الفتاوى الكبرى الفقهية على مذهب الإمام الشافعي

أبواب: الرجعة - الظهار - العدد - القذف واللعان - النفقة

باب الرجعة
"وسئل" هل للمعاشر لرجعيته الرجعة بعد الأقراء الثلاثة عملا بعدم انقضاء العدة كما اعتمد بعضهم أو لا كما في المنهاج والإرشاد وما هو المعتمد في هذه المسألة وإذا قلنا بعدم انقضاء العدة فماتا، أو أحدهما فهل يحكم بالتوارث بينهما، أو لا؟ "فأجاب" بقوله: المعتمد في هذه المسألة خلافا لما أطال به جماعة من المتأخرين ما في المنهاج وغيره من أنه لا رجعة له ومع ذلك يقع عليه الطلاق تغليظا عليهما لإثمهما العظيم بمعاشرته لها كالزوجة مع عدم رجعته لها فاستحق أن يعامل كل منهما بنقيض قصده من بقاء حكم العدة بالنسبة لوقوع الطلاق عليه وعدم بقائها بالنسبة لما عدا ذلك كالرجعة والإرث لو مات هو، أو هي وغيرهما، والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب.

"باب الظهار"
"وسئل" نفع الله سبحانه وتعالى به وبعلومه عمن ظاهر من زوجته الأمة ثم اشتراها عقب الظهار شراء لا يصير به عائدا ثم فسخ الشراء في المجلس أو خيار الشرط فهل يكون عائدا بالفسخ أم لا بد بعده من مضي زمن تمكن فيه الفرقة ولم يفارق؟ "فأجاب" بقوله: الذي يظهر أنه لا بد من مضي زمن بعد الفسخ يمكن فيه الطلاق سواء فيه خيار المجلس والشرط بناء على الأصح أن من اشترى زوجته والخيار له ثم فسخ البيع بقي نكاحه لضعف ملكه الثابت له باشتراط الخيار له وحده، ولا يقال: إنه متمكن من الطلاق قبل الفسخ؛ لأنها بالشراء آيلة إلى دفع النكاح والأصل عدم الفسخ وتكليفه إيقاع طلاق تحتمل صحته بتقدير الفسخ وعدمها بتقدير عدمه لا نظير له فإفتاء بعضهم بأنه لا يحتاج إلى مضي ذلك الزمن؛ لأنه يمكنه قطع النكاح بالطلاق ثم فسخ البيع فيه نظر لما قررته، والله سبحانه وتعالى أعلم.

 

ج / 4 ص -160-        "باب العدد"
"وسئل" رضي الله تعالى عنه عن امرأة شكت في كونها حاملا قبل الفراق أو بعده وقلنا إن عليها أن تتربص إلى أشهر الحمل فمن أين ابتداؤها؟ "فأجاب" نفع الله سبحانه وتعالى به بأن الذي صرح به الشيخان وغيرهما أن من انقضت عدتها بالأقراء، أو بالأشهر وهي مرتابة بالحمل لما تجده من نحو ثقل، أو حركة لم يجز لأحد أن ينكحها حتى تزول الريبة؛ لأن العدة قد لزمتها بيقين فلا تخرج عنها إلا بيقين، فإن نكحت كان النكاح باطلاأي في الظاهر حتى لو بان عدم الحمل صح كما قاله الإسنوي وغيره قياسا على من باع مال أبيه ظانا حياته فبان ميتا، أما إذا انقضت عدتها ثم ارتابت فنكاحها صحيح لكنه خلاف الأولى.
وإنما صح الحكم بانقضاء العدة ظاهرا فلا يبطل بالشك ومحله إن لم تأت بولد، أو أتت به لكنه لستة أشهر من وقت النكاح أما إذا أتت به لدون ستة أشهر من وقت النكاح فإنا نتبين بطلان النكاح الثاني ويلحق الولد بالأول وإذا تقرر ذلك علم الجواب عن قول السائل في امرأة شكت الخ وإيضاحه أن شكها في الحمل قبل الفراق لا عبرة به وإنما المدار على شكها فيه قبل انقضاء العدة، أو بعده ففي الحال الثاني يجوز نكاحها وفي الحال الأول لا يجوز نكاحها حتى يزول الشك ما لم يمض أربع سنين فأكثر من وقت إمكان الاجتماع قبيل الطلاق؛ لأنها لو ولدت بعد مضي ذلك لم يلحق الولد المطلق فلا وجه لتربصها حينئذ بلا نكاح؛ لأن حملها ليس من ذوي العدة فلا يتوقف انقضاؤها على انفصاله بخلاف ما إذا لم يمض ذلك فإنها ما دامت شاكة لا يحل نكاحها لاحتمال أن حملها من ذي العدة بل هو الظاهر؛ لأنه يلحقه فوجب التربص حتى تتيقن براءة رحمها منه، والله سبحانه وتعالى أعلم.
"وسئل" عن المعتدة إذا اعتدت في بيتها الذي هي فيه وفي البيت المذكور بيت آخر في أعلاه أو في وسطه ومع المرأة المذكورة صبي مميز لا يفارقها والدخول إلى البيت الأعلى من باب بيت المرأة هل يجوز لصاحبها أي المعتدة منه أن يسكن معها ويسلم أن لا يدخل في قوله تعالى:
{وَلا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ} [الطلاق: 6]، فإن البيت بعيد عن منزلها بحيث إنه لا يسمعها إذا تكلمت أي المعتدة أم لا يجوز وهل إذا أوفت العدة وكانت الطلقة الأولى لها فهل يجوز له أن يحكم الزوج الأول في نكاحها إذا كان عنده بعض اطلاع ولم يوجد من يكون أهلا للتحكيم أم لا يجوز ابسطوا لنا الجواب؟ "فأجاب" نفع الله سبحانه وتعالى بعلومه المسلمين بقوله يحرم على الزوج ولو أعمى مساكنة المعتدة منه ما لم تتسع الدار وسكن كل منهما في حجرة منها فحينئذ يجوز أن يسكن كل منهما في حجرة بشرط أن تتميز كل منهما عن الأخرى بمرافق كمطبخ ومستراح وبئر وممر ومصعد للسطح وأن يغلق ما بينهما من باب، أو يسد وأن لا يكون ممر أحدهما على الأخرى فإن انتفى شيء من ذلك لم يجز إلا إن كان هناك محرم لها، أو له من النساء ويكفي المراهق المتيقظ ويغني عنه أن يكون ثم امرأة ثقة يحتشمها لحياء، أو خوف هذا كله إن كان في الدار زيادة على سكنى مثلها وإلا لم يجز له مساكنتها مطلقا بل يجب عليه الانتقال عنها وحيث لم يكن للمرأة قريب، أو

 

ج / 4 ص -161-        معتق يزوجها ولم يكن هناك حاكم يزوجها جاز لها أن تحكم عدلا في تزويجها من كفء سواء مطلقها وغيره، والله سبحانه وتعالى أعلم.
"وسئل" نفع الله تعالى به عن قول الأصحاب لو انقضت عدتها بالأقراء وهي مرتابة بالحمل حرم نكاحها حتى تزول الريبة ما الذي يحصل به زوال الريبة هل هو انقضاء أكثر مدة الحمل كما تقتضيه العلة أم غير ذلك بينوا لنا ذلك موضحا ولكم الأجر والثواب؟ "فأجاب" بقوله: الذي دل عليه كلامهم أن الريبة بالحمل متى كانت لقرينة كثقل وحركة اعتبر زوال تلك القرينة فإذا زالت زال سبب الريبة فيجوز نكاحها حينئذ وإن لم يمض عليها أكثر الحمل؛ لأن المانع هو الريبة وهي إنما تنشأ عن قرينة فإذا زالت تلك القرينة زالت الريبة وانتفى المانع ولا نظر لاحتمال الحمل وإن زالت تلك القرينة؛ لأن الأصل عدمه وكان القياس تقديم هذا الأصل على تلك القرينة وأن لا يلتفت إليها لقاعدة أن الأصل مقدم على الظاهر الذي لم يستند إلى العيان وهذا كذلك لكن مزيد الاحتياط للإبضاع الذي كثر تشوف الشارع إليه أوجب تقديم الظاهر هنا على الأصل مطلقا فإذا زال ذلك الظاهر بزوال سببه من نحو الثقل والحركة عمل الأصل عمله؛ لأنه لا معارض له حينئذ فاتضح ما ذكرته من أن المراد بزوال الريبة زوال سببها الموجب لها لا تيقن خلو الجوف عن الولد فإن قلت ينافي ذلك قولهم: لو انقضت عدتها بالأقراء، أو الأشهر وهي مرتابة بالحمل حرم نكاحها على آخر حتى تزول الريبة؛ لأن العدة لزمتها بيقين فلا تخرج عنها إلا بيقين قلت: لا ينافيه؛ لأن مرادهم باليقين زوال التردد بزوال سببه الذي قدمته لا اليقين العقلي ومما يصرح بأن هذا هو مرادهم تعبير الشيخين بقولهما فإن نكحت فالنكاح باطل للتردد في انقضائها فعلمنا أن المبطل هو التردد فحيث وجد الأمارة منع صحة النكاح وحيث انتفى لانتفاء تلك الأمارة صح النكاح، والله سبحانه وتعالى أعلم.
"وسئل" عن قول الإمام زين الدين المراغي في تكملة شرح المنهاج في باب العدة إذا قالت لنا امرأة انقضت عدتي وجب أن نسألها عن حالها كيف الطهر والحيض ونحلفها عند التهمة هل يحلفها المنكح أم يختص التحليف بالحاكم وكيف صورة التحليف؟ "فأجاب" بقوله ما قاله من وجوب السؤال إنما يتأتى فيمن يعلم بقرائن أحوالها أنها لا تعرف معنى الحيض والطهر بخلاف المخالطة للعارفين بذلك فإذا قالت انقضت عدتي بالأقراء مثلا، أو بوضع الحمل ونازعها المطلق مثلا صدقت بيمينها وإن قالت انقضت بالأشهر صدق هو بيمينه ويجب التحليف عند التنازع سواء اتهمت أم لا وعند التنازع لا يكون اليمين إلا بين يدي قاض، أو محكم وكيفيتها: والله إني حضت ثلاث حيض، أو ولدت، أو نحو ذلك، والله سبحانه وتعالى أعلم.
"وسئل" عن رجل طلق زوجته ثلاثا ثم تزوجت برجل ثم طلقها فأراد الزوج الأول بعد

 

ج / 4 ص -162-        مدة أن يتزوجها فقالت لم تنقض عدتي بعد من الثاني فتوقف حتى انقضت عدتها ثم تزوجها أعني الأول ثم ادعت بعد ذلك أن الزوج الثاني لم يطأها فقال الزوج الأول لا أصدقك؛ لأنك قلت حين أردت نكاحك لم تنقض عدتي أي من الثاني فقالت ظننت أن الخلوة واللمس ونحو ذلك يكفي في التحليل فهل يقبل قولها إن الزوج الثاني لم يطأها بعد أن أقرت أنها في عدته وبعد أن تزوجت بالأول وبعد مضي التحليل وسواء أكان قبل الدخول بالأول أم بعده؟ "فأجاب" بقوله إن كانت ممن يخفى عليها ذلك قبل قولها ولا تحل له حتى تتحلل منه تحليلا صحيحا، والله سبحانه وتعالى أعلم.
"وسئل" عن شخص سئل عن امرأة طلقها زوجها وهي في دم النفاس فلما طهرت من ذلك تزوجت بزوج فأقامت معه مدة يسيرة ثم نشزت عنه إلى بيت أبيها وادعت أنها تزوجت به في العدة وأن النكاح فاسد وأرادت أن تنكح زوجا غيره قبل أن يطلقها فامتنع الشخص المذكور من الفتوى حتى يصل إليه جوابها فهل لها أن تنكح زوجا غيره قبل الطلاق أم لا، وذكر أنه رأى بخط جده رحمه الله تعالى أن في توقيف الحكام إذا زوج ابنته وهو لا يعلم انقضت عدتها أم لا أنه لا يصح وإن ظهر بعد العقد أن العدة كانت منقضية، ونقل أيضا عن العزيز والروضة لو نكح امرأة لا يعلم أهي معتدة أم لا لم يصح النكاح اهـ. فهل ما نقله جده من هذا القبيل أم لا؟ "فأجاب" بقوله إذا مكنت البالغة العاقلة المختارة الزوج من نفسها ثم ادعت بعد ذلك أنه نكحها في العدة لم تسمع دعواها إلا لتحليفه فإذا حلف فنكاحه باق وليس لها أن تخرج من بيته ولا أن تتزوج ومتى فعلت ذلك ترتب التعزير الشديد وغيره مما لا يخفى وما ذكر عن ابن العماد ليس مما نحن فيه، والله سبحانه وتعالى أعلم.
"وسئل" عن شخص عقد على امرأة في عدة زوج ثم وطئها قبل تمام العدة ففرق بينهما فلما انقضت عدة الزوج وشرعت في عدة الوطء بالشبهة أراد ذو الشبهة أن يتزوجها في عدته هل له ذلك أم لا كما يؤخذ من قضية كلام صاحب البيان في باب العدد ولا حمل في الصورة المذكورة لواحد مما سبق؟ "فأجاب" بقوله: المصرح به في الروضة وأصلها وغيرهما أن لذي الشبهة أن يتزوجها في عدته في نحو هذه الصورة المذكورة في السؤال بل هي عينها في الحقيقة، والله سبحانه وتعالى أعلم.
"وسئل" عمن استعجلت حيضها بدواء فهل تنقضي به عدتها أم لا؟ "فأجاب" بقوله: نعم كما صرحوا به ومن ثم صرحوا أيضا بأنها لو استعجلته لم تقض صلاة أيامه.
"وسئل" عن فسخ النكاح بعد غيبة طويلة هل يجوز نكاحها حالا فقد وجدنا نقلا ينسب إلى الأم أن المرأة إذا فسخت النكاح لا يجب عليها العدة ولها التزوج في الحال فهل هذا النقل صحيح مع أنه خلاف القواعد؟ "فأجاب" بقوله: معاذ الله أن يصح هذا النقل بإطلاقه عن أحد من أئمتنا فضلا عن إمامهم بل إمام الأئمة رضي الله تعالى عنهم وإنما محل ذلك

 

ج / 4 ص -163-        أن فرض وجوده في الأم على فسخ وقع قبل الوطء وما ألحق به من استدخال المني المحترم، وأما إذا وقع الفسخ بعد الوطء، أو نحوه فلا بد من عدة بعد وقوعه وإن كان غائبا عنها قبله غيبة طويلة وليس هذا من خصوصيات مذهبنا، بل غيرنا من بقية الأئمة قائلون بذلك وهذا ظاهر جلي لا يحتاج للسؤال عنه، والله سبحانه وتعالى أعلم.
"وسئل" عما أفتى به الإمام البارزي من أن ذات القرء إذا انقطع حيضها تتزوج بعد أن تتربص تسعة أشهر هل يجوز تقليده فيه للضرورة خصوصا في هذه البلاد التي ليس فيها بيت المال؟ "فأجاب" بقوله: لا يجوز تقليده في ذلك ولا في غيره بل ينظر في هذه المقالة فإن قال بها مجتهد من الأربعة الأئمة رضي الله سبحانه وتعالى عنهم ولم يرجع عنها جاز تقليده وإلا فلا.
"وسئل" في الروضة في النكاح التصريح بأن اليمين على انقضاء العدة مستحبة وفي العدد التصريح بأنها واجبة فما المعتمد؟. "فأجاب" بقوله: لا تنافي بينهما فإن الأول فيما إذا ادعت ذلك لا على الزوج بل لتتزوج فهي مؤتمنة ولا منازع لها فسن تحليفها، والثاني فيما إذا نازعها الزوج فيجب تحليفها؛ لأن الحق له.
"وسئل" عن امرأة طلقت فلزمها أربع عدد؟ "فأجاب" بقوله: هي أمة لم تبلغ اعتدت بالأشهر فحاضت أثناءها فانتقلت للأقراء فعتقت فانتقلت لعدة الحرائر فمات الزوج فانتقلت لعدة الوفاة، والله سبحانه وتعالى أعلم.

"باب القذف واللعان"
"وسئل" رضي الله تعالى عنه في شخصين تخاصما فقال أحدهما للآخر يا مأبون يا مخنث يا فرخ الزنا يا ولد الزنا وعن شخص قال لشاهدين اشهدا علي إذا أبرأتني زوجتي فلانة من حقوق الزوجية وغيرها إذا لم يعين شيئا مطلقا فهي طالق طلقة واحدة فذكرا لها ذلك فقالت بصريح لفظها هو البريء من حقوق الزوجية وغيرها من غير تعيين شيء فهل يقع عليه الطلاق أم لا لكونه علق على مجهول وأبرأت من مجهول وإذا قلتم يقع عليه طلقة ولا إبراء فهل يكون رجعيا أم بائنا؟. "فأجاب" بقوله: الابنة داء يحدث في أسافل المعدة يتولد عنه أفعال خبيثة غالبا وحينئذ فمأبون ليس صريحا في القذف بل كناية فيه وكذلك مخنث لأن مفهومه ذو الخنوثة فتحت نونه أو كسرت وهي التشبه بالنساء المحتمل لما هو قذف وغيره فيكون كناية أيضا وأما فرخ فهو اصطلاح لبعض الناس بمعنى ولد الزنا وليس ذلك مفهومه وضعا ولا عرفا عاما بل ولا هو أحد محتملاته الوضيعة فالذي يظهر أنه ليس بكناية لعدم صدق حدها عليه لكن مع ذلك فيه التعزير كأحد الأولين إذا لم ينو به القذف وأما ولد الزنا فهو صريح في قذف الأم فيحد لها حد القذف وليس فيه قذف ولا سب للأب

 

ج / 4 ص -164-        والمعلق على البراءة إلا أطلق أو أراد البراءة الصحيحة لم يقع عليه طلاق بالبراءة من المجهول وإن أراد تلفظها بالبراءة طلقت رجعيا، والله سبحانه وتعالى أعلم.
"وسئل" في رجل قال لغيره يا شيطان هل يعزر؟ "فأجاب" بقوله: إن أراد تشبيهه به في الفساد عزر وإلا فلا وعلى الثاني يحمل ما نقله الكرابيسي عن الشافعي أنه لا تعزير في ذلك لأنه نسبة إلى الحذق وجودة الفهم، والله سبحانه وتعالى أعلم.
"وسئل" عن رجل تزوج امرأة وثبت افتراشه لها فأتت بولد ولم يعلم هل ولدته لستة أشهر ولحظتين من وقت ثبوت افتراشها أو لا؟ فهل يلحقه الولد بذلك ولا ينتفي عنه إلا باللعان أم لا بد من إقامة بينة بأنها ولدته لأكثر من ستة أشهر إلى أربع سنين من الوقت المذكور وإذا قلتم لا بد من إقامة بينة بذلك فمن أين يؤخذ من كلام الأصحاب رحمهم الله تعالى؟ فإن بعض فقهاء العصر من أهل جهتنا أفتى بأن الولد لا يلحق الزوج شرعا إلا إذا ثبت أنها أتت به لأكثر من ستة أشهر إلى أربع سنين من الوقت المذكور فقال أنه مصرح به في أوائل كتاب اللعان من الروضة في أثناء فصل وهذا نص عبارة الروضة التي فهم منها المفتي ذلك وإذا لم تعرف وقت النكاح الأول والثاني لم يلحق به لأن الولادة على فراشه والإمكان لم يتحقق إلا أن يقيم بينة أنها ولدته في نكاحه لزمان الإمكان اهـ. لفظ الروضة ولم يظهر للمملوك وجه ما أفتى به هذا الفقيه المذكور ولا أخذ المسألة من كلام الروضة بل يظهر أن المسألة في كلام الروضة غير المسألة المسئول عنها وأيضا فإن بعض فقهاء العصر الموجودين الآن من أهل زبيد أفتى بخلاف ذلك في جواب له على المسألة وحاصل جوابه أن الولد يلحق الزوج عند جهل مدة الحمل ولفظه في آخر جوابه وإذا جهلت المدة فلم يدر هل ولدته لمدة الإمكان أو لدونها قال السيد السمهودي فهذه لم أرها منقولة وللنظر فيها مجال ولعل الأرجح أنه يلحق لثبوت كونها فراشا ثم ساق كلاما آخر للبلقيني يقتضي ذلك فما الراجح يا سيدي في ذلك وما الذي يعول عليه ويعتمد فيها من الجوابين المذكورين بينوا لنا ذلك وأوضحوه لا زلتم مصابيح الظلام وهداة الأنام بمحمد وآله وأصحابه عليه وعليهم أفضل الصلاة والسلام؟ "فأجاب" نفع الله سبحانه وتعالى به المسلمين بقوله قد تعقبت وتصفحت على هذه المسألة أياما حتى رأيت في نص الشافعي رضي الله تعالى عنه وفي كلام الأصحاب أنه لا يلحقه الولد إلا إن ثبتت ولادته على فراشه لزمان الإمكان وهو ستة أشهر ولحظتان من حين إمكان الاجتماع بعد النكاح وعبارة النص ولو ولدت امرأته ولدا فقال ليس هذا بابني فلا حد ولا لعان حتى يفسر فإن قال لم أرد قذفها ولم تلده مني أو ولدته من زوج آخر قبلي وعرف نكاحها قبله فلا يلحقه إلا بأربع نسوة يشهدن أنها ولدته وهي زوجة له ولوقت يمكن أن تلد فيه منه لأقل الحمل وإن سألت يمينه أحلفناه وبرئ فإن نكل أحلفناها ولحقه وإن لم تحلف لم يلحقه.
ونص الشافعي رضي الله

 

ج / 4 ص -165-        عنه أيضا في كتاب الطلاق من أحكام القرآن على أنه لو قال ما هذا الحمل مني وليست بزانية ولم أصبها قيل له قد تخطى فلا يكون حملا ويكون صادقا وهي غير زانية فلا حد ولا لعان فمتى استيقنا أنه حمل قلنا له قد يحتمل أن تأخذ نطفتك فتدخلها فتحمل منك فتكون صادقا بأنك لم تصبها وهي صادقة بأنه ولدك وإن قذفت لاعنت وإن نفى ولدها وقال لا ألاعنها ولا أقذفها لم يلاعنها ولزمه الولد وإن قذفها لاعنها لأنه إذا لاعنها بغير قذف فإنما يدعي أنه لم تلده وقد علمت بأنها ولدته وإنما أوجب الله سبحانه وتعالى اللعان بالقذف فلا يجب بغيره ولو قال لم تزن ولكنها غصبته لم ينتف عنه إلا باللعان فإذا التعن وقعت الفرقة وهذا نصه في المختصر فتأمل قوله رضي الله تعالى عنه فلا يلحقه إلا بأربع نسوة يشهدن أنها ولدته وهي زوجة له ولوقت يمكن أن تلد فيه منه لأقل الحمل وتأمل أيضا ما اشتمل عليه من النفي والاستثناء الذي هو أبلغ طرق الحصر تجده صريحا فيما ذكرته من أنه لا يلحقه الولد إلا إن ثبتت ولادته على فراشه لزمن الإمكان الذي هو أقل مدة الحمل وقد صرح الأذرعي بأن نص الشافعي رضي الله تعالى عنه مشتمل على ذلك فإنه لما ساقه قال عقبه وفي هذه الجملة مسائل إحداها سئل فقال لم أرد قذفها وإنما التقطته أو استعارته ولم تلد على فراشي فعليها البينة بالولادة على فراشه وهي شاهدان، أو رجل وامرأتان، أو أربع نسوة ولو طلبت يمينه أحلف فإن حلف فذاك وإن نكل أحلفت قال أبو إسحاق في شرحه: فتحلف أنها ولدته على فراشه لا على أنه منه لأن النسب لا يثبت بقولها ولا ينتفي وإنما التداعي بينهما في الولادة على الفراش وفي أنها ولدته أم لا ولذا إنما يحلف الزوج على ذلك وظاهر هذا أنه يحلف أنها لم تلده لأنها يمين على نفي فعل الغير ولم يذكر ابن العماد الرافعي غيره وقال الفوراني إن نفى ولادته على فراشه حلف على نفي العلم وإن قال ليس هو بولد لي حلف على البت ثم إنما يلحقه إذا حلفت على الولادة بشرط الإمكان فإن نكلت عن اليمين لم يحلفه كما نص عليه لأنه لم يثبت حدوثه على الفراش أي ولأن يمين الرد لا ترد اهـ. المقصود منه فتأمل قوله شرحا لما اشتمل عليه النص ثم إنما يلحقه إذا حلفت على الولادة بشرط الإمكان تجده مصرحا بأن ذلك من جملة ما صرح به النص وهو ما ذكرته أولا قال الأذرعي أيضا الثانية أي مما اشتمل عليه النص المذكور إذا قال لم أرد قذفها بل أنه ليس مني بل من زوج كان قبلي فإذا لم يعرف ذلك قال الشيخ أبو حامد والقاضي أبو الطيب وغيرهما لحقه الولد وحكى الرافعي عن السرخسي أنه لا يكون قاذفا ويلحقه الولد أي وإن لم يتبين كما اقتضاه ظاهر عبارته لكن قال الماوردي وجماعة من العراقيين كالبندنيجي وسليم في المجرد والتقريب والمحاملي في المجموع ونص المقدسي في التهذيب إذا لم يعرف لها زوج قبل ذلك قيل هذا البيان غير مقبول فبينه بما يمكن ليقبل وإن عرف لها زوج فإما أن يعرف وقت طلاقه وعقد الثاني ووقت الولادة، أو لا يعرف فإن عرفنا جميع ذلك فإن أمكن إلحاقه بأحدهما فقط ألحق به وإن أمكن أن يلحق بهما عرض

 

ج / 4 ص -166-        على القائف أي على قول الأصح خلافه وهو أنه للثاني لانقطاع فراش الأول كما صرحوا به في العدد وإن جهل وقت طلاق الأول وعقد الثاني ووقت الولادة فالقول قول الزوج بيمينه وفي كيفيتها وجهان في الحاوي أحدهما يحلف أنه ليس منه والثاني أنها ولدته لزمان يستحيل كونه منه أي فتخيره بينهما كما صرح به غيره وعلى الوجهين لا يعترض لكونه من الزوج الأول فإذا حلف انتفى عنه وإن نكل حلفت كما سبق عن نصه اهـ. المقصود منه فتأمل قول أولئك الأئمة الماوردي ومن معه فيما إذا لم يعرف لها زوج قبله قيل هذا البيان إلخأي قولك ليس مني مع أنه لم يعرف لها زوج قبله غير مقبول لأنه خلاف الظاهر بل لا بد أن تبين سبب انتفائه عن فراشك من عدم ولادته عليه، أو عدم إمكانه منك لكونها ولدته قبل مدة أقل الحمل، أو نحو ذلك حتى تقبل دعواك أنه ليس منك فإذا فهمت أن هذا هو معنى كلام هؤلاء الأئمة كان كلامهم صريحا في أنه إذا ادعى أنه ولد على فراشه لدون أقل مدة الحمل يقبل وعلى المرأة البينة أنها ولدته لزمن الإمكان وتأمل أيضا قولهم الموافق لعبارة الروضة المذكورة في السؤال وعبارة أصلها أظهر من عبارتها في ذلك إذا جهل وقت طلاق الأول ووقت عقد الثاني ووقت الولادة فالقول قول الزوج بيمينه أنه ليس منه، أو أنها ولدته لزمان يستحيل كونه منه تجده صريحا فيما ذكرناه أيضا ووجه صراحته أن فراش الأول قد انقطع بالنكاح الثاني كما صرحوا به فالفراش ليس إلا للثاني وقد جهلنا أن ولادة هذا الولد عليه لزمن يمكن كونه منه، أو لا فيصدق حينئذ في أنه ليس منه، أو في أنه ولد لزمن يستحيل كونه منه لكونه لدون أقل مدة الحمل مثلا فعلمنا أن المدة بين النكاح والولادة إذا جهلت لا تكون الولادة على الفراش سببا للإلحاق بذي الفراش إلا إن ثبتت أنها لمدة أقل الحمل فأكثر وصراحة ما تقرر ظاهرة في ذلك لا تحتاج إلى بسط أكثر مما ذكرته وعبارة الروضة التي في السؤال شرحها ما ذكرته بقولي عنهم إذا جهل وقت طلاق الأول ووقت عقد الثاني ووقت الولادة إلخ وعبارة أصلها أظهر في ذلك من عبارتها وهي وإذا لم نعرف وقت فراق الأول ونكاح الثاني فلا يلحق الولد به لأن الولد على فراشه وحصول الإمكان شرط لم يتحقق إلا أن تقيم بينة على أنها ولدته في نكاحه لزمان الإمكان أي فحينئذ يلحقه وتقبل فيه شهادة النساء المحصنات فإن لم تكن بينة فلها تحليفه فإن نكل تأتي فيه ما مر انتهت ملخصة وقوله: فلا يلحق الولد به أي بالثاني كما صرح به غيره وقوله لأن الولد إلخ معناه أن إمكان الولادة منه لم يتحقق فهذا نص في مسألتنا علمت أن الشيخين وغيرهما قرروا أن الولد على فراش الثاني وأن حصول الإمكان مع كون الولد على الفراش شرط في لحوقه بذلك الفراش وأن ذلك الإمكان المشترط عند الجهل بالمدة المذكورة لم يتحقق وأنه إذا لم يتحقق لا يلحقه الولد وإن كان على فراشه وهذا هو عين ما قدمته عن نص الشافعي رضي الله تعالى عنه الموافق لما أفتى به بعض فقهاء جهة السائل نفع الله سبحانه وتعالى بهما وبما قررته فيه علمت دلالته الواضحة على ما ذكره فإن قلت

 

ج / 4 ص -167-        يمكن الفرق بأنه تعارض هنا فراشان فإذا نفي عن الثاني كما ذكر يلحق بالأول بخلاف صورة السؤال فإنه يلزم من نفيه فراش الزوج ضياع نسبه بالكلية والنسب يحتاط له ما أمكن قلت إذا تأملت قولهم السابق وعلى الوجهين لا يتعرض لكونه من الزوج الأول علمت أن هذا الفرق خيال لا اعتبار به لأن الصورة أنه جهل وقت طلاق الأول فالإلحاق به مستحيل للجهل بوقت طلاقه فلم يلزم من الانتفاء عن الثاني هنا الإلحاق بالأول بوجه من الوجوه فساوت هذه الصورة صورة السؤال في أنه ينتفي عن ذي الفراش فيهما وإن شاع نسبه وقد صرحوا أيضا بأن الإمكان شرط للحوق بالفراش كما في شرح المنهاج وغيرهما حيث قالوا لو قال هذا ولدي من أمتي ولدته في ملكي فإن كانت فراشا له فإن أقر بوطئها لحقه بالفراش عند الإمكان لا بالإقرار للحديث الصحيح "الولد للفراش" فيعتبر فيه الإمكان وإن كانت مزوجة فالولد للزوج عند إمكان كونه منه لأن الفراش له صرائح بينة في أن الفراش وحده ليس بكاف في الإلحاق بل لا بد معه من تحقق إمكان كونه منه لما علمت من عباراتهم هذه وغيرها أن الإمكان شرط والشروط لا بد من تيقنها أو ظنها المستصحب بعد تيقن وجودها وعند وجود الفراش والشك في أنه ولد قبل أقل مدة الحمل أو بعدها لم يتحقق موجب الإلحاق أصلا لما تقرر أن الفراش وحده غير كاف وأن الإمكان عند الشك غير موجود يقينا ولا ظنا ومما يصرح بذلك قولهم القاعدة أنه متى وجد الشك في الشرط لا يترتب الحكم والمراد الشك في أصل وجود الشرط كما في صورة السؤال وما نقله في السؤال عن السيد السمهودي رحمه الله تعالى عجيب مع سعة اطلاعه فإن المسألة كما علمت منصوص عليها في كلام الشافعي رضي الله تعالى عنه والأصحاب رحمهم الله تعالى بل هي في المختصرات أيضا كالتنبيه وعبارته باب ما يلحق من النسب وما لا يلحق ومن تزوج امرأة فأتت بولد يمكن أن يكون منه لحقه نسبه ولا ينتفي عنه إلا باللعان وفسر شراحه ابن الرفعة وابن النقيب وغيرهما زمن الإمكان بما يعلم منه أن تكون ولادته لأقل مدة الحمل والزوج ممن يحبل وأمكن اجتماعه بالزوجة بعد العقد أي ولا نظر لإمكان ولادته لأقل مدة الحمل والزوج ممن يحبل وأمكن اجتماعه بالزوجة بعد العقد أي ولا نظر لإمكان استدخالها منيه لندرة الحبل منه فتأمل قوله أعني التنبيه يمكن أن يكون منه أي بأن توجد فيه هذه الشروط المذكورة تجده صريحا فيما قدمته من أنه لا بد في اللحوق بالفراش من تحقق الإمكان المذكور ويلزم على بحث السيد المذكور في السؤال أن من تزوج امرأة ثم أتت بولد وشك في إمكان اجتماعه بها، أو لا أو في أنه ممسوح، أو لا أو في أنها ولدته لأقل مدة الحمل، أو لا، أو لأكثر من أربع سنين من آخر اجتماعه معها، أو لا أو في كل ذلك أنه لا أثر لهذا الشك وأن الولد يلحق به مع ذلك الشك وكلامهم طافح بمخالفة ذلك وأنه لا بد من تحقق جميع ذلك لما عرفت أنهم صرحوا بأن هذه شروط مع تصريحهم بأن الشروط لا بد من وجودها بالمعنى السابق حتى يوجد المشروط وإلا لم يوجد لما هو مقرر أنه يلزم من عدمها عدم المشروط ومما يصرح بذلك الخلاف المشهور بيننا وبين أبي حنيفة رضي الله

 

ج / 4 ص -168-        تعالى عنه في أن من نكح وطلق ثم أتت زوجته بولد فعندنا لا نلحقه إلا إن تحققنا تخلل زمن بين العقد والطلاق يمكن اجتماعه بالزوجة فيه عادة وعنده يلحق النسب وإن طلق في مجلس العقد وهي بالمشرق وهو بالمغرب وبهذا تعلم مأخذ ما قدمته عن الشافعي والأصحاب رضي الله تبارك وتعالى عنهم من أنه لا بد من تحقق مضي أقل مدة الحمل قبل الولادة على الفراش مع تحقق الشروط الأخر الباقية فإن قلت ما قررته من أنه لا بد من تحقق الإمكان ظاهر فيما إذا كان الزوج، أو نحوه موجودا وتنازع مع الزوجة، أو نحوها وكلام الشافعي رضي الله تعالى عنه والأصحاب صريح في ذلك لا يقبل تأويلا أما إذا مات الزوج ونحوه مثلا ثم رأينا زوجته ولدت على فراشه فينبغي أن يحكم بكونه ولدا له من غير بحث عن وجود تلك الشروط أولا عملا بالظاهر من الفراش وهو الإلحاق قلت يمكن أن يقال بذلك ويحمل عليه بحث السيد السابق لكن بالنسبة إلى جواز نسبته وانتسابه إلى من ولد على فراشه صيانة له عن العار بضياع نسبه ولأمه عن العار برميها بالزنا ونحوه أما بالنسبة لمن نازعه في انتسابه إلى ذي الفراش فلا بد من قيام بينة ولو أربع نسوة فيما يقبلن فيه تشهد بوجود جميع تلك الشروط السابقة، أو فيما نوزع فيه منها حتى يندفع النزاع فيه المعتضد بأن الأصل عدم أبوة ذي الفراش له حتى تتحقق مقتضيات الإلحاق ويوافق ما قدمته أولا أيضا قول ابن الوكيل وأقروه لا يلحق الولد إلا لستة أشهر وقد يظن أن هذا لا يستثنى منه شيء وهو خطأ فإن ذلك إنما هو في الولد الكامل أما الناقص كأن جني على حامل فألقت جنينا لدون ستة أشهر فإنه يلحق أبويه وتكون الغرة لهما وكذا لو أجهضته بغير جناية كانت مؤنة تجهيزه وكفنه على أبيه وإنما يتقيد بالستة أشهر الولد الكامل دون الناقص فتأمل هذا تجده أيضا موافقا لما قدمته عن الشافعي رضي الله تعالى عنه والأصحاب رحمهم الله تعالى من أنه لا بد من تحقق مضي أقل مدة الحمل قبل الولادة على الفراش ويوافق ذلك أيضا أطباقهم في أن من استلحق مجهولا بأن قال هذا ابني لا يلحقه إلا إن تحقق إمكان كونه منه فلو شككنا في ذلك لم نلحقه به فكذا هنا لأن غاية الفراش أن يكون بمنزلة قوله هذا ولدي فإن قلت قد ينافي ما مر من أن القول قوله: في أن الولادة لدون زمن الإمكان جعلهم القول قول الزوجة في نظير ذلك حيث قالوا لو اختلفت البائن والزوج في وقت الوضع فقالت وضعت اليوم وطالبته بنفقة شهور وقال بل وضعت من شهر فالقول قولها وعليه البينة لأنها أعرف بوقت الولادة ولأن الأصل عدم الولادة وبقاء النفقة قلت لا ينافي ذلك بوجه لأنهما هنا متفقان على أن الولد منه وعلى أنها تستحق النفقة قبل وضعه فكان قوله: وضعت من شهر متضمنا لإسقاط ما وجب لها من النفقة الماضية نظرا إلى أن الأصل دوام وجوبها حتى يتحقق المسقط وهو الوضع فلاعتضاد قولها بهذا الأصل ومخالفة قوله له احتاج إلى البينة ولم تحتج هي إليها وأما في مسألتنا فلا أصل فيها معها بل الأصل وهو عدم أبوته معه فلم يحتج هو إلى بينة لدعواه ولادتها لدون الإمكان لموافقتها أصل

 

ج / 4 ص -169-        العدم واحتاجت هي إلى بينة أنها ولدته للإمكان لأن قولها على خلاف الأصل المذكور فإن قلت قال الغزي لو قالت المطلقة ثلاثا انقضت عدتي قبلنا قولها فلو أتت بولد بعد ذلك يمكن أن يكون العلوق به في النكاح السابق لحق الزوج إلا إذا تزوجت واحتمل كون الولد من الثاني فلو قال المطلق في الصورة الأولى نكحت زوجا غيري وهذا الولد منه ولم يظهر لنا النكاح فلا نقل في المسألة والمتجه أنه لا يقبل قوله بلا بينة لأجل حق الولد اهـ. فلم لم يقبل قوله هنا إلا ببينته بخلاف ما مر قلت لأنا تحققنا فراشه وتحققنا الإمكان منه والأصل عدم زوج غيره فقوله: نكحت زوجا غيري وهذا الولد منه مخالف للأصل المعتضد بتحقق الإمكان منه فلم يقبل قوله إلا ببينة لأجل ما ثبت للولد من تحقق الإمكان المقتضي للحوق به هذا ما فتح الله سبحانه وتعالى به على أقل عبيده وأحوجهم إلى عفوه ومغفرته وفوق كل ذي علم عليم.

باب النفقة
"وسئل" عن رجل سافر وترك زوجته بمنزل طاعته وأمرها أن لا تخرج من منزلها إلى حين عوده وأمر والدته أن تصرف عليها ما دامت في منزل الطاعة فأقامت أياما قلائل ثم سافر أهلها إلى المدينة الشريفة فسافرت معهم ولما عادت سكنت عندهم واستمرت والدة الزوج تدفع لها دراهم نقدا إلى أن قدم ولدها مع عدم إذنه لها في شيء من ذلك فهل والحال ما ذكر يلزم الزوج المذكور نفقتها مع وجود سفرها وخروجها من منزل الطاعة أم لا وهل لوالدته الرجوع عليها بما أخذته منها أم لا وما حكم الله سبحانه وتعالى في ذلك؟ "فأجاب" رحمه الله تعالى بقوله لا تستحق الزوجة المذكورة نفقة من حين خرجت من منزل الزوج فما أعطته لها والدته يرجع هو عليها به لأنه لم يأذن لها في صرفه إلا ما دامت في منزله فإذا أعطتها شيئا خارجه كانت الوالدة مقصرة فضمنت لولدها ما فرطت فيه وإذا غرمها ولدها رجعت على زوجته بما غرمته له إن أعطته لها بظن أنه يلزمها الإنفاق عليها من مال ولدها وإن كانت خارج منزله أما إذا علمت أنه لا نفقة لها فهي متبرعة عليها بما أعطته لها فلا ترجع عليها حينئذ بشيء، والله سبحانه وتعالى أعلم.
"وسئل" نفع الله تعالى به هل للمرأة أن تخرج من بيت زوجها للاستفتاء والتكسب ونحو ذلك أم لا؟ "فأجاب" بقوله لها الخروج بغير إذن للضرورة كخوف هدم وعدو وحريق وغرق وللحاجة للتكسب بالنفقة إذا لم يكفها الزوج وللحاجة الشرعية كالاستفتاء ونحوه إلا أن يفتيها الزوج أو يسأل لها لا لعيادة مريض وإن كان أباها ولا لموته وشهود جنازته قاله الحموي في شرح التنبيه واستدل له بأن امرأة استأذنت رسول الله صلى الله عليه وسلم في عيادة

 

ج / 4 ص -170-        أبيها وكان زوجها غائبا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اتقي الله سبحانه وتعالى وأطيعي زوجك" فلم تخرج وجاء جبريل فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن الله عز وجل قد غفر لأبيها بطاعتها لزوجها.
"وسئل" عمن عقد بجدة لشخص على بنت له بكر وهي أي البنت المذكورة بأبي عريش ثم بعد العقد لم يطلبها الزوج من أبيها بل سافر إلى مصر وسافر أبوها إلى اليمن ثم حضر بعد سنين وطالب الزوج أبوها بالنفقة الماضية والكسوة من حين العقد إلى الآن فهل تلزمه النفقة والكسوة الماضية أم لا؟ "فأجاب" رحمه الله تعالى بقوله لا تلزمه نفقة ولا كسوة للسنين الماضية لانتفاء عرضها، أو عرض وليها على الزوج عند حضوره وعلى الحاكم عند غيبته.
"وسئل" عمن لمس زوجته هل يلزمه لها ماء الوضوء أم لا؟ "فأجاب" نفع الله تعالى بعلومه بقوله مقتضى كلام الرافعي بل صريحه أنه يلزمه لها ذلك وهو ظاهر وعليه فهل يقاس بها أجنبية لمسها عمدا، أو عكسه، أو لا إلا الأوجه لا لأن تمكين الزوج واجب فجعل الشارع لها في مقابلته ماء طهارتها وإلا لكان في تكليفها ماء الطهر مع وجوب التمكين عليها عسر ومشقة لا تطاق بخلاف مسها لزوجها إذ لا وجوب حتى يجعل في مقابلته شيء وبخلاف مسألة الأجنبيين لأن الحرمة كافية في العقوبة فلا تخرج على الإتلافات لأن النقض حكم من الشارع لا منه وإن كان هو سببا فيه وإنما لزم شاهد الزور الغرم مع كون التغريم ليس منه وإنما هو سبب فيه لأنه ألجأ الحاكم إلى الحكم واللامس هنا لا إلجاء منه وأيضا فرجوع الشاهد هو المقتضي لغرمه لأنه رافع للحكم الواقع واللامس هنا لم يرفع ما تسبب فيه. "وسئل" نفع الله تعالى بعلومه بما صورته أجنبت الزوجة باحتلام ثم وطئها الزوج فهل يجب عليه ثمن ماء غسلها؟ "فأجاب" بقوله الذي اقتضاه كلامهم في باب النفقات أنه لا يجب عليه ذلك لأن الغسل ليس بسببه حينئذ.
"وسئل" هل للزوجة الامتناع حتى يسلمها الكسوة؟ "فأجاب" رحمه الله تعالى بقوله لا يجوز لها الامتناع لتسليم النفقة الماضية التي صارت دينا في ذمة الزوج كسائر الديون الواجبة لها عليه وأما الكسوة القائمة فمن شرط وجوبها التمكين فإذا منعت منه سقط وجوبها وأخذ بعضهم من قول الشيخين عن البغوي وغيره لو اختارت امرأة المعسر المقام معه لم يلزمها التمكين من الاستمتاع أن لها الامتناع هنا أيضا قال لأنه إذا جاز ذلك لامرأة المعسر المعذور فبالأولى جوازه لامرأة الموسر اهـ. وقد يفرق كما لا يخفى على المتأمل.
"وسئل" عمن زوج عبده بأمته فهرب العبد وتضررت بذلك فما الحيلة في الفسخ

 

ج / 4 ص -171-        عليه؟ "فأجاب" نفع الله تبارك وتعالى به المسلمين بقوله الحيلة في ذلك أن يعتقها، أو يكاتبها ثم يملكها إياه بنذر، أو وصية أو شراء إن قدرت عليه فإنها إذا ملكته انفسخ نكاحها وإن فسخت كتابتها بعد ذلك.
"وسئل" عمن تزوج امرأة ثم سكن معها في بيتها مثلا أو استعمل أوانيها وهي ساكتة على جاري العادة هل عليه أجرة ذلك؟ "فأجاب" رحمه الله تعالى بقول نعم عليه أجرة ذلك ونقص أرش الأواني.
"وسئل" بما صورته أراد الزوج سفرا طويلا فهل لزوجته مطالبته بنفقتها لمدة ذهابه ورجوعه أم لا؟ "فأجاب" نفع الله تعالى به بقوله نعم لها ذلك كما أفتى به البغوي قال كما لا يخرج للحج حتى يترك هذا القدر واستشكل بجواز سفر من عليه دين مؤجل يعلم أنه يحل قبل رجوعه وإن لم يستأذن غريمه ولم يترك له وفاء وقال الأذرعي إن أراد البغوي لزوم دفع ذلك إليها في الحكم الظاهر فهو بعيد إذ كيف يلزم بأداء ما لم يجب وقد يجب من بعد وقد لا يجب وإن أراد أن لها الاعتراض عليه كرب الدين المؤجل يعترض على مديونه إلا أن يدفع له وفاء، أو كفيلا مليا فذاك في المؤجل القريب الحلول على خلاف وتفصيل فيه والمرجح عدم التحجر والنفقة أولى بعدم التحجر لأنه لم يتعلق بذمته شيء بخلاف الدين وإن أراد أنه يلزمه ذلك فيما بينه وبين الله سبحانه وتعالى فحسن لكنه بعيد من لفظه وقد يقربه تشبيهه بالخروج للحج إذ لا نعلم من قال أنه يلزمه في الظاهر بذلك هنا ولا شك أنه لا يلزمه دفع ذلك إليها على كل تقدير اهـ. وما قاله البغوي هو المنقول إذ لا يعلم مخالف له من الأصحاب مع أن القياس على مسألة الحج المصرح بها في كتبهم يشهد له ويفرق بين الزوجة ومستحق الدين المؤجل بأنها تحت حجر الزوج ومحبوسة لأجله فلو لم نمكنها من مطالبته بذلك لزم ضياعها ومزيد تضررها بخلاف الدائن فإنه لا حجر لأحد عليه فلا يلحقه من الضرر ما يلحق الزوج.
فجاز أن تختص بذلك لأنه وجد فيها من المعنى المقتضي لذلك ما لم يوجد في غيرها يعلم بذلك دفع الإشكال السابق وإذا مكناها من مطالبته بذلك فظاهر أن الحاكم لا يلزمه بدفع ذلك إليها بل يدفعه لعدل ينفق عليها منه ويصرف عليها ما يجب لها كل يوم وبهذا الذي ذكرته يندفع جميع الترديدات التي ذكرها الأذرعي وكذا يقال بذلك في مسألة الحج وقول الأذرعي إذ لا نعلم إلخ يجاب عنه بأن كلامهم ظاهر في ذلك فلا يحتاج للتصريح به.
"وسئل" عمن أقرت بدين فحبست فيه فهل تجب نفقتها؟ "فأجاب" رحمه الله تعالى بقوله لا تجب كما أفتى به النووي وابن الصلاح ويظهر أن البينة إذا شهدت عليها بذلك فأنكرت وحكم عليها بالحبس لا تسقط بذلك نفقتها وإن صدقت بعد ذلك لأنها لم تتسبب في ذلك فهو كمرضها.

 

ج / 4 ص -172-        "وسئل" نفع الله سبحانه وتعالى به عمن نشزت أثناء الفصل هل تسقط كسوتها كنفقتها؟ "فأجاب" رحمه الله تعالى بقوله الكسوة كالنفقة في ذلك فإذا نشزت ولها كسوة دخلت في ملك الزوج بمجرد النشوز فإن عادت للطاعة تخير بين أن يعطيها إياها وبين أن يبدلها بكسوة تكفي لبقية المدة ذكره ابن عجيل وقال ابن الرفعة في المطلب فيما لو طلقها في أثناء الفصل قبل أن يعطيها كسوتها لم أر في المسألة نقلا ويبعد كل البعد أن ينكح الرجل امرأة ويطلق في يومه ونوجب عليه كسوة فصل كامل ولعل الأولى أن توزع الكسوة على أيام الفصل ويجب لها من قيمة الكسوة ما يقابل زمن النكاح وكلام الشيخين يقتضيه حيث قالا تفريعا على أنها تمليك فلو مضت مدة ولم يكسها صارت دينا أي كسوة تلك المدة ولا يقاس ذلك بما إذا قبضتها أول الفصل وبانت منه في أثنائه فإن الراجح أنه لا يرجع عليها بشيء لحصول المقصود بالقبض فلم يؤثر فيه ما طرأ بعده بخلاف ما إذا لم يحصل ولذلك نظائر في الهبة والرهن ولا يقاس ذلك أيضا بما إذا مات أثناء اليوم قبل قبض نفقتها فإن نفقة اليوم تجب لها لأن أجزاءه متقاربة وبما تقرر يعلم أن ما ذكر أوجه من قول البارزي لما سأله الإسنوي عن ذلك بما صورته هل يقال تستحق الجميع بدليل ما إذا أقبضها ثم طلقها فلا رجوع على الصحيح إذ لو لم تستحق لرجع، أو يقال تستحق بالقسط ليس إلا وليس نظير ما إذا أقبضها لأن هناك لما اتصل بالقبض لم يؤثر ما يطرأ بعد ذلك وقد نقل موثوق به عن بعض الأصحاب وأظنه صاحب الإفصاح ما يوافق الثاني إلا أنه يحتمل أن يكون جوابا على المرجوح في الرجوع عند القبض فالمسئول الأنعام في هذه المسألة فإنها وقعت واضطربت فيها الآراء فأجابه البارزي رحمه الله تعالى بما صورته إذا طلقها في أثناء الفصل قبل أن يعطيها كسوته كانت دينا عليه وفي كتاب ابن كج له الاسترداد والصحيح الأول وقطع به الجمهور اهـ. ونص أيضا أن الكسوة كالنفقة فقال وأصحهما ونسب إلى النص يجب تمليكها كالنفقة والأدم وسوى بين النفقة والكسوة بعد ذلك فقال ولا خلاف أن وقت وجوب تسليم النفقة صبيحة كل يوم والكسوة أول كل صيف وشتاء فنقول كما أن الطلاق في أثناء الفصل بعد قبضها الكسوة لا يؤثر في رجوعه عليها فكذلك طلاقها في أثناء الفصل قبل الكسوة لا يؤثر في سقوط ذلك من ذمته كنفقة اليوم اهـ. وإذا تأملت ما ذكره علمت أن مستنده ليس إلا قياس الكسوة على النفقة وقد علمت الفرق بينهما فيما مر وكون الشيخين سوياها بها في كونها تصير دينا وفي وقت وجوب التسليم لا يستلزم قياسها بها في غير ذلك لوجود الفارق مع تصريح بعض الأصحاب بالفرق في مسألتنا وقول الإسنوي يحتمل إلى آخر ما مر عنه في سؤاله ممنوع بل هو جواب على الصحيح لما مر.
"وسئل" عمن غاب زوجها فأثبتت إعساره وفسخت ثم عاد وادعى أن له مالا خفي على بينة الإعسار فهل يقبل؟. "فأجاب" بما صورته قال الغزالي لا يقبل منه ذلك إلا إن ادعى

 

ج / 4 ص -173-        عليها أنها تعلمه وتقدر عليه فيبطل الفسخ إذا أقام بذلك بينة.
"وسئل" عما إذا أراد الزوج نقل زوجته وعليها دين فامتنعت حتى يرضى الدائن فهل تجبر على السفر معه في هذه الحالة؟ "فأجاب" بقوله نعم تجبر إذا كانت معسرة، أو كان لها مال على الزوج وهو معسر وإلا لم تجبر حتى يأذن الدائن أو تقضيه والذي يظهر أن للحاكم إجبارها على قضاء الدين لأنه يتوصل بذلك إلى إجبارها على السفر وإن لم يطالبها الدائن أو أمر الدائن بمطالبتها، أو الإذن لها في السفر.
"وسئل" عما إذا اختلف الزوجان في النشوز فمن المصدق منهما؟ "فأجاب" بقوله الذي ذكره الأصحاب أن القول قول الزوج لأن الأصل عدم التمكين وبراءة الذمة لكن قال الجيلي هذا إذا كان الاختلاف قبل الدخول وأما بعده ولو مرة واحدة فالقول قولها لأن التسليم والنفقة واجبان بالعقد والتمكين والزوج يدعي النشوز والأصل عدمه وعدم سقوط النفقة اهـ وما ذكره متجه.
"وسئل" عن امرأة غاب عنها زوجها ففسخت عليه عند الحاكم بإعساره فحضر وادعى أنه أرسل لها بنحو النفقة قبل الفسخ وأنكرت فمن المصدق منهما؟ "فأجاب" رحمه الله تعالى بقوله أفتى القاضي حسين بتصديق الزوج بالنسبة إلى عدم نفوذ الفسخ لا بالنسبة لإسقاط نحو النفقة ومشى على ذلك البوشنجي لكن خالفهما المتولي والمروزي فجزما بأنها تصدق فيما ادعته من عدم وصول النفقة وهذا هو قضية كلام الماوردي ورجحه ابن الصلاح ويؤيده ما في الروضة عن الأصحاب من أنه لو حلف لا تخرج إلا بإذنه ثم أذن لها في غيبتها ينبغي أن يشهد على الإذن لأنها قد تنكر فلا يصدق.
"وسئل" عما إذا امتنعت الزوجة من تمكين الزوج لتشعثه وكثرة أوساخه هل تكون ناشزة؟ "فأجاب" بقوله لا تكون ناشزة بذلك ومثله كل ما تجبر المرأة على إزالته أخذا مما في البيان عن النص أن كل ما يتأذى به الإنسان يجب على الزوج إزالته.
"وسئل" عما إذا طلب الزوج من زوجته عند الجماع رفع الفخذين والتحريك هل يجب عليها ذلك فتكون ناشزة إذا امتنعت؟ "فأجاب" رحمه الله تعالى بقوله الواجب عليها هو التمكين من الوطء بحيث يسهل على الزوج ولا يجب عليها ما وراء ذلك مما هو معروف وإن ترتب عليه مزيد قوة لهمة الرجل وتنشيط للجماع هذا هو الذي يتجه ويحتمل أن يجب عليها ما يتوقف عليه الإنزال، أو ما يترتب على تركه ضرر للرجل وأفتى بعضهم بأنه لو كان به علة لا يقدر معها على الجماع إلا مستلقيا فسألها أن تركبه وتكون هي الفاعلة لم يلزمها ذلك ولا تسقط نفقتها إذا امتنعت وفيه نظر والأوجه خلافه حيث لا ضرر عليها في ذلك.

 

ج / 4 ص -174-        "وسئل" عن طفلة أعسر زوجها وليس لها مال ولا من تلزمه نفقتها تجب نفقتها على من؟ "فأجاب" بقوله تجب في بيت المال فإن تعذر فعلى أغنياء المسلمين وهل هي قرض حتى يرجعوا عند اليسار أو لا قضية ما ذكروه في اللقيط والمضطر الأول وقضية ما أطلقوه في السير الثاني.
"وسئل" عن المرأة المزوجة إذا لم يسكنها الزوج في بيته بل كانت ساكنة هي وهو في بيتها مثلا أو بيت أبيها أو أحدهما هل يلزمها ملازمة البيت المذكور فلا تخرج إلا بإذنه وإذا خرجت منه بغير إذنه تكون ناشزة، أو لا؟ "فأجاب" رحمه الله تعالى بقوله للأصحاب في ذلك عبارتان إحداهما بيت الزوج والثانية سكنها وبهذه الثانية يتبين أن مراد من عبر ببيت الزوج، أو منزله ما له عليه ولاية الإسكان لكونه مالكه أو مستأجره أو مستعيره، أو نحو ذلك ومما يصرح بذلك قولهم لو كان المنزل لغير الزوج فأزعجت منه لم يكن ذلك نشوزا فتأمل قولهم لغير الزوج واشتراطهم في عدم بسقوط نفقتها بالخروج منه أن تزعج منه بأن يخرجها منه مالكه بدليل تعبير آخرين بأن من الأعذار إزعاج المالك فعلم أنه لا يشترط كونه ملك الزوج وأنها إذا خرجت من سكنها المملوك لغير الزوج فإذا كان ذلك لإخراج مالكه لها منه لم تسقط نفقتها وإلا سقطت ووقع في قوت الأذرعي أن من الأعذار أن يكون لغيره فتخرج منه ومراده بدليل عبارة الباقين خروجها منه لإخراج مالكه ونحوه وأما خروجها منه لغير ذلك ونحوه فنشوز بدليل قول الأذرعي نفسه بعد تلك الصورة وصور أخر وغير ذلك مما يعد الخروج به عذرا فبان بهذا أن قوله، أو يكون لغيره فتخرج منه محمول على ما إذا عذرت بالخروج منه وبحث فيه أنها لو جرت على مقتضى العرف المعتاد في حقها وحق أمثالها بالخروج في حوائجها لتعود عن قرب، أو لجام ونحوه فليس بنشوز للعرف في رضا أمثاله به وفيما بحثه نظر ظاهر أما أولا فلأنه منابذ لإطلاقهم سقوط النفقة بالخروج بلا إذنه بأنها في قبضته وبان له عليها حق الحبس في مقابلة وجوب النفقة وأما ثانيا فلأن العرف هنا غير مطرد لأن رضا الزوج بخروج زوجته وعدمه يرجع إلى ما عنده من الأنفة والغيرة ولا شك أن ذلك يختلف في الناس اختلافا كثيرا فكم من يرضى بالخروج ولو مع الريبة وكم من لا يرضى به وإن تحقق عدم الريبة سواء كانت المرأة قبل نكاحه تعتاده أم لا فالوجه خلاف ما بحثه الأذرعي وأنه لا يجوز لها الخروج من بيته الذي رضي بسكناها فيه سواء أكان ملكه أم غير ملكه إلا بإذنه سواء اعتادت الخروج أم لا نعم جوزوا لها الخروج لإعذار كخوف من نحو انهدام، أو فسقة وكخراب المحلة حول بيتها حتى صار منفردا وكإزعاج مالك المنزل كما مر وكالخروج لاستفتاء لم يكفها الزوج مؤنته وغير ذلك مما في معناه كما مر، والله سبحانه وتعالى أعلم.
وسئل عن الولد المحضون إذا كانت نفقته على غير من له الحضانة كأن كانت أمه

 

ج / 4 ص -175-        تحضنه ونفقته على أبيه فطلبت الأم تسليم نفقة الولد المحضون إليها وامتنع الأب أن يجيء الولد إليه ويأكل عنده فمن المجاب منهما؟. وهل يختلف الحال بين ما إذا كان المحضون ذكرا أو أنثى وبين ما قبل سن التمييز وما بعده حيث اختار الأم؟. "فأجاب" رحمه الله تعالى بقوله إذا أمكن الولد الذكر المجيء إلى بيت أبيه والأكل عنده لم يلزمه نقل النفقة إليه إلى بيت أمه وإن ثبت لها الحضانة بل صرح الإمام بذلك حتى في الأب مع الولد فقال لا يجب تسليم النفقة بل له أن يقول كل معي وقد يتوقف في هذا في حق الأب إذا امتنع من الحضور فإن حضر الولد إليه فذاك اهـ. وتوقفه يجاب عنه بأن المعتمد الذي نقله الرافعي هنا عن الأئمة أن النفقة للقريب ليست تمليكا وإنما هي إمتاع لأنها ليست بعوض بل معونة ومواساة وإذا كانت إمتاعا لا تمليكا فلا يلزم المتبرع بذلك الإمتاع والمواساة نقلها إلى محل المنفق عليه بل له أن يقول له ائت إلى عندي لأواسيك وواضح أن الكلام فيما إذا سهل على المنفق عليه الإتيان وإلا فالذي يتجه أنه يلزم المنفق إرسالها إلى محل المنفق عليه لأن اللازم له الكفاية ولا تتم إلا بإيصالها إليه وإنما نظرنا إلى هذا عند نحو عجز المنفق عليه لعذره بخلافه عند السهولة فإنه لا كلفة عليه في مجيئه إلى قريبه ولا يكلف حينئذ قريبه الحمل إليه رعاية لكونه مواسيا ومتبرعا
هذا توجيه كلام الأصحاب وإن كان لتوقف الإمام في الأب وجه وجيه إذ اللائق بطلب مزيد احترامه وبره أن لا يكلف المجيء صباحا ومساء إلى بيت ابنه وأما الأنثى فيلزم الأب نقل كفايتها إلى بيت أمها الثابت لها حضانتها أصالة، أو باختيارها بعد تمييزها كما دل عليه تصريحهم بأنها إذا اختارت الأم تكون عندها ليلا ونهارا فيزورها الأب ولا يطلب إحضارها عنده بل يلاحظها بقيامه بتأديبها وتعليمها وتحمل مؤنتها قالوا والصغير الذي لا يميز والمجنون كذلك فيكونان عندها ليلا ونهارا ويزورهما الأب ويلاحظهما بما ذكر، والله سبحانه وتعالى أعلم.
"وسئل" رحمه الله تعالى بما لفظه في الجواهر عن القاضي أن المرأة إذا أرادت إثبات إعسار زوجها الغائب لفسخ النكاح أن الحيلة أن تدعي على رجل إنك ضمنت لي عن زوجي عشرة دراهم من جهة النفقة فينكر فتقيم البينة على إثبات الضمان والنكاح فإذا ثبت النكاح فالقاضي إن وجد مالا فرض النفقة فيه وإن لم يجده فلها الفسخ ثم قال قلت وفي دعوى الدراهم نظر وينبغي أن تدعي نفس الطعام اهـ. فهل ذلك معتمد، أو لا؟ "فأجاب" نفع الله سبحانه وتعالى بعلومه بقوله المعتمد خلاف ظاهر ذلك ففي أصل الروضة لو لم يوجد له مال حاضر وجهل في اليسار والإعسار فلا فسخ لأن السبب لم يتحقق فلو شهدت البينة أنه غاب معسرا فلا فسخ أيضا كما أفتى به ابن الصلاح لأن الأصل دوام النكاح فلو شهدت بإعسار الغائب الآن بناء على الاستصحاب جاز لها ذلك إذا لم تعلم زواله وجاز الفسخ حينئذ وعلى ذلك يحمل قول أصل الروضة إذا ثبت إعسار الغائب عند حاكم بلد الزوجة جاز الفسخ إذ صورته أن تشهد البينة عنده بإعساره في الحال وذكر

 

ج / 4 ص -176-        دعوى الضمان في عبارة القاضي إنما هو للتوصل به عنده لإثبات استحقاق النفقة الذي هو فرع ثبوت الزوجية لتقوم البينة بعد إنكار منكر فيثبت مقتضاها فيتوصل بذلك إلى الفسخ لا أنها تفسخ حينئذ بالعجز عن الفقه المضمونة الماضية ولا بعجز الضامن إذ لا قائل به وقوله فينكر فتقيم البينة ظاهرة توقف الدعوى على الغائب وإقامة البينة على إنكار منكر وليس كذلك إلا أن تكون الدعوى عليه بإسقاط حق له كالإبراء من دينه فإن القاضي لا يسمع البينة بالبراءة لكن حيلته أن يدعي إنسان أن رب الدين أحاله به فيعترف بذلك ويدعي البراءة فتسمع دعواه حينئذ وبينته.
"وسئل" عما إذا نشزت المرأة فغاب عنها فوق مسافة القصر ثم عادت إلى طاعته وتعذر إنهاء الخبر إليه لفقد مؤنة البعث هل تجب لها النفقة أو لا وهل يثبت لها الفسخ في هذه الحالة أو لا؟ "فأجاب" بأن الذي صرح به الشيخان وغيرهما أن الناشز إذا غاب زوجها لا تعود نفقتها بعودها إلى الطاعة بل لا بد أن ترفع الأمر إلى القاضي ليقضي بطاعتها ثم يرسل يخبر الزوج بذلك فإذا رجع هو، أو وكيله وتسلمها عادت النفقة وإن علم ولم يرجع هو ولا وكي له عادت إذا مضى زمن إمكان عوده فإن لم يعرف موضعه ففي الروضة وأصلها عن المتولي أن الحاكم يكتب إلى حاكم البلاد التي تردها القوافل من تلك البلدة في العادة ليطلب وينادي باسمه فإن لم يظهر فرض القاضي نفقتها في ماله الحاضر وأخذ منها كفيلا بما يصرف إليها لاحتمال موته، أو طلاقه اهـ. وقياسه أنه لو كان بمحل لا يمكن وصول الخبر من الحاكم إليه إما لخوف طريق، أو نحوه فرض القاضي نفقتها في ماله الحاضر وأخذ منها كفيلا فإن لم يكن له مال حاضر فإن شاء اقترض لها عليه، أو أذن لها في القرض، أو فرض نفقتها عليه ليوفيها إذا حضر وذكر الغزي أنها إذا بذلت الطاعة وهو غائب وأعلمه القاضي فقصر في تسلمها فرض لها القاضي نفقة المعسرين إلا أن يثبت يساره، أو توسطه اهـ. وأما فسخ النكاح فالمعتمد من اضطراب طويل فيه بين المتقدمين والمتأخرين أنه لا يجوز إلا إن شهدت بينة أنه الآن معسر عاجز عن أقل واجب النفقة والكسوة ولا يكفي فقد خبره ولا امتناعه من الإنفاق ولا غيبته معسرا فكل هذه ونحوها لا يجوز به فسخ النكاح بل لا يجوز إلا إن شهدت بينة شرعية بما ذكر ولا تسأل من أين لك أنه معسر الآن لأن الشهادة قد تحصل عنده من القرائن بما يؤدي إلى اليقين فيجوز له الاستناد إليه في الجزم بالشهادة وإن كان لو صرح بمستنده بطلت شهادته.
"وسئل" نفع الله تعالى بعلومه عن رضيع حضنته حاضنة شرعية أم مثلا أو غيرها وغاب والده مثلا أو امتنع من الإنفاق عليه فيما يلزمه شرعا من أجرتي حضانة ورضاع وغير ذلك من اللوازم الشرعية مع غناه ففرض عليه حاكم شرعي مالا معلوما باجتهاده في مقابلة ذلك وأذن لحاضنته بالإنفاق عليه من مالها أو بالاقتراض عليه لترجع بذلك على مال والده فإذا

 

ج / 4 ص -177-        اقترضت أو أنفقت عليه من مالها بنية الرجوع مدة طويلة تبين فيها فقر والده، أو موته هل يلزمها ما اقترضت عليه ويفوت عليها ما أنفقته عليه مجانا، أو ترجع على مال الولد المحضون إذا حصل له مال في حال صغره، أو كبره أو على الأقرب من أجداده إذا كان موسرا.
وإذا اقترضت الحاضنة بإذن الحاكم هل يصير دينا لها كما قاله الغزالي أولا كما ذكره جمع كالقاضي أبي الطيب والبندنيجي والشيخ أبي إسحاق وغيرهم وإذا قلتم يصير دينا لها كما قاله الغزالي كيف صورة الاقتراض تقول اقترضت هذا المال في ذمتي ومالي لأنفقه على الولد المحضون، أو في ذمة المحضون وماله، أو والده إذا كان أحدهما غنيا فإن قلتم بالأخير فهذا يشكل بالاقتراض على ذمة الغير وكيف يلزمه ذلك أوضحوا لنا ذلك وهل للحاضنة أخذ الرضاع نفقة كنفقة زوجة موسر مثلا أو متوسط مثلا أو معسر ولها أجرة مثلها إذا لم يكن لها مسمى غير أجرة الرضاع وإذا انفصل الرضاع هل تستحق نفقة أو أجرة إذا قلتم بها لحضانتها وتعهدها لما يحتاج إليه إلى سن التمييز والتخيير أم تسقط في هذه المدة ولا يلزم فيها والده غير نفقة ولده ولوازمه الشرعية فقط سواء كانت الحاضنة أما أم أجنبية وإذا امتنعت الأم من إرضاع ولدها بعد سقيه اللبأ واستأجرنا له مرضعة ذات لبن وولد للإرضاع فقط واشترت للمحضون لبنا وسقته هل يقوم مقام لبنها إذا غذي به أم يجب عليها سقيه من لبنها وهل هذه الإجارة للإرضاع فقط صحيحة لما فيها من الجهالة بلبنها وعدم رؤيته واشتراكه بين المحضون وولدها لأن الأصحاب قالوا شرط المنفعة أن تكون معلومة كالمبيع وليست هذه كبيع الماء الداخل في المبيع بالتبعية وهذه إجارة مستقلة بالإرضاع فقط فما وجه الصحة أوضحوا لنا ذلك وهل يجب على المرضعة المستأجرة أن تضيف إلى اللبن سمنا وإذا استكثر المنفق من القرض الذي فرضه الحاكم الشرعي عليه لحط الأسعار أو استقلت الحاضنة منه مع ارتفاع الأسعار هل للحاكم أن ينقض حكمه الأول ويزيد، أو ينقص فيما فرضه أم لا وإذا أراد المنفق أبا كان أو وصيا، أو قيما أن يمون المحضون الذي غير مميز بأن يكون عنده في بيته أول النهار وآخره أمد الرضاع ليشتري له من اللبن والسمن ما يكفيه ويسقيه بنفسه، أو بمن يثق به ثم يرده إليها، أو أراد أن يمونه أيضا بعد أمد الرضاع إلى سن التمييز والتخيير بأن يطعمه من العيش والأدم في بيته أول النهار وآخره كالأول ثم يرده إليها هل له ذلك سواء أرضيت أم كرهت بها عذر كمرض أم لا وهل للحاكم الشرعي أن يحكم له بذلك أم لا وإذا رأى ما يكره من الدخول على موليته في بيت الحاضنة من الرجال وغيرهم من آلات اللهو وغيرها هل له نزعه منها لا سيما إذا كان المحضون أنثى لما يلحقه من الغيرة وتسقط حضانتها بذلك وتنتقل عنها بل قالوا بإسقاط حضانتها فيما هو أهون من ذلك بتزويجها على الغير وهو محرم للمحضونة بالزوجية على أمها أوضحوا لنا ذلك وهل للزوج منع ولد زوجته من غيره من الدخول عليه سواء أكان مميزا أم غير مميز في منزله، أو منزلها إذا تبرعت له بالسكنى حاضرا كان، أو غائبا مقيما، أو مسافرا فإذا أدخلته

 

ج / 4 ص -178-        في حالة من الحالات هل تكون ناشزا ويسقط ما لها من النفقة واللوازم الشرعية أم لا لدخول ما لا يجب على فراشه أم يأثم بذلك ولا نشوز فإذا قلتم له منعه من الدخول فأخرجه من منزله هل يأثم بذلك، أو لا فإذا أخرجه إلى رحبة منزله أو غيرها وكان غير مميز وحصل عليه عاطل بوطء دابة، أو غيرها هل يضمن بذلك سواء أوجد من يأخذه منه أم لا أوضحوا لنا ذلك كله وضوحا شافيا؟ "فأجاب" نفع الله تعالى المسلمين بقوله لا تصير نفقة الفرع، أو الأصل بمضي الزمان دينا وإن تعدى من لزمته بالامتناع نعم إن فرضها القاضي، أو أذن في اقتراضها صارت دينا كما قاله الشيخان واعتراض كثيرين عليها بأن ما قالاه خلاف المنقول بسطنا الكلام على رده في شرح الإرشاد وفيما إذا امتنع من لزمته أو غاب وله مال حاضر لمستحق النفقة أخذها منه وكذا للأم أخذها لنحو طفل من مال أبيه ولو بغير إذن قاض ثم إن وجد في ماله جنس الواجب لم يأخذ غيره وإلا أخذه فإن لم يكن له ثم مال أذن القاضي في الاقتراض عليه إن تأهل وإلا أذن للأم في ذلك إن تأهلت أيضا فإن لم يكن ثم قاض فاقترضا على الغائب ومثله الممتنع وأشهدا بذلك رجعا عليه بما اقترضاه وإن لم يشهدا فإن لم يتمكنا من الإشهاد رجعا أيضا وإلا فلا ولو أنفقت الأم على طفلها الموسر من ماله بلا إذن أب مثلا أو قاض جاز وقيده الأذرعي بما إذا امتنع الأب، أو غاب قال ولعله مرادهم وهو كما قال وإن أنفقت من مالها لترجع عليه، أو على أبيه إن لزمته نفقته لم ترجع على الأوجه إلا إن عجزت عن القاضي وأشهدت على ذلك إن أمكنها الإشهاد ولو غاب الأب لم يستقل الجد بالاقتراض عليه بل لا بد من إذن قاض له إن أمكن وإلا فالإشهاد إن أمكن أيضا كما هو ظاهر ثم نفقة القريب لا تقدير لها إلا بالكفاية فللطفل مؤنة إرضاع حولين ولنحو شيخ وفطيم ما يليق به ويعتبر حاله في سنه وزهادته ورغبته ويجب إشباعه لا المبالغة فيه والأدم وخادم احتاجه وكسوته وسكنى لائقين به وأجرة الطبيب وثمن أدوية وأجرة ختان وهذا كله على سبيل الإمتاع لا التمليك قال الإمام ومن ثمرة ذلك أنه لا يلزمه تسليم النفقة إليه فلو قال كل معي كفى ولو أعطاه نفقة، أو كسوة لم يجز له أن يملكها لغيره ومؤنة خادم القريب كمؤنته فيما ذكر نعم لو لم ينفق عليه مدة لم تسقط نفقته كما رجحه البلقيني بخلاف نفقة القريب والفرق أن تلك عوض عن الخدمة والخدمة قد استوفيت فوجب مقابلها بخلاف نفقة القريب فإنها محض مواساة لا في مقابلة شيء وهذا الفرع من النوادر لأن التابع فيه زاد على المتبوع وعلى الأم إرضاع ولدها اللبأ وإن وجد غيرها لأنه لا يعيش ولا يقوى غالبا إلا به وهو اللبن النازل أول الولادة ومدته يسيرة والأوجه الرجوع فيها لأهل الخبرة ولها الامتناع من إرضاع الزائد عليه إن وجد غيرها ولها طلب الأجرة من أبيه ولو للبإ إن كان لمثله أجرة نعم إن وجد متبرعة، أو من ترضى بأقل منها جاز له نزعه منها وهذه الأجرة تجب في مال الطفل إن كان وإلا فعلى الأب ثم الجد ثم الأم كالنفقة ولا تزاد في نفقة الزوجة للإرضاع وليس له منعها إن كانت وإلا فعلى الأب ثم الجد ثم الأم كالنفقة ولا تزداد في نفقة الزوجة للإرضاع وليس له منعها منه وإن أخذت الأجرة نعم عند أخذها

 

ج / 4 ص -179-        تسقط نفقتها إن نقص الاستمتاع بإرضاعها وإلا فلا ومؤنة الحضانة في مال نحو الطفل فإن لم يكن له مال فعلى الأب ثم الجد ثم الأم كالنفقة بجامع أن كلا من أسباب الكفاية إذا تقرر ذلك علم منه الجواب عن ترديدات السائل في السؤال الأول بأطرافه ولنصرح بحكم كل أيضا زيادة في الإيضاح فنقول ما اقترضته الأم بإذن الحاكم لا يضيع عليها مجانا بل إن كان للولد مال حال الإنفاق عليه من ذلك المقترض فهو في مال الولد وإن لم يكن للولد مال فهو في مال الأب فإن أعسر، أو مات ففي مال الجد فإن أعسر، أو مات فعلى الأم وقد صرحوا بأنه لو كان للصغير مال غائب أنفق عليه الأب قرضا فإذا وصل ماله رجع بما أنفق وبأنه لو قصد بالإنفاق الرجوع رجع سواء أنفق بإذن الحاكم، أو بلا إذن فإن تلف المال بعد قدومه سقط عن الولد ما أنفقه بعد تلف المال دون ما أنفق قبله بل يبقى عليه يرجع به إذا أيسر وكذا حكم من يستغني بكسبه وصورة الإذن من القاضي في الاقتراض أن يقول لها أذنت لك في الإنفاق على ولدك من مالك كل يوم كذا، أو في الاقتراض والإنفاق عليه من المقترض كل يوم كذا، أو نحو ذلك فإذا أرادت تقترض قالت لمن يريد إقراضها أقرضني كذا لأنفقه على ولدي أو اقترضت كذا، أو تنوي ذلك فلا يحتاج لقولها في ذمتي بل لا يصح لأن القرض لا يصير في ذمتها إلا إن بان أن الإنفاق واجب عليها لفقد أبيه وجده كما تقرر ولا لقولها في ذمة الولد وإن كان له مال لأن نيتها كون الاقتراض له كاف إذ هي حينئذ نائبة عن القاضي في الاقتراض للولد، والولي إذا اقترض لموليه لا يحتاج للتصريح باسمه بل يكفي نيته فاندفع قول السائل فهذا يشكل إلخ والذي تستحقه الحاضنة على من لزمته نفقة المحضون هو أجرة إرضاعها إن كان رضيعا وإلا فأجرة خدمتها إلى أن ينتهي زمن الحضانة باختيار غيرها أو البلوغ مع صلاح الدنيا قالوا وعلى المستأجر للحضانة حفظ الطفل وتعهده بغسل رأسه وبدنه وثيابه وتطهيره وتدهينه وتكحيله وإضجاعه في نحو مهد وربطه وتحريكه للنوم ونحو ذلك مما يحتاج إليه لاقتضاء اسم الحضانة عرفا لذلك ولا تستتبع الحضانة الإرضاع في الإجارة وعكسه لأن كلا منهما يفرد بالعقد كسائر المنافع نعم إن كانت الحضانة للأم ولم يكن ثم منفق غيرها لم تستحق شيئا لأن نفقة المحضون لازمة لها حينئذ ونقل الأزرق في نفائسه عن الإمام العامري أن القاضي لو قال للأم أرضعي الطفل واحضنيه ولك الرجوع على الأب رجعت عليه من غير عقد إجارة ونقل فيها خلافا بين بعض فقهاء اليمن فيما إذا حضنت من لها حق الحضانة بقصد الرجوع وأشهدت عليه ومضى زمن ولم تطالب بها ولا رفعت أمرها لحاكم فقال بعضهم تسقط كنفقة القريب وقال بعضهم لا تسقط وصوبه الأزرق قال واختاره في الشامل والوجه كما علم مما قررته أولا أن السقوط محمول على ما إذا كان الأب حاضرا وتيسرت مطالبته فتركتهما وإن عدمه محمول على ما إذا كان غائبا وتعذر الرفع إلى القاضي ثم الإشهاد على أن قضية ما مر عن البلقيني أنه لا سقوط مطلقا إلا أن يفرق وظاهر كلامهم أنه لا يكفي من استؤجرت

 

ج / 4 ص -180-        للإرضاع شراء لبن للطفل ويؤيده قول ابن الصلاح لو استأجرها لإرضاعه فأرضعت معه آخر فإن نقص ما هو مستحق عليها بالإجارة ثبت الفسخ وإلا فلا وقولهم لو عقد الإجارة على الإرضاع والحضانة فانقطع اللبن انفسخ العقد فيه وحده وسقط قسطه من الأجرة لأن كلا منهما مقصود وفي الروضة وغيرها وإن نوزع فيه أن على المرضعة الغذاء بما يدر لبنها وللمكتري أن يطالبها بأكل ما يدره فأفهمت عباراتهم هذه أنه لا يقوم مقام إرضاعها شراؤها لبنا وسقيه إياه وإن قرض الاغتذاء به وهو ظاهر لأن السقي لا يقوم مقام الإرضاع من كل وجه كما هو مشاهد بل ربما أوجب سقي اللبن المشترى للولد ضررا ظاهرا لو اقتصر عليه من غير إرضاع والإجارة للإرضاع وحده صحيحة كما مر وتقدر بالزمان فقط لأن تقدير اللبن وما يستوفيه الصبي كل مرة وضبط المرات إنما يتأتى بالزمن لا غير وتجب رؤية الصبي وتعيين موضع الإرضاع أهو بيته أم بيتها لاختلاف الغرض بذلك وكذا صرحوا به وبه يندفع قول السائل لأن الأصحاب إلخ ولا يجب على المستأجرة للإرضاع أن تضيف إلى لبنها الذي ترضع به الولد سمنا ولا غيره كما هو ظاهر من كلامهم بل لو شرط ذلك عليها فسدت الإجارة لأنه شرط ينافي مقتضاها وللحاكم بل عليه أن يزيد فيما فرضه للولد وأن ينقص عنه بحسب ما ظهر له مما يقتضي ذلك وليس هذا نقضا لتقديره الأول لأنه كان لمصلحة فإذا بان أن المصلحة في خلافها انتهى الحكم الأول لانتهائها بما ظهر للقاضي من أن المصلحة في غيرها ومر أن نفقة القريب غير مقدرة وأنها الكفاية فللمنفق حينئذ بذلها على أي كيفية شاء حيث لا مانع ومثله في ذلك وكيله وكذا الوصي والقيم والحاكم فإن شاء أنفق عليه في بيت حاضنته، أو في بيت نفسه وللحاكم الشافعي إن لم يتقدم حكم مخالف الحكم له بما قررناه نعم غير المميز وكذا المجنون والأنثى المميزة إذا اختارت الأم فهؤلاء الثلاثة يكونون عند الأم ليلا ونهارا لاستواء الزمان في حقهم فيزورهم الأب على العادة ولا يطلب إحضارهم عنده ويتفقد حالهم ويلاحظهم بتحمل مؤنتهم وتأديب الأنثى وتعليمها وفي الجواهر إذا طلقت من لها الحضانة وهي في منزلها فلها إرضاعه في الحال بغير إذن الزوج فإن كانت رجعية فأرضعته بغير إذنه فالمذهب أنها تستحق النفقة عليه وقول أبي علي عندي أنها كالتي في صلب النكاح غلطه الإمام فيه وحكم المتوفى عنها زوجها إذا قلنا تستحق السكنى حكم المطلقة البائن ثم قال ولو اختار أمه فعلى أبيه مؤنة كفالته كم يجب عليه مؤنة الحضانة وهي أقل غالبا؟ قال الإمام وإنما تجب مؤنة الحضانة إذا لم يقم بها بنفسه وقال غيره الذي يظهر وجوب أجرتها وأنه لا يجاب إلى توليها بنفسه قال الماوردي ولو احتاج الولد إلى خدمة في الحضانة، أو الكفالة والفرق بينهما أن الأولى إلى التمييز والثانية منه إلى البلوغ أي وقال غيره تسمى حضانة أيضا ومثله ممن يخدم قام الأب باستئجار خادم أو ابتياعه على حسب عادة أمثاله ولا يلزم الأم مع استحقاقها حضانته أن تقوم بخدمته إذا كان مثلها لا يخدم سواء في ذلك الغلام والجارية

 

ج / 4 ص -181-        اهـ. وما أفهمه كلامه من أن الأم المعتادة للخدمة تلزمها الخدمة وهو بعيد بل غير مراد بل هي على الأب كما يصرح به كلامه أولا لأنها من جملة كفايته فإن وجب الإنفاق على الأم لزمها الخدمة بنفسها أو غيرها سواء اعتادتها أم لا ومن شروط الحضانة عدالة الحاضنة العدالة الظاهرة فلا حضانة لفاسقة وصغيرة وسفيهة ومغفلة فإن وقع تنازع في ثبوت الأهلية فإن كان بعد تسليم الولد لم ينزع ممن تسلمه ويقبل قوله في الأهلية وإن تنازعا في ثبوتها قبل التسليم فلا بد من بينة إذا تقرر هذا فإن أثبت في حاضنة بنته نحو فسق انتزعها منها وإلا فلا لكن له منع من يدخل على بنته ممن يخشى منه الريبة ويجوز للزوج منع ولد الزوجة من الدخول إليها إلا كانت ساكنة بمحل يستحق منفعته دون ما إذا كانت ساكنة بملكها إن تبرعت له بالسكنى فيه وسواء في الحالة الأولى كان الزوج المانع غائبا أم حاضرا فإن أدخلته بغير رضاه أثمت ولا تكون ناشزة كما هو ظاهر نعم إن كان إخراجه لغير المميز يضره لزمه رفع الأمر للقاضي فإن تعدى وأخرجه فكسره، أو قتله جان آخر أثم الزوج والضمان على الجاني أو مالكه المقصر لأنه المباشر.
"وسئل" نفع الله بما صورته هل للولي مثلا أو للحاكم الشرعي أن يستأجر للولد امرأة لرضاعه وامرأة أخرى لحضانته إذا رأى ذلك مصلحة للولد سواء كانت إحداهما أما، أو كانتا أجنبيتين فإذا قلتم نعم فلا يخفى عليكم ما في هذا من المشقة على الولد ولا سيما إن كانت كل امرأة في محل بعيد عن صاحبتها وهل يشترط أن تكون الحاضنة ذات لبن لترضعه مرة وتحضنه أخرى أم لا يشترط ذلك فإن كانت الحاضنة الشرعية غير ذات لبن هل تسقط حضانتها أم تحضنه ويشتري له لبنا وما يحتاج إليه وليه الشرعي أم تنتقل الحضانة عنها إلى غيرها من الحاضنات بعدها إذا كانت ذات لبن أم لا؟ "فأجاب" رحمه الله تعالى بقوله الأم متى استحقت الحضانة وكانت مرضعة ورضيت بأجرة المثل ولم يوجد من ترضى بأقل منها فلا يجوز استئجار غيرها لحضانة ولا لرضاع كما علم مما مر في السؤال الأول لاستحقاقها لهما فلا يجوز نقلهما إلى غيرها بدون رضاها وإن كانت غير لبون، أو امتنعت من إرضاعه، أو لم تكن حاضنة جاز استئجار واحدة للإرضاع وأخرى للحضانة كما علم مما مر ثم أيضا ولا عسر في ذلك لسهولة اجتماع المستأجرتين في محل واحد والذي أفهمه كلام الروضة وأصلها ونقله في المحرر عن الأكثرين واعتمده ابن الرفعة وغيره أنه يشترط في استحقاق الحضانة كونها مرضعة لطفل احتيج إلى إرضاعه فإن لم يكن لها لبن أو امتنعت من الإرضاع فلا حضانة لها لعسر استئجار مرضعة تترك منزلها وتنتقل إلى مسكن المرأة ونظر فيمن لا لبن لها بأن غايتها أن تكون كالأب وبأن كلام الأئمة يقتضي الجزم بأنه لا يشترط كونها ذات لبن والأوجه وفاقا للبلقيني وغيره استحقاق من لا لبن لها بل قال البلقيني لا خلاف في استحقاقها وأما من لها لبن وامتنعت من إرضاعه فلا حضانة لها وهو محمل كلام الشيخين والأكثرين

 

ج / 4 ص -182-        "وسئل" عن إعفاف الأصل هل من شرطه أن يكون فاضلا عن قوت الفرع وقوت زوجته فقط كالنفقة أم لا بد أن يكون موسرا زائدا على ذلك؟ "فأجاب" رحمه الله تعالى بقوله الوجه أن اليسار هنا معتبر بما ذكروه في النفقة وعبارة شرحي للإرشاد لأنه من وجوه حاجاته المهمة فوجب على ابنه القادر عليه كالنفقة وقضيته أن العبرة في القدرة هنا بما يأتي في النفقة وكلام التنبيه وغيره ظاهر في ذلك وإمكان الفرق بأن هذا ليس ضروريا لإمكان الصبر عنه بخلافها لا يؤثر هنا كما هو ظاهر اهـ. والله سبحانه وتعالى أعلم.
"وسئل" عن رجل غاب عن زوجته ولم يترك مؤنتها فهل لها الفسخ وما شروطه وما كيفية لفظه؟ "فأجاب" بقوله نعم لها الفسخ بشرط أن تقيم بينة عادلة تشهد عند قاض بإعساره عن أقل نفقتها وعن أقل مسكن يجب لها وعن أقل كسوتها ويشترط أن تذكر البينة إعساره حال شهادتها ولا يكفي قولها غاب معسرا ولها أن تعتمد في الشهادة بإعساره في الحال استصحاب حالته التي غاب عليها وإن أمكن خلافها لأن الأصل بقاؤه على ما كان عليه ولا تصرح البينة بالاستصحاب في شهادتها الموهم للتردد فإنه يقتضي رد الشهادة فإذا ثبت إعساره عند القاضي فسخ هو بأن يقول فسخت نكاح فلان لفلانة، أو أذن لها حتى تفسخ هي بأن تقول فسخت نكاح فلان لي فإن استقلت بالفسخ بلا إذن قاض لم ينفذ ظاهرا ولا باطنا ولو قدم الغائب وادعى أن له مالا في البلد لم تعلمه بينة الإعسار لم يقدح ذلك في صحة فسخ القاضي نعم إن شهدت البينة بأن المرأة تعلمه وتقدر عليه بان بطلان الفسخ لأنه بان عدم وجود شرطه المجوز له، والله سبحانه وتعالى أعلم.
"وسئل" عمن تزوج امرأة فقال لم أجدها بكرا وآذاها ووالديها بذلك فخرجت من كثرة أذاه من بيته واستمرت على ذلك مدة فهل تسقط نفقتها وكسوتها وإذا قلتم نعم وقالت لم أخرج إلا لإيذائه فقط ما الحكم؟ "فأجاب" بقوله إن خرجت إلى الحاكم لتطلب منه أن يمنعه من إيذائها لم يكن ذلك نشوزا فلا تسقط نفقتها ولا كسوتها وإن خرجت لغير الحاكم كانت ناشزة فتسقط نفقتها وكسوتها مدة إقامتها في غير بيته، والله سبحانه وتعالى أعلم.
"وسئل" عما إذا سلمت الزوجة نفسها إلى الزوج ومكنته ثم ادعى الزوج عدم التمكين من الوطء هل هو كدعوى النشوز فهو المطالب بالبينة أم لا وقالوا في باب البينات لو ادعت التمكين فأنكر صدق بيمينه ولعل هذا في ابتداء التمكين أما بعد التمكين الأول فلا؟ "فأجاب" رحمه الله تعالى بقوله عدم التمكين من الوطء ونحوه بغير عذر شرعي هو من جملة أنواع النشوز فيأتي فيه ما ذكروه فيه على أنهم تعرضوا له بشخصه حيث قالوا لو اختلفا في النشوز صدقت بيمينها لأن الأصل عدمه وبقاء التمكين فتأمل قولهم وبقاء التمكين تجده صريحا في أنهم نصوا على أن المصدق في دوام التمكين هي ما لم تقم عليها بينة بخلافه وقد صرحوا كما ذكره السائل بأنه هو المصدق في عدم التمكين ابتداء لأن

 

ج / 4 ص -183-        الأصل عدمه فهم مصرحون بالمسألتين وبالفرق بينهما كما علمت وحينئذ فلا يحتاج لقول السائل ولعل هذا إلخ لأنه لو أمعن النظر وأنعمه في كلامهم لعلم منه أن هذا هو المنقول كما تقرر فلا يحتاج إلى بحثه، والله سبحانه وتعالى أعلم.
"وسئل" نفع الله سبحانه وتعالى بعلومه وبركته المسلمين عما عمت به البلوى من أن الشخص يخاصم زوج بنته فيمنعه من الدخول عليها ويحبسها عنه وليس في البلد حاكم يمنعه من ذلك والزوج عاجز عن الدخول عليها وإسكانها في محل آخر خوفا من أبيها وهي متضررة بعدم النفقة والكسوة فهل تستحق الفسخ والحالة هذه وإذا زنت امرأة فعلم زوجها فهربت خوفا على نفسها واضطرت للنفقة والكسوة فهل لها الفسخ أم لا؟ "فأجاب" عفا الله تعالى عنه بقوله لا فسخ في واحدة من المسألتين لا من جهة الزوج ولا من جهة الزوجة لأن العجز عن الزوجة في ذلك نادر جدا وكذا عدم وصول النفقة والكسوة بسبب ما ذكر وقد صرح الأئمة بأن الزوج الموسر لو امتنع من الإنفاق على الزوجة لم يكن لها الفسخ بذلك وعللوه بأنها تقدر على التخلص منه بالسلطان، أو نائبه ثم قالوا فإن فرض عجز السلطان فهو أمر نادر والأمور النادرة تلحق بالغالب ولا تفرد بحكم يخصها بخلاف ما لو كان عجزه عن النفقة، أو الكسوة مثلا لإعساره وثبت إعساره عند الحاكم فإنه يفسخ عليه به لأن الإعسار أمر يغلب وقوعه فلو منعنا الفسخ به كما قاله أبو حنيفة رضي الله تعالى عنه لأضررنا بحال أكثر النساء اللاتي يقع لأزواجهن الإعسار وبهذا يعلم أن النكاح يحتاط لحله من غير رضا من العصمة بيده وهو الزوج فلا يقدم عليه إلا بعد مزيد ضرورة يغلب سبب وقوعها ولما نظر أبو حنيفة رضي الله تبارك وتعالى عنه إلى ذلك الاحتياط بالغ فيه فمنع الفسخ في النكاح حتى بالإعسار وغيره، والله سبحانه وتعالى أعلم.
"وسئل" عمن له أبوان محتاجان إلا اكتسب لإنفاقهما فاته الاشتغال بالعلم المرجو منه تحصيله لو اشتغل به وإن اشتغل به ضاعا أو صارا كلا على الناس فمن يقدم؟ "فأجاب" رحمه الله تعالى بقوله إن أريد بالعلم الواجب على الكفاية قدم الكسب عليه لأنه فرض عين فوري وهو مقدم على فرض الكفاية وظاهر إطلاقهم وجوب الكسب لهما وإن قدرا على الكسب أنه يقدم الكسب لهما هنا مع قدرتهما على الكسب وإن فاته العلم لما تقرر أن فرض العين الفوري مقدم على فرض الكفاية، أو الواجب عينا فورا كتعلم الفاتحة فهذا هو الذي يتردد النظر فيه لأن كلا منهما عيني فوري وقد تعارضا فيحتمل أن يقال أنه يتخير بينهما ويحتمل تقديم الأبوين رعاية لحقهما المتأكد ويحتمل تقديم التعلم أخذا من قولهم لو تعارض شراء الماء للطهارة وستر العورة لها قدم الثاني لدوام نفعه فكذلك ينبغي تقديم التعلم لدوام نفعه وأيضا فحق النفس مقدم على حق الغير كما قالوه في نظائر لذلك وهذا هو الذي ينبغي ترجيحه وظاهر أن محل ذلك ما إذا لم يكن الأصل مضطرا والا قدم

 

ج / 4 ص -184-        الكسب له لقولهم لو تعارض نحو إنقاذ غريق وإخراج الصلاة عن وقتها لزمه تقديم الأول أي لأنه لا يتدارك لو فات والصلاة تتدارك لو فاتت وهل غير الأصل لو اضطر كذلك ظاهر كلامهم في مبحث الاضطرار لا وذلك أن كلامهم ثم ظاهر في أنه لا يجب إنقاذ المضطر بالكسب وإنما يجب على من معه طعام بشرط أن لا يكون مالكه مضطرا إليه حالا، والله سبحانه وتعالى أعلم.