الفتاوى الكبرى الفقهية على مذهب الإمام الشافعي

باب الطلاق
"وسئل" ما قولكم رضي الله تعالى عنكم ونفع بعلومكم في جوابكم السابق على المسألة لا بد في الشهادة بالإكراه من التفصيل إلى آخر جوابكم فما حد الإكراه فإنا رأينا للأئمة كلاما لم نفهم الراجح منه فاكتبوا لنا ما هو الراجح عندكم من الإكراه؟ "فأجاب" بأن حد الإكراه أن يهدد قادر عليه بعقاب عاجل لأجله يؤثر العاقل الإقدام على ما أكره عليه بشرط أن يغلب على ظنه أنه يحقق ما هدد به إن امتنع من ذلك وأن يعجز عن الدفع بنحو

 

ج / 4 ص -72-          هرب أو مقاومة أو استغاثة ولا يشترط تنجيز العاجل بل يكفي التوعد لفظا وخرج به الآجل نحو لأضربنك غدا فلا يحصل به الإكراه ويختلف باختلاف المكره والمكره عليه فقد يكون الشيء إكراها في شخص أو فعل دون آخر ومما يتحقق به الإكراه على الطلاق ونحوه دون القتل ونحوه التخويف بنحو حبس طويل أو صفع عند الناس أو تسويد وجه أو طواف في سوق لذي مروءة أو إتلاف ولد أو والد أو مال يضيق على المكره وهذا ما صححه في الروضة لكن قال في بعض تفصيله نظر وهو كما قال ومن ثم صوب الزركشي ما حكى عن النص وصححه في المنهاج كأصله وقال في الشرحين أنه الأرجح عند الأئمة أنه يحصل بمحذور من قتل أو قطع أو أخذ مال أو إتلافه أو ضرب أو حبس أو استخفاف وتختلف الثلاثة الأخيرة باختلاف طبقات الناس وأحوالهم ولا يختلف به ما قبلها نعم الأوجه ما اختاره الروياني وجزم به جمع متأخرون أنه يختلف به أخذ المال أيضا ولا يحصل الإكراه بنحو طلق زوجتك مثلا وإلا قتلت نفسي أو قتلتك قصاصا ولو قال له اللصوص لا نخليك حتى تحلف بالطلاق أنك لا تخبر بنا فحلف لهم بذلك ثم أخبر بهم لم يحنث لأنهم أكرهوه على الحلف بخلاف من أكرهه ظالم على الدلالة على زيد أو ماله وقد أنكر معرفة محله فلم يخله حتى يحلف بالطلاق فحلف به كاذبا أنه لا يعلم فإنه يقع عليه الطلاق لأنه في الحقيقة لم يكره على الطلاق بل خير بينه وبين الدلالة واعلم أن من طلق أو باع أو تصرف ثم ادعى أنه كان مكرها فإن أثبت أنه كان ثم قرينة كحبس أو ترسيم أو كونه في دار ظالم صدق بيمينه وبطلت تصرفاته الواقعة مع قيام تلك القرينة عملا بها وإن لم يثبت أن هناك قرينة لم يصدق نعم له طلب يمين من أنكر كونه مكرها بأنه لا يعلم ذلك فإن حلف كذلك فذاك وإلا حلف هو وبطل تصرفه أيضا والمسألة المشار إليها في السؤال ستأتي أوائل الدعاوى، والله سبحانه وتعالى أعلم.
"وسئل" عن شخص قال لزوجته إلا خرجت من الدار بغير إذني فأنت طالق ثلاثا ثم أنه غاب عنها مدة وأشهد شاهدين بأنه أذن لها في الخروج والحال أنها خرجت قبل بلوغ الإذن لها فهل يقع الطلاق لصدق خروجها بغير إذنه أو لا لخروجها بعد الإذن منه وإن لم يبلغها؟ "فأجاب" بقوله إن أذن لها ثم خرجت لم يقع عليه طلاق وإن لم تعلم بوقوع الإذن منه على الأصح لأن المعلق عليه الخروج من غير إذن ولم يوجد وأما عملها بالإذن فليس معلقا عليه لا لفظا ولا عرفا فلم يشترط وجوده نعم إن أراد التعليق عليه وقع الطلاق الثلاث، والله سبحانه وتعالى أعلم.
"وسئل" عما لو قالت امرأة لزوجها طرح الله لك على تمام طلاقي ناوية الإبراء فقال أنت طالق هل تطلق ثلاثا أم واحدة أم تستفسر عن مرادها بقولها تمام فإن أرادت بقولها تمام ثلاثا أو دونه نزل كلامها عليه وإن أطلقت أو قالت لم أرد إلا أصل الطلاق لا عددا

 

ج / 4 ص -73-          نزل على ما نواه أو صرح به وهل يستفسر الزوج أو ينزل على جوابها؟ "فأجاب" بأنه متى أراد بقوله أنت طالق الابتداء لم يقع عليه إلا طلقة واحدة وإن جعله في مقابلة إبرائها فإن صح إبراؤها بأن وجدت فيه شروط البراءة الصحيحة وقع ما نواه من واحدة أو أكثر فإن لم ينو شيئا وقعت واحدة فقط ولا أثر لنيتها الثلاث حتى تطلق منه حينئذ ثلاثا وإن لم ينوها وإنما تؤثر نيتها لهن بالنسبة لعدم البراءة إذا لم يوجدهن لأنها إنما أبرأت بشرط وهو الثلاث فحيث لم يوجد ذلك الشرط لم يصح الإبراء والحاصل أنها إذا نوت الثلاث فإن نواها هو أيضا برئ ووقعت وإن لم ينوها بأن أطلق أو أراد واحدة فإن نوى بقوله أنت طالق أنه في مقابلة إبرائها لم يقع عليه شيء لأن إبراءها غير صحيح حينئذ لأنه لم يوجد شرطه وهو الثلاث وكذا إن لم ينو به ابتداء ولا أنه في مقابلة الإبراء لأن لفظه دال على أنه في مقابلة الإبراء وإن لم ينو ذلك وأما إذا نوى الابتداء ولم ينو الثلاث فإنه يقع عليه الطلاق ولا يبرأ فعلم أن نيتها للثلاث لا توجب طلاقها ثلاثا إذا لم ينوهن هو لأن المدار عليها إنما هو فيما يختص بها وهو البراءة وما يتبعها كاشتراطها كونها في مقابلة الثلاث المقتضي لعدم البراءة إذا لم توجد الثلاث لأن ذلك موكول إليه هو لا إليها فإن نواهن وقعن وإلا فلا وليست كمن قال لآخر طلقت امرأتك حتى يأتي هنا التفصيل ثم لوضوح الفرق بينهما لأن السؤال هنا معاد في الجواب فنظر لحال السائل وأما في مسألتنا فليس فيها سؤال وإنما الذي فيها معاوضة فإن صحت ترتب حكمها عليها وإلا فلا فلذلك لم ينظر لنيتها بالنسبة لما مر.
"وسئل" ما حكم طلاق الدور وكيف صيغة وقوع الطلاق عند من يصححه؟ "فأجاب" بأن طلاق الدور واقع ولا يمنعه الدور على المعتمد والقول بصحة الدور بالغ الأئمة في رده وتزييفه بل بالغ بعض الحنفية في الشناعة عليه وقال إنه يشبه مذهب النصارى في انسداد باب الطلاق وكفاك في المبالغة في بطلانها ابن عبد السلام وابن دقيق العيد والزركشي فإنهم بالغوا في ذلك وفي أنه لا يجوز لأحد تقليد القائل به وحينئذ فلا حاجة بنا إلى الكلام فيه على كيفية منعه وقوع الطلاق عند من يصححه لأنا نرى فساد هذه المقالة وعدم جواز تقليدها فكيف نفرع عليها.
"وسئل" فيمن قال لزوجته أنت طال بالترخيم ما الراجح من الخلاف في المسألة الطلاق أو عدمه؟ "فأجاب" بقوله المعتمد فيها وقوع الطلاق ومن ثم جزمت به في شرح الإرشاد لكني قلت فيه أي ممن عرفه أي الترخيم كما هو ظاهر اهـ، ووجهه أن شرط تأثير الصريح أن يصدر ممن عرف معناه فطال بالترخيم إنما يؤثر ممن عرف أن أصله طالق وإنما حذف آخره ترخيما تخفيفا في اللفظ، والله سبحانه وتعالى أعلم.
"وسئل" في رجل قالت له زوجته طلقني فقال أبرئيني فأبرأته فقال لها فلانة بنت فلان

 

ج / 4 ص -74-          وسماها باسمها واسم والدها تحرم علي تحل لغيري فهل يقع عليه طلقة واحدة أو ثلاث طلقات؟ "فأجاب" بقوله هذا كناية فإن نوى به الطلاق وقع وإلا فلا وإذا نوى الطلاق فإن نوى واحدة أو أطلق وقعت واحدة وإن نوى ثنتين أو ثلاثا وقع ما نواه، والله سبحانه وتعالى أعلم.
"وسئل" في رجل تشاجر هو وزوجته فسألها البراءة من صداقها ليطلقها فتبرئه فيقول مثلا أبرئيني فأطلقك فتقول أبرأتك أو أبرأك الله منجزة من غير تعليق وكذلك الزوج يقول أنت طالق بلفظ التنجيز وإذا سئل هل طلقت أقر بطلاقها ثلاثا ظانا أنها طلقت وأن ذمته خلصت من الصداق وإن قالت لا أعرف صداقي قال فإن لم أطلق إلا طمعا في البراءة وإذا أقر بطلاقها ثلاثا ثم قالت لم أعلم قدر صداقي حينئذ تريد الرجوع إلى الزوج فقال الزوج إذا لم تصح البراءة لم يقع الطلاق لأني ما طلقتها إلا طمعا في براءة ذمتي فهل يقبل قوله أم لا لأن الزوج متهم في حق الله سبحانه وتعالى ولأن الإمام ولي الدين العراقي ذكر في فتاويه أن من نجز تصرفا ثم قال أردت تعليقه لا يقبل ظاهرا ولا باطنا فيما يقبل التعليق ونقل الشيخان عن المتولي أنه لو أقر بطلاق امرأة ثلاثا أن الصحيح يلزمه ما أقر به فما الصحيح من ذلك هل هذه مثل ما تقدم أم لا؟ فقد أجاب على هذه المسألة بعينها ما هذا نصه الشيخ علي بن ناصر فقال اختلفت أنظار الناس في مثل هذه المسألة فأفتى جماعة فيها بوقوع الطلاق ثلاثا لأنه نجز الطلاق وأطلقه ولم يقيده بصحة الإبراء وإقراره بعد ذلك مؤكد له وأفتى جماعة بعدم وقوع الطلاق لعدم صحة البراءة لأنه إنما طلق طمعا في البراءة فإذا لم يبرأ لم يقع وإقراره بعد ذلك غير معتبر لأن الظاهر أنه إنما أقر بذلك ظنا منه أن الطلاق وقع عليه فلا يعتد به قال وهذا هو الظاهر الصحيح وليست هذه المسألة مثل ما نقل من كونه لم يقبل لكونه خلاف الظاهر وما قاله في المسألة يوافق الظاهر والله سبحانه وتعالى أعلم اهـ. جوابه بحروفه فما المعتمد مما ذكر في السؤال فإن الحاجة داعية إليه وأما ما في فتاوى الولي العراقي أنها لو قالت طلقني فقال إن أبرأتني من صداقك وهو خمسمائة طلقتك فقالت أبرأتك من الخمسمائة فإنه يبرأ من ذلك سواء أطلق أم لا ولا يقبل قوله أردت التعليق ومن نجز تصرفا ثم قال أردت التعليق لا يقبل منه ظاهرا ولا باطنا هذا فيما يقبل التعليق والإبراء لا يقبله إذ لا يصح إلا منجزا فهل هذا يخالف ما في فتاوى الأصبحي عن الإمام ابن عجيل والفقيه إسماعيل بن محمد الحضرمي من أنه إذا قال أبرئيني وأنا أعطيك كذا فأبرأته ثم امتنع من الوفاء لم تصح البراءة أم لا يخالفه فمن أجاب على هذه السيد الجليل الشريف السمهودي فقال إن المحكي عن ابن عجيل والحضرمي منظور فيه والأقرب أنه من قبيل استدعاء البراءة بثواب معلوم فيلحق بالهبة بثواب معلوم ومعنى قولها في جوابه أبرأتك أي بالذي ذكرت إعطاءه لا أنها أبرأته مجانا وفى بما وعد أم لم يف بدلالة السياق فتصح البراءة ويلزمه ما سمى وليس له الامتناع من دفع ما سماه عوضا من

 

ج / 4 ص -75-          المبرأ منه فيتجه حينئذ عدم صحة البراءة ومسألة الولي العراقي ليست نظيرا لهذه المسألة وإنما نظيرها أن يقول الزوج أبرئيني من صداقك وأنا أطلقك في نظير البراءة فتقول أبرأتك قاصدة جعل البراءة عوضا غير أنها حذفت الجار والمجرور لدلالة السياق عليه فيقول الزوج أنت طالق قاصدا ذلك وقد أوضحنا ذلك بالرسالة الموسومة بالمحرر من الآراء في حكم الطلاق بالإبراء أن الحكم في ذلك صحة الإبراء ووقوع الطلاق بائنا عند العلم بالمبرإ منه وإلا فلا طلاق ولا براءة والله سبحانه وتعالى أعلم اهـ. لفظه بحروفه هنا ثم تعقبها في هذه المسألة المشار إليها هنا وقد سئل رحمه الله تعالى عمن قال لزوجته أبرئيني وأطلقك فقالت أبرأتك فقال فأنت طالق أو أنت طالق ثلاثا فبان أن القيد الذي أبرأت منه غير معلوم فما يكون الحكم في ذلك فأجاب رحمه الله تعالى فقال المتبادر من هذا اللفظ موضوعه أن الزوج وعدها بالطلاق عند حصول البراءة من غير أن يقابل بها الطلاق وأن الزوج ظن صحتها فتبرع بالطلاق الثلاث ولم يجعل ذلك في مقابلة البراءة لسبقها على طلاقه منجزة بحيث لو صحت وامتنع من الطلاق لم يجبر عليه مع حصولها له فطلاقه واقع والحالة هذه وإن لم تصح البراءة لعدم علم الزوجة بما أبرأت منه هذا ما يقتضيه وضع ما ذكر ذلك هذا آخر كلامه بحروفه في هذه المسألة.
وقد سئل الشيخ سراج الدين البلقيني بنحو هذا فيمن سأل امرأته الإبراء من صداقها ليطلقها فتبرئه فيقول لها طلاقك ببراءتك وبعضهم يقول بصحة براءتك وجميع أهل الحجاز يستعملون ذلك فهل يكون طلاقا بائنا أو رجعيا أو لا يقع بهذا اللفظ فإن أوقعنا به الطلاق وكان الإبراء فاسدا فما يكون الحكم في ذلك وقول القاضي حسين رحمه الله تعالى في فتاويه لو قال لها زوجها إن أبرأتني فأنت طالق فإذا أبرأته عن الصداق يقع الطلاق رجعيا وإلا فلا فهل هو كما قال؟ أجاب الشيخ المذكور فقال إن قول الزوج طلاقك ببراءتك أو بصحة براءتك إن قصد به تعليق الطلاق على صحة ما جرى من إبراء المرأة فينظر إن صح الإبراء لوجود أهلية المرأة لذلك وعملها بما أبرأت منه فإن الطلاق يقع رجعيا لأن الإبراء قد صدر من المرأة صحيحا ولم يقابل الزوج طلاقه بعوض تحقيقي ولا تقديري وإنما علقه على مجرد صفة فأشبه ما لو صدر منها عقد بيع أو غيره فقال لها الزوج إن صح العقد الصادر منك فأنت طالق ولا توقف في أن مثل هذا يقع رجعيا عند وجود الصحة وإن لم يصح الإبراء منها لم يصح الطلاق لعدم وجود الصفة وإن لم يقصد الزوج بقوله طلاقك ببراءتك أو بصحة براءتك تعليق الطلاق على صحة الإبراء وإنما قصد تنجيز طلاقها مقابل ما صدر منها فإن الطلاق يقع رجعيا سواء صح الإبراء أم لم يصح لأنه لم يوجد تعليق الطلاق على الصحة وإنما صدر تنجيزه فينفذ ويلغو قول الزوج ببراءتك أو بصحة براءتك وإن أطلق ولم يقصد تعليقا ولا تنجيزا فالظاهر حمله على التعليق وما ذكر من الفتاوى المختلفة فهو غير معتمد أما وقوع الطلاق بائنا فلا سبيل إليه بعد صدور الإبراء من المرأة صحيحا إذ لا عوض حينئذ يقتضي البينونة وأما وقوع الطلاق رجعيا فهذا

 

ج / 4 ص -76-          لا يطلق القول به بل ينظر في قصد التعليق وقصد التنجيز وعدم القصد ويعمل بما قررناه وأما إطلاق القول بعدم الوقوع فغير معتمد والمعتمد ما قررناه وأما ما ذكر في السؤال من أنا إذا أوقعنا الطلاق بهذا الإبراء فكان الإبراء فاسدا ما حكمه جوابه أنه إن قصد التعليق كما قررنا فلا يقع عليه شيء عند عدم صحة الإبراء لعدم وجود الصفة وإن قصد التنجيز وقع الطلاق ولا أثر لفساد الإبراء وإن أطلق فإنه يحمل على التعليق فلا يقع شيء لعدم وجود الصفة ولو كان ما يحكيه القاضي حسين في فتاويه معتمدا لكان يلزم أن من باع متاعه بالدين الذي عليه لا يصح لأنه لم يملك على المشتري عوضا تحقيقا ولما اتفقت الطرق المشهورة على صحة هذا البيع للتقدير كذلك يكون الطلاق بعوض تقديري فيقع بائنا وإنما قلت اتفقت الطرق المشهورة على صحة البيع لأن في شرح الرافعي والروضة في كتاب الضمان فرع باع الضامن ثوبه بالدين الذي عليه هل يصح البيع فيه وجهان ولم يذكر الرافعي ولا صاحب الروضة علة هذا الوجه الصائر إلى عدم صحة البيع وتوجيهه ما ذكرناه من أنه لم يوجد في البيع عوض تحقيقي وهذا التخيل فظهر من ذلك أن المعاوضات تقع بعوض تحقيقي وبعوض تقديري وكأن الصداق في ذمة الزوج قد تعوض عن الطلاق بسقوطه عنه وهذا عوض تقديري فوقع فيه الطلاق بائنا على المذهب ومتى لم يصح الإبراء لم يقع الطلاق هنا بلا خلاف ويشترط هنا علم الزوجين بالمقدار الذي علق الطلاق على الإبراء منه لأن فيه المعاوضة هذا جواب الشيخ سراج الدين البلقيني فإذا كان أهل هذه الشاغرة لا يعرفون إلا أنه إذا قال الزوج لزوجته أبرئيني من صداقك أو أبرئيني وفي نيته من الصداق المذكور فقالت أبرأك الله أو أبرأتك فقال أنت طالق ثلاثا وفي عرفهم أنها إذا أبرأته صح طلاقها وإذا قالت لم أعرف مهري وادعت فساد البراءة رجع إلى ما في نيته من أنه إنما طلقها طمعا في براءة ذمته فإذا ادعت فساد البراءة وأسندت قولها إلى مستند صحيح هل يقبل قولها مثال إنكارها لصحة البراءة أن يزوجها الولي وهي بعيدة عن إيجاب النكاح وتكون هي قد أذنت في تزويجها بحضرة شاهدين وأطلقت الوكالة ولم تذكر مهرا وهل نأخذ بقول الزوج أني لم أطلقها ثلاثا إلا ظانا أن ذمتي خلصت من الصداق أو لم أقر به إلا أني طمعت في براءة ذمتي من الصداق فهل إذا كان الزوج عاميا لا يعرف شيئا وكان ممن يعتقد أنه يجتنب الكبائر فهل يدين سواء كان عدلا أو متوسطا أو عاميا لا يعرف قواعد الشرع وإذا قلتم بوقوع الطلاق فذاك.
وإن قلتم لا يقع عند الجهالة بالمبرإ منه كما قاله السيد السمهودي فهل يحلفان أعني الزوج والزوجة أجمعوا لنا في هذه المسألة الصحيح الذي عليه العمل والفتوى وهل يجوز للذي يظن أن عنده بعض نظر في كلام العلماء أنه يفتي بما هو مقلد فيه فإني نظرت للقفال في هذا أنه يجوز ذلك فما هو المعتمد في ذلك إذا كان يعرفه معرفة جازمة وهو أعني المقلد يتبع في ذلك تصحيح الشيخين؟ "فأجاب" بقوله بأن الذي أفتيت به غير مرة فيمن سألته زوجته الطلاق فقال لها أبرئيني فقالت له أبرأتك أو أبرأك

 

ج / 4 ص -77-          الله فقال أنت طالق أنه إن أراد بقوله أنت طالق أن ذلك في مقابلة تلفظها بالإبراء أو أطلق فلم يرد شيئا وقع الطلاق وإن أراد أنه في مقابلة كونه برئ مما طلبه منها بقوله أبرئيني من دينك مثلا وعلما به وكانت رشيدة مالكة لكل الدين بأن لم يمض عليه وهو في ذمته حول أو أحوال أو كان دون نصاب زكوي وقع الطلاق أيضا وإن اختل شرط من ذلك كأن جهلته هي أو هو أو كانت سفيهة بأن بلغت غير صالحة لدينها ومالها واستمرت كذلك أو ملك غيرها بعض الدين كأن وجبت فيه الزكاة وهو في ذمة الزوج فإن مستحقي الزكاة يملكون بقدرها من الدين الذي في ذمته فإذا وجد شيء من ذلك لم يقع عليه طلاق فيجري هذا التفصيل في صورة السائل التي ذكرها في أول السؤال بقوله فيقول مثلا أبرئيني وأطلقك فتقول أبرأتك أو أبرأك الله إلخ وفي آخر السؤال بقوله فإذا كان أهل هذه الشاغرة لا يعرفون إلخ ولا ينافي ما تقرر قول أبي زرعة من نجز تصرفا إلخ لأن محله في غير هذه الصورة ونظائرها مما قامت به القرينة على صدق ما ادعاه الزوج بدليل كلام أبي زرعة نفسه في نظيرتها الآتية وإلحاق أبرأك الله بأبرأتك في كونه صريحا عن الإبراء لا كناية هو المعتمد في الروضة في باب الطلاق خلافا لأبي زرعة وغيره كطلقك الله أو أعتقك الله فإن الأول صريح في الطلاق والثاني صريح في العتق وحيث لم يقع عليه الطلاق في صورة السؤال بأن أراد طلاقه في مقابلة البراءة ولم توجد جميع شروطها المذكورة فأقر بأنه وقع عليه الطلاق ظانا أن طلاقه الأول وقع لم يؤاخذ بهذا الإقرار فيما يظهر ترجيحه من احتمالين للزركشي لأن قرينة الحال مشعرة بأنه إنما أراد الإخبار بما وقع ولم يقع عليه شيء فلم يؤاخذ بهذا الإقرار عملا بالقرينة الصارفة له عن حقيقته ويدل لذلك قول أئمتنا لو أدى المكاتب النجم الأخير وكان حراما ولم يكن يعلم السيد به فقال له اذهب فأنت حر لم يعتق بقوله أنت حر على الأصح لأن قرينة الحال دلت على إرادة الإخبار بما وقع لظنه صحة العوض وقولهم لو قال أنت طالق وقال أردت الإطلاق من وثاق لم يقبل إلا إن كان يحلها منه للقرينة الظاهرة وإفتاء ابن الصلاح فيمن طلق زوجته طلاقا رجعيا ثم جاء بها لمن يكتب له ذلك فقال له الكاتب وهو لا يعلم تقدم الطلقة قل خالعتك على باقي صداقك فقالت قبلت وهو يريد الطلقة الماضية لا إنشاء طلقة أخرى بأن الخلع باطل وله مراجعتها في العدة والقول قوله أن الخلع وقع كذلك اهـ.
ولا ينافي ما قررته في هذه الصورة ما ذكر في السؤال عن الشيخين عن المتولي لأن محله في غير هذه الصورة وأمثالها كما هو جلي من كلامهم الذي ذكرته وقول السائل ثم قالت لم أعلم قدر صداقي إلى قوله لأن الزوج متهم في حقوق الله سبحانه وتعالى يجاب عنه بأنه إنما يكون متهما أن لو تحققنا وقوع الطلاق ثم ادعى ما يرفعه كأن طلقها ثلاثا ثم ادعى فساد النكاح حتى لا يقع الطلاق فلا يحتاج إلى محلل وهنا ليس كذلك فإنا لم نتحقق وقوع الطلاق إلا إذا علمنا أنهما يعلمان قدر المبرإ منه وأما إذا لم نعلم ذلك فلا سبيل إلى الوقوع إلا بعد اعترافهما بأنهما يعلمانه فحيث

 

ج / 4 ص -78-          اعترفا أو أحدهما بعدم العلم فلا وقوع لأن ذلك إنما يعلم من جهتهما هذا عند اتفاقهما على عدم علمهما أو على أحدهما، أما لو اختلفا بأن ادعت العلم وأنكر فالراجح على ما قاله الزركشي تصديق مدعي الصحة فلو قالت كنت جاهلة وقال بل عالمة صدق بيمينه وبرئ من الصداق وبانت منه لكن ذكر فيه الغزي تفصيلا وهو أن الأب إن زوجها إجبارا أو وهي صغيرة صدقت بيمينها أنها لا تعلم قدره فلا تصح البراءة وإن كانت حين العقد بالغة عاقلة صدق الزوج بيمينه في عملها بقدره حين أبرأته لأن الصغيرة والمجبرة يعقد عليها بغير علمها بالصداق بخلاف الكبيرة قال الغزي وهذا واضح في الثيب أما البكر المجبرة فينبغي أن الحال إن دل على علمها بالصداق لم تصدق هي وإلا صدقت اهـ، وبما قررته يعلم الجواب عن قول السائل حفظه الله تعالى ووفقه وأحيا بعلي همته ما اندرس من معالم العلوم آخر السؤال فإذا كان أهل هذه الشاغرة لا يعرفون إلى آخره بما حاصله أنها إذا ادعت الجهل بما أبرأت منه وادعى هو أنه لم يطلقها إلا طمعا في البراءة قبل منهما فلا يقع عليه حينئذ طلاق وإن كان فاسقا فإن ادعى عليها بين يدي حاكم أنها تعلم ذلك وأنه لم يطلقها إلا طمعا حلفهما الحاكم على ذلك وأما ما أفتى به أبو زرعة من أنها لو قالت طلقني فقال إن أبرأتني إلى آخر ما ذكره السائل عنه فصحيح مأخوذ من كلام الشيخين وغيرهما تبعا لما في فتاوى القاضي.
ولنص الشافعي رضي الله تعالى عنه على ما يؤخذ منه ذلك وإنما لم تقبل هنا إرادتها التعليق لأن الصورة كما هو ظاهر أن الزوج خالعها وظاهر اللفظ صريح في دعواه فصدق هو دونها وأما ما أفتى به ابن عجيل والحضرمي مما ذكره السائل عنهما فهو شيء انفردا به على أنه لا يتمشى على قواعد أصحابنا وإنما الذي يقتضيه كلامهم أنها متى قالت له أبرأتك ووجدت فيها شروط البراءة برئ وقوله وأنا أعطيك كذا وعدا لا يلزم فإذا امتنع من الوفاء لم يلزمه الوفاء به والبراءة باقية بحالها وقول السيد إنه من قبيل استدعاء البراءة بثواب معلوم إلى آخر ما ذكره عند السائل فيه نظر ظاهر لأن ذلك لا يتمشى إلا إذا عبر بقوله ولك كذا.
وقلنا إن الإبراء محض تمليك وليس كذلك كما في الروضة في باب الرجعة من أنه ليس محض تمليك ولا محض إسقاط بل فيه شائبة من كل وقد يغلبون شائبة التمليك وهو الأكثر وقد يغلبون شائبة الإسقاط فإذا نظرنا إلى أنه إسقاط أو فيه شائبة لم يصح أن يلحق بالهبة بثواب معلوم خلافا لما ذكره السيد فالوجه في صورة السؤال التي فيها وأعطيك كذا صحة البراءة وعدم لزوم الوفاء سواء أذكر عوضا صحيحا أو فاسدا والأوجه في الصورة التي ذكرتها وهي ولك علي كذا أنه كذلك نظر الشائبة الإسقاط وقول السيد أن معنى قولها أبرأتك أي بالذي ذكرت إلخ ممنوع وعلى تسليمه فالبطلان جاء إما من قوله في الأولى وأعطيك لأنه صريح في الوعد فلا يصح للإلزام وأما نظر الشائبة الإسقاط وإن قال على أن لك علي كذا في الثانية.
وقول السيد ومسألة الولي العراقي ليست نظيرة لهذه المسألة وإنما نظيرتها إلخ صحيح وأما ما ذكره السائل عنه من إفتائه فيمن قال لزوجته

 

ج / 4 ص -79-          أبرئيني وأطلقك إلخ بقوله المتبادر من هذا اللفظ إلخ فمحله حيث قصد الزوج إيقاع الطلاق لا في مقابلة شيء أو أطلق فيقع مطلقا أما لو أراد جعل الطلاق في مقابلة صحة الإبراء فلا يقع إلا إن صحت البراءة كما ذكرته أو لا ويؤيد ذلك قول أبي زرعة الآتي قريبا لو قال الزوج أردت بذلك تعليق الطلاق على الإبراء من الصداق وجعلته عوضا لا سببا إلخ.
وأما ما أفتى به البلقيني مما ذكره السائل عنه فهو صحيح وقد وافقه عليه تلميذه المحقق أبو زرعة وأطال فيه وفي الرد على من أفتى بخلافه كالمحب الطبري ومن تبعه نعم نقل جمع متأخرون منهم الزركشي وأبو زرعة وغيرهما عن الخوارزمي وأقروه أنها لو قالت أبرأتك من صداقي عليك بالطلاق فطلقها في المجلس بانت وبرئ وبه يعلم أن ما أفهمه كلام البلقيني المذكور وكلام أبي زرعة من أن صحة وقوع الطلاق بائنا بالبراءة الصحيحة إنما يتصور إذا بدأ الزوج بتعليق الطلاق عليها فقط بخلاف ما إذا بدأت هي فإنها إن علقت البراءة على الطلاق لم تصح البراءة وإن نجزتها فقد برئت ذمته قبل أن يطلق فيكون الطلاق رجعيا فهو محمول على غير صورة الخوارزمي المذكورة وقد نقل السبكي وغيره عنه وأقروه أيضا وحكاه الشيخان عن فتاوى القاضي وأقراه أنها لو قالت أبرأتك من صداقي فطلقني فقال لها أنت طالق أو إن صحت براءتك فأنت طالق وقع الطلاق رجعيا قال الرافعي ويمكن أن يقال أنها قصدت جعل الإبراء عن الطلاق ولذلك ترتب سؤال الطلاق عليه اهـ، وحذفه من الروضة وكان وجه حذفه أن المتبادر من كلامها إنما هو تنجيز البراءة لا جعلها عوضا نعم إن صرحت بأنها أرادت ما أشار إليه الرافعي ووافقها الزوج على ذلك فالظاهر أنه يقع بائنا بالبراءة لأن ما ادعاه من مقابلة الطلاق بالبراءة منها ووقوعه منه في مقابلتها يحتمله اللفظ احتمالا قريبا فقبلت دعوى إرادته ويوافق ذلك قول أبي زرعة في مسألة البلقيني السابقة لو قال أردت بقولي طلاقك بصحة براءتك أو ببراءتك تعليق الطلاق على الإبراء من الصداق وجعله عوضا لا سببا فينبغي أن يقبل ذلك منه لاحتماله ويتوقف على جوابها فإن أجابته وقع الطلاق بائنا بمهر المثل، وإن لم تجبه لم يقع اهـ، فعلم أنها لو قالت فيما إذا قال لها أبرئيني من صداقك وأنا أطلقك فقالت أبرأتك منه فقال أنت طالق أو طلاقك بصحة براءتك أو ببراءتك ففهمت من قوله أبرئيني وأنا أطلقك الوعد بإيقاع الطلاق في مقابلة الإبراء فأردت بقولي أبرأتك جعل الإبراء في مقابلة الطلاق الذي يوقعه وأردت ربطه به وقال الزوج أردت ذلك وقع رجعيا ويبرأ ولا عبرة بإرادتها ذلك كما لو قالت أبرأتك من صداقي فطلقني فإنه يبرأ طلقها أم لا.
فإن طلقها وقع رجعيا وإن أرادت وحدها جعل الإبراء في مقابلة الطلاق خلافا لما بحثه الرافعي وحيث لم يرد بقوله طلاقك ببراءتك أو بصحة براءتك التعليق على صحة براءتها بل استئناف عقد خلع مشتمل على إيقاع الطلاق في مقابلة إبراء جديد توقف تمام الخلع حينئذ على قبولها أو إبرائها ثانيا وإلا لم يقع شيء وإنما قبل في إرادة ذلك مع أن ظاهر اللفظ خلافه قياسا على ما في الروضة من أنها لو قالت له طلقني على مائة فقال أنت طالق مريدا الابتداء قبل منه ووقع

 

ج / 4 ص -80-          رجعيا لأنه محتمل فإن اتهمته حلفته اهـ. وإذا وصل للمقلد إفتاء بعض أئمة مذهبه وعرف خطه أو أخبره بذلك عدل عنه جاز له الاعتماد عليه والعمل بما فيه وإن أمكنه أن يحتاط ويسأل غيره إن تيسر ليغلب على الظن أن ما أفتى به هو المعتمد في المذهب فهو الورع والاحتياط ولا يجوز لمن لم يصل لرتبة الإفتاء أن يفتي أحدا إلا بما هو معلوم قطعا من مذهبه كالنية واجبة في الوضوء والوتر مندوب ذكر ذلك في الروضة وغيرها وأما في غير ذلك فلا يفتي فيه بشيء لكن إن كان عدلا وأخبر عن إمام أو كتاب موثوق به بحكم في مسألة معينة جاز اعتماد خبره، والله سبحانه وتعالى أعلم.
"وسئل" عن رجل مرض فأحضر شاهدين فقال اشهدا إذا مت من مرضي هذا فامرأتي الفلانية طالق ثلاثا في آخر جزء من أجزاء حياتي المتصلة بموتي هل يصح هذا الطلاق إذا كان مقصوده أن لا ترث أو كان من طريق أن لا تتكلف بالإحداد وإذا قال هذا الشخص أو غيره لامرأته أبرئيني من مهرك وهي لا تعلم قدره فأبرأته هل يبرأ فإذا قلتم لا فهل يقع عليه الطلاق بائنا أو رجعيا؟ "فأجاب" بأنه يقع الطلاق الثلاث فلا ترث سواء أقصد بذلك حرمانها من الإرث أم لا ومن قال لامرأته إن أبرأتني من مهرك فأنت طالق فأبرأته وهي لا تعلم قدره لم يقع عليه طلاق إلا أن يقصد التعليق على تلفظها بالبراءة فيقع رجعيا، والله سبحانه وتعالى أعلم.
"وسئل" عما لو حلف من امرأته فأبانها بخلع ثم جدد نكاحها ثم فعل المحلوف عليه قال في نفائس الأزرقي إن فعله بين الطلاق والتجديد لم يحنث وإلا حنث فهل يقرر عليه أم لا؟ "فأجاب" بأن ما حكي عن النفائس مبني على ضعيف كما صرح به الشيخان وغيرهما حيث قالوا لو علق طلاق زوجته بصفة كالدخول فأبانها قبله أو بعده ثم تزوجها ووجدت الصفة قبل التزويج لم يطلق لانحلال اليمين بالدخول في حال البينونة وكذا إن وجدت الصفة بعد التزويج لأن الأظهر أن الحنث لا يعود في الطلاق ولا في غيره كالإيلاء والظهار والعتق بعد زوال ملك النكاح أو الرقبة وبعد تجدده لتخلل حالة لا يصح فيها شيء من ذلك فرفع حكم اليمين أما تخلل الطلاق الرجعي والرجعة بين التعليق ووجود الصفة فلا يمنع عود الحنث فيما ذكر لأن الرجعة ليست نكاحا مجددا ولا تخلل ما يمنع صحة ما ذكر، والله سبحانه وتعالى أعلم.
"وسئل" عما لو قال علي الحرام من زوجتي أن الشيء الفلاني لم يكن ظنا منه أنه لم يكن فبان إنه كان فهل تطلق والحال إنه نوى بعلي إلى آخره الطلاق؟ "فأجاب" بأنه لم يقع طلاق لعذره سواء أنوى أن الأمر كذلك في ظنه أو في الواقع كما بينته في فتاوى أخرى بكلام مبسوط في هذه المسألة بان به الحق فيها إن شاء الله فإنه قد كثر اضطرابهم فيها واختلافهم، والله سبحانه وتعالى أعلم.

 

ج / 4 ص -81-          "وسئل" عمن وكل زوجته في طلاقها فقالت كيف أقول فقال قولي أنت الثلاث أو أنا الثلاث من عقدك طالق أو دون عقدك؟ "فأجاب" بأن المتولي فرق بين قوله أنت ثلاث فلا يقع به شيء وقوله أنت ثلاثا فيقع به لأن حذف بعض الكلام شائع لغة إذا كان في اللفظ ما يدل عليه وتقديره أنت طالق ثلاثا وفي البحر ما حاصله أن الأصح أنه لو قال أنت الثلاث لا يكون شيئا وإن نوى الطلاق وسبقه إليه الماوردي قال الأذرعي ويظهر الفرق بين المعرف وغيره. اهـ، وفيه نظر بل لا فرق بينهما في حال الرفع لأن ثلاث بالرفع خبر عن أنت فلا حذف في الكلام وليس هذا التركيب صحيحا لأن أنت موضوعة للذات وهو مبتدأ فلا يصح الحكم عليه بثلاث لا معرفا ولا منكرا وأما ثلاثا بالنصب فيقتضى حذف الخبر فيقدر بما يناسبه وهو طالق فالكلام معه صحيح فإذا نوى به الطلاق وقع ما ذكره من العدد الصريح والفرق بين أنت ثلاث وأنت اثنتان ذكرته مبسوطا مع ما يناسبه في فتوى غير هذه إذا تقرر ذلك فإذا قال قولي أنت الثلاث أو أنا الثلاث فقالت ذلك لا يقع به طلاق وإن نوته بخلاف ما لو قالت أنت الثلاث طالق أو أنا الثلاث طالق فإنه يقع عليه الطلاق إن نوت بالأول الطلاق لأنه كناية لإسناد الطلاق فيه إلى غير محله وهو الزوج بخلاف الثاني فإنه صريح فلا يحتاج لنية، والله سبحانه وتعالى أعلم.
"وسئل" إذا قلنا بتصحيح الدور فطلق زوجته ثلاثا ثم ادعى أنه كان علق عليها مسألة الدور قبل الطلاق الثلاث يريد رفع الطلاق بذلك وصدقته المرأة على ذلك فهل يقبل قوله في دعواه مسألة الدور فلا يقع عليه الطلاق أم لا يقبل قوله فيقع عليه الطلاق الثلاث لقول الإمام ابن عبد السلام في كتابه المسمى بالغاية إذا ادعى الزوج ما لا يقبل في الحكم ويدين فيه وصدقته المرأة فيما ادعاه لم يرتفع الطلاق بذلك إذ لا أثر لمصادقتها على ما يتعلق بحق الله سبحانه وتعالى وقد صرح الأئمة رضي الله عنهم بقبول قولهما فيما يتعلق بحقهما لا فيما يتعلق بحق الله تعالى كما صرح به الشيخ شرف الدين المناوي. قال الإمام الأزرقي وبنحوه أجاب المحلي وغيره فيما إذا ادعى تعليق الدور أجاب بعض المتأخرين فقال لا يقبل قوله ولا تسمع بينته لو أقامها على ذلك لأمور:
"أحدها" أن الأئمة رضي الله تعالى عنهم نقلوا عن الإمام الخوارزمي من غير مخالفة له أن الزوج إذا طلق زوجته ثلاثا ثم ادعى فساد النكاح بسبب من الأسباب وصادقته الزوجة على دعواه لم يقبل قولهما ولا تسمع بينتهما فلا يجوز أن يوقعا نكاحا جديدا إلا بمحلل لكونهما متهمين في حق الله سبحانه وتعالى وذكره أيضا الشيخ القفال ونقله في الأنوار عن القاضي حسين والبغوي وغيرهما وصححه الشيخ تقي الدين السبكي قال الأذرعي وما ذكره الخوارزمي من عدم سماع البينة فهو جار على طريقة البغوي في باب المرابحة وغيره قال الإمام ابن الرفعة في المطلب والمشهور المنصوص أنها لا تسمع وعبارة غيره أطلق

 

ج / 4 ص -82-          الشافعي والأصحاب عدم السماع ولم يفرقوا بين المعذور وغيره ويدل على أن الأكثرين لا يفرقون بين المعذور وغيره أنهم ردوا على أبي إسحاق حيث فرقوا في التحليف وألزموه بالبينة قال أعني الأذرعي وفيه ما يشعر بالاتفاق على عدم سماعها مطلقا فعلم من هذا أن ما ذكره الإمام الخوارزمي هو المذهب المعتمد للتهمة في حق الله سبحانه وتعالى إذ لو فتح هذا الوكالة لادعى كل مطلق ثلاثا أراد دفع العار عنه بتحليل زوجته ثم تجديد نكاحها أن يتوافقا على فساد نكاحها لدفع ذلك كذا قال الشيخ البكري في بعض أجوبته، قال وأظن الغزالي سئل لو ادعى أن الولي كان فاسقا بترك الصلاة ونحوها وقال إنه لا يقبل لما ذكرناه وهو نظير المسألة المسئول عنها قال الإمام ابن العماد في توقيف الحكام نظير ما قاله الخوارزمي المرأة إذا خالعت الزوج ثم ادعت أنها زوجت بغير رضاها لم يسمع قولها كما قاله البغوي اهـ. وقولهم أن الطلاق يقع في النكاح الفاسد لا يخالف ما ذكره الإمام الخوارزمي وصورته أن يطلقها ثلاثا في الباطن أما لو ظهر أنه طلقها ثلاثا فحينئذ يجب التفريق بينهما حتى تنكح زوجا غيره.
"الأمر الثاني" أن الإمام الدبيلي ذكر في أدب القضاء أنه لو حلف بالطلاق الثلاث أنه لا يكلم فلانا في هذا اليوم ثم قال إن نكاحي كان فاسدا وأريد أن أكمله في هذا اليوم ثم أعقد نكاحا صحيحا فكلمه لم يقبل قوله في فساد نكاحه وأيضا ذكر الإمام تقي الدين بن الصلاح أنه لو طلق امرأة ثلاثا ثم ادعى أني لم أكن نكحتها قبل الطلاق المذكور لم يقبل قوله ذكره عنه الإمام الأذرعي في الدعاوى من شرح المنهاج وذكر أيضا نحو ما سبق عن الدبيلي.
"الأمر الثالث" أنه لو قال أنت بائن ثم قال بعد مدة أنت طالق ثلاثا وقال أردت بالبائن الطلاق. فلم تقع الثلاث لمصادفتها البينونة لم يقبل قوله لأنه متهم كذا قال في الروضة. وحكى الرافعي عن نص الشافعي أنه لو ادعى سبق لسانه إلى لفظ الطلاق وأنه كان يريد أن يقول غيره أنه لا يسع امرأته أن تقبل منه ذلك.
"الأمر الرابع" أن القاضي جمال الدين بن ظهيرة سئل أيضا عن رجل طلق امرأته ثلاثا ثم ادعى أنه كان خالعها قبل ذلك وأراد دفع الثلاث بالخلع ووافقته الزوجة على ذلك فهل تقبل دعواهما الخلع ولا يقع الطلاق أم لا تقبلان فيقع الطلاق فأجاب فقال نقل في الروضة في أواخر الطلاق تبعا للرافعي عن فتاوى البغوي أنه لو طلقها ثلاثا ثم قال كنت حرمتها على نفسي قبل هذا فلم يقع الطلاق لم يقبل قوله اهـ. قال الأقفهسي ولو أقام بينة لم تسمع.
"الأمر الخامس" أن الشيخ نور الدين السمهودي رحمه الله تعالى سئل عن رجل طلق زوجته ثلاثا ثم قال كنت وكلت فلانا بطلاقها وكنت عولت طلاقها على فلان إن وليتها

 

ج / 4 ص -83-          فلانا فهل يقبل قوله أم لا؟ فأجاب فقال ذكر في العزيز مما يتعلق بهذه المسألة نقلا عن فتاوى البغوي أنه لو طلقها ثلاثا ثم قال كنت حرمتها قبل هذا فلم يقع الثلاث لم يقبل قوله وهو شامل لدعوى سبق التحريم بواسطة وكيله فيه بخلع ونحوه ما في فتاوى القاضي حسين أنه لو طلقها ثلاثا ثم ادعى أن وليها كان قد وكل بتزويجها منه بألف وخمسمائة ولم يزوجها الوكيل إلا بألف فالعقد لم ينعقد فالطلاق لم يقع وصدقته المرأة لم يقبل قوله ولو أقام بينة لم تسمع وحكم بوقوع الطلاق الثلاث قال الزركشي في الخادم وهذا تفريع على بطلان النكاح للمخالفة في الصداق قال ولا يختص بهذه الصورة أيضا بل يطرد في كل صورة ادعيا فيها الفساد قبل الطلاق والله سبحانه وتعالى أعلم اهـ جواب الشيخ السمهودي.
"الأمر السادس" أن الشيخ الإمام نور الدين ابن ناصر رحمه الله تعالى سئل عن رجل طلق زوجته ثلاثا بعد أن وضعت حملها ثم ادعى أني كنت طلقتها طلقة أو طلقتين قبل أن تضع الحمل فانقضت العدة بالوضع قبل أن أراجعها فهل تعود إليه قبل زوج آخر أم لا تعود إليه إلا بعد زوج آخر فأجاب فقال الأصل عدم وقوع الطلاق قبل الوضع فتبين بعده فلا تعود إليه إلا بعد زوج وعدتين والله سبحانه وتعالى أعلم  هـ.
"الأمر السابع" أنه لو قبل قول الزوج في دعواه تعليق الدور على زوجته قبل الطلاق لفتح هذا الباب ولو فتح لادعي كل مطلق ثلاثا أراد دفع العار عنه بتحليل زوجته ثم تجديد نكاحها إذ يدعي ذلك فيظهر الفساد بذلك لا سيما أن الشيخين ذكرا أن الروياني قال بعد اختياره تصحيح الأول لا وجه لتعليم العوام هذه المسألة لفساد الزمان والله سبحانه وتعالى أعلم.
المسألة الثانية: قوله في البهجة لو ضعف عشرين لعقد الجمعة كيف صورة ذلك وما بيانه.
المسألة الثالثة: قولهم في الفرائض الإدلاء كيف صفته وما معناه؟.
المسألة الرابعة: إذا وجدنا مسألة فيها نص للشافعي لكن الشيخان على خلاف النص كالمسألة السريجية وتفريق الصفقة وغير ذلك من اعتراض صاحب المهمات بالنص على الشيخين فهل نأخذ بالنص ونترك ما عداه أم نأخذ بقول الشيخين لأنهما عمدة المذهب.
المسألة الخامسة: إذا ادعى إنسان على أحد أني أستحق هذه العين التي تحت يدك فقال المالك لكي ورثته عن أبي أو قال ملكي ولم نجد بينة مع المدعي فهل قول المالك يكفي في اليمين أم لا بد من نفي ما ذكر من الاستحقاق بينوا لنا ذلك أثابكم الله تعالى الجنة؟ "فأجاب" بقوله أما المسألة الأولى فالمنقول المعتمد في النظائر المذكورة في السؤال وغيرها صريح في أنه لا يقبل من الزوج دعواه المذكورة وإن صدقته الزوجة على ذلك فلا

 

ج / 4 ص -84-          تحل له إلا بمحلل وهذا ظاهر لا مرية فيه ولا توقف وحقوق الله سبحانه وتعالى لا سيما المتعلقة بالأبضاع يجب الاحتياط لها هذا كله بناء على عدم الوقوع في المسألة السريجية.
وهو وجه ضعيف لا يجوز الإفتاء به ولا العمل به ولا يرتكب ذلك إلا بعض الجهلة من القضاة والمفتين ومن ثم قال البدر الزركشي أن ما قاله ابن سريج في هذه المسألة زلة عالم وزلات العلماء لا يجوز لأحد تقليدهم فيها ولقد أطال جماعة في الانتصار لابن سريج وجماعة في الرد عليه والحط على من يقلده في ذلك والمعتمد ما قلناه فليتنبه السائل حفظه الله تعالى ووفقه لذلك وليحذر من الوقوع في ورطة هذه المسألة بإفتاء أحد بها أو تعليمه فإن عاقبة ذلك وخيمة ومعني ما ذكر عن البهجة أنه يجوز أن يبادر أربعون ممن سمع الخطبة إلى عقد الجمعة قبل الإمام الخاطب من ثم قال الناظم لو سماعها تبادروا أي ضعف عشرين إلخ ومعنى الإدلاء الانتساب فإذا قيل فلان يدلي إلى فلان فمعناه أنه ينتسب إليه أي أن بينهما رابطة من جهة النسب وإذا رجح الشيخان شيئا كان المعتمد ولا نظر لما يطيل به الإسنوي وغيره من الاعتراض عليهما بالنص أو غيره لأنهما أدري بأقوال الشافعي ونصوصه من جميع من جاء بعدهما فلا يعدلان عن النص إلا لما هو أقوى منه كنص آخر أو قاعدة أو غيرهما وليس في المعترض عليهما من يداني مرتبتهما علما وورعا واجتهادا فوجب المصير لأقوالهما والإعراض عما سواهما وقد بينت في شرح الإرشاد الرد على من اعترض عليهما في باب تفريق الصفقة وما شاكله وبينت كجماعة من مشايخي وغيرهم أن الحق ما قالاه فتمسك أيها السائل وفقك الله تعالى بهذه الطريقة المثلى ولا تعدل عنها فتضل وتضل وقد نقل عن الإسنوي نفسه أنه كان إذا سئل يفتي بما في الروضة. إن كان اعترضه في مهماته وكذلك غيره ممن رأيناه فإنه كان يتبع المعترض على الشيخين وعند الإفتاء لا يفتي إلا بما قال وهذا هو الحق فلا يسع أحدا الآن مخالفته وأما قول السائل كالمسألة السريجية فمردود لأن النص فيها غير معمول به ولا معول عليه على تقدير وجوده، والله سبحانه وتعالى أعلم.
"وسئل" عمن قال أنت طالق أو هي طالق على تمام البراءة فقالت أنت أو هو بريء من جميع حقوق الزوجية ما الحكم؟ "فأجاب" بقوله إذا لم يجز بينهما إلا لفظ البراءة المذكورة من غير نية لهما فلا براءة ولا طلاق وإن نويا شيئا معينا أو قال لها إن أبرأتني من كذا وعينه فقالت أبرأتك منه فإن كان القدر المبرأ منه معلوما لهما ولم يتعلق به حق كزكاة صحت البراءة ووقع الطلاق وإن كان مجهولا لم يقع عليه الطلاق لعدم صحة البراءة والحاصل أنه إذا علق بالبراءة فإن صحت بأن علما القدر المبرأ منه ولم يتعلق به ما مر وقع الطلاق وإن لم يصح بأن جهلاه أو أحدهما أو مضى عليه حول وهو زكوي لم يقع وما قيل أنها إذا علمت وجهل الزوج تصح ويقع الطلاق بمهر المثل فهو فاسد لذا لم يقل به أحد من أئمتنا لأنا إذا قلنا بعدم صحة البراءة فلا طلاق أو بصحتها فالعوض الصداق لا مهر

 

ج / 4 ص -85-          المثل مع الصداق ولا مهر المثل فقط ولا نظر إلى أن العوض إذا كان في الخلع مجهولا يقع الطلاق بمهر المثل لأن محل ذاك في صيغ العقود التي يغلب فيها جانب المعاوضة وما نحن فيه إنما هو في صيغ التعليق فغلب فيها جانبه فلا بد فيه من وجود الصفة المعلق عليها وما وقع في شرح المنهاج للدميري أنهما إذا كانا جاهلين يقع الطلاق رجعيا ضعيف جدا بل الصواب أنه لا يقع شيء، والله سبحانه وتعالى أعلم.
"وسئل" هل علي الطلاق صريح أو كناية؟ "فأجاب" بقوله الأصح أن علي الطلاق صريح.
"وسئل" عمن قال عليه الطلاق أنها خرجت فقالت ما خرجت ما الحكم وقال أيضا علي الطلاق إلا لم تنقل متاعك من جانب داري لأشتكيك إلى الوالي وأدي من يحضرك إليه اليوم هذه فلم ينقل متاعه فذهب الحالف إلى الوالي وكان الوالي مشتغلا ذلك اليوم فلم يتفق وصوله إليه ولا إعلامه في ذلك اليوم فهل يقع الطلاق أم لا؟ "فأجاب" الخروج من الأفعال الظاهرة فلا يقبل قولها في نفيه بل لا بد من بينة بعدمه إن كان نفيه محصورا بأن عين له زمنا فادعت عدمه في ذلك الزمن وأقامت به بينة فحينئذ يحكم عليه بالطلاق وأما إذا لم يكن الأمر كذلك فلا طلاق وإن علق الطلاق بالشكوى إلى الوالي في يوم معين فلم يشتك إليه فيه فإن كان مع تمكنه منه في لحظة من اليوم فترك وقع عليه الطلاق بخلاف ما إذا مضى اليوم ولم يتمكن من الوصول إليه في جزء من ذلك اليوم فإنه لا طلاق عليه، والله سبحانه وتعالى أعلم.
"وسئل" في رجل قال لزوجته اسرحي بلفظ الأمر هل هو صريح أو كناية؟ "فأجاب" لو قال لزوجته اسرحي بلفظ الأمر فالظاهر أنه كناية لأنه من سرح بالتخفيف وهو يتعدى كسرحتها سرحا قال في الصحاح هذه وحدها بلا ألف ومنه قوله تعالى:
{وَحِينَ تَسْرَحُونَ} ي تخرجون واشيكم بالغداة إلى المرعى ولا يتعدى كسرحت بنفسها سرحا فاسرحي حينئذ نظير اذهبي وقد جعلوه كناية لأن الذهاب يحتمل الطلاق وغيره احتمالا ظاهرا فكذلك اسرحي كناية لأنه يحتمل الطلاق أي اخرجي بالغداة لأني طلقتك ويحتمل غيره أي اخرجي بالغداة إلى مواشيك مثلا إن قلت اسرحي مشتق من السراح وقد صرحوا بأن الفعل المشتق من السراح صريح قلت هذا اشتباه وفرق واضح بين سرح بتخفيف الراء وهو ما مر الكلام فيه وسرح بالتشديد وهو المشتق من السراح أي مأخوذ منه وإلا فالتحقيق أنه مشتق من التسريح إذ هو المصدر الحقيقي وأما السراح فاسم مصدر ومعنى سرح المضعف لغة أرسل فهو بمعنى فارق فلذلك جعلوه صريحا لوروده في القرآن العزيز مرادفا للتطليق قال الله تعالى: {أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} [البقرة:229]، إذا تقرر ذلك فالأمر من سرح المضاعف سرحي وأما اسرحي فليس من هذه المادة فلا يعطى حكمها بل يكون كناية كما

 

ج / 4 ص -86-          مر وأما سرحي فهو من مادة السراح وحينئذ فيكون كقوله طلقي فإن نوى تطليق نفسها كان تفويضا لطلاقها إليها فإن طلقت نفسها وقع وإلا فلا.
"وسئل" عمن قال هي طالق هل هو صريح أو كناية أو قال علي الحرام إلا خرجت أو قال إلا لم تخرجي من بيتي ما تكونين لي بامرأة وكلما حليت حرمت فخالفته ما الحكم ولو قال أنت أو هي علي من السبع المحرمات ما الحكم؟ "فأجاب" بقوله إذا قال هي طالق فإن سبق لزوجته ذكر كأن قيل له طلق زوجتك أو إن زوجتك فعلت كذا فقال هي طالق وقع عليها الطلاق بخلاف ما إذا لم يتقدم لها ذكر فإنه لا يقع عليه طلاق إلا إن نواها هذا هو الذي يتجه من متفرقات كلامهم فإن قلت يشكل على ذلك ترجيح الشيخين فيما لو قيل لزيد يا زيد فقال امرأة زيد طالق أنه لا طلاق إلا إن نوى نفسه خلافا لقول شريح الروياني تطلق في حال الإطلاق أيضا قلت لا يشكل عليه لقولهم أن المتكلم لا يدخل في عموم كلامه إلا إن أراد نفسه وبهذا فارق ما صححه الشيخان في الروضة والمنهاج وأصلهما فيمن قال زينب طالق وأراد زينب غير زوجته فلا يقبل مطلقا ولا شك أن قوله هي طالق بعد أن تقدم ذكرها أصرح من قوله زينب لأن الضمير أعرف من العلم لأنه في مثل هذا التركيب لا يمكن صرفه لغير زوجته بخلافه في زينب فإنه يمكن صرفه إذ لفظ زينب موضوع لذوات كثيرة ومن ثم قال القفال إذا أراد غير زوجته قبل لكنه ضعيف لأنه وإن تناول ذواتا كثيرة إلا أن قرينة أن الإنسان لا يطلق غير زوجته منعت من صرفه إلى غيرها فلذا كان الأصح أنه لا يقبل إرادة غيرها وإذا اكتفى في تعيينها بهذه القرينة الخارجية المحتملة فمن باب أولى أن يكتفى بالصريح في مسألتنا وهو تقدم ذكر الزوجة ثم إعادة الضمير عليها فيقع عليه الطلاق حينئذ ولا يقبل قوله أردت غيرها وأما إذا لم يتقدم لها ذكر فالأمر محتمل فرجع فيه إلى نيته فإن نواها وقع وإلا فلا ومما يؤيد ما ذكرته قولهم لو قيل له طلق امرأتك فقال طلقت أو قال لامرأته طلقي نفسك فقالت طلقت وقع الطلاق لأنه يترتب على السؤال في الأولى والتفويض في الثانية مع أنه لو قال ابتداء طلقت لم يقع الطلاق وإن نوى امرأته لأنه لم يجر لها ذكر ولا دلالة فهو كما لو قال امرأتي ونوى الطلاق ذكره الشيخان وهو صريح فيما ذكرته لأن تقدم ذكرها أغنى عن الاحتياج إلى ذكر ضميرها بعد طلقت وأوجب الاكتفاء به خاليا عن الضمير ظاهرا فإذا كان تقدم ذكر المرأة يغني عن ذكر اسمها بالصريح والضمير فمن باب أولى إن تقدم ذكرها يعين رجوع الواقع بعده إليها فإن قلت دلالة هذا صريحة فيما ذكرته إذا تقدم ذكرها لكن ما قالاه في طلقت ابتداء من عدم الوقوع ابتداء وإن نواها يرد ما قلته في هي طالق من غير أن يتقدم لها ذكر قلت لا يرده لأن طلقت خلا عما يمكن رجوعه للمرأة إذ ليس فيه لفظ يرجع عليها حتى تصح إرادتها منه بخلاف هي طالق فإن هي ضمير موجود في اللفظ والضمير وإن لم يكن له مرجع في اللفظ يصح أن يرجع إلى معهود فلما صح استعماله في غير مذكور أثرت النية فيه وأما طلقت فليس فيه ذلك فلم تؤثر النية

 

ج / 4 ص -87-          فيه كما لم تؤثر في امرأتي إذا نوى به الطلاق فإنه ليس في اللفظ ما يدل على الطلاق بوجه فلم يمكن تأثير النية فيه والحاصل أن هي طالق بعد تقدم ذكر المرأة صريح ومع عدم تقدمه كناية في الزوجة وعلي الحرام وإن خرجت ما تكوني لي بامرأة وكلما حللت حرمت كنايات فإن نوى به الطلاق طلقت إذا وجد الخروج أو عدمه ولم يطلقها لأنه إذا نوى بتلك الألفاظ أو باللفظين الأولين الطلاق كان معنى كلامه إن خرجت ولم أطلقك فأنت طالق فإذا خرجت ولم يطلقها طلقت وإن خرجت فطلقها لم تطلق زائدا على ذلك وإذا قال لزوجته أنت علي من السبع المحرمات وأراد بهن السبع المذكورات في قوله تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ} [النساء: 23]، الآية كان بمعنى أنت علي كأمي أو كأختي ومن قال لزوجته ذلك كان كناية في الطلاق والظهار فإن نوى به الطلاق طلقت أو الظهار لزمته الكفارة بشرط العود وإن نوى تحريم عينها أو وطئها أو فرجها أو رأسها أطلق ذلك أو أقته كره ولم تحرم عليه لكن تلزمه كفارة يمين في الحال وإن لم يطأ وكذا يكره ولا تحرم عليه وتلزمه كفارة يمين في الحال إن لم ينو شيئا هذا هو الذي يظهر لي لأن قوله من السبع المحرمات يشبه قوله أنت حرام علي فأعطيناه حكمه عند الإطلاق بخلاف أنت كأمي فإنه يحتمل أنت مثلها في الإكرام والاحترام فلذا لم يجب فيه شيء عند الإطلاق كما اقتضاه كلامهم، والله سبحانه وتعالى أعلم.
"وسئل" نفع الله سبحانه وتعالى بعلومه وبركته عمن قال أنت أو هي طالق وكان في يده حصاة فألقاها حين القول وقال ما قصدت إلا الحصاة ما الحكم وإذا قال أنت طالق وكانت زوجته وأجنبية في مكان واحد وقال ما قصدت إلا الأجنبية أو كان اسمها والأجنبية متوافقين وقال فلانة طالق ثم قال ما قصدت إلا الأجنبية ما الحكم ولو قال خلعتك إلى رقبة أبيك ما حكمه؟ "فأجاب" بقوله لا يصدق في قوله ما قصدت إلا الحصاة كما صرح به الماوردي وغيره في نظيره وفي قوله ما قصدت إلا الأجنبية يقبل في صورة أنت طالق إذا كانتا حاضرتين كما لو قال إحداكما طالق وقال ما قصدت إلا الأجنبية فإنه يقبل على الأصح بخلافه في صورة زينب طالق فإنه لا يقبل وأما ما في الروضة وأصلها عن فتاوى القفال من قوله فيما إذا قال زينب طالق وقال أردت زينب أخرى غير زوجتي فهو ضعيف فقد قال بعد ذلك الصحيح الذي عليه الجمهور عدم القبول وصححه في المنهاج كأصله وعليه فيفرق بين هذا وما قبله وقولهم لو قال لأم زوجته ابنتك طالق وقال أردت ابنتك الأخرى قبل بأن قوله زينب طالق لا اشتراك فيه وضعا إذ هو علم والعلم إنما وضع ليعين مسماه تعيينا خاصا لا يشاركه فيه غيره وأما وقوع الاشتراك فيه فليس وضعا فقوله زينب طالق لا ينصرف لغير زوجته وضعا وكذا شرعا إذ الرجل لا يطلق غير زوجته وأما ابنتك وإحداكما وأنت فليس علما وإنما هو متضمن للوصفية فكان مشتركا وضعا فإذا قال ابنتك مثلا طالق كان آتيا بلفظ مشترك بين زوجته وغيرها يتناولهما تناولا واحدا وعند هذا التناول لا

 

ج / 4 ص -88-          مخصص فيه غير القصد فقبلت منه دعوى إرادة غير الزوجة لأن لفظه يحتمله وإن كانت العادة الموافقة للشرع أن الرجل لا يطلق غير زوجته وإنما لم يقبل في صورة الحصاة مطلقا لأنها لا تقبل الطلاق بوجه بخلاف المرأة الأجنبية فإنها تقبله في الجملة ومنه يؤخذ أنه لو قال لزوجته ورجل إحداكما طالق وقال أردت الرجل لم يقبل نظير ما مر في مسألة الحصاة بجامع استحالة قبول كل منهما للطلاق وإذا قال خالعتك إلى رقبة أبيك فقد أتى بلفظ محتمل والذي دل عليه كلامهم في ذلك أنه إن أراد بذلك أن أباها يلتزم له بمال في مقابلة طلاقه لم تطلق حتى يلتزم له به فورا وحينئذ فتطلق بائنا بذلك المال إن كان معينا وإلا فبمهر المثل وإن كان أراد أنه خالعها خلعا منجزا وأنها بعده تصير في رقبة أبيها أي عليه مؤنتها طلقت بقوله خالعتك إن نوى به الطلاق ويكون رجعيا فإن لم ينو به شيئا أو نوى ولم تقبل لم يقع طلاق وأما إذا أضمر التماس جوابها فقبلت بانت ولزمها مهر المثل هذا مقتضى كلام المنهاج وأصله وهو طريقة الأكثرين لكن المصحح في الروضة أنه مع عدم ذكر المال كناية مطلقا فإن نوى به الطلاق وقع وإلا فلا وإن لم يرد بذلك اللفظ شيئا مما ذكر فالذي يظهر أنه لا يقع به شيء لأنه يحتمل كلا من الأمرين المذكورين وكل منهما لا يقع به طلاق إلا بالشرط الذي ذكرته والأصل بقاء العصمة حتى يتحقق الموقع ولم يتحقق هنا لأن لفظه محتمل كما تقرر مع أن كلا من احتماليه لا يقتضي الوقوع مطلقا بل بشرط لم يتحقق وجوده، والله سبحانه وتعالى أعلم.
"سئل" نفع الله سبحانه وتعالى بعلومه وبركته المسلمين عمن قال لها أنت مطلقة معي اليوم وإلا فبكرة أو قدم معي على مطلقة ما الحكم في ذلك؟ "فأجاب" نفع الله تعالى به إذا قال أنت مطلقة معي اليوم وإلا فبكرة وقع عليه الطلاق في الحال كما هو ظاهر لأن ما ربط به الطلاق بقوله معي إلى آخره لا معنى له يتبادر منه وعلى تقدير أن له معنى فهو أنت طالق اليوم حال كونك معي فإن لم تكوني معي فأنت طالق بكرة أي غدا وهذا معنى يحتمله اللفظ فإذا أراده قبل ثم إن وجدت معيتها له ذلك اليوم طلقت بغروب شمسه وإن لم توجد معيتها له كذلك طلقت بفجر غده والمراد بالمعية ما قصده بها إن كان له قصد فإن لم يقصد بها شيئا فالمدار على المعية العرفية لأن المعية لا ضابط لها في اللغة فرجع فيها إلى العرف وعلى تقدير أن لها ضابطا في اللغة وهو المقارنة فالمقارنة مختلفة في العرف لأنها في كل شيء بحسبه فوجب إناطة الحكم فيها بالعرف وإن قلنا بما قاله الأصحاب ما عدا الإمام والغزالي من تقديم اللغة على العرف، والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب.
"مسألة" قال لزوجته وهو ساكن هو وإياها بعلو الدار متى نزلت إلى أسفل الدار بغير إذني فأنت طالق ومراده بأسفلها الحوش وصفة المجلس الذي هو بعلوه ثم تشاجرا فقالت له طلقني فإن عازمة إلى بيت والدتي فقال لها إلا كنت تعزمي مفاتنة فقد أذنت لك وإن

 

ج / 4 ص -89-          كنت تريدي الطلاق فقد عرفت اليمين التي حلفتها فخرجت إلى بيت والدتها فهل يقع عليه الطلاق أو يرجع إلى إرادتها؟ "فأجاب" إن أراد بقوله إن كنت تعزمي مفاتنة فقد أذنت لك تنجيز الإذن لها بشرط أنها تنزل للخروج مفاتنة فنزلت للخروج مفاتنة لم يحنث وإلا حنث فتعتبر نيتها حال النزول إلى أسفل الدار وإن أراد بقوله ذلك تعليق الإذن على خروجها مفاتنة وقع الطلاق عليه مطلقا لانتفاء الإذن مطلقا حال النزول للخروج فوجد المعلق عليه الطلاق فوقع، والله سبحانه وتعالى أعلم.
"وسئل" في رجل طلق زوجته فسأل آخر عنها أهي زوجته أم لا فقال هي مخرجة وفي بلد عرفهم أن من قال لزوجته هي مخرجة فهي البينونة الكبرى فهل تحل له بعد هذا الإقرار الصادر منه بغير محلل ولا يلتفت لعرف بلده أم لا تحل له إلا بعد زوج على عرف أهل بلده "فأجاب" بقوله العبرة في ذلك بنيته لا بعرف أهل بلدة فإن نوى الطلاق فقط كان رجعيا وإن نوى الثلاث لم تحل له بمحلل وإن لم ينو طلاقا لم يقع عليه شيء غير الطلاق.
"سئل" نفع الله تعالى بعلومه وبركته المسلمين عمن قال إلا دخلت الدار طلقتك فهل هو تعليق أو لغو؟ "فأجاب" بقوله نص في الأم على أنه وعد فيكون لغوا نعم إن ذكر قبله قد لفظا أو نية كان تعليقا لانسلاخه عن الوعد حينئذ، والله سبحانه وتعالى أعلم.
"سئل" رضي الله تعالى عنه في رجل قال علي الطلاق لا أفعل كذا وحنث وله زوجتان فهل تطلقان أو إحداهما مبهما فيعين ولو من ماتت منهما بعد التعليق؟ "فأجاب" بقوله لا تطلق إلا إحداهما كما أفتى به النووي رحمه الله تعالى فلو ماتت إحداهما بحث البلقيني أن العبرة بحالة التعليق فله تعيين الميتة وفي التوسط عن بعض الشيوخ ما يوافقه لكن اعترض بأن الذي يظهر تعيين الحية نظرا لحال الوقوع فإنه لما لم يعين زوجة وقع على الموجودة حال وجود الصفة لتعذره في غيرها وقضية الأول أنهما إذا بقيتا جاز له تعيين إحداهما لليمين قبل وجود الصفة واستدلاله في التوسط بكلام الشامل وقضية الثاني خلافه وهو الأوجه، والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب.
"سئل" نفع الله تعالى بعلومه وبركته المسلمين في امرأة خرجت من دار زوجها فقال إلا لم ترجع فهي طالق فتطلق بماذا؟ "فأجاب" بقوله إن ماتت قبل الرجوع طلقت قبل موتها أو الزوج أو هما لم تطلق كذا في التوسط وقوله لم تطلق معترض بأن ما يحصل به البر لا فرق بين أن يفعل في حال الزوجية أو البينونة بخلاف ما به الحنث فعليه لو مات ثم ماتت ولم ترجع وقع الطلاق قبيل موته، والله سبحانه وتعالى أعلم.
"وسئل" عمن شهد بأنه سرح زوجته فهل يقضى عليه بالطلاق؟ "فأجاب" بقوله نعم يقضى عليه به ولا نظر لاحتمال أنه سرح رأسها ذكره أبو زرعة.

 

ج / 4 ص -90-          "وسئل" نفع الله تعالى به وبركته لو قال لزوجته أنثياك طالق فهل تطلق؟ "فأجاب" بقوله الذي يتجه في ذلك أنه إن ثبت أن لها أنثيين بقول أهل الطب طلقت وإلا فلا وعلى هذا يحمل كلام من أطلق عدم الوقوع ومن أطلق الوقوع محتجا بأن لها أنثيين داخل الفرج إحداهما للشعر والأخرى للمني كما في الرجل.
"وسئل" عن رجل طلب في ليلة غشيان زوجته وراودها عن نفسها فامتنعت وقالت له حلفت أنك ما تأتني الليلة فقال لها كفري عن يمينك ومكنيني وعلي كفارتها وإلا أحلف أنا يمينا لا تكفر فلم تمكنه فقال لها إلا لم تمكنيني الليلة من نفسك فأنت طالق ثلاثا باقي ما بقي ولم يعين في كلامه باقي الليلة أو باقي الشهر أو باقي السنة أو غير ذلك ومضت الليلة على ذلك فهل يقع عليه الطلاق الثلاث أم له من ذلك مخرج؟ "فأجاب" بقوله نعم يقع عليه الطلاق الثلاث بقول الليلة وقوله باقي ما بقي إن أراد أنه ظرف لتمكنني وأراد به زمنا معينا أكثر من بقية الليلة كان مناقضا لقوله الليلة فيلغو وكذا إن أراد أنه ظرف لقوله طالق لأن فيه توقيتا للطلاق وهو في مثل ذلك ممنوع، والله سبحانه وتعالى أعلم.
"وسئل" نفع الله سبحانه وتعالى بعلومه المسلمين عمن قال أنت طالق قبل موتي بضم القاف وفتح الباء طلقت قبيل موته كما في الروضة واعترضه الإسنوي فقال وما ذكر من فتح باء قبل غلط لم يذكره أحد وإنما فيه ضم الباء وإسكانها وهو الدبر ذكره الجوهري وغيره وبأن الرافعي وابن الرفعة لم يتعرضا إلا لضم القاف فقط اهـ. ورده ابن العماد بأن قبل هنا ليست نقيضة بعد بل بمعنى ما يستقبل فمعنى أنت طالق قبل موتي أي عند استقباله وذلك قبيله كما دل عليه كلام الأزهري قال وفي كلامه ما يدل على أنه لو كسر القاف أيضا طلقت قبيل الموت اهـ. قال شيخ الإسلام زكريا في شرح الروض وفي رده نظر لأن الإسنوي لم يجعل قبل نقيضه بعد بل جعلها نقيضة الدبر ثم قال على أن الضبط المذكور ليس في كلام الأزهري اهـ. فما الذي تعتمدونه وهل عن كلام الروضة جواب شاف؟ "فأجاب" بقوله المعتمد كلام الروضة ووجهه أن هذه الصيغة الآن مترددة بين أن تكون بمعنى قبل بفتح القاف وإسكان الباء فيقع الطلاق حالا أو بمعنى قبل بضم القاف وإسكان الباء أو ضمها فيقع قبيل الموت والعصمة ثابتة بيقين فلم يوقع النووي بها حالا بل قبيل الموت لأنه المحقق وهذا فقه ظاهر ولا نظر إلى كونها لم يذكرها أحد لغة إن سلمناه لأن غاية الأمر أنه أخطأ بفتح الباء وهذا الخطأ لا يصير الكلمة لا معنى لها أصلا حتى يقع الطلاق حالا كما هو ظاهر بل يصيرها مترددة بين قبل وقبل السابقتين فحيث لم يرد بها مدلول أحدهما حكمنا بالمحقق وهو الوقوع قبيل الموت وألغينا المشكوك فيه وهو الوقوع حالا فاندفع ما اعترض به الإسنوي وبان أنه لا يلاقي كلام النووي وأن ما ذكره أجنبي عما ذكره النووي من كل وجه فالحق ما قاله النووي رحمه الله تعالى ورضي عنه.

 

ج / 4 ص -91-          "وسئل" رحمه الله تعالى عمن قال أنت تالق بالتاء فهل يحنث؟ "فأجاب" بقوله إن كان من قوم لغتهم إبدال الطاء تاء كان صريحا لأن هذا الإبدال لغة قوم من العرب وإلا فهو كناية.
"وسئل" بما صورته حلف صائم أن امرأته طالق إلا أفطر على حار أو بارد فما حيلته؟ "فأجاب" بقوله أفتى ابن الصباغ بأنه حانث إذ لا بد من الفطر على أحد هذين والشيخ أبو إسحاق الشيرازي بأنه لا حنث لإفطاره بالغروب لحديث فقد أفطر الصائم وبه صرح القاضي أبو الطيب والروياني ونقله الرافعي عن فتاوى الغزالي والتحقيق في ذلك أنه إن أراد بالإفطار تعاطي المفطر كانت حيلته المخلصة له من الحنث بأن يدخل عودا في صماخه أو نحوه وحينئذ فقد صدق أنه لم يفطر على حار أو بارد وإن أراد الإفطار الشرعي فلا حنث أيضا وإن أطلق فهو محل التردد والنظر لتعارض المعنى الشرعي والعرفي في ذلك وكلام الشيخين فيمن حلف لا يصلي ونحوه يقتضي ترجيح المعنى الشرعي فالأوجه ترجيح ما قاله الشيخ أبو إسحاق ومن وافقه، والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب.
"وسئل" عن شخص قال لزوجته إلا خرجت من الدار بغير إذني فأنت طالق ثلاثا ثم أذن لها بعد ذلك في الخروج في زمن معين كيوم الأربعاء مثلا فلم تخرج فيه ثم أنها خرجت في غيره فهل يقع الطلاق عليها لخروجها بغير إذنه في هذا الزمن أو لا يقع لإذنه لها في الخروج في ذلك الزمن المعين؟ "فأجاب" بقوله يقع عليه الطلاق الثلاث لأن خروجها في غير الوقت الذي عينه خروج بغير إذنه فيشملها يمينه لأن الفعل المقيد بوصف ينتفي اعتباره بانتفاء ذلك الوصف المقيد به فيصدق لغة وعرفا أنها خرجت بغير إذنه وحينئذ فلا مرية في وقوع الثلاث، والله سبحانه وتعالى أعلم.
"وسئل" عن كيفية صيغة حل طلاق الدور عند من يصححه؟ "فأجاب" بقوله صيغته فيما إذا علق بطلاق نفسه أو وكيله أن يقول لها طلقي نفسك فإذا طلقت نفسها طلقت على الصحيح سواء أقلنا يقع الطلاق بالتوكيل أم لا لأن هذا تمليك على الصحيح فهو لم يطلق أما لو علق بأن وقع عليك طلاقي فأنت طالق قبله ثلاثا فلا حيلة له إلا بسبب يوجب الفسخ بإعساره ونحوه فإذا فسخ بذلك تخلص من الدور، والله سبحانه وتعالى أعلم.
"وسئل" نفع الله به عمن حلف بالطلاق على ثوب فبان ثوب غيره ما الحكم؟ "فأجاب" بقوله إذا ظنه ثوبه فحلف بناء على ذلك الظن ثم بان أنه ثوب غيره لم يحنث بذلك على المعتمد كما لا يحنث الناسي.
"وسئل" عن رجل حلف بالطلاق أن مكة والمدينة المشرفتين وحضرموت والشجر وعمان من اليمن وحلف آخر أنها من غيره من الحانث ومن أين إلى أين حد اليمن؟ "فأجاب" بقوله لم أر في حد اليمن شيئا يشفي وحينئذ فالقياس أنه يرجع في ذلك إلى عرف

 

ج / 4 ص -92-          الحالف من كل منهما المطرد عنده فإن وافق عرف يمينه فذاك ظاهر وإن خالف يمينه حنث وإن شك في ذلك فلا حنث على واحد منهما والظاهر بحسب العرف وبادي الرأي أن عمان ومكة والمدينة ليست من اليمن فيحنث الحالف أنها أو إحداها منه، والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب.
"وسئل" عمن حلف بالطلاق ما يعيد مع زوجته وغالب الظن أن مراده بما إذا أو إلا لكن العامة لا يعرفون حرف الشرط فما الحكم وإذا سأله درسي كيف قلت فقال طلقتها ثلاثا فقال كيف قلت فقال أنت طالق ثلاثا ما أعيد معك فقال له قد أقررت أنك لم تذكر ما ولا العيد فقال دهشت ما الحكم؟ "فأجاب" بقوله متى عيد مع زوجته حنث ولا نظر إلى أن غالب الظن أنه أراد ما ذكر ويقبل تفسيره في الصورة الأخيرة باطنا بلا شك وكذا ظاهرا كما اقتضاه كلام البلقيني في فتواه.
"وسئل" عمن حلف بالطلاق الثلاث أن صخرة ببيت المقدس مرتفعة في الهواء بين السماء والأرض وحلف آخر به أنها متصلة موضوعة على البناء الذي تحتها ما الحكم؟ "فأجاب" بقوله إن أراد الأول بارتفاعها في الهواء أنها غير متصلة بالبناء الذي بني تحتها حنث لكذبه في ذلك نعم إن غلب على ظنه ذلك فحلف اعتمادا على غلبة ظنه لم يحنث وأما الثاني فلا يحنث لأن الاتصال بالبناء موجود فإن اتفقا على اتصالها بالبناء وحلف واحد أنها معتمدة عليه وآخر أنها ليست معتمدة عليه لم يحنث واحد منهما لأن الاعتماد أمر مشكوك فيه يحتمل وجوده ويحتمل عدمه ومثل هذا لا يمكن أن يحنث فيه أحدهما لأنه تحكم ولا هما لأن أحدهما صادق فهو كمسألة ما لو قال إن كان الطائر غرابا فامرأتي طالق وقال آخر إن لم يكن غرابا فامرأتي طالق فلا يحنث واحد منهما ظاهرا وإن كان أحدهما حانثا قطعا لعدم تعيينه، والله سبحانه وتعالى أعلم.
"وسئل" عن شخص طلق زوجته طلاقا رجعيا ثم قيل له يا فلان أطلقت زوجتك فقال طلقت طلقة واحدة ثم قال له آخر أنت طلقت ثلاثا فقال الزوج صدقت بكلامك معك علي شهود فقال اشهدوا عليه أنه طلق ثلاثا هل هذا يكون إقرارا مثل نعم أم لا؟ "فأجاب" بقوله قوله صدقت كنعم فيكون إقرارا منه بأنه طلق ثلاثا فيؤاخذ به وقوله بكلامك إلخ أما أنه لا معنى له أو له معنى بأن يريد به رفع ما دل عليه صدقت وحينئذ فهو تعقيب الإقرار بما يرفعه فلا يعتمد عليه بل يؤاخذ بمدلول قوله صدقت كما تقرر.
"وسئل" عمن قالت بذلت صداقي على صحة طلاقي فأجابها بقوله أنت طالق ثلاثا آخر جزء من أجزاء عمري فهل يقع الطلاق ويبرأ من الصداق؟ "فأجاب" بقوله يقع الطلاق آخر جزء عمره فلا ترث منه ولا يبرأ من شيء من الصداق على ما أفتى به بعضهم لعدم اتصال وقوع الطلاق بالبذل فإن لم يكن التعليق بالثلاث كان رجعيا لعدم مطابقة جوابه لبذلها لأنها

 

ج / 4 ص -93-          طلبت بصيغة تقتضي الطلاق حالا فأجابها بجواب يقتضي الوقوع قبيل موته وكثير من المتفقهة يغفلون عن ذلك فيلقنونه ذلك بعد أن يلقنوها البذل على الطلاق آخر عمره وهو لا يفيد مقصود المريض من حرمان الزوجة من الإرث وعدم الاعتداد بعدة الوفاة ولو لقنوها بذلت صداقي على تعليق طلاقي بآخر أجزاء حياتك ففعل كان بائنا وأفاد المقصود لوجود المطابقة ووقوع الطلاق في آخر العمر كما ذكر وهو ما نقله الروياني عن والده وهو المعتمد كما قاله جمع متأخرون خلافا لمن قال أنها تطلق حالا وفي الروضة في تعليق ما يشهد للأول وعدم البراءة، والله سبحانه وتعالى أعلم.
"وسئل" نفع الله تعالى بعلومه وبركته المسلمين عمن قال علي السبيل ما أفعل كذا فهل هو من ألفاظ الطلاق؟ "فأجاب" بقوله بحث بعضهم أنه كناية فإن نوى به الطلاق عمل به وإلا كان لغوا وهو محتمل نظير ما لو قال علي الحلال فإنه كناية وكذا هذا إلا أن يفرق بأن هذا اعتيد استعماله في الطلاق بخلاف علي السبيل ومثله بالأولى علي الحق.
"وسئل" عمن قال لزوجته أنت طالق إلا لم تتزوجي بفلان فهل تطلق حالا أو لا؟ "فأجاب" بقوله الذي أفتى به ابن قاضي شهبة وعمر الفتى أنه يقع حالا لأنه مستحيل البر ومستحيله يقع الطلاق به حالا كإن لم تصعدي السماء والذي أفتى به الشرف ابن المقري وجماعة أنه لا يقع أصلا وأطال الاستدلال على ذلك ومع ذلك الوجه الأول لأنه قدر محذوفا جعل به البر ممكنا فقال يمكن أن يطلقها ثم تنقضي العدة وتتزوج فالتقدير إن لم تتزوجي بعد طلاقي إياك والأصل عدم هذا التقدير وأيضا فقوله إن لم تتزوجي بفلان شرط إلزامي أي أنت حلال لكل أحد إلا فلانا فلا تحلين له مريدا إلزامها أن لا تتزوج به وهذا شرط مستحيل شرعا فإنها إذا طلقت حلت لفلان وغيره فأشبه أنت طالق طلاقا لا يقع عليك جميع أحكامه بل بعضها وهو ملك لما سوى فلان وهذا شرط إلزامي والطلاق وإن قبل التعليق فلا يقبل إلحاق الشرط الإلزامي به كأنت طالق بشرط أن لا تدخلي الدار وأن لا تحتجبي مني فإنه يقع الطلاق جزما وإن دخلت الدار كما قاله ابن الرفعة والسبكي وغيرهما وبهذا ظهر أن الأول في مسألتنا هو المعتمد لما تقرر أن هذا شرط إلزامي فيقع ويلغو إلزامه لها ما لا يلزمه شرعا هذا لو فرض إمكانه فما بالك بالمستحيل شرعا ومحل الخلاف إن كان التعليق بإن لم لأنه لا يشترط فيه فور فإن كان بإذا لم تتزوجي وقع الطلاق حالا اتفاقا ولا فرق في الكل بين أن يقول بفلان أو يقتصر على إن لم تتزوجي لما تقرر أن المعنى إلزامها أن لا تتزوج بغيره فلم يفترق الحال بين ذكر الغير وعدم ذكره.
"وسئل" ما المعتمد في مسألة الدور في الطلاق؟ "فأجاب" بقوله المعتمد وقوع المنجز كما رجحه الشيخان وتبعهما فحول المتأخرين كابن الرفعة والسبكي والبلقيني وغيرهم بل نقل بعضهم عن الإمام الدارقطني أنه قال أن الإمام ابن سريج خالف الإجماع بقوله بصحة

 

ج / 4 ص -94-          الدور وكان هذا هو مستند قول شيخ الإسلام في فتح الباري أن الدور باطل بالإجماع لكن يتعين تأويل هذه المقالة لما في الروضة عن الأكثرين أنهم قائلون بصحة الدور بأن المراد أكثر المجتهدين في عصر الشافعي وما قبله وجرى كثيرون على إنه لو حكم بصحته حاكم نقض حكمه ومن ثم كان الإمام ولي الله إسماعيل بن محمد الحضرمي يقول ائتوني بزوجة الملقي للدور حيث طلقها بعده وانقضت عدتها لأتزوجها وناهيك به علما وورعا قيل ولم ينص الشافعي رضي الله تعالى عنه على الدور الجعلي بل على الدور الشرعي الذي لا خلاف في اعتباره ومن نسب إليه الأول فقد غلط وجهل ولا تغتر بما وقع للأكثرين لأنه زلة وقد نهينا عن اتباع زلات العلماء كما قاله بعض المحققين في مثل هذه الواقعة اهـ.
"وسئل" عمن قال لزوجته علي الطلاق الثلاث لو تغدي إلى بيت أهلك من غير رضائي ما كان إلا فراقك فغدت من غير رضاه لبيت أهلها فهل يقع الطلاق الثلاث مطلقا أو عند اليأس وهل يصدق إلا قصد الاستثناء وهل حذف إلا كوجودها ويحصل الفراق بطلقة رجعية أو لا؟ "فأجاب" بقوله اختلف في هذه جمع يمنيون فأفتى بعضهم بأنها تطلق ثلاثة لأنها غدت إلى بيت أهلها بغير رضاه وهو عامي لا يفرق بين التعليق والتنجيز ولا قصد شيئا وأفتى آخر بأن قوله كان إلا فراقك تعليق على عدم استمرار امرأته إن غدت إلى بيت أهلها والظاهر الفرق بين إلا وعدمها وقد أشار في فتاوى الأصبحي إلى نظير المسألة بقوله إن رحت إلى أهلك فهو تمام طلاقك ولم يكن له نية أن لفظ التمام لا يقتضي الثلاث على المشهور الذي أجاب به أكثرهم وظهر لي أن تمام كقوله كان إلا فراقك اهـ. وفي كل من هذين الجوابين أنظار ظاهرة فالوجه إفتاء بعضهم بقوله أما إفتاء الأول بالوقوع بمجرد الغدو لبيت أهلها فغير صحيح لأن لفظ المعلق اشتمل على التعليق بشيئين بالغدو لبيت أهلها وعدم فراقها فانحل كلام الزوج حينئذ إلى أنه قال إن غدوت لبيت أهلك ولم أفارقك فأنت طالق ثلاثا فمتى غدت إليهم وفارقها فورا أو تراخيا ولو بطلقة رجعية انحلت الثلاث وإن لم يفارقها حتى مات أحدهما وقعت الثلاث قبيل الموت وأما إفتاء الثاني بأنه معلق الطلاق على عدم استمرارها فغير ظاهر فإنه إنما علقه على الذهاب وعلى عدم فراقه لها بعد الذهاب وقول الثاني الظاهر الفرق بين إلا وعدمها غير ظاهر فإن قوله إلا كان فراقك فيه تعليق الثلاث على ما ذكر من الأمرين. وقوله كان فراقك فيه تعليقه على مجرد ذهابها إذ المعنى يلزمني الثلاث إن غدوت لأهلك حصل الفراق.
"وسئل" عمن قال لو أبرأتني فلانة وأبوها من صداقها فهي طالق فهل يقع الطلاق بإبرائهما؟ "فأجاب" بقوله لا يقع كما أفتى به الكمال الرداد وشيخه الفتى لأن المغلب في التعليق وجود الصفة الصحيحة وبراءة أبيها لغو فلم توجد منه براءة صحيحة.
"وسئل" عمن قالت لزوجها طلقني فقال هي طالق فهل تطلق؟ "فأجاب" بقوله: نعم

 

ج / 4 ص -95-          تطلق لقولهم لو نادى إحدى زوجتيه: بيا حفصة فأجابته عمرة، فقال: أنت طالق طلقت المجيبة ظاهرا فإن قال أردت المناداة طلقت أيضا ظاهرا وباطنا.
"وسئل" عمن وكل من يكتب له الطلاق ونوى فهل يقع؟ "فأجاب" بقوله لا تصح النية إلا من الكاتب فإن وكله في النية أيضا فكتب الوكيل ونوى وقع وإلا فلا ويجري ذلك في سائر العقود التي تنعقد بالكتابة لا تنفذ إلا إن كان الكاتب هو الناوي سواء الكاتب عن نفسه أو عن غيره.
"وسئل" عمن قالت له طلقني وهي حامل فقال إذا تحملت بما في بطنك إلى أن يعرفني فأنت طالق فهل تطلق حالا أو لا؟ "فأجاب" بقوله إن بين المدة والنفقة فأجابته طلقت بعد المدة وإلا فلا لأن التعليق لا يحتمل الجهالة بخلاف ما إذا أتى بصيغة تنجيز كطلقتك على أن تتحملي به خمس سنين ووصف الملتزم بصفة السلم فقبلت طلقت فورا وإن لم يصفه وقع بمهر المثل والفرق أنه في التنجيز يصح الخلع على المجهول بخلافه في التعليق.
"وسئل" نفع الله تعالى بعلومه وبركته المسلمين عمن قال إلا لم تخرجي من بيتي بشيء فأنت طالق فقالت خرجت بغير شيء وقال بل بشيء فلا يقع فمن المصدق منهما؟ "فأجاب" بقوله قضية ما في أصل الروضة عن المتولي في إن خرجت بغير إذني أن القول قولها هنا أيضا لكنه استشكل بأن القول قوله في أنت طالق للسنة ثم ادعى وطأها في هذا الطهر وفيما لو علق طلاقها بعدم الوطء ثم اختلفا وفيما لو علقه بعدم الإنفاق عليها ثم ادعى الإنفاق فإنه يصدق بالنسبة لعدم الحنث وأخذ بعضهم من هذه النظائر عدم الحنث في صورة السؤال وزعم أن ما في الروضة ضعيف وليس في محله ولا يرد على ما في الروضة شيء من تلك المسائل لأن نحو الوطء والإنفاق من شأنه الخفاء ومشقة إقامة البينة عليه بخلاف الإذن وخروجها بشيء من حوائجه ونحوها فافهم ذلك فإنه مهم.
"وسئل" عمن لو أكل قط حمام إنسان فحلف ليقتلنه فتمكن من قتله فلم يقتله حتى مات القط فأفتى بعضهم بأنه يحنث كما لو حلف لا يفارق غريمه فأعسر الغريم فإنه إذا فارقه حنث وإن حرمت عليه الملازمة وأفتى بعضهم بأنه لا يحنث كما لو قال أنت طالق ثلاثا إن لم أطؤك الليلة فوجدها حائضا أو محرمة فإنه لا يحنث بترك وطئها خلافا للمزني فما المعتمد من الجوابين؟ "فأجاب" بقوله المعتمد الأول وإن كان في قياسه نظر لأن اليمين في مسألة الغريم انعقدت مطلقة فعمت حالتي اليسار والإعسار فليس فيها تنصيص بالحلف على معصية بخلاف مسألة السؤال وإنما نظيرها لو حلف ليقتلن زيدا أو ليشربن الخمر فإنه لا يبر إلا بقتله أو شربه وإن كان معصية لأن اليمين على المعصية وفعل الواجب وتركه منعقدة ويجب الحنث فيها وأما مسألة الغريم فلا تنصيص فيها على المعصية إلا من حيث إن أفارق نكرة في سياق النفي فتعم آحاد المنفي كلا رجل في الدار وما تعلق به من ظرف

 

ج / 4 ص -96-          كقوله صلى الله عليه وسلم: "لا يقتل مسلم بكافر ولا ذو عهد في عهده"، فإنه يعم كل عهد وكلا أشرب ماء من إداوة فإنه يعم كل إداوة وعموم النكرة في سياق النفي إما ظاهر كلا رجل في الدار برفع رجل أو نص كلا رجل بفتح رجل أو مؤكد لذلك التنصيص كلا من رجل ولا أفارق من الظاهر في العموم فيعم حالتي اليسار والإعسار فعلم أنه يجب عليه في مسألة الهر الحنث بترك القتل إلا أن يباح له قتله بأن يصول على نحو طعامه ولا يمكنه التخلص منه إلا بقتله هذا ما في الجواب الأول وأما جواب الثاني فإنه فاسد حكما وقياسا أما الحكم فلما تقرر فيما لو حلف ليقتلن زيدا أو ليشربن الخمر وأما القياس فلأن الحلف في مسألة الوطء على فعل مباح وهو ينعقد اليمين فيه على الجائز شرعا إذ لا عموم لأن قوله إن لم أطأ حث على الوطء والأيمان المطلقة تنزل على المباحات فنزل على ما يجوز فعله ولهذا لو حلف لا يأكل اللحم لم يحنث بأكل الميتة وحصول الفيئة بوطء الزوجة في الحيض لا تعلق له بالحنث إذ لو وطئ في المدة ناسيا لليمين أو مكرها لم يحنث وحصلت الفيئة على الأصح وكذا لو استدخلت ذكره بغير اختياره لا ينحل يمينه قطعا وتحصل الفيئة على الأصح فإن قلت لم لا ننزل قتل الهر على حالة الإفساد التي يحل قتله فيها قلت تلك حالة نادرة فلا تعلق بها اليمين ألا ترى أنهم لم يحملوا الحلف على قتل زيد أو شرب الخمر على الحالة التي يحل قتله وشربها فيها والحاصل أن الحالف متى تمكن من قتل الهر ولم يقتله حنث مطلقا إلا أن ينوي تلك الصورة المخصوصة.
"وسئل" عمن حلف بالطلاق لا يصلي خلف زيد فولي إمامة الجمعة فهل تسقط عن الحالف أم لا؟ "فأجاب" بقوله نعم تسقط عنه لأن مشقة فراق الزوجة تزيد على ما ذكروه من كثير من أعذار الجمعة وأيضا فملك الزوجة يشبه فواته فوات المالية وفي الجواهر ما يؤيد ذلك ويشهد له بالأولى وهو أن الزوجة لو نشزت ورجا ردها إلى الطاعة فاشتغل بردها عذر في الجمعة كما لو اشتغل بصلاح ماله الذي يخشى فساده لو صلى الجمعة لا يقال لم لا يكون الإيجاب الشرعي عذرا في عدم الحنث كالإكراه الحسي فيصلي الجمعة خلفه ولا يحنث لأنه حلف باختياره على ما يعم المعصية وغيرها كما لو حلف لا يفارق غريمه فأعسر ففارقه فإنه يحنث وإن حرمت عليه ملازمته وصرحوا بأنه لو حلف وهو في يد الكفار على أنه لا يهاجر لزمته الهجرة ويحنث لأن ذلك باختياره وبأن من بيده وديعة يلزمه إخفاؤها فإذا حلف كاذبا حنث لأنه باختياره والأولى لهذا الحالف أن يرفع القضية إلى حاكم فيلزمه بصلاة الجمعة فلا يحنث لإكراه القاضي وإلزامه له.
"وسئل" عن رجل طلق زوجته ثم سأله رجل طلقت زوجتك فقال تسعين طلقة وهي في العدة فما يلزمه؟ "فأجاب" بقوله إن أراد الملتمس بذلك الاستخبار كان إقرارا فيؤاخذ به ما لم يكن كاذبا فله معاشرتها باطنا بعد الرجعة وإن أراد بذلك التماس الإنشاء من المطلق

 

ج / 4 ص -97-          وقع عليه الثلاث مطلقا لأن طلقت معاد في الجواب لذكره في السؤال وما فيه معاد في الجواب فكأنه قال طلقتها تسعين طلقة قاصدا بذلك الإيقاع فتلحقها الثلاث لأن الفرض أن الطلاق رجعي وأن العدة باقية وما ذكرته في الحالة الثانية مأخوذة مما قالوه فيمن قيل له التماسا للإنشاء أطلقت زوجتك فقال نعم مثلا بجامع أن نحو نعم ليست من صرائح الطلاق لكنها لما وقعت بعد السؤال المعاد في الجواب نزلوها منزلة طلقتها وإذا ثبت هذا في نحو نعم الذي لا دلالة فيه على طلقتها إلا مجرد ذلك التنزيل فأولى في تسعين المستدعى تقدير عامل وإن لم يكن سؤال ولا إنشاء فتأمله، والله سبحانه وتعالى أعلم.
"وسئل" عن امرأة ادعت أن زوجها طلقها ثلاثا ثم رجعت هل يقبل رجوعها؟ "فأجاب" بقوله نعم يقبل رجوعها كما في التدريب لأن المرأة قد تنسب لزوجها من غير تحقيق، والله سبحانه وتعالى أعلم.
"وسئل" عن جماعة جاءوا إلى جماعة آخرين فحلف أحد الجماعة الواردين بالطلاق ما نحن لكم بضيفان أو ما نذوق لكم طعاما أو ما نذوق عندكم زادا وقصد اليمين عنه وعن أصحابه فحلف أحد الجماعة المقدوم عليهم ما تروحون إلا بعد زاد فهل يبرأ الحالف الأول برجوع أحد منهم إلى محله وبالمحل باقيهم الزاد ويتملكون الزاد ببيع أو هبة أو ما أشبه ذلك فإن قلتم نعم بما ذكرناه فذاك وإن قلتم بخلافه فما تكون الحيلة في الخلاص من الحنث لهما أوضحوا لنا الجواب عن كل لفظ بما يقتضيه؟ "فأجاب" رحمه الله بما صورته إذا حلف ما نحن لكم بضيفان وقصد نفسه وجماعته وحلف أحد المقدوم عليهم ما تروحون إلا بعد زاد فأطعمهم أحد المقدوم عليهم قبل رواحهم زادا لم يحنث واحد من الحالفين حيث لا نية لهما بأن أطلقا هذين اليمينين كما اقتضاه كلام السائل لأن لفظ الأول فيه ما نحن لكم بضيفان.
وفيما ذكرناه لم يضيفهم الجميع فإن أراد الحالف الأول أن أحدا منهم لا يصير ضيفا لأحد من القدوم عليهم فلا خلاص له وإن أراد الثاني أحدا منهم لا يروح إلا بعد أكله زادا من عند أحد المقدوم عليهم لم يبرأ إلا إن أكلوا كلهم زادا من عند أحد المقدوم عليهم ويقاس بما ذكرته بقية النيات، أو يسأل السائل من الحالفين عن مرادهما بالحلف هنا وفيما مر، وقد سئل بصورة ذلك ليكتب له الجواب على ثبت من غير تردد، فإن لم يكن لهما نية فالحكم ما ذكرناه أولا وإن حلف الأول ما نذوق لكم زادا فمتى ذاق أحد القادمين زادا للمقدوم عليهم، أو لبعضهم إن أراده حنث، وإن لم يذق أحد منهم أو كلهم شيئا للمقدوم عليهم فلا حنث، وأما الحالف الثاني فإن أراد مطلق الزاد فذاقوا زاد الغير المقدوم عليهم لم يبرأ إلا بأكلهم له قبل رواحهم وإن حلف الأول ما نذوق عندكم زادا فمتى ذاقوا عندهم أي في المحل المنسوب إليهم عرفا مع حضورهم فيه زادا للمقدوم عليهم، أو غيرهم حنث الأول ولم يحنث الثاني؛ لأنهم لم يروحوا إلا بعد زاد وإن راحوا بلا أكل زاد حنث

 

ج / 4 ص -98-          الثاني دون الأول وفي صورة ما نذوق لكم زادا ولا نية للحالف فيبرأ بتملكهم للزاد قبل ذوقه ثم على السائل - وفقه الله - أن يبحث عن اللفظ الواقع من الجانبين وعن كون الحالفين، أو أحدهما أرادا شيئا، أو أطلقا ويتأمل ما ذكرته في هذا الجواب فإن فهم حكمه من ذلك فهما يقينيا عمل به وإلا أرسل لما يذكر أن له مفصلا لنذكر له حكمه، والله سبحانه وتعالى أعلم.
"وسئل" نفع الله تعالى بعلومه المسلمين أقر بطلاق زوجته ثلاثا ثم قال إنه علق الطلاق على تمام البراءة ما الحكم؟ "فأجاب" بقوله: من أقر بطلاق زوجته ثلاثا ثم ادعى أنه كان علقه على ما ذكر لا تقبل منه هذه الدعوى ولا يلتفت إليها فيفرق بينه وبينها ولا يمكن من نكاحها إلا بعد أن تتزوج غيره تزويجا صحيحا ويغيب حشفته في قبلها ثم يطلقها ثم تنقضي عدتها منه، والله سبحانه وتعالى أعلم.
"وسئل" عن رجل حلف بالطلاق وشهد عليه شاهدان قال أحدهما أشهد أنه قال أنت طالق ست عشرة طلقة وقال الآخر أشهد أنه قال أنت طالق ألف طلقة فأجاب بعض فقهاء زبيد بجواب مبسوط حاصله أنه لا يقع عليه إلا طلقة فما التحقيق المعتمد في ذلك؟ "فأجاب" ما نقل عن بعض علماء زبيد من وقوع طلقة فقط غير معتمد ولا معول عليه بل لا وجه له ولا قياس يعضده وليته قال: لا يقع شيء فإن له وجها ما أخذا من قولهم فيما لو شهد واحد أنه غصبه بكرة وآخر أنه غصبه عشية حلف المدعي مع أحدهما وأخذ الغرم؛ لأن الواحد ليس بحجة فلا تعارض اهـ. فهذا قد يتوهم منه من لا تحصيل عنده عدم وقوع شيء في مسألتنا؛ لأن الواحد ليس بحجة فلا تعارض ولا يمكن المدعي هنا حلفه مع أحدهما؛ لأن الطلاق لا يثبت بشاهد ويمين وهذا مع أنه يظهر ببادئ الرأي أن له وجها، تمويه باطل وليس ذلك نظير مسألتنا بوجه؛ لأن الشاهدين فيها لم يقع بينهما تعارض إلا في الزائد على ست عشرة؛ لأن من شهد بالألف لم يعارض من شهد بست عشرة، إلا فيما زاد عليها وأما الست عشرة فهما متفقان عليها لما صرحوا به من أن من أقر بعشرة مثلا كان مقرا بخمسة وبه يعلم أنهم مصرحون بأن من أقر بألف كان مقرا بست عشرة فيقع منها ثلاث ويعزر على إيقاعه الزائد كما صرح به الزركشي نقلا عن الروياني وقضية كلام ابن الرفعة فإنه أعني الزركشي قال: واللام في الطلاق للعهد الشرعي وهو الثلث فلو طلق أربعا قال الروياني عزر وظاهر كلام ابن الرفعة أنه يأثم اهـ. وشاهد ما ذكرته من وقوع الثلاث قولهم لو شهد واحد أنه أخذ منه دينارا وشهد آخر أنه أخذ منه نصف دينار ثبت نصف الدينار لاتفاقهما عليه وللمدعي الحلف مع الشاهد بالنصف الآخر؛ لأن الشاهد بالنصف لا يعارض الشاهد واليمين في النصف الآخر فكما ثبت النصف الأول لاتفاقهما عليه كذلك يقع هنا الطلاق الثلاث لاتفاقهما عليه فهذا هو الصواب فاعتمده ولا تغتر بما خالفه وبما

 

ج / 4 ص -99-          قررته يعلم أنه لا فرق في صورة السؤال بين ما ذكر فيها من شهادة واحد بستة عشر وآخر بألف وبين غيره كشهادة اثنين واثنين للاتفاق على الثلاث بكل تقدير وهذا لا إشكال فيه.
وإنما الذي هو محل النظر لو شهدت بينة بأنه طلق واحدة وشهدت بينة أخرى بأنه طلق ثلاثا فقد تعارضا في الزائد على الواحدة فهل يقع هذا الزائد والذي يتجه وقوعه أخذا من قولهم ولو اختلفا في قدر المتلف بأن شهدت بينة أن وزن ما أتلفه المدعى عليه دينار وشهدت بينة أخرى أن وزنه نصف دينار لزم الدينار أخذا بشهادة الأكثر؛ لأن معها زيادة علم بخلاف شهادة التقويم فإن قومته بينة بدينار وأخرى بنصف فإنه يجب النصف لاتفاق البينتين عليه وتعارضهما في الباقي وفرقوا بين هذه وما قبلها بأن مدرك شهادة التقويم الاجتهاد وقد تطلع بينة الأقل على عيب فمعها زيادة علم فالحاصل أن زيادة العلم عند التعارض في الوزن مع الشهادة بالأكثر وعند التعارض في القيمة مع الشهادة بالأقل وكالتعارض في الوزن التعارض في الذرع، أو العد، أو الكيل فيؤخذ بشهادة الأكثر وأما قول الأذرعي قياس كلامهم الذي تقرر في مسألة الوزن أنه لو أقام بينة بعدد المعدود، أو بأذرع المذروع فعارضه المدعى عليه ببينة بأنه أنقص من ذلك كنصفه قدمت بينة المدعي ولا يخفى ما فيه فهو مردود أعني قوله ولا يخفى ما فيه ووجه رده أن ما ذكر أنه قياس كلامهم صحيح لا مرية فيه؛ لأن من تأمل ما قالوه في مسألة الوزن مما ذكرته فيها علم جريان مثله في العد والذرع والكيل إذ لا فارق بين الأربعة كما هو ظاهر جلى وإذا لم يتصور بينهما فارق لم يتأت قوله ولا يخفى ما فيه إذ لا شيء فيه لا خفي ولا ظاهر بل هو الجاري على سنن إلا سنن الاستقامة فاندفع قوله ولا يخفى ما فيه.
"وسئل" عمن قال لآخر بادلت أو بادلتك بزوجتي إلى زوجتك أو بضيعتي إلى ضيعتك أو بقرتك أو زاقرت أو زاقرتك إلى ذلك فقال بادلت أو بادلتك أو زاقرتك أو زاقرت ويريدان بزاقرت معنى بادلت ما الحكم وعمن قال لآخر طلق زوجتك وأزوجك أو على أن أزوجك ابنتي أو أختي أو قالت امرأة طلق زوجتك وأزوجك نفسي أو على أن أزوجك نفسي أو وأزوجك أو على أن أزوجك ابنتي فطلق امرأته وقال هي طالق أو قال طلقت ما الحكم وعمن أراد السفر فقال للناس إلا لم أجئ هذه السنة أو إذا غبت عن زوجتي سنة فما أنا لها بزوج أو فما هي لي امرأة ما الحكم؟ "فأجاب" بقوله الذي يتجه في بادلت، أو بادلتك بزوجتي إلى زوجتك أنه إن نوى به طلاقا واحدا، أو متعددا وقع وإلا فلا فهو كناية فيه لصدق حدها عليه وهو ما احتمل الطلاق من غير تعسف ولا شك أن بادلتك يحتمل الطلاق كذلك وقاعدة ما كان صريحا في بابه ولم يجد نفاذا في موضوعه يكون كناية في غيره تشهد لذلك، وبادلت صريح في البيع كما يأتي فإذا استعمل في الزوجة ناويا به الطلاق لم يجد نفاذا في موضوعه وإذا لم يجد نفاذا كذلك لزم كونه كناية فيه؛ لأن الغرض أنه يحتمله احتمالا لا تعسف فيه، وكذا يقال في نحو بعتك نفسك إذا نوى به الطلاق أنه يقع

 

ج / 4 ص -100-        به؛ لأنه حينئذ كناية كما علم مما قررته ثم رأيتهم صرحوا بنحو ما ذكرته فإنهم جعلوا من كنايات الطلاق بعتك الطلاق، وأما قوله بادلتك بضيعتي إلى ضيعتك مثلا فبيع؛ لأن بادلت من صرائح البيع فإذا أراد بذلك بادلتك ضيعتي بضيعتك انعقد بيعا وصارت الضيعة التي دخلت عليها الباء ثمنا والأخرى مثمنا وأما بادلت بضيعتي إلى ضيعتك فهو باطل لفقد كاف الخطاب المشترطة لصحة البيع وزاقرت إذا اشتهرت عند قوم بمعنى بادلت صارت كناية بيع وطلاق فإن نوي بها بيع صح، أو طلاق وقع وإلا فلا ومن طلق زوجته على أن يزوجه زيد بنته لم يقع عليه طلاق إلا إن زوجه فإذا زوجه وقع الطلاق بائنا وللمطلق مهر المثل على المزوج الملتزم له بذلك ذكر ذلك ابن القطان لكنه قال فيما لو قال رجل لآخر طلق امرأتك على أن أطلق امرأتي وجعل كل منهما طلاق هذه بدلا عن طلاق الأخرى يقع الطلاقان إذا فعلاه ولكل منهما الرجعة اهـ. فجعل ابن القطان الطلاق في هذه رجعيا يناقض جعله له في التي قبلها بائنا ومن ثم قال ابن كج في هذه لا رجعة لواحد منهما ولكل واحد منهما الرجوع على الآخر بمهر المثل ليوافق قوله ما قال ابن القطان في تلك، والحاصل أن ابن كج يقول إنه بائن في الصورتين ويجعل العوض فيهما فاسدا حتى يقع بائنا ويجب مهر المثل وابن القطان يقول إنه بائن في الأولى رجعي في الثانية وعليه الفرق أن العوض في الأول وهو نكاح البنت مقصود لكنه لا يصلح للعوضية شرعا فكان فاسدا ويلزم من فساده الوقوع بائنا بمهر المثل وأما العوض في الثانية وهو الطلاق فهو غير مقصود عرفا ولا شرعا فهو بمثابة الدم
وقاعدة الخلع أن عوضه إذا لم يقصد يقع رجعيا ولا مال وبهذا اتضح أن ما قاله ابن القطان من الوقوع بائنا بمهر المثل في الأولى ورجعيا بلا مال في الثانية هو الأوجه لما علمت من ظهور الفرق بينهما فافهم ذلك فإنه مهم وجواب بقية الصور التي ذكرها السائل علم مما قررته وهو أنه حيث كان المقابل للخلع تزويجا فوجد وقع بائنا بمهر المثل، أو طلاقا وقع رجعيا وقوله إن لم أجئ هذه السنة. الخ كناية فإن نوى به طلاقا، أو متعددا وغاب عنها سنة وقع ما نواه وإلا لم يقع شيء.
"وسئل" عمن قال لزوجته أنت طالق فقيل له ثلاثا فقال ثلاثا أو قيل له طلقها ثلاثا فقال ثلاثا ما الحكم؟؟ "فأجاب" بقوله: الأوجه أخذا مما أفتى به شيخنا خاتمة المحققين شيخ الإسلام زكريا سقى الله سبحانه وتعالى عهده أنه نوى بقوله: ثلاثا وقد بناه على مقدر الطلاق الثلاث وقع الثلاث وكان التقدير هي طالق ثلاثا، أو طلقتها ثلاثا وإن اختل شرط من ذلك لم يقع شيء وأما من أجاب بأنها طلقت واحدة؛ لأن السؤال معاد في الجواب فكأنه قال: هي طالق ثلاثا لكن يمنع من وقوع الثلاث كونها غير منوية مع لفظ طالق؛ لأن شرط وقوع العدد كونه منويا بنية مقرونة بلفظ الطلاق كاقتران نية الكناية بها فقد أخطأ كما بينه شيخنا المذكور حيث قال: لم يصب في جوابه هذا سواء أوقع الواحدة بلفظ ثلاثا كما يقتضيه أول كلامه لما لا يخفى أي من قوله إن السؤال معاد في الجواب أم بلفظ طالق المقدر لما

 

 

ج / 4 ص -101-        فيه من إعمال مقدر يجوز عدم إرادته وإهمال متلفظ به ولا في توجيهه؛ لأنه بعد أن اعتبر أن التقدير هي طالق ثلاثا لا يحتاج إلى نية الثلاث واقترانها بطالق، إذ نية العدد إنما يحتاج إليها كما ذكر عند عدم ذكر العدد ثم رأيت الأذرعي نقل عن فتاوى الإمام ابن رزين أنه سئل عمن قال قولوا لها أنت ورفيقتك طالق فقيل له لأي شيء لا تقول ثلاثا فقال ثلاثا.
فأجاب إن قصد بقوله ذلك إيقاع الطلاق الثلاث بلفظي هذا أي بلغوهما أني طلقتهما ونوى بذلك إيقاع الثلاث وقع الثلاث كما نوى وإن قصد إيقاع الطلاق مطلقا من غير قصد عدد وقعت طلقة على كل واحدة منهما وبذلك يبقى قوله ثلاثا إن قصد به إيقاع الطلاق الثلاث كأنه أراد طلقت الآن كلا منهما ثلاثا، أو كلا منهما طالق ثلاثا وقع به تمام الثلاث إن دخل بهما وإن لم يقترن بقوله ثلاثا قصد لم يقع شيء قال الأذرعي في توسطه بعد نقله ذلك وفي وقوع الثلاث في القسم الأول وقفة ولا سيما إن طال الفصل بين الكلامين؛ لأن ثلاثا بمفردها لا تصلح للإيقاع فتأمله اهـ. وفي ذلك تأييد لما تقرر أنه الجواب وأما توقف الأذرعي فهو ظاهر حيث لم يبن الكلام على المقدر الذي قررناه بخلاف ما إذا بناه عليه ثم رأيت ابن الصلاح أفتى فيمن قال لزوجته أنت طالق ثم سكت وراجع زوجته ثم قال ثلاثا بائنة على كل مذهب بأنه إن كان قد نوى الثلاث أولا بقوله أنت طالق وقعن وإن لم ينو ذلك أولا لكن أراد ثانيا بقوله ثلاثا تتمته وتفسيره وعنى بقوله ثلاثا أنها طالق ثلاثا وقع عليه الثلاث أيضا قال: وليس هذا من قبيل إيقاع الطلاق بلفظ حذف بعضه اجتزاء بالباقي منه لدلالته عليه بناء على القرينة ومما نص عليه من هذا النوع أنه لو قال ابتداء أنت ثلاثا ونوى الطلاق وقع بمثل ذلك قال الأذرعي بعد نقله عنه في توسطه قلت تأمل جوابه مع ما سبق عن صاحبه تقي الدين بن رزين وأما ما استشهد به من قوله: أنت ثلاثا فالأصح في الروضة أنه لا يقع به شيء وإن نوى ولم يذكر عن بعض الأئمة سواه فاعلمه اهـ. ويجاب عن مسألة الروضة بأنه لم يتقدمها ما يقتضي تقدير محذوف ينبني عليه قوله ثلاثا فلم تؤثر فيها النية بخلاف مسألتنا فإنه سبق ما يقتضي تقدير ذلك المحذوف المبني عليه قوله ثلاثا فصحت نيته ووقع به الثلاث ثم رأيتني في بعض الفتاوى بسطت الكلام على ذلك فراجعه مع هذا.
"وسئل" اشتهر في الترك إذا أراد أحدهم يطلق زوجته قال لها دستور فإذا غاب أو مات ولم يعلم هل نوى الطلاق أم لا ما الحكم؟ "فأجاب" بقوله لا طلاق فيما ذكر وإن جعلنا لفظ "دستور" كناية؛ لأن شرط الوقوع بها تحقق نية الزوج الطلاق بها وإلا لم يقع شيء؛ لأن العصمة ثابتة محققة فلا تزال إلا بيقين وجعل "دستور" كناية له وجه فإنها تستعمل عرفا في الإذن في المفارقة فإذا استعملها كناية في الطلاق فقد استعملها فيما يناسب معناها المشتهرة فيه عرفا فلم يبعد جعلها كناية.
"وسئل" عن حكم حل الدور بالصيغة التي نقلها السبكي والإسنوي والأذرعي وغيرهم

 

ج / 4 ص -102-        عن ابن دقيق العيد مع التنظير فيها وهي كلما لم يقع عليك طلاقي فأنت طالق قبله ثلاثا والدميري يقول هي إن لم يقع عليك طلاقي فأنت طالق فهل الصيغتان سواء وقول الأزرق فإن قيل ما المخلص إذا قلتم بصحة الدور قلنا المخلص أن يقول للزوجة طلقي نفسك فتطلق نفسها؛ لأنه تمليك على الأصح لكن حكي عن ابن أبي الصيف أنه لا مخلص له منه إلا بسبب يوجب الفسخ كالإعسار ونحوه اهـ. فعبارة ابن أبي الصيف حاصرة والأزرق من الواقفين على مصنفات السبكي والإسنوي وكثيرا ما ينقل عنهم من غير تعرض منه لما نقل عن ابن دقيق العيد ولا لما أظهراه من النظر مع نقله لعبارة ابن أبي الصيف الحاصرة فهل ذلك يدل على أنه لم يرفض ما نقل عن ابن دقيق العيد؟ "فأجاب" بقوله الذي نقلوه عن ابن دقيق العيد نقلا عن بعضهم إنه إذا عكس التعليق فقال: كلما تلفظت بطلاقك فأنت طالق قبله ثلاثا فإذا طلقها انحل الدور ووقع الطلاق قال؛ لأن الطلاق القبلي قد صار والحالة هذه معلقا على النقيضين وهما الوقوع وعدم الوقوع وكلما كان لازما للنقيضين فهو واقع لاستحالة خلو الواقع عن أحدهما قال وقريب منه في الوكالة كلما عزلتك فأنت وكيلي فيعاد العزل بأن يقول كلما عدت وكيلي فأنت معزول فيقول عزلتك اهـ. وأما تنظير الإسنوي بأن الطلاق إنما يقع على تقدير صحة التعليق المتأخر ولقائل أن يمنع صحته لكونه غير قادر على التنجيز الذي هو فرعه فمردود بأنه منقوض بصور يصح فيها التعليق دون التنجيز منها الراهن إذا أعسر يصح تعليقه عتق المرهون بصفة فإذا وجدت بعد انفكاك الرهن نفذ العتق على الصحيح ولا يصح تنجيزه ومنها العبد يصح تعليقه الطلقة الثالثة على عتقه ولا يصح تنجيزها وله فيه نظر ثان وهو سلمنا صحة التعليق الثاني لكن التعليق الأول لا يترتب عليه شيء؛ لأن التفريع على صحة الدور واستحالة وقوع المعلق فيه وحينئذ فلا يصير الطلاق واقعا على كل من التقديرين قال: واعلم أن المدرك في الطلاق على تقدير صحة التعليق إنما هو وقوعه على تقدير كل من النقيضين وبهذا يحصل المقصود وهو الطلاق بلا لفظ آخر على هذا التقدير والمدرك في الوكالة إنما تعارض التعليقين؛ لأن كل تعليق مطلوبه خلاف مطلوب الآخر بخلاف الطلاق فلما تعارضا اعتضد العزل بالأصل إذ الأصل الحجر ولهذا لا يحصل العزل إلا بلفظ اهـ. ولم أر أحدا تعقب اعتراضه هذا وهو جدير بالتعقب؛ لأن قوله لكن التعليق الأول لا يترتب عليه شيء الخ لا يفيده في مطلوبه نفعا؛ لأن عدم ترتب شيء عليه إنما هو مع انفراده عما يعارضه وأما بعد وجود معارض له وهو التعليق الثاني فقد ترتب عليه بواسطة انضمام هذا المعارض إليه شيء وهو الوقوع لما تقرر أولا أن سبب انحلال الدور أن التعليقين لما وجدا وصحا لزم كون الطلاق القبلي معلقا على النقيضين وهما الوقوع الذي اقتضاه التعليق الثاني وعدمه الذي اقتضاه التعليق الأول ويلزم من تعلقه بالنقيضين الوقوع ضرورة استحالة خلو الواقع عن أحدهما فاندفع قول الإسنوي وحينئذ فلا يصير الطلاق واقعا على كل من التقديرين وإيضاح اندفاعه أن

 

ج / 4 ص -103-        الأول لم يدع أنه واقع على كل من التقديرين وإنما الذي ادعاه ما قررناه من كونه معلقا بالنقيضين وأن كل ما كان كذلك فهو واقع لما مر وذلك لما صدر منه التعليقان ثم قال طلقتك كان هذا معلقا بنقيضين وهما وقوع القبلي ثلاثا لو وقع هذا اللفظ وهو مفاد التعليق الأول ووقوعه ثلاثا لو لم يقع هذا اللفظ وهو مفاد التعليق الثاني فإذا صححنا كلا من التعلقين فإن قلنا بتأثير كل منهما لزم اجتماع النقيضين، أو بعدم تأثير كل منهما لزم وقوع النقيضين وكل من الاجتماع والارتفاع المذكورين محال فلزم أن أحدهما واقع ولا بد وأن الواقع هو وقوع الطلاق؛ لأن التعليق الأول لما وجد سد باب الطلاق فلما وجد التعليق الثاني مع قوله بعد طلقتك وقلنا بصحة التعليق الثاني التي سلمها الإسنوي كما مر لزم منعه لذلك السد واقتضاؤه للوقوع وإلا لزم المحال المقرر وبهذا يتبين اندفاع قوله ولهذا يحصل المقصود وهو الطلاق بلا لفظ آخر مع قوله ولهذا لا يحصل العزل إلا بلفظ بل لا بد من اللفظ في كل منهما كما تقرر واندفاع ما حاوله من الفرق بين هذا الباب وباب الوكالة على أنا وإن سلمنا الفرق بينهما لا يؤثر ذلك فيما قلناه؛ لأن الحكم في مسألتين قد يتفق مع اختلاف مدركهما فلا مانع أن يكون مدرك الوكالة غير مدرك ما هنا وإن اتفقا في الحكم وهو حل الدور السابق بالتعليق اللاحق على أن ابن دقيق العيد أشار إلى أن بينهما فرقا بقوله: وقريب منه في الوكالة إلخ فجعل بينهما تقاربا لا اتحادا وهو عين ما يدعيه الإسنوي فلا وجه لاعتراضه عليه بما أشار إليه من الفرق بين البابين واعلم أنه بحث انحلال الدور بأن يقول لها يدك طالق مثلا بناء على أن الوقوع بالسراية بالنسبة إلى الطلقة، أو المرأة المطلقة لا ينسب للمطلق وإنما هو تكميل من الشرع على تناقض فيه وقع للرافعي وإنما لم ينسد باب الطلاق عند قوله لها ذلك؛ لأن المعلق عليه وقوع طلاق عليها وفي هذا المثال لم يقع عليها وإنما وقع على بعضها اهـ. واعترضه ابن العماد بأنه كلام ساقط؛ لأنه متى انسد عليه باب الطلاق لم يتمكن من إيقاع بعضه ولا من تطليق بعض المرأة؛ لأن السراية فرع إيقاع الطلاق.
اهـ. وليس بذاك؛ لأنه لم ينسد عليه باب الطلاق إلا إذا أوقعه على كلها دون بعضها؛ لأن موجب الانسداد الدور المترتب على لفظه وهو متى، أو كلما وقع عليك طلاقي فأنت طالق قبله ثلاثا فإذا أوقعه على بعضها وقلنا بما مر لم يتناوله قوله وقع عليك وإذا لم يستلزم وقوعه وقوع الثلاث قبله لم يحصل الدور فظهر أن لما قاله الإسنوي وجها وأن الدور ينحل به كما ينحل بما مر فهاتان طريقتان لحله، وأما ما نقل عن الكمال الدميري من حله بما مر عنه ففيه نظر لما تقرر في منقول ابن دقيق العيد وإذا وقع النزاع في تلك تحقق التناقض فما بالك بهذه التي لا تناقض فيها بوجه فالوجه أنه لا يحصل بها انحلال وأما ما نقل عن الأزرق فإنما يتضح إن كانت صيغة تعليقه كلما، أو متى طلقتك وحينئذ فلا خصوصية لما ذكره؛ لأنه حيث علق بذلك لم ينسد عليه باب الطلاق حتى يحتاج لحله وإنما ينسد الباب إذا عبر بقوله كلما، أو متى وقع عليك طلاقي وهذه لا ينحل الدور فيها بما قاله

 

ج / 4 ص -104-        الأزرق كما هو ظاهر؛ لأن قوله لها طلقي نفسك وإن كان تمليكا للطلاق يسمى وقوعا له وإن لم يسم إيقاعا وحصر ابن أبي الصيف قد بان اندفاعه بما قدمناه أن له طريقين طريق ابن دقيق العيد وطريق الإسنوي، والله سبحانه وتعالى أعلم.
"سئل" عما لو قال علي في زوجتي بالطلاق الثلاث إلا بإسكان النون أو تشديدها بفتح أو كسر بدك من مسايرتي الحق فسار إلى الحق بعد مدة لكن لم يتسايرا معا في الطريق ما حكمه؟ وعما لو قال علي في امرأتي بالطلاق الثلاث إلا لم تعطني الحق هل هو تعليق للطلاق بنفي الإعطاء حتى لو أعطاه الحق لا تطلق امرأته أو لا؟ "فأجاب" بقوله: الجواب عن ذلك يحتاج إلى مقدمة في الكلام على صيغة علي في زوجتي بالطلاق هل هو صريح، أو كناية، أو لغو وللنظر في ذلك مجال منشؤه قولهم لو قال بالطلاق لأفعلن كذا كان لغوا؛ لأن الباء من حروف القسم والطلاق لا يقسم به لكنها هنا محتملة لذلك، والمعنى حينئذ بالطلاق الثلاث علي في زوجتي لأفعلن كذا ونحو ذلك ويحتمل أن تكون الباء زائدةأي علي في زوجتي الطلاق والاحتمال الأول يقتضي أنه لغو والاحتمال الثاني يقتضي أنه صريح، وإذا تردد لفظ كذلك رجع إلى نية الحالف فإن نوى بالباء القسم كان لغوا، أو كونها زائدة كان صريحا وإن لم ينو شيئا أو مات ولم تعلم نيته فهذا هو محل التردد وأصل بقاء العصمة يرجح النظر إلى عدم تأثيره إذا تقرر ذلك فحيث انعقدت يمينه نظر في لفظ المحلوف عليه وهو أن بدك من مسايرتي الحق وقواعد اللغة قاضية على هذا اللفظ باحتمالات متعددة فإن كان الحالف يفرق بين فتح إن وكسرها مع تخفيفها، أو تشديدها عومل بقضية فرقه وأدير عليه حكم ما تلفظ به منها وإن كان عاميا لا يفرق بين تلك المحتملات رجعنا إلى نيته فإن قال نيتي أنه لا بد أن يسير معي، أو وحده على الفور، أو التراخي إلى القاضي، أو غيره ممن يخلص لي حقي الذي عليه أخذناه بما نوى من هذه المحتملات؛ لأن اللفظ محتمل لجميعها وإن لم يكن على السواء وإن لم ينو شيئا فإن اطرد عرفهم باستعمال هذا اللفظ في معنى محتمل له حمل عليه.
وإنما لم نقل في علي في زوجتي بالثلاث بالرجوع إلى العرف؛ لأن العرف لا مدخل له في الصرائح وإنما غايته أنهم إذا تعارفوا لفظا طلاقا وكان محتملا له يكون كناية وإن لم يطرد عرفهم في ذلك اللفظ بشيء فإن نطق بإن مكسورة مخففة كان ظاهر كلامه أنها نافية وأن المعنى لا بد لكأي لا غنى لك عن أن تسايرني الحق فيحمل كلامه على ذلك فإن سايره الحق بأن ذهب هو وإياه ولو مترتبين إلى من يحكم بينهما بالحق ولو بعد مدة من الحلف لم يحنث وإلا حنث باليأس بموت، أو نحوه وإنما لم تشترط المعية؛ لأن المسايرة إلى الحق تصدق باجتماعهما عند من يحكم به فليس في لفظه ما هو نص في المعية عند السير ولا ما هو نص في فورية المسايرة فحملناه على ما تقرر من اجتماعهما عند حاكم أو محكم يحكم بينهما بالحق.
وإن شدد إن مع كسرها كان ظاهر كلامه الحلف على إثبات غناه عن مسايرته إلى الحق فإن كان

 

ج / 4 ص -105-        كذلك لم يحنث وإلا حنث وإن فتحها مخففة كان نظير ما قالوه في أنت طالق أن دخلت الدار بفتح أن مخففة ففي النحو يقع حالا؛ لأنها للتعليل وفي غيره يكون بمعنى إن المكسورة المخففة؛ لأن العامي لا يفرق بينهما فيأتي هنا ما مر في المكسورة المخففة وإن فتحها مشددة كان معناه قريبا مما مر في معنى المكسورة المشددة فيأتي فيها في تلك هذا كله حيث لا نية ولا عرف كما تقرر.
"وسئل" عن مسألة وقع فيها جوابان مختلفان صورتها إذا قلنا بتصحيح الدور فطلق رجل زوجته ثلاثا ثم ادعى أنه كان علق عليها مسألة الدور قبل الطلاق يريد دفع الطلاق الثلاث بذلك وصدقته المرأة على ذلك فهل يقبل قوله في دعواه مسألة الدور أم لا فيقع عليه الطلاق الثلاث "أجاب الأول" فقال: نقل الشيخ النهاري اليمني في كفايته عن الإمام ابن الصلاح أنه إذا أقر بعدم الإلغاء ثم طلقها ثم ادعى الإلقاء قبل الطلاق لم يقبل قوله ولا تسمع بينته نعم إن قامت حسبة قبلت، وكذا إن أقامتها المرأة، أو صدقته على الإلغاء قبل قال: وفي الروضة ما يفهمه اهـ. وظاهره أنه إذا لم يقر بعدم الإلغاء وطلقها ثلاثا ثم ادعاه أنه يقبل قوله "وأجاب الثاني" فقال: لا يقبل قوله ولا تسمع بينته ويقع عليه الطلاق الثلاث ولو صدقته المرأة لأمرين: أحدهما أن الإمام ابن عبد السلام ذكر في كتابه المسمى بالغاية أن الزوج إذا ادعى ما لا يقبل في الحكم ويدين فيه فصدقته المرأة فيما ادعاه لم يرتفع الطلاق بذلك إذ لا أثر لمصادفتها على ما يتعلق بحق الله سبحانه وتعالى قال الإمام الأزرق وبنحوه أجاب الفقيه الحلي وغيره فيمن ادعى تعليق الدور والله سبحانه وتعالى أعلم اهـ. الأمر الثاني للمسألة المسئول عنها نظائر قالوا فيها بعدم قبول قول المطلق فيما ادعاه، منها أن الأئمة نقلوا عن الإمام الخوارزمي رحمه الله تعالى من غير مخالفة له أن الزوج إذا طلق زوجته ثلاثا ثم ادعى فساد النكاح بسبب من الأسباب وصادقته الزوجة على دعواه لم يقبل قولهما ولا تسمع بينتهما ولا يجوز أن يوقعا نكاحا جديدا إلا بمحلل لكونهما متهمين في حق الله تعالى وذكره أيضا الشيخ القفال ونقله في الأنوار عن البغوي والقاضي حسين وغيرهما وصححه الشيخ تقي الدين السبكي قال الإمام ابن عطيف اليمني: وإذا سمع القاضي الشافعي قول الزوجين وبينتهما على فساد النكاح بعد الطلاق الثلاث وحكم بمقتضى ذلك على خلاف ما سبق من المنقول فحكمه باطل ظاهرا وباطنا كما قاله أقضى القضاة الماوردي قال فحينئذ لا يخفى أن للقاضي الشافعي نقضه بل يجب عليه ذلك اهـ. قال الإمام الأذرعي وما ذكره الإمام الخوارزمي من عدم سماع البينة هو جار على طريقة البغوي في باب المرابحة وغيره قال الإمام ابن الرفعة في المطلب: والمشهور المنصوص أنها لا تسمع وعبارة غيره: أطلق الشافعي والأصحاب عدم السماع، ولم يفرقوا بين العذر وعدمه ويدل على أن الأكثرين لا يفرقون بين العذر وغيره وأنهم ردوا على أبي إسحاق حيث فرقوا في التحليف وألزموه بالبينة قال أعنى الأذرعي وفيه ما يشعر بالاتفاق

 

ج / 4 ص -106-        على عدم سماعها مطلقا فعلم من هذا أن ما ذكره الخوارزمي هو المذهب المعتمد للتهمة في حق الله سبحانه وتعالى كمسألتنا المسئول عنها قال الإمام ابن العماد في توقيف الحكام: ونظير ما قاله الخوارزمي المرأة إذا خالعت الزوج ثم ادعت أنها زوجت بغير رضاها لم يسمع
قولها كما قاله البغوي وسبقه إلى ذلك أيضا القاضي الحسين في الفتاوى وقولهم إن الطلاق لا يقع في النكاح الفاسد لا يخالف ما ذكره الخوارزمي وصورته أن يطلقها ثلاثا في الباطن أما لو ظهر أنه طلقها ثلاثا فحينئذ يجب التفريق بينهما حتى تنكح زوجا غيره ومنها ما ذكره الإمام الدبيلي في أدب القضاء أنه لو حلف بالطلاق الثلاث أنه لا يكلم فلانا في هذا اليوم ثم قال إن نكاحي كان فاسدا وأريد أن أكلمه في هذا اليوم ثم أعقد نكاحا صحيحا فكلمه لم يقبل قوله في فساد نكاحه وذكر الطبري نحوه ثم ذكر الأذرعي نحو ذلك في الدعاوى من شرح المنهاج ومنها أن الجمال بن ظهيرة ذكر في فتاويه أن من تزوج امرأة وطالت مدته معها ثم طلقها ثم ادعى فساد النكاح لم يسمع منه وذكر الغزالي في فتاويه نحو ذلك ومنها ما ذكره ابن الصلاح من أنه لو طلق امرأته ثلاثا ثم ادعى أني لم أكن نكحتها قبل الطلاق المذكور لم يقبل قوله ومنها ما قاله في الروضة من أنه لو قال أنت بائن ثم قال بعد مدة أنت طالق ثلاثا وقال أردت بالبائن الطلاق لم يقع الثلاث لمصادفتها البينونة لم يقبل منه لأنه متهم ومنها أن الشيخ ابن ناصر سئل عن رجل طلق زوجته ثلاثا بعد أن وضعت حملها ثم ادعى أني كنت طلقتها طلقة أو طلقتين قبل أن تضع فانقضت العدة بالوضع قبل أن يراجعها فهل تعود إليه قبل الزوج أم لا تعود إليه إلا بعد زوج آخر؟ "فأجاب" فقال: الأصل عدم وقوع الطلاق قبل الوضع فتبين بعده فلا تعود إليه إلا بعد زوج وعدتين والله سبحانه وتعالى أعلم ومنها ما سئل عنه قاضي مكة المشرفة بل قاضي القضاة جمال الدين محمد بن عبد الله بن ظهيرة رحمه الله تعالى أن رجلا طلق امرأته ثلاثا ثم ادعى أنه كان خالعها قبل ذلك وأراد رفع الثلاث بالخلع ووافقته الزوجة على ذلك فهل يقبل دعواهما الخلع ولا يقع الطلاق الثلاث أم لا تقبل دعواهما ويقع الطلاق؟ "فأجاب" فقال نقل في الروضة في أواخر الطلاق تبعا للرافعي عن فتاوى البغوي أنه لو طلقها ثلاثا ثم قال كنت حرمتها على نفسي قبل هذا فلم يقع الطلاق لم يقبل قوله والله سبحانه وتعالى أعلم. ومنها رأيت في فتاوى منسوبة إلى القاضي إبراهيم أن رجلا حلف بالطلاق الثلاث ما آكل هذا الزاد المعين ثم أكله قبل أن يقوم من مقامه ثم قال أنا ملقي بمسألة الدور فهل يقع عليه الطلاق المنجز؟ فأجاب رضي الله تعالى عنه فقال: نعم يقع عليه الطلاق المنجز على ما صححه الرافعي والنووي والله سبحانه وتعالى أعلم وأفتى بذلك أيضا ولد ولده القاضي صلاح الدين بن أبي السعود حتى قال وأما عدم الوقوع أصلا فغير معتمد وإن رجحه كثيرون وانتصر له جمع والله سبحانه وتعالى أعلم قال الشيخ ابن ناصر الدين في فتاويه: والمفتى به في مذهب الشافعي رضي الله تعالى عنه أن مسألة الدور غير معتمد عليها

 

ج / 4 ص -107-        والمرجح عند الشيخين وقوع الطلاق المنجز وهو موافق لما سبق عن القاضي إبراهيم وولد ولده من وقوع الطلاق المنجز. ومنها أن الشيخ نور الدين الشريف السمهودي رحمه الله تعالى سئل عن رجل طلق زوجته ثلاثا ثم قال كنت وكلت فلانا بطلاقها أو كنت عزلتها عن فلان أو وليتها فلانا قبل هذا فلم يقع الثلاث فهل يقبل قوله أم لا؟ فأجاب فقال: ذكر في العزيز مما يتعلق بهذه المسألة نقلا عن فتاوى البغوي أنه لو طلقها ثلاثا ثم قال كنت حرمتها على نفسي قبل هذا فلم يقع الثلاث لم يقبل قوله وهو شامل لدعوى سبق التحريم بواسطة وكيله فيه بخلع ونحوه ما في فتاوي القاضي الحسين أنه لو طلقها ثلاثا ثم ادعى أن وليها كان قد وكل بتزويجها منه بألف وخمسمائة ولم يزوجها الوكيل إلا بألف فالعقد لم ينعقد فالطلاق لم يقع وصدقته المرأة لم يقبل قوله ولو أقام بينة لم تسمع وحكم بوقوع الطلاق الثلاث قال في الخادم: وهذا تفريع على إبطال النكاح بالمخالفة في أصل الصداق ولا يختص ما ذكر بهذه الصورة أيضا بل يطرد في كل صورة ادعيا فيها الفساد قبل الطلاق والله سبحانه وتعالى أعلم.
اهـ. جوابه ومنها سئل بعض المتأخرين عن رجل طلق بالثلاث ما يكون هذا الأمر ثم كان فقيل له حنث ثم قال أنا ملغي بمسألة الدور على محضر الفقيه فلان فهل يقبل قول الزوج أنه ملغي أم لا يقبل؟ فأجاب فقال: من أصحابنا من يعمل بمسألة ابن سريج ومنهم من لم يعمل بها والمختار الاحتياط، والله سبحانه وتعالى أعلم. إذ لو فتح هذا الباب لادعى كل مطلق ثلاثا أراد رفع العار عنه بتحليل زوجته ثم تجديد نكاحها أن يدعي ذلك فيظهر الفساد بذلك لا سيما أن الشيخين رضي الله عنهما ذكرا أن الروياني قال بعد اختياره تصحيح الدور لا وجه لتعليم العوام هذه المسألة لفساد الزمان بل عبارة الشيخ ناصر لا يحل تعليمها للعامي الذي لا يشتغل بالعلم ثم قال ابن عبد السلام: لا يجوز التقليد في تصحيح الدور وعدم وقوع الطلاق وهو يؤيد ما سبق عن القاضي صلاح الدين بن ظهيرة من أن عدم الوقوع أصلا غير معتمد قال الشيخ ابن ناصر في بعض أجوبته - وهو المفتى به في مذهب الشافعي رحمه الله تعالى والمرجح عند الشيخين: وقوع الطلاق المنجز والله سبحانه وتعالى أعلم فظهر لنا من جميع ما ذكرنا عدم قبول الزوج في دعواه تعليق الدور قبل الطلاق ويؤيده أيضا قولهم لو باع دارا ثم قال كنت وقفتها أو باع عبدا ثم قال كنت أعتقته لا يلتفت إلى قوله فهل الجواب الأول الصحيح المعتمد أو الجواب الثاني ونقل ما ذكر من النظائر نظير للمسألة المسئول عنها أو لا أوضحوا لنا القول في ذلك بجواب شاف يحصل به المقصود فالحاجة داعية إليها بل هي مما تعم به البلوى في بلادنا لكثرة طلاقهم، ثم ادعائهم بعد الطلاق تعليق مسألة الدور قبل الطلاق فظهر الفساد في البلدان بادعائهم ذلك، فالاحتياط سد هذا الباب عنهم لئلا يتخذ ذلك ذريعة والله سبحانه وتعالى أعلم؟ فأجاب عفا الله تعالى عنه بقوله: أما المسألة السريجية فقد بلغني فيها عن أهل بجيلة وغيرهم قبائح عظيمة الفحش تدل على استهتارهم بالدين وانحرافهم عن

 

ج / 4 ص -108-        سنن الصالحين فلذلك صنفت في بطلانها وفسق من يعمل بها مصنفا حافلا يتعين عليكم مراجعته وزجر أهل بلادكم به عما هم عليه من القبائح، ولقد أخذه بعض أبناء الفقراء إلى وادي محسر، أو بعض تلك الأودية وحصل لكثيرين منهم الهداية واجتناب نسائهم، وبعضهم تحللت له زوجته، وبعضهم أعرض عنها وتزوجت غيره، وقد أطلت في ذلك المصنف وبينت الرد فيه على رجل زهداني ادعى أنه أخذ ذلك عن شيخ له زهداني أيضا، وبينت أيضا أن في كلام ذلك الرجل ما يقتضي الكفر والعياذ بالله سبحانه وتعالى وبينت في ذلك الكتاب أيضا أن أكثر الشافعية على وقوع الطلاق وإنما اختلفوا في كيفية الوقوع خلاف ما اشتهر ووقع في كلام كثيرين أن الأكثرين على عدم الوقوع وبينت فيه أيضا أن التقليد في هذه المسألة فسوق وأن من حكم فيها بعدم الوقوع ينقض حكمه فإذا تقرر ذلك فمن طلق ثلاثا ثم ادعى أنه كان ملغيا لا يقبل قوله ولا يعول على ما ادعاه؛ لأنا وإن تحققنا إلغاءه نحكم عليه بالطلاق الثلاث وكذا لا يقبل قوله على القول الضعيف أيضا وأما ما قاله المجيب الأول من قبوله إذا أقامت المرأة البينة، أو صدقته فغير صحيح أيضا بل الصواب أنه لا يقبل كما ذكره الأئمة ولقد أصاب المجيب الثاني فيما ذكره فهو المنقول المعتمد الذي لا محيد عنه، والله سبحانه وتعالى أعلم.
"سئل" عمن قال لولده إلا قلت في بيتي تكن أمك طالقا فقال بعض اليوم فهل يحنث وهل يشترط أن يقيل أكثر اليوم وما المراد بالقيلولة؟ "فأجاب" قال النووي في شرح المهذب ما لفظه عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
"استعينوا بطعام السحر على صيام النهار وبالقيلولة على قيام الليل" رواه ابن ماجه بإسناد ضعيف القيلولة في اللغة النوم نصف النهار وقد سبق أن أحاديث الفضائل يعمل فيها بالضعيف اهـ. لفظ شرح المهذب وبه علم أن القيلولة هي النوم نصف النهار، والمراد كما هو ظاهر نصفه تقريبا لا تحديدا وهو قبيل الظهر فمتى نام الولد في بيت أبيه قبيل الظهر في يوم الحلف، أو غيره حنث وإلا فلا نعم إن نوى بالقيلولة وقتا آخر أدير الأمر عليه.
"وسئل" عن شخص قال لزوجته روحي أي اذهبي طالقا بالنصب فهل يقع الطلاق أو لا؟ فإن علماء مصر اختلفوا في ذلك فقال بعضهم لا يقع واستند لفرع في الروضة وبعضهم قال: يقع وأول الفرع المذكور، وبعضهم مال إلى تضعيف الفرع؛ لأن القاضي أبا الطيب في تعليقه نقل عن نص الشافعي خلافه، وبعضهم توقف فما المعتمد في ذلك؟ "فأجاب" بقوله من المعلوم أن روحي كناية طلاق كاذهبي فإن نواه به جاءت الأوجه الثلاثة فيه الآتية في أنت طالق طالقا؛ لأنه لما نوى بروحي الطلاق كان بمعنى أنت طالق فلزم أن يجري فيه حكمه الآتي وهو على المعتمد عند الشيخين وغيرهما عدم الوقوع حالا بأن طلقها غير بائن وقعت طلقة ثانية وإلا لم يقع شيء فإن لم ينوه به لم يقع بطلاقه شيء

 

ج / 4 ص -109-        لأمور منها أنه إذا لم ينو بروحي طلاقا يصير لغوا وإذا صار لغوا صار قوله طالقا متجردا عما يصيره معتدا به فلا يقع به شيء نظير قول القاضي الحسين إنما لم يقع شيء بنساء العالمين طوالق وأنت يا زوجتي، وإن قال ألف مرة: وأنت يا زوجتي؛ لأن ما قبله لغو فيصير وأنت يا زوجتي وحده وهو بمجرده لا يقع به شيء نظير قولهم لو قال: طلقت، أو طالق ولم يزد عليه لم يقع به شيء وإن نوى امرأته في الأول وأنت في الثاني؛ لأنه لم يجر للمرأة ذكر ولا دلالة فهو كما لو قال امرأتي ونوى الطلاق بخلاف ما لو قيل له طلقها فقال: طلقت فإنها تطلق ولا يقبل قوله لم أردها؛ لأنها مذكورة ضمنا واستشكله العجلي بما لو قال الطلاق لازم لي فإنه صريح على الأصح مع أنه لم يجر للمرأة ذكر ويجاب بأنه خلف ذكرها فيه اشتهار استعماله في الطلاق كعلي الطلاق، وأما روحي طالقا فإنه فقد فيه المعنيان ذكرها والاشتهار فلم يقع به شيء ونظير قول القاضي أيضا لو قال رجل لآخر سرقت مالي فأنكر فقال إلا كنت سرقته فامرأتك طالق سواء أزاد والنية نيتي أم لا فقال طالق ولم ينو به شيئا لم يقع به الطلاق؛ لأن لفظ الطلاق وحده لا يقع به الطلاق ما لم يقل امرأتي ولأن الغير لا يقوم مقام الغير في النية؛ ولأنه إجازة للطلاق وليس بإيقاع له فتأمله لا سيما تعليله الأول فإنه نص في عدم الوقوع في صورتنا فإن قلت أي فرق بين هذا وما مر في طلقها فقال طلقت قلت يفرق بأن ذكرها هنا وقع في حيز الشرط فلم يكن فيه طلب لطلاقها حتى ينزل الجواب عليه بخلاف طلقها، نعم ذكرها وإن لم يفد ذلك يفيد تأثير نية الطلاق به بخلاف طلقت، أو طالق فإنه لا تؤثر النية فيه؛ لأنها لم تذكر أصلا ومنها أن الإسنوي قيد قول الشيخين في قوله أنت طالق طالق طالق يقع به ثلاث ما لم يقصد به التأكيد بما إذا رفع بخلاف ما إذا سكن أخذا من قولهما عن العبادي لو قال أنت طالق طالقا لم يقع في الحال شيء بل إذا طلقها وقع طلقتان فإذا تقرر أن المنصوب لا يقع به إلا واحدة أي بأنت طالق لا بطالقا كما لا يعلم مما يأتي في كلام الشيخين وجب حمل الساكن عليه لاحتمال أن يكون عن نصب وأن يكون عن رفع فنأخذ باليقين واعلم أنه لا فرق فيما ذكره الرافعي عن العبادي بين أن يكون المنصوب هو الأول، أو الثاني نعم إن نصبهما معا، أو جرهما، أو جر أحدهما مع نصب الآخر، أو رفعه فالقياس في الجميع إلحاقه بالساكن أيضا فتأمله اهـ. ويحث في التوسط بعد ذكره ذلك أنه ينبغي استفسار الجاهل بالعربية ويعمل بتفسيرهأي فإن تعذرت مراجعته فالوجه ما قاله الإسنوي وإذا تأملت ما ذكره في أنت طالقا طالقا بنصبهما، أو طالق طالقا وعكسه بالجر مع النصب، أو طالق طالق بجر أحدهما ورفع الآخر من أنه لا يقع به إلا واحدةأي خبر أنت وإن أخطأ بنصبه، أو جره ولا يقع بالمنصوب، أو المجرور الذي ليس بخبر شيء، علمت اتضاح ما ذكرته أن طالقا بمجرده لا يقتضي وقوع شيء مطلقا وتأمل قوله فإذا تقرر أن المنصوب لا يقع به إلا واحدةأي بأنت طالق منه لا بطلاقه كما مر تعلم صحة ما ذكرته من أنه لا يقع به في مسألتنا شيء أصلا ومنها: قول التهذيب لو قال أنت طالق

 

ج / 4 ص -110-        طالقا فإن أراد طلقتين وقعتا وإن أراد التأكيد ونصب على الحال قبل منه وتقع واحدة.
وإن أراد التعليق قبل ولا يقع الطلاق حتى يطلقها اهـ. فإذا كان طالقا المنصوب هنا محتملا لما ذكر مع كونه وقع بعد صيغة صحيحة هي أنت طالق فأولى أن يكون محتملا في روحي طالقا بل لا يقع به فيها شيء مطلقا لما تقرر من الفرق أنه في أنت طالق طالقا وقع تابعا لصيغة صحيحة فاحتمل الإيقاع ثانيا والتأكيد والتعليق فعمل بإرادته في ذلك، وأما في روحي طالقا فوقع مستقلا وهو لا يصلح وحده للاستقلال فلم يقع به شيء فإن قلت لم يذكر البغوي على طريقته حكم ما إذا أطلق قلت قياس ما مر عن الإسنوي في السكون أنه لا يقع به شيء هنا؛ لأنه احتمل الوقوع وعدمه فحكمنا بعدمه لأصل بقاء العصمة، وأما ما يأتي عن القاضي أبي الطيب وصاحب الذخائر من أنه مع الإطلاق يقع طلقتان فهو على طريقة نص الأم وهو وجه مغاير لهذا الوجه كما يأتي ثم رأيت القاضي حسينا حكى وجهاأي ضعيفا بالمرة أن أنت طالق طالقا لا يقع به طلاق أصلا؛ لأن قوله طالقا ينصب على الحال وتقديره أنت طالق حالة ما تكونين طالقا والمرأة لا تكون قط طالقا إنما تكون مطلقة والرجل هو الطالق وهذه الصفة لا توجد فلا يقع الطلاق اهـ. وعلى هذا فما ذكرته في روحي طالقا واضح لا غبار فيه ومنها قول الشيخين وغيرهما عن أبي عاصم العبادي واعتمدوه لو قال: أنت طالق طالقا لم يقع شيء حتى يطلقها فإذا طلقها طلقت طلقتين والتقدير إذا صرت مطلقة فأنت طالق هذا إن لم تبن بالطلقة المنجزة وإلا لم يقع غيرها ما لم يرد إيقاع طلقة مع المنجزة كما قاله الإسنوي وغيره فإن أراد ذلك وقع ثنتان وصار كما لو قال أنت طالق مع تطليقي إياك قالا ولو قال أنت طالق إن دخلت الدار طالقا فإن طلقها رجعيا فدخلت وقعت المعلقة وإن دخلت غير طالق لم تقع المعلقة اهـ. وبتأمله يعلم أن طالقا لم يقع بالتلفظ به شيء أصلا فاتضح أن طالقا غير مقتض لوقوع شيء بلفظه لا عند التكلم ولا بعده وإذا لم يقع به شيء هنا مع كونه واقعا بعد صيغة طلاق صريحة فأولى في روحي طالقا؛ لأنه لم يقع بعد صيغة طلاق صريحة بل كناية ولم ينوه بها كما هو الغرض.
ومر أنه لا يقع به شيء وإن نوى به الطلاق مع الفرق بينه وبين نحو ما بحثه الإسنوي وغيره فيما إذا أراد إيقاع طلقة مع المنجزة وذلك الفرق أنه هنا وقع عقب صيغة صحيحة صريحة فصحت نية إيقاع طلقة به مصاحبة للطلقة الواقعة بتلك الصيغة، وأما في روحي طالقا فوقع مستقلا وهو مستقل لا يصح إيقاع شيء به أصلا فإن قلت كيف اعتمد الشيخان وغيرهما ما تقرر عن العبادي مع نقل الأئمة كما في التوسط عن نص الأم خلافه، ولفظهم: قال في الأم إذا قال أنت طالق طالقا وقع طلقة. وسئل عن مراده بقوله طالقا فإن قال أردت به الحال طلقت ثانية؛ لأن الحال في معنى الصفة فكأنه قال أنت طالق بعد تقدم طلقة عليك وإن قال أردت به طلقة أخرى وقعت ثانية أيضا كقوله أنت طالق أنت طالق وإن قال أردت به التأكيد وإفهام الأولى قبل منه قال وحلفته وإنما قلنا يقبل؛ لأنه يحتمل ما قاله، وتحليفه، لأن ظاهر

 

ج / 4 ص -111-        اللفظ خلافه قال في التوسط بعد ذكره ذلك قال صاحب الذخائر وقوله حلفته يدل على أنه إذا أطلق يقع طلقتان؛ لأنه يحلفه على إرادته واحدة فلولا أن مطلقه يقتضي طلقتين لم يكن لتحليفه وجه هذا لفظه وقد يكون تحليفه لجواز أن يكون أراد ما يقتضي وقوع طلقتين لا أن الإطلاق يقتضي وقوعهما وظاهر النص أن القاضي يحلفه على ذلك حسبة من غير طلب اهـ. كلام التوسط وتبعه في الخادم فقال ما حاصله قولهما؛ لأن التقدير إذا صرت مطلقة فأنت طالق فيه نظر؛ لأن طالقا حال والحال تقتضي المقارنة ويصير كما لو قال أحد الشريكين إن أعتقت نصفك فنصيبي حر حال عتقك فإنه يعتق عليهما وحكاية هذا الفرع عن بعض الأصحاب مع أنه من مناصيص الشافعي رضي الله تعالى عنه عجيب فإن الشافعي قد نص على خلافه قال القاضي أبو الطيب في تعليقه قال في الأم إذا قال أنت طالق طالقا طلقت أخرى قال القاضي وهذا صحيح؛ لأنه جعل الحال صفة يقع الطلاق بوجودها والحال وقوع الطلاق بها فإذا وجدت الصفة وقعت أخرى قال: يعني الشافعي وإن قال أردت بقولي طالقا طلقة أخرى طلقت طلقتين طلقة بقوله أنت طالق وطلقة أخرى بما نواه فإن قال أردت بالثانية أنها الأولى تأكيدا لها حلفته قال القاضي: وهذا من قوله يدل على أنه إذا أطلق فقال: أنت طالق طالقا ولا نية له أنه يقع بها طلقتان طلقة بالمباشرة وأخرى بالصفة.
اهـ. وعلى هذا التفصيل جرى جمع من العراقيين ومن المراوزة كالإمام وغيره وظهر منه الرد على العبادي في موضعين أحدهما عند إرادة الحال والثاني عند الإطلاق ثم ساق كلاما بين به أن في المسألة ثلاثة أوجه قلت قد تقدم أن الشيخين لا يتقيدان بنص الأم ولا بغيره بل بما اتضح مدركه وإن خالف النص؛ لأنه كما بينته بشواهده في شرح خطبة العباب بل وفي الفتاوى بأبسط من ذلك لما قدمنا طيبة المشرفة سنة خمسين فرفع فضلاؤها سؤالا فيه طلب وجه العدول عن اعتراضات المتأخرين عليهما بالنص وكلام الأكثرين ومع ذلك لا يسمع لهم لا يخلو من أن يكون مأخوذا من نص له آخر، أو قاعدة من قواعده فكان له في المسألة قولان رجحا منهما ما اتضح مدركه وهنا كذلك، إذ في المسألة ثلاثة أوجه كما علم مما قدمته في التهذيب المصرح بأنه إذا أراد الحال لا يقع إلا واحدة وعن الوجه الذي حكاه القاضي. وعن العبادي رجح الشيخان منها كلام العبادي لظهوره وجريانه على القواعد إذ الأصل في الحال أن تكون مقيدة لعاملها فإذا راعينا هذا الأصل تعين ما ذكره العبادي ولا ينافي هذا كونها في معنى الصفة الذي قاله القاضي؛ لأن الصفة قيد في المعنى أيضا فلا يلزم من كونها في معنى الصفة أن يكون التقدير أنت طالق بعد تقدم طلقة عليك على أن هذا التقدير لا يقتضي إنشاء إيقاع طلقة بل الإخبار بوقوعها فليجر فيه بفرض اعتماده ما قالوه في نحو أنت طالق أمس أنه يقبل منه إن أراد الإخبار بأنه طلقها أمس في هذا العقد، وكذا لو أراد أنه طلقها في عقد آخر وأن زوجا آخر قبله طلقها إن عرف ذلك وكذا إن لم يعرف على ما في الروضة. وأما قول الزركشي اعتراضا على كلام الشيخين إن الحال تقتضي

 

ج / 4 ص -112-        المقارنة فعجيب لأن اقتضاءها المقارنة يؤيد ما قالاه لا أنه يرده لأنه إذا اقتضاها مع كونه قيدا كما تقرر اقتضى أنه لا يقع شيء حالا كما قالاه بل إن طلق وقوله ويصير الخ، أعجب وليس هذا نظيرا لمسألتنا بوجه كما هو واضح بأدنى تأمل؛ لأنه علق حرية نصيبه على عتق شريكه بأداة الشرط وجعل وقوعها مقارنا له بقوله: حال عتقك وأما هنا فعلق الطلاق على وجود اتصافها بكونها طالقا فعملوا في كل بما دل عليه لفظه فيه وقوله وحكاية هذا الفرع عن بعض الأصحاب الخ جوابه أنه ليس بعجيب لما تقرر أن الشيخين قد يعدلان عن نص لمقتضى نص آخر هذا واعتراض الأذرعي صاحب الذخائر الذي ذكر في الخادم أن أبا الطيب سبقه إليه في أخذه من النص أنه إذا طلق يقع طلقتان أي حالا واضح مما قررته بل الوجه في حالة الإطلاق وإرادة الحال ما قاله العبادي خلافا لما مر عن الخادم فتأمله والحاصل أنه في روحي طالقا إذا لم يرد بروحي طلاقا لا يقع بطالق شيء مطلقا على الأوجه وأنه لا يلزم من جريان تلك الأوجه في أنت طالق طالقا جريانها في روحي طالقا إذا لم ينو بروحي طلاقا لما مر غير مرة أن ثم صيغة صحيحة صريحة فاغتفر في تابعها المنزل على معناها وحكمها ما لم يغتفر في المستقل بنفسه وليس بتابع لغيره ومثله لا يقع باستقلاله شيء كما مر فتأمل ذلك كله فإنه مهم.
والله سبحانه وتعالى بفضله هو الهادي إلى سواء السبيل، وهو حسبنا ونعم الوكيل، وإليه مفزعنا في الكثير والقليل فإن قلت هل يمكن توجيه ذلك الوجه الضعيف القائل بأنه لا يقع شيء أصلا بما يفي به ويدفع قول من قال: إنه ضعيف بالمرة أي لتعليليه المطبقين على ما يرده
ويزيفه قلت: نعم نظرا إلى أن الحال مقيدة لصاحبها وأنها إذا كانت من نوع المأمور به، أو من فعل المأمور تناولها الأمر كحج مفردا، أو ادخل مكة محرما فإذا تأملت ذلك ظهر لك أن طالقا يصح أن يكون من نوع روحي لتناول الرواح بمعنى الذهاب للطلاق وغيره وأن يكون من فعل المأمور بأن يفوضه إليها فتوقعه ولم توقعه فحينئذ اتضح نظرا لهذه القاعدة أنه لا يقع به شيء وأنه لا شذوذ في هذا الوجه أصلا، والله سبحانه وتعالى أعلم.
"وسئل" عمن قال لزوجته أنت ثلاث برفع أو خفض أو سكون هل تطلق مع النية كما هو ظاهر عموم كلام المتولي وقد فرق الفقيه ابن عبسين في ذلك بين العام وغيره وكأنه فهم أن هذه الصيغة صريحة في الطلاق ولم يظهر لي إلا فساد كلامه والمسألة التي تظهر بها ليست مثلها فيما يظهر لي وفي شرح الروض لو قال لزوجته أنت الثلاث لا يكون شيئا.
"فأجاب" بقوله قد ذكرت المسألة بأطرافها في شرح الإرشاد وعبارته، أو أنت اثنان ونوى به ثلاثا فقضية ما نقله أبو زرعة عن التوشيح وقوع ثنتين وإنما التردد في وقوع الثلاث والذي يتجه بناء على اعتماده عدم وقوعها خلافا لما أفتيت به؛ لأن لفظه لا يدل عليها وينافي الوقوع من أصله ما يأتي في أنت ثلاث إلا أن يفرق بأن ثنتان يصح أن يكون معمولا لمحذوف أي أنت طالق ثنتين ويكون ذكر الألف فيه على اللغة الصحيحة المشهورة وبها

 

ج / 4 ص -113-        جاء القرآن فأثرت نية العدد حينئذ وإنما لم تؤثر نية الثلاث لمنافاة لفظه لها كما تقرر ولو نوى بأنت ثنتان واحدة وقعتا أيضا فيما يظهر لمنافاة لفظه لنيته، ويحتمل خلافه، أو أنت ثلاثا ولم ينو شيئا فلغو وإن نوى أصل الطلاق فقط فثلاث أي لأن هذا صريح في العدد وإن نوى واحدة فوجهان والذي يتجه وقوع الثلاث؛ لأن ثلاثا صريح في العدد فلا أثر لنية خلافه، أو أنت ثلاث، أو أنت الثلاث لم يقع شيء وإن نوى به الطلاق وفارقت ثلاث ثلاثا بأنها بالرفع خبر أنت وحينئذ فهو تركيب فاسد إذ لا يخبر عن أنت الموضوعة للذات بثلاث سواء عرفت أم نكرت ولا أثر لصحته بتقدير أنها صارت عين الثلاث مبالغة وادعاء؛ لأن هذا اعتبار محسن يخالفه موضوع اللفظ والحمل من كل وجه فلا يخرج عليه ولا ينافيه ما مر في أنت الطلاق لوجود المصدر ثم الذي هو أصل طالق ونحوه فأثرت نية الطلاق حينئذ؛ لأن المصدر قد يراد به اسم الفاعل ونحوه وعلى تقدير عدم إرادة ذلك ففيه أصل المادة فصحت نيتها حينئذ بخلاف ثلاث فإنه ليس فيه ذلك فلم تصح نيته به، وأما النصب فهو يقتضي حذف الخبر فيقدر بما يناسبه وهو طالق فصح اللفظ حينئذ، فإذا نوى به الطلاق وقع ما ذكره من العدد الصريح وبما ذكرته يندفع قول الأذرعي يظهر الفرق بين ثلاث والثلاث ثم ما تقرر في أنت الثلاث ينبغي أن يكون محله إذا رفعه وإلا فينبغي وقوع الطلاق الثلاث إذا نوى به الطلاق؛ لأن غير الرفع يصح معه اللفظ بتقدير أنت طالق الطلاق الثلاث، أو أنت ذات الطلاق الثلاث والسكون ظاهر، وظاهر كلامهم أنه لا فرق في جميع ما ذكر بين النحوي وغيره ويوجه بأنا إنما قدرنا ما تقرر وما يأتي رعاية لما دل عليه لفظه مع نيته وإن لم يفهم تخريجه على الصناعة النحوية لأن العامي وإن لم يفهم ذلك بطريق الصناعة إلا أنه يفهمه بالطبع فيقصده وإن لم يمكنه التعبير عنه فاندفع قول بعضهم لم يفرقوا هنا بين النحوي وغيره وللفرق اتجاه انتهت عبارة شرح الإرشاد وفيها التصريح بما يوافق ما قاله السائل نفع الله تعالى بمدده، والرد على ما قاله الفقيه ابن عبسين ولم أدر ما النظير الذي ذكره ولو ذكره السائل لوضحت الفرق بينه وبين ما نحن فيه وقد يستشهد له بقولهم: لو قال لها أنت مائة طالق وقع عليه الثلاث ولا شاهد فيه لصحة التركيب هنا إذ مدلوله أنها جمعت ما وصفت به من الطلاق وهو مائة طلقة فكان مراده أنت طالق مائة وهذا يقع به الثلاث ولا ينافي ما ذكر في أنت ثلاث، أو الثلاث من أنه لا يقع به شيء وإن نوى الطلاق، قولهم لو قال: أنت منى بواحدة ونوى الثلاث، أو بثلاث ونوى الطلاق دون الثلاث فوجهان؛ لأن هذا التركيب صحيح فأثرت فيه النية؛ لأن الجار والمجرور متعلق بالخبر المحذوف وهو وإن كان محتملا لكن لما نوى الطلاق تعين أن ذلك الخبر المحذوف هو طالق ومن ثم رجحت في شرح الإرشاد الوقوع فقلت والذي يظهر ترجيحه في الأولى وقوع واحدة فقط؛ لأن اللفظ لا يحتمل الثلاث بوجه وفي الثانية وقوع الثلاث؛ لأن لفظه صريح في العدد كناية في الطلاق فهو كأنت بائن ثلاثا فإن قلت لم يبين في شرح الإرشاد حكم الجر والسكون في أنت

 

ج / 4 ص -114-        ثلاث قلت هو معلوم مما ذكرته من الوقوع عند النية في أنت الثلاث بالجر، أو السكونأي أنت ذات طلاق ثلاث والسكون على الوقف فإن قلت يؤيد من بحث الفرق هنا بين النحوي وغيره فرقهم بينهما في أنت طالق أن دخلت الدار بفتح إن، ونحوه قلت يفرق بينهما بأن اختلاف حركة الهمزة ثم لا تعلق له بالطلاق نفيا وإثباتا وإنما يتعلق به من حيث تعجيل الوقوع في الفتح وتأخيره في الكسر فنظرنا إلى ما يتبادر من حال العامي عند نطقه بنحو هذه الصيغة وهو التعليق لبعد إرادته منها معنى التعليل ففرقنا بينه وبين النحوي وأما ما نحن فيه هنا فاختلاف حركة ثلاث، أو الثلاث فيه له تعلق بالطلاق إثباتا تارة كما في حالة النصب ونفيا أخرى كما في حالة الرفع، فلم ننظر للفظه إذا صدر من عامي وإنما نظرنا لقصده فحيث نوى ما يوافق الصناعة ولو بتقدير أوقعنا به وحيث لا فلا وكذا النحوي؛ لأن ما فصلناه في الرفع وغيره مما مر هو قضية الصناعة النحوية ولا يتم ذلك التفصيل إلا مع القصد وإلا كان لغوا فلزم حينئذ التسوية بين النحوي وغيره فتأمل ذلك فإنه مهم ويؤيد ما تقرر من عدم الفرق بينهما هنا عدمه في أنت طالق أن شاء الله بالفتح فتقع واحدة من النحوي وغيره وفرق الزركشي بينه وبين ما مر في إن دخلت الدار بأن هذا لا يغلب فيه التعليق فعند الفتح ينصرف للتعليل به مطلقا وذاك يغلب فيه قصد التعليق ففرق فيه بين النحوي وغيره وشيخنا زكريا بأن حمل هذا على التعليق يؤدى إلى رفع الطلاق بالكلية بخلافه ثم وصاحب الإسعاد بأنه لما لم يمكن الاطلاع على مشيئة الله سبحانه وتعالى لم تصلح أن المفتوحة للتعليق فتمخضت للتعليل بخلافها في الدخول ونحوه فكما أنهم فرقوا بينهما بما ذكر كذلك فرقنا نحن بين صورة السؤال وإن دخلت بما قدمناه واضحا مبينا.
"وسئل" عمن قال لزوجته كل امرأة مثلك طالق فما حكمه؟ "فأجاب" بقوله لم أر في هذه نقلا، ويحتمل أن يقال لا يقع على زوجته بهذا اللفظ شيء؛ لأنه لم يوقع الطلاق على زوجته قصدا ولا ضمنا وإنما أوقعه على مماثلها ولا يلزم من وقوعه على مماثلها وقوعه عليها لتغاير ذاتي المثلين وإن اتحدا في الصفات، أو في بعضها ويحتمل أنه كناية وأن مماثلتها لغيرها إنما هي من حيث إيقاعه الطلاق على كل منهما المخاطبة بطريق الصريح ولا نظر إلى أن طلاقه لغير زوجته لغو فكيف يشركها معها فيه وهو لغو؛ لأنهم صرحوا بأنه لو طلق زوجته فقال آخر لزوجته أشركتك معها كان ذلك كناية؛ لأن معناه إذا نوى به الطلاق أوقعته عليك كما أوقعه ذاك على زوجته فكذا هنا معناه أنت طالق كما كل من هو مثلك طالق ولا يخفى ما في هذا من التكلف والتعسف وأن الكناية لا بد أن تحتمل الطلاق احتمالا خاليا عن تكليف وتعسف وإنما غاية ما هنا أنه كقوله نساء العالمين، أو الزيدين طوالق وأنت يا زوجتي ولا طلاق بهذا وإن نواه؛ لأن العطف على الباطل باطل فكذا هذا قد أوقع الطلاق على مماثلتها بالصريح وهو باطل فوقوعه على زوجته باطل أيضا؛ لأنه كالمعطوف على الباطل إلا أن يفرق بأن اللفظ المقتضي للإيقاع مختلف وبينهما ترتب فلم

 

ج / 4 ص -115-        يمكن بناء المعطوف على المعطوف عليه لبطلانه بخلافه فيما نحن فيه فإن المقتضي للإيقاع لفظ واحد ويجاب بأن الترتيب بين العلة والمعلول بالرتبة بل وبالزمان عند قوم فلا يبعد القياس فإن قلت قد يعبر البلغاء بالمثل ولا يريدون حقيقته كما في نحو مثلك لا يبخل، ليس المراد به إلا أنت لا تبخل وإنما عبر بالمثل ليفيد نفي البخل عنه بطريق أظهر قلت هذا الاعتبار المحسن لا يأتي هنا سيما مع قوله كل امرأة مثلك طالق حيث جعل المثل صفة لغيرها صريحا فلم تمكن إرادتها من هذا التركيب؛ لأنك لو أردت أن تعبر عنه بأنت طالق لكان تأويلا بعيدا وحملا متعسفا والمحسن الذي أشرنا إليه في مثلك لا يبخل الداعي إليه قصد المدح والمبالغة فيه لا يأتي هنا إلا بتكلف بعيد، فلم يظهر كونه كناية لا سيما مع قولهم إنها ما يحتمل الطلاق احتمالا قريبا وهذا ليس كذلك كما علم مما قررته فتأمله ولا يأتي هنا الوقوع الذي قيل به في كل امرأة غيرك طالق؛ لأن ذلك المعنى لا يأتي هنا وهو ما فيه من الاستثناء المستغرق على ما في ذلك من نقد ورد وتناقض واختلاف وقد بينت خلاصته في شرح الإرشاد ثم رأيت ما يؤيد ما ملت إليه من أن ذلك غير كناية وهو أن جمعا من المتأخرين اختلفوا في أنت أولى النساء بنفسك، أو ولية النساء بنفسك فقال بعضهم إن ذلك كناية لتضمنه لا سبيل لي عليك وهو كناية وقال بعضهم ليس بكناية وعلله بأن عرف العامة كلا عرف ولو قال الطلاق لأفعلن كذا قال القفال: هو لغو وإن نوى به الطلاق فليس كناية؛ لأنه ليس فيه إضافة إلى المرأة ولا التزام من الزوج وأفتى العجلي بأنه كناية فإذا قال من ذكر الأول والثاني بأنهما ليسا من الكنايات فكذا مسألتنا بل قول القفال تعليلا لعدم الكناية؛ لأنه ليس فيه إضافة إلى المرأة الخ نص في مسألتنا؛ لأن قوله: كل امرأة مثلك طالق ليس فيه إضافة إلى زوجته فلا يكون كناية.
"وسئل" عمن قال لزوجته أنت طالق ألف مرة ولم ينو عددا هل تطلق واحدة كما ذكره بعض الناس عن الروضة في الباب الثالث في عدد الطلاق وعن نفائس الأزرق وذكر أن شارح الروض أقر الروض كأصله على ذلك والذي رأيته في الروض وأصله يفهم خلاف ذلك فما الصواب في ذلك؟ "فأجاب" بقوله ما ذكر عن بعض الناس غلط صريح إما لسقم في نقله، أو فهمه، أو نسخته فالذي في الروضة لو قال أنت طالق طلقة واحدة ألف مرة ولم ينو عددا لم يقع إلا واحدة كذا قال المتولي هذه عبارته وجرى عليها الروض وشارحه والذي في النفائس إذا قال أنت طالق طلقة واحدة ألف مرة ولم ينو العدد لم يقع إلا واحدة قاله البغوي وهذه الصورة غير صورة السؤال فالتباسها بها ينبئ عن مزيد غفلة وتساهل، أو عن فساد تصور ووجه وقوع الواحدة فقط فيها أنه لما ذكر قوله واحدة لم يؤثر قوله بعده ألف مرة كذا لو قالوه لكن استشكله الزركشي وغيره ويؤيد الأول نص الشافعي على أنه لو قال: أنت طالق طلقة ثلاث طلقات طلقت واحدة؛ لأن الكلام تم بطلقة وما بعده غير معطوف عليه فإن قلت يمكن توجيه الإشكال في هذه كتلك بأنه لم لا يقال إن ألف مرة وثلاث

 

ج / 4 ص -116-        طلقات بدل مما قبله على حد قوله تعالى: { يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ شَيْئاً * جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدَ الرَّحْمَنُ} [مريم: 60، 61]، قلت كأنهم لحظوا في الفرق أن المبدل منه في الآية في قوة الجمع لكونه محلى بأل فحسن إبدال الجمع منه وهنا ليس في المبدل منه ما يقربه من الجمع فلم يحسن إبداله منه ثم هذا الإيراد وإن توجه في مسألة النص لا يتوجه في مسألة الروضة؛ لأن التنافي فيها بين واحدة وألف أتم وأظهر منه بين طلقة وثلاث، فإذا ألغى الشافعي رضي الله عنه النظر إلى ثلاث في مسألة فأولى أن يلغي النظر إلى ألف في مسألة الروضة لما بينهما من التنافي والكلام قد تم بواحدة فلا نظر لما بعدها لمنافاته لها كما تقرر هذا كله في مسألة الروضة والروض وشرحه والنفائس وأما مسألة السؤال التي نقلها بعضهم عن هذه الكتب غلطا وتحريفا فالصواب فيها وقوع الثلاث ولا شبهة في ذلك عند من له أدنى مسكة من فهم، أو تصور، نعم لو قال أنت طالق مثل ألف، أو مثل الألف طلقت ثلاثا في الأولى وواحدة في الثانية على ما نقله العبادي عن الكرابيسي وفيه نظر وقياس العمد في أنت كمائة طلقة من أنه لا يقع به إلا واحدة أنه لا فرق في وقوع الواحدة في مسألتي العبادي عن الكرابيسي بين المعرف والمنكر واختيار ابن الصباغ وقوع الثلاث في أنت كمائة طالق لوقوع التشبيه في العدد يجاب عنه بأن التشبيه ليس نصا في ذلك؛ لأن قوله كمائة طالق يحتمل أنه شبهها بهن في أصل الطلاق مع قطع النظر عن أفرادهن، أو في عدد الواقع عليهن وإذا احتمل كلا من هذين ولم ينو عددا عاملناه بالأقل تمسكا بأصل بقاء العصمة كما تمسكوا به في مسائل لا تخفى على من له دراية بكلامهم، والله سبحانه وتعالى أعلم.
"وسئل" عن واقعة حال مهمة هي شخص ذكر عند جماعة من أصحابه قدموا من سفر مثلا وأهدوا هدايا للأصحاب ولم يعطوه شيئا أو أعطوه شيئا استقله فقال أما أنا فطلقت أو فقد طلقت الناس كلهم ثلاثا بمعنى أني قطعت طمعي عنهم كلهم وله زوجة ولم يخطر بباله قصد الطلاق الشرعي ولا معناه ولم يقصد زوجته حال تلفظه بهذا اللفظ فهل تطلق زوجته بمجرد هذا اللفظ المذكور لدخولها في عموم لفظه الصريح أم لا وهل هذه المسألة كمسألة الواعظ المشهورة التي الراجح فيها عدم الوقوع بينوا لنا ذلك وأوضحوا إيضاحا شافيا؟ "فأجاب" بقوله قد بينت في شرح الإرشاد أنه لو قال نساء العالمين طوالق لم تطلق زوجته إلا إن أرادها فإذا لم يقع عليه طلاق في هذه مع تصريحه بالنساء فأولى أن لا يقع عليه طلاق في صورة السؤال كما هو جلي ولا تتخرج هذه على الخلاف في مسألة الواعظ؛ لأنه خاطب الجمع الذين فيهم امرأته بقوله: طلقتكم ففيه خطاب للمرأة معهم، لكنه لما لم يقصد حقيقة الطلاق الشرعي مع وجود القرينة الدالة على ذلك كان ذلك سببا لعدم طلاق امرأته وأما في صورة السؤال فإنه إنما تلفظ بقوله طلقت الناس كلهم وهذه الصيغة لا أثر لها في تناول زوجته لعدم تأثيرها كما صرحوا به في قولهم لو قال: نساء العالمين طوالق وأنت يا زوجتي لم تطلق زوجته؛ لأنه عطفها على من لا تطلق بل لو قال من اسمه زيد نساء

 

ج / 4 ص -117-        الزيدين طوالق لم تطلق زوجته، وقول الروياني تطلق إنما يأتي كما أشار إليه القمولي على ضعيف نعم لو قال: امرأة الزيدين طالق طلقت زوجته لكن الذي يتجه أنه يقبل قوله لم أرد نفسي؛ لأن دلالة التعريف على دخوله في لفظه لا تقاوم إرادته صرف لفظه عن نفسه وفي الروضة وجهان عن القفال فيما لو قال من عزل عن القضاء امرأة القاضي طالق.
والذي يتجه منهما عدم الطلاق كما بينته مع ما قبله في شرح الإرشاد وبهذا كله بان أن صورة السؤال لا يجري فيها الخلاف في مسألة الواعظ فلا يقع فيها طلاق وإن قلنا بوقوعه في مسألة الواعظ لما علمته مما تقرر.
"وسئل" عن أمة غرت بزوجها بإذن السيد لها في بذل مهرها فهل يقع الطلاق أو لا وإذا قلتم بالوقوع فهل هو بائن أو رجعي؟ "فأجاب" بقوله يقع الطلاق بائنا بمهر المثل ويتعلق بذمتها تتبع به إذا عتقت وقد ذكرت في اختصاري لتحرير الآراء مسألة البذل وما فيها من الاختلاف فقلت إذا قالت بذلت صداقي على طلاقي، أو بطلاقي فطلق بانت؛ لأنه إنما طلق بعوض ثم إن علمنا قدر المهر ووجدت شروطه السابقة وأرادت ببذله الإبراء منه برئ منه وإلا لم يبرأ ولزمها له مهر المثل هذا الذي يظهر من كلامهم والذي في فتاوى الأصبحي.
إذا قالت بذلت صداقي على طلاقي فطلق وقع؛ لأنه لا يملكه إلا الزوج فلا فرق بين أن تقول بذلت لك، أو بذلت وفي كلامه ما يدل على أن أجزت كبذلت ثم رأيتني ذكرت في الفتاوى أني سئلت عما لو قال أنت طالق على صحة البراءة فهل تطلق بائنا أو رجعيا أو لا تطلق فأجبت بقولي أفتى الشيخ تقي الدين الفتى وتلميذه الكمال الرداد والطيب الناشري بأنها لا تطلق، وقال آخرون: لا تطلق بائنا وقال ابن عجيل وإسماعيل الحضرمي - نفع الله سبحانه وتعالى بهما -: إن أردت استئناف البراءة لم تطلق وإلا طلقت وهو الأوجه وإذا قلنا تطلق طلقت بائنا اهـ. كلامي في الكتاب المذكور وإنما وقع الخلاف في المسألة الأخيرة لقول الزوج في جوابه لها على صحة البراءة فالقائلون بعدم الوقوع كأنهم نظروا إلى أن قوله على صحة البراءة يقتضي إيجاد براءة صحيحة غير الأولى ولم توجد فعليه إن وجدت فكما يأتي على الثالث فيما يظهر والقائلون بالوقوع رجعيا نظروا إلى أنه ليس هنا مقابلة تقتضي العوضية حتى يقع بائنا، والقائلون بالتفصيل نظروا إلى، أن لفظه محتمل فإن أراد استئناف البراءة فلا وقوع وإلا بأن أطلق، أو أراد عدم الاستئناف وقع بائنا وهذا أعدل الأقوال فعليه الذي يتجه أنه إن أراد استئناف البراءة ووجدت منها براءة صحيحة بعد كلامه وقع بائنا وبرئ وإلا لم يقع وإن لم يرد استئنافها طلقت إن كانت براءتها الأولى صحيحة وإلا فلا فتأمله، وأبعد تلك الآراء الرأي الثاني؛ لأن دعوى الوقوع رجعيا لا يكاد يظهر له وجه وإن عللته بما مر، والله سبحانه وتعالى أعلم.
"وسئل" عمن لو قال أنت حرام علي ووقع في نفسه أنها طلقت بهذه العبارة ثلاثا

 

ج / 4 ص -118-        وحرمت عليه فقال لها أنت طالق ثلاثا ثانيا لظنه أنها بانت منه بالثلاث بالعبارة الأولى فهل يقع عليه الثلاث؟ "فأجاب" بقوله: قد سئل شيخ الإسلام السراج البلقيني عن ذلك فأجاب بما لفظه لا يقع عليه طلاق بما أخبر به ثانيا على الظن المذكور اهـ. وفيه نظر؛ لأنها زوجته باطنا وقد خاطبها بالطلاق ولا عبرة بالظن البين خطؤه؛ لأنه لا قرينة تؤيده وقد صرحوا بأنه لو قال لمن يعتقدها أجنبية وهي زوجته باطنا كأن زوجها له أبوه في صغره، أو وكيله ولم يعلم بها بوجه أنت طالق وقع عليه الطلاق؛ لأنه استعمل اللفظ لمعناه ولا عبرة بظنه فكذا في صورة السؤال ثم رأيت الأذرعي في توسطه نقل عن الإمام ابن رزين وأقره ما يوافق ما ذكرته وهو أنه سئل عمن نكح امرأة وعلق بالثلاث أنه لا يخرج من بلده إلا بها فأخبره بعض أن العقد باطل فخرج من البلد وتركها متوهما أن النكاح باطل؟ فأجاب بأنه يقع طلاقه ولا يعذر في ذلك ومسألتنا أولى من هذه بالوقوع؛ لأن فعل المعلق عليه مع الجهل بأنه المعلق عليه، أو مع النسيان، أو الإكراه لا يقع به شيء فإذا لم يجعل ظنه أنها ليست في نكاحه عذرا في خروجه المذكور مع أنه لو وقع مع الجهل، أو النسيان، أو الإكراه لم يقع به شيء، فأولى أن يجعل ظنه عذرا في عدم الوقوع في مسألة السؤال فتأمل ذلك واحتفظ به فإنه كثير الوقوع وسئل عنه كثيرا ثم رأيت في التوسط عن الفارقي، أو ابن البزري أنه لو استفتى عامي فقيها فقال له طلقت زوجتك فقيل له بعد طلقت زوجتك قال نعم ثم رأى في الكتب أن الطلاق لا يقع والفقيه أخطأ فقال لم أطلق وإنما قلت بناء على قول الفقيه قال: يقبل قوله قال الأذرعي: وسبق عن غيره ما ينازع في عدم القبول فراجعه اهـ. وكأنه أراد بما سبق عن غيره ما ذكر عن ابن رزين لكن الوجه الموافق لكلام الشيخين كالأصحاب في باب الكتابة - أنه متى أوقع الطلاق أو أخبر به ثم قال لم أعلم وقوعه، فإن قامت قرينة كإفتائه ممن اشتهر علمه بشيء فأخبر مستندا إليه ثم بان أن الإفتاء بخلاف الحق لم يقع عليه شيء وإلا وقع به وما ذكره الأذرعي آخرا مما قامت عليه القرينة فقبل وكذا ما أفتى به البلقيني؛ لأن ظنه التحريم بأنت علي حرام قرينة على أنه لم يرد بقوله لها: أنت طالق الإنشاء بل الإخبار فهو كما لو أعطى المكاتب النجوم فقال له السيد: أعتقتك ظانا صحة الأداء ثم بان فساده فإنه لا يقع عليه شيء للقرينة، فكذا هنا وأما ما ذكره عن ابن رزين فالوجه حمله على ما إذا كان المخبر له ببطلان العقد غير ثقة معتمد؛ لأن إخبار مثل هذا لا يكون قرينة فتأمل ذلك فإنه نفيس مهم.
"وسئل" عن شخص تزوج امرأة وكانت المرأة المزوجة في بيت أهلها ثم طلقها الزوج فهجم أهلها بتزويجها من غير تربص زمن العدة لكون المرأة في بيت أهلها وفي يدهم فدخل بها هذا الزوج فوجدها ثيبا فزعم الزوج الأول أنه وطئها في نكاحه فكيف يكون الأمر والحالة هذه؟ "فأجاب" نفع الله تعالى به وبركته المسلمين بقوله النكاح الثاني لا يرتفع بدعوى الأول الوطء كما يصرح به قول الروضة وغيرها لو طلقها دون ثلاث بلا عوض ثم

 

ج / 4 ص -119-        قال وطئت فلي الرجعة وأنكرت وطأه صدقت بيمينها أنه ما وطئها؛ لأن الأصل عدمه وفرقوا بين هذه المسألة وعدم قبول قولها فيما إذا ادعى عنين، أو مول الوطء وأنكرته بأن النكاح ثابت في هذه وهي تدعي ما يزيله والأصل عدمه وأما في تلك فالطلاق قد وقع وهو يدعي الرجعة بالوطء قبل الطلاق والأصل عدمه فهذا صريح في تصديقها في صورة السؤال بل صورته أولى بأن تصدق فيها من صورة الروضة المذكورة؛ لأنها في صورة الروضة لم يتعلق بها حق ثالث ومع ذلك صدقت في نفي الوطء فأولى في صورة السؤال أن تصدق في ذلك؛ لأنه تعلق بها حق ثالث وأيضا فتصريحهم في الفرق المذكور بأن سبب عدم تصديقه في صورة الروضة أنه يدعي الرجعة بالوطء قبل الطلاق والأصل علمه وهذا السبب موجود في صورة السؤال بعينه فالمنقول فيها ما قررته ثم دعواها مقبولة على الزوج الثاني ما دامت في عصمته لتعلق حقه بها كما صرحوا بذلك في نظير صورة السؤال، والله سبحانه وتعالى أعلم.
"وسئل" عما لو قال لامرأته طلاقك واحدا وواحد اثنان ثلاثة هل يقع به طلاق أم لا وعين تعليق الطلاق بالوقوع أو الذهاب كأن يقول إلا دخلت الدار يقع أو يذهب طلاقك أو وقع أو ذهب هل يقع به الطلاق أم لا؟ "فأجاب" بأن الذي نقله الشيخان عن فتاوى القفال وأقراه أنه لا بد مع نحو طلقت من ذكر المفعول ومع نحو طالق من ذكر المبتدإ فلو نوى أحدهما لم يقع بذلك شيء كما لو قال أنت، أو امرأتي ونوى لفظ طالق نعم إن سبق ذكر المرأة في سؤال، أو نحوه، أو وقع تفويض لم يشترط ذكر ذلك كما لو قالوه في طلقت جوابا لطلقني، أو لطلقها، أو لطلقي نفسك وفي إن كنت كاذبا الخ لترتبه على السؤال والتفويض وإذا علمت هذا بان لك أنه لا وقوع على من قال لامرأته طلاقك واحد، أو اثنان، أو ثلاثة على أن هذه الجملة صادقة مع وجود الزوجية لعدم منافاتها لها إذ يصدق مع وجود الزوجية أن طلاقها إذا وجد له سبب يقتضيه لا يخلو عن كونه واحدا، أو اثنين، أو ثلاثة فليس في هذه الجملة ما يقتضي حل العصمة بوجه فلم تؤثر فيها نعم لو نوى بطلاقك واحد طلقتك واحدة مثلا لم يبعد أن يكون كناية فيقع حينئذ؛ لأن طلاقك مصدر وهو ينوب عن الفعل وأصل له فلا تبعد إرادته به ويؤيده إفتاء الولي أبي زرعة بأن قوله الطلاق ثلاثا من زوجتي تفعل كذا كتابة؛ لأن حذف يلزمني مثلا صيره كناية فإن نوى إيقاعه بتقدير عدم الفعل وقع؛ لأن اللفظ يحتمله بتقدير إن لم تفعل فالطلاق واقع علي،
أو نحوه اهـ. فتأمله تجده ظاهرا فيما ذكرته وإذا قال إن دخلت الدار يقع، أو وقع طلاقك فهو تعليق صحيح كما هو ظاهر فلا يقع شيء إلا بدخول الدار المعلق عليها فإن أبدل ذلك بذهب فالظاهر أنه كناية؛ لأن بين الذهاب والوقوع نوع تقارب فلا يبعد إرادة أحدهما بالآخر فإن أراد بذهاب الطلاق وقوعه وقع بالدخول وإن لم يرد ذلك فلا وقوع.

 

ج / 4 ص -120-        "وسئل" عن رجل طالبته زوجته أو وكيلها بكفايتها كالنفقة مثلا وكانت المطالبة بحضور حاكم من حكام المسلمين فقال الزوج يلزمه الطلاق الثلاث أن بيتها ملآن طعاما فما المعتبر في ذلك الملء هل يكون ذلك مملوءا حقيقة أو يدين ويرجع إلى قصده بينوا لنا الجزم بوقوع الطلاق البينونة، أو عدمها فالمسألة واقعة؟ "فأجاب" بقوله: إن كان للزوج نية عمل بها وإلا فمتى لم يكن بيتها ملآن من الطعام وقع عليه الطلاق الثلاث فقد جزم الماوردي وغيره وبحثه الشيخان في موضع وجزما به في موضع آخر أن من حلف ليضربنها حتى تموت حمل على الحقيقة لا المجاز فكذا في مسألتنا يحمل على الحقيقة فيأتي فيها ما ذكرناه والله سبحانه وتعالى أعلم. ثم كتب إليه رضي الله تعالى عنه السائل أيضا ما لفظه: هذا جوابكم ولا شك أنه يحمل على الحقيقة وقد أفدتم كان الله سبحانه وتعالى لكم وأدام بكم النفع والحال أن الرجل لما حلف من زوجته بين يدي الحاكم ألزمه الحاكم فراقها؛ لأن البيت لم يكن مملوءا حقيقة واعتمد الحاكم في ذلك قول النووي في الروضة إن الحقيقة لا تصرف إلى المجاز بالنية إلا في حق الله سبحانه وتعالى لا في حقوق الآدميين هذا معنى قول الروضة في الأيمان وكذلك عبارة الروض وشرحه في الأيمان فرع قد يصرف من الحقيقة إلى المجاز بالنية كلا أدخل دار زيد ونوى مسكنه دون ملكه فيقبل قوله في حق غير آدمي قال الشارح شيخ الإسلام زكريا بأن حلف بالله سبحانه وتعالى لا في حق الآدمي كأن حلف بطلاق، أو عتاق وعبارة المزجد في العباب في الإيمان فرع: لو قال الحالف أن لا يدخل أردت شهرا مثلا قبل في حق الله سبحانه وتعالى لا الآدمي كطلاق وإيلاء وعتق لكن يدين واعتمد الحاكم بالفرقة هذه النصوص وشق ذلك على فقهاء البلد وقالوا المعتبر نيته ولا طلاق وأرادوا صرف الحقيقة إلى المجاز بالنية في حق الله سبحانه وتعالى وحقوق الآدميين فأرسلوا إليك الصورة المذكورة ولما ورد الجواب الكريم قاموا به على الحاكم بالفرقة وقالوا له: قد أجاب الشيخ على وفق كلامنا أن المعتبر نيته ولا يقع الطلاق ألبتة لا ظاهرا ولا باطنا فقال لهم الحاكم ما أراد الشيخ أحمد بن حجر - عفا الله تعالى عنه - إلا وقوع الطلاق لكن يدين كما جزمت به النصوص المذكورة آنفا كما هو مفهوم من سؤالكم فإنكم قلتم في السؤال يدين، أو تقع البينونة الكبرى وكان الجواب مطابقا للسؤال ومن الآن فالمسئول من التفضلات الكريمة إزاحة الإشكال بجواب شاف صريح يبين أنه يقع الطلاق ويدين بحيث إنها لا تحل له في الظاهر ولها أن تتزوج غيره أم لا يقع الطلاق أصلا وأن الحقيقة تصرف إلى المجاز بالنية في حق الله سبحانه وتعالى وحق الآدميين كما زعموا أم لا يقع الطلاق أصلا وأن هذا هو المعتمد فما معنى هذه النصوص الجازمة بوقوع الطلاق بينوا لنا ذلك؟ فأجاب رضي الله تعالى عنه ونفع بعلومه وبركته المسلمين بقوله: ما أفتيت به من أنه إذا كان للزوج نية عمل بها أي ظاهرا أيضا هو الذي صرح به الأئمة كما يأتي ولا يعارضه ما ذكر عن كلام الشيخين وغيرهما في الإيمان؛ لأن محله في نية مجاز لا قرينة تدل على

 

ج / 4 ص -121-        إرادته وتعضدها أما إذا نوى غير الحقيقة مما يتجوز به عنها وقامت قرينة على ذلك فإنه يقبل منه تلك النية ظاهرا وباطنا وقد صرحوا بذلك في مسائل في الطلاق لا تحصى بل قد تزداد قوة القرينة فيحمل اللفظ على قضيتها وإن لم ينو كما لو قال إن رأيت من أختي شيئا ولم تخبريني به فأنت طالق فإنه يحمل على موجب الريبة فلا يحنث إلا إن رأت منها موجب ريبة ولم تخبره به بخلاف ما لو رأت منها غيره ولم تخبره عملا بالقرينة المخصصة للعام في قوله شيئا وإن لم ينوه فكذا في صورة السؤال؛ لأنها لما طالبته هي، أو وكيلها بكفايتها كانت مدعية عليه أنه ليس في بيته طعام فإذا حلف أنه ملآن طعاما كانت القرينة دالة على أنه لم يرد الملء الحقيقي وإنما أراد ما يكذب دعواها وكان قياس المسألة التي قبل هذه المسألة عدم الحنث في هذه وإن لم تكن له نية لكن القرينة لم تقو فيها قوتها في تلك أعني مسألة الأخت فلأجل ذلك لم يشترط في مسألة الأخت نية واشترطناها في مسألتنا لما عرفت من قوة القرينة ثم لا هنا ومما يدل لما ذكرته أيضا ما قالوه من أنها لو قالت له فعلت كذا حراما أي كأكل الربا مثلا فقال لها إلا فعلت حراما فأنت طالق ونوى بالحرام أكل الربا فإنه يقبل ظاهرا؛ لأن قرينة ذكرها له تدل على أنه لم يرد غيره فحملنا إطلاقه الحرام الشامل للربا وغيره على الربا فقط عملا بالقرينة ومما يدل لما ذكرته أيضا أن الأئمة قالوا فيمن حلف بالطلاق لا يغتسل أنه يقع بالغسل من جنابة وغيرها فإن أراد الأول فقط دين ولا يقبل ظاهرا قال الأذرعي ومن تبعه ومحله حيث لا قرينة أما إذا كانت قرينة كما لو راودها فامتنعت لغصب فحلف أنه لا يغتسل فظاهر أنه يقبل ظاهرا قوله أردت الغسل من الجنابة فتأمل هذا فإنه عين مسألتنا؛ لأن قوله لا أغتسل يعم كل غسل فإذا خصصه ببعض الأغسال فقد عدل عن الحقيقة التي هي العموم إلى المجاز الذي هو الخصوص فإن لم تقم قرينة على إرادته لذلك دين ولم يقبل ظاهرا وإن قامت قرينة على إرادته لذلك قبلت منه ظاهرا أيضا فكذا مسألتنا حقيقة الملء فيها معروفة فإن أراد بعض الملء فإن لم تقم قرينة على إرادته دين وإن قامت قرينة على إرادته قبل قوله إنه أراد ذلك ظاهرا وباطنا تحكيما للقرينة، والواقع في السؤال كما عرفت أنه صدر منها، أو من وكيلها قرينة تدل على انتفاء وجود شيء من الطعام في البيت فحلفه في مقابلة ذلك إنما يراد بها تكذيب المدعي في دعواه وتكذيبه يحصل بوجود بعض طعام في البيت فظهر أن القرينة مربحة للمجاز هنا على الحقيقة فعملنا بها بعين ما قالوه في هذه المسائل التي هي نظائر مسألة السؤال بل عينها كما لا يخفى ثم رأيت الشيخين وغيرهما صرحوا بما قلته من الضابط الصريح في مسألتنا حيث قالوا لو خصص عاما بالنية كأن قال كل امرأة لي طالق وقال أردت إلا واحدة فإن لم تكن قرينة دين وإن كانت تشعر بإرادة الاستثناء بل، أو عدم الطلاق بالكلية قبل ظاهرا وباطنا فمثال الأول أن تقول له المستثناة وهي تخاصمه تزوجت علي فيقول لها عقب ذلك كل امرأة لي طالق ويقول أردت غير المخاصمة فيقبل منه ظاهرا وباطنا قالوا لقوة إرادته بدلالة

 

ج / 4 ص -122-        القرينة ومثال الثانية ما إذا قال أردت بقولي طالق طلاقها من ذلك الوثاق قبل ظاهرا وباطنا للعلة المذكورة قالوا وكذا الحكم فيما إذا علق طلاقها بأكل خبز أو نحوه ثم فسره بنوع خاص فلا يقبل ظاهرا إلا بقرينة فتأمل ذلك فإنه صريح فيما ذكرته في صورة السؤال، والله سبحانه وتعالى أعلم.
"وسئل" عن رجل شهد عليه الشهود أنه قال متى سافرت إلى سواكن ولفلان عندي فلس واحد فزوجتي طالق ثلاثا ثم سافر لسواكن ودراهم فلان كلها عنده فلما حضر طلبه أبو الزوجة هو والشهود فحضروا عند مفت شافعي ليستفتيه عما وقع له فأخبر الشهود المفتي بأنه وقع منه اليمين المذكورة فاعترف بالسفر وقال له المفتي وقع عليك الطلاق الثلاث فحلف الأيمان الأكيدة الغليظة أنه لم يقع منه هذا التعليق أصلا وأن هؤلاء الشهود كاذبون عليه فقال له المفتي لا يقبل منك ذلك فقال عندي مطعن في الشهود فخرج ليأتي به ثم عاد وقال عجزت عن إبداء المطعن وحلف الأيمان أيضا أنهم كاذبون عليه واستمر على تكذيبهم فقال له المفتي لا ينفعك ذلك وإياك أن تدخل على المرأة التي حلفت منها فإنك إلا فعلت ذلك رفعنا أمرك إلى القاضي فاعتزلها ثم جاء هو وأبوها إلى المفتي ثانيا وأعطى أباها دراهم وتوافقا على أن تتحلل له بالوجه الشرعي وحلف أيضا في ذلك المجلس أيضا أن الشهود كاذبون عليه واستمر مدة كل ما اجتمع بالمفتي يحلف له كذلك وهو يقول له لا ينفعك ذلك ثم بعد ذلك علمه بعض الناس أن يدعي النسيان وكتب له سؤالا مموها ورفعه لمفت شافعي فكتب له أنه ينفعه النسيان ثم سئل ذلك الحالف بعد إفتاء المفتي له بما ذكر هل حلفت ونسيت فحلف الأيمان المغلظة أنه لم يصدر منه ذلك التعليق وأن الشهود يكذبون عليه فهل يقبل منه مع ذلك كله وتصميمه على تكذيب الشهود دعوى النسيان فلا يقع عليه طلاق أو لا يقبل منه ذلك ويقع عليه الطلاق الثلاث أفتونا مأجورين ذاكرين النقل في المسألة أثابكم الله سبحانه وتعالى الجنة.
"فأجاب" رحمه الله تعالى بقوله: لا تقبل منه دعوى النسيان فيما ذكر فيقع عليه الطلاق الثلاث كما صرح به إمام المتأخرين الشهاب الأذرعي رحمه الله تعالى في توسطه الذي هو أجل كتب المتأخرين تحقيقا وتحريرا للقول فقد بين فيه أن محل قبول دعوى نحو النسيان حيث لا يكذب الشهود وإلا قضي عليه بالطلاق ورد بذلك على الإسنوي جريا على عادته معه في رد غالب اعتراضاته على الشيخين إطلاقه اعتراضا عليهما قبول دعوى ما ذكر وهذا الذي قاله الأذرعي هو الحق ولا يسع الإسنوي ولا غيره مخالفته لظهوره واتضاحه.
ومن ثم أيده بعض المتأخرين المطلقين بقول القفال في شرح التلخيص لو قال إلا لم أحج في هذا العام فامرأتي طالق فشهد شاهدان أنه كان بالكوفة يوم الأضحى وقال هو قد حججت وقع عليه الطلاق قال ووجهه أنه لما عدل عن دعوى النسيان إلى دعوى الإتيان بالفعل وشهدت البينة بما يقتضي تكذيبه حكمنا عليه بمقتضاها اهـ. وأما تعليم العامي دعوى النسيان أو نحوه المشار إليه في السؤال

 

ج / 4 ص -123-        فهو غالبا إنما ينشأ عن التهور وقلة الدين قصدا لنيل شيء من سحت الدنيا وما درى ذلك المعلم الجاهل المغرور أنه ارتكب مفاسد إثمها عظيم وبالها وخيم لو لم يكن من تلك المفاسد إلا تسليطه العامة الجهلة، أو الفسقة على استباحة الأبضاع بالباطل مع أنها مبنية على مزيد الاحتياط والحرمة ولخطر أمرها وصعوبة عاقبتها امتنع جماعة من أكابر أصحاب الشافعي رحمهم الله تعالى من إفتاء مدعي النسيان قالوا: واستعمال التوقي أولى من فرطات الأقدام ومن يحتاط لدينه لا يفتي في ذلك في زماننا لكثرة الكذب في دعوى النسيان والجهل من العامة اهـ. وإذا كان هذا ذكروه عن أهل زمانهم الذي مضى من نحو ستمائة سنة فما بالك بزماننا الذي صار أكثر أهله لا خلاف لهم ولا مسكة ولقد استفتاني من لا أحصي في مسائل الطلاق وينهون إلي فيه شيئا فأمتنع من إفتائهم حتى أبحث عن القضية فأجدها على خلاف ما حكوه من كل وجه وأجد في كثير منها أن بعض فسقة شياطين الإنس هم الحاملون على ذلك فإنهم يأخذون من الحالف نارا عليهم في الدنيا والآخرة ويعلمونه، أو يكتبون له صورة مخالفة للواقع ويرسلون بها إلي للاستفتاء عنها فيلهمني الله سبحانه وتعالى من فضله التشكك فيها والبحث الشديد عنها حتى يظهر أنها على الباطل والله سبحانه وتعالى المسئول أن يعامل بعدله وعقوبته أولئك الفسقة المارقين والمردة الضالين هذا ومما يحملك على التحري في الإفتاء في مسائل النسيان ونحوه أن عدم وقوع طلاق الناسي لو فرض صدقه إنما هو قول للشافعي وهو وإن كان المعتمد عند جمع من أصحابه إلا أن له قولا آخر بوقوع طلاق الناسي وعليه كثيرون من أصحابه ولقد كان ابن عبد السلام الملقب بسلطان العلماء وابن الصلاح وناهيك بهما فإنه ما من فحول المتأخرين يفتيان بوقوع طلاق الناسي وهو الأحوط وكيف لا وأكثر علماء الأمة على وقوع طلاقه وهو مذهب أبي حنيفة ومالك وغيرهما رضي الله تعالى عنهم ونفعنا بهم وحشرنا في زمرتهم ووفقنا إلى سلوك طريقتهم المثلى المطهرة عن قبائح الزلل ومفاسد الشبه والخبل بمنه وكرمه آمين.
"وسئل" عن شخص مرض مرض الموت فأقر في حال مرضه عند شخص بطلاق امرأته طلاقا رجعيا وبقيت المرأة حتى مات فأخبرها المقر عنده بالإقرار وصدقته فهل ترثه ولا تحسب العدة إلا من الموت لمعاشرتها له فإن قلتم نعم فهل يحكم بوقوع الطلاق من الإقرار أو من قبل الإقرار بزمن يسع التلفظ بالطلاق أو كيف يكون الحكم في ذلك؟ "فأجاب" بقوله إذا مضى من قبيل إقراره ما تنقضي به عدتها قبل موته لم ترثه إن قلنا: إن معاشرة الرجعية تقطع العدة لغير نحو الرجعة كما عليه الشيخان وهو المعتمد ففي شرحي الصغير على الإرشاد وألحق البلقيني بعدم جواز الرجعة أي بعد مضي ما تنقضي به العدة مع المعاشرة عدم وجوب النفقة والكسوة وقضيته امتناع التوارث بينهما وإن تردد فيه الزركشي في تكملته ونقل في خادمه عن قضية كلام المطلب امتناع إرثه دون إرثها ثم قال: وفيه بعد

 

ج / 4 ص -124-        وهو كما قال بل قياس ما مر ما قلناه وقياس مقابلة الذي انتصر له جماعة ونقلوه عن الأصحاب توارثهما اهـ. وإن لم يمض ذلك، أو جهل الحال ورثته، أما الأول فواضح وأما الثاني فلأن العصمة بالنسبة للإرث محققة البقاء إذ الطلاق الرجعي لا ينافيها والأصل بقاؤها وعدم انقضاء العدة قبل الموت والكلام كله في غير الحامل كما هو ظاهر.
"وسئل" عن شخص أخبرته امرأة أو امرأتان وقع في قلبه صدقها أو صدقهما بأنه طلق زوجاته لكن لم يتذكر ذلك ولم يحدث له الإخبار شيئا من التذكر سواء توهم أو ظن ذلك معتقدا أنه إلا كان الأمر كذلك فإنما تلفظ بلفظ يظنه المخبر مقتضيا للوقوع وهو ليس عند المتلفظ مما يقتضيه فهل مجرد الإخبار والحال ما ذكر يلزمه بفراق نسائه أم لا وهل إذا شك إنسان في زوجة تزوجها هل كانت دخلت في عقده وقت ما نسب إليه من تطليق أم لا تطلق المشكوك في دخولها وشمول التطليق لها؟ "فأجاب" بقوله لا يلزمه فراق بمجرد الإخبار المذكور إلا إذا وقع في قلبه صدق المخبر ولم يجز استناد إخباره لما لا يقتضي الوقوع فقد قال الرافعي قولهم لا يقع الطلاق بالشك مسلم لكنه يقع بالظن الغالب اهـ. ويوافقه قولهم لو عصر عنبا ثم قال إن لم يكن تخمر ثم تخلل فأنت طالق ثم وجده خلا وقع عليه الطلاق؛ لأن الغالب أنه لا يتخلل إلا بعد التخمر وبهذا يتجه ما ذكرته من الاستثناء وقولي ولم يجوز الخ جمعت به بين ما ذكره الشيخان نقلا عن الروياني وأقراه أنه لو حلف لا يفعل كذا فأخبره عدلان وألحق بهما عدل واحد أنه فعله وظن صدقهما لزمه الأخذ بالطلاق وبين قول الإسنوي ومن تبعه، هذا إنما يأتي إذا أوقعنا طلاق الناسي بأن يحمل الأول على أنه مع ظن الصدق لم يجوز أنه فعله ناسيا وحينئذ ألحق ما نقلاه والثاني على أنه جوزه وحينئذ ألحق ما قاله الإسنوي وغيره قال: وعلى الأول الظاهر أنه يلزمه الأخذ بقول فسقة وصبيان ظن صدقهم وبهذا كله اتضح ما ذكرته أولا ولا طلاق في الصورة الثانية كما يصرح به كلامهم وقد نص الشافعي رحمه الله تعالى على أنه لو أحرم وتزوج ثم شك هل كان تزوجه قبل الإحرام لم يؤثر هذا والورع في كل ذلك لا يخفى، والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب.