام فيه لا يسن فيه التيامن وإن لم يكن فيه خلافا لبعض المتأخرين لأنا نقول كون الأكل لا إكرام فيه ممنوع بل هو من باب الإكرام لأنه وقاية للبدن من الأذى فكان كاللبس بل أولى وقد صرحوا بندب التيمن في الكحل الذي هو غذاء العين فغذاء البدن كله أولى.
"وسئل" عن التكلف المذموم ما حده؟ "فأجاب" بقوله حده أن يكون فيه مشقة عرفا إما بأن لا يتيسر له الشيء إلا بدين والدائن متكره من استدانته أو والمدين يعسر عليه أن يبذل وجهه للدائن حتى يقترض منه أو لا يكون له جهة ظاهرة يوفي منها لأن الاستدانة في هذه الحالة الأخيرة حرام أو بأن لا يكون دين ولكن عليه مصرف أهم بطريق الندب فيقدم ذلك على التكلف أما الأهم بطريق الوجوب فيحرم تقديم غيره عليه ولو تعارض التكلف ومقصد صالح بأن أحب أن يظهر أثر النعمة عليه أو جاءه من لو لم يتكلف له لحصل له منه ضرر ولو بالغيبة والذم أو كان في ذلك التكلف إعانة للناس على الاشتغال بالعلم أو نحو ذلك من مقاصد الخير فما الذي يقدم هل يترك حذرا من التكلف أو يفعل ولو مع التكلف حيازة لثواب ذلك المقصد الصالح هذا مما يتردد النظر فيه والذي يظهر لي الآن أنه حيث سهلت عليه الاستدانة وكان له جهة ظاهرة يوفي منها أو كان معه مال وعليه مصارف صالحة

 

ج / 4 ص -54-          وأمكنه جعل هذا الذي نحن فيه من جملتها فلا بأس بالتكلف ولا ذم فيه حينئذ لما فيه من المصلحة الظاهرة وحيث انتفى ذلك كره التكلف لأنه يخرج غالبا إلى حيز الرياء والمباهاة والصالحون برآء من ذلك.
"وسئل" عن قول الأنوار في الوليمة العاشر أن لا يكون هناك منكر كالخمر والملاهي والنساء على السقوف يدل على تحريم حضور مكان به نساء يشرفن على الرجال وبالأولى إذا كن في خلال الرجال أو بجانبهم فهل هذا معتمد؟ "فأجاب" بقوله الذي دلت عليه عبارته التي اعتمدها جمع أن وجود النساء بمحل ينظرن الرجال نظرا محرما يمنع وجوب الإجابة لأنه منكر إذ نظر الأجنبية للأجنبي حرام وأما تحريم الحضور فليس فيها تصريح به وإنما هو مقتضى الحكم على ذلك بأنه منكر إذ من المعلوم حرمة حضور المنكر اختيارا لمن يقدر على إزالته ولكن ليس ذلك على إطلاقه بل شرط الحرمة أن يعلم تعمد نظر امرأة أجنبية له نظرا محرما وعلم ذلك بعيد إذ من الجائز أنهن ينظرن نظرا غير محرم كأن يقصرن نظرهن على غير البدن من اللباس ونحوه أو يقلدن من يجيز ذلك وكما احتمل في نظر عائشة رضي الله تعالى عنها للحبشة وهم يلعبون نحو ذلك فكذلك هنا فإن قلت لو نظرنا لذلك وجبت الإجابة قلت لا يلزم من عدم حرمة الحضور وجوب الإجابة وإنما لم تجب حينئذ لأن اجتماع النساء ونظرهن إلى الرجال مظنة الفتنة والفساد فيسمى منكرا وإن لم يتحقق حينئذ منهن نظر محرم فإن قلت قد قرروه في الإجماع على جواز خروج النساء سافرات وعلى الرجال غض البصر لم يصرح بأنه لا يحرم على الرجل الحضور وإن تحقق نظر محرم إليه قلت قد قيدت ذلك في شرح الإرشاد وغيره أخذا من قولهم الإعانة على محرم والتمكين منه اختيارا محرمان بما إذا لم تعلم المرأة أن أجنبيا ينظر إليها نظرا محرما وإلا حرم عليها بقاء كشف وجهها أو غيره مما ينظر إليه لأن قدرتها على ستره منه يصيرها إذا لم تستره معينة له على محرم وممكنة له منه
وقد صرح الأصحاب بأنه يحرم على الحلال تمكين الحليل المحرم من الجماع ونحوه وصرح النووي وغيره بأنه يحرم كشف العورة بحضرة من يعلم أنه ينظر إليها نظرا محرما خلافا لمن وهم في ذلك زاعما أن الناظر عليه غض البصر فلا يكلف المنظور التحفظ منه وهذا خيال باطل وحال حائل وعبارة شرحي للإرشاد عطفا على الأعذار أو كان ثم زحام يؤذي خلافا للروياني أو نساء بنحو أسطحة الدار أو مرافقها ينظرن للرجال أو يختلطن بهم.
"وسئل" هل يحرم حضور المنكر المختلف فيه أو لا كما قال الناشري أنه المنقول وجرى عليه الأصفوني وغيره في النبيذ وغيره؟ "فأجاب" بقوله صرح أصحابنا بأنه يجب إزالة المنكر إن أجمع عليه أو كان الفاعل يعتقد تحريمه بخلاف ما ليس كذلك كأن رأى شافعي حنفيا جالسا على حرير أو شاربا لنبيذ وحينئذ لا يحرم الحضور لأنه لا يجب على

 

ج / 4 ص -55-          الشافعي إنكار ذلك على الحنفي بل لا يجوز له إلا إن أرشده بلطف إلى رعاية الخروج من الخلاف وإذا لم يجب الإنكار لم يحرم الحضور إذ يلزم من عدم وجوب الإنكار جواز التقرير عليه بحضوره عنده أو بغيره فإن قلت كيف يقره على شرب النبيذ وهو لو رفع لشافعي حده عليه قلت حد الشافعي له عليه ليس لكون الحنفي ارتكب محرما في اعتقاد نفسه ولذا قال الشافعي رضي الله عنه أحده وأقبل شهادته وإنما هو لضعف دليله ولأن العبرة في القاضي بعقيدته لا بعقيدة المترافعين إليه وهذه العلة الثانية هي المعول عليها وفي شرحي للإرشاد ولو حضر المنكر جاهلا به نهى مرتكبه ما لم يعتقدوا حله كحنفية يشربون نبيذا خلافا للسبكي لأنه مجتهد فيه ولا يشكل عليه حد الحنفي بشرب النبيذ لما يأتي في الأشربة اهـ.
وهو موافق لما قدمته، والله سبحانه وتعالى أعلم.

باب القسم والنشوز
"وسئل" فيما إذا نشزت المرأة إلى بيت أهلها وامتنعت من الرجوع إلا أن يعطيها شيئا معلوما فأعطاها هل تملكه أم لا؟ "فأجاب" بأنها لا تملكه لأنها أخذته على وجه العدوان والظلم فهو كالرشوة إذا أخذها القاضي وكحلوان الكاهن وجائزة الشاعر وكل هؤلاء لا يملكون ما أعطوه لأنهم لم يعطوه عن طيب نفس بوجه جائز نعم لا يبعد أن يقال إن نوى الزوج الإهداء إليها مبالغة في تطييب خاطرها لأجل ردها إلى منزل طاعته ملكته وإن كانت عاصية لأنه لم يعطها حينئذ في مقابلة الفعل المحرم بل تجاوزه عنها فيما عصت به وقصد تطييب خاطرها ببذل شيء من عنده هدية لها فتملكه حينئذ اللهم إلا أن يتيقن أنها لا تعود إليه إلا بمال وأنه لا يمكنه ردها بغير مال فحينئذ قصده الهدية لا يرفع كونها وقعت في مقابلة الفعل المحرم وعند وقوعها في مقابلته يبعد أن تملكه إلا أن يقال أن الحق له وقد أسقطه بقصده الإهداء إليها مع ذلك وأنه لم يدفعه إليها في مقابلة الفعل المحرم فتملكه حينئذ فيما يظهر.
"وسئل" عن شخص تزوج امرأة من بلد صحيح وأراد نقلها إلى بلد وبيئة فهل لها الامتناع؟ "فأجاب" بقوله ليس لها الامتناع فيما يظهر من كلامهم لأن الغالب السلامة فهو كركوب البحر إذا غلبت السلامة فيه وإفتاء بعض أهل اليمن بأن لها الامتناع بعيدا وأبعد منه تأييده بأن الوبية شبيهة ببلد الطاعون وقد نهى صلى الله عليه وسلم عن الدخول إليها اهـ. وهو فاسد إذ الأرض الوبية يجوز الدخول إليها بالإجماع كما حكاه غير واحد بخلاف أرض الطاعون فإنه يحرم الدخول إليها عندنا فلا جامع بينهما نعم لو حمل إفتاء القائلين بالامتناع على الأرض التي بها الطاعون لكان وجيها لحرمة الدخول إليها، والله سبحانه وتعالى أعلم.

 

ج / 4 ص -56-          باب الخلع
"وسئل" فيمن له زوجة غائبة عنه فقال متى أبرأتني زوجتي فلانة من مهرها وهو كذا فهي طالق فأبرأته اتفاقا أو عند ظهور آية ككسوف ونحوه طلبا لثواب الآخرة أو أرسل إليها رسولا ليعلمها تعليقه بحصول البينونة فأتى الرسول فقال أبرئي زوجك فلانا من مهرك ولم يعلمها بتعليقه ولم تعلمه فأبرأته منه عالمة مقداره فهل تطلق بائنا أو رجعيا أو يفصل وهل التعليق بالقول كالتعليق بالفعل حتى لا تطلق إلا مع العلم بالتعليق والذكر على ما فصلوه أم لا؟ "فأجاب" بأن الذي دل عليه كلامهم في بابي البيع والخلع صحة الإبراء ووقوع الطلاق بائنا في جميع الصور المذكورة في المسألة الأولى وذلك لأن من علق على الإبراء من المهر لفظا أو نية لا يقع طلاقه إلا إن برئ منه وهو في مسألتنا قد برئ لتصريح الزركشي وغيره كابن الصباغ بجريان الخلاف فيمن باع مال أبيه ظانا حياته فبان موته في التعليق فإذا برئ من يظن أن لا دين له لدين قدر فبان له صحت البراءة منه كما صرح به أصحابنا وهو ظاهر المذهب اهـ. وفيه نظر بل ظاهر كلام الزركشي وغيره على ما قاله الإصطخري يبرأ باطنا أيضا وخالفه بعض أصحابنا قال بعضهم البراءة في هذه الصورة ففي صورة السؤال أولى وقد علمت أنه يلزم من صحتها وقوع الطلاق المعلق بها بائنا وليس التعليق هنا كهو في نحو إن دخلت الدار لأن محل اشتراط العلم بالتعليق ثم إن قصد به المنع من الدخول مثلا فيشترط حينئذ علم المعلق بفعله بالتعليق حتى يمتنع لأجله بخلاف ما إذا لم يعلم به فإنه لا يتصور منه امتناع لأجله فلذلك اشترط العلم بالتعليق وأما في صورتنا فالمعلق بالبراءة راغب في حصولها سواء أعلم بالتعليق أم لا يعلم فلم يكن لاشتراط العلم بالتعليق هنا وجه ألا ترى أنه لو علق بفعل ولم يقصد منعها منه وقع الطلاق به علم فاعله بالتعليق أم لا فكذلك في صورتنا بل أولى.
"وسئل" عن رجل قال لزوجته طلاقك بصحة براءتك إلا شاء الله سبحانه وتعالى فقالت المرأة الله قد أبرأك ثم بعد ذلك قال لجماعة اشهدوا علي أني قد رددتها في عقد نكاحي من نهارها ظانا أنها طلقت منه فهل يقع عليه الطلاق أم لا يقع وهل يفيده ردها إلى عقد نكاحه إلا صح الطلاق بما قاله أم لا يفيد أو لا عبرة بما قاله لها وقالته له وهي باقية في الزوجية أفتونا مأجورين نفع الله سبحانه وتعالى بكم المسلمين في الدنيا والآخرة آمين "فأجاب" رضي الله عنه بقوله إذا قالت له الله قد أبرأك فقال لها طلاقك بصحة براءتك فإن كانت هي وهو عالمين بما أبرأت منه وقع عليه الطلاق رجعيا فإذا راجعها قبل انقضاء عدتها عادت إليه وقوله اشهدوا أني قد رددتها إلى نكاحي رجعة وإن كانت جاهلة بما أبرأت منه أو لم تنو البراءة من شيء معين لم يقع عليه طلاق ولو قال لها مرة أخرى طلاقك بصحة براءتك فقالت الله قد أبرأك فإن صح الإبراء وقع عليه طلقة ثانية وإلا فلا ولا نظر لتأخر

 

ج / 4 ص -57-          براءتها لأن قوله المذكور تعليق وهو يكون على الماضي والمستقبل وهذا ظاهر من تعليلهم كون الطلاق المذكور رجعيا وإن لم يصرحوا به، والله سبحانه وتعالى أعلم.
"وسئل" عن رجل قال لزوجته التي لم يدخل بها إلا أبرأتني من نصف صداقك الباقي في ذمتي بعد الطلاق فأنت طالق هل تطلق إذا أبرأت من النصف المذكور وتبرأ ذمته بهذه الصيغة أم لا؟ "فأجاب" بقوله الذي صرح به الأحنف والأصبحي واعتمده الأزرقي وبعض شراح الوسيط وكلام الشيخين في باب الصداق يقتضيه أن من قال لامرأته قبل الدخول إن أبرأتني من صداقك فأنت طالق فأبرأته لم يبرأ ولم تطلق أو من نصف مهرك الباقي بعد الطلاق في ذمتي فأنت طالق فأبرأته طلقت وبرئ وإن أطلق ذكر النصف فأبرأته لم يبرأ ولم تطلق، والله سبحانه وتعالى أعلم.
"وسئل" عما لو قال إلا أبرأتني من المهر بنتك أو غيرها فأنت وكيل فطلقها أهو رجعي كما في النفائس للأزرقي أم لا؟ "فأجاب" بأن الذي في نفائس الأزرقي هو ما لفظه إذا قال إن أبرأتني زوجتي من صداقها فقد وكلتك في طلاقها فأبرأته فطلق الوكيل هل يكون الطلاق رجعيا أم بائنا الذي يظهر أنه يكون رجعيا قطعا، وأجاب الفقيه أحمد بن حسن بن أبي الخل بنحوه ويستدل بأن للوكيل أن يطلق على الفور وعلى التراخي اهـ لفظه وقال قبيل ذلك لو قال إن أبرأتني من صداقك فأنت طالق فأبرأته منه وهي تعلمه طلقت بائنا على الأصح وقوله وهي تعلمه صوابه وهما يعلمانه وما ذكره في الأولى من الوقوع رجعيا ظاهر حكما لا تعليلا وإنما الذي ينبغي أن يعلل به أخذا من كلام أبي زرعة في نظيره أن طلاق الوكيل لها طلاق تبرع ليس بعوض فإنها لما أبرأته البراءة الصحيحة لم يبق في ذمته شيء ولو شاء الوكيل لم يطلقها فلما طلقها كان طلاقا بغير عوض فلا وجه لكونه بائنا إذ لا عوض حينئذ يقتضي البينونة لأن شرطها أن يكون الطلاق معلقا على الإبراء أو يقترن به إعطاء مال أو تمليك وذلك كله مفقود هنا وفي فتاوى القاضي وحكاه عنه الشيخان في الروضة وأصلها أواخر الخلع وأقراه بأنها لو قالت أبرأتك من صداقي فطلقني برئ الزوج وله الخيار إن شاء طلق وإن شاء لم يطلق وما ذكره في الثانية من الوقوع بائنا هو المعتمد لكن له شروط أخر بسطت الكلام عليها في فتوى غير هذه فإن قلت ما الفرق بين الصورتين قلت واضح مما قررته في الأولى فإنه في الثانية علق الطلاق على الإبراء فإذا أبرأته براءة صحيحة وقع الطلاق في مقابلتها فكان بائنا بخلافه في الأولى فإنه لم يعلق الطلاق بالإبراء وإنما الذي علقه به التوكيل فإذا وجد الإبراء منها ثم طلقها الوكيل كان طلاقه تبرعا ليس في مقابلة إبرائها فإنه لا يكون في مقابلته إلا إن صح بصحة الإبراء وفسد بفساده ولا يكون كذلك إلا إذا علق الطلاق عليه وهنا الإبراء صحيح قبل أن يطلق فلا تعلق له بالطلاق لا في الصحة ولا في الفساد فكان طلاق تبرع فوقع بائنا فإن قلت تعليق الوكالة باطل فكيف صح طلاق الوكيل حينئذ قلت الباطل عند فساد الوكالة إنما هو خصوص

 

ج / 4 ص -58-          التوكيل الذي يستحق عليه الأجرة المسماة أما عموم الإذن الذي يقتضي نفوذ تصرف الوكيل فهو باق وإن فسدت الوكالة كما صرحوا بذلك في بابها ولوضوحه لم يتعرض له الأزرقي، والله سبحانه وتعالى أعلم.
"وسئل" عمن قال أنت طالق على تمام البراءة فقالت أبرأتك ما الحكم؟ "فأجاب" بقوله إذا قال لها أنت طالق على تمام البراءة لم تطلق إلا إن أبرأته براءة صحيحة بأن تعلم الزوجة والزوج بقدر ما لها عليه ثم تبرئه منه وهي رشيدة ولم يكن مضى عليه من السنين ما يقتضي تعلق الزكاة به فإذا وجدت هذه الشروط طلقت بائنا وإلا لم تطلق، والله سبحانه وتعالى أعلم.
"وسئل" رضي الله عنه عمن قال أبرئيني من مهرك وهو مائة دينار إلى هذه العشرة الدنانير وأطلقك فقالت أبرأتك منه إليها فقال أنت طالق أو قال إلا أبرأتني منه إليها فأنت طالق فقالت أبرأتك منه إليها ما الحكم؟ "فأجاب" بقوله إذا قال لها أبرئيني من مهرك وهو المائة إلى هذه العشرة الدنانير وأطلقك فقالت أبرأتك منه إليها فقال أنت طالق فإن أراد بقوله إلى هذه العشرة الدنانير أن العشرة عوض منه إليها في مقابلة الإبراء من المائة فتكون إلي بمعنى علي صحت براءتها ولزمه العوض وهو العشرة فقد صرح النووي وتبعه السبكي وغيره بأنه يجوز بذل العوض في مقابلة الإبراء وأما قوله بعد ذلك أنت طالق فهو يقتضي وقوع الطلاق رجعيا لأنه غير معلق بالبراءة لأن قوله أو لا وأطلقك وعد ولو سكت عنه فلم يقل أنت طالق صح الإبراء ولم يؤمر بالطلاق وأما إذا قال إن أبرأتني منه إليها فأنت طالق فأبرأته من المائة على العشرة براءة صحيحة صح الإبراء من المائة ولزمته العشرة نظير ما مر والذي يتجه وقوع الطلاق هنا رجعيا أيضا بخلافه في إن أبرأتني فأنت طالق والفرق أن الطلاق في هذه وقع في مقابلة الإبراء فكان الإبراء عوضا عنه وهذه هي حقيقة الخلع المقتضي للبينونة فوقع الطلاق بائنا بخلافه في إن أبرأتني من مهرك على عشرة فأنت طالق فإن الطلاق لم يقع عوضا عن البراءة إذ عوضها العشرة وإذا خلا الطلاق عن عوض في مقابلته كان رجعيا لا بائنا، والله سبحانه وتعالى أعلم.
"وسئل" رضي الله تعالى عنه قال إلا أعطيتني على ثلاث تطليقات وهو يملك الثلاث ألف أشرفي توزيعا للمسمى على عدد الثلاثة المسئولة في مقابل كل من المال المذكور فأنت طالق فأعطته فورا خمسمائة أشرفي فهل تطلق طلقة أو طلقتين وهل إذا قالت له زوجته طلقني ثلاثا بألف فطلقها واحدة ونصفا فما يستحق؟ "فأجاب" بقوله لا يقع في المسألة الأولى شيء لأن الصفة التي علق عليها وهي إعطاء الألف لم توجد نعم إن قصد بما قاله إيقاع ما يقابل المعطى لو وزعت الألف على الثلاث وقع بالخمسمائة طلقتان وأما المسألة الثانية فيقع عليه طلقتان ويستحق خمسمائة، والله سبحانه وتعالى أعلم.

 

ج / 4 ص -59-          "وسئل" إذا قال خلعتك إلى رقبة أبيك ما الحكم؟ "فأجاب" بقوله إذا قال خلعتك إلى رقبة أبيك فقد أتى بلفظ محتمل والذي دل عليه كلامهم في ذلك أنه إن أراد بذلك أن أباها يلتزم له مالا في مقابلة طلاقها لم تطلق حتى يلتزم له فورا وحينئذ فتطلق بائنا بذلك المال إن كان معينا وإلا فبمهر المثل وإن أراد أنه خالعها خلعا منجزا وإنها بعد تصير في رقبة أبيها أي عليه مؤنتها طلقت بقوله خالعتك إن نوى به الطلاق ويكون رجعيا فإن لم ينو به شيئا ولم تقبل لم يقع طلاق وأما إذا أضمر التماس جوابها فقبلت بانت ولزمها مهر المثل هذا مقتضى كلام المنهاج وأصله وهو طريقة الأكثرين لكن المصحح في الروضة أنه مع عدم ذكر المال كناية مطلقا فإن نوى به الطلاق وقع وإلا فلا وإن لم يرد بذلك اللفظ شيئا مما ذكر فالذي يظهر أنه لا يقع به شيء لأنه يحتمل كلا من الأمرين المذكورين وكل منهما لا يقع به طلاق إلا بالشرط الذي ذكرته والأصل بقاء العصمة حتى يتحقق الموقع ولم يتحقق هنا لأن لفظه محتمل كما تقرر مع أن كلا من احتماليه لا يقتضي الوقوع مطلقا بل بشرط لم يتحقق وجوده، والله سبحانه وتعالى أعلم.
"وسئل" في رجل قال الطلاق يلزمني إذا أعطيتني كذا ما تمسي لي زوجة فهل تطلق بائنا؟ "فأجاب" أفتى الفتى بأنها إذا أمست له زوجة بأن لم يطلقها قبل المساء طلقت بائنا بقوله يلزمني الطلاق بائنا لخشية توقع العوض في مقابلته لكن بشرط الفورية في الإعطاء وإلا فرجعيا وإن طلقها قبل أن تمسي طلقت بالثاني رجعيا دون يلزمني لأنه بر فيه ونظر بعض تلامذته فيما قاله أولا والنظر واضح إذ الطلاق لم يجعل في مقابلته مال ألبتة فالأوجه وقوعه رجعيا مطلقا والله سبحانه وتعالى أعلم.
"وسئل" في رجل وكل آخر في طلاق زوجته فطلقها بعد أن قالت بذلت صداقي على صحة طلاقي فهل يقع بائنا أو رجعيا؟ "فأجاب" بقوله يقع رجعيا لأنه أتى بالمأمور فيه من الطلاق ولم يجعله في مقابلة مال حتى يكون مخالفا لموكله ومفوتا لغرضه من بقاء الرجعة ولا يبرأ حينئذ الزوج لأن الطلاق لم يقع في مقابلة البذل، والله سبحانه وتعالى أعلم.
"وسئل" فيما لو قالت بذلت صداقي على صحة طلاقي فقال أنت طالق على صحة البراءة فهل تطلق بائنا أو رجعيا أو لا تطلق؟ "فأجاب" بقوله أفتى الشيخ تقي الدين وتلميذه الرداد والطيب الناشري بأنها لا تطلق وقال آخرون لا تطلق بائنا وقال ابن عجيل وإسماعيل الحضرمي نفعنا الله سبحانه وتعالى بهما إن أراد استئناف براءة لم تطلق وإلا طلقت وهو الأوجه وإذا قلنا تطلق طلقت بائنا، والله سبحانه وتعالى أعلم.
"وسئل" عما لو قال إلا أبرأتني من صداقك فأنت طالق فقالت أنت برئ على صحة الطلاق فهل تطلق؟ "فأجاب" نعم تطلق على ما أفتى به ابن عجيل لكن خالفه الكمال الرداد فقال لا تطلق والأول أوجه.

 

ج / 4 ص -60-          "وسئل" في رجل طلق زوجته ولم يعطها متعة واجبة ثم أعادها ثم قال إلا أبرأتني من جميع ما تستحقينه علي فأنت طالق ولم يخطر بباله أن لها عليه متعة فهل يقع؟ "فأجاب" بقوله لا يقع عليه شيء لأن الصفة المعلق عليها وهي البراءة من جميع ما لها عليه لم توجد ولا نظر لخطور ذلك بباله أو لا نعم إن أراد البراءة من شيء معين دون غيره فأبرأته منه براءة صحيحة وقع بائنا، والله سبحانه وتعالى أعلم.
"وسئل" فيما لو قال أنت طالق إلا أبرأتني من مهرك وإن لم تبرئي فهل يقع؟ "فأجاب" بقوله الذي يتجه في ذلك الوقوع حالا لأن مدلوله الوقوع أبرأت أو لا لأن اللفظ يحتمل لم تبرئ مطلقا فإن أراد التعليق بكل من الأمرين بمعنى أنه متى وجد أحدهما طلقت قبل لأن اللفظ يحتمله فإن أبرأته براءة صحيحة مع علمهما بالمبرإ منه طلقت بائنا وإن لم تبرئه بالكلية أو أبرأته براءة فاسدة لم تطلق إلا عند اليأس قبيل موتها وللفتى وتلميذه الرداد كلام في ذلك ينبغي حمله على ما ذكرته، والله سبحانه وتعالى أعلم.
"وسئل" فيما لو شهد على امرأة ولم يذكر أنه رآها مسفرة فهل يقبل؟ "فأجاب" بقوله للروياني فيه احتمالان رجح منهما عدم القبول لأن الغالب ستر وجوههن قال بعضهم وفيه نظر وهو كما قال، والله سبحانه وتعالى أعلم.
"مسألة سئلت" عمن قال لامرأته خالعتك بمائة دينار فقالت قبلت فسألها المائة فقالت مم هي فقيل لها إنها وجبت عليك بالقبول فقالت أنا لم أرض ببذل عوض وادعت أنها لا تعرف أنه يجب عليها العوض بهذا اللفظ ما الحكم "فأجبت" بقولي الذي يتجه في ذلك أخذا من نظائر ذكروها أنها إن كانت مخالطة لأهل المدن والقرى الذين لا يخفى عليهم ذلك لم يقبل منها دعواها المذكور ويقع الطلاق بائنا وتلزمها المائة وإن نشأت ببادية بعيدة عن العارفين بذلك قبلت منها هذه الدعوى فلا يقع طلاق ولا يلزمها مال ثم رأيت ابن عبد السلام قال في قواعده لو نطق العربي بكلمات عربية لكنه لا يعرف معناها في الشرع لا يؤاخذ بشيء إذ لا شعور له بمدلوله حتى يقصد إلى اللفظ اهـ، ورأيت الزركشي نظر فيه وبتأمل ما قررته من التفصيل يعلم حمل كلام ابن عبد السلام على غير المخالط والزركشي على المخالط وحينئذ اتضح ما قاله كل منهما وأنه لا خلاف بينهما في المعنى فإن فرض أن الأول قائل بإطلاق القبول والثاني قائل بإطلاق عدمه لم يكن لما قاله كل منهما وجه بل الصواب الجاري على القواعد المأخوذ من نظائر ذلك في أبواب شتى ما ذكرته في ذلك من التفصيل فافهم ذلك فإنه مهم ولا تغتر بمن اعتمد إطلاق ابن عبد السلام وقال إن تنظير الزركشي فيه لا معنى له لأن ذلك ناشئ عن عدم التأمل واستحضار تلك النظائر التي أشرت إليها.
"وسئل" عن شخص قال لزوجته إلا خرجت من بيتي بغير إذني فأنت طالق فإذا أذن لها

 

ج / 4 ص -61-          في الخروج إلى بيت معين ثم خرجت منه إلى غيره هل تطلق أم لا وإذا خرجت من بيته بلا إذن وقلتم تطلق رجعية فإذا راجعها ثم أذن لها بعد المراجعة أن تخرج متى شاءت هل تطلق أو لا بد من الإذن في كل مرة أوضحوا لنا ذلك؟ "فأجاب" إذا قال إن خرجت من بيتي فأنت طالق طلقت بالخروج وإن أذن لها فإن قال إن خرجت من غير إذني فخرجت بإذنه لم تطلق وإن ذهبت إلى البيت الذي لم يأذن لها فيه وإن قال إن خرجت من غير إذني إلى بيت فلانة فأذن لها فيه فخرجت إلى غيره طلقت وإذا خرجت بلا إذن وطلقت ثم راجعها فخرجت بلا إذن أيضا لم تطلق بالخروج الثاني لأن الصفة انحلت نعم إن قال كلما خرجت بغير إذني طلقت بالخروج الثاني بغير إذنه طلقة ثانية وثالثا طلقة ثالثة وحينئذ فلا بد من الإذن لها في كل مرة، والله سبحانه وتعالى أعلم.
"وسئل" عن شخص حلف بالطلاق الثلاث على أن لا يسافر أو لا يبيع لا بنفسه ولا بوكيله في هذا الشهر ثم احتاج إلى ذلك الفعل في الشهر المحلوف عليه وفعله فهل تطلق بغروب شمس آخر يوم من الشهر المحلوف فيه أم لا فإن خالعها على مال قبل انفساخ الشهر وراجعها بشروطه قبل انفساخ الشهر المحلوف فيه ثم سافر أو فعل شيئا مما حلف عليه فيه هل تبين منه أم لا وإذا قلتم لا وحكم شافعي بعدم الطلاق ولم يتعرض في حكمه لعدم عود الصفة فهل يكفي ذلك أم لا بد من التصريح بها في حكمه احترازا ممن يرى بها أوضحوا لنا ذلك.
"فأجاب" بقوله إذا قيد المحلوف عليه بمدة كما لو حلف بالثلاث لا بد أن يفعل كذا في هذا الشهر ثم خالع قبل فراغه تخلص من الحنث على ما ذهب إليه ابن الرفعة أولا ووافقه بعض تلامذته ونظرائه ورجحه الزركشي ووجهه بأن الحنث إنما يحصل فيما ذكر بمضي الزمنا لمجعول ظرفا للفعل المحلوف عليه إذ الخروج عن عهدة الحلف ممكن لإمكان الإتيان بالصفة ومتى كانت ممكنة لا يستند الوقوع إلى ما قبل الفعل لإمكانه بعده بل إلى آخر زمن يتحقق انتفاؤه فيه وحينئذ فالصفة موجودة ولا نكاح فلا يتبين فساد الخلع وفرق بين هذه المسألة ومسألة الرغيف الآتية فيتحقق الحنث فيها في الزمن الذي يؤاخذ فيه بالحنث واعتمد ما قاله بعضهم فقال فتلخص أن المعتمد في المذهب الانتفاع بالخلع مطلقا حتى لا يحنث.
واستشهد له بإفتاء التاج الفزاري فيمن حلف بالثلاث أنه لا يساكن أخاه ثم حلف أنه لا يخالع ولا يوكل بأن طريقه أن يخالع ثم لا يحنث لحصول البينونة بالخلع فيستحيل وقوع الطلاق المعلق ويوافقه إفتاء الجلال البلقيني فيمن حلف بالطلاق أنه لا يخالع بأنه لا يقع عليه شيء يعني بسبب يمين الخلع للبينونة به وأيد السبكي ذلك بظاهر قول الشيخين لو قال إلا لم تخرجي هذه الليلة من هذه الدار فأنت طالق فخالع من أجنبي من الليل وجدد النكاح ولم تخرج لم يحنث لأن الليل كله محل اليمين فلم يمض وهي زوجته وقولهما لو كان معه تفاحتان فقال لزوجته إلا لم تأكلي هذه التفاحة اليوم فأنت طالق ولأمته إلا لم تأكلي هذه الأخرى اليوم فأنت حرة فاشتبهتا تخلص بخلعها

 

ج / 4 ص -62-          ذلك اليوم ثم يعيدها أي ولو بعد التمكن من الأكل وببيع الأمة كذلك ثم يشتريها لكن الذي رجع إليه ابن الرفعة وصوبه ووافقه الباجي وغيره وهو الأوجه وفاقا لشيخنا شيخ الإسلام زكريا سقى الله تعالى عهده أنه لا يتخلص بالخلع في الصورة الأولى بل ينظر فإن لم يفعل حتى انقضى الشهر بان حنثه قبل الخلع وبطلان الخلع ويؤيده الحنث فيما لو حلف ليأكلن هذا الرغيف فتلف في الغد بعد التمكن من أكله أو أتلفه أو أنها تصلي اليوم الظهر فحاضت في وقته بعد تمكنها من فعله ولم تصل أو لتشربن من ماء هذا الكوز فانصب بعد إمكان شربه.
ونظائر ذلك في كلامهم كثيرة والفرق بينهما ومسألتي الشيخين المذكورتين يتضح بما حققه السبكي فإنه فرق بين إن لم أفعل ولأفعلن فإن الأول تعليق على العدم ولا يتحقق إلا بالآخر فإذا صادفها الآخر بائنا لم تطلق كما في فرعي الشيخين إذ ليس لليمين فيهما كنظائرهما إلا جهة حنث فإذا فعل لا يقال بر بل لم يحنث لعدم شرطه وأما لأفعلن كما في صورتنا ونظائرها فالفعل مقصود وهو إثبات جزئي وله جهة بر وهي فعله وجهة حنث بالسلب الكلي الذي هو نقيضه والحنث هنا قضية اليمين وتفويت البر فإذا التزمه وفوته بخلع من جهته حنث لتفويته البر باختياره وعليه فالصيغ أربع اثنتان يفيد فيهما الخلع وهما الحلف على النفي كلا أفعل كذا والحلف على الإثبات مطلقا بما لا إشعار له بالزمان مطلقا كإن لم أفعل كذا واثنتان لا يفيد فيهما الخلع وهما الحلف بالإثبات معلقا بما يشعر بزمان كإذا لم أفعل كذا والحلف بلأفعلن ونحوها وليس قياس هذا خلافا للسبكي أنه إذا كان التعليق في مسألة الرغيف بإن لم آكل فأتلفه أو تلف في الغد بعد تمكنه من أكله لا يحنث بل المنقول في نظيره الحنث هنا أيضا وعليه فلا ينافي ذلك ما تقرر من الفرق كما يعلم بتأمله وأما توجيه الزركشي السابق فممنوع لأنه إنما يأتي في النظائر الموافقة لما قلناه دون المخالفة مع قطع النظر عما مر من الفرق لما رجحه والتأييد بما مر عن الفزاري والبلقيني غير صحيح فإن ذلك لا تأييد فيه فتأمله فأنه مهم وبما قررته علم الجواب عما في السؤال وهو أن الخلع ينفعه قبل مضي الشهر في الصور الثلاث التي في السؤال فإذا فعله ثم جدد نكاحها بولي وشاهدين ثم فعل المحلوف عليه لم يقع عليه الثلاث وإذا جدد النكاح بعد الشهر فحكم له شافعي بصحته أو بعدم الحنث بالثلاث كان ذلك متضمنا للحكم بعدم عود الصفة فيمتنع على المخالف الحكم بعودها، والله سبحانه وتعالى أعلم.
"مسألة" قال لزوجته إلا أبرأتني من صداقك فأنت طالق فقالت وهبته لك أو نذرت به لك ولو قالت له بذلت لك صداقي على طلاقي فقال إلا صحت براءتك فأنت طالق ولو قال لها ابرئيني وأنا أطلقك فقالت أنت البريء فقال لها أنت ولية النساء بنفسك على تمام البراءة فما حكم ذلك "فأجبت" بقولي أما الجواب عن الأول فهو إن أراد التعليق على لفظ الإبراء لم يحنث بقولها وهبته أو نذرت به لك وإن أطلق حنث في وهبته لك كما يصرح به قولهم هبة الدين المستقر للمدين إبراء فلا يحتاج إلى قبول اعتبارا بالمعنى وأما في نذرت

 

ج / 4 ص -63-          به لك فيحتمل إلحاقه بوهبته لك فيما ذكر نظرا إلى أنهما في المعنى سواء لأن القصد بالإبراء خلو الذمة عن الدين وهبته ونذره مثل الإبراء في ذلك لخلو الذمة بكل منهما عنه.
وأيضا فالأصح في الإبراء أنه تمليك المدين ما في ذمته ولكن مع ذلك فيه شائبة الإسقاط ولا شك أن الهبة محصلة لذلك التمليك وكذلك النذر محصل للمقصود من ذلك التمليك فاستوت الثلاثة أعني الإبراء والهبة والنذر في تحصيل كل منهما للمقصود وهو خلو الذمة عن الدين ويحتمل الفرق بين الهبة والنذر بأن النذر إنما يسمى التزاما لا تمليكا بخلاف الهبة فإنها تمليك فساوت الإبراء في أن كلا منهما تمليك بخلاف النذر والذي يتجه الأول ولا أثر لهذا الفرق لما علم مما تقرر أن الالتزام الذي تضمنه النذر محصل للمقصود من التمليك الذي تضمنه كل من الإبراء والهبة وقاعدة أن الأمور بمقاصدها وأن المعنى قد يرجح على اللفظ إذا قوي مأخذه يرجحان ما ذكرته أن نذر الدين للمدين وإن سمي التزاما إلا أن معنى التمليك والمقصود منه موجودان بتمامهما فيه، فكان الأوجه إلحاق النذر بالهبة كما مر وحيث قلنا بالطلاق فيما ذكر فهو بائن فيشترط أن يأتي بذلك في المجلس قبل أن يتخلل كلام كثير أجنبي وأن يعلم كل منهما قدر الصداق وأن تكون الزوجة مطلقة التصرف شرعا وأن لا يكون الصداق زكويا وإلا اشترط أن لا يمضي عليه حول وقد بينت هذه الشروط وما فيها مع ما يتعلق بها في اختصاري المحرر من الآراء في حكم الطلاق بالإبراء ثم رأيتني ذكرت في هذا المختصر ما يصرح بما ذكرته في النذر وعبارتي فيه قال إن نذرت لي بكذا أو بجميع ما تستحقيه فأنت طالق فنذرت له والذي يظهر في ذلك أنه كالتعليق بالإبراء بجامع تضمن كل للمعاوضة التقديرية وحينئذ فيشترط في البينونة صحة النذر وعلمهما بما نذر به لأن ذلك إنما اشترط في مسألة الإبراء لما فيها من شائبة المعاوضة وقد علمت أن هذه فيها تلك الشائبة ومن ثم قال ابن شهبة لا بد هنا من علمه قطعا لأنه يئول إلى المعاوضة وغلط من أجرى القول بعدم اشتراط علم المدين هنا وأما الجواب عن الثاني فهو أنه يقع فيها الطلاق وعبارتي في المختصر المذكور إذا قالت بذلت صداقي على طلاقي أو بطلاقي فطلق به وقبلت بانت لأنه إنما طلق بعوض ثم إن علما قدر المهر ووجدت شروطه السابقة وأرادت ببذله الإبراء منه برئ منه وإلا لم يبرأ ولزمها له مهر المثل هذا هو الذي يظهر من كلامهم والذي في فتاوى الأصبحي إذا قالت بذلت صداقي على طلاقي فطلق وقع لأنه لا يملكه إلا الزوج فلا فرق بين أن تقول بذلت لك أو بذلت وفي كلامه ما يدل على أن بذلت كأجزت ثم رأيتني أفتيت فيما لو قالت بذلت صداقي على صحة طلاقي فقال أنت طالق على صحة البراءة فهل تطلق بائنا أو رجعيا أو لا تطلق فقلت أفتى الشيخ تقي الدين وتلميذه الرداد والطيب الناشري بأنها لا تطلق وقال آخرون لا تطلق بائنا وقال ابن عجيل وإسماعيل الحضرمي نفع الله سبحانه وتعالى بهما إن أراد استئناف البراءة لم تطلق وإلا طلقت وهو الأوجه وإذا قلنا تطلق فهل تطلق

 

ج / 4 ص -64-          بائنا أو رجعيا فيها التفصيل السابق وأما الجواب عن الثالثة فهو أن الذي يتجه فيمن قال لزوجته أنت ولية نفسك أو ولية النساء بنفسك أنه كناية في الطلاق أما في الأولى فواضح وأما في الثانية فكذلك لأنها بمعنى الأولى لأنها إذا وليت النساء بسبب استقلالها بنفسها كانت ولية نفسها وقد صرحوا بأن من الكنايات أنت وشأنك ولا شك أن كلا من ذينك أبلغ في الإشعار بالاستقلال من هذا فإذا نوى الطلاق فإن نوى مع ذلك تعليقه على إبرائها من الصداق وجعله في مقابلته قبل منه لاحتماله وتوقف على جوابها فإن أجابته وقد كانت أولا أبرأته براءة صحيحة وقع بائنا بمهر المثل وإن تجبه لم يقع وإن أجابته ولم تكن أولا أبرأته براءة صحيحة فإن أبرأته براءة صحيحة وقع وإلا فلا وإن أراد الطلاق ولم يرد التعليق المذكور فإن كانت أبرأته أولا براءة صحيحة وقع عليه الطلاق رجعيا كما بينه الولي أبو زرعة في فتاويه في نظير ذلك وأطال فيه ومن جملته قوله وهو لو صرح هنا بالتعليق على الإبراء المتقدم فقال علقت طلاقك على الإبراء الصادر منك لم يكن تعليقا بل تنجيزا معللا بالإبراء المتقدم إذ كيف يصح التعليق على الماضي وفارق هذا ما لو خالعها بمهرها بعد أن أبرأته منه فإنه يقع بائنا جزما عند الجهل وعلى خلاف مع العلم بأنه ثم خالع على نفس المهر فقد طلق بعوض وإن لم يمكن ثبوته لبراءة ذمته فهو كخلع فاسد وهو مقتض للبينونة وإن علما الفساد وهنا لم يجعل المهر عوضا وإنما جعل البراءة المتقدمة سببا للطلاق وذلك لا يجعله طلاقا بعوض بل هو تبرع حمله عليه تقدم إبرائها اهـ، وإن لم تكن أبرأته أولا براءة صحيحة لم يقع عليه شيء نعم إن قصد تنجيز الطلاق في مقابلة ما صدر منها وقع رجعيا وإن فسد الإبراء لأنه مجرد لم يعلق فيلغو قوله على تمام البراءة بخلاف ما إذا لم يقصد تعليقا ولا تنجيزا فإن الظاهر حمله على التعليق فلا يقع شيء عند عدم صحة الإبراء ولا سبيل للوقوع هنا بائنا بعد صدور إبرائها صحيحا إذا لا عوض حينئذ تحقيقي ولا تقديري يقتضي البينونة، والله سبحانه وتعالى أعلم.
"وسئل" عن شخص قال لزوجته أنت طالق على تمام البراءة وقد كانت أبرأته قبيل التعليق ما الحكم؟ "فأجاب" بقوله أفتى الأصبحي وغيره بأن قوله أنت طالق على تمام البراءة مثل قوله إن أبرأتني فأنت طالق وإذا كان مثله فيأتي فيه حكمه وهو أنه لو قال ذلك لمن أبرأته فإن لم تتلفظ بالبراءة فلا وقوع وإن تلفظت بها ففيه وجهان منشؤهما أن المعتبر في التعليق على البراءة براءة صحيحة أم مجرد التلفظ فعلى الأول لا وقوع وهو الأصح وعلى الضعيف يقع ومحل الخلاف كما هو ظاهر حيث لم يقصد التعليق على مجرد التلفظ بالبراءة وإلا وقع جزما ووقع لبعضهم أنه أفتى في هذه المسألة بالوقوع بائنا بمهر المثل وليس كما زعم.
"وسئل" عما لو قالت أمة لزوجها سيدي أذن لي أن أختلع منك بصداقي فخالعها فانكر

 

ج / 4 ص -65-          السيد ذلك فهل تبين ويكون الصداق في ذمتها أو تطلق رجعيا أو لا تطلق كما أنها غرته؟ "فأجاب" بقوله حيث خالعها على البراءة من صداقها فلم يبرأ منه لإنكار سيدها الإذن منه لها في ذلك لم يقع الطلاق، والله سبحانه وتعالى أعلم.
"وسئل" عمن قال لزوجته إلا أعطيتني النخلة الفلانية فأنت طالق فقالت أعطيتكها فهل يملكها وتطلق بائنا فإن قلتم لا فما طريق صحة ملكه لتطلق فلو نذرت بها له أو وهبتها منه فقبل فهل تطلق أو لا وحيث ملكها فبانت مستحقة ما حكمه؟ "فأجاب" بقوله الذي دل عليه كلامهم في بابي الخلع والقبض أنها إذا خلت بينه وبين النخلة التخلية المعتبرة في قبض المبيع بنية أن ذلك من جهة التعليق ملكها ووقع الطلاق بائنا وذلك لأنهم نزلوا التخلية في غير المنقول منزلة الأخذ باليد في المنقول وقالوا هنا لو علق الطلاق بإعطاء شيء فوضعته بين يديه بنية الدفع عن جهة التعليق وتمكن من قبضه ملكه ووقع الطلاق بائنا وإن امتنع من قبضه لأن تمكينها إياه من القبض إعطاء منها إذ يصح أن يقال أعطاه فلم يأخذ وهو بامتناعه مفوت لحقه وإنما ملك ذلك قهرا عليه وإن لم يتلفظ بشيء ولم يقبضه لأن التعليق يقتضي وقوع الطلاق بالإعطاء ولا يمكن إيقاعه مجانا مع قصد العوض وقد ملكت زوجته بضعها فيملك الآخر العوض عن هذا كلامهم وهو كما ترى مصرح بأنه لا فرق في جميع ما ذكر بين التعليق بإعطاء منقول أو عقار أو شجر وأن قولهم فوضعته بين يديه إنما هو مجرد تصوير نظرا إلى أن التعليق بالإعطاء إنما يكون في المنقولات غالبا بدليل تعليلهم الذي تقرر هنا فإنه جار في غير المنقول أيضا وبدليل كلامهم في قبض المبيع من إقامتهم التخلية في غير المنقول منزلة الأخذ باليد في المنقول فإن قلت الإعطاء عرفا إنما يستعمل في المنقول دون غيره قلت ممنوع بل يستعمل في كل منهما يقال أعطاه دراهم وأعطاه دارا ونخلة وإنكار ذلك مكابرة وذكرت في الفتاوى وملخص تحرير الآراء أنه لو قال إن أبرأتني من صداقك فأنت طالق فقالت وهبته لك أو نذرت به لك أو تصدقت به عليك أنه إن أراد التعليق بلفظ الإبراء فلا وقوع أو خلاصه عن عهدة الصداق وقع بائنا بشروطه وكذا إن أطلق على كلام طويل فيه والذي يظهر أن الهبة هنا كذلك لأنه إذا كان تمكينها إياه من قبضه كافيا وإن لم يتلفظ بشيء كما مر فكذلك زيادة تلفظها بنحو وهبته لك مع تمكينه من قبضه بنية الدفع عن جهة التعليق لأن تلك الزيادة لا تخرجه عن كونه معطى وكذلك زيادة تلفظها بقولها نذرت لك به مع التمكين من قبضه بنية الدفع عن جهة التعليق ويزداد ذلك إيضاحا بمراجعة هذه المسألة من الفتاوى والتلخيص المذكورين وإذا أعطته النخلة المعلق عليها فخرجت مستحقة لزمها له مهر المثل ووقع الطلاق بائنا أيضا. "وسئل" عما لو كان لامرأة على زوجها مهر زائد على نصاب الزكاة وأبرأته عن مهرها بعد سنين عديدة ولم تعرف القدر الباقي بعد الزكاة هل الإبراء صحيح أو لا للجهل

 

ج / 4 ص -66-          بالمقدار؟ "فأجاب" بقوله إذا قال لها إن أبرأتني من مهرك فأنت طالق فأبرأته من مهرها الزكوي لم يقع عليه طلاق وإن علمت مقدار مهرها لعدم وجود الصفة المعلق عليها لأنه إنما علق بالبراءة من جميع المهر ولم يبرأ من جميعه لأن مقدار الزكاة لا يصح الإبراء منه وإن لم يقل لها ذلك وإنما تبرعت بإبرائه فإن علمت مقداره وعلمت السنين الماضية بلا زكاة صح إبراؤها مما عدا قدر الزكاة وإن لم تعرف ذلك لم يصح إبراؤها لجهلها بمقداره.
"وسئل" عن رجل حلف بالطلاق أن لا يقرأ قرآنا في هذا اليوم مثلا فهل يحنث بقراءته شيئا من القرآن للتبرك أم لا وإذا قلتم لا يحنث فهل يشترط مع قصده التبرك نفي بقصد القراءة بحيث يكون لو قصدهما أعني التبرك والقراءة يحنث أو لا؟ "فأجاب" بقوله إن قصد به التبرك وحده لم يحنث كما جرى عليه أئمتنا تصريحا وتلويحا في مواضع منها تجويزهم القراءة للجنب حينئذ لأنه مع القصد المذكور صار غير قرآن لما يأتي ومنها قولهم لو أفهم المصلي غيره غرضا آخر بالقرآن كقوله لمستأذن عليه ادخلوها بسلام وقصد به التفهيم وحده بطلت صلاته بلا خلاف لما ذكر ومنها قولهم في بابي الطلاق والأيمان لو قال لها إلا أجبت خطابي فأنت طالق ثم خاطبها فقرأت آية تتضمن جوابه فإن قصدت الجواب وحده لما يأتي طلقت وإلا فلا ولو قال والله لا أكلمك حنث بقراءة آية أفهمه بها إن لم يقصد القراءة أي بأن قصد الإفهام وحده أو أطلق كما يأتي لأنه كلمه. وإن قصد التبرك والقراءة حنث كما يصرح به كلامهم في المحال الأربعة المذكورة لأنهم حرموه على الجنب فجعلوه مع ذلك قرآنا ويوجه تغليبهم قصد القراءة بأنه اعتضد بكون الأصل في القرآن أنه إنما يؤتى به بقصد القراءة الموضوع هو لها فغلب على قصد التبرك بعروضه ولأنهم لم يبطلوا الصلاة به فيما لو قصد به القراءة والتفهيم لبقاء نظم القرآن على حاله ولا نظر لقصد التفهيم المنضم إلى قصد القراءة لما ذكرته.
وقالوا في مسألة الحلف بالطلاق المذكورة وإلا فلا كما قدمته عنهم وهو صريح في أنها لو قصدت الجواب والقراءة لم يحنث تغليبا لقصد القراءة لما قدمته أيضا فلم يصدق عليها أنها أجابته وقالوا في مسألة الحلف على الكلام لو قصد التفهيم والقراءة لم يحنث ووجهه ما صرح به القاضي أبو الطيب من أن من حلف لا يتكلم لا يحنث بقراءة القرآن الذي لا يبطل به الصلاة وإن أطلق بأن لم يقصد قراءة ولا تبركا لم يحنث كما يصرح به كلامهم في المواضع الأربعة المذكورة أيضا لأنهم أحلوا القراءة للجنب حينئذ وعللوه بأنه لا يكون قرآنا إلا بالقصد أي عند عروض القرينة الصارفة له عن القرآنية إلى غيرها كالجنابة هنا لا مطلقا لما يأتي وأبطلوا به الصلاة كما حكاه النووي في بعض كتبه عن الأصحاب وبه يرد على جمع نازعوا فيه وقد ذكرت شبههم مع ردها أبلغ رد وأوضحه في شرح العباب وعللوه أعني القائلين بإبطاله بما مر أنه لا يكون قرآنا إلا بالقصد والقرينة هنا هي الاستئذان مثلا المقتضي صرف ادخلوها بسلام إلى معنى ما يخاطب به الناس فأشبه كلامهم المباين للقرآن كما هو ظاهر وإليه يرشد خبر مسلم أن هذه

 

ج / 4 ص -67-          الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس إنما هو التسبيح والتكبير وقراءة القرآن ويوافق ذلك ما اقتضاه كلام المنهاج واعتمده جمع من أنه يحنث من حلف لا يكلم زيدا وأتى بآية مفهمة فهم منها زيد مراده بلا قصد فعلم أنهم أثبتوا له مع الإطلاق حكم كلام الآدمي فأبطل الصلاة وجاز للجنب وحنث به الحالف على ترك الكلام واختلف أئمتنا في أن ذلك هل يجري في جميع أجزاء القرآن أو يختص بما يوجد نظمه فيه وخارجه كالبسملة والحمدلة و {سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا} إلى آخره و {ادْخُلُوهَا بِسَلامٍ آمِنِينَ} و {يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ} دون نحو آية الكرسي وسورة الإخلاص فأكثرهم على الأول وجماعة من محققيهم على الثاني ومال إليه النووي بعد أن قرر أن المذهب الإطلاق كما بينته من كلامه في شرح العباب مع الرد على ابن الرفعة في فرقه بين إطلاق الجنب وإطلاق المصلي ووقع لجمع من أصحابنا أنهم قالوا لا يضر قصد التنبيه وحده بالتسبيح والتكبير والذكر لأنه موضوع له لا يقبل الصرف عنه بخلاف القرآن فإن لفظه مشترك بين القرآن وكلام الآدميين فأما حكمهم على جميع لفظ القرآن بأنه مشترك فهو يوافق الأول السابق وأما إثباتهم ذلك للقرآن دون نحو التسبيح فهو في غاية الغرابة والضعف وعجيب من بعض المتأخرين كيف نقله وأقره مع أن سبحان الله مع قصد التنبيه وحده بمعنى تنبه والله أكبر بقصد الإعلام بمعنى ركع الإمام فاستوى القرآن وغيره في التفصيل المذكور فإن قلت قد تقرر في خبر مسلم السابق أن القرآن مباين لكلام الناس فكيف جعلتموه مشتركا كما مر قلت لم نجعله مشتركا مطلقا وإنما نظرنا إلى أن القرآن لما سبق ممن ليس أهلا للقرآن وهو الجنب أو سبق للتفهيم لغرض آخر جرى عرفا التفهيم فيه بالقرآن وبغيره وإن كان ذلك التفهيم بالقرآن مذموما شرعا وذلك من المصلي والحالف أشبه حينئذ كلام الناس باعتبار هذه القرينة العارضة وإن كان هو في ذاته قرآنا ألا ترى أن أصحابنا وغيرهم فضلوا عليه الأذكار المطلوبة في محال مخصوصة مع أنه لا أفضل من القرآن إجماعا وسبب ذلك أنهم لم يفضلوها عليه من حيث الذات بل بواسطة ذلك الأمر العارض الذي طلبه الشارع لغرض آخر فالتفضيل عليه حينئذ ليس من حيث الذات بل من حيث ذلك العارض فكما اتفقوا على التفضيل عليه من الحيثية المذكورة فلذلك قلنا ومن وافقنا من الأئمة إذ التفضيل المذكور ليس من خصوصيات مذهبنا أن القرآن قد يعرض له ما يخرجه عن موضوعه كالقرينة المقتضية عرفا صرفه إليها وخروجه عن معنى القرآنية إلى معنى ما يتخاطب به فأعطيناه حينئذ حكم كلام الناس وأدرنا عليه تلك الأحكام السابق تقريرها فإن قلت مر أنهم اتفقوا في حالة قصد التبرك وحده أو التفهيم وحده واختلفوا في حالة الإطلاق فما سبب ذلك قلت سببه أن القصد أقوى في الصرف من الإطلاق فانصرف به قطعا من غير احتياج لقرينة بخلافه عند الإطلاق فإنه تعارض فيه أمران هما رعاية ذاته أو القرينة الصارفة لها عن موضوعها فأكثرهم راعوها لقوتها وبعضهم راعى الذات لأصالتها فالحاصل أن قصد غير

 

ج / 4 ص -68-          القرآنية كاف وحده في الصرف لا يحتاج إلى قرينة تعضده لما تقرر من قوته وأنه إذا أطلق فإن وجدت قرينة صرفته إليها وأخرجته عن القرآنية وإن لم توجد قرينة بقي على قرآنيته ولم يحتج إلى قصدها ومن ثم اتفق أئمتنا على أن الشرط في قراءة الفاتحة في الصلاة عدم صرفها عن القراءة إلى غيرها لا قصد نفس القراءة إلا إن عرضت قرينة كأن عرض عطاس فقرأ الفاتحة عقب عطاسه فقرينة ندب قراءتها عقب العطاس أوجبت عدم الاعتداد بها عن قراءة الصلاة إلا إن قصدها وأما حيث لا قرينة فلا يشترط قصدها كما مر ومما يؤيد ما مر في قصد التبرك ونحوه قولهم ما كتب من القرآن لقصد التبرك لا تثبت له أحكام القرآن من حرمة مسه على المحدث وتجويزهم الرسم باسم الله في أفخاذ الحيوان مع تمرغها به في النجاسة لأن القصد من كتابته التبرك به وحينئذ فينسلخ عن موضوعه إلى غيره فلم يبال بتنجسه هذا ملخص ما يتعلق بهذه المسألة وإن كان لبسط الكلام عليها مجال واسع، والله سبحانه وتعالى أعلم.
"وسئل" بما صورته أهل مليبار يطلقون بلفظ الطلاق مع إنهم لا يعرفون معناه الأصلي بل يعرفون أنه للفراق بينه وبين زوجته فهل يقع طلاقهم به واشتهر عندهم ألفاظ في الطلاق وليست ترجمة طلاق بل هي أشهر عند عوامهم من لفظ الطلاق لشيوعها وكونها بلغتهم فهل هي من ألفاظ الطلاق الصريحة أو الكناية أو لا؟ "فأجاب" بقوله نعم يقع طلاقهم إذ لا معنى مقصودا من الطلاق إلا وقوع الفراق به المستلزم لحل عصمة النكاح فمعرفتهم لذلك كافية في كونه صريحا فيقع به من غير نية وما اشتهر عندهم من الألفاظ المستعملة في الطلاق فإن كان لفظ طلاق أو فراق أو ما اشتق منهما فهو باق على صراحته أو لفظ كناية مما ذكره الأئمة فهو باق على كونه كناية وإن اشتهر على الأصح إذ مأخذ الصراحة ليس هو الاشتهار خلافا لجمع من أئمتنا بل مأخذها تكرر اللفظ في الكتاب أو السنة أو مما ذكروا فيه أنه غير كناية فليس بكناية وإن اشتهر ونوى به الطلاق أو مما لم يذكروا فيه أنه صريح ولا كناية فهو كناية عملا باشتهاره فإن للاشتهار تأثيرا في الكناية دون الصريح، والله سبحانه وتعالى أعلم.
"وسئل" عما إذا قال الزوج لأجنبي خالعت امرأتي بألف أو بثوبك مثلا فقال الأجنبي قبلت الخلع ولم يقل بألف عليك هل يصح الخلع؟ "فأجاب" أما في ثوبك فيكفي قبلت ولا يحتاج لشيء وأما في الألف فلا بد أن يقول عليك أو ينويه.
"وسئل" عمن خالع زوجته المصلحة لدنياها لا لدينها ما الحكم؟ "فأجاب" بقوله إذا كانت محجورا عليها بسفه بأن بلغت غير مصلحة لدينها أو لدنياها واستمرت على ذلك فإن علق الزوج طلاقها على التزام مال أو براءة منه لم يقع عليه شيء لفساد التزامها وبراءتها وإن لم يعلقه على ذلك وقع رجعيا.

 

ج / 4 ص -69-          "وسئل" عن شخص طلق زوجته طلقة ثم راجعها ثم التزم منها بالطلاق الثلاث إلا تزوج عليها وبعد مدة من الالتزام قالت له بحضرة شاهدين على ما تشهدوا أني بذلت صداقي على طلاقي ثم قال على ما تشهدوا أنها طالق ثم تزوج بعد هذا الطلاق فهل الطلقة الثانية رجعية أو في مقابلة البذل فإن قلتم أنها رجعية هل تقع الثلاث التي التزم بها؟ "فأجاب" بقوله تقع الثلاث، والله سبحانه وتعالى أعلم.
"وسئل" عمن حلف بالطلاق أنه يدفع إلى غريمه إلى أحد عشر يوما في الشهر دينه ولفظه إلا جاء اليوم الحادي عشر وما أوفيك فامرأتي طالق فسافر رب الدين قبل الحادي عشر؟ "فأجاب" بقوله نقل الأذرعي في توسطه عن الشيخ أبي علي الفارقي وابن البرزي وكلاهما من أئمة المذهب أنه أفتى في هذه الصورة بأنه إن أراد بذكر الحادي عشر انتهاء الغاية وتمكن من الإيفاء ولم يوف حنث أو أن الإيفاء يكون في الحادي عشر فسافر رب الدين قبل الحادي عشر ولم يتمكن من الإيفاء فيه ففي حنثه خلاف مشهور وإن كان قد أطلق اليمين فالأولى أن يراجعها اهـ، والأظهر من الخلاف الذي ذكره عدم الحنث ومقتضى قوله الأولى أن يراجعها أنه لا وقوع في حال الإطلاق وهو محتمل للشك وإن كان المتبادر من تلك اليمين أنهم إنما يريدون انتهاء الغاية، والله سبحانه وتعالى أعلم.
"وسئل" عن رجل حلف بالطلاق أنه يسافر في شهره هذا أو يومه إلى المحل الفلاني فإذا فات الوقت ولم يسافر إلى المحل المذكور هل تطلق زوجته عليه من آخر يومه أو شهره فإذا بقي من الوقت المحلوف به ساعة مثلا وخرج من المحل الذي وقع فيه الحلف إلى خارج العمران ولو ثلاث خطوات بنية السفر إلى المحلوف عليه ورجع إليه هل يكفي ويسلم من الحنث أم لا بد من السفر إلى المحل المذكور أو إلى مسافة معلومة كمسافة القصر أو دونها؟ "فأجاب" بقوله إذا فوت السفر في الزمن المحلوف عليه باختياره حنث بمضي زمن إمكان السفر من أول ذلك الزمن أخذا من كلام البغوي والإمام ولا بد من السفر إلى المحل المذكور قبل مضي اليوم أو الشهر المذكور في السؤال وإلا حنث إذا لم يكن له عذر.
"وسئل" عمن قال إن أبرأتني زوجتي من كذا فهي طالق فأبرأته هل يقع؟ "فأجاب" بقوله إن كان من قوم اضطردت لغتهم باستعمال إلى كان فالذي يتجه أنه يقع بائنا بشرطه أخذا مما قالوه عن البغداديين في أنت طالق لا دخلت الدار أنه إن كانت لغته أن لا كان كان تعليقا بالدخول فلا يقع قبله.
"وسئل" عن كلام الشيخ ولي الدين أبي زرعة في مسألة قول الزوج أبرئيني وأنا أطلقك تفضلوا ببيانه وما الذي تقولونه في قوله أبرئيني من مهرك وأنت طالق وفيما لو قالت زوجته طرح الله لك على تمام براءتي وقصدت بالتمام ثلاثا فأوقع واحدة فقط ولكم في بعض

 

ج / 4 ص -70-          الفتاوى كالفقيه أبي مخرمة في فتاويه كلام في المسألة بينوا حاصله مع زيادة إيضاح وهل المسألة تشبه قولهم والعبارة للإرشاد أو ثلاثا بألف فطلق واحدة فثلاثة وكلامهم وكلام أبي مخرمة لا يوافق ذلك؟ "فأجاب" بقوله حاصل ما حررته في كتابي إيضاح المقرر من أحكام المحرر في نحو أبرئيني وأنا أطلقك فأبرأته فطلقها بأن قال أنت طالق أو إلا صحت براءتك فأنت طالق أو طلاقك بصحة براءتك أنه رجعي في الأولى سواء صحت براءتها أم لا وكذا في الأخيرتين، لكن إن صحت براءتها ومحل كونه رجعيا في الأولى ما لم يرد جعل الطلاق في مقابلة البراءة أي كونها سببا له فإن أراد ذلك لم تطلق إلا إن صحت البراءة وحينئذ يقع رجعيا بخلافه فيما عدا الأخير لأن الصادر منه الوعد بالطلاق إذا أبرأته والحاصل منها تنجيز البراءة من غير أن يقابلها بعوض فصحت وتخير بين الطلاق وعدمه فإذا طلق بعد تنجيزها الإبراء وعدم إتيانها بما يشعر بالعوضية بوجه كان طلاقه لا في مقابلة شيء ألبتة ولا نظر لقوله إن صحت براءتك تكوني طالقا أو نحوه لأنه مجرد تعليق على صفة فأشبه إن صح بيعك فأنت طالق وبحث فيه الرافعي بما أجبت عنه في الكتاب المذكور فوقع رجعيا لا بائنا نعم إن فهمت من كلامه الوعد بإيقاع الطلاق في مقابلة الإبراء فقصدت جعل الإبراء في مقابلته احتمل أخذا من كلام ابن الصلاح وقوعه بائنا إن صح الإبراء وإلا فبمهر المثل سواء وافقها الزوج على إرادة ذلك أم لا واحتمل وهو الأوجه عدم النظر لقصدها هنا وفارق قولها طلقني وأنت بريء من صداقي الذي قاس عليه الرافعي رحمه الله تعالى عليه بحثه السابق بان وأنت بريء من صداقي شرط يقتضي التزام عوض في مقابلة الطلاق فلذلك وقع بائنا بالبراءة إن صحت وإلا فبمهر المثل وأما لفظها هنا فليس فيه ما يدل على شرطية ولا التزام عوض فخلا عن المعاوضة لفظا وتقديرا وعند خلو لفظ الزوجة عنها كذلك لا تمكن البينونة ومجرد قصدها العوضية مع عدم دلالة لفظها عليها لا يؤثر وإنما أثرت نية الزوج فيما مر آنفا لأن طلاقه بعد الإبراء محتمل لترتيبه عليه ترتيب الجزاء على شرطه فإذا أراد ذلك أثر الوقوع بائنا كما مر
وفي هذه الصورة ونظائرها يصح الإبراء إذا وجدت شروطه وإن لم يقع طلاق ولو كانت إنما أبرأت طمعا في حصوله كما بينته في الكتاب المذكور ويؤيد ما ذكرته أول الجواب إفتاء بعض مشايخنا فيمن قالت له زوجته طلقني فقال لها أبرئيني وأنا أطلقك فأبرأته جاهلة بقدر المبرإ منه فقال لها أنت طالق ثلاثا ظانا صحة البراء بأنه يقع عليه الطلاق الثلاث ولا ينفعه ظنه المذكور وإن كان الظن المذكور نافعا في غير هذه المسألة اهـ، وأما المسألة الثانية أعني قوله أبرئيني من مهرك وأنت طالق فالذي حررته في الكتاب السابق ذكره في نظيرتها وهي قوله أنت طالق ثلاثا وتمام طلاقك براءتي أن هذا بمنزلة الشرط فيتوقف الطلاق على البراءة كما نقله الأصبحي عن بعض مشايخه سواء أنوى ذلك أم أطلق خلافا لإطلاق الأصبحي مرة كصاحب البيان أنه يقع حالا ولقوله آخرا إن لم ينو به الشرط وقع حالا وإن نوى به تعليق الطلاق بالبراءة

 

ج / 4 ص -71-          وصادفته الزوجة تعلق بها ولم يقع إلا بوجودها على الأصح اهـ، ووجه ما ذكرته أن هذا اللفظ لا يتبادر منه غير التعليق فلم يحتج لنية التعليق بل يتعلق بالبراءة الصحيحة ولو في حال الإطلاق بخلاف ما إذا نوى تنجيز الطلاق فإنه يقع حالا وإذا تقرر هذا في صورة صاحب البيان والأصبحي فليجر نظيره في صورة السؤال إذ لا فارق بينهما في أن المتبادر من كل منهما تعليق الطلاق بالبراءة فلا يقع إلا بوجودها صحيحة ما لم ينو التنجيز وعدم تعلقه بها وأما المسألة الثالثة وهي قول الزوجة طرح الله تعالى لك على تمام براءتي وقصدت بالتمام الطلاق ثلاثا فأوقع واحدة فقط فجوابها أن الظاهر أنه لا يقع شيء لأن الطرح بمعنى الإبراء واستعمال تمام براءتها في بينونتها الكبرى منه صحيح وحينئذ فهي معلقة للإبراء مطلقا أو مما نوته وحدها أو معه من المهر أو غيره على إيقاع الطلاق الثلاث فإذا طلق واحدة لم يأت بما شرطته وهو الثلاث فلم يبرأ من شيء من المهر على أنه لو أتى بالثلاث لم يبرأ من المهر أيضا لأن الإبراء لا يصح تعليقه والواحدة التي أوقعها تكون رجعية ما لم ينو جعلها في مقابلة البراءة من مهرها فلا يقع شيء وبهذا التوجيه الذي ذكرته اتضح الفرق بين هذه وصورة الإرشاد التي في السؤال. وإيضاحه أن الذي في صورة الإرشاد أن الألف عوض للثلاث وقضية العوضية توزيع كل على الآخر فيخص كل طلقة ثلث فإذا طلق واحدة وقع بما يخصها بحسب التوزيع وهو الثلث والذي في صورتنا تعليق الإبراء من المهر أو غيره مما نوياه على الثلاث فإذا طلق واحدة لم يأت بالمعلق عليه فالحاصل أن الوقوع في التعليق يتأثر بما لا يتأثر به الوقوع في المعارضة ألا ترى أنه لو قال لنحو سفيهة إلا أبرأتني من مهرك أو دينك فأنت طالق فقالت أبرأتك لم يقع شيء أصلا لأن الصفة المعلق عليها وهي الإبراء المنصرف شرعا وعرفا إلى الإبراء الصحيح دون الفاسد لم توجد ولو قال لنحو السفيهة خالعتك على ألف فإن قبلت وقع رجعيا ولا مال وإن لم تقبل لم يقع شيء وفرقوا بأنه لا تعليق هنا وإنما الصيغة تقتضي القبول فاشترط لوقوع الطلاق على المعتمد القبول دون حصول الألف وإذا لم يحصل فلا بينونة لأنها لا تكون إلا بعوض، والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب وإليه المرجع والمآب.